أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-5-2017
11662
التاريخ: 11-1-2021
4625
التاريخ: 16-5-2017
3060
التاريخ: 15-5-2017
3104
|
سوف نكرس لهذا الغرض ثلاثة فروع نناقش فيها تلك النظم الخاصة بالاتهام، والتي ظهرت خلال فترات تطور القانون الجنائي وصولاً إلى يومنا الحالي ووفق التفصيل الآتي:
الفرع الأول
النظام الاتهامي
يتصل تطور نظم الاتهام الإجرائية الجزائية بتطور حق الدولة في العقاب اتصالاً وثيقاً، فكما وضحنا سابقاً من كون الاتهام ظهر بشكل اتهام فردي قضت الحاجة وتطور مفاهيم المجتمع والعدالة بأن يصبح الاتهام بيد الدولة لضمان أمن المجتمع. وبذلك فإن بداية ظهور نظم الاتهام الجنائية بالنظر إلى بداية ظهور الحق في العقاب تبين لنا أن أول النظم ظهوراً كان النظام الاتهامي فقد ساد روما، وانتشر في أوربا في ظل النظام الإقطاعي(1).، ومن الفقهاء من يرجع أصل ظهوره إلى شعوب الشرق ومنهم انتقل إلى الإغريق والرومان في بداية تطور الشعوب هناك في مفهوم حق العقاب واستمر هذا النظام الاتهامي سائداً في فرنسا حتى القرن الثاني عشر، بل هو موجود حالياً في إنكلترا وأمريكا والدول التي أخذت عن القانون الإنكليزي(2). ولسنا هنا في معرض الحديث عن التأصيل التاريخي لنظم الاتهام إلا بما يتصل تأثيره على مبدأ تقييد الدعوى الجنائية بنطاقها الشخصي والعيني(3).
أما ما يخص مضمون النظام الاتهامي فهو بالتحديد ينظر إلى الخصومة الجنائية على أنها (خصومة عادية تدور بين فردين مدعي ومدعى عليه)(4).
والنزاع في هذا النظام نزاع بين طرفين، والقاضي يخضع إلى اختيارهما ليقوم بدور يتصف بالسلبية، والمتهم وهو المدعى عليه يبقى حراً طليقاً لكي يتسنى له البحث بنفسه عن أدلة تنفي التهمة عنه ويقدمها للقاضي(5). كما يقوم المدعي بالعمل ذاته أي جمع الأدلة. عموماً فأن خصائص هذا النظام تتلخص بما يلي :
أولاً : شفوية المحاكمة: إذ تجري المحاكمة بصورة علنية وشفوية حتى عند تقديم الأدلة لضمان حيادية القاضي.
ثانياً : يقع عبء الاثبات على الخصوم أنفسهم، ولكل من يتضرر من الجريمة من المواطنين، ولا تتدخل السلطة العامة في الاتهام ولا في جمع الأدلة لإثبات التهمة.
ثالثاً : يتم الفصل بواسطة قاضي تختاره الخصوم ويقتصر دوره على الموازنة بين الأدلة(6). وتتصف الحقيقة في هذا النظام بأنها حقيقة نسبية تتعلق بمقدرة كل من الخصوم بإثبات دعواه وقدراتهم الخاصة في ذلك.
ويتميز هذا النظام بأنه يعطي للفرد أهمية كبيرة ويتيح له فرصة المساهمة في الشؤون العامة وبالتالي فإن هذا النظام يلائم النظم السياسية الديمقراطية(7).
وينتقد هذا النظام من عدة نقاط هي(8):
أولاً : أنه يترك عبء الإثبات على المجني عليه كلياً والذي قد لا يتمكن من القيام به، فضلاً عما تمثله عملية جمع الأدلة من مهام فنية بحتة، وبالتالي ليس من الحكمة تركها بين الأفراد، ولما يؤديه إلى هروب كثير من المجرمين من العقاب.
ثانياً : إن سلبية القاضي ودوره المقيد المرسوم مسبقاً قد تؤدي إلى ضياع الحقيقة خاصة وإن القاضي يختاره الخصوم أنفسهم.
ثالثاً : علنية الإجراءات في غير مصلحة التحقيق الذي يفضل في إجراءاته السرية والحذر.
