المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4876 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



فضائل المرتضى سيد الاوصياء عليه السلام  
  
1275   11:56 صباحاً   التاريخ: 11-4-2017
المؤلف : الفاضل محمد بن عبد الفتاح المشتهر بسراب التنكابني
الكتاب أو المصدر : سفينة النجاة
الجزء والصفحة : ص353- 381
القسم : العقائد الاسلامية / الامامة / امامة الامام علي عليه السلام /

إعلم أن فضائل أمير المؤمنين مثل مثالب الثلاثة كثيرة جدا...ومن [فضائله عليه السلام] :

قوله تعالى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: 8 - 12] نزولها في أهل البيت ( عليهم السلام ) أشهر من أن يحتاج إلى تفصيل النقل ، فنكتفي بما في الكشاف .

قال الزمخشري : وعن ابن عباس أن الحسن والحسين مرضا ، فعادهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ناس معه ، فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك ، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن برءا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام ، فشفيا وما معهم شئ ، فاستقرض علي من شمعون اليهودي ثلاثة أصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص على عددهم ، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا ، فوقف عليهم سائل فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة ، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما .

فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم ، وقف عليهم يتيم ، فآثروه ، ووقف عليهم أسير في الثالثة ، ففعلوا مثل ذلك ، فلما أصبحوا أخذ علي ( رضي الله عنه ) بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ، قال : ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم ، وقام فانطلق معهم ، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها ، وغارت عيناها ، فساءه ذلك ، فنزل جبرئيل وقال : خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك ، فأقرأه السورة .

فإن قلت : ما معنى ذكر الحرير مع الجنة ؟

قلت : المعنى وجزاهم بصبرهم على الايثار وما يؤدي إليه من الجوع والعرى بستانا فيه مأكل هني ، وحرير فيه ملبس بهي (1) .

أتظن أن من نزل في شأنه مثل هذا المدح في القرآن يمتنع عن بيعة السابقين ما أمكن الامتناع ؟ ويشكو عنهم بعد انتقالهم إلى دار الجزاء ، كما ظهر لك مما نقلته لو كانوا محقين في أمرهم .

ومنها : ما روى ابن الأثير في فضائل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) من صحيح الترمذي، عن أنس بن مالك ، قال : بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم الاثنين ، وصلى علي يوم الثلاثاء (2) .

ومن صحيح الترمذي ، عن ابن عباس ، قال : أول من صلى علي .

وعن زيد بن أرقم قال : أول من أسلم علي (3) .

قال ابن الأثير في الركن الثالث من كتاب النبوة : فلما حضرته - يعني : عبد المطلب - الوفاة أوصى به وله ثمانون أو أقل أو أكثر أبا طالب عمه ، فأحسن تربيته ، إلى أن قال : واستجاب لدعوته علي بن أبي طالب ، وزيد بن حارثة ، وأبو بكر ، وعثمان بن عفان ، وسعد بن أبي وقاص ومن بعدهم ، وخديجة أول الناس إسلاما ، وعلي تلاها في الإسلام عند الأكثرين ، فعاداه المشركون ، وهموا بقتله ، فأجاره أبو طالب (4) انتهى .

قوله " عند الأكثرين " قاطع على تقدير إسلام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وإلا لم يقل أحد منهم لانتفاء دواعي وضع المنقبة بالنسبة إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كما ظهر لك سابقا.

ومن صحيح الترمذي ، عن عبد الله بن عمر ، قال : لما آخى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين أصحابه جاء علي تدمع عيناه ، فقال له : يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد ، قال : فسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : أنت أخي في الدنيا والآخرة (5) .

ومن صحيح مسلم والترمذي ، عن سعد بن أبي وقاص : أن معاوية بن أبي سفيان أمر سعدا ، فقال له : ما يمنعك أن تسب أبا تراب ؟ فقال : أما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فلن أسبه ، لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول له وخلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان . . . مثل ما تقدم لسعد ، لكن هنا إلا أنه لا نبوة بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فتطاولنا ، فقال : ادعوا لي عليا ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ، ولما نزلت هذه الآية {نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} [آل عمران: 61] دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي (6).

وقوله في هذه الرواية " مثل ما تقدم لسعد " إشارة إلى ما روى ابن الأثير من صحيح البخاري ومسلم والترمذي ، عن سعد بن أبي وقاص ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خلف علي بن أبي طالب في غزوة تبوك ، فقال : يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان ؟ فقال : أما ترضى أن تكون بمنزلة هارون من موسى ، غير أنه لا نبي بعدي .

وفي رواية مثله ولم يقل فيه " غير أنه لا نبي بعدي " . قال ابن المسيب : أخبرني بهذا عامر بن سعد عن أبيه ، فأحببت أن أشافه سعدا ، فلقيته فقلت : أنت سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فوضع إصبعيه على أذنيه ، فقال : نعم وإلا فاستكتا (7) .

ومن صحيح الترمذي ، عن أنس ، قال : كان عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) طير ، فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ، فجاء علي فأكل معه (8) .

أقول : روى ابن البطريق ( رحمه الله ) في العمدة [ ص 242 ] من مسند ابن حنبل ، بإسناده عن  سفينة مولى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) طيرين بين  رغيفين ، فقدمت إليه الطيرين ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى  رسولك ، فجاء علي فرفع صوته ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من هذا ؟ قلت : علي ، قال : فافتح  له ، ففتحت له ، فأكل مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الطيرين حتى فنيا .

وروى من مناقب الفقيه ابن المغازلي الشافعي ، بإسناده عن أنس بن مالك ، قال : أهدي إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) نحامة مشوية ، فقال : اللهم ابعث إلي أحب خلقك إليك وإلى نبيك يأكل معنا من هذه المائدة ، قال : فأتى علي ، فقال : يا أنس استأذن لي على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقلت :

النبي مشغول ، فرجع علي ولم يلبث ثم جاء ، فقال : ارجع استأذن لي على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقلت : النبي عنك مشغول ، فرجع علي ولم يلبث ثم جاء علي ، فهممت أن أقول مثل قولي  الأول والثاني ، فسمع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من داخل الحجرة كلام علي ، فقال : ادخل يا أبا الحسن ما أبطأك عني ؟ قال : قد جئت يا رسول الله مرتين وهذه الثالثة ، كل ذلك يردني أنس يقول :  إن النبي عنك مشغول ، فقال : يا أنس ما حملك على هذا ؟ فقلت : يا رسول الله سمعت  الدعوة فأحببت أن يكون رجلا من قومي ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله): كل يحب قومه يا أنس .  

وروى عن ابن المغازلي روايات كثيرة جدا عن أنس خبر الطائر . المناقب لابن المغزلي ص 156 - 175 .

وروى من الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري ، بإسناده عن أنس خبر الطائر أيضا .

