المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2758 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



أحدث الآراء حول نشأة اللغة  
  
3803   09:29 صباحاً   التاريخ: 21-4-2018
المؤلف : د. ابراهيم انيس
الكتاب أو المصدر : دلالة الالفاظ
الجزء والصفحة : ص21- 28
القسم : علوم اللغة العربية / فقه اللغة / اللغة ونظريات نشأتها / حول اللغة ونظريات نشأتها /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-7-2016 1094
التاريخ: 21-4-2018 840
التاريخ: 12-7-2016 1039
التاريخ: 21-4-2018 3804

 

أحدث الآراء(1)

اهتدى بعض المحدثين من اللغوبين و على رأسهم «جسبرسن» الى نظرية نطمئن إليها بعض الاطمئنان، لأنها تأخذ بكل النظريات السابقة مجتمعة، و تؤسس عناصرها على أسس علمية واضحة المعالم ، و خاضعة للتجربة الحديثة. فالنظريات السابقة اعتمدت على طريقة استنباطية لأنها تبدأ بالفرض، ثم تساق لهذا الفرض

ص21

الأدلة والبراهين، أما نظرية هؤلاء المحدثين فتتبع الطريقة الاستقرائية فتستعرض الملاحظات والتجارب، ثم تتكون النتيجة أيّاً ما كانت هذه النتيجة.

وأصحاب هذه النظرية الحديثة يؤسسون نظريتهم على أسس ثلاثة:

1- دراسة مراحل نمو اللغة عند الأطفال.

2- دراسة اللغة في الأمم البدائية.

3- دراسة تاريخية للتطور اللغوي.

1- لغة الطفل:

لقد درس علماء التشريح مراحل نمو الجنين في بطن أمه، ثم أكدوا لنا أنه يمر خلال شهور الحمل الأولي في نفس المراحل التي مر بها الإنسان قبل أن تكمل إنسانيته، وهي المراحل التي استنفدت من عمر الإنسانية آلاف السنين أو ربما ملايين السنين.

و برقت هذه النظرية لأعين بعض الباحثين في اللغة، و حاولوا على ضوئها أن يستشفوا شيئاً عن النشأة اللغوية. اعتقادا منهم أن مراحل نمو اللغة عند الأطفال هي نفس المراحل التي مر بها الإنسان الأول، حتى نشأت له لغة إنسانية ذات أصوات و مدلولات كالتي نألفها في اللغات الآن.

و من الواضح أن بعض هؤلاء الباحثين قد غالي في الاعتماد على دراسة مراحل نمو اللغة عند الطفل، و تناسي الفرق الشاسع بين ظروف الأطفال الآن حين يتعلمون لغة أبويهم، والظروف التي عاش فيها الإنسان الأول في أثناء نشأة الكلام.

فالطفل حين يتعلم لغة أبويه لايكاد يعدو عمله الربط بين أصوات يسمعها و مدلولات يفهمها، فهو مقلد لا مبتكر أو مخترع، و هو يلتقط ألفاظاً متداولة في بيئته، و قد أعدت كل الإعداد، و هيئت له كل التهيئة على يد معلم لايمل تعليمه من أهله و ذويه. في حين أن الإنسان الأول لم تتح له نفس الظروف، بل كان بمثابة المخترع يستخرج أمراً جديداً، وحدثا جليلا، ويعلم نفسه بنفسه مالم يكن له وجود من قبل. ولعل خير مايوضح لنا الفرق بين الحالين أن نتصور باحثاً في الموسيقي يحاول استنباط مراحل تطورها عن طريق دراسة المراحل التي يمر بها الطفل في تعلمه العزف على البيانو، دون أن يفطن الى أن الطفل في تعلمه العزف يري نفسه أمام أنغام معدة مهيأة، و أغان مسموعة مألوفة، فهو يقلد مااخترعه غيره، وماشاع في بيئته.

ص22

غير أنه مع هذا يمكن أن يستأنس بمراحل نمو اللغة عند الأطفال في دراسة النشأة اللغوية، إذا اقتصرت دراستنا على السنة الأولي من عمر الأطفال حين يناغون و يصوتون بأصوات مبهمة لاتهدف إلا الى اللذة والمتعة. ففي هذه المرحلة قد نسمع من الأطفال أصواتاً غريبة على اللغة الشائعة في بيئته، وقد ينطق الطفل بسلسلة من الأصوات تشق عليه فيما بعد حين يتعلم لغة أبويه. فقد نسمع من الطفل الإنجليزي أصوات الحلق و ليس في لغة أبويه مثل هذه الأصوات. بل حتى بعد السنة الأولي من عمر الطفل و قبل نهاية السنة الثالثة نري بعض الأطفال يكونون ما يمكن أن يسمي بلغتهم الصغيرة وهي المملوءة بألفاظ مخترعة لاتكاد تمت في أصواتها أو مدلالوتها للغة أبويهم بصلة ما.