رابعاً : إن المساواة بين الخصوم ليس على سبيل احترام الحقوق الشخصية، وإنما من تصور خاطئ أن النزاع بين الخصمين متساويان، وبالتالي فهو شبيه بالمدني، وهنا فيه تجاهل للاختلاف الكبير بين الدعوى المدنية والجزائية سواء من حيث سبب الخصومة ومحلها او من حيث طبيعتها.
وعلى الرغم من كل ذلك فلا زال بعض الفقهاء يعده نظاماً ينظر الى الحقوق الجنائية على أساس أنها نزاع يفصل فيه القاضي بين طرفين لكل منهما مصلحة متعارضة(9). وبالتالي فإن القاضي في هذا النظام لا يعدو عن كونه حكماً بين خصمين متساويين في القوة كل حسب ما يؤيد ادعاءه وهذا يضفي على الخصومة الجنائية تلك المسحة المدنية من خلال سلبية القاضي وتساوي الخصوم فيما بينهم(10) مع شفوية المرافعات فيه.
ويتصف هذا النظام بكونه يمثل أكثر ما يمكن أن نحمي به حق المتهم في محاكمة عادلة كونه يمكننا من عرض أدلة براءته ومناقشة الشهود والمدعي بشكل كامل، إلا أنه يسحب من حق المجتمع قدرته على تقديم الادعاء بحصره بشخص المجني عليه تحت مفهوم الاتهام الفردي وليس الجماعي.
في إطار البحث بهذا النظام نأتي إلى الغاية التي درج من أجلها هذا الموضوع ضمن تشكيل هذا الفصل وهي تحت مثل هكذا ميزات وعناصر يتصف بها هذا النظام وبعد تحليليها والخروج منها بماهية دور القاضي فيها والتي لا تخرج عن كونه حكما ذا نزعة سلبية تجاه النزاع، أي انه يمثل مطلق صورة الحياد التام في النزاع وعدم التدخل في ما يعرضه الادعاء من اتهام وبالتالي فإننا أذن بصدد تطبيق مطلق لقاعدة تقييد المحكمة بنطاق الدعوى الجزائية الشخصي والعيني .
أن هذا النظام لا يزال منتشراً في البلدان التي تبنت النهج الانكلوسكسوني(11). وهنا تظهر الرابطة حيث تظهر قاعدة تقييد المحكمة وجوداً وعدماً مع النظام الاتهامي كونه يقف على الأسس ذات والمصادر المنطقية والقانونية الفقهية للقاعدة موضوع البحث، أي أننا وبالعودة إلى ما تقدم شرحه نجد أن الدورة الفلسفية تتكامل هنا بتحليل النظام الاتهامي ينتج سلبية دور القاضي وتقييده وبالتالي أذن هي مضمون قاعدة تقييد المحكمة بنطاق الدعوى الجزائية، ضمن نظام اختفى فيه دور القاضي، وأيضاً اختفت فيه مرحلة التحقيق التي تعكس الدور الإيجابي للقاضي إن وجدت، ومع اختفاء جهة الادعاء العام تتكامل صورة تطبيق قاعدة تقييد المحكمة بنطاق الدعوى الجزائية.
وبالنظر لمحاباة الفرد في هذا النظام على حساب المجتمع فقد انتقد هذا النظام بشدة إلا أن سمات هذا النظام وبتأثير الانتقادات الموجهه إليه قد ترك العمل به في العديد من الأنظمة القانونية وحتى الأنظمة الإنكليزية أخذت تعالج مواطن الضعف في هذا النظام كاختيار الخصوم للقاضي فاستعاض عنه بتعيين الدولة للقضاة المؤهلين للقضاء، وكذلك حالة علنية إجراء التحقيق بأن سمحت الحكومة البريطانية لمسؤولي التحقيق بالقيام بإجراءات التحقيق وجمع الأدلة بسرية تامة وعند ثبوت الأدلة تعرض للمناقشة(12). ومع ثبوت تطبيق نطاق قاعدة التقيد بنطاق الدعوى موضوع البحث في هذا النظام إلا أنه استوجب ظهوره في بداية نشوء المجتمع حينما كان ضرر الجريمة وعلى ما هو معتقد لا يمس إلا المضرور منه دون المجتمع ولم يكن هنا تبلور كافي للأفكار القانونية وبالتالي لم يعد مستساغ في الوقت الحاضر، بل حتى في ذلك الوقت مما أدى بالضرورة الى أن تتطور نظم الاتهام.