أقول : مع ظهور خبر الطائر في مقتضاه مجيئه ( عليه السلام ) بعد رد أنس مرتين ، وقول

رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) " ما أبطأك عني " يؤكدانه ، فهل يجوز العاقل أن يترك أحب خلق الله تعالى البيعة الواجبة ما أمكن ؟ ويشكو عن السابق والتابعين ، وينسب الظلم إليهم بعد انتقالهم إلى دار الجزاء لو احتمل صدقهم ، أو يجوز عدم الامتناع والنسبة مع الروايات المتظافرة المقرونة بأمارات الصدق الدالة عليهما ، ومن يضلل الله فما له من هاد " منه " .

ومن صحيح البخاري ومسلم ، عن سلمة بن الأكوع ، قال : كان علي قد تخلف عن النبي (صلى الله عليه وآله) في خيبر وكان رمدا ، فقال : أنا أتخلف عن رسول الله ؟ فخرج علي فلحق بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله في صباحها قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لأعطين الراية - أو ليأخذن الراية - غدا رجل يحبه الله ورسوله - أو قال : يحب الله ورسوله - يفتح الله عليه ، فإذا نحن بعلي وما نرجوه ، فقالوا : هذا علي ، فأعطاه الراية ، ففتح الله عليه (9) .

ومن صحيح البخاري ومسلم ، عن سهل بن سعد ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال يوم خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، قال : فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كلهم يرجو أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ قيل : هو يا رسول الله يشتكي عينيه ، قال : فأرسلوا إليه ، فأتي به ، فبصق في عينيه ودعا له ، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية ، فقال : يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال : أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله عز وجل فيهم ، فوالله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (10) .

ومن صحيح مسلم ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال يوم خيبر : لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، قال عمر بن الخطاب : ما أحببت الإمارة إلا يومئذ ، قال : فتساورت لها رجاء أن أدعى لها ، قال : فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب ، فأعطاه إياها ، وقال : امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ، قال : فسار علي شيئا ، ثم وقف ولم يلتفت فصرخ : يا رسول الله على ماذا أقاتل ؟ قال : قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله (11) .

ومن صحيح الترمذي ، عن علي ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنا مدينة العلم وعلي بابها (12) .

ومن صحيح الترمذي ، عن ابن عباس ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمر بسد الأبواب إلا باب علي ( 13 ) .

ومن صحيح الترمذي ، عن جابر ، قال : دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليا يوم الطائف ، فانتجاه ، فقال الناس : لقد طال نجواه مع ابن عمه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما انتجيته ولكن الله انتجاه (14) .

ومن صحيح الترمذي ، عن أنس ، قال : بعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) ببراءة مع أبي بكر ، ثم دعاه فقال : لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهلي ، فدعا عليا فأعطاه إياه (15) .

ومن صحيح الترمذي ، عن حبشي بن جنادة ، أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : علي مني وأنا من علي ، لا يؤدي إلا أنا أو علي (16) .

ومن صحيح الترمذي ، عن ابن عباس ، قال : بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات، ثم أتبعه عليا ، فبينا أبو بكر ببعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) القصواء ، فقام أبو بكر فزعا يظن أنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فإذا هو علي ، فدفع إليه كتابا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأمر عليا أن ينادي بهؤلاء الكلمات - زاد رزين : فإنه لا ينبغي أن يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي ، ثم اتفقا - فانطلقا فقام علي أيام التشريق ، فنادى : ذمة الله ورسوله بريئة من كل مشرك ، فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ، ولا يحجن بعد العام مشرك ، ولا يطوفن بعد اليوم عريان ، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ، قال : فكان علي ينادي بهؤلاء الكلمات ، فإذا عيي قام أبو بكر فنادى بها (17) .

ومن صحيح الترمذي ، عن أم عطية ، قالت : بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جيشا فيهم علي ، قالت : فسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : اللهم لا تمتني حتى تريني عليا (18) .

وفي رواية محمد بن كعب القرظي ، قال : افتخر طلحة بن شيبة بن عبد الدار ، وعباس بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، فقال طلحة : أنا صاحب البيت ومعي مفتاح البيت ، ولو أشاء بت فيه ، وقال عباس : وأنا صاحب السقاية ولو أشاء بت في المسجد ، وقال علي : ما أدري ما تقولان ، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد ، فأنزل الله تعالى {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [التوبة: 19] الآية .

وفي رواية قال : افتخر علي وعباس وشيبة ، فقال عباس : أنا أسقي حاج بيت الله ، وقال شيبة: أنا أعمر مسجد الله ، وقال علي : أنا هاجرت مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأنزل الله عز وجل هذه الآية (19) .

وروى ابن الأثير في كتاب القضاء من جامع الأصول ، من صحيح أبي داود والترمذي ، عن علي ( عليه السلام ) قال : بعثني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى اليمن قاضيا ، فقلت : يا رسول الله ترسلني وأنا حدث السن ولا علم لي بالقضاء ، فقال : إن الله سيهدي قلبك ، ويثبت لسانك ، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول ، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء ، قال : فما زلت قاضيا أو ما شككت في قضاء بعد (20) .

أقول : بعض الروايات المذكورة يمكن الاستدلال بها على الإمامة ، ولا حاجة إلى بيان كيفية الدلالة بعد ما سبق ، والغرض من ذكر الروايات الباقية الاطلاع على بعض فضائله ( عليه السلام ) .

حديث المناشدة :

روى صاحب حدائق الحقائق ( رحمه الله ) عن السيد النبيل علي بن طاووس ( رحمه الله ) من الطرائف ، قال : روى أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه في كتابه ، وهو من أعيان أئمتهم ، ورواه أيضا المسمى عندهم صدر الأئمة أخطب خطباء خوارزم موفق بن أحمد المكي ثم الخوارزمي في كتاب الأربعين ، قال : عن الإمام الطبراني ، حدثنا سعيد الرازي ، قال : حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا زافر بن سليمان ، قال : حدثنا الحارث بن محمد ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، قال : كنت على الباب يوم الشورى ، فارتفعت الأصوات بينهم ، فسمعت عليا ( عليه السلام ) يقول : بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق به منه ، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع القوم كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف ، ثم بايع أبو بكر لعمر وأنا أولى بالأمر منه ، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا ، ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان إذن لا أسمع ولا أطيع .

وفي رواية أخرى رواها ابن مردويه أيضا ، وساق قول علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في مبايعتهم لأبي بكر وعمر ، كما ذكره في الرواية المتقدمة سواء ، إلا أنه قال في عثمان : ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان إذن لا أسمع ولا أطيع ، إن عمر جعلني في خمسة نفر أنا سادسهم لا يعرف لي فضلا في الصلاح ولا يعرفونه لي ، كأنما نحن شرع سواء ، وأيم الله لو أشاء أتكلم لتكلمت ، ثم لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم ولا المعاهد منكم ولا المشرك رد خصلة منها .

