أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-10-2017
13467
التاريخ: 26-10-2017
8118
التاريخ: 26-10-2017
5086
|
قال تعالى : {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُو بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَو تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الحاقة : 38 - 52].
أكد سبحانه ما تقدم فقال {فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون} قيل فيه وجوه {أحدها} أن يكون قوله {لا} ردا لكلام المشركين فكأنه قال ليس الأمر كما يقول المشركون أقسم بالأشياء كلها ما يبصر منها وما لا يبصر ويدخل فيها جميع المكونات {إنه لقول رسول كريم} يعني محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الفراء وقتادة و{ثانيها} أن لا مزيدة مؤكدة والتقدير فأقسم بما ترون وما لا ترون {وثالثها} أنه نفي للقسم ومعناه لا يحتاج إلى القسم لوضوح الأمر في أنه رسول كريم فإنه أظهر من أن يحتاج في إثباته إلى قسم عن أبي مسلم و{رابعها} أنه كقول القائل لا والله لا أفعل ذلك ولا والله لأفعلن ذلك وقال الجبائي إنما أراد أنه لا يقسم بالأشياء المخلوقات ما يرى وما لا يرى وإنما أقسم بربها لأن القسم لا يجوز إلا بالله.
{إنه لقول رسول كريم} قال إنه قول الله على الحقيقة وإنما الملك وجبرائيل والرسول يحكون ذلك وإنما أسنده إليهم من حيث إن ما يسمع منهم كلامهم فلما كان حكاية كلام الله قيل هو كلام الله على الحقيقة في العرف قال الجبائي والرسول الكريم جبرائيل والكريم الجامع لخصال الخير {وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون} قول الشاعر ما ألفه بوزن وجعله مقفى وله معنى وقول الكاهن السجع وهو كلام متكلف يضم إلى معنى يشاكله طهره الله سبحانه من الشعر والكهانة وعصمه عنهما وإنما منعه سبحانه من الشعر ونزهه عنه لأن الغالب من حال الشعر أن يدعو إلى الهوى ويبعث على الشهوة والنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إنما يأتي بالحكم التي يدعو إليها العقل للحاجة إلى العمل عليها والاهتداء بها وأيضا فإنه سبحانه منعه من قول الشعر دلالة على أن القرآن ليس بصفة الكلام المعتاد بين الناس وأنه ليس بشعر بل هو صنف من الكلام خارج عن الأنواع المعتادة وإذا بعد عما جرت به العادة في تأليف الكلام فذلك أدل على إعجازه وقوله {قليلا ما تؤمنون} معناه لا تصدقون بأن القرآن من عند الله تعالى يريد بالقليل نفي إيمانهم أصلا كما تقول لمن لا يزورك قل ما تأتينا وأنت تريد لا تأتينا أصلا فالمعنى لا تؤمنون به ولا تتذكرون ولا تتفكرون فتعلموا المعجز وتفصلوا بينه وبين الشعر والكهانة.
{تنزيل من رب العالمين} بين أنه منزل من عنده على لسان جبرائيل حتى لا يتوهم أنه كلام جبرائيل {ولو تقول علينا} محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) {بعض الأقاويل} معناه ولو كذب علينا واختلق ما لم نقله أي لو تكلف القول وأتى به من عند نفسه {لأخذنا منه باليمين} أي لأخذنا بيده التي هي اليمين على وجه الإذلال كما يقول السلطان يا غلام خذ بيده فأخذها إهانة عن ابن جرير وقيل معناه لقطعنا يده اليمني عن الحسن وأبي مسلم فعلى هذا تكون الباء مزيدة أي لأخذنا منه اليمين وقيل معناه لأخذنا منه بالقوة والقدرة أي لأخذناه ونحن قادرون عليه مالكون له عن الفراء والمبرد والزجاج وإنما أقام اليمين مقام القوة والقدرة لأن قوة كل شيء في ميامنه عن ابن قتيبة.
