أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-2-2018
3638
التاريخ: 23-2-2018
14938
التاريخ: 23-2-2018
8104
|
قال تعالى : {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا } [النبأ: 1 - 16].
{عم يتساءلون} قالوا لما بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وأخبرهم بتوحيد الله تعالى وبالبعث بعد الموت وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم أي يسأل بعضهم بعضا على طريق الإنكار والتعجب فيقولون ما ذا جاء به محمد وما الذي أتى به فأنزل الله تعالى {عم يتساءلون} أي عن أي شيء يتساءلون قال الزجاج اللفظ لفظ الاستفهام والمراد تفخيم القصة كما تقول أي شيء زيد إذا عظمت شأنه ثم ذكر أن تساءلهم عن ما ذا فقال {عن النبإ العظيم} وهو القرآن ومعناه الخبر العظيم الشأن لأنه ينبىء عن التوحيد وتصديق الرسول والخبر عما يجوز وعما لا يجوز وعن البعث والنشور وقيل يعني نبأ يوم القيامة عن الضحاك وقتادة ويؤيده قوله إن يوم الفصل كان ميقاتا وقيل النبأ العظيم ما كانوا يختلفون فيه من إثبات الصانع وصفاته والملائكة والرسل والبعث والجنة والنار والرسالة والخلافة فإن النبأ معروف يتناول الكل.
{الذي هم فيه مختلفون} فمصدق به ومكذب {كلا} أي ليس الأمر كما قالوا {سيعلمون} عاقبة تكذيبهم حين تنكشف الأمور {ثم كلا سيعلمون} هذا وعيد على إثر وعيد وقيل كلا أي حقا سيعلمون أي سيعلم الكفار عاقبة تكذيبهم وسيعلم المؤمنون عاقبة تصديقهم عن الضحاك وقيل كلا سيعلمون ما ينالهم يوم القيامة ثم كلا سيعلمون ما ينالهم في جهنم من العذاب فعلى هذا لا يكون تكرارا ثم نبههم سبحانه على وجه الاستدلال على صحة ذلك فقال {أ لم نجعل الأرض مهادا} أي وطاء وقرارا مهيئا للتصرف فيه من غير أذية وقيل مهادا أي بساطا عن قتادة {والجبال أوتادا} للأرض لئلا تميد بأهلها {وخلقناكم أزواجا} أي أشكالا كل واحد شكل للآخر وقيل معناه ذكرانا وإناثا حتى يصح منكم التناسل ويتمتع بعضكم ببعض وقيل أصنافا أسود وأبيض وصغيرا وكبيرا إلى غير ذلك.
{وجعلنا نومكم سباتا} اختلف في معناه على وجوه {أحدها} أن معناه وجعلنا نومكم راحة ودعة لأجسادكم {وثانيها} أن المعنى جعلنا نومكم قطعا لأعمالكم وتصرفكم عن ابن الأنباري {وثالثها} جعلنا نومكم سباتا ليس بموت على الحقيقة ولا مخرجا عن الحياة والإدراك {وجعلنا الليل لباسا} أي غطاء وسترة يستر كل شيء بظلمته وسواده {وجعلنا النهار معاشا} المعاش العيش أي جعلناه مطلب معاش أي مبتغي معاش وقيل معناه وجعلنا النهار وقت معاشكم لتتصرفوا في معاشكم أو موضع معاشكم تبتغون فيه من فضل ربكم {وبنينا فوقكم سبعا} أي سبع سماوات {شدادا} محكمة أحكمنا صنعها وأوثقنا بناءها {وجعلنا سراجا وهاجا} يعني الشمس جعلها سبحانه سراجا للعالم وقادا متلألئا بالنور يستضيئون به فالنعمة عامة به لجميع الخلق قال مقاتل جعل فيه نورا وحرا والوهج يجمع النور والحر.
{وأنزلنا من المعصرات} أي الرياح ذوات الأعاصير عن مجاهد وقتادة والكلبي وقال الأزهري ومن معناه الباء فكأنه قال بالمعصرات أو ذلك أن الريح تستدر المطر وقيل المعصرات السحائب تتحلب بالمطر عن الربيع وأبي العالية وهو رواية الوالبي عن ابن عباس {ماء ثجاجا} أي صبابا دفاعا في انصبابه وقيل مدرارا عن مجاهد وقيل متتابعا يتلو بعضه بعضا عن قتادة {لنخرج به} أي بالماء {حبا ونباتا} فالحب كل ما تضمنه كمام الزرع الذي يحصد والنبات الكلأ من الحشيش والزرع ونحوهما فجمع سبحانه بين جميع ما يخرج من الأرض وقيل حبا يأكل الناس ونباتا تنبته الأرض مما يأكله الأنعام {وجنات ألفافا} أي بساتين ملتفة بالشجر والتقدير ونخرج به شجر جنات ألفافا فحذف لدلالة الكلام عليه وإنما سمي جنة لأن الشجر تجنها أي تسترها .
__________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج14 ، ص239-240.
{عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} .
أصول الإسلام ثلاثة :
الايمان بوحدانية اللَّه ، ونبوة محمد ، وباليوم الآخر ، وقوم رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) كانوا أبعد الناس عن هذه المبادئ ، ولذا تساءلوا وقالوا مستغربين : {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ} - 5 ص وأيضا استكثروا على محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ان يكون نبيا لا لشيء إلا لأنه فقير من المال ، وقالوا فيما قالوا : {لَولا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ} - 12 هود . . وقالوا عن البعث : {أَإِذا مِتْنا وكُنَّا تُراباً وعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} - 53 الصافات . . هذه المبادئ أو الأصول الثلاثة هي النبأ العظيم الذي كان المشركون يسأل بعضهم بعضا عنه . . وقوله سبحانه : {هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} يشير إلى انهم كانوا بين مصدق في الباطن دون الظاهر وبين مكذب ظاهرا وباطنا أو متردد .
{كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} . هذا رد لأنكارهم ، وتهديد على عنادهم ، وأكد سبحانه التهديد بالتكرار ، ثم بيّن الدلائل على قدرته ، وآيات حكمته ، عسى أن يؤوب الجاحدون إلى رشدهم ، ويخافوا يوم الحساب والجزاء الذي أنذرهم به الرسول ، فقال عز من قائل : {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهاداً} ؟ ألا ترون كيف ذلل اللَّه الأرض تنتفعون بها ، وتفترشونها تماما كالمهد للصبي ؟ {والْجِبالَ أَوْتاداً} الجبال بالنسبة إلى الأرض كالأوتاد بالنسبة إلى الخيمة ، ولولا الجبال لاضطربت الأرض ومادت بسكانها .
{وخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً} أصنافا ذكورا وإناثا لحفظ النسل وبناء المجتمع {وجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً} أي موتا لأن النوم ضرب من الموت ، قال تعالى : {هُو الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ} - 60 الانعام . . والنوم ضرورة للروح والجسم ، ولا تستقيم الحياة بدونه ، ولكن الإكثار منه مذموم ، قال الرسول الأعظم : إياكم وكثرة النوم فان صاحبه فقير يوم القيامة لأنه كان في الدنيا من البطالين . قال الإمام الصادق (عليه السلام) : ان كثرة النوم مذهبة للدين والدنيا {وجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً} شبه سبحانه الليل باللباس لأنه يستر من الإنسان ما لا يحب أن يطلع عليه غريب .
{وجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً} وقتا للحركة والعمل من أجل الحياة ، وفي آية ثانية {وجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً} فالنوم كالموت ، والعمل في النهار كالبعث {وبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً} . المراد بالسبع هنا الكواكب السيارة المعروفة عند الناس ، وإلا فإن وراءها من الكواكب ما لا يبلغه الإحصاء ، ووصفها سبحانه بالشداد لأنها محكمة الصنع . وتكلمنا مفصلا عن هذا الموضوع عند تفسير الآية 12 من سورة الطلاق بعنوان {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: 12]. {وجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً} .
المراد بالسراج هنا الشمس ، وفي ضوئها تعمل الخلائق من أجل الحياة {وأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً} وهي السحائب تعصرها الرياح ، فتهطل بالماء الغزير .
{لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا ونَباتاً} بالماء تحيا الأرض بعد موتها ، وتخرج أقوات الإنسان والحيوان وغيرهما ، ومثله : {وأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى كُلُوا وارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لأُولِي النُّهى} - 54 طه ج 5 ص 223 {وجَنَّاتٍ أَلْفافاً} . أشجار ملتفة الأغصان يدخل بعضها في بعض . . وليس من شك ان من قدر على هذه العجائب فهو على إحياء الموتى أقوى وأقدر . . وتكرر هذا المعنى في عشرات الآيات ، منها : {حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} - 57 الأعراف .
__________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص498-499.
تتضمن السورة الإخبار بمجيء يوم الفصل وصفته والاحتجاج على أنه حق لا ريب فيه، فقد افتتحت بذكر تساؤلهم عن نبئه ثم ذكر في سياق الجواب ولحن التهديد أنهم سيعلمون ثم احتج على ثبوته بالإشارة إلى النظام المشهود في الكون بما فيه من التدبير الحكيم الدال بأوضح الدلالة على أن وراء هذه النشأة المتغيرة الدائرة نشأة ثابتة باقية، وأن عقيب هذه الدار التي فيها عمل ولا جزاء دارا فيها جزاء ولا عمل فهناك يوم يفصح عنه هذا النظام.
ثم تصف اليوم بما يقع فيه من إحضار الناس وحضورهم وانقلاب الطاغين إلى عذاب أليم والمتقين إلى نعيم مقيم ويختم الكلام بكلمة في الإنذار، والسورة مكية بشهادة سياق آياتها.
قوله تعالى: {عم يتساءلون} {عم} أصله عما وما استفهامية تحذف الألف منها اطرادا إذا دخل عليها حرف الجر نحو لم و مم وعلى م وإلى م، والتساؤل سؤال القوم بعضهم بعضا عن أمر أو سؤال بعضهم بعد بعض عن أمر وإن كان المسئول غيرهم، فهم كان يسأل بعضهم بعضا عن أمر أو كان بعضهم بعد بعض يسأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أمر وحيث كان سياق السورة سياق جواب يغلب فيه الإنذار والوعيد تأيد به أن المتسائلين هم كفار مكة من المشركين النافين للنبوة والمعاد دون المؤمنين ودون الكفار والمؤمنين جميعا.
فالتساؤل من المشركين والإخبار عنه في صورة الاستفهام للإشعار بهوانه وحقارته لظهور الجواب عنه ظهورا ما كان ينبغي معه أن يتساءلوا عنه.
قوله تعالى: {عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون} جواب عن الاستفهام السابق أي يتساءلون عن النبإ العظيم، ولا يخفى ما في توصيف النبإ المتسائل عنه بالعظيم من تعظيمه وتفخيم أمره.
والمراد بالنبإ العظيم نبأ البعث والقيامة الذي يهتم به القرآن العظيم في سورة المكية ولا سيما في العتائق النازلة في أوائل البعثة كل الاهتمام.
ويؤيد ذلك سياق آيات السورة بما فيه من الاقتصار على ذكر صفة يوم الفصل وما تقدم عليها من الحجة على أنه حق واقع.
وقيل: المراد به نبأ القرآن العظيم، ويدفعه كون السياق بحسب مصبه أجنبيا عنه وإن كان الكلام لا يخلو من إشارة إليه استلزاما.
وقيل: النبأ العظيم ما كانوا يختلفون فيه من إثبات الصانع وصفاته والملائكة والرسل والبعث والجنة والنار وغيرها، وكان القائل به اعتبر فيه ما في السورة من الإشارة إلى حقية جميع ذلك مما تتضمنه الدعوة الحقة الإسلامية.
ويدفعه أن الإشارة إلى ذلك كله من لوازم صفة البعث المتضمنة لجزاء الاعتقاد الحق والعمل الصالح والكفر والإجرام، وقد دخل فيما في السورة من صفة يوم الفصل تبعا وبالقصد الثاني.
على أن المراد بهؤلاء المتسائلين - كما تقدم - المشركون وهم يثبتون الصانع والملائكة وينفون ما وراء ذلك مما ذكر.
وقوله: {الذي هم فيه مختلفون} إنما اختلفوا في نحو إنكاره وهم متفقون في نفيه فمنهم من كان يرى استحالته فينكره كما هو ظاهر قولهم على ما حكاه الله: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [سبأ: 7] ، ومنهم من كان يستبعده فينكره وهو قولهم: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون: 35، 36] ، ومنهم من كان يشك فيه فينكره قال تعالى: { بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا} [النمل: 66] ، ومنهم من كان يوقن به لكنه لا يؤمن عنادا فينكره كما كان لا يؤمن بالتوحيد والنبوة وسائر فروع الدين بعد تمام الحجة عنادا قال تعالى: {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ } [الملك: 21].
والمحصل من سياق الآيات الثلاث وما يتلوها أنهم لما سمعوا ما ينذرهم به القرآن من أمر البعث والجزاء يوم الفصل ثقل عليهم ذلك فغدوا يسأل بعضهم بعضا عن شأن هذا النبإ العجيب الذي لم يكن مما قرع أسماعهم حتى اليوم، وربما راجعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين وسألوهم عن صفة اليوم وأنه متى هذا الوعد إن كنتم صادقين وربما كانوا يراجعون في بعض ما قرع سمعهم من حقائق القرآن واحتوته دعوته الجديدة أهل الكتاب وخاصة اليهود ويستمدونهم في فهمه.
وقد أشار تعالى في هذه السورة إلى قصة تساؤلهم في صورة السؤال والجواب فقال: {عم يتساءلون} وهو سؤال عما يتساءلون عنه.
ثم قال: {عن النبإ العظيم الذي هم فيه مختلفون} وهو جواب السؤال عما يتساءلون عنه.
ثم قال: {كلا سيعلمون} إلخ، وهو جواب عن تساؤلهم.
وللمفسرين في مفردات الآيات الثلاث وتقرير معانيها وجوه كثيرة تركناها لعدم ملاءمتها السياق والذي أوردناه هو الذي يعطيه السياق.
قوله تعالى: {كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون} ردع عن تساؤلهم عنه بانين ذلك على الاختلاف في النفي أي ليرتدعوا عن التساؤل لأنه سينكشف لهم الأمر بوقوع هذا النبإ فيعلمونه، وفي هذا التعبير تهديد كما في قوله: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227].
وقوله: {ثم كلا سيعلمون} تأكيد للردع والتهديد السابقين ولحن التهديد هو القرينة على أن المتسائلين هم المشركون النافون للبعث والجزاء دون المؤمنين ودون المشركين والمؤمنين جميعا.
قوله تعالى: {أ لم نجعل الأرض مهادا} الآية إلى تمام إحدى عشرة آية مسوق سوق الاحتجاج على ثبوت البعث والجزاء وتحقق هذا النبإ العظيم ولازم ثبوته صحة ما في قوله: {سيعلمون} من الإخبار بأنهم سيشاهدونه فيعلمون.
تقرير الحجة: أن العالم المشهود بأرضه وسمائه وليله ونهاره والبشر المتناسلين والنظام الجاري فيها والتدبير المتقن الدقيق لأمورها من المحال أن يكون لعبا باطلا لا غاية لها ثابتة باقية فمن الضروري أن يستعقب هذا النظام المتحول المتغير الدائر إلى عالم ذي نظام ثابت باق، وأن يظهر فيه أثر الصلاح الذي تدعو إليه الفطرة الإنسانية والفساد الذي ترتدع عنه، ولم يظهر في هذا العالم المشهود أعني سعادة المتقين وشقاء المفسدين، ومن المحال أن يودع الله الفطرة دعوة غريزية أو ردعا غريزيا بالنسبة إلى ما لا أثر له في الخارج ولا حظ له من الوقوع فهناك يوم يلقاه الإنسان ويجزي فيه على عمله إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا.
فالآيات في معنى قوله تعالى {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: 27، 28].
وبهذا البيان يثبت أن هناك يوما يلقاه الإنسان ويجزي فيه بما عمل إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا فليس للمشركين أن يختلفوا فيه فيشك فيه بعضهم ويستبعده طائفة، ويحيله قوم، ولا يؤمن به مع العلم به عنادا آخرون، فاليوم ضروري الوقوع والجزاء لا ريب فيه.
ويظهر من بعضهم أن الآيات مسوقة لإثبات القدرة وأن العود يماثل البدء والقادر على الإبداء قادر على الإعادة، وهذه الحجة وإن كانت تامة وقد وقعت في كلامه تعالى لكنها حجة على الإمكان دون الوقوع والسياق فيما نحن فيه سياق الوقوع دون الإمكان فالأنسب في تقريرها ما تقدم.
وكيف كان فقوله: {أ لم نجعل الأرض مهادا} الاستفهام للإنكار، والمهاد الوطاء والقرار الذي يتصرف فيه، ويطلق على البساط الذي يجلس عليه والمعنى قد جعلنا الأرض قرارا لكم تستقرون عليها وتتصرفون فيها.
قوله تعالى: {والجبال أوتادا} الأوتاد جمع وتد وهو المسمار إلا أنه أغلظ منه كما في المجمع، ولعل عد الجبال أوتادا مبني على أن عمدة جبال الأرض من عمل البركانات بشق الأرض فتخرج منه مواد أرضية مذابة تنتصب على فم الشقة متراكمة كهيئة الوتد المنصوب على الأرض تسكن به فورة البركان الذي تحته فيرتفع به ما في الأرض من الاضطراب والميدان.
وعن بعضهم: أن المراد بجعل الجبال أوتادا انتظام معاش أهل الأرض بما أودع فيها من المنافع ولولاها لمادت الأرض بهم أي لما تهيأت لانتفاعهم.
وفيه أنه صرف اللفظ عن ظاهره من غير ضرورة موجبة.
قوله تعالى: {وخلقناكم أزواجا} أي زوجا زوجا من ذكر وأنثى لتجري بينكم سنة التناسل فيدوم بقاء النوع إلى ما شاء الله.
وقيل: المراد به الإشكال أي كل منكم شكل للآخر.
وقيل: المراد به الأصناف أي أصنافا مختلفة كالأبيض والأسود والأحمر والأصفر إلى غير ذلك، وقيل: المراد به خلق كل منهم من منيين مني الرجل ومني المرأة وهذه وجوه ضعيفة.
قيل: الالتفات في الآية من الغيبة إلى الخطاب للمبالغة في الإلزام والتبكيت.
قوله تعالى: {وجعلنا نومكم سباتا} السبات الراحة والدعة فإن في المنام سكوتا وراحة للقوى الحيوانية البدنية مما اعتراها في اليقظة من التعب والكلال بواسطة تصرفات النفس فيها.
وقيل: السبات بمعنى القطع وفي النوم قطع التصرفات النفسانية في البدن، وهو قريب من سابقه.
وقيل: المراد بالسبات الموت، وقد عد سبحانه النوم من الموت حيث قال: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ } [الأنعام: 60] وهو بعيد، وأما الآية فإنه تعالى عد النوم توفيا ولم يعده موتا بل القرآن يصرح بخلافه قال تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها{: الزمر: 42.
قوله تعالى: {وجعلنا الليل لباسا} أي ساترا يستر الأشياء بما فيه من الظلمة الساترة للمبصرات كما يستر اللباس البدن وهذا سبب إلهي يدعو إلى ترك التقلب والحركة والميل إلى السكن والدعة والرجوع إلى الأهل والمنزل.
وعن بعضهم أن المراد بكون الليل لباسا كونه كاللباس للنهار يسهل إخراجه منه وهوكما ترى.
