مقا- رفع : أصل واحد يدلّ
على خلاف الوضع ، تقول رفعت الشيء رفعا ، وهو خلاف الخفض. ومرفوع الناقة في سيرها
: خلاف الموضوع. ومن الباب الرفع : تقريب الشيء- وفرش مرفوعة ، اي مقرّبة لهم.
ومن ذلك قوله- رفعته للسلطان ، ومصدر ذلك الرفعان. والرفع : اذاعة الشيء و-
إظهاره- كقولهم رفع فلان على العامل ، وذلك إذا أذاع خبره. ورفع الزرع : أن يحمل
بعد الحصاد الى البيدر- هذه أيّام الرفاع صحا- الرفع : خلاف الوضع ، رفعته فارتفع.
والرفع في الاعراب كالضمّ في البناء وهو من أوضاع النحويّين. ورفع فلان على العامل
رفيعة وهو ما يرفعه من قصّته ويبلّغها. ورفع البعير في السير : بالغ ، ورفعته أنا
، يتعدّى ولا يتعدّى ، ومرفوعها خلاف موضوعها ، يقال له دابّة ليس له مرفوع ، وهو
مصدر مثل المجلود والمعقول ، وهو عدو دون الخضر ، وكذلك رفّعته ترفيعا. والرفع :
تقريبك الشيء. وقال الفرّاء : وفرش مرفوعة بعضها فوق بعض ، ويقال نساء مكرمات.
قال ابن السكّيت : في صوته رفاعة ورفاعة ، وقد رفع الرجل : صار رفيع الصوت ، ورجل
رفيع اي شريف. ورفع رفعة اي ارتفع قدره.
مفر- الرفع : يقال تارة في الأجسام الموضوعة إذا أعليتها
عن مقرّها نحو ورفعنا فوقكم الطور ، رفع السموات بغير عمد. وتارة في البناء إذا
طوّلته نحو وإذ يرفع ابراهيم القواعد. وتارة في الذكر إذا نوّهته نحو ورفعنا لك
ذكرك. وتارة في المنزلة إذا شرّفتها نحو ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات.
وقوله تعالى- {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء : 158] : يحتمل رفعه الى السماء ، ورفعه من حيث التشريف.
وقوله- {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الواقعة : 34] اي شريفة. ويقال رفع البعير في سيره ، ورفعته أنا ، ومرفوع
السير : شديدة. ورفع فلان على فلان كذا : أذاع خبر ما احتجبه. والرفاعة : ما ترفع
به المرأة عجيزتها نحو المرفد.
والتحقيق
أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة : هو ما يقابل الخفض ، وقد
سبق أنّ الخفض هو التواضع مقارنا بالعطوفة.
وليس هذا المفهوم في مقابل الوضع : إذ الرفع يدلّ على جعل
الشيء مرتفعا فهو خلاف الوضع مع قيد صيرورته عاليا ، بل وليس النظر فيه الى جهة
الوضع كما- في رفع الجدار ورفع الصوت. كما أنّ النظر في العلوّ الى جهة الاعتلاء
والرفعة- من حيث هو ، من غير ملاحظة كونه مرتفعا بعد الانخفاض.
ثمّ انّ الرفع أعمّ من أن يكون في المحسوسات أو في
المعنويّات :
ففي الأمور المعنوي كما في- {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ...} [الزخرف : 32] ، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ...} [المجادلة : 11] ، {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ
أَنْ تُرْفَعَ} [النور : 36].
وفي المسموعات من المحسوسات كما في-. {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ
النَّبِيِّ} [الحجرات
: 2]. ويقال في صوته رفاعة.
وفي المبصرات منها كما في-. {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ...} [يوسف : 100] ، {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا} [الرحمن : 7] .
وفي الأجسام الاخرويّة كما في- {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ...} [الواقعة : 34] ، . {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ} [الغاشية : 13] رفيع الدرجات 40/ 15 قد مرّ تفسيرها في درج ، ولمّا
كانت صيغة فعيل تدلّ على ثبوت الصفة من حيث هي ، فلا يلاحظ فيه جهة الخفض والنسبة
اليه.
فهو تعالى وجوده فوق المراتب الوجوديّة.
{لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة : 2 ، 3] قد مرّ في الخفض ، ويدل على تقابل الخفض والرفع ، وتقديم
الخفض يدلّ على لحاظ مفهوم الخفض في مفهوم الرفع ، فهو مقدّم طبعا.
{وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء : 157 ، 158] ، {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا
عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران : 55] يراد الرفع الروحاني والمعنوي فانّ اللّه تعالى ليس
في مكان ولا قريبا من مكان ، وهو محيط بجميع الأمكنة وليس مكان خاليا وبعيدا منه
تعالى.
وأمّا كيفيّة الرفع : فهل هو بعد الموت بأن يكون التوفّي
بمعنى الإماتة بالموت الطبيعي لا بالقتل والصلب ، أو قبل الموت بتلطيف البدن
وتصفية الجسم ثم رفع الروح مع ذلك البدن اللطيف البرزخي النوراني :
فكلّ منهما ممكن ، ولا سيّما في مورد المسيح عليه السلام
، فانّ جسمه من بدء الخلق ممتاز لطيف- {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ
وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء : 171] و بهذا المعنى : يرتفع الخلاف والتضادّ فيما بين
الآيات والروايات والأقوال المختلفة ، ولا نحتاج الى التأويل والتضعيف.
وحقيقة التوفّي هو الأخذ التامّ- راجع الوفي.
ولا يخفى أنّ التوفّي بأي معنى يراد : يكون صادقا في
المورد ، فانّ التوفّي تختلف خصوصيّات مفهومه باختلاف المصاديق ، فيتحقّق التوفّي
في هذا المورد بتلطيف الجسم وتصفية بدن عيسى عليه السلام ثمّ انتقاله عن الدنيا.
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ} [البقرة : 63] راجع الطور.