أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-1-2018
6560
التاريخ: 31-1-2018
8114
التاريخ: 31-1-2018
2939
|
قال تعالى : {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا } [الإنسان : 7 - 22] .
وصف سبحانه هؤلاء الأبرار فقال {يوفون بالنذر} أي كانوا في الدنيا بهذه الصفة والإيفاء بالنذر هو أن يفعل ما نذر عليه فإذا نذر طاعة تممها ووفى بها عن مجاهد وعكرمة وقيل يتمون ما فرض الله عليهم من الواجبات عن قتادة .
{ويخافون يوما كان شره مستطيرا} أي فاشيا منتشرا ذاهبا في الجهات بلغ أقصى المبالغ وسمي العذاب شرا لأنه لا خير فيه للمعاقبين وإن كان في نفسه حسنا لكونه مستحقا وقيل المراد بالشر هنا أهوال يوم القيامة وشدائده {ويطعمون الطعام على حبه} أي على حب الطعام والمعنى يطعمون الطعام أشد ما تكون حاجتهم إليه وصفهم الله سبحانه بالأثرة على أنفسهم وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال ما من مسلم أطعم مسلما على جوع إلا أطعمه الله من ثمار الجنة وما من مسلم كسا أخاه على عري إلا كساه الله من خضر الجنة ومن سقى مسلما على ظمإ سقاه الله من الرحيق قال ابن عباس يطعمون الطعام على شهوتهم له ومحبتهم إياه وقيل الهاء كناية عن الله تعالى أي يطعمون الطعام على حب الله .
{مسكينا} وهو الفقير الذي لا شيء له {ويتيما} وهو الذي لا والد له من الأطفال {وأسيرا} وهو المأخوذ من أهل دار الحرب عن قتادة وقيل هو المحبوس من أهل القبلة عن مجاهد وسعيد بن جبير وقيل الأسير المرأة {إنما نطعمكم لوجه الله} أي لطلب رضا الله خالصا لله مخلصا من الرياء وطلب الجزاء وهو قوله {لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} وهو مصدر مثل القعود والجلوس وقيل إنهم لم يتكلموا بذلك ولكن علم الله سبحانه ما في قلوبهم فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك الراغب عن سعيد بن جبير ومجاهد والمراد لا نطلب بهذا الطعام مكافاة عاجلة ولا نريد أن تشكرونا عليه عند الخلق بل فعلناه لله .
{إنا نخاف من ربنا يوما} أي عذاب يوم {عبوسا} أي مكفهرا تعبس فيه الوجوه ووصف اليوم بالعبوس توسعا لما فيه من الشدة وهذا كما يقال يوم صائم وليل قائم قال ابن عباس يعبس فيه الكافر حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران {قمطريرا} أي صعبا شديدا عن أبي عبيدة والمبرد وقال الحسن سبحان الله ما أشد اسمه وهومن اسمه أشد وقيل القمطرير الذي يقلص الوجوه ويقبض الجباه وما بين الأعين من شدته عن قتادة .
ثم أخبر سبحانه بما أعد للأبرار الموصوفين في الآيات الأولى من الجزاء فقال {فوقيهم الله شر ذلك اليوم} أي كفاهم الله ومنع منهم أهوال يوم القيامة وشدائده {ولقيهم نضرة وسرورا} أي استقبلهم بذلك {وجزيهم} أي وكافأهم {بما صبروا} أي بصبرهم على طاعته واجتناب معاصيه وتحمل محن الدنيا وشدائدها {جنة} يسكنونها {وحريرا} من لباس الجنة يلبسونه ويفرشونه {متكئين} أي جالسين جلوس الملوك {فيها} أي في الجنة {على الأرائك} أي الأسرة في الحجال عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وقيل كلما يتكأ عليه فهو أريكة عن الزجاج وقيل الأرائك الفرش فوق الأسرة عن أبي مسلم {لا يرون فيها} أي في تلك الجنة {شمسا} يتأذون بحرها {ولا زمهريرا} يتأذون ببرده .
{ودانية عليهم ظلالها} يعني أن أفياء أشجار تلك الجنة قريبة منهم وقيل إن ظلال الجنة لا تنسخها الشمس كما تنسخ ظلال الدنيا {وذللت قطوفها تذليلا} أي وسخرت وسهل أخذ ثمارها تسخيرا إن قام ارتفعت بقدره وإن قعد نزلت عليه حتى ينالها وإن اضطجع تدلت حتى تنالها يده عن مجاهد وقيل معناه لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك {ويطاف عليهم} أي على هؤلاء الأبرار الموصوفين قبل {بانية من فضة وأكواب} جمع كوب وهو إناء للشرب من غير عروة وقيل الأكواب الأقداح عن مجاهد {كانت} تلك الأكواب {قواريرا} أي زجاجات {من فضة} قال الصادق (عليه السلام) ينفذ البصر في فضة الجنة كما ينفذ في الزجاج والمعنى أن أصلها من فضة فاجتمع لها بياض الفضة وصفاء القوارير فيرى من خارجها ما في داخلها قال أبو علي إن سئل فقيل كيف تكون القوارير من فضة وإنما القوارير من الرمل دونها فالقول في ذلك أن الشيء إذا قاربه شيء واشتدت ملابسته له قيل أنه من كذا وإن لم يكن منه في الحقيقة كقول البعيث :
ألا أصبحت خنساء خارمة الوصل *** وضنت علينا والضنين من البخل (2)
وصدت فأعدانا بهجر صدودها *** وهن من الأخلاف قبلك والمطل
وقال :
ألا في سبيل الله تغيير لمتي *** ووجهك مما في القوارير أصفر
فعلى هذا يجوز قوارير من فضة أي هي في صفاء الفضة ونقائها ويجوز تقدير حذف المضاف أي من صفاء الفضة وقوارير الثانية بدل من الأولى وليست بتكرار وقيل أن قوارير كل أرض من تربتها وأرض الجنة فضة فلذلك كانت قواريرها مثل الفضة عن ابن عباس {قدروها تقديرا} أي قدروا الكأس على قدر ربهم لا يزيد ولا ينقص من الري والضمير في قدروها للسقاة والخدم الذين يسقون فإنهم يقدرونها ثم يسقون وقيل قدروها على قدر ملء الكف أي كانت الأكواب على قدر ما اشتهوا لم تعظم ولم يثقل الكف عن حملها عن الربيع والقرظي وقيل قدروها في أنفسهم قبل مجيئها على صفة فجاءت على ما قدروا والضمير في قدروا للشاربين .
{ويسقون فيها} أي في الجنة {كأسا كان مزاجها زنجبيلا} قال مقاتل لا يشبه زنجبيل الدنيا وقال ابن عباس كل ما ذكره الله في القرآن مما في الجنة وسماه ليس له مثل في الدنيا ولكن سماه الله بالاسم الذي يعرف والزنجبيل مما كانت العرب تستطيبه فلذلك ذكره في القرآن ووعدهم أنهم يسقون في الجنة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنة {عينا فيها تسمى سلسبيلا} أي تمزج الخمر بالزنجبيل والزنجبيل من عين تسمى تلك العين سلسبيلا قال ابن الأعرابي لم أسمع السلسبيل إلا في القرآن وقال الزجاج هو صفة لما كان في غاية السلاسة يعني أنها سلسلة تتسلسل في الحلق وقيل سمي سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان عن أبي العالية ومقاتل وقيل سميت بذلك لأنها ينقاد ماؤها لهم يصرفونها حيث شاءوا عن قتادة .
