أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-11-2017
4040
التاريخ: 12-11-2017
9676
التاريخ: 9-11-2017
9564
|
قال تعالى : {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوخَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل : 20].
خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {إن ربك} يا محمد {يعلم أنك تقوم أدنى} أي أقرب وأقل {من ثلثي الليل ونصفه وثلثه} أي أقل من نصفه وثلثه والهاء تعود إلى الليل أي نصف الليل وثلث الليل والمعنى أنك تقوم في بعض الليالي قريبا من الثلثين وفي بعضها قريبا من نصف الليل وقريبا من ثلثه وقيل إن الهاء تعود إلى الثلثين أي وأقرب من نصف الثلثين ومن ثلث الثلثين وإذا نصبت فالمعنى تقوم نصفه وثلثه {و} تقوم {طائفة من الذين معك} على الإيمان وروى الحاكم أبو القاسم إبراهيم الحسكاني بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله {وطائفة من الذين معك} قال علي وأبو ذر.
{والله يقدر الليل والنهار} أي يقدر أوقاتهما لتعلموا فيها على ما يأمركم به وقيل معناه لا يفوته علم ما تفعلون عن عطاء والمراد أنه يعلم مقادير الليل والنهار فيعلم القدر الذي تقومونه من الليل {علم أن لن تحصوه} قال مقاتل كان الرجل يصلي الليل كله مخافة أن لا يصيب ما أمر به من القيام فقال سبحانه {علم أن لن تحصوه} أي لن تطيقوا معرفة ذلك وقال الحسن قاموا حتى انتفخت أقدامهم فقال سبحانه إنكم لا تطيقون إحصاءه على الحقيقة وقيل معناه لن تطيقوا المداومة على قيام الليل ويقع منكم التقصير فيه .
{فتاب عليكم} بأن جعله تطوعا ولم يجعله فرضا عن الجبائي وقيل معناه فلم يلزمكم إثما كما لا يلزم التائب أي رفع التبعة فيه كرفع التبعة عن التائب وقيل فتاب عليكم أي فخفف عليكم {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} الآن يعني في صلاة الليل عن أكثر المفسرين وأجمعوا أيضا على أن المراد بالقيام المتقدم في قوله قم الليل هو القيام إلى الصلاة إلا أبا مسلم فإنه قال أراد القيام لقراءة القرآن لا غير وقيل معناه فصلوا ما تيسر من الصلاة وعبر عن الصلاة بالقرآن لأنها تتضمنه ومن قال إن المراد به قراءة القرآن في غير الصلاة فهو محمول على الاستحباب عند الأكثرين دون الوجوب لأنه لو وجبت القراءة لوجب الحفظ وقال بعضهم هو محمول على الوجوب لأن القارىء يقف على إعجاز القرآن وما فيه من دلائل التوحيد وإرسال الرسل ولا يلزم حفظ القرآن لأنه من القرب المستحبة المرغب فيها ثم اختلفوا في القدر الذي تضمنه هذا الأمر من القراءة فقال سعيد بن جبير خمسون آية وقال ابن عباس مائة آية وعن الحسن قال من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجه القرآن وقال كعب من قرأ مائة آية في ليلة كتب من القانتين وقال السدي مائتا آية وقال جويبر ثلث القرآن لأن الله يسره على عباده والظاهر أن معنى ما تيسر مقدار ما أردتم وأحببتم.
{علم أن سيكون منكم مرضى} وذلك يقتضي التخفيف عنكم {وآخرون} أي ومنكم قوم آخرون {يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} أي يسافرون للتجارة وطلب الأرباح عن ابن عباس {وآخرون} أي ومنكم قوم آخرون {يقاتلون في سبيل الله} فكل ذلك يقتضي التخفيف عنكم {فاقرءوا ما تيسر منه} وروي عن الرضا (عليه السلام) عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال ما تيسر منه لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر {وأقيموا الصلاة} بحدودها التي أوجبها الله عليكم {وآتوا الزكاة} المفروضة {وأقرضوا الله قرضا حسنا} أي وأنفقوا في سبيل الله والجهات التي أمركم الله وندبكم إلى النفقة فيها وقد مر معنى القرض فيما تقدم {وما تقدموا لأنفسكم من خير} أي طاعة {تجدوه} أي تجدوا ثوابه {عند الله هو خيرا} لكم من الشح والتقصير.
