أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-3-2018
1367
التاريخ: 30-07-2015
1410
التاريخ: 9-08-2015
1299
التاريخ: 7-08-2015
2712
|
إعلم أن فضائل أمير المؤمنين مثل مثالب الثلاثة كثيرة جدا...ومن [فضائله عليه السلام] :
قوله تعالى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: 8 - 12] نزولها في أهل البيت ( عليهم السلام ) أشهر من أن يحتاج إلى تفصيل النقل ، فنكتفي بما في الكشاف .
قال الزمخشري : وعن ابن عباس أن الحسن والحسين مرضا ، فعادهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك ، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن برءا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام ، فشفيا وما معهم شئ ، فاستقرض علي من شمعون اليهودي ثلاثة أصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص على عددهم ، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا ، فوقف عليهم سائل فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة ، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما .
فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم ، وقف عليهم يتيم ، فآثروه ، ووقف عليهم أسير في الثالثة ، ففعلوا مثل ذلك ، فلما أصبحوا أخذ علي ( رضي الله عنه ) بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ، قال : ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم ، وقام فانطلق معهم ، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها ، وغارت عيناها ، فساءه ذلك ، فنزل جبرئيل وقال : خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك ، فأقرأه السورة .
فإن قلت : ما معنى ذكر الحرير مع الجنة ؟
قلت : المعنى وجزاهم بصبرهم على الايثار وما يؤدي إليه من الجوع والعرى بستانا فيه مأكل هني ، وحرير فيه ملبس بهي (1) .
أتظن أن من نزل في شأنه مثل هذا المدح في القرآن يمتنع عن بيعة السابقين ما أمكن الامتناع ؟ ويشكو عنهم بعد انتقالهم إلى دار الجزاء ، كما ظهر لك مما نقلته لو كانوا محقين في أمرهم .
ومنها : ما روى ابن الأثير في فضائل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) من صحيح الترمذي، عن أنس بن مالك ، قال : بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم الاثنين ، وصلى علي يوم الثلاثاء (2) .
ومن صحيح الترمذي ، عن ابن عباس ، قال : أول من صلى علي .
وعن زيد بن أرقم قال : أول من أسلم علي (3) .
قال ابن الأثير في الركن الثالث من كتاب النبوة : فلما حضرته - يعني : عبد المطلب - الوفاة أوصى به وله ثمانون أو أقل أو أكثر أبا طالب عمه ، فأحسن تربيته ، إلى أن قال : واستجاب لدعوته علي بن أبي طالب ، وزيد بن حارثة ، وأبو بكر ، وعثمان بن عفان ، وسعد بن أبي وقاص ومن بعدهم ، وخديجة أول الناس إسلاما ، وعلي تلاها في الإسلام عند الأكثرين ، فعاداه المشركون ، وهموا بقتله ، فأجاره أبو طالب (4) انتهى .
قوله " عند الأكثرين " قاطع على تقدير إسلام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وإلا لم يقل أحد منهم لانتفاء دواعي وضع المنقبة بالنسبة إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كما ظهر لك سابقا.
ومن صحيح الترمذي ، عن عبد الله بن عمر ، قال : لما آخى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين أصحابه جاء علي تدمع عيناه ، فقال له : يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد ، قال : فسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : أنت أخي في الدنيا والآخرة (5) .
ومن صحيح مسلم والترمذي ، عن سعد بن أبي وقاص : أن معاوية بن أبي سفيان أمر سعدا ، فقال له : ما يمنعك أن تسب أبا تراب ؟ فقال : أما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلن أسبه ، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول له وخلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان . . . مثل ما تقدم لسعد ، لكن هنا إلا أنه لا نبوة بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فتطاولنا ، فقال : ادعوا لي عليا ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ، ولما نزلت هذه الآية {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} [آل عمران: 61] دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي (6).
وقوله في هذه الرواية " مثل ما تقدم لسعد " إشارة إلى ما روى ابن الأثير من صحيح البخاري ومسلم والترمذي ، عن سعد بن أبي وقاص ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خلف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك ، فقال : يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان ؟ فقال : أما ترضى أن تكون بمنزلة هارون من موسى ، غير أنه لا نبي بعدي .
وفي رواية مثله ولم يقل فيه " غير أنه لا نبي بعدي " . قال ابن المسيب : أخبرني بهذا عامر بن سعد عن أبيه ، فأحببت أن أشافه سعدا ، فلقيته فقلت : أنت سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فوضع إصبعيه على أذنيه ، فقال : نعم وإلا فاستكتا (7) .
ومن صحيح الترمذي ، عن أنس ، قال : كان عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) طير ، فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ، فجاء علي فأكل معه (8) .
أقول : روى ابن البطريق ( رحمه الله ) في العمدة [ ص 242 ] من مسند ابن حنبل ، بإسناده عن سفينة مولى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) طيرين بين رغيفين ، فقدمت إليه الطيرين ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك ، فجاء علي فرفع صوته ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من هذا ؟ قلت : علي ، قال : فافتح له ، ففتحت له ، فأكل مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الطيرين حتى فنيا .
وروى من مناقب الفقيه ابن المغازلي الشافعي ، بإسناده عن أنس بن مالك ، قال : أهدي إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) نحامة مشوية ، فقال : اللهم ابعث إلي أحب خلقك إليك وإلى نبيك يأكل معنا من هذه المائدة ، قال : فأتى علي ، فقال : يا أنس استأذن لي على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقلت :
النبي مشغول ، فرجع علي ولم يلبث ثم جاء ، فقال : ارجع استأذن لي على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقلت : النبي عنك مشغول ، فرجع علي ولم يلبث ثم جاء علي ، فهممت أن أقول مثل قولي الأول والثاني ، فسمع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من داخل الحجرة كلام علي ، فقال : ادخل يا أبا الحسن ما أبطأك عني ؟ قال : قد جئت يا رسول الله مرتين وهذه الثالثة ، كل ذلك يردني أنس يقول : إن النبي عنك مشغول ، فقال : يا أنس ما حملك على هذا ؟ فقلت : يا رسول الله سمعت الدعوة فأحببت أن يكون رجلا من قومي ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله): كل يحب قومه يا أنس .
وروى عن ابن المغازلي روايات كثيرة جدا عن أنس خبر الطائر . المناقب لابن المغزلي ص 156 - 175 .
وروى من الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري ، بإسناده عن أنس خبر الطائر أيضا .
أقول : مع ظهور خبر الطائر في مقتضاه مجيئه ( عليه السلام ) بعد رد أنس مرتين ، وقول
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) " ما أبطأك عني " يؤكدانه ، فهل يجوز العاقل أن يترك أحب خلق الله تعالى البيعة الواجبة ما أمكن ؟ ويشكو عن السابق والتابعين ، وينسب الظلم إليهم بعد انتقالهم إلى دار الجزاء لو احتمل صدقهم ، أو يجوز عدم الامتناع والنسبة مع الروايات المتظافرة المقرونة بأمارات الصدق الدالة عليهما ، ومن يضلل الله فما له من هاد " منه " .