{ويطوف عليهم ولدان مخلدون} مر تفسيره {إذا رأيتهم} يعني إذا رأيت أولئك الولدان {حسبتهم لؤلؤا منثورا} من الصفاء وحسن المنظر والكثرة فذكر لونهم وكثرتهم وقيل إنما شبههم بالمنثور لانتثارهم في الخدمة فلو كانوا صفا لشبهوا بالمنظوم {وإذا رأيت ثم} أي إذا رميت ببصرك ثم يعني الجنة وقيل أن تقديره وإذا رأيت الأشياء ثم {رأيت نعيما} خطيرا {وملكا كبيرا} لا يزول ولا يفنى عن الصادق (عليه السلام) وقيل كبيرا أي واسعا يعني أن نعيم الجنة لا يوصف كثرة وإنما يوصف بعضها وقيل الملك الكبير استئذان الملائكة عليهم وتحيتهم بالسلام وقيل هو أنهم لا يريدون شيئا إلا قدروا عليه وقيل هو أن أدناهم منزلة ينظر في ملكه من مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه وقيل هو الملك الدائم الأبدي في نفاذ الأمر وحصول الأماني {عاليهم ثياب سندس} من جعله ظرفا فهو بمنزلة قولك فوقهم ثياب سندس ومن جعله حالا فهو بمنزلة قولك يعلوهم ثياب سندس وهوما رق من الثياب فيلبسونها وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال في معناه تعلوهم الثياب فيلبسونها {خضر واستبرق} وهوما غلظ منها ولا يراد به الغلظ في السلك إنما يراد به الثخانة في النسج قال ابن عباس أ ما رأيت الرجل عليه ثياب والذي يعلوها أفضلها .
{وحلوا أساور من فضة} الفضة الشفافة وهي التي يرى ما وراءها كما يرى من البلورة وهو أفضل من الدر والياقوت وهما أفضل من الذهب والفضة فتلك الفضة أفضل من الذهب والفضة في الدنيا وهما أثمان الأشياء وقيل أنهم يحلون بالذهب تارة وبالفضة أخرى ليجمعوا محاسن الحلية كما قال الله تعالى يحلون فيها من أساور من ذهب والفضة وإن كانت دنية الثمن في الدنيا فهي في غاية الحسن خاصة إذا كانت بالصفة التي ذكرناها والغرض في الآخرة ما يكثر الاستلذاذ والسرور به لا ما يكثر ثمنه لأنه ليست هناك أثمان .
{وسقاهم ربهم شرابا طهورا} أي طاهرا من الأقذار والأقذاء لم تدنسها الأيدي ولم تدسها الأرجل كخمر الدنيا وقيل طهورا لا يصير بولا نجسا ولكن يصير رشحا في أبدانهم كريح المسك وإن الرجل من أهل الجنة يقسم له شهوة مائة رجل من أهل الدنيا وأكلهم ونهمتهم فإذا أكل ما شاء سقي شرابا طهورا فيطهر بطنه ويصير ما أكل رشحا يخرج من جلده أطيب ريحا من المسك الأذفر ويضمر بطنه وتعود شهوته عن إبراهيم التميمي وأبي قلابة وقيل يطهرهم عن كل شيء سوى الله إذ لا طاهر من تدنس بشيء من الأكوان إلا الله رووه عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) .
{إن هذا} يعني ما وصف من النعيم وأنواع الملاذ {كان لكم جزاء} أي مكافاة على أعمالكم الحسنة وطاعتكم المبرورة {وكان سعيكم} في مرضاة الله وقيامكم بما أمركم الله به {مشكورا} أي مقبولا مرضيا جوزيتم عليه فكأنه شكر لكم فعلكم .
______________________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص215-223 .
2- الخارم التارك .
بعد أن أشار سبحانه إلى بعض ما أعده غدا للأبرار - قال : استحقوا ذلك لصفات ثلاث :
1 - {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} . والنذر في اللغة الوعد ، وفي الشرع ان يلزم البالغ العاقل نفسه بفعل شيء أو تركه لوجه اللَّه ، على أن يكون الفعل أو الترك للَّه فيه رضى . . والا يكون الكلام هذرا لا نذرا عند أهل النظر والتحقيق ، وصيغة النذر أن يقول الناذر : علي للَّه ، أو نذرت للَّه كذا . ولا يقع النذر مجردا عن ذكر اللَّه أو أحد أسمائه الحسنى كالرحمن والخالق والمحيي والمميت ، فلو قال : نذرت لأفعلن كذا كان لغوا ، والعهد في اصطلاح كثير من الفقهاء أن يقول المعاهد : أعاهد اللَّه أو علي عهد اللَّه كذا ، واليمين هو الحلف باللَّه .
وتقدم الكلام عن اليمين عند تفسير الآية 89 من سورة المائدة ج 3 ص 120 واللَّه سبحانه يحب ويثيب كل من صدق وأحسن في فعل أو قول سواء أكان القول وعدا أم عهدا أم نذرا أم يمينا أم شهادة أم خبرا من الأخبار .
2 - {ويَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} . يطيعون اللَّه في كل شيء خوفا من يوم يعم شره العظيم كل من عصى اللَّه وخالفه في حكم من أحكامه .
3 - {ويُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً ويَتِيماً وأَسِيراً} . يبذلون كل عزيز وهم في أشد الحاجة إليه ، ومثله : {ويُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ ولَوكانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ} - 9 الحشر . والمسكين البائس العاجز ، واليتيم من لا كفيل له ، أما الأسير فقيل : ان المراد به هنا من أسره المسلمون بالحرب مع أعداء اللَّه والإسلام ، وروي ان الصحابة كانوا إذا أتوا رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأسير من أعداء اللَّه وأعدائه دفعه إلى بعض المسلمين وقال له : أحسن إليه ، فيأخذه إلى بيته ، ويؤثره على نفسه وأهله .
{إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً ولا شُكُوراً إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} . لا نريد مكافأة منكم ولا من غيركم ، وانما نطعم ونبذل بدافع التقرب إلى اللَّه ، والخوف من يوم تفحص فيه الأعمال ، وتكثر فيه الأهوال . .
قالوها بلسان الحال لا بلسان المقال أوقالها اللَّه عنهم علما منه تعالى بما في قلوبهم من الايمان والإخلاص {فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ ولَقَّاهُمْ نَضْرَةً وسُرُوراً} . خافوا يوم المحشر ، فاتقوا شره بطاعة اللَّه والإخلاص له ، فبدلهم من بعد خوفهم أمنا ، فأشرقت وجوههم بنور البشر والفرحة {وجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وحَرِيراً} . صبروا على الجوع وجهده ليشبع غيرهم فكان ثوابهم عند اللَّه جنة فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين .
وفي كثير من التفاسير ان هذه الآيات نزلت في حق الإمام علي بن أبي طالب ، ونثبت منها عبارة الرازي بنصها :
{ذكر الواحدي من أصحابنا - أي السنة - وصاحب الكشاف من المعتزلة : ان الحسن والحسين (عليه السلام) مرضا فعادهما الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) في أناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك ، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما ان شفاهما اللَّه تعالى أن يصوموا ثلاثة أيام فشفيا ، فاستقرض علي ثلاثة أصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعا ، واختبزت خمسة أقراص على عددهم ، ووضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال : السلام عليكم يا أهل بيت محمد ، مسكين أطعموني ، أطعمكم اللَّه من الجنة ، فآثروه ولم يذوقوا إلا الماء ، وأصبحوا صائمين ، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف يتيم فآثروه ، وجاءهم أسير في الليلة الثالثة ، ففعلوا مثل ذلك ، فلما أصبحوا أبصرهم رسول اللَّه يرتعشون كالفراخ فقال : ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم ، فنزل جبريل وقال : خذها يا محمد هنأك اللَّه في أهل بيتك ، فاقرأ هذه السورة} .
{مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً ولا زَمْهَرِيراً} . ضمير {فيها} للجنة ، والأرائك السرر ، والشمس كناية عن الحر ، والزمهرير البرد ، والمعنى واضح . وتقدم مثله في الآية 31 من سورة الكهف {ودانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا} . جاء في كتب اللغة ان دانية تكون بمعنى قريبة ، وبمعنى ناعمة ، وهذا المعنى يناسب الظل وهو الفيء ، وأيضا يناسب كلمة {عليهم} ولوكان المعنى قريبة لقال تعالى {إليهم} . وتذليل العناقيد معناه انها في متناول الأيدي لا يحول دونها حائل . وتقدم مثله في الآية 23 من سورة الحاقة .
{ويُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً} . واو الجماعة في قدروها تعود إلى متكئين ، وهم أهل الجنة تماما مثل واو{لا يَرَوْنَ فِيها} وعليه يكون المعنى ان صفة الأكواب لونا وحجما هي كما يشاء أهل الجنة ، وكما قدروها في نفوسهم وتصوروها في أذهانهم .
وذكر المفسرون سؤالا حول هذه الآية ، وهوان قوارير جمع قارورة ، وهي وعاء الزجاج فكيف يتفق هذا مع قوله : {من فضة} ؟ وهل يستقيم قول القائل : الزجاج من فضة والماء من التراب ؟ .
وأجابوا بأن معدن الأكواب من فضة ، ولكنها رقيقة شفافة كالزجاج ينفذ فيها البصر كما ينفذ فيه .
{ويُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا} . وهو عرق لبعض النباتات ، قال المفسرون : كان العرب يحبون جعل الزنجبيل في المشروب ، ولذا وصف سبحانه به شراب أهل الجنة {عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} ماؤها عذب فرات سائغ للشاربين {ويَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} .
هم في جمالهم ونضارتهم كاللؤلؤ المنثور ، وفيه إيماء إلى كثرة الخدم ووجودهم هنا وهناك {وإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً ومُلْكاً كَبِيراً} . إذا دخلت الجنة رأيت ما لا أذن سمعت ولا عين رأت ولا خطر على قلب بشر {عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وإِسْتَبْرَقٌ وحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً} يلبسون الحرير الرقيق والغليظ ، وأيضا يضعون في أيديهم أساور فضة ، ويشربون طيبا طاهرا .
وتقدم مثله في الآية 31 من سورة الكهف {إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} . بعد تلك الكرامة يقال لهم : هذه مكافأة على أعمالكم التي شكرها اللَّه لكم بالثواب وحسن المآب . وتقدم مثله في الآية 19 من سورة الاسراء .
________________________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص481-484 .
قوله تعالى : {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا} المستطير اسم فاعل من استطار إذا فشا وانتشر في الأقطار غاية الانتشار وهو أبلغ من طار كما قيل : يقال : استطار الحريق واستطار الفجر إذا اتسعا غايته ، والمراد باستطارة شر اليوم وهو يوم القيامة بلوغ شدائده وأهواله وما فيه من العذاب غايته .
والمراد بالإيفاء بالنذر ما هو ظاهره المعروف من معناه ، وقول القائل : إن المراد به ما عقدوا عليه قلوبهم من العمل بالواجبات أو ما عقدوا عليه القلوب من اتباع الشارع في جميع ما شرعه خلاف ظاهر اللفظ من غير دليل يدل عليه .
قوله تعالى : {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا} ضمير {على حبه} للطعام على ما هو الظاهر ، والمراد بحبه توقان النفس إليه لشدة الحاجة ، ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى : {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران : 92] .
وقيل : الضمير لله سبحانه أي يطعمون الطعام حبا لله لا طمعا في الثواب ، ويدفعه أن قوله تعالى حكاية منهم : {إنما نطعمكم لوجه الله} يغني عنه .
ويليه في الضعف ما قيل : إن الضمير للإطعام المفهوم من قوله : {ويطعمون} وجه الضعف أنه إن أريد بحب الإطعام حقيقة معناه فليس في حب الإطعام في نفسه فضل حتى يمدحوا به ، وإن أريد به كون الإطعام بطيب النفس وعدم التكلف فهو خلاف الظاهر ، ورجوع الضمير إلى الطعام هو الظاهر .
والمراد بالمسكين واليتيم معلوم ، والمراد بالأسير ما هو الظاهر منه وهو المأخوذ من أهل دار الحرب .
وقول بعضهم : إن المراد به أسارى بدر أو الأسير من أهل القبلة في دار الحرب بأيدي الكفار أو المحبوس أو المملوك من العبيد أو الزوجة كل ذلك تكلف من غير دليل يدل عليه .
والذي يجب أن يتنبه له أن سياق هذه الآيات سياق الاقتصاص تذكر قوما من المؤمنين تسميهم الأبرار وتكشف عن بعض أعمالهم وهو الإيفاء بالنذر وإطعام مسكين ويتيم وأسير وتمدحهم وتعدهم الوعد الجميل .
فما تشير إليه من القصة سبب النزول ، وليس سياقها سياق فرض موضوع وذكر آثارها الجميلة ، ثم الوعد الجميل عليها ، ثم إن عد الأسير فيمن أطعمه هؤلاء الأبرار نعم الشاهد على كون الآيات مدنية فإن الأسر إنما كان بعد هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وظهور الإسلام على الكفر والشرك لا قبلها .
قوله تعالى : {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} وجه الشيء هوما يستقبل به غيره ، ووجهه تعالى صفاته الفعلية الكريمة التي يفيض بها الخير على خلقه من الخلق والتدبير والرزق وبالجملة الرحمة العامة التي بها قيام كل شيء ، ومعنى كون العمل لوجه الله على هذا كون الغاية في العمل هي الاستفاضة من رحمة الله وطلب مرضاته بالاقتصار على ذلك والإعراض عما عند غيره من الجزاء المطلوب ، ولذا ذيلوا قولهم : {إنما نطعمكم لوجه الله} بقولهم {لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} .
ووراء ذلك صفاته الذاتية الكريمة التي هي المبدأ لصفاته الفعلية ولما يترتب عليها من الخير في العالم ، ومرجع كون العمل لوجه الله على هذا هو الإتيان بالعمل حبا لله لأنه الجميل على الإطلاق ، وإن شئت فقل : عبادته تعالى لأنه أهل للعبادة .
وابتغاء وجه الله بجعله غاية داعية في الأعمال مذكور في مواضع من كلامه تعالى كقوله : {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الكهف : 28] وقوله : {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ } [البقرة : 272] ، وفي هذا المعنى قوله : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [البينة : 5] ، وقوله : {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر : 65] ، وقوله : {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر : 3] .
وقوله : {لا نريد منكم جزاء ولا شكورا} الجزاء مقابلة العمل بما يعادله إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا ، ويعم الفعل والقول لكن المراد به في الآية بقرينة مقابلته الشكور مقابلة إطعامهم عملا لا لسانا .
والشكر والشكور ذكر النعمة وإظهارها قلبا أو لسانا أو عملا ، والمراد به في الآية وقد قوبل بالجزاء الثناء الجميل لسانا .
والآية أعني قوله : {إنما نطعمكم لوجه الله} إلخ خطاب منهم لمن أطعموه من المسكين واليتيم والأسير إما بلسان المقال فهي حكاية قولهم أو بتقدير القول وكيف كان فقد أرادوا به تطييب قلوبهم أن يأمنوا المن والأذى ، وإما بلسان الحال وهو ثناء من الله عليهم لما يعلم من الإخلاص في قلوبهم .
قوله تعالى : {إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا} عد اليوم وهو يوم القيامة عبوسا من الاستعارة ، والمراد بعبوسه ظهوره على المجرمين بكمال شدته ، والقمطرير الصعب الشديد على ما قيل .
والآية في مقام التعليل لقولهم المحكي : {إنما نطعمكم لوجه الله} إلخ ينبهون بقولهم هذا أن قصرهم العمل في ابتغاء وجه الله تعالى إخلاصا للعبودية لمخافتهم ذاك اليوم الشديد ، ولم يكتفوا بنسبة المخافة إلى اليوم حتى نسبوه نحوا من النسبة إلى ربهم فقالوا : {نخاف من ربنا يوما} إلخ لأنهم لما لم يريدوا إلا وجه ربهم فهم لا يخافون غيره كما لا يرجون غيره وإنما يخافون ويرجون ربهم فلا يخافون يوم القيامة إلا لأنه من ربهم يحاسب فيه عباده على أعمالهم فيجزيهم بها .