قوله تعالى: {وجعلنا النهار معاشا} العيش هو الحياة - على ما ذكره الراغب - غير أن العيش يختص بحياة الحيوان فلا يقال: عيشه تعالى وعيش الملائكة ويقال حياته تعالى وحياة الملائكة، والمعاش مصدر ميمي واسم زمان واسم مكان، وهو في الآية بأحد المعنيين الأخيرين، والمعنى وجعلنا النهار زمانا لحياتكم أو موضعا لحياتكم تبتغون فيه من فضل ربكم، وقيل: المراد به المعنى المصدري بحذف مضاف، والتقدير وجعلنا النهار طلب معاش أي مبتغي معاش.
قوله تعالى: {وبنينا فوقكم سبعا شدادا} أي سبع سماوات شديدة في بنائها.
قوله تعالى: {وجعلنا سراجا وهاجا} الوهاج شديد النور والحرارة والمراد بالسراج الوهاج: الشمس.
قوله تعالى: {وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا} المعصرات السحب الماطرة وقيل: الرياح التي تعصر السحب لتمطر والثجاج الكثير الصب للماء، والأولى على هذا المعنى أن تكون {من} بمعنى الباء.
قوله تعالى: {لنخرج به حبا ونباتا} أي حبا ونباتا يقتات بهما الإنسان وسائر الحيوان.
قوله تعالى: {وجنات ألفافا} معطوف على قوله: {حبا} وجنات ألفاف أي ملتفة أشجارها بعضها ببعض.
قيل: إن الألفاف جمع لا واحد له من لفظه.
______________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج20، ص139-143.
خبر هام!
تأتي الآية الأُولى لتستفهم بتعجب: {عمّ يتسائلون}(2)!
ودون انتظار للجواب، تجيب الآية الثّانية ما سُئِل عنه في الآية الأُولى: {عن النبأ العظيم}.
ذلك الخبر: {الذي هم فيه مختلفون}.
أورد المفسّرون آراءً متباينة في المقصود من «النبأ العظيم»، فمنهم مَنْ اعتبره إشارة إلى يوم القيامة، ومنهم مَنْ قال بأنّه إشارة إلى القرآن الكريم، ومنهم مَنْ اعتبره إشارة إلى أُصول الدين من التوحيد حتى المعاد.
وقد فسّرته الرّوايات بالولاية والإمامة (وسنشير إلى ذلك في البحوث الآتية).
وبنظرة دقيقة إلى مجموع آيات السورة وسياق طرحها، وما ذكرته الآيات اللاحقة من ملامح القدرة الإلهية بعرض بعض مصاديقها في السماء والأرض، وبعد هذا العرض تؤكّد إحدى الآيات، {إنّ يوم الفصل كان ميقاتاً} ثمّ مخالفة وعدم تقبل المشركين لمبدأ «المعاد»، كل ذلك يدعم التّفسير الأوّل القائل: بأنّ النبأ العظيم هو يوم القيامة.
«النبأ»: كما يقول الراغب في مفرداته: خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علمٌ أو غلبة ظن، ولا يقال للخبر في الأصل نبأٌ حتى يتضمّن هذه الأشياء الثلاثة(3).
فوصف «النبأ» بـ «العظيم» للتأكيد على أهميته، وللبت بأنّ ما يشك فيه البعض إنّما هو: أمر واقع، بالغ الأهمية، خطير.. وكما قلنا فهذا المعنى يناسب كونه يوم القيامة أكثر ممّا يناسب بقية التفاسير.
وربّما كانت جملة «يتسائلون» إشارة إلى الكفّار دون غيرهم، لأنّهم كثيراً ما كانوا يتسائلون فيما بينهم بخصوص «المعاد»، وما كان تساؤلهم لأجل الفحص والتحقيق وصولاً للحقيقة، بل كان لغرض التشكيك لا أكثر.
وثمّة احتمال آخر: كون تساؤلهم كان موجهاً إلى المؤمنين عموماً، أو إلى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) خاصّة(4).
وقد يتساءل أنّه إذا كان «النبأ العظيم» هو يوم القيامة، فلماذا يقول القرآن الكريم: {الذي هم فيه مختلفون}، وفي علمنا أنّ الكفار مجمعون على إنكاره؟؟
والجواب: أنّ المشركين لا يقطعون في إنكارهم للمعاد بشكل جازم، والكثير منهم يعتقدون بصورة إجمالية ببقاء الروح بعد البدن، وهوما يسمى بـ (المعاد الروحاني).
أمّا بخصوص (المعاد الجسماني)، فالمشركون ليسوا على وتيرة واحدة في إنكاره، فهناك مَنْ يظهر الشكّ والتردد، كما تشير إلى ذلك الآية (66) من سورة النحل.. وهناك مَنْ ينكر المعاد الجسماني بشدّة حتى دفعهم جهلهم وعنادهم لأنْ ينعتوا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) (والعياذ بالله) بالجنون لقوله بالمعاد الجسماني، وقد عرفوه تارة أُخرى بالكاذب على الله! كما أُخبرت بذلك سورة سبأ في الآيتين (7 و8)..
وعليه، فاختلاف المشركين في «المعاد» أمر واقع ولا يمكن إنكاره.
ويضيف القرآن قائلاً: {كلاّ سيعلمون}(5)، فليس الأمر كما يقولون أو يظنون.
ويجدد التأكيد: {ثم كلاّ سيعلمون}.
فسيعلمون في ذلك اليوم الواقع حتماً: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } [الزمر: 56] ، يوم ينهال العذاب الإلهي على الكافرين فيقولون بصرخات مستغيثة: { هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 44].
بل وإنّ طلب العودة إلى الحياة لجبران خطيئاتهم سيطرح في أُولى لحظات الموت، حين تزال الحجب عن عين الإنسان فيرى بأُمِّ عينيه حقيقة عالم الآخرة، فيستيقن حياة البرزخ والمعاد، ولا يبقى عنده إلاّ أنْ يقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 99، 100].
«السين» في «سيعلمون» حرف استقبال (يستعمل للمستقبل القريب)، وهو في الآية المباركة يشير إلى قرب وقوع يوم القيامة، وما نسبة أيّام الدنيا للآخرة إلاّ ساعة من الزمن!
أمّا تكرار جملة «كلاّ سيعلمون»، فقيل: للتأكيد. وقيل: لبيان وقوع أمرين.. الأوّل: قرب وقوع العذاب الدنيوي. والثّاني: الإشارة إلى قرب عذاب الآخرة أيضاً. وقد رجح المفسّرون التفسير الأوّل.
وثمّة احتمال آخر، وهو أنّ نمو وتطور الفكر البشري سيوصل البشرية إلى التقدم العلمي الذي يثبت بالأدلة العلمية والشواهد الحيّة تحقق يوم القيامة، بالشكل الذي يبطل كل حيل الإنكار وعدم الاقرار.
ويُشكل على هذا الإحتمال.. كون ما سيحصل من تطور وتقدم إنّما يختص بالأجيال القادمة، في حين أنّ الآية تتحدث عن المشركين في عهد النّبي(صلى الله عليه وآله)، وتناولت مسألة اختلافهم في أمر يوم القيامة.