{وأعظم أجرا} أي أفضل ثوابا وهو هنا يسمى فصلا عند البصريين وعمادا عند الكوفيين ويجوز أن يكون صفة للهاء في تجدوه {واستغفروا الله} أي اطلبوا مغفرته {إن الله غفور رحيم} أي ستار لذنوبكم صفوح عنكم رحيم بكم منعم عليكم قال عبد الله ابن مسعود أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء ثم قرأ {وآخرون يضربون في الأرض} الآية وقال ابن عمر ما خلق الله موتة أموتها بعد القتل في سبيل الله أحب إلي من أن أموت بين شقي رحل أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله وقيل إن هذه الآية مدنية ويدل عليها أن الصلاة والزكاة لم توجبا بمكة وقيل أوجبتا بمكة والآية مكية.
_________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص168-170.
{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ ونِصْفَهُ وثُلُثَهُ وطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} . في أول هذه السورة أمر سبحانه نبيه الكريم ومن معه أن يتعبدوا ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه على سبيل التخيير ، فسمعوا وأطاعوا ، وكان بعض الصحابة يتعذر أو يتعسر عليهم تحديد هذه الأوقات وضبطها ، فيقومون الليل كله أوجله حتى نقل ان بعضهم تورمت أقدامهم من القيام الطويل احتياطا لدينهم وحرصا على مرضاة ربهم . . وفي الآية التي نحن بصددها أخبر سبحانه النبي بأنه ومن معه من المؤمنين قد أطاعوا اللَّه وبلغوا الغاية من عبادته ، وانه تعالى مجازيهم أفضل الجزاء وأكمله .
{واللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ والنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} . لن تحصوه أي تعجزون عن ضبط الوقت ، وهو ثلثا الليل ونصفه وثلثه ، والمراد بتاب عليكم رفع التكليف عنكم ، والمعنى ان اللَّه سبحانه جعل لكل من الليل والنهار قدرا معينا وحدا معلوما ، ولكن الصحابة لا يعرفون الأوقات بحدودها وانما يعتمدون على الظن والاجتهاد حيث لا ساعات آنذاك تشير عقاربها إلى الدقائق والثواني ، لذلك ودفعا للحرج والمشقة أعفاهم سبحانه من القيام ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ، على ان يقرؤا ما تيسر وأمكن من القرآن الكريم . ونقل صاحب مجمع البيان عن أكثر المفسرين : ان المراد بما تيسر من القرآن هنا صلاة الليل ، وسواء أكان المراد التلاوة أم صلاة الليل فإن الأمر هنا للندب لا للوجوب ، وتجدر الإشارة إلى ان صلاة الليل إحدى عشرة ركعة ، ووقتها بعد نصف الليل .
{عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} . هذه حكمة ثانية للتخفيف ورفع التكليف بالقيام ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ، وهي ان من العباد مرضى يتعذر عليهم ان يقضوا ساعات من الليل في الصلاة والتهجد ، ومنهم أيضا المسافرون لطلب العيش وغيره من الأمور الضرورية ، والسفر يستدعي النوم والراحة في الليل وإلا تعذر العمل في النهار على المسافر ، ومنهم أيضا الغازون في سبيل اللَّه ، فإذا أحيوا الليل أو شطرا منه في العبادة ضعفوا عن القتال في النهار ، فخفف سبحانه عن الكل لأجل هؤلاء الأصناف الثلاثة . وتومئ الآية إلى أمرين هامين : الأول ان الحكمة من نفي التكليف عن العموم لا يفترض فيها عجز جميع الإفراد عن الطاعة والامتثال ، بل يكفي عجز البعض ، وان قدر البعض الآخر . الأمر الثاني ان العمل من أجل الرزق الحلال جهاد في سبيل اللَّه تماما كالجهاد في قتال أعدائه وأعداء الإنسانية .