{ثم لقطعنا منه الوتين} أي ولكنا نقطع منه وتينه ونهلكه قال مجاهد وقتادة هو عرق في القلب متصل بالظهر وقيل هو حبل القلب {فما منكم من أحد عنه حاجزين} أي فما منكم أحد يحجزنا عنه والمعنى أنه لا يتكلف الكذب لأجلكم مع علمه أنه لو تكلف ذلك لعاتبناه ثم لم تقدروا أنتم على دفع عقوبتنا عنه ثم ذكر سبحانه أن القرآن ما هو فقال {وإنه لتذكرة للمتقين} أي وإنه لعظة لمن اتقى عقاب الله بطاعته {وإنا لنعلم أن منكم مكذبين} بالقرآن أي علمنا أن بعضكم يكذبه أشار سبحانه إلى أن منهم من يصدق ومنهم من يكذب {وإنه لحسرة على الكافرين} أي إن هذا القرآن حسرة عليهم يوم القيامة حيث لم يعملوا به في الدنيا {وإنه لحق اليقين} معناه وإن القرآن للمتقين لحق اليقين والحق هو اليقين وإنما إضافة إلى نفسه كما يقال مسجد الجامع ودار الآخرة وبارحة الأولى ويوم الخميس وما أشبه ذلك فيضاف الشيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه وقيل إن الحق هو الذي معتقده على ما اعتقد واليقين هو الذي لا شبهة فيه {فسبح باسم ربك العظيم} الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمراد به جميع المكلفين ومعناه نزه الله سبحانه عما لا يجوز عليه من الصفات والعظيم هو الجليل الذي يصغر شأن غيره في شأنه ويتضاءل كل شيء لعظمته وسلطانه .
___________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص113-115.
{فَلا أُقْسِمُ} . اللام زائدة عند أكثر المفسرين ، وقيل : بل هي نافية للقسم لأن الأمر أوضح من ان يحتاج إلى أيمان ، وتقدم الكلام عن مثله عند تفسير الآية 76 من سورة الواقعة {بِما تُبْصِرُونَ وما لا تُبْصِرُونَ} . هذا عام لعالم الغيب والشهادة مما كان ويكون في الدنيا والآخرة ، وهو في واقعه قسم بعلم اللَّه سبحانه الذي أحاط بكل شيء ، ومن ذلك {إِنَّهُ} - أي القرآن - {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وما هُو بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ ولا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ} . لقد نطق محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالقرآن ما في ذلك ريب ، ولكن لم ينطق به لأنه شاعر أوكاهن ، ولا بصفة من صفاته الشخصية ، وانما جاء به من حيث انه مبلَّغ عن اللَّه ولسانه وبيانه . وتكلمنا مفصلا عن الشعر والرسول عند تفسير الآية 224 من سورة الشعراء ج 5 ص 524 .
وقوله تعالى : فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ} ، {قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ} معناه لا يؤمن ولا يتذكر أحد منهم إلا القليل ، وقيل : بل المراد ما آمن ولا تذكر منهم قليل ولا كثير جريا على عادة العرب ، فإنهم يقولون : قلَّما يفعل ، بمعنى لا يفعل البتة ، والتفسير الأول أقرب إلى الواقع لأن المفروض ان بعض المشركين قد آمنوا بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) قبل أن يهاجر من مكة إلى المدينة . وتقدم مثله في الآية 88 من سورة البقرة ج 1 ص 148 .
وتسأل : هل مجرد القسم يثبت الرسالة من اللَّه لمحمد ، وينفي عنه الشعر والكهانة ؟ .
الجواب : لقد جاء هذا القسم بعد أن تحدى سبحانه المكذبين في العديد من الآيات بأن يأتوا بمثل القرآن ، وبعد ان عجزوا ولزمتهم الحجة ، فالمراد بالقسم هو تأكيد الحق الثابت بالدليل ، لا اثبات الحق بالقسم . . هذا ، إلى ان للجدل مع الخصم أساليب شتى تتعدد وتختلف بحسب أفكاره وأوضاعه ، ومن تلك الأساليب الإدلاء بالحجة ، وإلقاء الأسئلة عليه بما يتناسب مع عقيدته ، وفصاحة الأسلوب وبلاغته ، ومنها أيضا القسم فإنه يبعث في بعض القلوب إحساسا غامضا ومثيرا .
{ولَو تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأَقاوِيلِ لأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ} . تقوّل أي افترى وفيه ضمير مستتر يعود إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ، والأقاويل جمع أقوال ، وغلب على الأقوال الكاذبة ، والمراد بالأخذ باليمين هنا التمكن والقدرة ، والوتين نياط القلب وحبل الوريد إذا قطع مات صاحبه ، وحاجزين أي مانعين وحائلين ، والمعنى ان محمدا منزه عما ينسبه إليه المشركون من الافتراء على اللَّه ، ولو تعمد ذلك لانتقم اللَّه منه ، ونكل به أفظع تنكيل ، ولا أحد من المشركين ولا غيرهم ينجيه من هذا العذاب والتنكيل ، وبما ان اللَّه لم يفعل ذلك بمحمد فهو- إذن - الصادق الأمين ، والمفترون هم الذين نسبوا محمدا إلى الافتراء .
