أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-8-2017
313
التاريخ: 16-8-2017
269
التاريخ: 16-8-2017
331
التاريخ: 20-8-2017
831
|
1- رأينا في القسمين السابقين القضايا التي شغل بها الباحثون اللغويون من جهة، والبلاغيون والنقاد من جهة اخرى لدراسة المجاز والاستعارة دلالياً،
ص396
وهذه الجهود والابحاث ثمرة لتطور المناهج العلمية في الدراسات اللغوية والنقدية، وقد بنيت على تراث يرجع الى اعمال ارسطو الفنية ونقصد الى كتابيه: فن الشعر، والخطابة اساساً وما كان له من تعليقات فنية في ثنايا كتبه الاخرى، ويرى اوستن وارين - من بين باحثين عديدين - ان ارسطو كان في نتاجه ممارساً لدور مزدوج، ذلك انه عني بالتنظير النقدي والبلاغي واضافة الى هذا حفلت اعماله الفنية بالإشارات والملحوظات اللغوية(1).
ونحاول في هذه الدراسة ان نحدد بعض المسائل المتصلة بالتحليل الدلالي للمجاز والاستعارة في (فن الشعر) و (الخطابة)، ومن ثم نعرض لمدى افادة المسلمين منها في الامد الذي يشمل القرن الرابع وفيه يتجلى نشاط النقاد الذين ندرس مصنفاتهم، فقد كانت الترجمة قد حملت الى المسلمين اثاراً يونانية ي الطب والعلوم والفلسفة، وتداخلت التقسيمات فعد هذان الكتابان من المنطق وعلى هذا فسر ما فيهما.
يذكر المؤرخون ان حركة الترجمة في القرن الثاني (نهايته) الهجري نقلت الى العربية كتب ارسطو المنطقية وفيها (فن الشعر، والخطابة (2)) الا ان اقدم المخطوطات التي وصلتنا هر نص قديم فيه ترجمة حرفية للخطابة لا تدل على فهم من نقلها لموضوعها، ومصطلحاتها على نحو جعلها غير مفيدة لمن يطلع عليها (3)، والمخطوط الاخر هو ترجمة اي بشر متى بن يونس لفن الشعر، ويكثر النقد لعمل
ص397
المترجم ههنا مما يبعدها عن دائرة التأثير الفعال في بيئة الفلاسفة او الادباء (4).
وتحظى اعمال الفلاسفة العظام في هذا المجال بأهمية كبيرة ذلك انهم يحاطون بكوكبة من التلاميذ، ولآرائهم ذيوع وانتشار بين الناس، وخاصة بين المثقفين الذين يسعون الى تمثلها في مؤلفاتهم ونتاجهم سواء الابداعي او النقدي - على الاقل لدى بعض من هؤلاء-.
ويعت الكندي بؤرة اشعاع هامة لمكانته التي تبوأها في التفكير الفلسفي وقد امتدت حياته بين القرنين الثاني والثالث الهجريين (ت 252 هـ أو 260)، وثبت في المصادر القديمة ان الكندي اتصل بالتراث الارسطي و كانت له مشاركة في التصنيف الذي يمتح من معينه كما ذكر ابن الندم في الفهرست: " ان للكندي مختصراً لكتاب الشعر"، ويضيف ابن ابي أصيبعة أن له (رسالة في صفة البلاغة) (5)، ولم يصلنا اي من مصنفات الفيلسوف العربي في الشعر او الخطابة لكن هذا لا يدفع - على الاقل من باب الظن الراجح - ان تحيط دائرة تأثير الجانب الارسطي الفني بعدد من الأدباء والدارسين في عصر الكندي.