{فَاقْرَؤُوا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ} . كرر سبحانه هذا الأمر لتكرار سببه فقد كان السبب الأول عدم ضبط الوقت وإحصائه ، أما السبب الثاني فهو المرض والسفر والغزو{وأَقِيمُوا الصَّلاةَ} أي الصلوات الخمس ، وهي لا تسقط بحال ، لا في سفر ولا حضر ، ولا في جهاد أو مرض ، ويؤديها كل حسب طاقته {وآتُوا الزَّكاةَ} المفروضة في أموالكم {وأَقْرِضُوا اللَّهً قَرْضاً حَسَناً} . وأيضا أنفقوا تطوعا في وجوه البر والإحسان ، فإن هذا الإنفاق يعود عليكم أضعافا مضاعفة . وقد تكرر هذا الأمر للمرة السابعة حتى الآن ، وجاءت المرة الأولى في الآية 245 من سورة البقرة {وما تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُو خَيْراً وأَعْظَمَ أَجْراً} .
ان الخير لا يختص ببذل المال فكل ما فيه صلاح للناس ولعامل الخير فهو خير سواء أكان قولا أم فعلا . . ومن عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها {واسْتَغْفِرُوا اللَّهً إِنَّ اللَّهً غَفُورٌ رَحِيمٌ} . من قصّر وفرّط في جنب اللَّه فقد فتح له باب التوبة ، ومستحيل ان يغلق دونه باب المغفرة .
__________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص451-453.
آية مبنية على التخفيف فيما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ثم عمم الحكم لسائر المؤمنين بقوله: {إن هذه تذكرة} الآية.
ولسان الآية هو التخفيف بما تيسر من القرآن من غير نسخ لأصل الحكم السابق بالمنع عن قيام ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه.
وقد ورد في غير واحد من الأخبار أن الآية مكية نزلت بعد ثمانية أشهر أوسنة أو عشر سنين من نزول آيات صدر السورة لكن يوهنه اشتمال الآية على قوله تعالى: {وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة وأقرضوا الله قرضا حسنا} فإن ظاهره أن المراد بالزكاة - وقد ذكرت قبلها الصلاة وبعدها الإنفاق المستحب – هو الزكاة المفروضة وإنما فرضت الزكاة بالمدينة بعد الهجرة.
وقول بعضهم: إن الزكاة فرضت بمكة من غير تعيين الأنصباء والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصباء، تحكم من غير دليل، وكذا قول بعضهم: إنه من الممكن أن تكون الآية مما تأخر حكمه عن نزوله.
على أن في الآية ذكرا من القتال إذ يقول: {وآخرون يقاتلون في سبيل الله} ولم يكن من مصلحة الدعوة الحقة يومئذ ذاك والظرف ذلك الظرف أن يقع في متنها ذكر من القتال بأي وجه كان، فالظاهر أن الآية مدنية وليست بمكية وقد مال إليه بعضهم.
قوله تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه} إلى آخر الآية.
الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي التعبير بقوله : {ربك} تلويح إلى شمول الرحمة والعناية الإلهية، وكذا في قوله: {يعلم أنك تقوم} إلخ مضافا إلى ما فيه من لائحة الشكر قال تعالى: {وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا } [الإنسان: 22].
وقوله: {تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه} أدنى اسم تفضيل من الدنو بمعنى القرب، وقد جرى العرف على استعمال أدنى فيما يقرب من الشيء وهو أقل فيقال: إن عدتهم أدنى من عشرة إذا كانوا تسعة مثلا دون ما لو كانوا أحد عشر فمعنى قوله: {أدنى من ثلثي الليل} أقرب من ثلثيه وأقل بقليل.
والواو العاطفة في قوله: {ونصفه وثلثه} لمطلق الجمع والمراد أنه يعلم أنك تقوم في بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل وفي بعضها نصفه وفي بعضها ثلثه.