وتسأل : لما ذا لم يعجّل سبحانه العقوبة لمن كذّب محمدا كما يعجلها لمحمد لوكان كاذبا ؟
الجواب : ان هذا التهديد منه تعالى انما هو لمن يدعي النبوة كذبا وزورا ، لا لمن كذّب بنبوة الأنبياء ، والفرق بعيد وظاهر بين الاثنين . . هذا ، إلى ان الغرض من تهديده سبحانه هو تنزيه الرسول الأعظم عما نسب إليه من الافتراء على اللَّه كما أشرنا .
{وإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} . ضمير انه يعود إلى القرآن ، وهو هدى لمن طلب الهداية ، وأراد بصدق واخلاص ان يتقي غضب اللَّه وعذابه {وإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ
مُكَذِّبِينَ} . هذا تهديد ووعيد لمن كذّب بالرسول والقرآن {وإِنَّهُ} - أي القرآن - {لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ} . لأنه يلعنهم ويفضحهم ، ولأن كلمته هي العليا ، وكلمة الكافرين به هي السفلى ، ولأنه حجة اللَّه عليهم في يوم الحساب والجزاء {وإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ} الذي لا ريب فيه ، وتقدم مثله في الآية 95 من سورة الواقعة {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} . الخطاب لرسول اللَّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمقصود العموم ، والمعنى نزّهوا اللَّه عما لا يليق به . وتقدم في الآية 75 من سورة الواقعة .
___________________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص409-411.
هذا هو الفصل الثالث من آيات السورة يؤكد ما تقدم من أمر الحاقة بلسان تصديق القرآن الكريم ليثبت بذلك حقية ما أنبأ به من أمر القيامة.
قوله تعالى: {فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون} ظاهر الآية أنه إقسام بما هو مشهود لهم وما لا يشاهدون أي الغيب والشهادة فهو إقسام بمجموع الخليقة ولا يشمل ذاته المتعالية فإن من البعيد من أدب القرآن أن يجمع الخالق والخلق في صف واحد ويعظمه تعالى وما صنع تعظيما مشتركا في عرض واحد.
وفي الإقسام نوع تعظيم وتجليل للمقسم به وخلقه تعالى بما أنه خلقه جليل جميل لأنه تعالى جميل لا يصدر منه إلا الجميل وقد استحسن تعالى فعل نفسه وأثنى على نفسه بخلقه في قوله: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [السجدة: 7] ، وقوله: { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] فليس للموجودات منه تعالى إلا الحسن وما دون ذلك من مساءة فمن أنفسها وبقياس بعضها إلى بعض.
وفي اختيار ما يبصرون وما لا يبصرون للأقسام به على حقية القرآن ما لا يخفى من المناسبة فإن النظام الواحد المتشابك أجزاؤه الجاري في مجموع العالم يقضي بتوحده تعالى ومصير الكل إليه وما يترتب عليه من بعث الرسل وإنزال الكتب والقرآن خير كتاب سماوي يهدي إلى الحق في جميع ذلك وإلى طريق مستقيم.
ومما تقدم يظهر عدم استقامة ما قيل: إن المراد بما تبصرون وما لا تبصرون الخلق والخالق فإن السياق لا يساعد عليه، وكذا ما قيل: إن المراد النعم الظاهرة والباطنة، وما قيل: إن المراد الجن والإنس والملائكة أو الأجسام والأرواح أو الدنيا والآخرة أو ما يشاهد من آثار القدرة وما لا يشاهد من أسرارها فاللفظ أعم مدلولا من جميع ذلك.
قوله تعالى: {إنه لقول رسول كريم} الضمير للقرآن، والمستفاد من السياق أن المراد برسول كريم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو تصديق لرسالته قبال ما كانوا يقولون إنه شاعر أوكاهن.
ولا ضير في نسبة القرآن إلى قوله فإنه إنما ينسب إليه بما أنه رسول والرسول بما أنه رسول لا يأتي إلا بقول مرسله، وقد بين ذلك فضل بيان بقوله بعد: {تنزيل من رب العالمين{.