ومن صحيح البخاري ومسلم ، عن سلمة بن الأكوع ، قال : كان علي قد تخلف عن النبي (صلى الله عليه وآله) في خيبر وكان رمدا ، فقال : أنا أتخلف عن رسول الله ؟ فخرج علي فلحق بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله في صباحها قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لأعطين الراية - أو ليأخذن الراية - غدا رجل يحبه الله ورسوله - أو قال : يحب الله ورسوله - يفتح الله عليه ، فإذا نحن بعلي وما نرجوه ، فقالوا : هذا علي ، فأعطاه الراية ، ففتح الله عليه (9) .
ومن صحيح البخاري ومسلم ، عن سهل بن سعد ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال يوم خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كلهم يرجو أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ قيل : هو يا رسول الله يشتكي عينيه ، قال : فأرسلوا إليه ، فأتي به ، فبصق في عينيه ودعا له ، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ، فقال : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال : أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله عز وجل فيهم ، فوالله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (10) .
ومن صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال يوم خيبر : لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، قال عمر بن الخطاب : ما أحببت الإمارة إلا يومئذ ، قال : فتساورت لها رجاء أن أدعى لها ، قال : فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب ، فأعطاه إياها ، وقال : امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ، قال : فسار علي شيئا ، ثم وقف ولم يلتفت فصرخ : يا رسول الله على ماذا أقاتل ؟ قال : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله (11) .
ومن صحيح الترمذي ، عن علي ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنا مدينة العلم وعلي بابها (12) .
ومن صحيح الترمذي ، عن ابن عباس ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمر بسد الأبواب إلا باب علي ( 13 ) .
ومن صحيح الترمذي ، عن جابر ، قال : دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليا يوم الطائف ، فانتجاه ، فقال الناس : لقد طال نجواه مع ابن عمه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما انتجيته ولكن الله انتجاه (14) .
ومن صحيح الترمذي ، عن أنس ، قال : بعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) ببراءة مع أبي بكر ، ثم دعاه فقال : لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي ، فدعا عليا فأعطاه إياه (15) .
ومن صحيح الترمذي ، عن حبشي بن جنادة ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : علي مني وأنا من علي ، لا يؤدي إلا أنا أو علي (16) .
ومن صحيح الترمذي ، عن ابن عباس ، قال : بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات، ثم أتبعه عليا ، فبينا أبو بكر ببعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) القصواء ، فقام أبو بكر فزعا يظن أنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فإذا هو علي ، فدفع إليه كتابا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأمر عليا أن ينادي بهؤلاء الكلمات - زاد رزين : فإنه لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي ، ثم اتفقا - فانطلقا فقام علي أيام التشريق ، فنادى : ذمة الله ورسوله بريئة من كل مشرك ، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ، ولا يحجن بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بعد اليوم عريان ، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ، قال : فكان علي ينادي بهؤلاء الكلمات ، فإذا عيي قام أبو بكر فنادى بها (17) .
ومن صحيح الترمذي ، عن أم عطية ، قالت : بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جيشا فيهم علي ، قالت : فسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : اللهم لا تمتني حتى تريني عليا (18) .
وفي رواية محمد بن كعب القرظي ، قال : افتخر طلحة بن شيبة بن عبد الدار ، وعباس بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، فقال طلحة : أنا صاحب البيت ومعي مفتاح البيت ، ولو أشاء بت فيه ، وقال عباس : وأنا صاحب السقاية ولو أشاء بت في المسجد ، وقال علي : ما أدري ما تقولان ، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد ، فأنزل الله تعالى {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [التوبة: 19] الآية .
وفي رواية قال : افتخر علي وعباس وشيبة ، فقال عباس : أنا أسقي حاج بيت الله ، وقال شيبة: أنا أعمر مسجد الله ، وقال علي : أنا هاجرت مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأنزل الله عز وجل هذه الآية (19) .
وروى ابن الأثير في كتاب القضاء من جامع الأصول ، من صحيح أبي داود والترمذي ، عن علي ( عليه السلام ) قال : بعثني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى اليمن قاضيا ، فقلت : يا رسول الله ترسلني وأنا حدث السن ولا علم لي بالقضاء ، فقال : إن الله سيهدي قلبك ، ويثبت لسانك ، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول ، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء ، قال : فما زلت قاضيا أو ما شككت في قضاء بعد (20) .
أقول : بعض الروايات المذكورة يمكن الاستدلال بها على الإمامة ، ولا حاجة إلى بيان كيفية الدلالة بعد ما سبق ، والغرض من ذكر الروايات الباقية الاطلاع على بعض فضائله ( عليه السلام ) .
حديث المناشدة :
روى صاحب حدائق الحقائق ( رحمه الله ) عن السيد النبيل علي بن طاووس ( رحمه الله ) من الطرائف ، قال : روى أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في كتابه ، وهو من أعيان أئمتهم ، ورواه أيضا المسمى عندهم صدر الأئمة أخطب خطباء خوارزم موفق بن أحمد المكي ثم الخوارزمي في كتاب الأربعين ، قال : عن الإمام الطبراني ، حدثنا سعيد الرازي ، قال : حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا زافر بن سليمان ، قال : حدثنا الحارث بن محمد ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، قال : كنت على الباب يوم الشورى ، فارتفعت الأصوات بينهم ، فسمعت عليا ( عليه السلام ) يقول : بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق به منه ، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع القوم كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف ، ثم بايع أبو بكر لعمر وأنا أولى بالأمر منه ، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا ، ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان إذن لا أسمع ولا أطيع .
وفي رواية أخرى رواها ابن مردويه أيضا ، وساق قول علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في مبايعتهم لأبي بكر وعمر ، كما ذكره في الرواية المتقدمة سواء ، إلا أنه قال في عثمان : ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان إذن لا أسمع ولا أطيع ، إن عمر جعلني في خمسة نفر أنا سادسهم لا يعرف لي فضلا في الصلاح ولا يعرفونه لي ، كأنما نحن شرع سواء ، وأيم الله لو أشاء أتكلم لتكلمت ، ثم لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم ولا المعاهد منكم ولا المشرك رد خصلة منها .
ثم قال : أنشدكم الله أيها الخمسة أمنكم أخو رسول الله غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد له عم مثل عمي حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم له أخ مثل أخي المزين بالجناحين يطير مع الملائكة في الجنة ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سيدة نساء هذه الأمة ؟ قالوا : لا ، قالوا : أمنكم أحد له سبطان مثل ولدي الحسن والحسين سبطي هذه الأمة ابني رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد قتل مشركي قريش غيري ؟ قالوا : لا [ قال: أمنكم أحد وحد الله قبلي ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد صلى إلى القبلتين غيري ؟ قالوا : لا، قال : أمنكم أحد أمر الله بمودته غيري ؟ قالوا : لا ] (21) .
قال : أمنكم أحد غسل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد سكن المسجد يمر فيه جنبا غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد ردت عليه الشمس بعد غروبها حتى صلى العصر غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قرب إليه الطير فأعجبه : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فجئت وأنا لا أعلم ما كان من قوله ، فدخلت فقال : وإلي يا رب وإلي يا رب غيري ؟ قالوا : لا ، قال: أمنكم أحد كان أقتل للمشركين عند كل شديدة تنزل برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غيري ؟ قالوا : لا .