تلك هي الأمور التي تستحق الدراسة في مراحل نمو اللغة عند الأطفال ليستأنس بها الباحث في بحثه للنشأة اللغوية، ولتلقي ضوءاً على ذلك الغموض الذي يكتنف تلك النشأة اللغوية.

وقد اقتصر «لويس Lowes» في كتابه lafant Spesch على دراسة تلك المرحلة من نمو لغة الطفل، و حاول تفسير الكثير من ظواهرها. فهو مثلاً يؤكد لنا أن الطفل في غضبه يصدر أصواتا أنفية كالنون والميم، ولكنه في سروره يكرر أصواتاً حلقية أو قريبة من الحلق كالكاف والغين والجيم الى آخره ..

فإذا ربط أحد الباحثين بين هذه الملاحظة و بين ما نعرفه من أن أداة النفي في جل اللغات البشرية تتضمن صوتاً أنفياً، لم يكن متجنيا أو مشتطا حين يقول إنه من المحتمل أن صوت الغضب الفطري قد تولدت منه في آخر الأمر تلك الأدوات التي تعبر عن النفي في اللغات.

و مع كل هذا فلا تزال دراسة هذه المرحلة عند الأطفال بحاجة الى المزيد من البحث حتى يمكن أن نطمئن كل الاطمئنان الى النتائج المؤسسة عليها.

2- لغة الأمم البدائية:

والأساس الثاني الذي يستأنس به الباحثون في دراستهم للنشأة اللغوية هو ما نلحظه الآن من صفات خاصة في لغات الأمم البدائية. و يري هؤلاء الباحثون أن لغات هؤلاء الأقوام تمثل مرحلة قديمة في نمو اللغات و تطورها، و هي لهذا تلقي ضوءاً على ما كانت علية لغة الإنسان في العصور السحيقة. ومقارنتها بلغات الأمم المتمدينة ترينا الطريق الذي سلكته اللغة في تطورها، والعناصر التي تخلصت منها أو أبقت عليها.

ص23

و مع هذا فمن المغالاة أن نتصور أن لغات الأمم البدائية قريبة الشبه بلغة الإنسان الأول. فهي مهما التقطناها من بين أحط الشعوب في المدنية تمثل مرحلة متأخرة نسبياً من مراحل التطور اللغوي. فلا شك أن آلافا من السنين قد مرت على لغة الإنسان قبل أن تصل الى مرحلة تلك الشعوب التي نسميها بدائية.

3-الدراسة التاريخية:

وربما كان هذا الأساس الثالث أهم من الأساسين السابقين في بحث النشأة اللغوية. وقد وجه المحدثون كل جهودهم لهذه الدراسة التاريخية، ولكنهم بدأوها بطريقة عكسية، أي أنهم بدأوا البحث في لغات العصر الحاضر، ثم عادوا الى الوراء جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن، مستخدمين معلوماتهم عن حال اللغات في العصور الماضية من النصوص اللغوية والمستندات التاريخية وهم في هذا البحث يعقدون المقارنات ليستنبطوا قوانين أو قواعد عامة للتطور اللغوي.

فمثلاً يقارنون حال الإنجليزية الحديثة محالها في عصر شكسپير ثم عصر تشومر ثم بالألمانية القديمة، ويقارنون اللهجات الهندية الحديثة بالنصوص التي رويت عن اللغة السنسكريتية، ويقارنون اللهجات العربية الحديثة باللهجات القديمة، وهكذا تستمر مقارنتهم خلال العصور التاريخية التي روي عنها نصوص لغوية. فإذا تجمعت لهم عن طريق تلك المقارنة التاريخية قواعد عامة للتطور اللغوي، أمكن تطبيق تلك القواعد على عصور ماقبل التاريخ، واستنباط الحال التي كانت عليها اللغات في تلك العصور البعيدة التي لا نكاد ندري من أمرها شيئاً. وربما أمكن الباحث عن هذا الطريق الوصول الى تكوين فكرة واضحة المعالم عن أقدم المراحل في النشأة اللغوية. بل ربما أمكن تبديد السحب التي تكتنف تلك النشأة اللغوية.