وقيل: المراد برسول كريم جبريل، والسياق لا يؤيده إذ لوكان هو المراد لكان الأنسب نفي كونه مما نزلت به الشياطين كما فعل في سورة الشعراء.
على أن قوله بعد: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل} وما يتلوه إنما يناسب كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) هو المراد برسول كريم.
قوله تعالى: {وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون} نفي أن يكون القرآن نظما ألفه شاعر ولم يقل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شعرا ولم يكن شاعرا.
وقوله: {قليلا ما تؤمنون} توبيخ لمجتمعهم حيث إن الأكثرين منهم لم يؤمنوا وما آمن به إلا قليل منهم.
قوله تعالى: {ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون} نفي أن يكون القرآن كهانة والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كاهنا يأخذ القرآن من الجن وهم يلقونه إليه.
وقوله: {قليلا ما تذكرون} توبيخ أيضا لمجتمعهم.
قوله تعالى: {تنزيل من رب العالمين} أي منزل من رب العالمين وليس من صنع الرسول نسبه إلى الله كما تقدمت الإشارة إليه.
قوله تعالى: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل - إلى قوله - حاجزين} يقال: تقول على فلان أي اختلق قولا من نفسه ونسبه إليه، والوتين - على ما ذكره الراغب - عرق يسقي الكبد وإذا انقطع مات صاحبه، وقيل: هو رباط القلب.
والمعنى: {ولو تقول علينا} هذا الرسول الكريم الذي حملناه رسالتنا وأرسلناه إليكم بقرآن نزلناه عليه واختلق {بعض الأقاويل} ونسبه إلينا {لأخذنا منه باليمين} كما يقبض على المجرم فيؤخذ بيده أو المراد قطعنا منه يده اليمنى أو المراد لانتقمنا منه بالقوة كما في رواية القمي {ثم لقطعنا منه الوتين} وقتلناه لتقوله علينا {فما منكم من أحد عنه حاجزين} تحجبونه عنا وتنجونه من عقوبتنا وإهلاكنا.
وهذا تهديد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على تقدير أن يفتري على الله كذبا وينسب إليه شيئا لم يقله وهو رسول من عنده أكرمه بنبوته واختاره لرسالته.
فالآيات في معنى قوله: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا } [الإسراء: 74، 75] ، وكذا قوله في الأنبياء بعد ذكر نعمه العظمى عليهم: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [الأنعام: 88].
فلا يرد أن مقتضى الآيات أن كل من ادعى النبوة وافترى على الله الكذب أهلكه الله وعاقبه في الدنيا أشد العقاب وهو منقوض ببعض مدعي النبوة من الكذابين.
وذلك أن التهديد في الآية متوجهة إلى الرسول الصادق في رسالته لو تقول على الله ونسب إليه بعض ما ليس منه لا مطلق مدعي النبوة المفتري على الله في دعواه النبوة وإخباره عن الله تعالى.
قوله تعالى: {وإنه لتذكرة للمتقين} يذكرهم كرامة تقواهم ومعارف المبدأ والمعاد بحقائقها، ويعرفهم درجاتهم عند الله ومقاماتهم في الآخرة والجنة وما هذا شأنه لا يكون تقولا وافتراء فالآية مسوقة حجة على كون القرآن منزها عن التقول والفرية.
قوله تعالى: {وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين} ستظهر لهم يوم الحسرة.
قوله تعالى: {وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم} قد تقدم كلام في نظيرتي الآيتين في آخر سورة الواقعة، والسورتان متحدتان في الغرض وهو وصف يوم القيامة ومتحدتان في سياق خاتمتهما وهي الإقسام على حقيقة القرآن المنبىء عن يوم القيامة، وقد ختمت السورتان بكون القرآن وما أنبأ به عن وقوع الواقعة حق اليقين ثم الأمر بتسبيح اسم الرب العظيم المنزه عن خلق العالم باطلا لا معاد فيه وعن أن يبطل المعارف الحقة التي يعطيها القرآن في أمر المبدأ والمعاد.
____________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص354-357.
القرآن كلام الله قطعا :
بعد الأبحاث التي مرت بنا في الآيات السابقة حول القيامة وما أعده الله سبحانه للمؤمنين والكفار ، يبين البارئ عز وجل في هذه الآيات بحثا وافيا حول القرآن والنبوة ، ليكون البحثان ( النبوة ) و( المعاد ) كلا منهما مكملا للآخر .
