أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-05-2015
9816
التاريخ: 16-10-2014
2996
التاريخ: 5-5-2017
3564
التاريخ: 10-3-2016
10822
|
ان اغلب العلوم تتركب من شق نظري وشق تطبيقي. ويتمثل ذلك في العلوم الإسلامية جليا في الفقه الإسلامي الذي يمثل الجانب التطبيقي، حيث واكبه علم أصول الفقه الذي يمثل الجانب النظري. وكذا الامر في علم الحديث، حيث يمثل علم الرواية الجانب التطبيقي الذي يهتم بالرواية وهو المتعلق بالنصوص الحديثية من حيث التحمل والأداء، ويتكفل علم الدراية او أصول الحديث الجانب النظري، حتى قيل ان (كل المحاولات التي ارادت العبث بالسنة باءت بالفشل)(1) لما أحاط بالسنة من علم الدراية لتشخيص المعتبر من غيره، (وكذلك الفقه له اصوله التي تضبط عملية الاستنباط والتشريع، لكن التفسير بقي بلا أصول ولا قواعد تضبط وتحكم العملية التفسيرية، حتى ان البعض نزع عنه صفة العلمية، وقال انه لم يرتق بعد الى مستوى العلم، بمعنى انه يفتقر الى الجانب التنظيري التأطيري)(2)، الا ان علم التفسير لم تتبلور له أسس نظرية تمثل الجانب النظري بالمعنى الذي يفهم من أصول الفقه في علاقته بالفقه مثلا، حتى قال الطوفي (ت 716 هـ): (لم يزل يتلجلج في صدري اشكال علم التفسير وما اطبق عليه أصحاب التفاسير، ولم اجد أحدا منهم كشفه في ما الفه ولا نحاه في ما نحاه، فتقاضتني النفس الطالبة للتحقيق الناكبة عن جمر الطريق لوضع قانون يعول عليه ويصار في هذا الفن اليه)(3)، فعلى الرغم من كثافة الجهود التي بذلت في دراسة كتاب الله تعالى بكل ما يشتمل من الجوانب العلمية والتاريخية واللغوية والبلاغية والبيانية والأدبية والفلسفية وغيرها، على نطاق واسع جدا، (حتى لمكن القول انه لا يوجد كتاب على وجه الأرض درس كما درس النص القرآني، بل عدت دراسات كثيرة من أوجه الترف العلمي)(4)، فهناك الكثير من العلوم التي نشات على أساس فهم كتاب الله تعالى وخدمته، فيجد المتتبع للعلوم الإسلامية ان كل كاتب يجعل له صلة بالقرآن الكريم، واسهاما في فهم النص القرآني، او الاستشهاد به، فللنص القرآني في تراث الامة الفكري حضور واضح لا غبار عليه، اذ لا يكاد يخلو بحث إسلامي من النص القرآني او مضمونه، وذلك لتأصيل مفاهيم كل فرقة او مذهب او راي، في إقامة الحجة للتعذير او التنجيز، ولعل ذلك مما اسهم في كثير من الاختلاف في الاتجاهات التفسيرية، وهذا من اهم مسوغات الحاجة الى البحث عن أسس منهجية للتفسير، الهدف منه تحصين تفسير القرآن الكريم عما يمكن تصوره من التأثيرات المذهبية او الجهوية او الضعف الادائي للمفسر، لتقويم المجال التطبيقي في التفسير. فان المجال التطبيقي الذي هو التفسير، اذا رافقته أسس نظرية تضبط التفسير وتؤصل له، قل احتمال تأثير الميول والآراء، وقطع الطريق امام غير اهل هذا العلم للوغول فيه.