قال : أمنكم أحد كان أعظم غناء عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مني حتى اضطجعت على فراشه ، ووقيته بنفسي ، وبذلت مهجتي غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد كان يأخذ الخمس غيري وغير زوجتي فاطمة ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد له سهم في الخاص وسهم العام غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد يطهره كتاب الله تعالى غيري ، حتى سد النبي (صلى الله عليه وآله) أبواب المهاجرين جميعا وفتح بابي إليه ، حتى قام إليه عماه حمزة والعباس وقالا: يا رسول الله سددت أبوابنا وفتحت باب علي ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما أنا فتحت بابه ولا سددت أبوابكم ، بل الله فتح بابه وسد أبوابكم ، قالوا : لا .
قال : أمنكم أحد تمم الله نوره من السماء حين قال {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26] قالوا : اللهم لا ، قال : أمنكم أحد ناجى رسول الله ستة عشرة مرة غيري ؟ حين نزل جبرئيل ( عليه السلام ) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] أعمل بها أحد غيري ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : أمنكم أحد ولي غمض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد آخر عهده برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين وضعه في حفرته غيري ؟ قالوا : لا .
قال عبد المحمود : وفي رواية أخرى عن صدر الأئمة عندهم موفق بن أحمد المكي يرويها عن فخر خوارزم محمود الزمخشري ، بإسناده إلى أبي ذر ، في مناشدة علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) لأهل الشورى ، وهذا لفظها : ناشدتكم الله هل تعلمون معاشر المهاجرين والأنصار ، أن جبرئيل ( عليه السلام ) أتى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا علي ، هل تعلمون كان هذا ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن جبرئيل ( عليه السلام ) نزل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد إن الله تعالى يأمرك أن تحب عليا وتحب من يحب عليا ، فإن الله يحب عليا ويحب من يحب عليا ؟ قالوا : اللهم نعم .
قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : لما أسري بي إلى السماء السابعة ، دفعت إلى رفاف من نور ، ثم دفعت إلى حجب من نور ، فوعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) الجبار لا إله إلا هو أشياء ، فلما رجع من عنده نادى مناد من وراء الحجب : نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك علي ، فاستوص به ، أتعلمون معاشر المهاجرين والأنصار كان هذا ؟ فقال من بينهم أبو محمد - يعني : عبد الرحمن بن عوف - : سمعتها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله) وإلا فصمتا .
قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن أحدا كان يدخل المسجد جنبا غيري ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن أبواب المسجد سدها وترك بابي ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : هل تعلمون أني كنت إذا قاتلت عن يمين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ؟ قالوا : اللهم نعم .
قال : فهل تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين أخذ الحسن والحسين ، جعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : هي يا حسن ، فقالت فاطمة : إن الحسين أصغر وأضعف ركنا منه ، فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ألا ترضين أن أقول أنا هي يا حسن ويقول جبرئيل : هي يا حسين ، فهل لخلق منكم مثل هذه المنزلة ؟ نحن الصابرون في هذه البيعة ليقضي الله أمرا كان مفعولا .
قال عبد المحمود : وقد روى صدر الأئمة عندهم موفق بن أحمد المكي الخوارزمي ، أن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في يوم الشورى زاد على هذا في المناظرة لهم والاحتجاج عليهم، وأنه احتج بسبعين منقبة من مناقبه (22) انتهى .
فإن قلت : قد ذكرت سابقا عند الاستدلال ببعض ما ناشد به أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أن مناشدته تدل على دلالة ما ناشد به على مطلبه الذي هو استحقاق الإمامة وتعينه به بدوران الحق معه ، وهاهنا ظهر أن مناشدته كما كانت بكمالاته الحقيقية ، كذلك كانت بالكمالات بالعرض ، مثل كون عمه أسد الله وأسد رسوله ، وأخيه طائرا بجناحيه مع الملائكة ، وظاهر أن كمالاته الإضافية مطلقا ، وبعض ما كان من كمالاته في نفسه أيضا لا يصلح لأن يجعل دليلا على تعينه بالاستحقاق ، أتظن تعينه باستحقاق الإمامة بطيران أخيه ، أو وليه غمض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
فبقي أن يكون الغرض من مناشدته ببعض الفضائل الخارجة والداخلة ، أن يظهر فضائله على أهل الشورى ، حتى تدعوهم إلى البيعة ، مراعاة لما هو الأولى ، وإلا فبحسب تحقق الإمامة هو البيعة ، والفضائل المذكورة ليست معينة للاختيار ، فربما كانت في عثمان فضائل أكمل من تلك الفضائل عند من يدور الإمامة بيعته بمقتضى أمر عمر ، وإن اعترف أهل الشورى بعدم تحقق الفضائل التي ذكرها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في أحد ، أو لم يتحقق فيه فضائل تعارضها، لكن عدم بغض الناس لعثمان لعدم القتل ، بل المقاتلة مع الشجعان وبعده هم معارضة الأبطال والفرسان ، بل عدم اتصافه بفضائل زائدة توجب حسد أهل البغي والطغيان صار سببا لاختياره ، رعاية لتشديد أساس الإسلام والإيمان .
قلت : لو كان مناشدته لما ذكر ، وكان الاختيار مع أهل الشورى ، وكان اختيارهم من أرادوه جائزا ، لم يقل ( عليه السلام ) " نحن الصابرون في هذه البيعة ليقضي الله أمرا كان مفعولا " لدلالته على كونها خارجة عن قانون الشرع والدين ، وإلا لم يكن إطاعة الشرع وانقياده له شديدا عليه ( عليه السلام ) حتى يحتاج إلى الصبر ، بل أمثال ذلك الاهتمام وإظهار التحسر كانا لمشاهدة العصيان والطغيان والاظهار للمسترشدين ما فعل أهل الجور والعدوان ، كما ظهر لك في موضعه بأوضح التنقيح والبيان .
وما ذكر من عدم صلاحية بعض الفضائل المذكورة للاستدلال على التعين ضعيف ، لأن أصل استحقاقه ( عليه السلام ) للأمر كان ظاهرا لأهل الشورى ، بل لجميع المسلمين ، وبعد أصل الاستحقاق كل واحد من المرجحات كاف في الدلالة على التعيين إذا لم يكن المرجح وما يعارضه في آخر لقبح ترجيح المرجوح .
وما ذكر من أنه كان في عثمان فضائل أكمل من تلك الفضائل ، في غاية الضعف ، ولو كان فيه فضائل كذلك لكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عالما بها ولم يذكر ما ذكره ، ولكان عثمان ومن عاونه يذكر أنها في مقابل ما ذكره ( عليه السلام ).
وعدم ذكر المنقبة الذي يدل على عدم النقل مع توفر الدواعي عليه ، يدل على عدمها ، ولو ذكروها وكان لها أصل كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أسمع وأطوع ، وظهور كراهته (عليه السلام) في وقت من الأوقات كاف للدلالة على العدم ، وتكرر الشكوة وإظهار الكراهة أولى بها .