اما الفارابي (ت 3٣9 هـ) فان ما بقي لنا من مخطوطات تآليفه في الشعر والخطابة لا تدل دلالة واقعة او دقيقة على ما بلغه من مكانة سامقة في الفلسفة والدراية الأرسطية - وهو المعلم الثاني -، فبين ايدينا الان اوراق باسم (جوامع الشعر)، و (مقالة في قوانين صناعة الشعراء) وهذان العملان يمتحان من (فن
ص398
الشعر) ولكن بصورة موجزة تقرب من تعبيرنا المحدث (لمحات)، وثمة عمل ثالث هو كتاب في (الخطابة) اورد فيه الفارابي الجوانب المنطقية بأكثر مما تحدث عن الفن الخطابي لدى أرسطو، ويؤكد محقق هذا النص ان الأصل الموسع الذي ذكره ابن النديم لم يصلنا (6)، ومع هذا كله فان الباحثين يعرفون للفارابي اثره الكبير بفضل ابن سينا الذي حكى لنا كيف افاد من شروح المعلم الثاني الفلسفية (7)، ويرجح بعض الباحثين انه افاد ايضاً في تلخيصه لفن الشعر، من عمل الفارابي في هذا الموضوع، وكذلك يردد ابن رشد اسماء مؤلفات العلم الثاني ومنها الخطابة (8).
ان هذا التأثير في اثنين من الفلاسفة عاش أولهما بين القرنين الرابع والخامس والاخر في القرن السادس الهجري يجعل من قولنا بوجود اثار لتلخيص الفارابي وشروحه المتعلقة بالخطابة والشعر - في القرن الرابع امراً طبيعياً في الاطار العلمي.
وبلغ ابن سينا الذروة في تمكنه من الفلسفة اليونانية وعرفها والافاضة عليها من افكاره واجتهاده، وقد خلف لنا من موسوعته (الشفاء) كلاً من (الخطابة) و (الشعر) على انها: الفن الثامن والفن التاسع من الجملة الاول من المنطق الارسطي، واضافة الى هذا ترك احد مصنفاته المبكرة، وهو موجز لفن الشعر اسماه (المجموع او الحكمة العروضية)(9).
وان الصورة العالية من الاتقان والوعي بمضمون الفلسفة الأرسطية - وما
ص399
ألحق به من جوانب فنية - لدى ابن سينا تربط بقدراته الذاتية العظيمة (10)، لكن هذا لا يحجب حقيقة ان الثقافة العربية الاسلامية في القرن الرابع الهجري كانت مشتملة على مؤلفات وشروح في فروع العلم والفن تؤدي الى نتائج في تمثلها والافادة منها تتدرج من المرتبة التي يحل فيها ابن سينا.الى مراتب اخرى دونها، وقد يقوم اعتراض ههنا يتنه الى ان استيعاب المسائل في الاطار الفلسفي مختلف عنه في المجال الادبي والنقدي،، ولئن وافقنا على ان ثمة فروقا بين الحالتين لقد يكون ثابتا مقدار غير قليل من التأثر بالآراء والقواعد الفنية في البيئات الثقافية المتعددة.
وستكون اعمال ابن سينا مقياسا لوضوح افكار مما جاء لدى ارسطو متصلا بالمجاز والتحليل الدلالي، وبعض المسائل القريبة منه.
2- ان ابرز المسائل التي تستوقفنا في حديث ارسطو عن الاستعارة مما يتصل بالدلالة هي: تعريفه للاستعارة، وبسطه لأمثلة على ضروبها، وهذا ما عرض له في فن الشعر، ومن ثم تناوله في (الخطابة) (11)، واضاف اليه هناك فكرة التقارب بين اطراف الاستعارة.
1) يعرف ارسطو الاستعارة بانها: " نقل اسم شيء الى شيء اخر " (12).
٢) ثم يفصل هذا النقل " فإما ان ينتقل من الجنس الى النوع، اومن النوع الى الجنس اومن نوع الى نوع، او ينقل بطريق المناسبة " (13).
ص400
٣) ويورد الامثلة على الزمرة الاول فيقول: " اعني بنقل اسم الجنس الى النوع مثل قوله: هذه سفينتي قد وقفت فإن الرسو ضرب من الوقوف، وبنقل أسم النوع الى الجنس مثل: أما لقد فعل أوديسيوس عشرة آلاف مكرمة، فإن عشرة الاف كثيرة وهي مستعملة هنا بدلا من (كثيرة) وبنقل اسم النوع الى نوع آخر مثل قوله: " اقتص حياته بسيف من برنز "، وقوله: " قطع البحر بسيفين من برنز صلب "، فههنا استعملت (اقتص) بدلاً من قطع، وقطع بدلاً من اقتص وكلاهما نوع من الأخذ ".