وأما قوله قبلا : {ويخافون يوما كان شره مستطيرا} حيث نسب خوفهم إلى اليوم فإن الواصف فيه هو الله سبحانه وقد نسب اليوم بشدائده إلى نفسه قبلا حيث قال : {إنا أعتدنا للكافرين سلاسل} إلخ .
وبالجملة ما ذكروه من الخوف مخافة في مقام العمل لما يحاسب العبد على عمله فالعبودية لازمة للإنسان لا تفارقه وإن بلغ ما بلغ قال تعالى : {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية : 25 ، 26] .
قوله تعالى : {فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا} الوقاية الحفظ والمنع من الأذى ولقي بكذا يلقيه أي استقبله به والنضرة البهجة وحسن اللون والسرور مقابل المساءة والحزن .
والمعنى : فحفظهم الله ومنع عنهم شر ذلك اليوم واستقبلهم بالنضرة والسرور ، فهم ناضرة الوجوه مسرورون يومئذ كما قال : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ } [القيامة : 22] .
قوله تعالى : {وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا} المراد بالصبر صبرهم عند المصيبة وعلى الطاعة وعن المعصية فإنهم ابتغوا في الدنيا وجه ربهم وقدموا إرادته على إرادتهم فصبروا على ما قضى به فيهم وأراده من المحن ومصائب الدنيا في حقهم ، وصبروا على امتثال ما أمرهم به وصبروا على ترك ما نهاهم عنه وإن كان مخالفا لأهواء أنفسهم فبدل الله ما لقوه من المشقة والكلفة نعمة وراحة .
قوله تعالى : {متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا} الأرائك جمع أريكة وهوما يتكأ عليه ، والزمهرير البرد الشديد ، والمعنى حال كونهم متكئين في الجنة على الأرائك لا يرون فيها شمسا حتى يتأذوا بحرها ولا زمهريرا حتى يتأذوا ببرده .
قوله تعالى : {ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا} الظلال جمع ظل ، ودنو الظلال عليهم قربها منهم بحيث تنبسط عليهم فكان الدنو مضمن معنى الانبساط وقطوف جمع قطف بالكسر فالسكون وهو الثمرة المقطوفة المجتناة ، وتذليل القطوف لهم جعلها مسخرة لهم يقطفونها كيف شاءوا من غير مانع أو كلفة .
قوله تعالى : {ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا} الآنية جمع إناء كأكسية جمع كساء وهو الوعاء ، وأكواب جمع كوب وهو إناء الشراب الذي لا عروة له ولا خرطوم والمراد طواف الولدان المخلدين عليهم بالآنية وأكواب الشراب كما سيأتي في قوله : {ويطوف عليهم ولدان} الآية .
قوله تعالى : {قوارير من فضة قدروها تقديرا} بدل من قوارير في الآية السابقة ، وكون القوارير من فضة مبني على التشبيه البليغ أي إنها في صفاء الفضة وإن لم تكن منها حقيقة ، كذا قيل .
واحتمل أن يكون بحذف مضاف والتقدير من صفاء الفضة .
وضمير الفاعل في {قدروها} للأبرار والمراد بتقديرهم الآنية والأكواب كونها على ما شاءوا من القدر ترويهم بحيث لا تزيد ولا تنقص كما قال تعالى : {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا} [ق : 35] وقد قال تعالى قبل : {يفجرونها تفجيرا} .
ويحتمل رجوع الضمير إلى الطائفين المفهوم من قوله : {يطاف عليهم} والمراد بتقديرهم الآنية والأكواب إتيانهم بها على قدر ما أرادوا محتوية على ما اشتهوا قدر ما اشتهوا .
قوله تعالى : {ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا} قيل : إنهم كانوا يستطيبون الزنجبيل في الشراب فوعد الأبرار بذلك وزنجبيل الجنة أطيب وألذ .
قوله تعالى : {عينا فيها تسمى سلسبيلا} أي من عين أو التقدير أعني أو أخص عينا .
قال الراغب : وقوله : {سلسبيلا} أي سهلا لذيذا سلسا حديد الجرية .
قوله تعالى : {ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا} أي ولدان دائمون على ما هم عليه من الطراوة والبهاء وصباحة المنظر ، وقيل : أي مقرطون بخلدة وهي ضرب من القرط .
والمراد بحسبانهم لؤلؤا منثورا أنهم في صفاء ألوانهم وإشراق وجوههم وانعكاس أشعة بعضهم على بعض وانبثاثهم في مجالسهم كاللؤلؤ المنثور .
قوله تعالى : {وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا} {ثم} ظرف مكان ممحض في الظرفية ، ولذا قيل : إن معنى {رأيت} الأول : رميت ببصرك ، والمعنى وإذا رميت ببصرك ثم يعني الجنة رأيت نعيما لا يوصف وملكا كبيرا لا يقدر قدره .
وقيل : {ثم} صلة محذوفة الموصول والتقدير وإذا رأيت ما ثم من النعيم والملك ، وهو كقوله : {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام : 94] والكوفيون من النحاة يجوزون حذف الموصول وإبقاء الصلة وإن منعه البصريون منهم .
قوله تعالى : {عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق} إلخ الظاهر أن {عاليهم} حال من الأبرار الراجعة إليه الضمائر و{ثياب} فاعله ، والسندس - كما قيل - ما رق نسجه من الحرير ، والخضر صفة ثياب والإستبرق ما غلظ نسجه من ثياب الحرير ، وهو معرب كالسندس .
وقوله : {وحلوا أساور من فضة} التحلية التزيين ، وأساور جمع سوار وهو معروف ، وقال الراغب : هو معرب دستواره .
وقوله : {وسقاهم ربهم شرابا طهورا} أي بالغا في التطهير لا تدع قذارة إلا أزالها ومن القذارة قذارة الغفلة عن الله سبحانه والاحتجاب عن التوجه إليه فهم غير محجوبين عن ربهم ولذا كان لهم أن يحمدوا ربهم كما قال : {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس : 10] وقد تقدم في تفسير سورة الحمد إن الحمد وصف لا يصلح له إلا المخلصون من عباد الله تعالى لقوله : {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات : 159 ، 160] .
وقد أسقط تعالى في قوله : {وسقاهم ربهم} الوسائط كلها ونسب سقيهم إلى نفسه ، وهذا أفضل ما ذكره الله تعالى من النعيم الموهوب لهم في الجنة ، ولعله من المزيد المذكور في قوله : { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق : 35] .
قوله تعالى : {إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا} حكاية ما يخاطبون به من عنده تعالى عند توفيته أجرهم أو بحذف القول والتقدير ويقال لهم : إن هذا كان لكم جزاء (إلخ) .
وقوله : {وكان سعيكم مشكورا} إنشاء شكر لمساعيهم المرضية وأعمالهم المقبولة ، ويا لها من كلمة طيبة تطيب بها نفوسهم .
واعلم أنه تعالى لم يذكر فيما ذكر من نعيم الجنة في هذه الآيات نساء الجنة من الحور العين وهي من أهم ما يذكره عند وصف نعم الجنة في سائر كلامه ويمكن أن يستظهر منه أنه كانت بين هؤلاء الأبرار الذين نزلت فيهم الآيات من هي من النساء .
وقال في روح المعاني ، : ومن اللطائف على القول بنزول السورة فيهم يعني في أهل البيت إنه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين وإنما صرح عز وجل بولدان مخلدين رعاية لحرمة البتول وقرة عين الرسول ، انتهى .
______________________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج20 ، ص110-115 .
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
تتناول هذه الآيات ذكر أعمال «الأبرار» «وعباد الله» مع ذكر خمسة صفات توضّح سبب استحقاقهم لكل هذه النعم الفريدة : فيقول تعالى {يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شرّه مستطيراً} .
جملة (يوفون) و (يخافون) والجمل التي تليها جاءت بصيغة الفعل المضارع وهذا يشير إلى استمرارية وديمومة منهجهم ، كما قلنا في سبب النزول فإنّ المصداق الأتم والأكمل لهذه الآيات هو أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسنان (عليهم السلام) ، لأنّهم وفوا بما نذروه من الصوم ثلاثة أيّام ولم يتناولوا في افطارهم إلاّ الماء في حين أنّ قلوبهم مشحونة بالخوف من الله والقيامة .