الفرع الثاني
نظام التحري والتنقيب
وتجاه النقد الموجه إلى النظام الاتهامي، ومع تنامي دور الدولة في تسيير فعاليات المجتمع أصبح ينظر إلى الجريمة كونها خطراً وضرراً موجهاً إلى المجتمع بشكل عام، وبالتالي فإن مهمة الادعاء لم تعد محصورة بشخص المضرور، وإنما أوكلت أيضاً إلى جهة الدولة التي لم يعد دورها الممثل بالقاضي أيضاً محصوراً فقط بالحكم لما يعرض في النزاع بل البحث والتحري عن الحقيقة لهذا سمي هذا النظام بنظام البحث والتحري أيضاً(13).
وعلى العكس من سابقه أصبح للقاضي في هذا النظام الدور المركزي في تسيير النزاع الجنائي، فسلطته تمتد من لحظة الاتهام مروراً بإشرافه على سير التحقيق ومراحل جمع الأدلة انتهاءً بلحظة تقييمها استعداداً للحكم، مكرساً بذلك لمبدأ ظم السلطات معدماً الفصل بين سلطة الاتهام عن التحقيق عن المحاكمة، مع الانتباه الى أن هذه الإجراءات ما كانت إلا على حساب حقوق المتهم في إثبات براءته كون هذا النظام قد أبيحت فيه فكرة الحصول على الدليل بكل الطرق للوصول إلى الغاية المنشودة، كما كان على حساب المضرور أيضاً حين لم يكن له حق إقامة الدعوى بنفسه (14). ومع ذلك فقد كان في هذا النظام بعض النقاط الإيجابية كتحديد القانون للقاضي أدلته بما يسمى نظام الأدلة القانونية مترافقة مع وجود ثغرة هناك تسمى بنظام الاتهام القضائي الذي يقوم فيه القاضي بمهمة الادعاء والحكم من تلقاء نفسه إذا علم بأي جريمة بشكل شخصي(15).
ويمكن تلخيص المبادئ التي يقوم عليها هذا النظام بما يلي:
أولاً : أنشئت بموجب هذا النظام هيئة رسمية تمثل الدولة هي التي تتولى إدارة جميع إجراءات التحقيق، بمعنى أن الدعوى لم تعد ملكاً للمجني عليه ولا لغيره من الخصوم بل ملكاً للدولة(16).
ثانياً : يهدف هذا النظام إلى كشف الحقيقة بأي ثمن ودون التعلق بما يطلبه الخصوم.
ثالثاً : الإجراءات في هذا النظام سرية بشكل كامل، وبالتالي ظهور مبدأ تدوين التحقيق لمواجهة المتهم بالأدلة القائمة، ولكي تقدم فيما بعد إلى القضاء.
رابعاً : تفعيل دور القاضي في هذا النظام من حيث سلطاته في مواجهة الخصوم ومراجعته للتحقيق الابتدائي حتى حريته في إصدار الأحكام لا يقيده إلا أعمال نظام الأدلة القانونية.
خامساً: يعطي هذا النظام للاعتراف أهمية كبيرة كونه الدليل الحاسم في الدعوى، وقد سمح القانون بكل السبل للحصول عليه حتى ولو بتعذيب المتهم.
ومع كل هذه المزايا التي يتمتع بها النظام إلا أنه يؤاخذ عليه ما يلي:
أولاً : تتحقق المزايا التي يتصف بها هذا النظام على حساب المتهم، من عدم مراعاة لقرينة البراءة ، وعدم المساواة بين الادعاء العام وما يدعيه والمتهم وحقه في الدفاع عن نفسه، زادتها سرية الإجراءات، وبالتالي عدم مناقشتها من قبل المتهم ومن ثم صدور الأحكام المعيبة(17).
ثانياً : وفي مجال حرية القاضي في إصدار أحكام فهي وإن صدرت دون تقييد من أطراف النزاع إلا أن حرية القاضي كانت تحدد بمبدأ الأدلة القانونية(18). وبالتالي تقيد قناعاته الوجدانية، بمعنى أن الأحكام كانت تصدر تطبيقاً لما يرسمه القانون من أدلة معينة تستمد من حيثيات الدعوى التي هي أساسا تكون بشكل سري لم تتح للمتهم فرصة الاطلاع عليها أو مناقشتها.