ويشير في الزمرة الثانية الى انه يقال: " هناك مناسبة اذا كانت نسبة الاسم الثاني الى الأول كنسبة الرابع الى الثالث، فيصح عندئذ ان يستعمل الرابع بدلاً من الثاني، والثاني بدلاً من الرابع وربما زادوا على ذلك، فذكروا بدلاً من الشيء الذي هو موضوع القول ما ينسب إليه هذا الشيء اعني.مثلا - ان نسبة الكاس الى ديونيسوس كنسبة الدرع الى ارس، فيسمى الكاس درع ديونيسوس وتسمى الدرع كأس ارس، ونسبة الشيخوخة الى العمر كنسبة المساء الى النهار، فيسمى المساء شيخوخة النهار، وتسمى الشيخوخة مساء العمر او مغرب العمر كما يقول امبدو كليس "، ويضيف ارسطو الى هذا ان " بعض المتناسبات ربما كان غير موضوع له اسم فيعبر ههنا بالمناسب، فإلقاء الحب في الارض يسمى بذرا، اما القاء الشمس بنورها علينا فليس له اسم يدل عليه، ولكن نسبة هذا الفعل الى الضوء كنسبة البذر الى الحب فلذلك قيل ( تبذر نورها القاسي ) (14).
ويقول ارسطو في مواضع من الخطابة مضيفا الى هذه المسائل - التي ذكرت ايضا في الخطابة: - " ان الاستعارة هي التي تعطي قبل كل شيء الجلاء والمتعة
ص401
وجوا غريبا "، و " يجب ان تكون مناسبة وغير بعيدة عن الاذهان " (15).
ويعد حديث ارسطو من الانتقال اللغوي في الاستعارة، واشكال هذا التبديل في مواقع الدالات والمدلولات اساسا ومركزا تفرعت منه الفروع في الابحاث البلاغية بعد ذلك لدى الدارسين الاوربيين، وقد تداخلت فيها النظرات اللغوية والنقدية والبلاغية الى ان بدا علم الدلالة ينحو منحاه علما مستقلا بقضاياه ومناهجه و منطلقاته على يد ( بريال، ودار مستيتر، وبول ) وركبت مسائل جديدة من تفاعل التصنيفات التي وضعها هؤلاء واسلافهم لضروب الاستعارة والمجاز المرسل، ولما عرف بتغيرات (وتطورات) المعنى - الدلالة -، فكان التقسيم المنطقي الاول بفروعه الثلاثة: التوسع، الانكماش الانتقال، وفيها تلحظ حركة مساحات الدلالات كثرة وقلة ( جنس - نوع / نوع _ جنس) او تبادل المواقع بالانتقال (16).
وقد يكون للوقوف عند القرب والبعد بين اطراف الاستعارة اثر في العناية بكل منها وتقصي عناصره على هدي من اسلوب التعريف المنطقي وتحليله، مما ادى ايضا الى معرفة اكثر دقة بجوهر الألفاظ وملامحها، والحيز الذي تشغله معانيها: مدلولاتها.
اما عن التأثير الارسطي - فيما يتعلق بالاستعارة وتحليلها الدلالي - فقد اقتصر لدى ابن المعتز على تعريف مجتزا الا انه يظل في دائرة ارسطو: " فمن
ص402
الكلام البديع قول الله تعالى: ( وانه في ام الكتاب لدينا لعلي حكيم ) [الزخرف 43/4]، ومن الشعر البديع:
والصبح بالكوكب الدري منحور
وانما هو استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء قد عرف بها "(17)، وههنا تقتضي منا الدراسة النصية لكتاب (البديع) وقفة تدفع الى ترجيح استفادة ابن المعتز من (فن الشعر) فكرة رئيسية، واخرى جزئية تمثلت في تطبيق لا في عمل تنظيري، وينفي الاعتراض على ما نذهب اليه اجتماع اكثر من مسألة _ متطابقة _ في جانب متخصص (النقد، والمجاز)، اضافة الى ان المصنف اتم عمله في عصر عرفت فيه تلخيصات وشروح لفن الشعر والخطابة _ انهى ابن المعتز مصنفه مصنفة سنة 274 هـ (18) وكان الكندي توفى سنة ٢٥٢ هـ.