وقوله: {وطائفة من الذين معك} المراد المعية في الإيمان و{من} للتبعيض فالآية تدل على أن بعضهم كان يقوم الليل كما كان يقومه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقيل {من} بيانية، وهوكما ترى.
وقوله: {والله يقدر الليل والنهار} في مقام التعليل لقوله: {إن ربك يعلم} والمعنى وكيف لا يعلم وهو الله الذي إليه الخلق والتقدير ففي تعيين قدر الليل والنهار تعيين ثلثهما ونصفهما وثلثيهما، ونسبة تقدير الليل والنهار إلى اسم الجلالة دون اسم الرب وغيره لأن التقدير من شئون الخلق والخلق إلى الله الذي إليه ينتهي كل شيء.
وقوله: {علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآن} الإحصاء تحصيل مقدار الشيء وعدده والإحاطة به، وضمير {لن تحصوه} للتقدير أو للقيام مقدار ثلث الليل أو نصفه أو أدنى من ثلثيه، وإحصاء ذلك مع اختلاف الليالي طولا وقصرا في أيام السنة مما لا يتيسر لعامة المكلفين ويشتد عسرا لمن نام أول الليل وأراد القيام بأحد المقادير الثلاثة دون أن يحتاط بقيام جميع الليل أو ما في حكمه.
فالمراد بقوله: {علم أن لن تحصوه} علمه تعالى بعدم تيسر إحصاء المقدار الذي أمروا بقيامه من الليل لعامة المكلفين.
والمراد بقوله: {فتاب عليكم} توبته تعالى ورجوعه إليهم بمعنى انعطاف الرحمة الإلهية عليهم بالتخفيف فلله سبحانه توبة على عباده ببسط رحمته عليهم وأثرها توفيقهم للتوبة أو لمطلق الطاعة أو رفع بعض التكاليف أو التخفيف قال تعالى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا } [التوبة: 118].
كما أن له توبة عليهم بمعنى الرجوع إليهم بعد توبتهم وأثرها مغفرة ذنوبهم، وقد تقدمت الإشارة إليه.
والمراد بقوله: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} التخفيف في قيام الليل من حيث المقدار لعامة المكلفين تفريعا على علمه تعالى أنهم لن يحصوه.
ولازم ذلك التوسعة في التكليف بقيام الليل من حيث المقدار حتى يسع لعامة المكلفين الشاق عليهم إحصاؤه دون النسخ بمعنى كون قيام الثلث أو النصف أو الأدنى من الثلثين لمن استطاع ذلك بدعة محرمة وذلك أن الإحصاء المذكور إنما لا يتيسر لمجموع المكلفين لا لجميعهم ولو امتنع لجميعهم ولم يتيسر لأحدهم لم يشرع من أصله ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
على أنه تعالى يصدق لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وطائفة من الذين معه قيام الثلث والنصف والأدنى من الثلثين وينسب عدم التمكن من الإحصاء إلى الجميع وهم لا محالة هم القائمون وغيرهم فالحكم إنما كان شاقا على المجموع من حيث المجموع دون كل واحد فوسع في التكليف بقوله: {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} وسهل الأمر بالتخفيف ليكون لعامة المكلفين فيه نصيب مع بقاء الأصل المشتمل عليه صدر السورة على حاله لمن تمكن من الإحصاء وإرادة، والحكم استحبابي لسائر المؤمنين وإن كان ظاهر ما للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الخطاب الوجوب كما تقدمت الإشارة إليه.
وللقوم في كون المراد بقيام الليل الصلاة فيه أو قراءة القرآن خارج الصلاة، وعلى الأول في كونه واجبا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين أو مستحبا للجميع أو واجبا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مستحبا لغيره ثم في نسخ الحكم بالتخفيف بما تيسر بهذه الآية أو تبديل الصلاة من قراءة ما تيسر من القرآن أقوال لا كثير جدوى في التعرض لها والبحث عنها.