وقد استطاع جسبرسن (2) أن يصل الى نتائج قيمة عن طريق هذا البحث المقارن، وأن يصور لنا ما كانت عليه اللغات في أقدم العصور.

الأصوات:

أ-  الاتجاه نحو تيسير الأصوات:

هذا هو الميل العام الذي لوحظ في تطور اللغات. فحين قورنت النصوص القديمة بالنصوص الحديثة تبين للباحثين أن التطور الصوتي في اللغات يميل في غالب الأحيان نحو تيسير النطق بها، والاقتصاد في الجهد العضلي أثناء صدورها. وترتب على هذا الميل العام ظواهر ثلاث:

ص24

أولاها: أن اللغات في أحدث صورها تكاد تخلو من المجموعات الصوتية المتنافرة التي تتعثر في نطقها الألسنة، مثل تلك الكلمات التي يصفها علماء البلاغة بتنافر الحروف مجتمعة كالهعخع، مستشزرات، احجنشتس بطن فلان(3). فاجتماع مثل هذه الأصوات في الكلمة الواحدة كان أمراً مألوفاً في اللغات في أقدم عصورها. ثم تطورت الأصوات و مالت الى تسهيل النطق، فتخلصت من تلك المجموعات الصوتية الشاقة، ولم تخلف لنا منها إلا كلمات قليلة هي التي تشبه ما يتخذه علماء البلاغة من أمثلة لتنافر الحروف.

ثانيتها: الميل نحو التقصير من بنية الكلمات فقد دلت الملاحظات الحديثة على أن النصوص القديمة في معظم اللغات قد تضمنت كلمات طويلة كثيرة الحروف و إن خلت في بعض الأحيان مما يسمي بتنافر الحروف مجتمعة. ولذا لاندهش حين نري أن كثيراً من الكلمات الجاهلية الكثيرة الحروف قد انقرضت على مر العصور. كتلك الأوزان التي يشير إليها الصرفيون في كتبهم والتي لانكاد نرى لها أثرا في القرآن الكريم، أو الشعر العباسي مثل اقعنسس واسلنقى واحرنجم واطلخم واجرنثم مثل مايرى عن امرئ القيس: (رب جفنة مثعنجرة وطعنة مسحنفرة... إلخ).

فليس في (احرنجم) حروف متناثرة في اجتماعاتها، ومع هذا فقد اندثر هذا النوع من الكلمات الطويلة، وشاع في اللغة العربية.. تلك الكلمات الثلاثية الحروف أو الرباعية الحروف، وتكونت منها معظم كلمات اللغة العربية.

ويتبين من هذا أن ما يدعو إليه بعض العلماء من الأصل في بينة الكلمات أن تكون ثنائية لا أساس لا أساس له من الصحة، بل يبدو من كل العصور التاريخية أن العكس هو الصحيح؛ أي إن الكلمات كانت طويلة ثم قصرت.

كتب الأب مرمرجي الدومنكي الأستاذ بالمعهد الفرنسي بالقدس كتابا سماه (المعجمية العربية على ضوء الثنائية والألسنية السامية، وقد حاول في هذا الكتاب الصغير أن يبرهن على صحة نظريته من الأصل السامي القديم كان ثنائيا).

وقد عرض لعدة كلمات من بينها كلمة "الصفح"، وهو العيد الاسرائيلي المعروف، فافترض أن الأصل كان يتكون من حرفين الأولين أي الفاء والصاد أو ما يشبههما كالباء والسين أو الشين، وساق لنا كلمات من اللغات السامية المتباينة كالعبرية والآرامية والحبشية، وقد تكون كل منها من حرفين الأول شفوي والثاني من

ص25

حروف الصفير، وكل هذه الكلمات تعبر عن معنى الخروج أو الانتشار أو الانفصال... إلخ، ثم افترض أن الأصل السامي الثنائي قد زاد مبناه باتصال الصوت الحلقي وهو الحاء. وتخصص معناه وأصبح مقصورا على الاجتياز أو العبور، وهكذا نشأت كلمة (الفصح) الشائعة في العبرية بمعنى السيد المعروف. ويزعم لنا المؤلف أن الكلمة في صورتها الثلاثية، ومعناها الخاص قد انتقلت من العربية الى شقيقاتها السامية، وأنه لولا رجوعنا الى الأصل الثنائي ما استطعنا الربط بين هذه اللغات في اشتقاق هذه الكلمة، لأن المعنى يكاد يتحد بين هذه اللغات حين نقتصر على الأصل الثنائي.