«مستطيراً» : يراد به الإتساع والإنتشار ، وهو إشارة إلى أنواع العذاب واتساعه في ذلك اليوم العظيم ، على كلّ حال فإنّهم وفوا بالنذور التي أوجبوها على أنفسهم ، وبالأحرى كانوا يحترمون الواجبات الإلهية ويسعون في أدائها ، وخوفهم من شرِّ ذلك اليوم ، وآثار هذا الإيمان ظاهرة في أعمالهم بصورة كاملة .
ثّم يتناول الصفة الثّالثة لهم فيقول : {ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً} .
لم يكن مجرّد اطعام ، بل اطعام مقرون بالإيثار العظيم عند الحاجة الماسّة للغذاء ، ومن جهة أُخرى فهو إطعام في دائرة واسعة حيث يشمل أصناف المحتاجين من المسكين واليتيم والأسير ، ولهذا كانت رحمتهم عامّة وخدمتهم واسعة .
الضمير في (على حبه) يعود إلى (الطعام) أي أنّهم أعطوا الطعام مع احتياجهم له ، وهذا شبيه ما ورد في الآية من سورة آل عمران : {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران : 92] .
وقيل : إنّ الضمير المذكور يعود إلى «الله» الوارد في ما سبق من الآيات ، أي أنّهم يطعمون الطعام لحبّهم الشديد لله تعالى ، ولكن مع الالتفات الى ما يأتي في الآية الآتية يكون المعنى الأوّل أوجه .
ومعنى «المسكين» و«اليتيم» و«الأسير» واضح ، إلاّ أنّ هناك أقوالاً متعددة فيما يراد بالأسير؟ قال كثيرون : إنّ المراد الاسرى من الكفّار والمشركين الذين يؤتى بهم إلى منطقة الحكومة الاسلامية في المدينة ، وقيل : المملوك الذي يكون أسيراً بيد المالك ، وقيل هم السجناء ، والأوّل أشهر .
يرد هنا سؤال : كيف جاء ذلك الأسير إلى بيت الإمام علي (عليه السلام) طبقاً لما ورد في سبب النزول والمفروض أن يكون سجيناً؟
ويتضح لنا جواب هذا السؤال بالإلتفات إلى أنّ التاريخ يؤكّد عدم وجود سجناء في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يقسّمهم على المسلمين ، ويأمرهم بالحفاظ عليهم والإحسان إليهم ، فكانوا يطعمونهم الطعام وعند نفاذ طعامهم كانوا يطلبون العون من بقية المسلمين ويرافقونهم في الذهاب الى طلب المعونة ، أوأنّ الأَسرى يذهبون بمفردهم لأنّ المسلمين كانوا حينذاك في ضائقة من العيش .
وبالطبع توسعت الحكومة الإسلامية فيما بعد ، وازداد عدد الأَسرى وكذلك المجرمين ، فاتخذت عندئذ السجون وصار الإنفاق عليهم من بيت المال .
على كل حال فإنّ ما يستفاد من الآية أنّ أفضل الأعمال إطعام المحرومين والمعوزين ، ولا يقتصر على اطعام الفقراء من المسلمين فحسب بل يشمل حتى الأسرى المشركين أيضاً وقد أُعْتُبِرَ إطعامهم من الخصال الحميدة للأبرار .
وقد ورد في حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال : «استوصوا بالأسرى خيراً وكان أحدهم يؤثر أسيره بطعامه» (2) .
والخصلة الرابعة للأبرار هي الإخلاص ، فيقول : {إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً} .
إنّ هذا المنهج ليس منحصراً بالإطعام ، إذ أنّ جميع أعمالهم خالصة لوجه الله تعالى ، ولا يتوقعون من الناس شكراً وتقديراً ، وأساساً فإنّ قيمة العمل في الإسلام بخلوص النيّة وإلاّ فإنّ العمل اذا كان بدوافع غير الهية ، سواء كان رياءً أو لهوى النفس ، أو توقع شكر من الناس أو لمكافآت مادية ، فليس لذلك ثمن معنوي وإلهي .
وقد أشار النّبي (صلى الله عليه وآله) إلى ذلك إذ قال : «لا عمل إلاّ بالنيّة وإنّما الأعمال بالنيات» .
والمراد من (وجه الله) هو ذاته تعالى ، وإلاّ فليس لله صورة جسمانية ، وهذا هوما اعتمده وأكّده القرآن في كثير من آياته ، كما في الآية (272) من سورة البقرة : {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} [البقرة : 272] والآية (28) من سورة الكهف التي تصف جلساء النبي (صلى الله عليه وآله) : {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الكهف : 28] .
ويقول في الوصف الأخير للأبرار : {إنا نخاف من ربّنا يوماً عبوساً قمطريراً} (أي الشديد) من المحتمل أن يكون هذا الحديث لسان حال الأبرار ، أو قولهم بألسنتهم .
وجاء التعبير عن يوم القيامة بالعبوس والشديد للإستعارة ، إذ أنّها تستعمل في وصف الإنسان الذي يقبض وجهه وشكله ليؤكد على هول ذلك اليوم ، أي أنّ حوادث ذلك اليوم تكون شديدة إلى درجة أنّ الإنسان لا يكون فيه عبوساً فحسب ، بل حتى ذلك اليوم يكون عبوساً أيضاً .
(قمطريراً) : هناك أقوال للمفسّرين في مادته ، قيل هومن (القمطر) ، وقيل : مشتق من مادة (قطر) ـ على وزن فرش ـ والميم زائدة ، وقيل هو الشديد ، وهو الأشهر (3) .
ويطرح هنا سؤال ، وهو : إذا كان عمل الأبرار خالصاً لله تعالى ، فلم يقولون : إنا نخاف عذاب يوم القيامة؟ وهل يتناسب دافع الخوف من عذاب يوم القيامة مع الدافع الإلهي؟
ويتضح جواب هذا السؤال بالإلتفات إلى أنّ الأبرار يسلكون السبيل على كل حال إلى الله تعالى ، وإذا كانوا يخافون من عذاب يوم القيامة فإنّما هو لأنه عذاب إلهي ، وهذا هوما ورد في الفقه في باب النية في العبادة من أنّ قصد القربة في العبادة لا ينافي قصد الثواب والخوف من العقاب أو حتى اكتساب المواهب المادية الدنيوية من عند الله (كصلاة الإستسقاء) ، لأنّ كل ذلك يرجع إلى الله تعالى ، كالداعي على الداعي ، رغم أنّ أعلى مراحل الإخلاص في العبادة تكمن في عدم التعلّق بنعم الجنان أو الخوف من الجحيم ، بل يكون بعنوان (حبّ الله) .
والتعبير بـ {إنا نخاف من ربّنا يوماً عبوساً قمطريراً} شاهد على أنّ هذا الخوف من الله .
والجدير بالذكر أنّ الوصف الثاني والخامس من الأوصاف الخمسة ، يشيران إلى مسألة الخوف . غاية الأمر أنّ الكلام في الآية الأُولى عن الخوف من يوم القيامة ، وفي الثانية الخوف من الله في يوم القيامة ، ففي مورد وصف يوم القيامة في أنّ شرّهُ عظيم ، ووصفه في مورد آخر بأنّه عبوس وشديد ، وفي الحقيقة فإنّ أحدهما يصف عظمته وسعته والآخر شدّته وكيفيته .
وأشارت الآية الأخيرة في هذا البحث إلى النتيجة الإِجمالية للأعمال الصالحة والنيّات الطاهرة للأبرار فيقول : {فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً} .