وقوله : {علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله} إشارة إلى مصلحة أخرى مقتضية للتخفيف في أمر القيام ثلث الليل أو نصفه أو أدنى من ثلثيه، وراء كونه شاقا على عامة المكلفين بالصفة المذكورة أولا فإن الإحصاء المذكور للمريض والمسافر والمقاتل مع ما هم عليه من الحال شاق عسير جدا.
والمراد بالضرب في الأرض للابتغاء من فضل الله طلب الرزق بالمسافرة من أرض إلى أرض للتجارة.
وقوله: {فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا} تكرار للتخفيف تأكيدا، وضمير {منه} للقرآن، والمراد الإتيان بالصلاة على ما يناسب سعة الوقت الذي قاموا فيه.
والمراد بالصلاة المأمور بإقامتها الفريضة فإن كانت الآية مدنية فالفرائض الخمس اليومية وإن كانت مكية فبحسب ما كانت مفروضة من الصلاة، والمراد بالزكاة الزكاة المفروضة، والمراد بإقراضه تعالى غير الزكاة من الإنفاقات المالية في سبيل الله.
وعطف الأمر بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإقراض للتلويح إلى أن التكاليف الدينية على حالها في وجوب الاهتمام بها والاعتناء بأمرها، فلا يتوهمن متوهم سريان التخفيف والمسامحة في جميع التكاليف فالآية نظيرة قوله في آية النجوى: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة : 13].
وقوله: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا} {من خير} بيان للموصول، والمراد بالخير مطلق الطاعة أعم من الواجبة والمندوبة، و{هو} ضمير فصل أو تأكيد للضمير في {تجدوه}.
والمعنى: والطاعة التي تقدمونها لأنفسكم - أي لتعيشوا بها في الآخرة - تجدونها عند الله - أي في يوم اللقاء - خيرا من كل ما تعملون أو تتركون وأعظم أجرا.
وقوله: {واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} ختم الكلام بالأمر بالاستغفار، وفي قوله: {إن الله غفور رحيم} إشعار بوعد المغفرة والرحمة، ولا يبعد أن يكون المراد بالاستغفار الإتيان بمطلق الطاعات لأنها وسائل يتوسل بها إلى مغفرة الله فالإتيان بها استغفار.
_____________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج20 ، ص65-68.
فاقرؤوا ما تيسر من القرآن:
هذه الآية هي من أطول آيات هذه السورة وتشتمل على مسائل كثيرة، وهي مكملة لمحتوى الآيات السابقة، وهناك أقوال كثيرة للمفسّرين حول ما إذا كانت هذه الآية ناسخة لحكم صدر السورة أم لا، وكذلك في مكّيتها أو مدنيتها، ويتّضح لنا جواب هذه الأسئلة بعد تفسير الآية.
فيقول تعالى: {إنّ ربّك يعلم أنّك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك واللّه يقدر الليل والنهار}(2).
الآية تشير إلى نفس الحكم الذي أمر به الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه، وما اُضيف في هذه الآية هو اشتراك المؤمنين في العبادة مع النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) (بصيغة حكم استحبابي أو باحتمال حكم وجوبي لأنّ ظروف صدر الإسلام كانت تتجاوب مع بناء ذواتهم والإستعداد للتبليغ والدفاع عنه بالدروس العقائدية المقتبسة من القرآن المجيد، وكذا بالعمل والأخلاق وقيام الليل، ولكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ المؤمنين كانوا قد وقعوا في إشكالات ضبط الوقت للمدة المذكورة (الثلث والنصف والثلثين) ولذا كانوا يحتاطون في ذلك، وكان ذلك يستدعي إستيقاظهم طول الليل والقيام حتى تتورم أقدامهم، ولذا بُنيَ هذا الحكم على التخفيف، فقال: (علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن).
«لن تحصوه» : من (الإحصاء) وهو عد الشيء، أي علم أنّكم لا تستطيعون إحصاء مقدار الليل الذي أُمرتم بقيامه والإحاطة بالمقادير الثلاثة.