وليس يكفي لتدعيم مثل هذا الرأي أن يسوق الباحث عدة ألفاظ من بين كلمات اللغات السامية التي تعد بعشرات الآلاف؛ فالأمثلة التي ساقها المؤلف ليست في الحقيقة إلا وليد المصادفة، هذا إلى ما في علاجه لتلك الأمثلة من تأويل وتخريج لا يخلو من التلكف والتعسف.

ثالثتها: من المألوف الشاهد في كل لغات الأمم المتمدينة أن الأصوات اللغوية تتكون بواسطة الهواء في أثناء صعوده من الرئتين وخروجه من الفم، ولا يتكون صوت عن طريق الشهيق أو دخول الهواء من الفم والرئتين إلا ما شاع بيننا من أصوات مبهمة نطلقها وقت الدهشة أو الاستنكار أو التضجر وحين الاستمتاع بشيء من الاشياء. وهي على كل حال ليست من كلمات اللغة المعترف بها.

أما في بعض اللغات البدائية فقد دلت البحوث على أن من أصوات ما يتكون عن طريق دخول الهواء الى الفم والرئتين، ويسميها المحدثون clcks، وقد كثرت هذه الأصوات في بعض لغات أفريقيا التي تمثل مرحلة قديمة لتطول اللغة الانسانية مما جعل المحدثون يفترضون أن اللغة الانسانية في عصور ما قبل التاريخ كانت تشتمل على مجموعة كبيرة من الأصوات التي تتكون بهذه الطريقة.

ب- الميل الى الغناء في أثناء النطق:

دلت الملاحظات الحديثة على أن كثيرا من اللغات في صورها القديمة كانت تعنى بالتنغيم، وتعدد الدرجات الصوتية، من صعود وهبوط في اثناء النطق، وأن مثل هذا قد أخذ في الانقراض تدريجيا حتى أصبح الأمر على الصورة التي نألفها الآن.

كذلك لاحظ الباحثون أن تعدد الدرجات الصوتية لايزال شائع في كثير من لغات الأمم البدائية؛ مما جعل المبشرين من الأوربيين يصفون القوم بأنهم يغنون في أثناء كلامهم حتى ليحسب السامع أن كل كلامهم غناء. وهم عادة ينسبون هذه الظاهرة

ص26

الى قوة العاطفة في هؤلاء القوم، فكلامهم وقت الغضب كلامهم وقت السرور يتضمن سلسلة متنوعة من الدرجات الصوتية.

أما في الأمم المتمدينة، حيث يطالب المرء بضبط النفس فنراه يلتزم في كلامه وتيرة واحدة تكاد تخلو من التنويع.

على أن هذا التنويع في الدرجة الصوتية الذي نلحظه في لغات الأمم البدائية ليست كذلك الذي نلحظه الآن في اللغة الصينية، التي فيها يختلف المعنى باختلاف النغمة الموسيقية، فليس يرتبط التنويع في لغات الأمم البدائية أي نوع من الارتباط بمدلولات الكلمات. وعلى هذا لا يصح أن تعد اللغة الصينية مرحلة قديمة من مراحل التطور اللغوي، بل هي في الحقيقة قد مرت في أطوار كما مرت لغاتنا الحديثة، غير أنها بدلا من أن تفقد هذا التنويع في الدرجة.. فإنها استغلته في أمر آخر وهو التعبير عن المدلولات متباينة للألفاظ.

ويبدو من كل ما تقدم أن اللغات الانسانية، في أقدم صورها كانت مملوءة بمجاميع من الأصوات المتنافرة والكلمات الطويلة الكثيرة الحروف، وكانت تصدر أصواتها عن طريق الزفير والشهيق، فلدخول الهواء الى الرئتين أصوات ولخروج اصوات، وأخيرا كانت أشبه بالغناء منها الى كلام.