وما ذكر من بغض الناس لو كان مانعا عن إمامته ( عليه السلام ) لكان أعلم به منكم وأعمل بمقتضاه ، وترجيح أحد بعدم الاتصاف بالكمال ، وجعله معارضا لما عده دليلا على الاستحقاق من يدور الحق معه وباب مدينة العلم ، لا وجه له أصلا ، وبالجملة أمثال تلك الكلمات إنكار لمقتضى كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بل لمقتضى كلام الله تعالى ، لأمره تعالى بالإطاعة المطلقة للرسول ( صلى الله عليه وآله ) .
فإن قلت : يمكن أن يكون مراده ( عليه السلام ) بالمناشدة استدلاله بجميع ما ذكره ( عليه السلام ) لا بكل واحد ، فما ذكرته من دلالة كل واحد بدوران الحق معه ( عليه السلام ) ضعيف.
قلت : دلالة بعض ما ناشد به مثل " نعم الأخ أخوك علي فاستوص به " لا تحتاج إلى الضميمة ، لأن الاستيصاء به وقوله بكونه " نعم الأخ " يقتضيان عدم إيذائه وإطاعته فيما يقول ، وكذلك قوله ( صلى الله عليه وآله ) " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " كما ظهر عند استدلالنا بهذا الخبر على إمامته ( عليه السلام ) ، فينبغي حمل كل واحد مما ذكر في المناشدات على دلالته على المدعى ليتلاءم الأسلوب .
فإن قلت : دلالة بعض المناشدات على المدعى لا ينافي قصد الدلالة من المجموع ، فلا تنافر في الأسلوب لو لم يرد الدلالة بكل واحد .
قلت : لما صح إرادة كل واحد مما ذكره ( عليه السلام ) بما ذكرته من قبح ترجيح المرجوح إرادة المجموع بعيد ، ومع بعدها مناقشة ضعيفة لا وقع لها أصلا .
كلام شارح التجريد :
ومنها : ما ذكر أهل السنة في مصنفاتهم وهو كثير جدا ، ننقل بعض ما ذكره شارح التجريد في شرح كلام المحقق الطوسي ، ننقل كلامهما على ما هو المعروف من نقل المتن والشرح .
قال المحقق ( رحمه الله ) : " وعلي ( عليه السلام ) أفضل " الصحابة " لكثرة جهاده ، وعظم بلائه في وقائع النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأجمعها ، ولم يبلغ درجته في غزاة بدر " وهي أول حرب امتحن بها المؤمنون ، لقلتهم وكثرة المشركين ، فقتل علي ( عليه السلام ) الوليد بن عتبة ، ثم ربيعة ، ثم شيبة بن ربيعة ، ثم العاص بن سعيد ، ثم سعيد بن العاص ، ثم حنظلة بن أبي سفيان ، ثم طعمة بن عدي ، ثم نوفل بن خويلد ، ولم يزل يقاتل حتى قتل نصف المشركين والباقي من المسلمين ، وثلاثة آلاف من الملائكة مسومين قتلوا النصف الآخر ، ومع ذلك كانت الراية في يد علي ( عليه السلام ) .
" و " في غزاة " أحد " جمع له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين اللواء والراية ، وكانت راية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة ، وكان يسمى كبش الكتيبة ، فقتله علي ( عليه السلام ) وأخذ الراية غيره فقتله ( عليه السلام ) ولم يزل يقتل واحدا بعد واحد حتى قتل تسعة نفر ، فانهزم المشركون ، واشتغل المسلمون بالغنائم ، فحمل خالد بن الوليد بأصحابه على النبي (صلى الله عليه وآله) ، فضربوه بالسيوف والرماح والحجر حتى غشي عليه ، فانهزم الناس عنه سوى علي ( عليه السلام ) فنظر إليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد إفاقته ، وقال له : اكفني هؤلاء ، فهزمهم عنه ، وكان أكثر المقتولين منه .
" و " في " يوم الأحزاب " وقد بالغ في هذا اليوم في قتل المشركين ، وقتل عمرو بن عبد ود ، وكان بطل المشركين ، ودعا إلى البراز مرارا ، فامتنع عنه المسلمون ، وعلي ( عليه السلام ) يروم على مبارزته ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يمنعه من ذلك لينظر صنيع المسلمين ، فلما رأى امتناعهم أذن له وعممه بعمامته ودعا له ، وقال حذيفة : لما دعا عمرو إلى المبارزة أحجم المسلمون عنه كافة ما خلا عليا ( عليه السلام ) فإنه برز إليه ، فقتله الله على يديه ، والذي نفس حذيفة بيده لعمله في ذلك اليوم أعظم أجرا من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) إلى يوم القيامة ، وكان الفتح في ذلك اليوم على يدي علي ( عليه السلام ) وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لضربة علي خير من عبادة الثقلين .
" و " في غزاة " خيبر " واشتهار جهاده فيها غير خفي ، وفتح الله على يده ، فإن النبي ( صلى الله عليه وآله ) حصر حصنهم بضعة عشر يوما وكانت الراية بيد علي ( عليه السلام ) فأصابه رمد ، فسلم النبي ( صلى الله عليه وآله ) الراية إلى أبي بكر ، وانصرف مع جماعة ، فرجعوا منهزمين خائفين ، فرفعها من الغد إلى عمر ، ففعل مثل ذلك ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لأسلمن الراية غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ، ويحب الله ورسوله ، كرار غير فرار ، ائتوني بعلي ، فقيل : به رمد ، فتفل في عينيه ودفع الراية إليه ، فقتل مرحبا ، فانهزم أصحابه ، وغلقوا الأبواب ، ففتح علي ( عليه السلام ) الباب وأقلعه وجعله جسرا على الخندق ، وعبروا وظفروا، فلما انصرفوا أخذ بيمينه ورماه أذرعا ، وكان يغلقه عشرون ، وعجز المسلمون عن نقله سبعون رجلا ، وقال علي ( عليه السلام ) : ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية ، ولكن قلعته بقوة ربانية .
" و " في غزاة " حنين " وقد سار النبي ( صلى الله عليه وآله ) في عشرة آلاف من المسلمين ، فتعجب أبو بكر من كثرتهم ، وقال : لن نغلب اليوم لقلة ، فانهزموا بأجمعهم ، ولم يبق مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) سوى تسعة نفر : علي ، وعباس ، وابنه ، وأبو سفيان بن حرب ، ونوفل بن الحرث ، وربيعة بن الحرث ، وعبد الله بن الزبير ، وعتبة ومصعب ابنا أبي لهب ، فخرج أبو جذول فقتله علي ( عليه السلام ) فانهزم المشركون ، وأقبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وصادفوا العدو ، فقتل علي ( عليه السلام ) أربعين ، وانهزم الباقون ، وغنمهم المسلمون ، وغير ذلك من الوقائع المأثورة ، والغزوات المشهورة التي نقلها أرباب السير ، فيكون ( عليه السلام ) أفضل لقوله تعالى {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً } [النساء: 95] .
" ولأنه أعلم لقوة حدسه ، وشدة ملازمته للرسول ( صلى الله عليه وآله ) " لأنه في صغره كان في حجره ، وكبره كان ختنا له ، يدخله كل وقت ، وكثرة استفادته منه ، لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان في غاية الحرص في إرشاده ، وقد قال حين نزل قوله تعالى {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12] اللهم اجعلها أذن علي ، قال علي ( عليه السلام ) : ما نسيت بعد ذلك شيئا، وقال : علمني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ألف باب من العلم ، فانفتح لي من كل باب ألف باب .