ثم قال : أنشدكم الله أيها الخمسة أمنكم أخو رسول الله غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد له عم مثل عمي حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم له أخ مثل أخي المزين بالجناحين يطير مع الملائكة في الجنة ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سيدة نساء هذه الأمة ؟ قالوا : لا ، قالوا : أمنكم أحد له سبطان مثل ولدي الحسن والحسين سبطي هذه الأمة ابني رسول الله (صلى الله عليه وآله) غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد قتل مشركي قريش غيري ؟ قالوا : لا [ قال: أمنكم أحد وحد الله قبلي ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد صلى إلى القبلتين غيري ؟ قالوا : لا، قال : أمنكم أحد أمر الله بمودته غيري ؟ قالوا : لا ] (21) .

قال : أمنكم أحد غسل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد سكن المسجد يمر فيه جنبا غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد ردت عليه الشمس بعد غروبها حتى صلى العصر غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قرب إليه الطير فأعجبه : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير ، فجئت وأنا لا أعلم ما كان من قوله ، فدخلت فقال : وإلي يا رب وإلي يا رب غيري ؟ قالوا : لا ، قال: أمنكم أحد كان أقتل للمشركين عند كل شديدة تنزل برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غيري ؟ قالوا : لا .

قال : أمنكم أحد كان أعظم غناء عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مني حتى اضطجعت على فراشه ، ووقيته بنفسي ، وبذلت مهجتي غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد كان يأخذ الخمس غيري وغير زوجتي فاطمة ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد له سهم في الخاص وسهم العام غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد يطهره كتاب الله تعالى غيري ، حتى سد النبي (صلى الله عليه وآله) أبواب المهاجرين جميعا وفتح بابي إليه ، حتى قام إليه عماه حمزة والعباس وقالا: يا رسول الله سددت أبوابنا وفتحت باب علي ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما أنا فتحت بابه ولا سددت أبوابكم ، بل الله فتح بابه وسد أبوابكم ، قالوا : لا .

قال : أمنكم أحد تمم الله نوره من السماء حين قال {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26] قالوا : اللهم لا ، قال : أمنكم أحد ناجى رسول الله ستة عشرة مرة غيري ؟ حين نزل جبرئيل ( عليه السلام ) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] أعمل بها أحد غيري ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : أمنكم أحد ولي غمض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غيري ؟ قالوا : لا ، قال : أمنكم أحد آخر عهده برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين وضعه في حفرته غيري ؟ قالوا : لا .

قال عبد المحمود : وفي رواية أخرى عن صدر الأئمة عندهم موفق بن أحمد المكي يرويها عن فخر خوارزم محمود الزمخشري ، بإسناده إلى أبي ذر ، في مناشدة علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) لأهل الشورى ، وهذا لفظها : ناشدتكم الله هل تعلمون معاشر المهاجرين والأنصار ، أن جبرئيل ( عليه السلام ) أتى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد لا سيف إلا ذو الفقار ، ولا فتى إلا علي ، هل تعلمون كان هذا ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن جبرئيل ( عليه السلام ) نزل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد إن الله تعالى يأمرك أن تحب عليا وتحب من يحب عليا ، فإن الله يحب عليا ويحب من يحب عليا ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : لما أسري بي إلى السماء السابعة ، دفعت إلى رفاف من نور ، ثم دفعت إلى حجب من نور ، فوعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) الجبار لا إله إلا هو أشياء ، فلما رجع من عنده نادى مناد من وراء الحجب : نعم الأب أبوك إبراهيم ، ونعم الأخ أخوك علي ، فاستوص به ، أتعلمون معاشر المهاجرين والأنصار كان هذا ؟ فقال من بينهم أبو محمد - يعني : عبد الرحمن بن عوف - : سمعتها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله) وإلا فصمتا .

قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن أحدا كان يدخل المسجد جنبا غيري ؟ قالوا : اللهم لا ، قال : فأنشدكم الله هل تعلمون أن أبواب المسجد سدها وترك بابي ؟ قالوا : اللهم نعم ، قال : هل تعلمون أني كنت إذا قاتلت عن يمين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ؟ قالوا : اللهم نعم .

قال : فهل تعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين أخذ الحسن والحسين ، جعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : هي يا حسن ، فقالت فاطمة : إن الحسين أصغر وأضعف ركنا منه ، فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ألا ترضين أن أقول أنا هي يا حسن ويقول جبرئيل : هي يا حسين ، فهل لخلق منكم مثل هذه المنزلة ؟ نحن الصابرون في هذه البيعة ليقضي الله أمرا كان مفعولا .

قال عبد المحمود : وقد روى صدر الأئمة عندهم موفق بن أحمد المكي الخوارزمي ، أن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في يوم الشورى زاد على هذا في المناظرة لهم والاحتجاج عليهم، وأنه احتج بسبعين منقبة من مناقبه (22) انتهى .

فإن قلت : قد ذكرت سابقا عند الاستدلال ببعض ما ناشد به أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أن مناشدته تدل على دلالة ما ناشد به على مطلبه الذي هو استحقاق الإمامة وتعينه به بدوران الحق معه ، وهاهنا ظهر أن مناشدته كما كانت بكمالاته الحقيقية ، كذلك كانت بالكمالات بالعرض ، مثل كون عمه أسد الله وأسد رسوله ، وأخيه طائرا بجناحيه مع الملائكة ، وظاهر أن كمالاته الإضافية مطلقا ، وبعض ما كان من كمالاته في نفسه أيضا لا يصلح لأن يجعل دليلا على تعينه بالاستحقاق ، أتظن تعينه باستحقاق الإمامة بطيران أخيه ، أو وليه غمض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

فبقي أن يكون الغرض من مناشدته ببعض الفضائل الخارجة والداخلة ، أن يظهر فضائله على أهل الشورى ، حتى تدعوهم إلى البيعة ، مراعاة لما هو الأولى ، وإلا فبحسب تحقق الإمامة هو البيعة ، والفضائل المذكورة ليست معينة للاختيار ، فربما كانت في عثمان فضائل أكمل من تلك الفضائل عند من يدور الإمامة بيعته بمقتضى أمر عمر ، وإن اعترف أهل الشورى بعدم تحقق الفضائل التي ذكرها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في أحد ، أو لم يتحقق فيه فضائل تعارضها، لكن عدم بغض الناس لعثمان لعدم القتل ، بل المقاتلة مع الشجعان وبعده هم معارضة الأبطال والفرسان ، بل عدم اتصافه بفضائل زائدة توجب حسد أهل البغي والطغيان صار سببا لاختياره ، رعاية لتشديد أساس الإسلام والإيمان .