ان الراي الذي عرفه ابن المعتن في كتابه يقوم على ان الانماط التي تشتمل عليها تسمية (البديع) قديمة ومعروفة لدى العرب في عهودهم الماضية وفي بيان القران، وقد ساق الامثلة والشواهد على هذه الفكرة، ودعمها بقول له: حول افراط المحدثين من الشعراء في ايراد الاستعارات وسائر ضروب البديع وما استتبعه صنيعهم من انحراف من الطريق السوي في الصناعة الشعرية، ويستشهد بشاعر محدث اغرق في ايراد الامثال في شعره ولوانه فرقها بين قصائد له لأوفى بالغاية وسنورد كلمات ابن المعتز لنقرنها بالفكرة الاصلية التي جاءت لدى ارسطو، فنرى التقارب - ان لم يكن تطابقا - المسوغ لترجيحنا: " ثم ان حبيب بن اوس الطائي من بعدهم شعف به حتى غلب عليه وتفرع فيه واكثر منه فاحسن في بعض ذلك واساء في بعض، وتلك عقبي الافراط وثمرة الاسراف، وانما كان يقول
ص403
الشاعر من هذا الفن البيت والبيتين في القصيدة وربما قرئت من شعر احدهم قصائد من غيران يوجد منها بيت بديع كان يستحسن ذلك منهم اذا اتى نادرا، ويزداد حظوة بين الكلام المرسل، وقد كان بعض العلماء يشبه الطائي في البديع بصالح بن عبد القدوس في الامثال، ويقول لوان صالحا نثر امثاله في شعره، وجعل بينها فصولا لسبق اهل زمانه، وغلب على يد ميدانه، وهذا اعدل كلام سمعته في هذا المعنى " (19).
ولقد كان ارسطو تعرض للعبارة وتأليفها، فتحدث عن مكوناتها من الألفاظ وحدد الجيد منها الا انه نبه الى ان الاغراق فيما ينجم عنه فساد الغرض، لذا يجب الابتعاد عن هذا الايغال في تطلب العناصر ذات الفاعلية الشعرية - واننا نعقد المقارنة ورغم ان وجهة ابن المعتز كانت القصيدة كلها - يقول ارسطو: " وجودة العبارة في ان تكون واضحة غير مبتذلة، فالعبارة المؤلفة من الاسماء الاصلية هي اوضح العبارات ولكنها مبتذلة، ومن امثلتها شعر كليوفون وستانلس، اما العبارة السامية الخالية من السوقية فهي التي تستخدم ألفاظا غير مألوفة: واعني بالألفاظ غير المألوفة: الغريب والمستعار، والمحدود، وكل ما بعد عن الاستعمال، ولكن العبارة التي تؤلف كلها من هذه الكلمات تصبح لغزا او رطانة، فملؤها بالاستعارات يجعل منها لغزا، وملؤها بالغريب يجعل منها رطانة، فينبغي الجمع بين هذه الانواع على نحو ما، فالغريب والاستعارة والزينة، وسائر الانواع التي ذكرناها تنأى بالعبارة عن السوقية والابتذال والاستعمال الاصلي يكسبها وضوحا "(20) .
وهكذا نرى ان ارسطو وجه الى الاسلوب الامثل بإيراد الاستعارات والكلمات التي تحدث الاثر في المتلقي بالقدر الذي لا يثقل العمل ويحوله الى الغاز
ص404
ورطانة، اي ان الاداة لا تتحول الى غاية في ذاتها فيخرج الشاعر عن الهدف من ابداعه في مجال معين، وهذا الرأي نجده في كلمات ابن المعتز واعتراضه على مذهب المحدثين - من الشعراء - من تغليب للأدوات - التي لا ينكر اهميتها ومكانتها في العمل الادبي - على الغاية من صنيع الشاعر.
