في يوم 28 ربيع الأوّل من عام 1437هـ، أجاب سماحةُ المرجع الأعلى آية الله السيد علي السيستاني(دام ظلّه)، على طلبٍ أرسله جمعٌ من الشباب الجامعيّ والناشطين الاجتماعيّين، تمثّل الطلب بتقديم نصائح للشباب، وقد أجاب سماحته بعدّة نصائح ووصايا تضمّنت العديد من النقاط التي ينبغي للشابّ المؤمن الالتزام بها، ومنها التشديد على الالتزام بالقرآن الكريم، حيث قال سماحته في مَعْرِض إسدائه للنصيحة "ينبغي للمرء أن يأنس بكتبٍ ثلاثة يتزوّد منها بالتأمّل والتفكير، أوّلُها وأَولاها: القرآن الكريم فهو آخر رسالةٍ من الله سبحانه إلى خلقه"، أمّا في عام 1441هـ فقد أصدر سماحة المرجع الأعلى عدّة وصايا لخطباء المنابر، والتي باتت تُعرف بوصايا المرجعيّة الدينيّة العليا للخطباء والمبلّغين الخاصّة بشهر المحرّم الحرام، كانت أولى الوصايا "الاهتمام بالقرآن الكريم في الخطاب اهتمامًا أكيدًا". أما في عام 1441هـ فقد اصدر سماحة المرجع الأعلى عدة وصايا لخطباء المنابر والتي باتت تُعرف بوصايا المرجعيّة الدينيّة العليا للخطباء والمبلّغين الخاصة بشهر المحرّم الحرام كانت أولى الوصايا "الاهتمام بالقرآن الكريم في الخطاب اهتمامًا أكيدًا، فإنّه رسالة الله سبحانه إلى الخلق كافّة وثقله الأكبر في هذه الأمّة وميزان الحقّ والباطل، وقد أنزله الله سبحانه هدىً ونورًا وبصائر للناس، وهو ذكر مبارك وحكيم، وإنّما كانت سيرة أهل البيت (صلوات الله عليهم) وتضحياتهم تطبيقًا لتعاليمه وامتثالًا لها، فينبغي أن يكون هو واجهة الخطاب ووجهه ويكون ذكر ما سواه في ظلّه وتحت لوائه". نرى ممّا تقدّم اهتمام المؤسّسة الدينيّة الكبرى بالقرآن الكريم، بوصفه دستورًا يحتكم إليه جميع المسلمين من مختلف المذاهب والمدارس الفكرية لا سيّما مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، فمن يراجع أحاديث الأئمّة الهداة(عليهم السلام) سيجد عنايةً كبيرة منهم في تدبّر القرآن الكريم، فهم ينطلقون منه ويرجعون إليه في كلامهم وإرشادهم واستدلالهم، وهذا ما أورثوه إلى علماء المذهب. العتبات المقدّسة والثقافة القرآنيّة عملت العتبات المقدّسة في العراق سواء في النجف الأشرف أو كربلاء والكاظمية المقدّستين، على نشر الثقافة القرآنية عبر عدّة نشاطات، منها ما هو علميّ بحثيّ ومنها أنشطة تتعلّق بإعداد أجيال قرآنيّة، وهذا ما نحته العتبةُ العبّاسية المقدّسة حيث دأبت متمثّلةً بالمجمَع العلميّ للقرآن الكريم على العمل القرآنيّ الموسّع، من خلال المعاهد والمراكز القرآنيّة، فتمخّض عن هذا العمل تأسيس العديد من معاهد القرآن الكريم في مختلف محافظات العراق، ومراكز تُعنى بالمشاريع القرآنيّة كمشروع أمير القرّاء الوطنيّ ومشروع عرش التلاوة والدورات القرآنيّة الصيفيّة، وغيرها من المشروعات التي ساهمت في رفد المجتمع بمئات القرّاء والحفّاظ والتدريسيّين المتخصّصين. وبهذا الصدد يقول رئيس المجمَع العلميّ الدكتور مشتاق العلي، إن "المؤسّسات الرساليّة ذات البُعد المرجعيّ كالعتبات المقدّسة، ولاسيّما العتبة العبّاسية المطهّرة عملت على تفعيل مناهلَ عذبةٍ لإعادة الإنسان إلى فطرته السليمة، عبر مناهج تثقيفيّة وتنمويّة وتوعويّة، مستهدفةً بذلك شرائح المجتمع كلًّا بحسب إمكاناته وقدراته"، مضيفًا أن "هذه المشروعات والبرامج القرآنيّة التي تتبنّاها العتبة العبّاسية المقدّسة، تعمل على رفع الصدأ عن قلوب الناس وتدفع أبناءنا النجباء للانخراط في هذه المشروعات، بفعل حثّ أولياء الأمور من المؤمنين والمؤمنات؛ حرصًا منهم على تنشئة أبنائهم التنشئةَ السليمةَ المبنيّةَ على نهج الثقلَيْن".