وقوله تعالى : {أَلَمْ نَجْعَلِ الاَْرْضَ مِهَداً(6) وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً (7)وَخَلَقْنَكُمْ أَزْوَجاً(8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً(9) وَجَعَلْنَا الَّيْلَ لِبَاساً(10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً(11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً(12) وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً(13) وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَتِ مَآءً ثَجَّاجاً(14) لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبَّاً وَنَبَاتاً(15) وَجَنَّت أَلْفَافاً}
كل شيء بأمرك يا ربّ...
تجيب الآيات المذكورة على أسئلة منكري المعاد والمختلفين في هذا «النبأ العظيم» لأنّها تستعرض جوانب معينة من نظام الكون وعالم الوجود الموزون، مع تبيانها لبعض النعم الإلهية الواسعة ذات التأثير الفعال في حياة الإنسان، وذلك من جهة دليل على قدرة الباري عزَّ وجل المطلقة، ومنها قدرته على إعادة الحياة إلى الإنسان بعد موته.
ومن جهة أُخرى إشارة إلى أنّ الكون وما فيه من دقّة تنظيم، لا يمكن أنْ يُخلق لمجرّد العبث واللهو! بل لابدّ من وجود حكمة بالغة لهذا الخلق. في حين أنّه لوكان الموت يعني نهاية كل شيء، فمعنى ذلك أنّ وجود العالم عبث وخال من أيّةِ حكمة!!
وبهذا فقد استدل القرآن الكريم على حقيقة «المعاد» بطريقين:
1 ـ برهان القدرة.
2 ـ برهان الحكمة.
وقد عرضت الآيات الإحدى عشر، اثنتي عشر نعمة إلهية، بأُسلوب ملؤه اللطف والمحبّة، مصحوباً بالإستدلال، لأنّ الإستدلال العقلي لولم يقترن بالإحساس العاطفي والنشاط الروحي يكون قليل التأثير.
وتشرع الآيات بالإشارة إلى نعمة الأرض، فتقول: {ألم نجعل الأرض مهاداً}.
(المهاد): كما يقول الراغب في المفردات: المكان الممهّد الموطأ، وهو في الأصل مشتق من «المهد»، أيْ المكان المهيء للصبي.
وفسّره بعض أهل اللغة والمفسّرين بالفراش، لنعومته واستوائه وكونه محلاً للراحة.
واختيار هذا الوصف للأرض ينم عن مغزىً عميق..
فمن جهة: نجد في قسم واسع من الأرض الإستواء والسهولة، فتكون مهيئة لبناء المساكن والزراعة.
ومن جهة ثانية: أُودع فيها كل ما يحتاجه الإنسان لحياته من المواد الأولية إلى المعادن الثمينة، سواء كان ذلك على سطحها أمْ في باطنها.
ومن جهة ثالثة: تحلل الأجساد الميتة التي تودع فيها، وتبيد كل الجراثيم الناشئة عن هذه العملية بما أودع فيها الباري من قدرة على ذلك.
ومن جهة رابعة: ما لحركتها السريعة المنظمة ولدورانها حول الشمس وحول نفسها من أثر على حياة البشرية خاصّة، بما ينجم عنها الليل والنهار والفصول الأربعة.
ومن جهة خامسة: خزنها لقسم كبير من مياه الأمطار الغزيرة، وإخراج ذلك على شكل عيون، آبار، أنهار.
والخلاصة: إنّ جميع وسائل الإستقرار والعيش لبني آدم متوفرة في هذا المهد الكبير، وقد لا يلتفت الإنسان إلى عظم هذه النعمة الرّبانية، إلاّ إذا ما أصاب الأرض زلزالاً..، وعندها سيدرك معنى استقرار الأرض، ومعنى كونها مهاداً.
وبما أنّ نعمة استواء الأرض وسهولتها قد تهمش نعمة الجبال، فقد جاءت الآية التالية لتبيّن أهمية الجبال ودورها المهم في حياة الإنسان: {والجبال أوتاداً}.
تشكل الجبال آيةً ربانية زاخرة بالعطاء، وتؤدي وظائف كثيرة، منها أنّها تحفظ القشرة الأرضية من الإنهيار أمام الضغط الحاصل من المواد المذابة داخلها،
وذلك لعمق تجذرها المترابط داخل الأرض.. وتحافظ عليها من تأثيرات جاذبية القمر في عملية المد والجزر.. وتشكل جدران الجبال سداً منيعاً للتقليل من آثار الرياح الشديدة والعواصف المدمرة.. وتهيأ للإنسان الملاجيء الهادئة في مغاراتها وبين تعرجاتها لتأمنه من ضربات العواصف المهلكة.. وتقوم بخزن المياه وادخار أنواع المعادن الثمينة في باطنها..
بالإضافة لكل ما ذكر، فتوزيع الجبال على الأرض بالشكل الموجود وتعاملاً مع حركة الأرض يعمل على تنظيم حركة الهواء المحيط بالكرة الأرضية بالشكل الذي يؤثر ايجابياً على الحياة فوق الأرض. وفي هذا المجال، يقول العلماء: لوكان سطح الكرة الأرضية مستوياً كله، لتولدت عواصف شديدة لا يمكن السيطرة عليها جراء حركة الأرض وسكون الغلاف الجوي، ولفقدت الأرض صلاحيتها بتوفير مستلزمات السكن للإنسان، لأنّ استمرار الاحتكاك الحاصل من حركة الأرض الدائمة وسكون الغلاف الجوي سيؤدي بلا شك إلى زيادة حرارة القشرة الأرضية ممّا يجعل الأرض غير صالحة لسكنى الإنسان.
وبعد أنْ بيّن القرآن هذين النموذجين من النعم الإلهية والآيات الآفاقية، عرج إلى ذكر ما أنعم الباري على الإنسان من النعم والآيات الانفسية فقال: {وخلقناكم أزواجاً}(6).
«الأزواج»: جمع زوج، المتشكل من الذكر والأُنثى، ويخرج الإنسان إلى حياة الوجود من هذين الجنسين، ويستمر وجوده في الحياة من خلال عملية التناسل التي تساهم في استقرار الإنسان من الناحيتين الجسمية والنفسية، كما تشير إلى هذا الآية (21) من سورة الروم: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً } [الروم: 21].
وبعبارة أُخرى: إنّ كلاً من الذكر والأُنثى مكمل لوجود الآخر، وعاملاً على اشباع احتياجات الطرف الآخر من الناحيتين الجسمية والنفسية.