" ورجعت الصحابة إليه في أكثر الوقائع بعد غلطهم ، وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أقضاكم علي ، واستند الفضلاء في جميع العلوم إليه " كالأصول الكلامية ، والفروع الفقهية ، وعلم التفسير ، وعلم التصوف ، وعلم النحو وغيرها ، فإن خرقة المشائخ تنتهي إليه ، وابن عباس رئيس المفسرين تلميذه ، وأبا الأسود الدؤلي دون النحو بتعليمه وإرشاده .
" وأخبر هو بذلك " حيث قال : والله لو كسرت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، والله ما نزلت من آية في بر أو بحر أو سهل أو جبل أو سماء أو أرض أو ليل أو نهار ، إلا أنا أعلم في من نزلت ، وفي أي شئ نزلت ، وإذا كان أعلم يكون أفضل ، لقوله تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] .
" ولقوله تعالى {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [آل عمران: 61] " وذكر بعض ما يناسب المقام .
" ولكثرة سخائه على غيره " ونقل جوده بقوته وقوت عياله ثلاثة أيام ، وتصدقه بخاتمه في الصلاة ، ونزول آية الولاية .
" وكان أزهد الناس بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) " لما تواتر من إعراضه عن لذات الدنيا مع اقتداره عليها ، لاتساع أبواب الدنيا عليه ، ولهذا قال : يا دنيا إليك عني ، أبي تعرضت أم إلي تشوقت ، لا حان حينك ، هيهات غري غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير .
وقال : والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم .
وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا ، ولم يشبع من طعام قط ، وقال ما يناسب المتن .
" وأعبدهم " وذكر غاية خضوعه في العبادة " وأحلمهم " وذكر ما يناسب المقام " وأشرفهم خلقا ، وأطلقهم وجها " وذكر ما يناسبه .
" وأقدمهم إيمانا " يدل على ذلك ما روي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : بعثت يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء ، ولا أقرب من هذه المدة ، وقوله ( صلى الله عليه وآله ) " أولكم إسلاما علي بن أبي طالب " وما روي عن علي ( عليه السلام) أنه كان يقول : أنا أول من صلى وأول من آمن بالله ورسوله ، ولا سبقني إلى الصلاة إلا نبي الله . وكان قوله مشهورا بين الصحابة ، ولم ينكر عليه منكر ، فدل على صدقه ، وإذا ثبت أنه أقدم إيمانا من الصحابة كان أفضل منهم ، لقوله تعالى {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 10، 11] وروي أنه قال علي ( عليه السلام ) على المنبر بمشهد من الصحابة : أنا الصديق الأكبر ، آمنت قبل إيمان أبي بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم ، ولم ينكر عليه منكر ، فيكون أفضل من أبي بكر .
" وأفصحهم لسانا " على ما شهد به كتاب نهج البلاغة ، وقال البلغاء : إن كلامه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق .
" وأسدهم رأيا ، وأكثرهم حرصا على إقامة حدود الله تعالى " ولم يساهل أصلا في ذلك ، ولم يلتفت إلى القرابة والمحبة .
" وأحفظهم بكتاب الله العزيز " فإن أكثر أئمة القراء ، كأبي عمرو وعاصم وغيرهما يسندون قراءتهم إليه ، فإنهم تلامذة أبي عبد الرحمن السلمي ، وهو تلميذ علي ( عليه السلام ) .
" ولإخباره بالغيب " وذلك كإخباره بقتل ذي الثدية ، ولما لم يجده أصحابه بين القتلى ، قال : والله ما كذبت ، فاعتبر القتلى حتى وجده وشق قميصه ، ووجد على كتفه سلعة ، كثدي المرأة عليها شعر ينجذب كتفه مع جذبها وترجع مع تركها .
وقال أصحابه : إن أهل النهروان قد عبروا ، فقال : لم يعبروا ، فأخبروه مرة ثانية ، فقال : لم يعبروا ، فقال جندب بن عبد الله الأزدي في نفسه : إن وجدت القوم قد عبروا كنت أول من يقاتله ، قال : فلما وصلنا النهر لم نجدهم عبروا ، قال : يا أخا الأزد أتبين لك الأمر ؟ ويدل على اطلاعه على ما في ضميره .
وأخبر ( عليه السلام ) بقتل نفسه في شهر رمضان ، وقيل له : قد مات خالد بن عرفطة بوادي القرى ، فقال : لم يمت ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن جمار ، فقام رجل من تحت المنبر وقال : والله إني لك لمحب وأنا حبيب، قال : إياك أن تحملها ولتحملنها ، فتدخل بها من هذا الباب ، وأومأ إلى باب الفيل ، فلما بعث ابن زياد عمر بن سعد إلى الحسين (عليه السلام) جعل على مقدمته خالدا ، وحبيب صاحب رايته ، فسار بها حتى دخل المسجد من باب الفيل .
" واستجابة دعائه " فإنه لغاية شهرته غني عن البيان .
" وظهور المعجزات عنه " وقد أشير إلى ذلك فيما تقدم ، وهو هذا : " ولظهور المعجزة " يعني : الكرامة على يده " كقلع باب خيبر " وعجز عن إعادته سبعون رجلا من الأقوياء ، ومخاطبة الثعبان على منبر الكوفة ، فسئل عنه ، فقال : إنه من حكام الجن أشكل عليه مسألة أجبته عنها .
" ورفع الصخرة العظيمة عن القليب " روي أنه ( عليه السلام ) لما توجه إلى صفين مع أصحابه ، أصابهم عطش عظيم ، فأمرهم أن يحفروا بقرب دير ، فوجدوا صخرة عظيمة عجزوا عن نقلها ، فنزل ( عليه السلام ) فأقلعها ورمى بها مسافة بعيدة ، فظهر قليب فيه ماء ، فشربوا ثم أعادها ، ولما رأى ذلك صاحب الدير أسلم .
" ومحاربة الجن " روي أن جماعة من الجن أرادوا وقوع الضرر بالنبي (صلى الله عليه وآله) حين مسيره إلى بني المصطلق ، فحارب علي ( عليه السلام ) معهم ، وقتل منهم جماعة كثيرة. " ورد الشمس وغير ذلك " من الوقائع التي نقلت عنه . انتهى ما تقدم .
" واختصاصه بالقرابة والأخوة " فإنه ( صلى الله عليه وآله ) لما آخى بين الصحابة اتخذ عليا (عليه السلام) أخا لنفسه .
" ووجوب المحبة " فإنه ( عليه السلام ) لما كان من أولي القربى ، ومحبة أولي القربى واجبة ، لقوله تعالى {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] .
هكذا ذكر الشارح ، لكن الظاهر أن مراد المصنف بوجوب المحبة ليس وجوب المودة بين ذي القربى فقط ، بل مثل ما ذكره صاحب المقاصد " من أحبك فقد أحبني ، وحبيبي حبيب الله ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن يبغضني يبغض الله ، فالويل لمن أبغضك بعدي " وما ذكرته سابقا في ضمن مناشداته ( عليه السلام ) " هل تعلمون أن جبرئيل ( عليه السلام ) نزل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد إن الله يأمرك أن تحب عليا ، وتحب من يحبه ، فإن الله يحب عليا ويحب من يحب عليا ؟ قالوا : اللهم نعم " وغيره مما ذكرته قبل هذا .