صورة خيالية لنشأة اللغة

نستطيع مما كتبه المحدثون أن نتصور الكلمات في نشأتها كثيرة المبنى قليلة المعنى، فكأنما نسمع جعجعة ولا نرى طحنا. أم المجتمع فهو جماعة من الشباب يمرحون ويلعبون ويستمتعون بالنطق، دون هدف معين سوى المتعة واللعب بألسنتهم كما كانوا يلعبون بأيديهم وأرجلهم؛ أي إن اللغة نشأت في صورة لعب ممتع لا تهدف الى إيصال معنى الى السامع، بل كانت أشبه بمناغاة الطفل وأصواته المبهمة التي يطلقها أمامنا دون هدف معين.

ومن الغباوة أن ننساق مع بعض الفلاسفة، الذين تصوروا أن الهدف الأصلي من الكلام كان التفاهم وإيصال المعاني الى السامع، فلم يكن الإنسان الأول معنيا بالأفكار عناية هؤلاء الفلاسفة، ولكن عنايته كانت مقصورة على الغرائز والعاطفة، ولعل الحب والغريزة الجنسية أقوى هذه العواطف، فهو ينطق أو يصوت ليسترعي انتباه الأليف، ويثبت وجوده واستقلاله، كالطير حين ينتقل من فنن الى فنن وهو يغني غناء متواصلا، لعله بهذا ينال الحظوة لدى أليفه من الطيور.

كذلك كان الانسان الأول يغني في أثناء صيده و في حربه، وفي كل ما يقوم به، غناء لا كغنائنا يهدف الى الطرب أو يتضمن أصولا وقواعد وإنما هو تصويت منسجم تتردد فيه الأصوات والمقاطع.

ثم تطور هذا النطق من مجرد اللعب والمتعة وأصبح ذا هدف فيما بعد، واستغل في التعبير عن كل ما يدور بخلد الإنسان من خير أو شر.

ومثل التطور الكلامي كمثل التطور في الكتابة حين بدأت تصويرية قد يرمز فيها المرء بالصورة الواحدة لعبارة ذات أحداث متعددة، ثم صارت أخيرا الى كتابة الهجائية التي ترمز فيها للصوت الواحد بحرف واحد، فأخذ كل حرف الفكرة الكلية وأصبح يستعمل في الكلمات المتباينة. وهكذا الكلام بدأ في صورة كتلية ثم تحللت الكتلة الى عناصر هي التي نسميها الآن بالكلمات.

أما كيف انتقلت الأصوات الخيالية من الدلالة الى ألفاظ ذات دلالات ومعان فنستطيع أن ندركه بسهولة حين نتذكر عمل الطفل وربطه بين ما يسمع وبين ما يشهد من أحداث، مما يؤدي في أخر الأمر إلى فهمه لمدلولات الألفاظ.

فإذا تصورنا زعيما امتاز بالقوة الجسمانية والجرأة ينطق أمام ذويه بأصوات مبهمة، لا يهدف من ورائها الى هدف معين، وتصادف أن حدث حينئذ انتصار على وحش مفترس. ربط السامعون بين هذا الحدث وأصوات الزعيم، وقد يرددون ما يسمعون، ويكررون ترديده كلما تكرر هذا الحدث، حتى أصبح تلك الأصوات بمثابة علم عليه، ولا يلبث العلم أن يتطور الى كلمة عامة. ولدينا في العصور الحديثة كثير من الأمثلة التي تبرهن على امكان تطور العلم الى لفظ عام ذي معنى كلي. فمن (الإله) نشأ (التأله)؛ ومن الشياطين جاء (تشيطن)، ومن إبليس نشأة الأبلسة وأصبح لأمثال العلمين (حاتم ونيرون) دلالات كلية تستغل في لغات كثيرة.

أم الكلمات ذات الصلة الوثيقة بين صوتها ومدلولها وهي التي يطلق عليها onomatopoeia، فأمرها هين ونشأتها واضحة؛ فهي قليلة في كل لغة ولا تفسر الكثرة الغالبة من ألفاظ اللغات. ولذا نرجح أن معظم الكلمات قد أخذت مدلولاتها بطريقة المصادفة؛ أي إنها كانت أصواتا مبهمة لا هدف منها سوى اللعب والمتعة، ثم تصادف أن نطق بها في أثناء حدث من الأحداث، فارتبطت به ارتباط العلمية وتدرج العلم من معناه الخاص الى معنى عام.

فإذا فسرت الأسماء في قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها) بمعنى الأعلام، ساير هذا التفسير أحدث ما ينادى به اللغويون في عصرنا الحاضر.

ص28

__________________

(1) carap, Rudolf.

(2) language, its nature p. 415.

(3) راجع موسيقى الشعر ص31.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.