وفسّر البعض كلمة «أزواج» بالأصناف المختلفة للناس، لأنّ من معاني (أزواج): الأصناف والأنواع، فاعتبروها إشارة إلى ذلك التباين الموجود بين البشر من حيث: اللون، الجنس، الإستعدادات والقابليات، للدلالة على عظمة الباري جلّ شأنه والعامل على تكامل المجتمع الإنساني.
ويشير بعد ذلك إلى نعمة النوم، فيقول: {وجعلنا نومكم سباتاً}.
«السبات»: من السبت، بمعنى القطع، ثمّ استعملت بمعنى (تعطيل العمل) لأجل الإستراحة، وسمي «يوم السبت» بذلك لأنّ اليهود كانوا يعطلون أعمالهم في اليوم المذكور.
ويحمل وصف «النوم» بالسبات إشارةً لطيفة إلى تعطيل قسم من الفعاليات الجسمية والروحية للإنسان عند النوم.
ويعطي التعطيل فرصة: لإستراحة أعضاء البدن.. لتجديد القوى.. لتقوية الروح والجسد، لتجديد النشاط ورفع أيّ نوع من التعب والآلام، والإستعداد لتقبل المرحلية القادمة (بعد النوم) بفاعلية ونشاط متجدد.
وبالرغم من أنّ النوم يشكّل ثلث حياة الإنسان، ولكنّ الإنسان لا زال يجهل الكثير من خفاياه، بل ولا زال الإنسان (منذ القديم وحتى الآن) لا يعرف سبب تعطيل بعض فعاليات الدماغ في مدّة معينة وتغمض العين أجفانها وتسكن جميع أعضاء البدن!
وبات من المعروف ما للنوم من دور مهم في حياة الإنسان، حتى حرص أطباء علم النفس دوماً على تنظيم نوم مرضاهم بصورته الطبيعية حفاظاً على حالة التوازن النفسي للمرضى.
فالذين لا يتمتعون بنوم طبيعي تراهم مصابون بحدّة المزاج، القلق، الإضطراب، الكآبة، وبالمقابل، نرى الذين يتمتعون بنوم طبيعي ينهضون كل صباح بنشاط وحيوية وبقدرة جديدة.
ومن بين ما يقدمه النوم من تأثير مهم على الإنسان: سرعة تقبل ذهن الإنسان للدراسة والمطالعة بعد فترة نوم طبيعية وهادئة وسرعة إنجاز الأعمال الفكرية والبدنية ولعلّ من أسهل أساليب تعذيب الإنسان هو حرمانه من النوم، خصوصاً وأنّ التجارب العلمية أثبتت بأنّ قابلية الإنسان على تحمل الأرق ضعيفة جدّاً، وإذا حاول أيُّ إنسان أنْ يجرب ذلك، فلا تمضي عليه فترة وجيزة إلاّ ويصاب في سلامته ويمرض.
وكلّ ما ذكر من فوائد النوم فإنّه يختص بالنوم الطبيعي الموزون، وأمّا إذا زاد عن حدّه الطبيعي فلا يجني صاحبه سوى الآثار السلبية لهذا الإفراط، كحال الإفراط في الطعام.
ومن الغريب أنّ نسبة فترة النوم تختلف من إنسان لآخر، ولا يمكن تعيين فترة محددة لكل الناس، وعليه.. فكل إنسان يعرف الفترة التي تناسبه طبيعياً بما يناسب فعالياته الجسمية والروحية، وتجربة الإنسان هي التي تُعين نسبة النوم الضروري له.
والأغرب من ذلك، إنّه قد يضطر الإنسان في الحوادث والشدائد إلى السهر واليقظة مدّة طويلة، ولذلك تزداد مقاومته للنوم بشكل ملحوظ ولكنّه مؤقت، وقد يستكفي في تلك الأحيان بساعة أو ساعتين من النوم لليوم الواحد، ولكنْ.. سرعان ما ينتهي ذلك التمكن بمجرّد الرجوع إلى الحالة الطبيعية، بل وقد يحتاج لساعات نوم أطول من السابق للتعويض عمّا فاته من نوم!
ومن النادر أنْ نرى إنساناً يعيش حالة اليقظة لعدة أشهر، وفي قبال ذلك نرى بعض الناس ينامون اثناء المشي، بل وهناك مَنْ ينام وأنت تشاطره أطراف الحديث، ومثل هكذا أشخاص يعيشون حالة غير طبيعية وغالباً ما تكون الحوادث المؤسفة في انتظارهم، فالضرورة تقتضي ألاّ يتركوا بدون مراقب أو مرافق.
والخلاصة: إنّ هذا الحادث العجيب والظاهرة الغامضة التي تدعى بـ «النوم» مصحوبة بعجائب كثيرة وكأنّها معجزة من المعاجز(7).
ومع أنّ ذكر النوم في الآية قد جاء باعتباره إحدى النعم الإلهية، إلاّ أنّ الآية المباركة قد تشير بذلك إلى الموت، لما للنوم من شبه بالموت، والإستيقاظ بالبعث.
وبعد الإِنتهاء من ذكر نعمة النوم، ينتقل القرآن الكريم لذكر نعمة الليل، فيقول: {وجعلنا الليل لباساً}.
وتضيف الآية التالية مباشرة: {وجعلنا النهار معاشاً}(8).
الآيتان تفندان جهل الثنويين بأسرار الخلق، حيث يقولون: إنّ النور والنهار نعمة، والظلام والليل شر وعذاب، ويجعلون لكلِّ منهما خالق (إله الخير وإله الشر).. وبقليل من التأمل نجد أنّ كلاًّ منهما يمثل نعمة إلهية معطاءة، حيث تنبع منها نعم أُخرى.
وشبهت الآيةُ الليلَ باللباسِ والغطاء الذي يُلقى على الأرض ليشمل كل مَنْ على الأرض، وليجبر فعاليات الموجودات الحيّة المتعبة على الأرض بالتعطل عن الحركة وممارسة النشاطات، ويخيم الظلام والسكون ليضفي على الأرض الهدوء ليستريح الناس من رحلة العمل والمعاناة خلال النهار، وليتمكنوا من مواصلة نشاطهم لليوم التالي لأنّ النوم المريح لا يتيسر للانسان إلاّ في أجواء مظلمة.
وبالإِضافة لكل ما ذكر، فحلول الليل يعني زوال نور الشمس وإلاّ لانعدمت الحياة واحترقت جميع النباتات والحيوانات في حال استمرار شروق الشمس.
ولذا نجد القرآن الكريم يؤكّد على هذه الحقيقة، فتارة يقول: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} [القصص: 72]. وتأتي الآية التالية لتقول: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ } [القصص: 73] ويلاحظ في القرآن الكريم أنّه قد أُقسم بأُمور كثيرة، ولكن قسمه لا يتعدى المرة الواحدة لكل ما قسم به، ما عدا الليل فقد جاء القسم به سبع مرات! ولمّا كان القسم بشيء دليل على أهميته، فهذا يعني أنّ للّيل أهميّة بالغة.