" والنصرة " لرسول الله ، يدل عليه قوله تعالى في حق النبي ( صلى الله عليه وآله ) {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم: 4] والمراد بصالح المؤمنين علي (عليه السلام) على ما صرح به المفسرون ، والمراد بالمولى هو الناصر .
" ومساواة الأنبياء " يدل على ذلك قوله ( صلى الله عليه وآله ) " من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب " أوجب مساواته للأنبياء في صفاتهم ، والأنبياء أفضل من باقي الصحابة ، فكان علي أفضل من باقي الصحابة ، لأن المساوي للأفضل أفضل .
" وخبر الطائر " أهدي إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) طائر مشوي ، فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي ، فجاء علي ( عليه السلام ) وأكل ، والأحب إلى الله تعالى أفضل .
وذكر بعض كمالات أخر بعد كلام المصنف ، وقال : وأجيب بأنه لا كلام في عموم مناقبه ، ووفور فضائله ، واتصافه بالكمالات ، واختصاصه بالكرامات ، إلا أنه لا يدل على الأفضلية بمعنى زيادة الثواب والكرامة عند الله ، بعد ما ثبت من الاتفاق الجاري مجرى الاجماع على أفضلية (23) أبي بكر ثم عمر ، ودلالة الكتاب والسنة والآثار والأمارات على ذلك ، ونقل من الكتاب {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: 17] ومن السنة والآثار بعض الأحاديث الموضوعة التي نقلتها في موضعه ، ومن الأمارات فتح البلاد وقلة النزاع والاختلاف .
أقول : قوله بأفضلية أبي بكر وعمر على وفق أكثر أهل السنة لا وجه له ، لأن الآية لا دلالة لها على مقصودهم ، كما ظهر لك سابقا .
وأما الأخبار والآثار : فلأن انفرادهم في نقل ما يتوهم دلالته على أفضلية من سبق على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وثبوت وضع الأخبار في فضائل الثلاثة وأشياعهم في زمان معاوية بأمره ، وطلب الجاه والجائزة به ، وصيرورة الأخبار الموضوعة سبب الشبهة لأصحاب الديانات لكون بعض من يضع الأخبار في فضائل السابقين مرائيا ظاهر الصلاح ، كما ذكره عبد الحميد بن أبي الحديد ... يسقطان الأخبار الدالة على فضائلهم عن درجة الاعتبار ، ومع ذلك قد ذكرت سابقا ظهور الضعف في بعضها وآثار الوضع فيها ، فارجع إليه .
فكيف يعارض بأمثال تلك الأمور الأخبار التي نقلها الفرق ، واتفق أهل السنة على صحة كثير منها ، ولم يدع داع على وضعها ، كما ذكرته سابقا .
وأيضا نترك الأخبار التي نقلت في فضائل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) غير الأخبار التي نقلها شارح التجريد ونكتفي بها ، ونقول : منها ما نقله بقوله وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ): لضربة علي خير من عبادة الثقلين .
ومنها : حكاية خيبر ودلالتها على غاية جلالة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ودلالة حكاية خيبر معها على غاية قباحة فعل المنهزمين ، وشناعته ظاهرة ، ومع ظهورها قد ذكرتها في موضعها ، وظهر من حكاية أحد وحنين هرب الثلاثة عن الزحف ، ويقول الله تعالى {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} [النساء: 95] ومرتبة الهاربين ظاهرة .
وأيضا اعترف هو بشدة حدسه ( عليه السلام ) وفتح أبواب العلوم الذي نقله ، وقال الله تعالى {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] وقال تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] وأيضا اعترف بقوله " لو كسرت لي الوسادة " وعلم بصدقه ، وبقول عمر " كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في الحجال " وبالجملة علوم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وجهالات أبي بكر وعمر أظهر من أن نحتاج هاهنا إلى التفصيل.
وأيضا كيف يمكن القول بأفضليتهما لو لم يكن إلا حديث الطير ، ولما ظهر سابقا مراتب رذائل السابقين المغني عن تعرض التفاصيل هاهنا ، فلا نطول الكلام هاهنا .
وذكر صاحب المقاصد ما ذكر في التجريد وشرحه من مناقب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وبعض ما لم يذكر فيهما ، منه قوله ( صلى الله عليه وآله ) " لمبارزة علي عمرو بن عبد ود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة " مع نقله بعده قوله ( صلى الله عليه وآله ) " لضربة علي خير من عبادة الثقلين " فظهر من الرواية الأولى التي ذكرها صاحب المقاصد أن جرأته ( عليه السلام ) في محاربة عمرو مع خوف الصحابة حسنة عظمى مثل ضربته ( عليه السلام ) .
وبعد ما حكم بأفضلية أبي بكر وعمر بالروايات المجعولة التي علمت ضعفها من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تعرض لبيان الأفضل وغير الأفضل من غير الخلفاء ، وذكر عشرتهم ، وسيدي شباب أهل الجنة ، وأن أهل بيعة الرضوان ومن شهد بدرا واحدا والحديبية من أهل الجنة .
قال : أما إجمالا ، فقد تطابق الكتاب والسنة والإجماع على أن الفضل للعلم والتقوى ، قال الله تعالى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وقال تعالى {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] وقال تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : الناس سواسية كأسنان المشط ، لا فضل على عربي على عجمي ، إنما الفضل بالتقوى . وقال ( عليه السلام ) : إن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء . وقال ( عليه السلام ) : فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم . وقال ( عليه السلام ) : من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة .
أقول : لا يخفى وهن التخصيص ، لأنه لا وجه لتخصيص الآية والخبر المتفق عليه بين الفريقين بالأخبار الضعيفة التي انفردوا في نقلها ، فكيف يخصص الآيات والأخبار المتفقة بين الفريقين بها ؟
فإن قلت : آية {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] دعانا إلى التخصيص لكون الأتقى أبا بكر .
قلت : لا دليل على كون أبي بكر أتقى ، إلا الروايات المختلقة التي نشأت من الأهواء الباطلة ، وكيف يجتمع التقوى في من يدعي الإمامة بغير نص وبيعة باب مدينة العلم وكمل الصحابة ، ويشدد عليه وعليهم بأقبح وجه وأشنعه ، ويغضب فاطمة ( عليها السلام ) مع كون غضبها غضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، كما ظهر لك سابقا دلالة أخبارهم الصحيحة على ما ذكرته ، لا أخبار الشيعة فقط .
وأيضا ذكر في أفضلية الرجلين من جملة الروايات المختلقة رواية " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " واستدل بها على أنه دخل في الخطاب علي (رضي الله عنه) فيكون مأمورا بالاقتداء ، ولا يؤمر الأفضل والمساوي بالاقتداء سيما عند الشيعة .