وبعد تقدير هذا النظام وعرض مزاياه وعيوبه و بتحليل هذا النظام ومعرفة عناصره نرى وبوضوح أن المبالغة في منح السلطات قد أخذ مأخذه من القضاة في أدائهم لمهامهم وبصورة جلية بحيث اصبح القاضي هو المحور لكل الإجراءات وضعف بذلك العديد من المبادئ من مبدأ فصل السلطات حتى قاعدة تقييد المحكمة بنطاق الدعوى الجزائية .
أن العلاقة هي أقرب إلى العكسية في هذا النظام بينه وبين مجال تطبيق القاعدة موضوع البحث، فكلما اتجه نظام الاتهام إلى طابع التحري والتنقيب كلما ضيق المجال لتطبيق قاعدة التقييد، فهي تقوم أساساً على تقييد القاضي وتحديد سلطته ونظام التحري والتنقيب يطلق يد القاضي بعيداً في مجال النزاع المعروض والمثال واضح عن هذه العلاقة ، فكما رأينا سابقاً في النظام الكنسي قد تبنى هذا النظام وكرسه مما واكب مع ذلك إهدار للقاعدة الخاصة بتقيد الدعوى الجنائية بشكل واضح . ومن ثم ضياع معالم نطاق الدعوى. مكرسين لصفات هذا النظام من سرية في الإجراءات مع تدوينها وغيبوبيتها بالنسبة للمتهم أو الخصوم(19).
الفرع الثالث
النظام المختلط
ونتيجة للانتقادات الموجهة إلى النظامين السابقين، ولما فرضه التطور على المجتمعات، وبروز فكرة رعاية حقوق الأفراد ضمن كيان مجتمع آمن من أخطار الجريمة ظهر نظام جديد ضمن نظم الاتهام هو أحدثها منشئاً حيث برز هذا النظام وانتهج منهج توسط فيه بين النظام الاتهامي أخذاً منه حمايته لحقوق الأفراد مدعين أم متهمين، وبين النظام التنقيبي أخذ من حمايته للمجتمع وإعطائه الدور الإيجابي للقاضي مع عدم الالتزام بتقييم محدد سلفاً لما يعرض عليه بل إعطاؤه حيز القناعة الذاتية أو مبدأ الإقناع الذاتي في تقدير كلٍ من الأدلة والعقوبة المقررة عليها(20).
أما فيما يتعلق بالكيفية التي وُصف بها هذا النظام بالمختلط فهي كونه قسم الإجراءات الجنائية إلى مرحلتين هما : مرحلة التحقيق لما تحتويه من إجراءات التحريات والتحقيقات الابتدائية، والتي يغلب عليها طابع النظام التنقيبي فبالنسبة للاتهام أصبح للادعاء العام الحق في إقامة الشكوى حصراً مع إعطاء الفرد حق إقامة الشكوى في بعض الجرائم دون الأخرى(21). وظهر في هذا النظام مبدأ الفصل الواضح بين الوظائف القضائية وخصوصاً سلطة الاتهام عن سلطة الحكم، أما المرحلة الثانية : فهي مرحلة المحاكمة التي يغلب عليها طابع النظام الاتهامي بما يحتويه من عناصر، مع إعطاء القاضي دوره الكامل في البحث عن الحقيقة، وتكوين قناعاته الذاتية دون تقييد سابق بأدلة معينة أو قانونية(22). وتظهر فيها صفات النظام الاتهامي من علنية المرافعات وشفويتها.
فقد جمع هذا النظام محاسن النظامين السابقين من موازنة لمصلحتين فيه، مصلحة المتهم في إثبات البراءة وإعطاءه الحق في الدفاع عن نفسه بكل ما يستوجبه من مبدأ شفوية المرافعة وعلنيتها مع الأخذ بنظر الاعتبار كون بعض إجراءات التحقيق سرية الطابع للوصول إلى الحقيقةة كما وازن بين مصلحة المجتمع في معاقبة المتهم وحماية أمنه في تفعيل دور البحث عن الحقيقة وتقوية دور القاضي.