الأشخاص الذين يضيؤون الليل بأنوار صناعية ويسهرون ليلهم ويقضون نهارهم بالنوم، هم أُناس غير طبيعيين، وترى علامات الكسل والخمول بادية عليهم. في حين نرى القرويين أكثر صحة من أهل المدن وأسلم بدناً وحواساً، لأنّهم ينامون بعد حلول الليل بقليل ويستيقظون مبكراً.
ومن منافع الليل الجانبية أنّ فيه (وقت السحر) الذي هو أفضل أوقات الدعاء والصلاة ومناجاة الباري جلّ شأنه لتربية وتزكية النفوس، كما تصف الآية (18) من سورة الذاريات عُبّاد الليل: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18] (9).
والنهار بنوره الفياض نعمة ربانية عظيمة، حيث يدفع الإنسان ليتحرك ويسعى لبناء حياته ومجتمعه، وبالنور تنمو النباتات، وتمارس الحيوانات شؤون حياتها وحقّاً قال الباري: {وجعلنا النهار معاشاً}، بما لا يدع مجالاً للتفصيل والشرح.
وخاتمة المقال: إنّ تعاقب الليل والنهار وما فيهما من نظام دقيق آية بيّنة من آيات خلقه سبحانه وتعالى، إضافة إلى أنّه تقويم طبيعي لتفصيل الزمن في حياة الإنسانية على مرّ التاريخ.
وتأتي الآية التالية لتنقلنا من عالم الأرض إلى عالم السماء حين تقول: {وبنينا فوقكم سبعاً شداداً}.
قد يراد من العدد المذكور بالآية «الكثرة»، للإشارة إلى كثرة الأجرام السماوية والمنظومات الشمسية والمجرات والعوالم الواسعة لهذا الوجود، والتي تتمتع بخلق محكم وبناء رصين لا خلل فيه .. ويمكن أنْ يراد منه العدد، للإشارة إلى أنّ الكواكب وما يبدو لنا منها إنّما تعود إلى السماء الأُولى، كما أشارت الآية (6) من سورة الصافات إلى ذلك: { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [الصافات: 6] ، وثمّة سماوات ستة وعوالم أُخرى وراء السماء الأُولى «الدنيا» خارجة عن حدود معرفتنا.
وثمّة احتمال آخر، وهو أنّ المراد منها طبقات الهواء المحيطة بالأرض فإنّها مع رقتها تتمتع باستحكام وقوة عجيبة بحيث تحمي الأرض من آثار الشهب الملتهبة والمتساقطة عليها باستمرار، فبمجرّد دخول الشهب في الغلاف الجوي الرقيق نتيجة لجاذبية الأرض لها، تحترق تلك الشهب لاحتكاكها السريع بالغلاف الجوي حتي تتلاشى، ولولا تلك الطبقات الجوية المحيطة بالكرة الأرضية لكانت المدن والقرى عرضة للإصابة بتلك الصخور والأحجار السماوية المتساقطة عليها على الدوام.
وقد توصل بعض العلماء إلى أنّ سُمْك الغلاف الجوي يقرب من مائة كليومتر، وله من الأثر ما يعادل سقف فولاذي بسمك عشرة أمتار!
وبذلك نحصل على تفسير آخر لما جاء في الآية.. {... سبعاً شداداً}(10).
وبعد أن أشار القرآن إجمالاً إلى السماوات، يشير إلى نعمة الشمس، فيقول: {وجعلنا سراجاً وهّاجاً}(11).
«الوهّاج»: من الوهج، بمعنى النور والحرارة التي تصدر من النار(12).
وإطلاق هذه الصفة على الشمس، للإشارة إلى نعمتين كبيرتين وهما: (النور) و(الحرارة) ويتفرع عنهما نعم وعطايا كثيرة يزخر بها عالمنا.
ولا تتحدد فوائد نور الشمس بإضاءة الدنيا للإنسان، بل لها أثر كبير في نمو سائر الكائنات الحيّة.
وإضافة لكل ما تقدم، فلحرارة الشمس أثر أساس في: تكوّن الغيوم، حركة الهواء، نزول الأمطار، وسقي الأراضي اليابسة.
ولأشعة الشمس كذلك الأثر البالغ في مكافحة الجراثيم، لاحتوائها على الأشعة ما وراء الحمراء التي تقتل الجراثيم، ولولاها لتحولت الأرض إلى مستشفى عظيمة، ولانتهت الحياة البشرية على ظهرها خلال مدّة محدودة جدّاً.
وأشعة الشمس في واقعها: نور صحي مجاني دائمي، يصلنا بكيفية لا هي بالشديدة المحرقة، ولا هي بالقليلة العديمة التأثير.
ونسبة ما يصلنا من الطاقة الشمسية قياساً مع بقية المصادر كثير جدّاً، وعلى سبيل الفرض: فلو أردنا إنماء شجرة تفاح بواسطة نور صناعي، فستكلفنا التفاحة الواحدة مبلغاً رهيباً،. نعم.. فنعمة هذا السراج الوهّاج لا يمكننا تعويضها بمال كل الأغنياء(13).
وقد قُدّر حجم الشمس بما يقارب المليون وثلاثمائة ألف مرّة نسبة إلى حجم الكرة الأرضية، والفاصلة بين الشمس والأرض تقدر بحدود مائة وخمسين مليون كليومتر.. وأنّ حرارة الشمس الخارجية تصل إلى ستة آلاف درجة مئوية.. وتصل حرارتها الداخلية ما يقارب مليون درجة مئوية! وهذا النظام الموزون بحكمة بالغة، لمن الدقة بحال أنّه لو اختل قليلاً (زيادة أو نقصان) لما أمكن للبشر أنْ يعيشوا على سطح الكرة الأرضية، ولا يسعنا المجال لنتطرق لمزيد من التفصيل والبيان حول هذا الموضوع.
وبعد ذكر نعمة النور والحرارة يتناول القرآن نعمة حياتية أُخرى لها ارتباط بأشعة الشمس، ويقول: {وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجاً}.
«المعصرات»: جمع «معصر»، من العصر بمعنى الضغط.. والكلمة تشير إلى أنّ الغيوم تقوم بعملية وكأنّها تعصر نفسها عصراً لكي ينهمر منها الماء على شكل أمطار(14) (ينبغي ملاحظة أنّ «المعصرات» جاءت بصيغة اسم فاعل).
وفسّرها بعضهم بالغيوم المستعدة لإنزال الأمطار، باعتبار أنّ اسم الفاعل يأتي في بعض الأحيان بمعنى الإستعداد للقيام بعمل ما.