اما الفكرة الجزئية التي وجدت تطبيقاً في بديع ابن المعتز فهي مثال ارسطو الذي ساقه على التناسب بين طرفي الاستعارة" فنسبة الشيخوخة الى العمر كنسبة المساء الى النهار، فيسمى المساء شيخوخة النهار، وتسمى الشيخوخة مساء العمر او مغرب العمر"(21) ولقد افتتح ابن المعتز امثلة الاستعارات المحدثة ببيت من شعره يستخدم فيه استعارة بحسب ما جاء لدى ارسطو - شباب النهار - ويثني ببيت لأبي الشيص فيه كذلك - الليل قد شاب رأسه -: " وقلت - ابن المعتز:
اسقني الراح في شباب النهار وانف همي بالخندريس العقار
فكأن الربيع يجلو عروســــــا وكأنا من قطره في نثــــار
وقال ابو الشيص:
سقاني بها والليل قد شاب راسه غزال بحناء الزجاجة مختضب (22)
ونخلص الى ان ابن المعتز قد عرف طرفا من افكار (فن الشعر) لكنه لم يوغل في ثنايا تحليل الاستعارة على نحو يتجه بها الى مسافات ابعد في النظر الدلالي ولقد وقفنا عند هذا المصنف لأثره الكبير في الحركة النقدية في القرن الرابع.
اما الحديث عن ابن سينا فلن يكون مبحثا في التأثر وانما نشير الى صورة بحث الاستعارة من الزوايا الدلالية لديه، فهو يصنف (الخطابة) و (الشعر)
ص405
ضمن الاقسام المنطقية للشفاء التي تفيد هيكلها وموضوعاتها من المصادر الأرسطية - وما قد يكون من مصادر يونانية اخرى و نبدأ ( بكتاب الشعر) فقد تبع ابن سينا ارسطو في الفصل الذي يشرح الاستعارة: (21)(*) وفي هذا الموضع فرق بشكل واضح بين النقل الذي يغدو فيه اللفظ المنقول مرتبطا بمدلوله ارتباطا دائما فلا يدخل ضمن التعريف، وذاك التحويل المستخدم في موقف تعبيري خاص (استعارة)، وعندما ننصرف عنه نرجع الى المتعارف اللغوي له اي ان الحقيقة هي استعمال الألفاظ دالة على معانيها المستقرة.والاستعارة هي حالة خاصة لمفارقة الاساء لمدلولاتها، يقول ابن سينا:
" واما النقل في أن يكون اول الوضع والتواطؤ على معنى وقد تقل عنه الى معنى اخرمن غيران صار كأنه اسمه صيرورة لا يميز معها بين الاول والثاني، فتارة تنقل من الجنس الى النوع وتارة من النوع الى الجنس، وتارة من نوع الى نوع اخر، وتارة الى منسوب الى شيء من مشابهة في النسبة الى رابع مثل قولهم للشيخوخة انها مساء العمر أو خريف الحياة، واما المتغير وهو المستعار والمشبه على نحو ما قيل في الخطابة"(23).
وفي موضع سابق كان ابن سينا قد ربط بين الاستعارة والمجاز ومصطلح التبديل في اطار المحاكاة: " اما الكلام في الشعر وانواع الشعر وخاصة كل واحد منها ووجه اجادة قرض الامثال والخرافات الشعرية، وهي الاقاويل المخيلة، وابانة اجزاء كل نوع بكميته وكيفيته، فسنقول فيه ان كل مثل وخرافة فإما ان يكون على سبيل تشبيه باخر، واما على سبيل اخذ الشيء نفسه لا على ما هو
ص406
عليه بل على سبيل التبديل وهو الاستعارة والمجاز، واما على سبيل التركيب منهما"(24).
ونطالع في (الخطابة) - التي تقع قبل الشعر في الترتيب المنطقي للشفاء - فصلا يخصصه للكلام " في التحسينات واختيار الألفاظ للتعبيرات "(25) وتجد الاستعارة شرحا وافيا وتفصيلا لتكوينها وغايتها وما يتحسن منها في الفن الخطابي دون الشعري بسبب الاختلاف في الغاية بينهما:
1) ويحدد اهمية الاستعارة والتشبيه في القول الخطبي " فان القول يرشق بالتغيير وهو ان لا يستعمل كما يوجبه المعنى فقط، بل ان يستعير، و يدل، يشبه " (26).
٢) ثم يبين وظيفة الاستعارة " فالرونق المستفاد بالاستعارة والتبديل سببه الاستغراب والتعجب وما يتبع ذلك من الهيبة والاستعظام والروعة "(27).
٣) و يظهر الفروق في اهمية الاستعارة في الشعر والخطابة – والنثر- " فاستعمال الاستعارات و المجاز في الاقوال الموزونة اليق من استعمالها في الاقوال المنثورة، فان الخطابة معدة الى الاقناع، والشعر ليس للإقناع والتصديق ولكن للتخييل " (28).