يقول الراغب في البداية : {فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون} .
المعروف أن كلمة ( لا ) زائدة وللتأكيد في مثل هذه الموارد ، ولكن ذهب البعض إلى أن ( لا ) تعطي معنى النفي أيضا ، ويعني ذلك أنني لا أقسم بهذا الأمر ، لأنه أولا : لا توجد ضرورة لمثل هذا القسم . وثانيا : يجب أن يكون القسم باسم الله ، إلا أن هذا القول ضعيف ، والمناسب هو المعنى الأول ، إذ ورد في القرآن الكريم قسم باسم الله وبغيره في الكثير من الآيات .
جملة {بما تبصرون وما لا تبصرون} لها معنى واسع ، حيث تشمل كل ما يراه البشر وما لا يراه ، وبعبارة أخرى تشمل كل عالم ( الشهود ) و ( الغيب ) .
وقد ذكرت إحتمالات أخرى لتفسير هاتين الآيتين ، منها : أن المقصود من عبارة {بما تبصرون} هو عالم الخلقة ، ومن {وما لا تبصرون} هو الخالق عز وجل .
وقيل إن المقصود بالأولى هو النعم الظاهرية ، وفي الثانية النعم الباطنية . أو أن المقصود بهما : البشر والملائكة على التوالي ، أو الأجسام والأرواح ، أو الدنيا والآخرة .
إلا أن سعة مفهوم هاتين العبارتين يمنع من تحديدهما . وبناء على هذا فإن كل ما يدخل في دائرة المشاهدة وما هو خارج عنها مشمول للقسم ، إلا أنه يستبعد شمولهما للبارئ عز وجل ، بلحاظ أن جعل الخالق مقترنا بالخلق أمر غير مناسب ، خصوصا مع تعبير ( ما ) الذي جاء في الآية الكريمة والذي يستعمل في الغالب لغير العاقل .
ويستفاد ضمنا من هذا التعبير بصورة جيدة أن الأمور والأشياء التي لا يراها الإنسان كثيرة جدا ، وقد أثبت العلم الحديث هذه الحقيقة ، وهي أن المحسوسات التي تحيطنا تشمل دائرة محدودة من الموجودات - والأشياء غير المحسوسة - سواء في مجال الألوان والأصوات والأمواج والمذاقات وغيرها - هي في الواقع أوسع دائرة من الأمور الحسية .
فالنجوم التي يمكن رؤيتها في مجموع نصفي الكرة الأرضية بحدود خمسة آلاف نجمة ، طبقا لحسابات علماء الفلك ، أما النجوم التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة فهي تعد بالمليارات .
والأمواج الصوتية التي تستطيع اذن الإنسان سماعها هي أمواج محدودة ، أما الأمواج الصوتية الأخرى التي لا تستطيع الاذن سماعها فتقدر بالآلاف .
وبالنسبة للألوان التي نستطيع رؤيتها فهي سبعة ألوان معروفة ، وقد أصبح من المسلم اليوم وجود ما لا نهاية له من الألوان الأخرى ، كلون ما وراء البنفسجي ، وما دون الأحمر ، حيث لا يمكن أن تراها أعيننا .
أما عدد الحيوانات المجهرية التي لا ترى بالعين المجردة فهي كثيرة جدا إلى حد أنها ملأت جميع العالم ، إذ توجد في قطرة الماء أحيانا آلاف الآلاف منها ، فما أضيق تفكير من يضع نفسه في إطار المحسوسات المادية فقط ، ويبقى جاهلا لأمور كثيرة لا تستطيع الحواس أن تدركها ، أو أنه ينكرها أحيانا ؟
لقد أثبتت الدلائل العقلية والتجريبية أن عالم الأرواح عالم أوسع بكثير من عالم أجسامنا ، فلماذا نحبس أنفسنا وعقولنا في إطار المحسوسات ؟
ثم تستعرض الآية اللاحقة جواب هذا القسم العظيم ، حيث يقول تعالى بأن هذا القرآن هو قول رسول كريم : {إنه لقول رسول كريم} .
والمقصود من الرسول هنا - بدون شك - هو الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وليس جبرائيل ، لأن الآيات اللاحقة تبين هذا المعنى بوضوح .