وقال البعض: إنّ معنى الآية أنّكم لا تتمكنون من المداومة على هذا العمل طيلة أيّام السنة، ولا يتيسر لعامّة المكلّفين إحصاء ذلك لاختلاف الليالي طولاً وقصراً، مع وجود الوسائل التي توقظ الإنسان.
والمراد بـ (تاب عليكم) خفف عليكم التكاليف، وليس التوبة من الذنب، ويحتمل أنّه في حال رفع الحكم الوجوبي لا يوجد ذنب من الأساس، والنتيجة تكون مثل المغفرة الإلهية.
وأمّا عن معنى الآية: {واقرؤوا ما تيسّر من القرآن} فقد قيل في تفسيرها أقوال، فقال بعضهم: إنّها تعني صلاة الليل التي تتخللها قراءة الآيات القرآنية، وقال الآخرون: إنّ المراد منها قراءة القرآن، وإن لم تكن في أثنا الصلاة، وفسّرها البعض بخمسين آية، وقيل مائة آية، وقيل مائتان، ولا دليل على ذلك، بل إنّ مفهوم الآية هو قراءة ما يتمكن عليه الإنسان.
وبديهي أنّ المراد من قراءة القرآن هو تعلم الدروس لبناء الذات وتقوية الإيمان والتقوى.
ثمّ يبيّن دليلاً آخراً للتخفيف فيضيف تعالى: {علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل اللّه وآخرون يقاتلون في سبيل اللّه}، وهذا تخفيف آخر كما قلنا في الحكم، ولذا يكرر قوله «فاقرؤوا ما تيسر منه»، والواضح أنّ المرض والأسفار والجهاد في سبيل اللّه ذكرت بعنوان ثلاثة أمثلة للأعذار الموجهة ولا تعني الحصر، والمعنى هو أنّ اللّه يعلم أنّكم سوف تلاقون، كثيراً من المحن والمشاكل الحياتية، وبالتالي تؤدي إلى قطع المنهج الذي أُمرتم به، فلذا خفف عليكم الحكم.
وهنا يطرح هذا السؤال وهو: هل أنّ هذا الحكم ناسخ للحكم الذي ورد في صدر السورة، أم هو حكم استثنائي؟ طاهر الآيات يدل على النسخ، وفي الحقيقة أنّ الغرض من الحكم الأوّل في صدر السورة هو إقامة المنهج العبادي، وهذا ما حصل لمدّة معينة ثمّ نسخ بعد ذلك بهذه الآية، وأصبح أخف من ذي قبل، لأنّ ظاهر الآية يدل على وجود معذورين، فلذا حفف الحكم على الجميع، وليس للمعذورين فحسب، ولذا لا يمكن أن يكون حكماً استثنائياً بل هو حكم ناسخ.
ويرد سؤال آخر، هو: هل أنّ الحكم المذكور بقراءة ما تيسّر من القرآن واجب أم مستحب؟ إنّه مستحب، واحتمل البعض الآخر الوجوب، لأنّ قراءة القرآن تبعث على معرفة دلائل التوحيد، وإرسال الرسل، وواجبات الدين، وعلى هذا الأساس تكون القراءة واجبة.
ولكن يجب الإلتفات إلى أنّ الإنسان لا يلزم بقراءة القرآن ليلاً أثناء صلاة الليل، بل يجب على المكلّف أن يقرأ بمقدار ما يحتاجه للتعليم والتربية لمعرفة اُصول وفروع الإسلام وحفظه وإيصاله إلى الأجيال المقبلة، ولا يختص ذلك بزمان ومكان معينين، والحقّ هو وجوب القراءة لما في ظاهر الأمر (فاقرؤا كما هو مبيّن في اُصول الفقه) إلاّ أن يقال بقيام الإجماع على عدم الوجوب، فيكون حينها مستحباً، والنتيجة هي وجوب القراءة في صدر الإسلام لوجود الظروف الخاصّة لذلك، واُعطي التخفيف بالنسبة للمقدار والحكم، وظهر الإستحباب بالنسبة للمقدار الميسّر، ولكن صلاة الليل بقيت واجبة على الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) طيلة حياته (بقرينة سائر الآيات والرّوايات).
ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام) حيث يقول: «... متى يكون النصف والثلث نسخت هذه الآية (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن...) واعلوا أنّه لم يأت نبيّ قط إلاّ خلا بصلاة الليل، ولا جاء نبي قط صلاة الليل في أوّل الليل»(3).
والملاحظ في الآية ذكر ثلاثة نماذج من الأعذار، أحدها يتعلق بالجسم (المرض)، والآخر بالمال (السفر)، والثالث بالدين (الجهاد في سبيل اللّه)، ولذا قال البعض: إنّ المستفاد من الآية هو السعي للعيش بمثابة الجهاد في سبيل اللّه! وقالوا: إنّ هذه الآية مدنيّة بدليل سياقها في وجوب الجهاد، إلاّ أنّ الجهاد لم يكن في مكّة، ولكن بالإلتفات إلى قوله: (سيكون) يمكن أن تكون الآية مخبرة على تشريع الجهاد في المستقبل، أي بسبب ما لديكم من الأعذار وما سيكون من الأعذار، لم يكن هذا الحكم دائمياً، وبهذا الصورة يمكن أن تكون الآية مكّية ولا منافاة في ذلك.
ثمّ يشير إلى أربعة أحكام اُخرى، وبهذه الطريقة يكمل البناء الروحي للإنسان فيقول: {وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واقرضوا اللّه قرضاً حسناً وما تقوموا لأنفسكم من خير تجده عند اللّه هو خيراً وأعظم أجراً واستغفروا اللّه إنّ اللّه غفور رحيم}.
هذه الأوامر الأربعة (الصلاة، الزكاة، القروض المستحبة، الإستغفار) مع الأمر بالقراءة والتدبر في القران الذي ورد من قبل تشكّل بمجموعها منهجاً للبناء الروحي، وهذا مهمٌ للغاية بالخصوص لمن كان في عصر صدر الإسلام.
والمراد من «الصلاة» هنا الصلوات الخمس المفروضة، والمراد من «الزكاة» الزكاة المفروضة ومن إقراض اللّه تعالى هو إقراض الناس، وهذه من أعظم العبارات المتصورة في هذا الباب، فإنّ مالك الملك يستقرض بمن لا يملك لنفسه شيئاً، ليرغبهم بهذه الطريقة للإنفاق والإيثار واكتساب الفضائل منها وليتربى ويتكامل بهذه الطريقة.
وذكر «الإستغفار» في اخر هذه الأوامر يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى وإيّاكم والغرور إذا ما أنجزتم هذه الطاعات، وبأنّ تتصوروا بأنّ لكم حقّاً على اللّه، بل اعتبروا أنفسكم مقصرين على الدوام واعتذروا للّه.
ويرى البعض أنّ التأكيد على هذه الأوامر هو لئلا يتصور المسلم أنّ التخفيف سار على جميع المناهج والأوامر الدينية كما هو الحال في التخفيف الذي اُمر به النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه في قيام وقراءة القرآن، بل إنّ المناهج والأوامر الدينية باقية على متانتها وقوّتها(4).
وقيل إنّ ذكر الزكاة المفروضة في هذه الآية هو دليل آخر على مدنيّة هذه الآية، لأنّ حكم الزكاة نزل بالمدينة وليس في مكّة، ولكن البعض قال : إنّ حكم الزكاة نزل في مكّة من غير تعيين نصاب ومقدار لها، والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصاب والمقادير.
___________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14 ، ص535-539.
2 ـ يجب الإلتفات إلى أنّ (نصفه) و(ثلثه) معطوف على أدنى وليس على (ثلثي الليل) فيكون المعنى أنّه يعلم أنّك تقوم بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه، .كذا الإلتفات إلى أن أدنى تقال لما يقرب من الشيء، وهنا إشارة إلى الزمن التقريبي.
3 ـ تفسير نور الثقلين، ج5، 451.
4 ـ تفسير الميزان، ج20، ص156.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|