أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-8-2022
1875
التاريخ: 1-2-2016
2214
التاريخ: 9-5-2017
2408
التاريخ: 22-3-2022
2338
|
قد يسأل البعض عن الجدوى من دراسة قاعدة التقيد بالاتهام أي نطاق الدعوى في النظام الانكلوسكسوني وهو نظام يختلف من حيث الأسس والمفاهيم عن النظام اللاتيني والفرنسي بخاصة . ونحن بدورنا نذكر بأن الغاية الأساسية من هذا الاتجاه في الدراسة يقوم على إيضاح مركز القاعدة ومدى الأخذ بها في هذا النظام ، وإيضاح المصدر التاريخي وبالتالي تكوين فكرة كاملة عن هذه القاعدة بعد معرفة طبيعة النظام القانوني المتبع فيه ... .
عليه سوف نتناول تطور القواعد الإجرائية في النظام الانكلوسكسوني وما تعلق بها من قواعد الاتهام وإجراءات المحاكمة . وسنقسم هذا الموضوع على ثلاثة فروع تمثل المراحل المهمة في تاريخ النظام الانكلوسكسوني القانوني وفق الآتي :
الفرع الأول : الأصول التاريخية لنطاق الدعوى الجزائية قبل الغزو النورمندي.
الفرع الثاني : الأصول التاريخية لنطاق الدعوى الجزائية أثناء الغزو النورمندي.
الفرع الثالث : الأصول التاريخية لنطاق الدعوى الجزائية بعد انتهاء الغزو النورمندي حتى الوقت الحاضر.
الفرع الأول
الأصول التاريخية لنطاق الدعوى الجزائية قبل الغزو النورمندي
لم تصل الإجراءات الجنائية في النظام الانكلوسكسوني بشكل مباشر الى ما هي عليه الآن ، بل مرت بمراحل تطور رافقت تطور المجتمع ذاته، ومن خلال استعراض هذه المراحل سيتضح لنا وبشكل جلي مكانه قاعدة تقيد المحكمة الجزائية بنطاق الدعوى الشخصي والعيني. وهذه المراحل هي :
أولاً : مرحلة الانتقام الفردي :
لم تحتوِ هذه المرحلة على أي شكل لأية قاعدة إجرائية والسمة الغالبة في هذه المرحلة هي الانتقام الفردي بالنسبة للاتهام أو ما يسمى بنظام الانتقام الفردي(1) . ولم يكن متوفراً عن ذلك أي معالم كاملة للجريمة بوصفها ضرراً يستهدف المجتمع بل عدّت ضرراً خاص يصيب من تعامل معها حصراً. وما يهمنا في منهج رسالتنا هو أن هذه الفترة ولعدم وجود ذلك الهيكل الخاص بالنظام الإجرائي الجنائي بما يحتويه من قواعد تنظيم القيود والحدود للدعاوى وإجراءات السير فيها والمحاكمة والادعاء ، فكان من المنطقي القول بأن قاعدة تقيد المحكمة بنطاق الدعوى لم تجد لها حيز التطبيق في هذه الفترة حيث كانت العدالة تمارس وتطبق من قبل شخص المجني عليه بذاته أو أقاربه دون تدخل منهجي أو رسمي من قبل أي جهة تمثل المجموع .
ثانيا: مرحلة الدية :
في هذه المرحلة لم يعد مقبولاً لدى المجتمع وحتى يصبح النظام القضائي بشكل عام ونظام الاتهام بخاصة حالة الانتقام الفردي، وكان لا بد من إدخال بعض التعديلات على هذا النظام . وبذلك ظهر نظام الدية كأقوى أنواع التعديلات وأهمها حيث ضيق المجال أمام الانتقام الفردي في ترتيب الحقوق وأصبح هناك طريق ملزم للمجني عليه، أو من يقوم مكانه لسلوكه قبل أن يبادر الى الانتقام الى سبيل الدية ، (مع الاعتراف بأن نظام الانتقام الفردي كان هو الأساس والأصل البدائي والمصدر الأولى لحق الفرد في مباشرة الاتهام أو حقه في المشاركة في القضاء الجنائي في العصر الحديث) (2) . و( تختلف قواعد الدية بوضع ثمن لرأس كل شخص بما في ذلك الملك وكذلك ثمن للجروح وأيضاً ثمن لكل أنواع الاعتداءات)(3) إلا أننا وفي ضوء ما تقدم نكرر القول بأن غموض هذه الفترة أيضاً من حيث إنشاء الهيكل الجنائي الإجرائي السليم حال دون تطبيق القاعدة محل البحث أو حتى أي من قواعد القانون الجنائي خاصة في وضع انتفى فيه القضاء ، أو حتى أي صورة مصغرة عنهم سواء المحكمين أو رؤساء العشائر . فلم تظهر قاعدة تقيد المحكمة بنطاق الدعوى بانتقاء وجود المحكمة أو التحكيم وبالتالي انتفى وجود النطاق بانتفاء محل تطبيقه .