والسبب في نسبة القرآن إلى الرسول بالرغم من أننا نعرف أنه قول الله تعالى ، لأن الرسول مبلغ عنه ، وخاصة أن الآية ذكرت كلمة " رسول " وهذا يعني أن كل ما يقوله الرسول فهو قول مرسله ، بالرغم من أنه يجري على لسان الرسول ، ويسمع من فمه الشريف .
ثم يضيف تعالى : {وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون (2) ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون }.
تنفي هاتان الآيتان ما نسبه المشركون والمخالفون من تهم باطلة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذ كانوا يقولون أحيانا : إنه ( شاعر ) وإن هذه الآيات من شعره ، كما كانوا يقولون أحيانا : إنه ( كاهن ) وإن الذي يقوله هو ( كهانة ) لأن الكهنة أشخاص كانوا يتنبأون بأسرار الغيب أحيانا ، وذلك لارتباطهم بالجن والشياطين ، وكانوا يطلقون عن قصد كلاما مسجعا وجملا موزونة .
ولأن القرآن الكريم أيضا كان يتنبأ ويتحدث عن أمور غيبية ، وإن ألفاظه وعباراته لها نظام خاص ، لذا اتهم الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بهذه التهم ، في حين أن الفرق بين الاثنين كالفرق بين الأرض والسماء .
لقد نقل البعض في سبب نزول هذه الآية أن ( أبا جهل ) نسب قول الشعر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وأن ( عقبة ) أو ( عتبة ) هو الذي نسب الكهانة إلى رسولنا الكريم وكذلك الآخرون أيضا كانوا يرددون هذه التهم .
وفي الحقيقة فإن للقرآن الكريم ألفاظا منسجمة ، وتعابير ذات نظم جميل تسحر الآذان وتبعث الاطمئنان في الأرواح . إلا أن هذا ليس له أي ارتباط مع شعر الشعراء ، ولا مع سجع الكاهنين .
الشعر في الغالب وليد الخيال ، ومعبر عن الأحاسيس الجياشة في النفوس ، والعواطف الملتهبة ، ولهذا فإنه يجسد حالة عدم الاستقرار وعدم التوازن صعودا ونزولا ، شدة وانخفاضا ، في الوقت الذي نلاحظ أن القرآن الكريم ، وهو يمثل قمة الروعة والجاذبية ، فإنه كتاب استدلالي ومنطقي في عرضه للمفاهيم ، وعقلاني في محتواه ، وما فيه من التنبؤ المستقبلي لا يشكل قاعدة أساسية للقرآن الكريم ، بالإضافة إلى أنها صادقة جميعا بخلاف ما عليه تنبؤ الكهنة .
التعبير ب {قليلا ما تؤمنون} و{قليلا ما تذكرون} هو توبيخ ولوم للأشخاص الذين يسمعون الوحي السماوي مقرونا بدلائل واضحة ، إلا أنهم يعتبرونه ( شعرا ) أحيانا ، و ( كهانة ) أحيانا أخرى . وقليلا ما يؤمنون .
ويقول سبحانه في آخر آية - مورد البحث - كتأكيد على هوية القرآن الربانية : تنزيل من رب العالمين (3) .
وبناء على هذا فإن القرآن الكريم ليس بشعر ولا كهانة ، وليس هو إنتاج فكر الرسول ، ولا قول جبرائيل . . بل إنه كلام الله سبحانه ، حيث نزل بواسطة الوحي على القلب الطاهر لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وجاء هذا المعنى بعبارات مختلفة إحدى عشرة مرة في القرآن الكريم .
وقوله تعالى : {ولو تقول علينا بعض الأقاويل ( 44 ) لأخذنا منه باليمين ( 45 ) ثم لقطعنا منه الوتين ( 46 ) فما منكم من أحد عنه حاجزين ( 47 ) وإنه لتذكرة للمتقين ( 48 ) وإنا لنعلم أن منكم مكذبين ( 49 ) وإنه لحسرة على الكافرين ( 50 ) وإنه لحق اليقين ( 51 ) فسبح باسم ربك العظيم}
واستمرارا للأبحاث المتعلقة بالقرآن الكريم ، تستعرض الآيات التالية دليلا واضحا يؤكد يقينية كون القرآن من الله سبحانه ، حيث يقول : {ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين} (4) .
" أقاويل " : جمع ( أقوال ) و ( أقوال ) بدورها جمع ( قول ) وبناء على هذا فإن أقاويل جمع الجمع ، والمقصود منها هنا هو الحديث الكذب .