مشروع أمير القرّاء الوطنيّ بوّابة لإعداد الموهوبين مشروع أمير القرّاء الوطنيّ هو مشروعٌ يُعنى بإعداد الموهوبين الصغار، في التلاوة على نظام حديث وضمن دراسةٍ فنّية في فترة قصيرة ومثاليّة، ويستهدف طلبة المدارس الابتدائية والمتوسّطة من مختلف المحافظات العراقية، مستثمرًا فرصة العطلة الصيفيّة، بهدف إعداد مجموعةٍ كبيرة من القرّاء البراعم وإيصالهم إلى مستوى جيّد من التلاوة في فترة نوعيّة، هذا ما قاله مدير مركز المشاريع القرآنية التابع للمجمَع القارئ الدوليّ السيّد حسنين الحلو. ويؤكد الحلو أنّ "هذا المشروع يُعدُّ من المشروعات القرآنيّة الرائدة التي ترعاها العتبة العباسيَّة المُقدّسة، ويشرف عليه أساتذةٌ أكْفاء من داخل العراق وخارجه، ويهدف إلى خلق جيلٍ قرآنيّ متميّز يأخذ على عاتقه إكمال المسيرة القرآنيّة بخطواتٍ ثابتة، عبر إعداد الموهوبين الصغار في التلاوة"، موضحًا أن "الهدف هو السعي لإعداد مجموعةٍ كبيرةٍ من القرّاء البراعم، وإيصالهم إلى مستوىً جيّد من التلاوة في فترةٍ نوعيّةٍ".
الردّ على الإساءة للقرآن يأخذ شكلًا مختلفًا اختلفت ردود الأفعال في جميع أنحاء العالم الإسلاميّ حول حادثة حرق القرآن الكريم، تلك الحادثة الشنيعة التي استدعت أن يرسل سماحة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني(دام ظلّه) رسالةً للأمين العام للأمم المتّحدة، مفادها أن هذا الفعل يمثّل اعتداءً صارخًا على مقدّسات أكثر من مليارَيْ مسلمٍ في العالم، ويؤدّي إلى خلق بيئةٍ مواتية لانتشار الأفكار المتطرّفة والممارسات الخاطئة. أكثر من (54,000) طالبٍ موزّعين على اثنتي عشرة محافظة، تخرّجوا من مشروع الدورات القرآنيّة الصيفيّة الذي أطلقته العتبة العبّاسية منذ سنوات، ما هو إلّا ردّ قويّ وصارخ على محاولات الإساءة للقرآن الكريم، ولكلّ من تسوّل له نفسه أن يحرقه أو يتجرّأ على ذلك، هذا ما أكّده مدير معهد القرآن الكريم التابع للمجمَع العلميّ في العتبة العبّاسية الشيخ جواد النصراوي. ويضيف النصراوي أن "هناك مجموعة من الأهداف رُسمت لمشروع الدورات القرآنيّة الصيفيّة، وإنّ كلّ الأهداف قد آتت ثمارها وحصادها، وكان من ضمن أهداف هذا المشروع هو استثمار العطلة الصيفيّة خير استثمار لأبنائنا الطلّاب الأعزاء، بأن يقضوا أوقاتهم ويتعلّموا القرآن الكريم حفظاً وتلاوةً وتدبّراً، وكذلك ليتعلّموا الأحكام الابتلائيّة الفقهيّة وأصول الدين ولو بصورة إجمالية، كما يتعلّمون الأخلاق إضافةً إلى سيرة النبيّ وأهل بيته الطيّبين الطاهرين(صلوات الله عليهم أجمعين)". ويشير مدير المعهد إلى أن "من أهداف هذا المشروع أيضاً هو اكتشاف الطاقات والمهارات الجديدة للطلبة، والعمل على تنميتها سواء كانت هذه الطاقات والمهارات في مجال تلاوة القرآن الكريم أو حفظ القرآن الكريم، أو في مجال الرسم أو الخطّ القرآنيّ وغيرها من المهارات والكفاءات، سيكون هناك إعداد وتنمية لهذه المهارات بعد الدورات القرآنيّة الصيفيّة". من جانبه يقول الطالب حسن قاسم أحد الطلبة الخرّيجين من الدورات الصيفية إن "القرآنَ الكريمَ من أقدسِ مقدّساتنا وأعزُّ علينا من أنفسِنا، لذا نشجبُ ونستنكرُ الفعلَ المشينَ والاعتداءَ الصارخَ على كتابِ اللهِ العزيزِ". وطبقًا للطالب المتخرّج فإنّ الاعتداءَ على القرآنِ الكريمِ هو اعتداءٌ على قيمِ السماءِ، على المحبّةِ والسلامِ والخيرِ، فهذه القيمُ التي تعلّمناها من القرآنِ الكريمِ لن نتخلّى عنها، ونقولُ لكلِّ العالمِ إن شعارنَا الدائمَ: القرآنُ حياتُنا. ويتابع "إنّنا فتيةُ الثقلينِ نعاهدُ ربَّنا ونبيَّنا وآلَه ومراجعَنا الكرامَ، أن يكون القرآنُ حياتَنا والنورَ الذي نسيرُ به ونسبقُ الأممَ، فهو منهجُ السلامِ والحبِّ والخيرِ الذي لن نحيدَ عنه ما حيينا، وإنْ شاءَ اللهُ سنبني مستقبلَنا الزاهرَ بالعلمِ والمعرفةِ وقيمِ الثقلينِ الشريفينِ".