(نضرة) : بمعنى البهجة وحسن اللون والسرور الخاص الذي يظهر عند وفور النعمة والرفاه على الانسان ، أجل ، إنّ لون وجودهم في ذلك اليوم يخبر عن الهدوء والإرتياح ، وبما أنّهم كانوا يحسّون بالمسؤولية ويخافون من ذلك اليوم الرهيب ، فإنّ الله تعالى سوف يعوضهم بالسرور وبالبهجة .
وتعبير «لقاهم» من التعابير اللطيفة والتي تدلّ على أنّ الله سوف يستقبل ضيوفه الكرام بلطف وسرور خاص وأنّه سوف يجعلهم في سعة من رحمته .
إشباع الجياع من أفضل الحسنات :
ليست هذه الآيات مورد البحث هي الآيات الوحيدة التي عدّت إطعام الطعام من الأعمال الصالحة للأبرار وعباد الله ، بل إنّ كثيراً من آيات القرآن اعتمدت هذا المعنى وأكّدت عليه ، وأشارت إلى أنّ لهذا العمل محبوبية خاصّة عند الله ، وإذا ألقينا نظرة على عالم اليوم والذي يموت فيه بسبب الجوع حسب الأخبار المنتشرة ملايين الأشخاص في كل عام ، والحال أنّ بقية المناطق تلقي بالغذاء الكثير في القمامة تتّضح أهمية هذا الأمر الإِسلامي من جهة ، وابتعاد عالم اليوم عن الموازين الأخلاقية من جهة أُخرى .
ونورد هنا من باب المثال عدداً من الأحاديث الإسلامية التي أكّدت على هذا الجانب : قال النّبي (صلى الله عليه وآله) : «من أطعم ثلاث نفر من المسلمين أطعمه الله من ثلاث جنان في ملكوت السموات» (4) .
وفي حديث للإمام الصادق (عليه السلام) قال : «من أطعم مؤمناً حتى يشبعه لم يَدْرِ أحد من خلق الله ما له من الأجر في الآخرة ، لا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل إلاّ الله ربّ العالمين» (5) .
وفي حديث آخر عنه (عليه السلام) قال : «لئن أطعم مؤمناً محتاجاً أحبُّ إليَّ من أن أزوره ، ولئن أزوره أحبُّ إليَّ من أن أعتق عشر رقاب» (6) .
والجدير بالذكر أنّ الرّوايات لم تؤكّد على إطعام المحتاجين والجياع فحسب ، بل صرّحت بعض الروايات أنّ إطعام المؤمنين وإن لم يكونوا محتاجين هو كعتق رقبة العبد ، وهذا يدلّ على أنّ الهدف لا يقتصر على رفع الاحتياج ، بل جلب المحبّة وتحكيم وشائج المودة بعكس ما هو السائد في عالم اليوم المادي ، كدخول صديقين إلى المطعم ودفعهما حساب الطعام كلّ على انفراد وكأنّ استضافة الأفراد سيما إذا كثروا مدعاةً للعجب في تلك المجتمعات!!
وورد في بعض الرّوايات أنّ إطعام الجياع بصورة عامّة من أفضل الأعمال (وإن لم يكونوا مسلمين ومؤمنين) كما جاء في الحديث عن النّبي (صلى الله عليه وآله) إذ قال : «من أفضل الأعمال عند الله إبراد الكباد الحارة وإشباع الكباد الجائعة والذي نفس محمد بيده لا يؤمن بي عبد يبيت شبعان وأخوه ـ أوقال جاره ـ المسلم الجائع» (7) .
بالرغم من أنّ ذيل هذا الحديث الشريف ذكر اشباع الإنسان المسلم . ولكنه صدره يشمل كل عطشان وجائع ، ولا يبعد اتساع مفهوم الحديث لـ يشمل حتى الحيوانات . وهناك روايات عديدة في هذا الباب (8)
وقوله تعالى : {وَجَزَهُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً (12) مُّتَّكِئِيِنَ فِيهَا عَلَى الاَْرَآئِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً (13) وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِم بَِانِيَة مِّن فِضَّة وَأَكْوَاب كَانَتْ قَوَارِيرَاً (15) قَوَارِيرَ مِن فِضَّة قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً (16) وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً (17) عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (18) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَنٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً (19) وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (20) عَلِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُس خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّة وَسَقَهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً} .
مكافئات الجنان العظيمة :
بعد الإشارة الإجمالية في الآيات السابقة إلى نجاة الأبرار من العذاب الأليم يوم القيامة ، ووصولهم إلى لقاء المحبوب والغرق بالسرور والبهجة ، تتناول هذه الآيات شرح هذه المواهب الإلهية في الجنان ، وعددها في هذه على الأقل خمسة عشرة نعمة ، فتتحدث في البدء عن المسكن والملبس فتقول : {وجزاهم بما صبروا جنّة وحريراً} .
أجل ، في مقابل كل ذلك الإيثار والإستقامة في وفائهم بالنذر وصيامهم ، وإنفاق طعام الإفطار على المسكين واليتيم والأسير جعلهم الله في رياض خاصّة في الجنان ، وألبسهم أفضل الألبسة ، وليس فقط في هذه الآية ، بل صرح بهذه الحقيقة في آيات أُخرى من القرآن ، وهو أنّ مكآفات القيامة إنَّما تعطى للإنسان لصبره (صبرٌ في الطاعة ، وصبرٌ عن المعصية ، وصبرٌ عند المشكلات والمصائب) .
فتجد سلام الملائكة لأهل الجنان في الآية (24) من سورة الرعد : {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد : 24] .
وجاء في الآية (111) من سورة المؤمنون : {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ } [المؤمنون : 111] .
ثمّ يضيف سبحانه في الآية التالية : {متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً} ذكر حالة (الإتكاء على الأرائك) إشارة إلى اطمئنانهم وارتياحهم الكاملين ، لأنّ الانسان لا يجلس متكئاً عادة إلاَّ عند الراحة والإطمئنان والهدوء .
ويشير ذيل الآية إلى الإعتدال الكامل في الجنان ، ولا يعني هذا انعدام الشمس والقمر في الجنان ، بل بسبب ظلال أشجار الجنان لا تكون أشعة الشمس مؤذية .
(زمهرير) : من مادة (زمهر) وهو البرد الشديد ، أو شدّة الغضب أو احمرار العين من أثر الغضب ، والمراد هنا هو المعنى الأول ، وورد في الحديث : أنّ في جهنّم نقطة تتلاشى فيها الأعضاء من شدّة البرد (9) .
(أرائك) : جمع «أريكة» ، وتطلق في الأصل على الأسرّة التي توضع في غرفة العروس ، والمراد هنا الأسرّة الجميلة والفاخرة .
نقل المفسر المشهور الآلوسي في روح المعاني في حديث عن ابن عباس قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله) : «بينا أهل الجنّة في الجنّة إذ رأوا ضوءاً كضوء الشمس ، وقد أشرقت الجنان به فيقول أهل الجنّة يا رضوان ما هذا؟ وقد قال ربّنا لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً ، فيقول لهم رضوان : ليس هذا بشمس ، ولا قمر ، ولكن علي وفاطمة ضحكا ، وأشرقت الجنان من ثغريهما»!
وتضيف الآية الأُخرى متمّمة لهذه النعم : {ودانية عليهم ظلالها وذلّلت قطوفها تذليلاً} (10) .
ليست هنا من مشكلة لقطف الثمار ، ولا شوكة لتدخل في اليد ، ولا تحتاج ذلك إلى مشقّة أو حركة !
ونجد من الضروري التذكير مرّة أُخرى إنّ هناك تفاوتاً كثيراً بين الأُصول المتحكمة في حياة الإنسان في ذلك العالم وبين هذا العالم ، وما جاء حول النعم الأُخروية في هذه الآيات والآيات القرآنية الأُخرى ليس إلاّ كونه إشارة بليغة إلى تلك المواهب العظيمة ، وإلاّ فإنّ بعض الرّوايات تصرح أنّ هناك من النعيم ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا تخطر ببال أحد .