ثالثاً : مرحلة الخصومة الاتفاقية :
تحتل هذه المرحلة تلك المكانة المميزة في الحقبة التي سبقت الغزو النورمندي ذلك كونها احتوت على إنجاز قضائي هام ومشروع للعدالة ناجح، بأن ظهرت خلالها فكرة عرض النزاع بين المجني عليه والمعتدي على طرف ثالث للحكم فيه وليس هذا ما يرقى بهذه المرحلة فحسب، بل ما يهمنا هو كون الحالة هذه تقتضي وجود طرفين متنازعين يقومان بعرض نزاعهما الى طرف ثالث سواء كان هذا الطرف الثالث هيئة أم جهة دولية . ويتحتم بالكيفية والمنطق أن يكون هناك إدعاء احتوى على اتهام معين يقدم الى جهة الحكم البدائية التي تلزم بالحكم على هذا الاتهام بعد حضور الطرفين . وهذا ما يشير بوضوح الى ظهور قاعدة تقيد المحكمة بالاتهام من جهة الأشخاص والوقائع ولأول مرة في التاريخ الانكلوسكسوني . وبالتالي ظهور نطاق الدعوى بظهور الدعوى ذاتها، فإذا كانت التهمة المدعى بها من أحد الطرفين هي السرقة فالقاضي أو الحاكم أياً كانت تسميته، لا يمكنه الخروج عن مضمون الاتهام المقدم لديه، كون الاتفاق بين طرفي النزاع هو الذي يعطي القاضي سلطته، ويلزم الأطراف باحترام كلمته، فمركز القاضي في القضاء الاتفاقي هو الحياد التام الذي به يتحقق تطبيق القاعدة التي نحن بصددها وهي التقيد بالاتهام (4) .
رابعاً : مرحلة المسؤولية الجماعية والانتقام الجماعي :
استناداً الى مغزى فلسفي محتواه: أن الجريمة تضر المجتمع بصفة عامة، وعلى الجميع تقع مسؤولية منعها ولغرض سياسي سمي آنذاك بأمن الملك . ونتيجة لذلك أصبح تقسيم المجتمع الى وحدات اجتماعية ضرورة لضبط المجتمع بحيث يقع على عاتق كل مسؤول عن وحدة اجتماعية تسليم المجرمين بل والأخبار عن الجرائم . وبعبارة أخرى تحول دور قادة المجتمع من الملوك الساكسون الى ذلك الدور الإيجابي بدلاً عن الدور السابق السلبي. وأخذت القاعدة تتدرج في التطبيق باختلاف أنواع الحكم التي ظهرت آنذاك واختلاف إجراءات المحاكمة الأصولي(5) . إلا أننا يمكننا الخروج بنتيجة تقتضيها الحقائق التي احتوتها المراحل السابقة وهي أن المبدأ الخاص بتقييد نطاق الدعوى الجزائية بحدودها الشخصية والعينية لم يكن مؤكد الاحترام، والسبب يرجع الى عدم نضوج البناء الإجرائي الإنكليزي آنذاك والى عدم وضوح مبدأ فصل الاتهام عمن يقوم بالحكم .