قلت : لو كان مناشدته لما ذكر ، وكان الاختيار مع أهل الشورى ، وكان اختيارهم من أرادوه جائزا ، لم يقل ( عليه السلام ) " نحن الصابرون في هذه البيعة ليقضي الله أمرا كان مفعولا " لدلالته على كونها خارجة عن قانون الشرع والدين ، وإلا لم يكن إطاعة الشرع وانقياده له شديدا عليه ( عليه السلام ) حتى يحتاج إلى الصبر ، بل أمثال ذلك الاهتمام وإظهار التحسر كانا لمشاهدة العصيان والطغيان والاظهار للمسترشدين ما فعل أهل الجور والعدوان ، كما ظهر لك في موضعه بأوضح التنقيح والبيان .

وما ذكر من عدم صلاحية بعض الفضائل المذكورة للاستدلال على التعين ضعيف ، لأن أصل استحقاقه ( عليه السلام ) للأمر كان ظاهرا لأهل الشورى ، بل لجميع المسلمين ، وبعد أصل الاستحقاق كل واحد من المرجحات كاف في الدلالة على التعيين إذا لم يكن المرجح وما يعارضه في آخر لقبح ترجيح المرجوح .

وما ذكر من أنه كان في عثمان فضائل أكمل من تلك الفضائل ، في غاية الضعف ، ولو كان فيه فضائل كذلك لكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عالما بها ولم يذكر ما ذكره ، ولكان عثمان ومن عاونه يذكر أنها في مقابل ما ذكره ( عليه السلام ).

وعدم ذكر المنقبة الذي يدل على عدم النقل مع توفر الدواعي عليه ، يدل على عدمها ، ولو ذكروها وكان لها أصل كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أسمع وأطوع ، وظهور كراهته (عليه السلام) في وقت من الأوقات كاف للدلالة على العدم ، وتكرر الشكوة وإظهار الكراهة أولى بها .

وما ذكر من بغض الناس لو كان مانعا عن إمامته ( عليه السلام ) لكان أعلم به منكم وأعمل بمقتضاه ، وترجيح أحد بعدم الاتصاف بالكمال ، وجعله معارضا لما عده دليلا على الاستحقاق من يدور الحق معه وباب مدينة العلم ، لا وجه له أصلا ، وبالجملة أمثال تلك الكلمات إنكار لمقتضى كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بل لمقتضى كلام الله تعالى ، لأمره تعالى بالإطاعة المطلقة للرسول ( صلى الله عليه وآله ) .

فإن قلت : يمكن أن يكون مراده ( عليه السلام ) بالمناشدة استدلاله بجميع ما ذكره ( عليه السلام ) لا بكل واحد ، فما ذكرته من دلالة كل واحد بدوران الحق معه ( عليه السلام ) ضعيف.

قلت : دلالة بعض ما ناشد به مثل " نعم الأخ أخوك علي فاستوص به " لا تحتاج إلى الضميمة ، لأن الاستيصاء به وقوله بكونه " نعم الأخ " يقتضيان عدم إيذائه وإطاعته فيما يقول ، وكذلك قوله ( صلى الله عليه وآله ) " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " كما ظهر عند استدلالنا بهذا الخبر على إمامته ( عليه السلام ) ، فينبغي حمل كل واحد مما ذكر في المناشدات على دلالته على المدعى ليتلاءم الأسلوب .

فإن قلت : دلالة بعض المناشدات على المدعى لا ينافي قصد الدلالة من المجموع ، فلا تنافر في الأسلوب لو لم يرد الدلالة بكل واحد .

قلت : لما صح إرادة كل واحد مما ذكره ( عليه السلام ) بما ذكرته من قبح ترجيح المرجوح إرادة المجموع بعيد ، ومع بعدها مناقشة ضعيفة لا وقع لها أصلا .

كلام شارح التجريد :

ومنها : ما ذكر أهل السنة في مصنفاتهم وهو كثير جدا ، ننقل بعض ما ذكره شارح التجريد في شرح كلام المحقق الطوسي ، ننقل كلامهما على ما هو المعروف من نقل المتن والشرح .

قال المحقق ( رحمه الله ) : " وعلي ( عليه السلام ) أفضل " الصحابة " لكثرة جهاده ، وعظم بلائه في وقائع النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأجمعها ، ولم يبلغ درجته في غزاة بدر " وهي أول حرب امتحن بها المؤمنون ، لقلتهم وكثرة المشركين ، فقتل علي ( عليه السلام ) الوليد بن عتبة ، ثم ربيعة ، ثم شيبة بن ربيعة ، ثم العاص بن سعيد ، ثم سعيد بن العاص ، ثم حنظلة بن أبي سفيان ، ثم طعمة بن عدي ، ثم نوفل بن خويلد ، ولم يزل يقاتل حتى قتل نصف المشركين والباقي من المسلمين ، وثلاثة آلاف من الملائكة مسومين قتلوا النصف الآخر ، ومع ذلك كانت الراية في يد علي ( عليه السلام ) .

" و " في غزاة " أحد " جمع له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين اللواء والراية ، وكانت راية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة ، وكان يسمى كبش الكتيبة ، فقتله علي ( عليه السلام ) وأخذ الراية غيره فقتله ( عليه السلام ) ولم يزل يقتل واحدا بعد واحد حتى قتل تسعة نفر ، فانهزم المشركون ، واشتغل المسلمون بالغنائم ، فحمل خالد بن الوليد بأصحابه على النبي (صلى الله عليه وآله) ، فضربوه بالسيوف والرماح والحجر حتى غشي عليه ، فانهزم الناس عنه سوى علي ( عليه السلام ) فنظر إليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد إفاقته ، وقال له : اكفني هؤلاء ، فهزمهم عنه ، وكان أكثر المقتولين منه .

" و " في " يوم الأحزاب " وقد بالغ في هذا اليوم في قتل المشركين ، وقتل عمرو بن عبد ود ، وكان بطل المشركين ، ودعا إلى البراز مرارا ، فامتنع عنه المسلمون ، وعلي ( عليه السلام ) يروم على مبارزته ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يمنعه من ذلك لينظر صنيع المسلمين ، فلما رأى امتناعهم أذن له وعممه بعمامته ودعا له ، وقال حذيفة : لما دعا عمرو إلى المبارزة أحجم المسلمون عنه كافة ما خلا عليا ( عليه السلام ) فإنه برز إليه ، فقتله الله على يديه ، والذي نفس حذيفة بيده لعمله في ذلك اليوم أعظم أجرا من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) إلى يوم القيامة ، وكان الفتح في ذلك اليوم على يدي علي ( عليه السلام ) وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لضربة علي خير من عبادة الثقلين .