وعلى العموم فإن نجاح هذا النظام بالمزاوجة بين مزايا النظامين السابقين جعله من أكثر الأنظمة المطبقة حالياً في أغلب الأنظمة الإجرائية الجزائية، كما هو عليه الحال في قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي وقانون الإجراءات الجنائية المصري وقانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني والسوري.
ومن خلال استقرائنا حقيقة هذا النظام والعناصر التي يقوم عليها فضلاً معرفة خصائصه يتبين لنا أن هذا النظام قد عرف مبدأ التقييد بنطاق الدعوى الجزائية الشخصي والعيني عندما عرف مبدأ الفصل بين سلطة الاتهام عن سلطة الحكم، كما عرف مبدأ حياد القاضي بين الخصوم ، وبالتالي ظهور معالم نطاق الدعوى الجزائية .
إلا أننا نرى أن تطبيق المبدأ لم يكن مطلقاً بحسب أوصافه الأصلية الموجودة أساساً في النظام الاتهامي فهو أخذ منه بعض صفاته وليس جميعها وأهمها سلبية دور القاضي حيث تحول القاضي فيه إلى دوره الإيجابي .
وعليه فإن النظام المختلط والمطبق حالياً في أغلب الدول التي اتبعت القانون الفرنسي في النهج(23)، الإجرائي لم يكن ليطبق مبدأ تقييد الدعوى بشكل كامل، لكنه أقام نظامه عن الكثير من المسوغات التي تدعونا الى القول بأن هذا النظام قد عرف نظام تقييد المحكمة بنطاق الدعوى الجزائية بمعرفة مرتكزاته الفقهية بشكل أو بآخر، وإن لم يكن بالصورة المطلقة التي تظهر في النظم الأنكلوسكسونية.
يتبين لنا وبشكل واضح ان سمات النظام الاتهامي بما يحتويه من فصل كبير للسلطة التي تقوم بالاتهام عن تلك التي تحكم فضلاً عن حياد القاضي التام فيه تمهد الطريق للقول بأن مجال التطبيق لمبدأ تقييد الدعوى واضح بشكل كبير في هذا النظام وهذا ما استقر عليه قولنا في النظم الأنكلوسكسونية.(24) أما بخصوص النظام التنقيبي فهو يُعمل في مجال تطبيقه التقيد بنطاق الدعوى بما يحتويه من عناصر وسمات لا يمكن بأي حال من الأحوال تطبيقها مع المحافظة على ذاتية واستقلالية وجود قاعدة التقيد بفاعلية دور القاضي فيه وامتداد سلطته إلى أبعد الحدود.أما ما هو عليه الحال في النظام المختلط يمكن القول بأن قاعدة التقيد بنطاق الدعوى موجوده هناك ومطبقة، ولكن لا يمكن مقارنته بما هو عليه في النظام الاتهامي. حيث ترد عليها بعض الاستثناءات التي تقلل من جدية تطبيقها .
وتجدر الإشارة إلى أن اختلاف هذه النظم من دولة إلى أخرى ليس فقط مصدره اختلاف تطور أنظمتها الداخلية فقط وتطور نظامها القانوني، بل مرده إلى عوامل عدة تاريخية وسياسية قد تعطي الدولة مسوّغاً للأخذ بنظام وترك الآخر، بما يتلاءم ومتطلبات المجتمعات فيها وهنا يرتبط التقيد بنطاق الدعوى ارتباطاً وثيقاً بتلك التأثيرات السياسية والاجتماعية ارتباطاً يتبع ارتباط مضمار تطبيقها وهو النظام الخاص بالاتهام.
بمعنى أن كل فكرة فلسفية سوّغت القاعدة موضوع البحث أو حاولت ذلك كانت ترتبط بنوع النظام القانوني الداعم لها، وبالتالي فإن نطاق القاعدة ذاتها يتأثر من حيث نظامها وسعتها حسب النظام القانوني المعمول به إجرائياً.
_________________
1- ينظر : . عبد الفتاح مصطفى الصيفي ، في تأصيل الإجراءات الجنائية ، منشأة المعارف، الإسكندرية ، 2004 ، ص66.
2- ينظر : د. إبراهيم حامد طنطاوي ، التحقيق الجنائي من الناحيتين النظرية والعملية، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2000، ص50.