وفيه أنه - مع ظهور ضعفه بالسند ، وبعدم استدلالهما به عند امتناع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وبني هاشم عن البيعة ، مع ظهور عدم المانع ، بل قابلوا دلائل الامتناع بالغلظة والشدة والتخويف بالقتل ، وبإحراق البيت - معارض بقوله ( صلى الله عليه وآله ) " لمبارزة علي عمرو بن عبد ود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة " لدخول الرجلين في الأمة عندكم ، وبخبر الطائر الصحيح عند الفريقين ، لدخولهما في من كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أحب منه ، وضعف بشارة العشرة وغيرها من كلامه ، بعد ملاحظة كلامنا السابق لا يحتاج إلى البيان .
مبيته ( عليه السلام ) في فراش رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
نختم مدائحه وفضائله بحكاية مبيته ( عليه السلام ) حتى تتأمل فيها بعين الإنصاف ، وتعلم أن ذكر المصاحبة في الغار مع عدم دلالتها على منقبة زعموها لو فرض دلالتها عليها لا نسبة لها إلى ذلك .
ومن كلام له ( عليه السلام ) اقتص فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم لحاقه به : فجعلت أتبع مأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأطأ ذكره ، حتى انتهيت إلى العرج (24) .
قال ابن أبي الحديد : وروى محمد بن إسحاق في كتاب المغازي ، قال : لم يعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحدا من المسلمين ما كان عزم عليه من الهجرة إلا علي بن أبي طالب وأبا بكر بن أبي قحافة .
أما علي فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخبره بخروجه ، وأمره أن يبيت على فراشه (25) ، يخادع المشركين عنه ليروا أنه لم يبرح ، فلا يطلبوه حتى تبعد المسافة بينهم وبينه ، وأن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الودائع التي عنده للناس ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) استودعه رجال مكة ودائع لهم لما يعرفونه من أمانته . وأما أبو بكر ، فخرج معه .
وسألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد الحسني ( رحمه الله ) فقلت له : إذا كانت قريش قد محصت رأيها وألقى إليها إبليس- كما روي - ذلك الرأي ، وهو أن يضربوه بأسياف من أيدي جماعة من بطون مختلفة ، ليضيع دمه في بطون قريش ، فلا تطلبه بنو عبد مناف ، فلماذا انتظروا به تلك الليلة الصبح ؟ فإن الرواية جاءت بأنهم كانوا تسوروا الدار ، فعاينوا فيها شخصا مسجى بالبرد الحضرمي الأخضر ، فلم يشكوا أنه هو ، فرصدوه إلى أن أصبحوا ، فوجدوه عليا ، وهذا طريف ، لأنهم كانوا قد أجمعوا على قتله تلك الليلة ، فما بالهم لم يقتلوا ذلك الشخص المسجى ؟ وانتظارهم به النهار دليل على أنهم لم يكونوا أرادوا قتله تلك الليلة .
فقال في الجواب : لقد كانوا هموا من النهار بقتله تلك الليلة ، وكان إجماعهم على ذلك ، وعزمهم في خفية من بني عبد مناف ، لأن الذين محصوا هذا الرأي واتفقوا عليه : النضر بن الحارث من بني عبد الدار ، وأبو البختري بن هشام ، وحكيم بن حزام ، وزمعة بن الأسود بن المطلب ، هؤلاء الثلاثة من بني أسد بن عبد العزى ، وأبو جهل بن هشام ، وأخوه الحارث ، وخالد بن الوليد بن المغيرة ، هؤلاء الثلاثة من بني مخزوم ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وعمرو بن العاص ، هؤلاء الثلاثة من بني سهم ، وأمية بن خلف ، وأخوه أبي بن خلف ، هذان من بني جمح ، فنما هذا الخبر من الليل إلى عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، فلقى منهم قوما ، فنهاهم عنه ، وقال : إن بني عبد مناف لا تمسك عن دمه ، ولكن صفدوه في الحديد ، واحبسوه في دار من دوركم ، وتربصوا به أن يصيبه من الموت ما أصاب أمثاله من الشعراء .
وكان عتبة بن ربيعة سيد بني عبد شمس ورئيسهم ، وهم من بني عبد مناف ، وبنو عم الرجل ورهطه ، فأحجم أبو جهل وأصحابه تلك الليلة عن قتله إحجاما ، ثم تسوروا عليه ، وهم يظنونه في الدار .
فلما رأوا إنسانا مسجى بالبرد الأخضر الحضرمي لم يشكوا أنه هو ، وائتمروا في قتله ، فكان أبو جهل يذمرهم عليه ، فيهمون ثم يحجمون ، ثم قال بعضهم لبعض : ارموه بالحجارة ، فرموه ، فجعل علي يتضور منها ، ويتقلب ويتأوه تأوها خفيفا ، فلم يزالوا كذلك في إقدام عليه وإحجام عنه ، لما يريده الله تعالى من سلامته ونجاته ، حتى أصبح وهو وقيذ من رمي الحجارة ، ولو لم يخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة ، وأقام بينهم بمكة ، ولم يقتلوه تلك الليلة ، لقتلوه في الليلة التي تليها ، وإن شبت الحرب بينهم وبين عبد مناف ، فإن أبا جهل لم يكن بالذي ليمسك عن قتله ، وكان فاقد البصيرة ، شديد العزم على الولوغ في دمه .
قلت للنقيب : أفعلم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعلي ( عليه السلام ) بما كان من نهي عتبة لهم ؟ قال : لا ، أنهما لم يعلما ذلك تلك الليلة ، وإنما عرفاه من بعد ، ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر لما رأى عتبة وما كان منه : إن يكن في القوم خير ففي صاحب الجمل الأحمر ، ولو قدرنا أن عليا ( عليه السلام ) علم ما قال لهم عتبة لم يسقط ذلك فضيلته في المبيت ، لأنه لم يكن على ثقة من أنهم يقبلون قول عتبة ، بل كان ظن الهلاك ، والقتل أغلب.
وأما حال علي (عليه السلام) فلما أدى الودائع ، خرج بعد ثلاث من هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) فجاء إلى المدينة راجلا قد تورمت قدماه ، فصادف رسول الله (صلى الله عليه وآله) نازلا بقباء على كلثوم بن الهدم ، فنزل معه في منزله ، وكان أبو بكر نازلا بقباء أيضا في منزل حبيب بن يساف ، ثم خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهما معه من قباء حتى نزل بالمدينة على أبي أيوب خالد بن يزيد الأنصاري وابتنى المسجد (26) .
______________
(1) الكشاف للزمخشري 4 : 197 .
(2) جامع الأصول 9 : 467 برقم : 6472 .
(3) جامع الأصول 9 : 468 برقم : 6473 و 6474 .
(4) لم أعثر عليه في كتاب النبوة من كتاب جامع الأصول .
(5) جامع الأصول 9 : 468 برقم : 6475 .
(6) جامع الأصول 9 : 469 - 470 برقم : 6479 .
(7) جامع الأصول 9 : 468 - 469 برقم : 6477 .
(8) جامع الأصول 9 : 471 برقم : 6482 .
(9) جامع الأصول 9 : 471 برقم : 6483 .
(10) جامع الأصول 9 : 472 برقم : 6484 .
(11) جامع الأصول 9 : 472 - 473 برقم : 6485 .
(12) جامع الأصول 9 : 473 برقم : 6489 .
(13) صحيح الترمذي 5 : 599 برقم : 3732 .
(14) جامع الأصول 9 : 474 برقم : 6493 .