" و " في غزاة " خيبر " واشتهار جهاده فيها غير خفي ، وفتح الله على يده ، فإن النبي ( صلى الله عليه وآله ) حصر حصنهم بضعة عشر يوما وكانت الراية بيد علي ( عليه السلام ) فأصابه رمد ، فسلم النبي ( صلى الله عليه وآله ) الراية إلى أبي بكر ، وانصرف مع جماعة ، فرجعوا منهزمين خائفين ، فرفعها من الغد إلى عمر ، ففعل مثل ذلك ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لأسلمن الراية غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ، ويحب الله ورسوله ، كرار غير فرار ، ائتوني بعلي ، فقيل : به رمد ، فتفل في عينيه ودفع الراية إليه ، فقتل مرحبا ، فانهزم أصحابه ، وغلقوا الأبواب ، ففتح علي ( عليه السلام ) الباب وأقلعه وجعله جسرا على الخندق ، وعبروا وظفروا، فلما انصرفوا أخذ بيمينه ورماه أذرعا ، وكان يغلقه عشرون ، وعجز المسلمون عن نقله سبعون رجلا ، وقال علي ( عليه السلام ) : ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية ، ولكن قلعته بقوة ربانية .

" و " في غزاة " حنين " وقد سار النبي ( صلى الله عليه وآله ) في عشرة آلاف من المسلمين ، فتعجب أبو بكر من كثرتهم ، وقال : لن نغلب اليوم لقلة ، فانهزموا بأجمعهم ، ولم يبق مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) سوى تسعة نفر : علي ، وعباس ، وابنه ، وأبو سفيان بن حرب ، ونوفل بن الحرث ، وربيعة بن الحرث ، وعبد الله بن الزبير ، وعتبة ومصعب ابنا أبي لهب ، فخرج أبو جذول فقتله علي ( عليه السلام ) فانهزم المشركون ، وأقبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وصادفوا العدو ، فقتل علي ( عليه السلام ) أربعين ، وانهزم الباقون ، وغنمهم المسلمون ، وغير ذلك من الوقائع المأثورة ، والغزوات المشهورة التي نقلها أرباب السير ، فيكون ( عليه السلام ) أفضل لقوله تعالى {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً } [النساء: 95] .

" ولأنه أعلم لقوة حدسه ، وشدة ملازمته للرسول ( صلى الله عليه وآله ) " لأنه في صغره كان في حجره ، وكبره كان ختنا له ، يدخله كل وقت ، وكثرة استفادته منه ، لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان في غاية الحرص في إرشاده ، وقد قال حين نزل قوله تعالى {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12] اللهم اجعلها أذن علي ، قال علي ( عليه السلام ) : ما نسيت بعد ذلك شيئا، وقال : علمني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ألف باب من العلم ، فانفتح لي من كل باب ألف باب .

" ورجعت الصحابة إليه في أكثر الوقائع بعد غلطهم ، وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : أقضاكم علي ، واستند الفضلاء في جميع العلوم إليه " كالأصول الكلامية ، والفروع الفقهية ، وعلم التفسير ، وعلم التصوف ، وعلم النحو وغيرها ، فإن خرقة المشائخ تنتهي إليه ، وابن عباس رئيس المفسرين تلميذه ، وأبا الأسود الدؤلي دون النحو بتعليمه وإرشاده .

" وأخبر هو بذلك " حيث قال : والله لو كسرت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم ، والله ما نزلت من آية في بر أو بحر أو سهل أو جبل أو سماء أو أرض أو ليل أو نهار ، إلا أنا أعلم في من نزلت ، وفي أي شئ نزلت ، وإذا كان أعلم يكون أفضل ، لقوله تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] .

" ولقوله تعالى {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} [آل عمران: 61] " وذكر بعض ما يناسب المقام .

" ولكثرة سخائه على غيره " ونقل جوده بقوته وقوت عياله ثلاثة أيام ، وتصدقه بخاتمه في الصلاة ، ونزول آية الولاية .

" وكان أزهد الناس بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) " لما تواتر من إعراضه عن لذات الدنيا مع اقتداره عليها ، لاتساع أبواب الدنيا عليه ، ولهذا قال : يا دنيا إليك عني ، أبي تعرضت أم إلي تشوقت ، لا حان حينك ، هيهات غري غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها ، فعيشك قصير ، وخطرك يسير ، وأملك حقير .

وقال : والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم .

وكان أخشن الناس مأكلا وملبسا ، ولم يشبع من طعام قط ، وقال ما يناسب المتن .

" وأعبدهم " وذكر غاية خضوعه في العبادة " وأحلمهم " وذكر ما يناسب المقام " وأشرفهم خلقا ، وأطلقهم وجها " وذكر ما يناسبه .

" وأقدمهم إيمانا " يدل على ذلك ما روي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : بعثت يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء ، ولا أقرب من هذه المدة ، وقوله ( صلى الله عليه وآله ) " أولكم إسلاما علي بن أبي طالب " وما روي عن علي ( عليه السلام) أنه كان يقول : أنا أول من صلى وأول من آمن بالله ورسوله ، ولا سبقني إلى الصلاة إلا نبي الله . وكان قوله مشهورا بين الصحابة ، ولم ينكر عليه منكر ، فدل على صدقه ، وإذا ثبت أنه أقدم إيمانا من الصحابة كان أفضل منهم ، لقوله تعالى {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 10، 11] وروي أنه قال علي ( عليه السلام ) على المنبر بمشهد من الصحابة : أنا الصديق الأكبر ، آمنت قبل إيمان أبي بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم ، ولم ينكر عليه منكر ، فيكون أفضل من أبي بكر .

" وأفصحهم لسانا " على ما شهد به كتاب نهج البلاغة ، وقال البلغاء : إن كلامه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق .

" وأسدهم رأيا ، وأكثرهم حرصا على إقامة حدود الله تعالى " ولم يساهل أصلا في ذلك ، ولم يلتفت إلى القرابة والمحبة .

" وأحفظهم بكتاب الله العزيز " فإن أكثر أئمة القراء ، كأبي عمرو وعاصم وغيرهما يسندون قراءتهم إليه ، فإنهم تلامذة أبي عبد الرحمن السلمي ، وهو تلميذ علي ( عليه السلام ) .

" ولإخباره بالغيب " وذلك كإخباره بقتل ذي الثدية ، ولما لم يجده أصحابه بين القتلى ، قال : والله ما كذبت ، فاعتبر القتلى حتى وجده وشق قميصه ، ووجد على كتفه سلعة ، كثدي المرأة عليها شعر ينجذب كتفه مع جذبها وترجع مع تركها .

وقال أصحابه : إن أهل النهروان قد عبروا ، فقال : لم يعبروا ، فأخبروه مرة ثانية ، فقال : لم يعبروا ، فقال جندب بن عبد الله الأزدي في نفسه : إن وجدت القوم قد عبروا كنت أول من يقاتله ، قال : فلما وصلنا النهر لم نجدهم عبروا ، قال : يا أخا الأزد أتبين لك الأمر ؟ ويدل على اطلاعه على ما في ضميره .