ولدى البحث البلغرافي للمصنفات التي تعنى بالقرآن يلحظ ان ما يؤسس للتفسير اقل ورودا من غيره بكثير، فبالعودة الى المعاجم التي احصت مجمل الدراسات القرآنية المطبوعة منها والمخطوطة يظهر افتقار المكتبة الإسلامية عموما والتفسيرية على وجه التحديد، الى مصنفات تعنى بالنظرية التفسيرية التي تتولى تأسيس المنهجية، في حيث ذكرت آلاف الكتب في المجالات القرآنية الاخر(5)، فقد ذكرت الدكتورة ابتسام مرهون الصفار(6)، في كتابها (معجم الدراسات القرآنية) نحو أربعة آلاف عنوان كتاب ورسالة ومقالة في مجال الدراسات القرآنية لمختلف العصور ابتداء من صدر الإسلام وحتى القرن الخامس عشر الهجري.
وهذا يعني الافتقار الى مدونات ناضجة تعنى بعلم الأسس على نحو علم أصول الفقه بالنسبة الى علم الفقه، بالرغم من كثرة المباحث المتناثرة التي المعت الى بعض تلك الأسس، فما زالت الحاجة قائمة الى جهود كبيرة وكثيرة لبيان مباحث هذا العلم والتعريف به وبلورته، وهي التي دعت الى البحث عن فرضية مفادها ان أسس التفسير علم مستقل لابد من وجوده الى جانب علم التفسير. وهذا ما يرجو البحث ان يسهم فيه بجمع جملة من لبناته الأولى، حيث ان ما تناثر من مفردات للأسس او ما كتب فيه بعنوان القواعد او الأصول وان كان لا يمكن تجاهله واغفاله، الا انه لم يكن بذلك الوضوح والنضوج بحيث ينهض بتلك المفردات الى تأسيس علم مستقل بذاته، فقد اشتملت المصنفات التفسيرية او تلك التي تتعلق بالمباحث القرآنية ما يمكن اعتباره تمهيدا لهذا العلم بيد ان بعض مصنفيها لم ينظروا الى تلك المسائل على انها علم له حدوده وكيانه الخاص، كما يظهر من الزركشي (ت 749 هـ) في البرهان، والسيوطي (ت 911 هـ) في الاتقان، وغيرهما، كما ان بعض العلماء والباحثين(7) وان استشعروا الحاجة الى هذه الأسس لكن تأصيلاتهم لها لم تنضو تحت ضابطة كلية يمكن ان تندرج تحتها مسائل هذا العلم.
فهناك مصنفات عديدة مستقلة لكثير من المؤلفين، جاءت على ذكر القواعد او الأصول مما يعني الأسس التفسيرية، ذكر الكثير منها واغفل ذكر خريتها الذي يعد هو الأول في التدوين فيها على وفق المعايير الموضوعية، حيث لم يشر اليه من جاء بعده بالرغم من وضوح استقائهم منه، وكذا اعرض عن ذكره او جهله الباحثون الذين حاولوا الكتابة في هذه الأسس. والذي يرمي اليه البحث هو الراغب الاصفهاني (ت 502 هـ) في كتابه (النكات القرآنية) الذي حاز قصب السبق، اذ انتظم جملة وافرة من مبادئ هذه الأسس، وقد بنى عليها الكثير من القواعد المعززة بالشواهد في تفسيره، مطبقا كلياتها على جزئيات عمله كمفسر(8).
كما وان هناك مصنفات غير مستقلة انتظمت فيها جملة من تلك المسائل، وهذا ما يشير اليه البحث تحت عنوان: المسار التاريخي للتأسيس المنهجي لتفسير النص القرآني.
ــــــــــــــــــــــــــ
1) عمر بن حماد – اشكال علم أصول التفسير: 4.
2) المصدر نفسه.
3) الاكسير في قواعد التفسير: 9.
4) عمر بن حماد – الحاجة الى علم أصول التفسير: 1.
5) ينظر: عبد الجبار الرفاعي – معجم الدراسات القرآنية، واسحاق شواخ – معجم مصنفات القرآن الكريم.
6) أستاذة جامعية، ولدت في النجف (1359 هـ) دكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة القاهرة.
7) سياتي البحث على جملة منهم في الفصل الأول (مما كتب في تأسيس قواعد التفسير).
8) ينظر: الراغب الاصفهاني – مقدمة جامع التفاسير – مقدمة المحقق-: 13.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|