٤) والقضية الهامة في تكوين الاستعارة هي " المقاربة بين اطرافها " (29)
ص407
ولكننا نلاحظ ان التركيز على هذا الموضع يحد بالخطابة " فينبغي للخطيب اذا أراد ان يستعير ويغير حيث يريد التحسين ان يأخذ الاستعارة والتغيير من جنس مناسب لذلك الجنس، محاك له غير بعيد منه، ولا خارج عنه، فإنه اذا اراد ان يحقر انساناً ويقبحه، فيجب محالة الاّ يحاكيه بشيء من جنس ما يفعله بل يقول.ان اراد ان يقبح ملتمساً ويحقره: ان فلاناً ليتكدى، واذا اراد ان يفخم امراً حريزاً لم يبعد بالمحاكاة " (30) واما في الشعر فالأمر مختلف، لأنه يجوز ان الاستعارات الغريبة في الكلام الشعري"(31).
٥) ونصادف عبارة خطيرة في الجانب الدلالي الا أنها غير مبسوطة الشرح لدى ابن سينا فهو يستطرد خلال تفصيله لمسألة التقارب في أركان الاستعارة، وطلبه ان تكون " المعاني التي يستعار منها لطيفة معروفة محمودة، ويقترح أن تجلب من المستعمل في المتعارف من الكلام مثل قول القائل " فوابرداً على كبدي، ويعلق بأن امثال هذه الاستعارات قد صارت لفرط الشهرة كأنها غير استعارات " (32) والحديث عن بلى الاستعارات والمجازات وتحولها الى الاستعمال العادي (Catachrese) يتصدر الموضوعات الدلالية وتطور الدلالة في العصر الحديث، ولا نستطع الحكم على القدر الذي كانت المسألة واضحة - فيه – او قابلة للتفصيل اللغوي عند ابن سينا و معاصريه بحسب ايجاز العبارة ههنا.
٦) وينهي ابن سينا هذا الفصل بالتمييز الذي اقامه ارسطو بين " التشبيه الذي يجري مجرى الاستعارة.
لكن الاستعارة تجعل الشيء غيره، والتشبيه يحكم عليه بأنه كغيره، لا غيره
ص408
نفسه (إن اخيلوس وثب كالأسد)(33).
وهكذا نجد ان النقاط التي عرضناها من خلال مصنفي ابن سينا في الخطابة والشعر تستغرق ما كنا وقفنا عنده في كلام ارسطو فيما يتصل بالمجاز والملامح الدلالية، ويبدوان صاحب الشفاء التزم بالجو العام للمنظومة المنطقية الفلسفية، لذا فلا نعثر على ما يتصور أنه تطوير وتطبيق لتلك الملامح، وتظل الحقيقة التي نبهنا اليها قائمة وهي ان نتاج ابن سينا - انهى الشفاء سنة 418هـ كما يقول ابراهيم مدكور في مقدمة (المدخل (34)) - يعني امكانية فهم هذه المسائل في القرن الرابع بما أتيح من ترجمات وتعليقات على الاثار الأرسطية.
أما ما يعد ظلاً للأصول الدلالية في بحث ارسطو للمجاز في مؤلفات نقاد الشعر في القرن الرابع فإننا نؤثر جمعه مع مسائل الدلالة لديهم في القسم المفرد لهم.
ص409
_______________
(1) نظرية الأدب، اوستن وارين ٢٥٢ - ٢٥٣ .
(2) مسالك الثقافة الاغريقية الى العرب ٢٣٨ ، والفكر العربي ومكانه في التاريخ ١٢٩ ، ديلاسي اوليري.
(3) مقدمة الترجمة القديمة، عبد الرحمن بدوي ص (و)، ويتضح لنا الامر في المواضع التي كان يجب ان تعرف الاستعارة فيها ٨٦ - ٨٧ ، الخطابة: الترجمة العربية القديمة، ارسطوطاليس، النهضة المصرية 1959.
(4) مقدمة (فن الشعر) عبد الرحمن بدوي 50، ويلزم شكري عياد جانب الحذر في هذا الموقف، كتاب ارسطوطاليس في الشعر 266 ، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر القاهرة 1967.