وأخبر ( عليه السلام ) بقتل نفسه في شهر رمضان ، وقيل له : قد مات خالد بن عرفطة بوادي القرى ، فقال : لم يمت ولا يموت حتى يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن جمار ، فقام رجل من تحت المنبر وقال : والله إني لك لمحب وأنا حبيب، قال : إياك أن تحملها ولتحملنها ، فتدخل بها من هذا الباب ، وأومأ إلى باب الفيل ، فلما بعث ابن زياد عمر بن سعد إلى الحسين (عليه السلام) جعل على مقدمته خالدا ، وحبيب صاحب رايته ، فسار بها حتى دخل المسجد من باب الفيل .

" واستجابة دعائه " فإنه لغاية شهرته غني عن البيان .

" وظهور المعجزات عنه " وقد أشير إلى ذلك فيما تقدم ، وهو هذا : " ولظهور المعجزة " يعني : الكرامة على يده " كقلع باب خيبر " وعجز عن إعادته سبعون رجلا من الأقوياء ، ومخاطبة الثعبان على منبر الكوفة ، فسئل عنه ، فقال : إنه من حكام الجن أشكل عليه مسألة أجبته عنها .

" ورفع الصخرة العظيمة عن القليب " روي أنه ( عليه السلام ) لما توجه إلى صفين مع أصحابه ، أصابهم عطش عظيم ، فأمرهم أن يحفروا بقرب دير ، فوجدوا صخرة عظيمة عجزوا عن نقلها ، فنزل ( عليه السلام ) فأقلعها ورمى بها مسافة بعيدة ، فظهر قليب فيه ماء ، فشربوا ثم أعادها ، ولما رأى ذلك صاحب الدير أسلم .

" ومحاربة الجن " روي أن جماعة من الجن أرادوا وقوع الضرر بالنبي (صلى الله عليه وآله) حين مسيره إلى بني المصطلق ، فحارب علي ( عليه السلام ) معهم ، وقتل منهم جماعة كثيرة. " ورد الشمس وغير ذلك " من الوقائع التي نقلت عنه . انتهى ما تقدم .

" واختصاصه بالقرابة والأخوة " فإنه ( صلى الله عليه وآله ) لما آخى بين الصحابة اتخذ عليا (عليه السلام) أخا لنفسه .

" ووجوب المحبة " فإنه ( عليه السلام ) لما كان من أولي القربى ، ومحبة أولي القربى واجبة ، لقوله تعالى {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] .

هكذا ذكر الشارح ، لكن الظاهر أن مراد المصنف بوجوب المحبة ليس وجوب المودة بين ذي القربى فقط ، بل مثل ما ذكره صاحب المقاصد " من أحبك فقد أحبني ، وحبيبي حبيب الله ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن يبغضني يبغض الله ، فالويل لمن أبغضك بعدي " وما ذكرته سابقا في ضمن مناشداته ( عليه السلام ) " هل تعلمون أن جبرئيل ( عليه السلام ) نزل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد إن الله يأمرك أن تحب عليا ، وتحب من يحبه ، فإن الله يحب عليا ويحب من يحب عليا ؟ قالوا : اللهم نعم " وغيره مما ذكرته قبل هذا .

" والنصرة " لرسول الله ، يدل عليه قوله تعالى في حق النبي ( صلى الله عليه وآله ) {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم: 4] والمراد بصالح المؤمنين علي (عليه السلام) على ما صرح به المفسرون ، والمراد بالمولى هو الناصر .

" ومساواة الأنبياء " يدل على ذلك قوله ( صلى الله عليه وآله ) " من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب " أوجب مساواته للأنبياء في صفاتهم ، والأنبياء أفضل من باقي الصحابة ، فكان علي أفضل من باقي الصحابة ، لأن المساوي للأفضل أفضل .

" وخبر الطائر " أهدي إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) طائر مشوي ، فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي ، فجاء علي ( عليه السلام ) وأكل ، والأحب إلى الله تعالى أفضل .

وذكر بعض كمالات أخر بعد كلام المصنف ، وقال : وأجيب بأنه لا كلام في عموم مناقبه ، ووفور فضائله ، واتصافه بالكمالات ، واختصاصه بالكرامات ، إلا أنه لا يدل على الأفضلية بمعنى زيادة الثواب والكرامة عند الله ، بعد ما ثبت من الاتفاق الجاري مجرى الاجماع على أفضلية (23) أبي بكر ثم عمر ، ودلالة الكتاب والسنة والآثار والأمارات على ذلك ، ونقل من الكتاب {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: 17] ومن السنة والآثار بعض الأحاديث الموضوعة التي نقلتها في موضعه ، ومن الأمارات فتح البلاد وقلة النزاع والاختلاف .

أقول : قوله بأفضلية أبي بكر وعمر على وفق أكثر أهل السنة لا وجه له ، لأن الآية لا دلالة لها على مقصودهم ، كما ظهر لك سابقا .  

وأما الأخبار والآثار : فلأن انفرادهم في نقل ما يتوهم دلالته على أفضلية من سبق على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وثبوت وضع الأخبار في فضائل الثلاثة وأشياعهم في زمان معاوية بأمره ، وطلب الجاه والجائزة به ، وصيرورة الأخبار الموضوعة سبب الشبهة لأصحاب الديانات لكون بعض من يضع الأخبار في فضائل السابقين مرائيا ظاهر الصلاح ، كما ذكره عبد الحميد بن أبي الحديد ... يسقطان الأخبار الدالة على فضائلهم عن درجة الاعتبار ، ومع ذلك قد ذكرت سابقا ظهور الضعف في بعضها وآثار الوضع فيها ، فارجع إليه .

فكيف يعارض بأمثال تلك الأمور الأخبار التي نقلها الفرق ، واتفق أهل السنة على صحة كثير منها ، ولم يدع داع على وضعها ، كما ذكرته سابقا .

وأيضا نترك الأخبار التي نقلت في فضائل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) غير الأخبار التي نقلها شارح التجريد ونكتفي بها ، ونقول : منها ما نقله بقوله وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ): لضربة علي خير من عبادة الثقلين .

ومنها : حكاية خيبر ودلالتها على غاية جلالة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ودلالة حكاية خيبر معها على غاية قباحة فعل المنهزمين ، وشناعته ظاهرة ، ومع ظهورها قد ذكرتها في موضعها ، وظهر من حكاية أحد وحنين هرب الثلاثة عن الزحف ، ويقول الله تعالى {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} [النساء: 95] ومرتبة الهاربين ظاهرة .

وأيضا اعترف هو بشدة حدسه ( عليه السلام ) وفتح أبواب العلوم الذي نقله ، وقال الله تعالى {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] وقال تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] وأيضا اعترف بقوله " لو كسرت لي الوسادة " وعلم بصدقه ، وبقول عمر " كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في الحجال " وبالجملة علوم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وجهالات أبي بكر وعمر أظهر من أن نحتاج هاهنا إلى التفصيل.