الفرع الثاني
الأصول التاريخية لنطاق الدعوى الجزائية أثناء الغزو النورمندي(6)
لقد أثر الغزو النورمندي على النظام الإنكليزي القديم، على قواعد القانون بشكل عام والإجراءات الجنائية بشكل خاص شاملاً جميع إجراءات الاتهام والتحقيق والمحاكمة . ويؤكد أهمية هذه الفترة ليس ظهور قاعدة تقيد المحكمة بشخصية وعينية الدعوى بشكل كامل فحسب بل بروز مبدأ الفصل بين سلطتي الاتهام والتحقيق كمبدأ قضائي يعمل به لأول مرة(7) . وعليه فأن دراسة هذه القاعدة دراسة منهجية يقتضي دراسة جهات الدعوى سواء من ناحية الاتهام أو التحقيق والمحاكمة .
أولا : بالنسبة للاتهام .
تشير المصادر أن للاتهام ثلاث صور عُرفت إبان الغزو النورمندي(8) :
1 . الاتهام الفردي .
أو ما يعرف بنظام الاستدعاء ، على اعتبار أن بداية الاتهام تقوم على استدعاء المجنى عليه للمتهم أمام مدعي الملك أو حتى من يقوم مقام المجنى عليه بذلك الاستدعاء(9) .
ما يهمنا في هذه الصورة هي أن قاعدة تقيد المحكمة بالاتهام تظهر هنا بأحد أهم أسسها وهو اختلاف جهة الاتهام عن جهة الحكم ، فمن يقوم بتقديم الاتهام هو المجنى عليه أو (المستدعي) عن طريق وثيقة الاتهام المحتوية لتفاصيل التهمة الموجهه . ومن يقوم بالحكم هنا هو القاضي ( الكورنر) (10) الذي يمثل سلطة الحكم يعطي مبدأ التقيد قوة التطبيق .
2 . الاتهام بواسطة الدولة (الاتهام العام) .
وهي الصورة التي يقوم بها ضباط الملك بتقديم الاتهام إلى القاضي. وبعيداً عن الغاية المبتغاة عن هذه الصورة فأن المتحقق منها هو وجود الفصل بين سلطة الاتهام وسلطة الحكم، من خلال قيام ضباط الملك (الشريف) بمهمة الاتهام وانفراد القاضي أياً كانت صورته بالحكم، وبالتالي إنشاء أساس لقاعدة التقييد بنطاق الدعوى الجزائية .
3. الاتهام بواسطة المحلفين:-
وهي صورة طبقت عندما كان الشريف (حاكم الإقليم) يطلب من عدد ممن عرفوا بالاعتدال والحكمة في الإقليم أن يقوموا بتقديم الاتهام إلى المحكمة، وكان عدد هؤلاء أثنى عشر شخصاً، وكانت هذه الصورة تسمى أيضاً الاتهام بالقائمة(11) والكلام ذاته يمكن أن يقال عن هذه الصورة كما كانت سابقتها لاستقلالية المحلفين عن وظيفة القضاء، عضوياً ووظيفياً.
ما يتميز به النظام الإنكليزي كأنموذج للنظام القانوني الأنكلوسكسوني ان انعكاس قاعدة تقييد المحكمة ومفهوم النطاق لم تبرز فقط مبدأ الفصل بين السلطات من جانب الاتهام عن الحكم بل فصل الاتهام عن وظيفة التحقيق فمثلاً دور الادعاء العام ينحصر في التصرف في التهمة عقب التحقيق الذي تجريه الشرطة(12)، أو أياً كانت صورته هذا التحقيق بواسطة الكورنر أو تحقيق الشريف(13).وبهذا الحال تكون إجراءات التحقيق قد أضافت إلى تطبيق قاعدة أو مبدأ تقييد الدعوى بنطاقها الشخصي والعيني إثباتاً قوياً على الأخذ بها من خلال فصل الاتهام عن التحقيق وظيفياً وعضوياً.
لقد اختلفت الكيفيات التي يتم فيها محاكمة المتهم في النظام الانكلوسكسوني باختلاف فترات التطور فهي من صورتها البدائية المتمثلة بإرجاع إثبات أو نفي الجريمة الى العدالة الإلهية سواء عن طريق محاكمة المحنة(14) أو المبارزة، دون الأخذ بالأدلة أو تحقيق، أو ما وصلت إليه أخيراً بعد تطور كبير متمثلة بدور المحلفين والمحاكمة عن طريقهم هذا النظام الذي جاء ليقضي على نظام المحاكمة عن طريق المحن فقاعدة تقييد المحكمة بنطاق الدعوى الجزائية الشخصي والعيني كانت حاضرة في جميع تلك الصور ومطبقة بشكل كامل. وصفوة القول بأن الفترة التي حكم فيها النورمنديون كانت زاخرة بتطبيقات مبدأ تقيد الدعوى الجزائية بنطاقها الشخصي والعيني، وفي جميع مراحل الخصومة الجنائية سواء ما تعلق منها بالاتهام أو التحقيق أو المحاكمة .