3- ربط الكثير من الفقهاء تطور النظم الإجرائية الخاصة بالاتهام بتطور حق الدولة في العقاب الذي أثر بشكل مباشر على جميع القواعد الإجرائية في القانون الجنائي بل على علاقة السلطات القضائية في ما بينها وفي مجال الادعاء المباشر أيضاً. للتفصيل يراجع: د. عبد الفتاح مصطفى الصيفي، تأصيل الإجراءات الجنائية ، المرجع السابق ، ص65، ويراجع أيضاً لنفس المؤلف: حق الدولة في العقاب ، ط2 ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1985 ، ص206.
4- ينظر : د. عبد الفتاح مصطفى الصيفي: تأصيل الإجراءات الجنائية، المرجع السابق، ص66.
5- ينظر : د. فوزية عبد الستار ، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني ، دار النهضة العربية ، بيروت ، 1975 ، ص55.
6- يتشابه هذا الدور بشكل كبير مع الدور الذي يضطلع به القاضي المدني، ولا زالت بعض الدول تأخذ بمثل هذه الأنظمة مثل إنكلترا والولايات المتحدة الأمريكية.
7- ينظر : فوزية عبد الستار ، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني ، دار النهضة العربية ، بيروت ، 1975 ، ص56 .
8- ينظر : د. محمد سعيد نمور ، أصول الإجراءات الجنائية ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 2005 ، ص19 .
9- ينظر : د. آمال عبد الرحيم عثمان ، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، القاهرة ، 1988 ، ص41.
10- ينظر : د. مأمون محمد سلامة ، الإجراءات الجنائية في التشريع المصري، ، ج1، ص13. د. عبد المنعم عبد الرحيم العوضي ، قاعدة تقييد المحكمة الجنائية بالاتهام ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1973 ، ص29-36 ، محمد ظاهر معروف ، المبادئ الأولية في أصول الإجراءات الجنائية ، ج1 ، دار الطبع والنشر الأهلية ، بغداد ، 1972 ، ص8 .
11- ومن التشريعات العربية التي أخذت بهذا النظام قانون التحقيق الجنائي السوداني الذي أشارت إليه د . فوزية عبد الستار: مرجع سابق، ص57.
12- ينظر : د . عبد الفتاح مصطفى الصيفي : تأصيل الإجراءات الجنائية، المرجع السابق ، ص29.
13- ينظر : د. حسن صادق المرصفاوي ، المرصفاوي في أصول الإجراءات الجنائية ، مشأة المعارف ، الإسكندرية ، 1996، ص14.
14- ينظر : جواد الرهيمي ، أحكام البطلان في قانون أصول المحاكمات الجزائية ، بغداد ، 2003 ، ص12.
15- ينظر: د. عبد الفتاح مصطفى الصيفي: تأصيل الإجراءات الجنائية، المرجع السابق، ص71.
16- ينظر: د. محمد سعيد نمور ، أصول الإجراءات الجنائية ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 2005 ،ص23.
17- ينظر: د. محمد سعيد نمور: المرجع السابق، ص24.
18- يقصد بنظام الأدلة القانونية أنه ليس للقاضي أن يدين متهماً إلا إذا توافرت أدلة معينة يحددها القانون سلفاً ويرسم إجراءات معينة للحصول عليها، ينظر: د. محمد سعيد نمور: المرجع السابق، ص23.
19- ينظر : د. حسن الجوخدار، شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، ط2، دار الثقافة، عمان،1997، ص42.
20- ينظر : د. محمد سعيد نمور، المرجع السابق، ص24.
21- ينظر : د. حسن صادق المرصفاوي، المرجع السابق، ص14.
22- ينظر : د. آمال عبد الرحيم عثمان ، شرح قانون الإجراءات الجنائية ، القاهرة ، 1988 ، ص46.
23- يعود الفضل إلى قانون تحقيق الجنايات الفرنسي الصادر في 1808 بالأخذ لأول مرة بهذا النظام ومنه أخذت جميع التشريعات المتبقية هذا المسلك، للتفصيل يراجع: د. حسن صادق المرصفاوي، المرجع السابق، ص14. د. فوزية عبد الستار ، المرجع السابق، ص61
24- ولمزيد من التفصيل ينظر : د. عبد المنعم عبد الرحيم العوضي ، المرجع السابق، ص15-65.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|