وأيضا كيف يمكن القول بأفضليتهما لو لم يكن إلا حديث الطير ، ولما ظهر سابقا مراتب رذائل السابقين المغني عن تعرض التفاصيل هاهنا ، فلا نطول الكلام هاهنا .

وذكر صاحب المقاصد ما ذكر في التجريد وشرحه من مناقب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وبعض ما لم يذكر فيهما ، منه قوله ( صلى الله عليه وآله ) " لمبارزة علي عمرو بن عبد ود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة " مع نقله بعده قوله ( صلى الله عليه وآله ) " لضربة علي خير من عبادة الثقلين " فظهر من الرواية الأولى التي ذكرها صاحب المقاصد أن جرأته ( عليه السلام ) في محاربة عمرو مع خوف الصحابة حسنة عظمى مثل ضربته ( عليه السلام ) .

وبعد ما حكم بأفضلية أبي بكر وعمر بالروايات المجعولة التي علمت ضعفها من أمير المؤمنين ( عليه السلام ) تعرض لبيان الأفضل وغير الأفضل من غير الخلفاء ، وذكر عشرتهم ، وسيدي شباب أهل الجنة ، وأن أهل بيعة الرضوان ومن شهد بدرا واحدا والحديبية من أهل الجنة .

قال : أما إجمالا ، فقد تطابق الكتاب والسنة والإجماع على أن الفضل للعلم والتقوى ، قال الله تعالى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وقال تعالى {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] وقال تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : الناس سواسية كأسنان المشط ، لا فضل على عربي على عجمي ، إنما الفضل بالتقوى . وقال ( عليه السلام ) : إن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثة الأنبياء . وقال ( عليه السلام ) : فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم . وقال ( عليه السلام ) : من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة .

أقول : لا يخفى وهن التخصيص ، لأنه لا وجه لتخصيص الآية والخبر المتفق عليه بين الفريقين بالأخبار الضعيفة التي انفردوا في نقلها ، فكيف يخصص الآيات والأخبار المتفقة بين الفريقين بها ؟

فإن قلت : آية {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] دعانا إلى التخصيص لكون الأتقى أبا بكر .

قلت : لا دليل على كون أبي بكر أتقى ، إلا الروايات المختلقة التي نشأت من الأهواء الباطلة ، وكيف يجتمع التقوى في من يدعي الإمامة بغير نص وبيعة باب مدينة العلم وكمل الصحابة ، ويشدد عليه وعليهم بأقبح وجه وأشنعه ، ويغضب فاطمة ( عليها السلام ) مع كون غضبها غضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، كما ظهر لك سابقا دلالة أخبارهم الصحيحة على ما ذكرته ، لا أخبار الشيعة فقط .

وأيضا ذكر في أفضلية الرجلين من جملة الروايات المختلقة رواية " اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " واستدل بها على أنه دخل في الخطاب علي (رضي الله عنه) فيكون مأمورا بالاقتداء ، ولا يؤمر الأفضل والمساوي بالاقتداء سيما عند الشيعة .

وفيه أنه - مع ظهور ضعفه بالسند ، وبعدم استدلالهما به عند امتناع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وبني هاشم عن البيعة ، مع ظهور عدم المانع ، بل قابلوا دلائل الامتناع بالغلظة والشدة والتخويف بالقتل ، وبإحراق البيت - معارض بقوله ( صلى الله عليه وآله ) " لمبارزة علي عمرو بن عبد ود أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة " لدخول الرجلين في الأمة عندكم ، وبخبر الطائر الصحيح عند الفريقين ، لدخولهما في من كان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) أحب منه ، وضعف بشارة العشرة وغيرها من كلامه ، بعد ملاحظة كلامنا السابق لا يحتاج إلى البيان .

مبيته ( عليه السلام ) في فراش رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :

نختم مدائحه وفضائله بحكاية مبيته ( عليه السلام ) حتى تتأمل فيها بعين الإنصاف ، وتعلم أن ذكر المصاحبة في الغار مع عدم دلالتها على منقبة زعموها لو فرض دلالتها عليها لا نسبة لها إلى ذلك .

ومن كلام له ( عليه السلام ) اقتص فيه ذكر ما كان منه بعد هجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم لحاقه به : فجعلت أتبع مأخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأطأ ذكره ، حتى انتهيت إلى العرج (24) .

قال ابن أبي الحديد : وروى محمد بن إسحاق في كتاب المغازي ، قال : لم يعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحدا من المسلمين ما كان عزم عليه من الهجرة إلا علي بن أبي طالب وأبا بكر بن أبي قحافة .

أما علي فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخبره بخروجه ، وأمره أن يبيت على فراشه (25) ، يخادع المشركين عنه ليروا أنه لم يبرح ، فلا يطلبوه حتى تبعد المسافة بينهم وبينه ، وأن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الودائع التي عنده للناس ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) استودعه رجال مكة ودائع لهم لما يعرفونه من أمانته . وأما أبو بكر ، فخرج معه .

وسألت النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد الحسني ( رحمه الله ) فقلت له : إذا كانت قريش قد محصت رأيها وألقى إليها إبليس- كما روي - ذلك الرأي ، وهو أن يضربوه بأسياف من أيدي جماعة من بطون مختلفة ، ليضيع دمه في بطون قريش ، فلا تطلبه بنو عبد مناف ، فلماذا انتظروا به تلك الليلة الصبح ؟ فإن الرواية جاءت بأنهم كانوا تسوروا الدار ، فعاينوا فيها شخصا مسجى بالبرد الحضرمي الأخضر ، فلم يشكوا أنه هو ، فرصدوه إلى أن أصبحوا ، فوجدوه عليا ، وهذا طريف ، لأنهم كانوا قد أجمعوا على قتله تلك الليلة ، فما بالهم لم يقتلوا ذلك الشخص المسجى ؟ وانتظارهم به النهار دليل على أنهم لم يكونوا أرادوا قتله تلك الليلة .

فقال في الجواب : لقد كانوا هموا من النهار بقتله تلك الليلة ، وكان إجماعهم على ذلك ، وعزمهم في خفية من بني عبد مناف ، لأن الذين محصوا هذا الرأي واتفقوا عليه : النضر بن الحارث من بني عبد الدار ، وأبو البختري بن هشام ، وحكيم بن حزام ، وزمعة بن الأسود بن المطلب ، هؤلاء الثلاثة من بني أسد بن عبد العزى ، وأبو جهل بن هشام ، وأخوه الحارث ، وخالد بن الوليد بن المغيرة ، هؤلاء الثلاثة من بني مخزوم ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وعمرو بن العاص ، هؤلاء الثلاثة من بني سهم ، وأمية بن خلف ، وأخوه أبي بن خلف ، هذان من بني جمح ، فنما هذا الخبر من الليل إلى عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، فلقى منهم قوما ، فنهاهم عنه ، وقال : إن بني عبد مناف لا تمسك عن دمه ، ولكن صفدوه في الحديد ، واحبسوه في دار من دوركم ، وتربصوا به أن يصيبه من الموت ما أصاب أمثاله من الشعراء .