(5) يقل عن الفهرست: بدوي مقدمة فن الشعر ٥٠ ، سليم سالم في مقدمة المجموع او الحكمة العروضية لابن سينا، مركز تحقيق التراث، القاهرة 1969، وشكري عاد كتاب الشعر 193، ويضيف نقل ابن ابي اصيبعة.
(6) مقدمة جوامع الشعر للفارابي، سليم سالم ١٦7 (ضمن تلخيص كتاب الشعر لابن رشد.
(7) مقدمة فن الشعر، بدوي ٥٠ -٥١.
(8) مقدمة جوامع الشعر للفارابي، سليم سالم ١٦٧.
(9) قام بتحقيق فن الشعر بتلخيص ابن سينا عبد الرحمن بدوي ضمن مجموع (فن الشعر)، وحقق سليم سالم (المجموع او الحكمة الروضية).
(10) مقدمة ابراهيم مدكور لمدخل الشفاء ٦ ، ط وزارة المعارف العمومية القاهرة ١٩٥٢ م.
(11) يستفاد من اشارة لأرسطو في فن الشعر انه صنف قبل (الخطابة) فن الشعر ٥٠ ، ط بدوي، حيث يقول: " اما ما يتصل بالفكر فقد يجب ان يجد مكانه الطبيعي في الرسائل المخصصة لعلم الخطابة ؛ لأنها امس رحما به ".
(12) فن الشعر لأرسطو 117.١1٨ ، ط عياد، ٥٨ ط بدوي.
(13) فن الشعر لأرسطو ١٧ ._ 1.٨ ، ط عياد، 58، ط بدوي.
(14) فن الشعر لأرسطو ١١٨- ١١9 ، ط عباد ٥٨ - ٥٩ ط بدوي.
(15) النقد الادبي، ويليام ك.وبمزات ٠٦ ا، ترجمة د.حسام الخطيب، ومحي الدين صبحي، دمشق ١٩٧٣ ، المجلس الاعلى لرعاية الفنون و الآداب والعلوم والاجتماعية.وتتأكد هذه الفكرة في تلخيص ابن سينا لخطابة ارسطو ٢٠٥ ، تحقيق سليم سالم، وسنعرض لها بعد، وما اسارتنا بواسطة و يمزات الا ضرورة اقتضاها عدم توفر الاصل.
(16)p, Guiraud , La stylistiquc , que sais- je ? presses Universitaires de France prance paris 1975
P, 56 et, Guiraud , ls sem.p.p 42 – 43.
(17) البديع لابن المعتز ٢ .
(18) البديع لابن المعتز ٥٨ .
(19) البديع لابن المعتز ١ - ٢ .
(20) فن الشعر لأرسطو ١٢٤ ، ط عياد، ١١ ط. بدوي (من الفقرة: ٢٢ ).
(21) فن الشعر لأرسطو 118، ط. عياد 59 ط بدوي.
(22) البديع لابن المعتز 20.
(*) رقم الفقرة.
(23) الفن التاسع من الجملة الاولى من كتاب الشفاء، ابن سينا، كتاب الشعر 192 ط بدوي، ويقابل هذا النص 117 - 118 ط.عياد من فن الشعر ٥٨ - 59 ط.بدوي لفن الشعر الارسطي.
(24) كتاب الشعر، ابن سينا ١٦٨ ط.بدوي.
(25) الخطابة، ابن سينا، تحقيق سليم سالم 197، وهذا مكانه في الكتاب الثالث من خطابة ارسطو، ينظر و يمزات، النقد الادبي (1/106) .
(26) كتاب الخطابة، ابن سينا ٢٠٢ ، تحقيق سليم سالم.
(27) الخطابة، ابن سينا ٢٠٣ .
(28) الخطابة، ابن سينا ٢٠٦ .
(29) النقد الادبي، و يمزات (1/106).
(30) الخطابة، ابن سينا ٢٠٥ - ٢٠٦ ، ٢١٢.
(31) الخطابة، ابن سينا ٢٠٧.
(32)ا لخطابة، ابن سينا ٢٠٧.
(33) الخطابة ، ابن سينا ٢١٢ .
(34) مقدمة مدخل الشفاء للدكتور ابراهيم مدكور ٦ .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|