أكدت الوفود العربيّة والأجنبيّة المشاركة في مؤتمر متحف الكفيل الدوليّ الرابع، أنّ المؤتمر تكمن أهميتُه في تبيان الدور الأساسيّ المناط بالمتاحف. جاء ذلك في كلمة الوفود المشاركة التي ألقتها مديرة قسم الشرق في معهد الآثار الألمانيّ في برلين الدكتورة مارغاريته فان إس، ضمن فعاليات مؤتمر متحف الكفيل الدوليّ الرابع الذي يُعقد تحت شعار (المَتَاحِفُ هُويَّةٌ ثَقَافِيَّةٌ) وبرعاية العتبةِ العبّاسيّة المقدّسة، للمدّة (23 – 24/ 11/ 2023م). وقالت مارغاريته في كلمتها: (تعتمد المتاحف على ركيزتين أساسيتين على الأقل: المخازن، التي تضمّ عادةً أعدادًا ضخمةً من القطع المتحفيّة، من جهةٍ، وصالات العرض التي تحوي نماذجَ منتقاة بعناية شديدة، بحيث تعطي للجمهور فكرةً واضحةً عن ماهيّة وأهميّة هذه القطع، من جهة أخرى). وجاء في نصّ الكلمة: (إنّه لشرفٌ كبيرٌ لي أن أقوم بإلقاء كلمة الوفود الأجنبيّة المشاركة في مؤتمر متحف الكفيل الدوليّ الرابع، الذي يُقام برعاية الأمانة العامّة للعتبة العبّاسيّة المقدّسة، بدايةً، أودّ التوجّه بالشكر الجزيل على دعوتي لإلقاء هذه الكلمة وعلى الدعم الكبير من العتبة العبّاسيّة، كما أودّ أن أشكر باسم الوفود الأجنبيّة كافّة القائمين بالمؤتمر على تنظيمهم الرائع هذا. يُعقَد هذا المؤتمر تحت شعار (المتاحف هويةٌ ثقافيةٌ)، وهو شعارٌ يحمل في طياته العديد من الأبعاد، ويعبّر في الوقت ذاته، بشكل مباشر عن الدور الأساسيّ المُناط بالمتاحف، والذي يُكسِبُ هذا المؤتمر أهميّة كبيرة. إنّ جميع خبراء المتاحف يعون هذا الدور الكبير ويدركون حجم المسؤولية العظيمة المُلقاة على عاتقهم تِجَاه المجتمع. تعتمد المتاحف على ركيزتين أساسيتين على الأقل: المخازن، التي تضمّ عادة أعدادًا ضخمة من القطع المتحفيّة، من جهة، وصالات العرض التي تحوي نماذج منتقاة بعناية شديدة، بحيث تعطي للجمهور فكرة واضحة عن ماهيّة وأهمية هذه القطع، من جهة أخرى، تشكّل كلتا الركيزتين تحدّيًا كبيرًا أمام القائمين والعاملين بالمتاحف، عادة يتمّ ترتيب المحتويات في المخازن وفق مجموعات متحفيّة، تتشارك بمجموعة من الخصائص، فعلى سبيلِ المثال تتمّ أرشفة وتخزين القطع الأثريّة، وهي بالعادة مهمّة متاحف الآثار الحكوميّة، أو أرشفتها وتخزينها بمجموعات أخرى من النفائس كالمخطوطات القديمة أو السجّاد أو غيرها من القطع القيّمة. تتمثّل مهمّة المتاحف الأساسيّة في نقل المعارف العلميّة حول القطع الموجودة في مجموعاتها المتحفيّة إلى الجمهور، وهنا يكمن التحدّي الكبير، إذ يجب عرض هذه المعارف بطريقة مفهومة للجمهور غير المختصّ والراغب بمعرفة المزيد. إنّ هذه العمليّة من أكثر العمليّات تعقيدًا على الإطلاق بالنسبة للعاملين في مجال العرض المتحفيّ، إذ إنّها تعني إعادة صياغة معلومات علمية، قد تكون على درجة عالية من التعقيد، بشكل مُبسّط وباستعمال لغة مقتضبة وسهلة الفهم لشخص يسمع بالموضوع للمرة الأولى. لذلك، فمن المهمّ جدًّا أن يكون المختصّ بالعرض المتحفيّ على درايةٍ كبيرةٍ بالمعارف العلميّة حول مجموعاتهم المتحفية، وقادر ليس فقط على فهمها وحسب، وإنّما على وضعها في سياقها العامّ أيضًا. يتطلّب ذلك وجود مهاراتٍ تحليلية ومعارف اختصاصية شاملة، وفي الوقت نفسه دراية بالمعلومات العامّة الموجودة لدى الجمهور، وقدرات لغوية عالية كي تُصاغ المواضيع بطريقة مفهومة للجميع، علاوةً على ذلك، فمن المهم أن يكون المختصّين على اطّلاعٍ دائمٍ على أحدث طرائق وتقنيات العرض المتحفيّ والسرد التاريخيّ للجمهور. وأخيرًا وليس آخرًا، يلعب الإطار الاجتماعيّ والسياسيّ السائد دورًا ليس بهامشي في المواضيع المتحفيّة: صحيحٌ أنّ العلماء يقومون في بادئ الأمر بجمع البيانات الأساسية حول القطع المتحفيّة، ومن ثمّ تنظيمها وتحليلها وتفسيرها، ولكن المختصّين بالعرض المتحفيّ يدركون جيدًا أنّ التفسيرات تعكس دائمًا بشكل من الأشكال النقاشات السائدة في المجتمع. في كثير من الأحيان تكون رؤية الشخص جزءًا من إجماع مجتمعه ولا يرى أنّ وجهة النظر من الخارج - على سبيل المثال وجهة نظر الأجانب - تنطلق من مسلماتٍ أخرى. في معظم الحالات يكون لكلّ وجهات النظر مبرّرات جيدة، لذا فمن المهمّ والمفيد جدًّا أن يحاول الجميع رؤية الأشياء من منظور الآخرين حتى يتمّ فهم أسباب الاختلاف في وجهات النظر. يُعدّ هذا النشاط بالطبع سياسيًّا للغاية - حتى للعاملين حصريًّا في القطاع الثقافيّ، كما هو الحال مع معظم المتاحف، حتى وصف المعروضات يمكن أن يكون مختلفًا تمامًا، تبعًا للمكان الذي نراها فيه عادة، سواء كان في سياقٍ خاصٍّ أو عامٍّ أو في محيطٍ دينيٍّ حتى. إنّ تفسير المعروضات وعرض تاريخها والتأكيد على معناها يمكن أن يسلّط الضوء على هذا السياق أو يغيّره أو حتى يخفيه، هذه هي السياسة!. لذا علينا أن ندرك جيدًا أنّنا -كمختصّين- نتحمّل مسؤولية الطريقة التي نعرض فيها قطعةً ما أو متحفًا بأكمله. أيّها السادة، إنّنا نساهم بكتابة التاريخ، وبتشكيل الوعي الاجتماعي، ولذلك علينا أن نمارس هذا العمل بأعلى درجات الوعي الأخلاقيّ والإحساس بالمسؤوليّة، إغناءً للمصلحة العامة وحرصًا على التعايش السلميّ.
هذا ما يجعل المؤتمرات الدولية، مثل مؤتمرنا هذا والنقاشات التي تجري خلالها، تكتسي أهميةً بالغةً. ولذلك أودّ هنا أن أهنئ كافة المسؤولين عن إعداد وتنظيم مؤتمر متحف الكفيل الدوليّ الرابع، على نجاحهم بتنظيم حضور هذا الطّيف الواسع من المشاركين، أتمنّى لنا جميعًا النجاح والتوفيق في نقاشاتنا المعمّقة وتبادلنا العلميّ.