(15) جامع الأصول 9 : 475 برقم : 6496 .
(16) جامع الأصول 9 : 471 برقم : 6481 .
(17) جامع الأصول 9 : 475 - 476 برقم : 6497 .
(18) جامع الأصول 9 : 476 برقم : 6498 .
(19) جامع الأصول 9 : 477 - 478 برقم : 6502 .
(20) جامع الأصول 10 : 549 برقم : 7645 .
(21) ما بين المعقوفتين من الطرائف .
(22) الطرائف في معرفة المذاهب ص 411 - 416 ، المطبوع بتحقيقنا سنة 1399 ه ق .
(23) من الدلائل على عدم مبالاته مثل أكثر أهل السنة ، بما جرى على لسانه أنه حكم بأفضلية الأولين ، وأغمض عن مقتضى ما سمعته وأوضحته مع مزيد ، وهو اعتراف ابن عمر بأفضلية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من غير داع عليه ، فليسا أفضلين ، وبتقوي الأمارات عندكم بكونه ثقة ، على ما رواه ابن البطريق عن مناقب ابن المغازلي ، بإسناده عن نافع مولى عمر أنه قال لابن عمر : من خير الناس بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : ما أنت لا أم لك ، ثم قال : أستغفر الله خيرهم بعده من كان يحل له ما كان يحل له ويحرم عليه ما يحرم عليه ، قلت : من هو ؟ قال : علي سد أبواب المسجد وترك باب علي ، وقال : لك في هذا المسجد مالي وعليك فيه ما علي ، وأنت أبو ولدي ووصيي تقضي ديني ، وتنجز عدتي ، وتقتل على سنتي ، كذب من زعم أنه يبغضك ويحبني .
ومن مسند ابن حنبل ، عن ابن عمر ، قال : كنا نقول : خير الناس أبو بكر ثم عمر ، ولقد أوتي علي بن أبي طالب ثلاث خصال ، لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم : زوجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بنته وولدت له ، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد ، وأعطاه الراية يوم خيبر .
اعلم أن ابن البطريق ( رحمه الله ) كان في المائة السادسة من الهجرة ، وكانت الكتب التي روى الأخبار منها وذكر أسنادها إلى أصحابها معروفة متداولة ، لم يمكن نسبة رواية إلى أحد ممن نسب إليه من غير أن تكون محققة ، لكثرة المخالفين الطالبين زلته وقوتهم ، إن قطع النظر عن ثقته ، وما ذكرته في ابن عمر جار في ابن المغازلي وابن حنبل وفي الوسائط .
إذا عرفت هذا نقول : قول ابن عمر في رواية نافع " ما أنت لا أم لك " إشارة إلى كراهة هذا السؤال ، لوجود الداعي على عدم الصدق ، فاستغفر الله مما سولت له نفسه ونطق بالصواب .
وقوله ( صلى الله عليه وآله ) " وتقتل على سنتي " يحتمل المعلوم والمجهول ، والأول أظهر .
ويؤيده ما روى ابن البطريق ( رحمه الله ) في الفصل الرابع والعشرين من العمدة ، من مسند ابن حنبل ، بإسناده عن أبي المغيرة ، عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : طلبني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فوجدني نائما ، فضربني برجله ، فقال : قم والله لأرضينك ، أنت أخي وأبو ولدي ، تقاتل على سنتي .
تعريضا بالثلاثة ، وعلى تقدير كون يقتل على البناء للمفعول ، فالظاهر أنه تعريض بعمر وعثمان ، وقد عرفت مقتضى آخر رواية نافع ، فلا حاجة إلى البيان " منه " .
(24) نهج البلاغة ص 256 رقم الكلام : 236 .
(25) روى ابن البطريق في الفصل الثلاثين من العمدة [ ص 237 ] من تفسير الثعلبي ، في تفسير قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة: 207] بإسناده قال : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بمكة لقضاء ديونه ، وبرد الودائع التي كانت عنده ، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه ، فقال له : يا علي اتشح ببردي الحضرمي الأخضر ، ثم نم على فراشي ، فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله عز وجل ، ففعل ذلك ، فأوحى الله عز وجل إلى جبرئيل وميكائيل : أني قد آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر ، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة ، فاختار كلاهما الحياة .
فأوحى الله عز وجل إليهما : ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب ؟ آخيت بينه وبين محمد ، فنام على فراشه ، يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه ، فنزلا فكان جبرئيل ( عليه السلام ) عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، فقال جبرئيل : بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب ؟ يباهي الله بك الملائكة ، فأنزل الله تعالى على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب * ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ) * .
قال : قال ابن عباس : نزلت في علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) حين هرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) من المشركين إلى الغار مع أبي بكر ، ونام علي ( عليه السلام ) على فراش النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وروى من مسند ابن حنبل ، بإسناده عن عمرو بن ميمون ، قال : إني لجالس إلى ابن عباس ، إلى قوله : وشرى علي ( عليه السلام ) نفسه لبس ثوب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم نام على مكانه .
فإن قلت : نزول الآية في أمر المبيت ، ومباهاة الله تعالى الملائكة ، والقول بأنه يفديه بنفسه ، يدل على عدم علم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعدم قتل المشركين إياه ، وعلى غاية عظمته عند الله تعالى ، فكيف يجتمع هذه الأمور مع قوله ( صلى الله عليه وآله ) " فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله " ومع الأمر بقضاء ديونه ورد ودائعه الدالين على الأمن من القتل ؟
قلت : الأمن إنما يلزم لو علم ( عليه السلام ) بكون ذكر المشيئة للتبرك لا للتعليق ، أو علم بكون الأمر بالقضاء والرد غير مشروط بالحياة بحسب القصد ، فلعله ( عليه السلام ) جوز كون المشيئة تعليقية ، وكون الأمر بالشيئين مشروطا بالحياة بحسب المعنى ، وهو غير بعيد في الأوامر المطلقة لو لم يدع الظهور عند صدورها من الحكيم . وبالجملة نزول الآية والمباهاة والقول بفداء النفس ، دالة على التجويز دلالة واضحة ، ولا منافاة بينه وبين ما يتوهم منافاته له.
وفي خصوص قوله ( صلى الله عليه وآله ) " فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله " محمل آخر ، وهو أنه لا يصل إليك ما يضرك ولا ترضيه ، بل كلما يصل إليك فهو خير لك ولا كراهة لك عنه ، لا أنه لا يصل إليك ألم بدني ومكروه جسماني ، ولا يبعد تأييد هذا الاحتمال بما ذكر في الأصل ، ثم قال بعضهم لبعض : ارموه بالحجارة ، فرموه ، فجعل علي يتضور ويتقلب ويتأوه تأوها خفيا .
فإن قلت : على تقدير حصول الأمن له ( عليه السلام ) بما ذكر أو بغيره أو بهما ، هل يمكن توجيه كمال فضيلة المبيت المنكشف بالآية وغيرها ؟
قلت : نعم لأنه ( عليه السلام ) يمكن أن يكون عند البيتوتة في غاية الرضا والتسليم بفداء نفسه، بل الالتذاذ به على وجه يستحق المدائح المذكورة وإن علم سلامته " منه " .
(26) شرح نهج البلاغة 13 : 303 - 306 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|