وقال بعض آخر: إنّ «المعصرات» ليست صفةً للغيوم، وإنّما للرياح التي تقوم بضغط وعصر الغيوم.
«الثجاج»: من الثج، بمعنى سيلان الماء بكمية كبيرة، و«ثجاج» صيغة مبالغة، ويراد بها هنا غزارة الأمطار المنهمرة نتيجة العصر الحاصل للغيوم.
وبالإضافة لكون المطر منبعاً لكثير من مصادر الخير والبركة، فهو: ملطف للجو، مزيل للتلوثات الموجودة في الجو، مخفض للحرارة ومعدل للبرودة، مقلل لأسباب الأمراض، يمنح الإِنسان روحاً متجددة ونشاطاً، ومع كل ذلك.. فقد ذكر القرآن ثلاث فوائد أُخرى له: {لنخرج به حباً ونباتاً}.
{وجنّات ألفافاً}.
يقول الراغب في مفرداته: «ألفافاً»: أيْ إلتفّ بعضها ببعض لكثرة الشجر(15).
والآيتان تشيران إلى ما يستفيد منه الإنسان والحيوان من المواد الغذائية التي تخرج من الأرض، فالحبوب الغذائية تشكل قسماً مهمّاً من المواد الغذائية «حبّاً»، والخضر تشكل القسم الآخر «ونباتاً»، وتأتي الفاكهة لتشكل القسم الثالث «وجنّات».
ولا تنحصر فوائد المطر بهذه الفوائد الثلاث المذكورة في هاتين الآيتين، فللماء دور أساسي وحيوي في عملية حياة الكائنات الحيّة، وعلى الأخص الإنسان، حيث أنّ الماء يشكل ما يقارب السبعين في المائة من بدنه، بل ويتعدى ذلك ليشمل كل كائن حيّ، كما يشير القرآن الكريم لهذه الحقيقة: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30].
وتتجاوز فوائد الماء حدود الكائن الحيّ لتشمل: المصانع، جمال الطبيعة، وأفضل الطرق التجارية والإقتصادية هي الطرق المائية.
__________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج15 ، ص11-25.
2 ـ «عمّ»: مخفف (عمّا)، وهي مركبة من (عن) و(ما) الإستفهامية.
3 ـ مفردات الراغب، مادة (نبأ).
4 ـ مع أنّ باب (التفاعل) غالباً ما يشير إلى الفعل المقابل، إلاّ أنه ـ أحياناً ـ قد يعطي معنى الفعل الثلاثي المجرّد أو معان أُخرى.. (وذكر بعض أهل اللغة خمسة معان للتفاعل:
1 ـ إشتراك اثنين أو أكثر في فعل ما.
2 ـ المطاوعة، مثل (تباعد).
3 ـ إظهار خلاف الواقع، مثل (تمارض).
4 ـ الوقوع التدريجي، مثل (توارد).
5 ـ معنى فعل ثلاثي، مثل (تعالى) بمعنى (علا)).
5 ـ المعروف بين أوساط علماء اللغة بأن «كلاّ» حرف ردع، ولكنْ ثمّة منْ قال باستعمالات أُخرى لهذا الحرف ولكنها نادرة، وهي: أ ـ حرف تأكيد. ب ـ بمعنى (ألا) الإِستفتاحية. جـ ـ حرف جواب بمنزلة (نعم). (راجع مجمع البحرين وكنب اللغة).
6 ـ جملة (وخلقناكم أزواجاً) وما بعدها، جاءت بصيغة الإثبات، أمّا ما احتمله البعض من كونها جملاً منفية معطوفة على قوله تعالى: (ألم نجعل) المتقدم في الآية الأُولى فبعيد ويحتاج إلى تقدير لا موجب.
7 ـ للتزود من عجائب عالم النوم، راجع ما بحثناه في تفسير الآية (34) من سورة الروم. وكذا الرؤيا وعجائبها في ذيل الآية (4) من سورة يوسف.
8 ـ «المعاش»: إمّا أنْ يكون اسم زمان أواسم مكان، بمعنى زمان ومكان الحياة.. ويمكن أنْ يكون مصدراً ميمياً، فيكون له محذوف، والتقدير: (سبباً لمعاشكم). والمعاش: من العيش، أيْ الحياة، إلاّ أنّ تعبير الحياة يمكن إطلاقه على الباري عزَّ وجلّ والملائكة، فيما تختص كلمة العيش بحياة الإنسان والحيوان.
9 ـ راجع بحوثنا حول أسرار الليل والنهار، ونظام النور والظلمة في ذيل الآيات (71 ـ 73) من سورة القصص، في ذيل الآية (47) من سورة الفرقان، في ذيل الآية (18) من سورة الذاريات.
10 ـ لزيادة المعلومات، راجع ذيل الآية (29) من سورة البقرة.
11 ـ «جعلنا»: في هذا الموضع بمعنى (خلقنا)، فلذلك أخذت مفعولاً واحداً.
12 ـ مفردات الراغب: مادة (وهج).. وفي لسان العرب: الوهج: حرارة الشمس والنار من بعيد.
13 ـ ورد في كتاب عالم النجوم من تأليف (آنتري وايت) حساباً للنور والحرارة الواصلين من الشمس إلى الأرض، يقول صاحب الكتاب: لو أردنا أنْ ندفع أُجوراً مقابل ما يصلنا من نور وحرارة الشمس مجاناً بما يساوي ما ندفعه من أُجور الكهرباء عادة، فعلى سكان الأرض أنْ يدفعوا لكل ساعة من النور والحرارة مليار وسبعمائة مليون دولار، وإذا حسبنا ما علينا أنْ ندفع خلال سنة واحدة فسنصل إلى رقم خيالي من الدولارات، وبهذا يظهر قيمة ما وهبنا الله تعالى من ثروة طائلة دون مقابل.
ويقول مؤلف كتاب (من العوالم البعيدة): إنّ أهل الأرض لو أرادوا الحصول على ما يصلهم من نور الشمس من مصابيح توضع في مكان الشمس للزم لكل منهم خمسة ملايين مليار مصباح ذو مائة واط.
14 ـ يقول بعض العلماء: إنّ الغيوم حين تتراكم تخضع لنظام معين، حيث تقوم بعصر نفسها فتتساقط قطرات الأمطار منها، وهذا في واقعه يكشف عن إحدى المعاجز العلمية للقرآن في استعماله لهذا التعبير (راجع كتاب ـ الهواء والأمطار).
15 ـ (ألفاف): جمع لفيف ـ كما يقول كثير من أهل اللغة والتفسير ـ. وقال بعضهم: جمع لُف (بضم اللام). وقال بعض آخر: جمع لِف (بكسر اللام). وقال آخرون: هي جمع لا مفرد له.. ولكنّ المشهور هو القول الأوّل.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|