" وتقول " من مادة ( تقول ) على وزن ( تكلف ) بمعنى الحديث المصطنع الذي لا أساس له من الصحة والحقيقة .
جملة لأخذنا منه باليمين تعني : لأخذنا من يده اليمنى ولعاقبناه وجازيناه وكلمة " اليمين " هنا كناية عن القدرة ، وذلك بلحاظ أن الإنسان الذي ينجز أعمالا معينة بيده اليمنى يتمتع بقدرة وقوة أفضل(5) .
كما أورد بعض المفسرين إحتمالات أخرى أيضا في تفسير هذه الآية ، أعرضنا عن ذكرها بلحاظ كونها غير مشهورة ولا موزونة .
" وتين " بمعنى ( عرق القلب ) والمقصود به هو الشريان الذي عن طريقه يصل الدم إلى جميع أعضاء جسم الإنسان ، وإذا قطع فإن الإنسان يتعرض للموت فورا ، وهذا تعبير عن أسرع عقوبة يمكن أن يعاقب بها الإنسان .
وفسر البعض ( الوتين ) بأنه العرق الذي يكون القلب معلقا به ، أو العرق الذي يوصل الدم إلى الكبد ، أو أنه عرق النخاع الذي هو في وسط العمود الفقري ، إلا أن التفسير الأول أصح من الجميع حسب الظاهر .
" حاجزين " جمع ( حاجز ) بمعنى المانع .
وقد يتساءل البعض قائلا : إذا كان الموت الفوري والهلاك الحتمي هو عقوبة كل من يكذب على الله سبحانه ، فهذا يستلزم هلاك جميع من يدعي النبوة كذبا وبسرعة ، وهذا ما لم يلاحظ في حياتنا العملية ، حيث بقي الكثير منهم لسنين طويلة . بل حتى معتقداتهم الباطلة بقيت أيضا فترة زمنية من بعدهم .
الجواب يتضح جليا بالانتباه إلى ما يلي : وهو أن القرآن الكريم لم يقل بأن الله يهلك كل مدع يدعي النبوة . . بل إنه سبحانه خصص هذه العقوبة لشخص الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيما لو انحرف عن طريق الحق ، فسوف لن يهمل لحظة واحدة ، لأنه يكون سببا لضياع الرسالة وضلال الناس (6) .
أما الأشخاص الذين يدعون ادعاءات باطلة ، وليس لديهم أي دليل عليها ، فليس هنالك ضرورة لأن يهلكهم الله فورا ، لأن بطلان ادعاءاتهم واضح لكل من يطلب الحق ، إلا أن الأمر يلتبس ويصعب حينما يكون الادعاء بالنبوة مقترنا بأدلة ومعاجز دامغة كما هو بالنسبة للنبي الإلهي ، فإن ذلك مما يؤدي إلى الانحراف عن طريق الحق .
ومن هنا يتضح بطلان ادعاء بعض ( الفرق الضالة ) لإثبات ما يقوله أسيادهم من خلال الاستشهاد بهذه الآية المباركة . فلو صح ذلك لكان ( مسيلمة الكذاب ) وكل مدع كاذب من أمثاله يستطيعون إثبات ادعاءاتهم من خلال الاستدلال بهذه الآية أيضا .
ويذكر سبحانه مرة أخرى في الآية اللاحقة مؤكدا ما سبق عرضه في الآيات السابقة {وإنه لتذكرة للمتقين} . إن كتاب الله هذا أنزله للأشخاص الذين يريدون أن يطهروا أنفسهم من الذنوب ، ويسيروا في طريق الحق ، ويبحثوا عن الحقيقة ، ويسعوا للوصول إليها ، أما من لم يصل إلى هذا الحد من صفاء النظرة وتقوى النفس ، فمن المسلم أنه لن يستطيع أن يستلهم تعاليم القرآن الكريم ويتذوق حلاوة معرفة الحق المبين .
إن التأثير العميق الفذ للقرآن الكريم الذي يحدثه في نفوس سامعيه وقارئيه ، هو بحد ذاته علامة على إعجازه وحقانيته .
ثم يضيف تعالى : {وإنا لنعلم أن منكم مكذبين} .
إن وجود المكذبين المعاندين لم يكن مانعا أبدا من الدليل على عدم حقانيتهم . إن المتقين وطلاب الحق يتعظون به ، ويرون فيه سمات الحق ، وإنه عون لهم في الوصول إلى طريق الله سبحانه .