وفي حديث لابن عباس بيّنه في ذيل آيات هذه السورة قال : «كلما ذكره الله في القرآن ممّا في الجنّة وسمّاه ليس له مثلٌ في الدنيا ولكن سمّاه الله بالاسم الذي يعرف الزنجبيل ممّا كانت العرب تستطيبهُ فلذلك ذكره في القرآن ووعدهم أنّهم يسقون في الجنّة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنّة» (11) .
ثمّ توضح الآية الأُخرى كيفية استضافة أصحاب الجنان ، وأدوات الضيافة ، والمستقبلين لهم ، فيقول : (ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريراً ، قوارير من فضة قدروها تقديراً) .
تحتوي هذه الآنية على أنواع الأغذية والأشربة المتعددة الأصناف واللذيذة والباعثة على النشاط ، بالقدر الذي يشاؤونه ويحبّونه ، والولدان المخلدون يطوفون عليهم ليعرضوا عليهم الآنية والأكواب المليئة بما وعدهم الله بها .
(آنية) : جمع (إناء) وهو الوعاء ، و«أكواب» جمع «كوب» ، وهو إناء للشراب الذي لا عروة له ، ويعبر عنه أحياناً بالقدح .
«قوارير» : جمع (قارورة) ، وهي الوعاء البلّوري والزجاجي . والعجب في قوله : أوعية بلّورية مصنوعة من الفضة! والحال لا يوجد مثل هذا في عالم الدنيا ، والأوعية البلّورية إنّما تصنع من رمال خاصّة وذلك بعد اذابتها ، ولكنّ الله الذي جعل خاصيّة في الرمل تجعله يتحول إلى زجاج وبلّور لهو قادر أن يجعلها في معدن آخر كالفضة .
على كل حال فإنّ المستفاد من الآية إنّ هذه الأوعية والكؤوس تكون جامعة بين صفاء الزجاجة وشفافية البلوّر وبين بياض الفضة وجمالها ، ويكون الشراب فيه متجلياً ، والملاحظ أنّ هذا المعنى قد أشار إليه الامام الصادق (عليه السلام) أيضاً إذ قال : «ينفذ البصر في فضة الجنّة كما ينفذ في الزجاج» (12) .
وفي العصر الحديث تمّ اكتشاف أنواع من الأشعة (مثل اشعة ايكس) لها قابلية النفوذ الى باطن المواد والاجسام المعتمّة واستجلاء محتوياتها .
وعن ابن عباس قال : «إن لكل نعمة من نِعَمِ الجنان شبهٌ في الدنيا إلاّ أكواب الفضة إذ لا شبيه لها» (13) .
ثمّ يضيف تعالى : {ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلاً} .
صرح الكثير من المفسرين بأنّ عرب الجاهلية كانوا يتلذذون بالشراب الممزوج بالزنجبيل ، لأنّه كان يعطي قوّة خاصة للشراب .
ويتحدث القرآن هنا عن الشراب الطهور الممزوج بالزنجبيل ، ومن البديهي أنّ الفرق بين هذا الشراب وذلك الشراب كالفرق بين السماء والأرض وبالأحرى بين الدنيا والآخرة .
والجدير بالذكر أنّ العرب كانوا يستخدمون نوعين من الشراب : أحدهما يبعث على النشاط والحركة ، والآخر مُفَتّر وَمُهدّىء والأوّل يمزج مع الزنجبيل ، أمّا الثّاني فمع الكافور ، وبما أنّ حقائق عالم الآخرة لا يمكن أن يعبر عنها في إطار ألفاظ هذا العالم ، فلا سبيل إلاّ استخدام هذه الألفاظ للدلالة على معان أوسع وأعلى تحكي عن تلك الحقائق العظيمة . ولفظ «الزنجبيل» غالباً ما يطلق على الجذر المعطر للتوابل الخاصّة للأغذية والأشربة ، وإن كانت الأقوال مختلفة في معناه .
ثمّ يضيف تعالى : {عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} [الإنسان : 18] (14) .
(سلسبيلا) : هو الشراب الهنيء واللذيذ جدّاً الذي ينحدر بسهولة في الحلق ويرى الكثير أنّه مأخوذ من مادة (سلاسة) المأخوذ من السيلان ولهذا يقال للكلام الجذّاب والممتع «سليس» .
وقيل أخذ من مادة (تسلسل) وهي الحركة المستمرة التي يتداعى منها السيولة والاتصال ، وعلى هذا فإنّ المعنّيين متقاربين ، والباء زائدة في الصورتين .
وقيل : هو مركب من (سال) و (سبيل) والمعنى الكنائي للإثنين هو السائغ والهنيء .
وقيل : لا وجود لهذه الكلمة في اللغة عند العرب ، وأنّها من إبداعات القرآن المجيد (15) .
والأول أشهر وأوجه .
ثمّ يتحدث عن المستقبلين في هذا الحفل البهيج المقام بجوار الله في النعيم الأعلى فيقول تعالى {ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً} .
إنّهم مخلدون في الجنان ، وطراوة شبابهم وجمالهم ونشاطهم خالد أيضاً ، وكذا استقبالهم للأبرار ، لأنّ عبارة (مخلدون) وعبارة (يطوف عليهم) من جهة أُخرى تبيان لهذه الحقيقة .
«لؤلؤاً منثوراً» : يراد به الإشارة إلى جمالهم وصفائهم وإشراق وجوههم وكذلك حضورهم في كل مكان من المحفل الإلهي والروحاني .
وبما أنّ من المحال وصف النعم والمواهب للعالم الآخر مهما بلغ الكلام من البيان والبلاغة ، ولذا يقول تعالى في الآية الأُخرى كلاماً مطلقاً : {وإذا رأيت ثمّ رأيت نعيماً وملكاً كبيراً} (16) .
وردت في (النعيم) و (الملك الكبير) أقوال كثيرة ، منها ما ورد في حديث للإمام الصادق (عليه السلام) عندما سئل عن معنى الآية إذ قال : {أي لا يفنى ولا يزول} (17) .
أو أنّ نعم الجنان لا توصف لكثرتها .
أو أنّ «الملك الكبير» هو استئذان الملائكة للدخول على أهل الجنان ويحيوهم بالسلام .
أو أنّ أهل الجنان يحصلون على ما يشاءون .
أو أنّ أقل أهل الجنان مرتبة يحصل على ملك من السعة أنّه يرى من الطريق ما يكون على بعد ألف سنة لو نظر إليه كان بينه وبين ملكه ألف سنة .
أو يراد به الملك الدائم والأبدي المقترن مع تحقيق جميع الآمال . . .
«النعيم» : يراد بها في اللغة النعم الكثيرة و (ملك كبير) يخبر عن عظمة واتساع رياض أهل الجنّة ، ولذا فإنّ لهما معنيين واسعين بحيث يشملان جميع ما قيل فيهما .
إلى هنا أُشير إلى قسم من نعم الجنان من قبيل المساكن والأسرة والظلال والفواكه والشراب والأواني والجماعة المستقبلة للضيوف ، وحان الآن دور زينة أهل الجنان فيقول تعالى : {عاليهم ثياب سندس خضر واستبرق} (18) .
«سندس» : ثوب رقيق من الحرير ، و«الإستبرق» ثوب غليظ من الحرير ، وقيل أنّه مشتق من الكلمة الفارسية «أستبر» أو «ستبر» ، وقيل : أُخذ من أصل عربي (برق) أي التلألؤ .
ثم أضاف تعالى : (وحلوا أساور من فضة) .
وهي الفضة الشفّافة اللامعة كالبلّور وأجمل من الياقوت والدّر واللؤلؤ .
«اساور» : جمع «أسورة» على وزن (مغفرة) وهي بدورها جمع (سوار) على وزن (غبار) أو «سوار» على وزن (حوار) وأخذ في الأصل من الكلمة الفارسية ، (دستوار) وعند انتقالها إلى العربية تغيّرت واختصرت وجاءت بصورة (سوار) .