فنٌ قرآنيٌ مهمَلٌ تحييه العتبةُ العبّاسية يُعدّ فنّ الخطّ العربي الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقرآن الكريم، فنًّا لا يحظى بأهمّيةٍ كبيرةٍ ليس في العراق فحسب، بل حتّى في مختلف دول العالم العربيّ، لكن العتبة العبّاسية المقدّسة أولت اهتمامًا كبيرًا بهذا الفنّ العريق، وأسّست مركزا أخذ اسم طباعة المصحف الشريف، وهو جزء من تشكيلات المجمَع العلميّ للقرآن الكريم، حيث أخذ هذا المركز على عاتقه إقامة العديد من الأنشطة الخاصّة بهذا الفنّ كان آخرها مسابقة الثقلين لخطّ المصحف الشريف. وفي هذا الصدد يقول رئيس المجمَع الدكتور مشتاق العلي إن "ألسنة الخلق تتباين في البيان بحجم امتلاكها للفَصاحة والبلاغة في القول، وإن الخطّ يختلف في ترجمته للحروف ضبطًا وجماليّةً، من هنا كان التأكيد العمليّ لهذه الالتفاتة المهمّة من لدن أمير المؤمنين الإمام علي(عليه السلام)، أن خطّ المصحف إملاءً عن النبيّ الأكرم محمد(صلّى الله عليه وآله) فور نزوله". ويتابع رئيس المجمع "انطلاقًا من هذه السُنّة العمليّة دأبت العتبة العبّاسية عبر المجمَع العلميّ للقرآن الكريم ممثّلًا بمركز طباعة المصحف الشريف، على تصميم استراتيجيّةٍ برامجيّة لخدمة الخطّ العربي، لاسيّما الموجّه لخط المصحف الشريف، حيث كان من بين ذلك جائزة الثقلين لخطّ المصحف الشريف التي نشهد اليوم حفل ختامها، بعد سلسلة إجراءاتٍ امتدّت لأكثر من عام". وبحسب الدكتور العلي أنّ "أهمّ الأهداف التي سعت العتبة المقدّسة إلى تحقيقيها عبر هذا النشاط التنافسيّ المهمّ، هو ديمومة السُنّة العمليّة وهي مواصلة خطّ المصحف الشريف، خدمةً للكتاب العزيز وإبراز أهمّيته على الصُعُد كافة، لاسيّما نحن نشهد تصاعد وتيرة استهدافه من قِبل المنحرفين واللاإنسانيّين". المسابقة جسّدت الردّ المناسب على الاعتداءات التي طالت القرآن الكريم، وشارك فيها خطّاطون من مختلف محافظات العراق، وهذا الأمر يوصل رسالةً واضحة المعالم لكلّ أصحاب الفكر المشوّه، بأنّ العراق واحدٌ متّحد في مجمل الفعّاليات الفنّية التي تصبّ في خدمة المجتمع، وهذا ما أوضحه الخطّاط العراقيّ الفائز بجائزة الثقلين هادي الدراجي. وأوضح أن "العتبة العبّاسية المقدّسة قد بذلت جهداً كبيراً في إحياء هذا الفنّ، وهذا الجُهد توّج بإقامة هذه المسابقة فضلاً عن المعارض الفنّية التي تنظّمها العتبة العبّاسية الخاصّة بهذا الفنّ العريق".
الأمر لا ينتهي إلى هنا، بل إن المحطّات القرآنية التي تنشرها العتبة العبّاسية المقدّسة على امتداد طريق الزائرين في زيارة الأربعين، تتخلّلها محطّات لخطّ المصحف الشريف بأيدي الزائرين، ليُجمعَ لاحقًا بمصحف اسمه (ثمرة الأربعين بأنامل الزائرين)، وفقاً لمدير مركز طباعة المصحف الشريف التابع للمجمَع الشيخ ضياء الدين الزبيدي. أنشطةٌ عديدة وواسعة تشمل مختلف مدن البلاد، هدفها خدمة كتاب الله المجيد، أنشطة قد لا تراها في مؤسّساتٍ إسلاميّة أُخًر في البلدان العربيّة الإسلامية، لا شكّ أن باذلي هذه الجهود في حالة وعيٍ تام بأن القرآن الكريم مقدَّمٌ على كلّ شيء، وإنّ إحياء علومه وفنونه وإعداد أجيالٍ تُعنى به هو هدفٌ أوّل، وبذلك تكون العتبة العبّاسية المقدّسة قد أوصلت رسالة بأن المشتَرَكات بين المسلمين كثيرة، ومساحة العمل واسعة لإعلاء كلمة الله تعالى وقرآنه الكريم، الذي لا بُدّ من التمسّك به خدمةً للأمّة الإسلاميّة بل خدمةً للإنسانيّة جمعاء.