وبناء على هذا فكما يجدر بالإنسان - بل يجب عليه - أن يفتح عينه للاستفادة من إشعاع النور ، فإن عليه كذلك أن يفتح عين قلبه للاستفادة من نور القرآن العظيم .
ويضيف في الآية اللاحقة : {وإنه لحسرة على الكافرين} .
إن هؤلاء الكفرة الذين يتحدون القرآن الكريم اليوم ويكذبونه ، فإنهم غدا حيث ( يوم الظهور ) و ( يوم البروز ) وهو وفي نفس الوقت ( يوم الحسرة ) يدركون مدى عظمة النعمة التي فرطوا بها بسبب لجاجتهم وعنادهم ، وما جلبوه لأنفسهم من أليم العذاب ، ذلك اليوم الذي يشاهدون فيه ما عليه المؤمنون من نعيم ونعمة ، وعندئذ تكون المقارنة بين هؤلاء وبين من غضب الله عليهم ، فعند ذلك سيعضون أصابع الندم ، يقول تعالى : { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} [الفرقان: 27] .
ولكي لا يتصور أحد أن التكذيب والتشكيك كان بلحاظ غموض وإبهام مفاهيم القرآن الكريم ، فيضيف في الآية اللاحقة : {وإنه لحق اليقين}.
التعبير ب ( حق اليقين ) في اعتقاد بعض المفسرين هو في قبيل ( إضافة شئ إلى نفسه ) لأن ( الحق ) هو ( اليقين ) نفسه و ( اليقين ) هو ( عين الحق ) وذاته ، وذلك كما يقال : ( المسجد الجامع ) أو ( يوم الخميس ) ، ويقال له باصطلاح النحاة ( إضافة بيانية ) إلا أن الأفضل أن يقال في مثل هذه الإضافة : إضافة ( الموصوف إلى الصفة ) .
يعني أن القرآن الكريم هو ( يقين خالص ) أو بتعبير آخر أن لليقين مراحل مختلفة ، حيث يحصل أحيانا بالدليل العقلي كما في حصول اليقين بوجود النار من خلال مشاهدة دخان من بعيد ، لذا يقال لمثل هذا الأمر ( علم اليقين ) .
وحينما نقترب أكثر ونرى اشتعال النار بام أعيننا ، فعند ذلك يصبح اليقين أقوى ويسمى عندئذ ب ( عين اليقين ) .
وعندما يكون اقترابنا أكثر فأكثر ونصبح في محاذاة النار أو في داخلها ونلمس حرارتها بأيدينا ، فإن من المسلم أن هذه أعلى مرحلة من مراحل اليقين ، وتسمى ب ( حق اليقين ) .
والآية أعلاه تقول : إن القرآن الكريم في مثل هذه المرحلة من اليقين ، ومع هذا فإن عديمي البصيرة ينكرونه ويشككون فيه .
وأخيرا يقول سبحانه في آخر آية - مورد البحث ، والتي هي آخر آية من سورة ( الحاقة ) – {فسبح باسم ربك العظيم} .
والجدير بالملاحظة - هنا - أن مضمون هذه الآية والآية السابقة قد جاء بتفاوت يسير مع ما ورد في سورة الواقعة ، وهذا التفاوت هو أن الآية وصفت القرآن الكريم هنا بأنه ( حق اليقين ) أما في نهاية سورة ( الواقعة ) فكان الحديث عن المجاميع المتباينة للصالحين والطالحين في يوم القيامة .
___________________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14 ، ص409-416.
2 - ( قليلا ) في هذه الآية وفي الآية اللاحقة هي صفة ( لمفعول مطلق ) محذوف . و ( ما ) زائدة وفي التقدير هكذا ، ( وتؤمنون إيمانا قليلا ) .
3 - " تنزيل " مصدر بمعنى ( اسم مفعول ) ، وهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره ( هو منزل من
رب العالمين ) .
4 - ( من ) في ( من أحد ) زائدة وللتأكيد .
5- ورد ((من)) في ((منه)) زائدة وللتأكيد وتقديره ((لا تأخذه باليمين)).
6 - وهذا هو نفس ما طرح في كتب علم الكلام بعنوان : ( جعل المعجزة في يد الكاذب ) وقد
قبح هذا الأمر .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|