الفرع الثالث
كذلك يمكن القول بأن النظام الانكلوسكسوني وأن لم تتضح ملامح قواعده الإجرائية إلا بعد الغزو النورمندي حيث احتلت قاعدة تقييد الدعوى الجزائية بنطاقها الشخصي والعيني مكانة مهمة ترعرعت ونضجت حتى اليوم الحالي. بل يمكن القول بأن النظام الانكلوسكسوني يمثل الصورة الاصلية من القاعدة والأشد صلابة التي نالها شيء من المرونة في التطبيق في القانون الفرنسي أو القوانين العربية تبعاً له. وأن شهد في عام 1985 تطوراً جوهرياً في النظام الإنكليزي الإجرائي تمثل في إنشاء هيئة أو جهاز ملكي للإدعاء العام(16).
_______________
1- يمكن تسويغ إطلاق تسمية نظام على هذه المرحلة كون عدم تحريم أو منع الانتقام الفردي يدعم هذه التسمية وأن لم ينص القانون على العمل بها تماشياً مع القول (كل ما لم يمنع مباح) . للتفصيل يراجع : د. عزت الدسوقي ، قيود الدعوى الجنائية بين نظرية والتطبيق ، رسالة دكتوراه مقدمة الى جامعة القاهرة ، كلية الحقوق ، 1987م ، ص224 .
2-ينظر: -Stephen.O:The History of Criminal low of England,by Stephen,1883 , P.57.
3- ينظر: Ernest classou : Histire de droit et des institutions de l’ngleterre , Oaris I , - 1882 , P . 3
4- ينظر : د . عبد المنعم عبد الرحيم العوضي ، قاعدة تقييد المحكمة الجنائية بالاتهام ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1973 ، ص24 .
5- ينظر : د . عبد المنعم عبد الرحيم العوضي ، المرجع السابق ، ص26 .
6- امتد الغزو النورمندي منذ سنة 1066 حتى 1276 عندما قام وليم الفاتح بغزو انكلترا .
7- ينظر : د . عبد المنعم عبد الرحيم العوضي ، المرجع السابق ، ص29 .
8- ينظر : د . عزت الدسوقي ، مرجع سابق ، ص38 .
9- ينظر : د . أشرف رمضان عبد الحميد ، مرجع سابق ، ص297 .
10- يقصد بالكورنر ممثل الملك لإعطاء صفة سياسية لأي أعمال مقاومة للإنكليز . للتفصيل ينظر: د . عزت الدسوقي ، المرجع السابق ، ص38 وما بعدها .
11- ينظر : د. عزت الدسوقي ، المرجع السابق، ص38
12- ينظر : د. أشرف رمضان عبد الحميد ، قاضي التحقيق في القانون الجنائي المقارن، دار النهضة العربية ، بيروت، 2004 ،ص311
13- يسمى بتحقيق الشريف لكون الشريف نفسه يقوم بالتحقيق مع المجرم ، ومن ثم احالته إلى المحكمة، أما الكورنر فيوجب عليه القانون التدخل في جرائم معينة والذي يحيل المتهم بعد ذلك إلى المحكمة. للتفاصيل ينظر : د . عبد المنعم عبد الرحيم العوضي: المرجع السابق، ص33
14- عادة ما تكون المحنة هي ابتلاء قاسي كحمل الحديد الحار أو القفز إلى وعاء مملوء بالماء الحار أو ما يفوق تحمل النفس البشرية، ونادراً ما تكون النتيجة هي البراءة بحيث يعتبر الناجي من القديسين. للتفضل ينظر : د . عبد المنعم عبد الرحيم العوضي، المرجع السابق، ص35
15- ينظر : د. اشرف رمضان عبد الحميد ، المرجع السابق، ص296 .
16- للتفصيل ينظر : د. اشرف رمضان عبد الحميد، المرجع السابق، ص302
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|