إنّ اختيار اللون الأخضر للباس أهل الجنّة هو لكونه يبعث على النشاط كأوراق الأشجار الجميلة ، وبالطبع إنّ للّون الأخضر أنواعاً وأقساماً ، ولكل منها لطافة :
وورد في بعض آيات القرآن كالآية (31) من سورة الكهف أنّ أهل الجنان يزينون بأساور من ذهب : {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ } [الكهف : 31] وهذا لا ينافي ما جاء في الآية التي نحن بصدد بحثها ، إذ يمكن أن يكون من باب التنويع ، فمرّة هذا ، ومرّة ذاك .
ويأتي هنا سؤال : أليس سوار الذهب والفضة من زينة النساء ، فكيف ذكر زينة لرجال الجنّة ؟
والجواب واضح ، فهناك الكثير من المجتمعات تكون زينة الذهب والفضة للرجال والنساء (وإن حرمّ الإسلام لبس الذهب للرجال) ولكن بالطبع هناك اختلاف بين أساور الرجال وبين أساور النساء ، ونقل عن لسان فرعون في الآية (53) من سورة الزخرف : { فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ } [الزخرف : 53] ويظهر من هذا أنّ لبس الرجال للذهب في مصر كان من علائم العظمة . بالإضافة إلى ما أشرنا إليه في السابق أنّه لا يكفي استعمال الألفاظ العادية المتداولة في هذه الدنيا لبيان نِعم الجنان ، وليس هناك من حلّ إلاّ باستعمال هذه الألفاظ للإشارة إلى تلك النعم العظيمة التي لا توصف .
ثمّ يقول تعالى في نهاية الآية مشيراً إلى آخر نعمة وأهمّها من سلسلة النعم : {وسقاهم ربّهم شراباً طهوراً} .
صحيح أنّ من بين هذه النعم ورد الحديث عن الأشربة السائغة من الأكواب المترعة من عين السلسبيل ، ولكنّ بينها وبين ما جاء في هذه الآية فرق كبير ، لأنّ السقاة هناك هم «الولدان المخلدون» من جهة ، والساقي هنا هو «الله تعالى» ، يا له من تعبير عجيب! خصوصاً مع ذكر كلمة (رب) الرب الذي طالما تلطف على الإنسان برعايته المستمرة له فكان مالكهُ ومربيه والذي كان يأخذ بيده في مراحل التكامل حتى يوصله إلى المرحلة الأخيرة التي يريدها له ، ثمّ تتجلّى ربوبيته إلى أعلى المراتب والحدود فيسقي بيده عباده الأبرار بالشراب الطهور .
ومن جهة أُخرى فإنّ «الطهور» هو الطاهر والمطهر ، وعلى هذا فإنّ هذا الشراب يطهر جسم الإنسان وروحه من كل الأدران والنجاسات ويهبه من الروحانية والنورانية والنشاط ما لا يوصف بوصف : حتى ورد في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال : «يطهرهم عن كلّ شيء سوى الله» (19) .
إنّ هذا الماء الطهور أفضل من أيّة نعمة وأعلى من كلّ موهبة ، إذ أنّه يمزق ستار الغفلة ، ويزيل الحجب ، ويجعل الإنسان أهلاً للحضور الدائم في جوار القرب من الله تعالى ، فإذا كان شراب الدنيا يزيل العقل ويبعد الإنسان عن الله ، فإنّ الشراب الطهور يعطى من يد ساقي الجنّة ، فيجرّد الإنسان عن ما سوى الله ، ليغرق في جماله وجلاله ، وهذا أفضل ما ذكره الله تعالى من النعيم الخفي الموهوب في الجنّة ، ففي حديث روي عن النّبي (صلى الله عليه وآله) حول عين الشراب الطهور المستقرة عند باب الجنّة قال : «فيسقون منها شربة فيطهر الله بها قلوبهم من الحسد! . . . وذلك قول الله عزَّ وجلّ {وسقاهم ربّهم شراباً طهوراً} (20) .
والظريف في عبارة طهور أنّها لم ترد في القرآن إلاّ في موردين : أحدهما في مورد المطر (الفرقان 48) الذي يطهر كل شيء ويحيي البلاد الميتة ، والآخر في مورد الآية التي نحن بصدد بحثها ، وهو الشراب الخاص بأهل الجنّة .
وفي آخر آية من آيات البحث يتحدث حديثاً أخيراً في هذا الإطار فيقول : إنّه يقال لهم من قبل ربّ العزّة بأنّ هذه النعم العظيمة ما هي إلاّ جزاء أعمالكم في الدنيا {إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكوراً} . لئلا يتصور أحد أنّ هذا الجزاء وهذه المواهب العظيمة تعطى من دون مقابل ، إنّ كل ذلك جزاء السعي والعمل ، وثمرة الرياضات وجهاد النفس وبناء الذات وترك المعاصي (21) .
ثمّ إنّ نفس بيان هذا الموضوع فيه لذّة خاصّة ، إذ أنّ الله تعالى أو «ملائكته» يخاطب الأبرار ويقدم لهم الشكر والتقدير ويقول : إنّ هذا جزاء أعمالكم وإنّ سعيكم مشكور ، بل قيل : إنّها نعمة ما فوقها نعمة وموهبة أعلى من كل المواهب وهي شكر الله للإنسان .
«كان» ، فعل ماضي ويخبر عن الماضي ، ولعلّه إشارة إلى أنّ هذه النعم كانت موفرة لكم من قبل ، لأنّ من يهتم كثيراً بضيفه يهيء وسائل الضيافة له من قبل .
___________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14 ، ص623-635 .
2 ـ كامل ابن الأثير ، ج 2 ، ص 131 .
3 ـ مفردات الراغب ، لسان العرب ، المنجد ، القرطبي ، مجمع البيان .
4 ـ أُصول الكافي ، ج 2 باب (إطعام المؤمن) الحديث 3 .
5 ـ المصدر السابق ، الحديث 6 .
6 ـ المصدر السابق ، الحديث 18 .
7 ـ بحار الأنوار ، ج 74 ، ص 369 والملاحظ أن العلاّمة المجلسي أورد عنواناً في هذا الباب وذكر فيه 113 حديث يتعلق بإطعام المؤمن وإشباعه ولبسه وأداء دينه . ولبعض منها عمومية .
8 ـ المصدر السابق .
9 ـ الدر المنثور ج 6 ص 300 .
10 ـ «قطوف» : على وزن (ظروف) جمع (قطف) على وزن (حفظ) أو جمع (قطف) على وزن (حذف) والأوّل وصفٌ والثّاني مصدر ، ويعني الفواكه المقطوفة أو قطف الفاكهة .
11 ـ مجمع البيان ، ج 10 ، ص 411 .
12 ـ المصدر السابق .
13 ـ روح المعاني ، ج 29 ، ص 159 .
14 ـ «عيناً» : محلهُ في الأعراب ـ كما تقدم ـ أن يكون منصوباً بنزغ الخافض .
15 ـ قيل إن «السلسبيل» هوما لا ينصرف عادة للعملية والعجمة والتنوين الموجود للإتساق مع الآيات السابقة لها .
16 ـ قيل إنّ (ثمّ) هنا ظرف مكان ولـ (رأيت) معنى فعل لازم والتقدير (إذا رميت ببصرك ثمّ رأيت نعيماً وملكاً كبيراً) ويحتمل أن يكون (ثمّ) اسم إشارة للبعد ومفعولاً لرأيت .
17 ـ مجمع البيان ، ج 10 ، ص 411 .
18 ـ «عاليهم» : هناك احتمالان لمحله من الاعراب ، الأول كونه ظرفاً ويراد به فوق ، فيكون معنى الآية (فوقهم ثياب سندس) والآخر كونه لا يرجع للضمير «هم» المذكور في الآيات السابقة ، بل يرجع إلى (الأبرار) فيكون المعنى (حال كونهم يعلوهم ثياب سندس خضر) .
19 ـ مجمع البيان ، ج 10 ، ص 411 .
20 ـ نور الثقلين ، ج 5 ، ص 485 ذيل الحديث 60 .
21 ـ إن لهذه الآية تقدير مثل (يقال لهم) أو (يقول الله لهم) .
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|