وكان عتبة بن ربيعة سيد بني عبد شمس ورئيسهم ، وهم من بني عبد مناف ، وبنو عم الرجل ورهطه ، فأحجم أبو جهل وأصحابه تلك الليلة عن قتله إحجاما ، ثم تسوروا عليه ، وهم يظنونه في الدار .

فلما رأوا إنسانا مسجى بالبرد الأخضر الحضرمي لم يشكوا أنه هو ، وائتمروا في قتله ، فكان أبو جهل يذمرهم عليه ، فيهمون ثم يحجمون ، ثم قال بعضهم لبعض : ارموه بالحجارة ، فرموه ، فجعل علي يتضور منها ، ويتقلب ويتأوه تأوها خفيفا ، فلم يزالوا كذلك في إقدام عليه وإحجام عنه ، لما يريده الله تعالى من سلامته ونجاته ، حتى أصبح وهو وقيذ من رمي الحجارة ، ولو لم يخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة ، وأقام بينهم بمكة ، ولم يقتلوه تلك الليلة ، لقتلوه في الليلة التي تليها ، وإن شبت الحرب بينهم وبين عبد مناف ، فإن أبا جهل لم يكن بالذي ليمسك عن قتله ، وكان فاقد البصيرة ، شديد العزم على الولوغ في دمه .

قلت للنقيب : أفعلم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعلي ( عليه السلام ) بما كان من نهي عتبة لهم ؟ قال : لا ، أنهما لم يعلما ذلك تلك الليلة ، وإنما عرفاه من بعد ، ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر لما رأى عتبة وما كان منه : إن يكن في القوم خير ففي صاحب الجمل الأحمر ، ولو قدرنا أن عليا ( عليه السلام ) علم ما قال لهم عتبة لم يسقط ذلك فضيلته في المبيت ، لأنه لم يكن على ثقة من أنهم يقبلون قول عتبة ، بل كان ظن الهلاك ، والقتل أغلب.

وأما حال علي (عليه السلام) فلما أدى الودائع ، خرج بعد ثلاث من هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) فجاء إلى المدينة راجلا قد تورمت قدماه ، فصادف رسول الله (صلى الله عليه وآله) نازلا بقباء على كلثوم بن الهدم ، فنزل معه في منزله ، وكان أبو بكر نازلا بقباء أيضا في منزل حبيب بن يساف ، ثم خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهما معه من قباء حتى نزل بالمدينة على أبي أيوب خالد بن يزيد الأنصاري وابتنى المسجد (26) .

______________

(1) الكشاف للزمخشري 4 : 197 .

(2) جامع الأصول 9 : 467 برقم : 6472 .

(3) جامع الأصول 9 : 468 برقم : 6473 و 6474 .

(4) لم أعثر عليه في كتاب النبوة من كتاب جامع الأصول .

(5) جامع الأصول 9 : 468 برقم : 6475 .

(6) جامع الأصول 9 : 469 - 470 برقم : 6479 .

(7) جامع الأصول 9 : 468 - 469 برقم : 6477 .

(8) جامع الأصول 9 : 471 برقم : 6482 .

(9) جامع الأصول 9 : 471 برقم : 6483 .

(10) جامع الأصول 9 : 472 برقم : 6484 .

(11) جامع الأصول 9 : 472 - 473 برقم : 6485 .

(12) جامع الأصول 9 : 473 برقم : 6489 .

(13) صحيح الترمذي 5 : 599 برقم : 3732 .

(14) جامع الأصول 9 : 474 برقم : 6493 .

(15) جامع الأصول 9 : 475 برقم : 6496 .

(16) جامع الأصول 9 : 471 برقم : 6481 .

(17) جامع الأصول 9 : 475 - 476 برقم : 6497 .

(18) جامع الأصول 9 : 476 برقم : 6498 .

(19) جامع الأصول 9 : 477 - 478 برقم : 6502 .

(20) جامع الأصول 10 : 549 برقم : 7645 .

(21) ما بين المعقوفتين من الطرائف .

(22) الطرائف في معرفة المذاهب ص 411 - 416 ، المطبوع بتحقيقنا سنة 1399 ه‍ ق .

(23) من الدلائل على عدم مبالاته مثل أكثر أهل السنة ، بما جرى على لسانه أنه حكم  بأفضلية الأولين ، وأغمض عن مقتضى ما سمعته وأوضحته مع مزيد ، وهو اعتراف ابن  عمر بأفضلية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من غير داع عليه ، فليسا أفضلين ، وبتقوي الأمارات  عندكم بكونه ثقة ، على ما رواه ابن البطريق عن مناقب ابن المغازلي ، بإسناده عن نافع  مولى عمر أنه قال لابن عمر : من خير الناس بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : ما أنت لا أم لك ،  ثم قال : أستغفر الله خيرهم بعده من كان يحل له ما كان يحل له ويحرم عليه ما يحرم عليه ،  قلت : من هو ؟ قال : علي سد أبواب المسجد وترك باب علي ، وقال : لك في هذا المسجد  مالي وعليك فيه ما علي ، وأنت أبو ولدي ووصيي تقضي ديني ، وتنجز عدتي ، وتقتل على  سنتي ، كذب من زعم أنه يبغضك ويحبني .

ومن مسند ابن حنبل ، عن ابن عمر ، قال : كنا نقول : خير الناس أبو بكر ثم عمر ، ولقد  أوتي علي بن أبي طالب ثلاث خصال ، لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم :  زوجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بنته وولدت له ، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد ، وأعطاه الراية  يوم خيبر .

اعلم أن ابن البطريق ( رحمه الله ) كان في المائة السادسة من الهجرة ، وكانت الكتب التي روى  الأخبار منها وذكر أسنادها إلى أصحابها معروفة متداولة ، لم يمكن نسبة رواية إلى أحد ممن  نسب إليه من غير أن تكون محققة ، لكثرة المخالفين الطالبين زلته وقوتهم ، إن قطع النظر عن  ثقته ، وما ذكرته في ابن عمر جار في ابن المغازلي وابن حنبل وفي الوسائط .

إذا عرفت هذا نقول : قول ابن عمر في رواية نافع " ما أنت لا أم لك " إشارة إلى كراهة  هذا السؤال ، لوجود الداعي على عدم الصدق ، فاستغفر الله مما سولت له نفسه ونطق  بالصواب .

وقوله ( صلى الله عليه وآله ) " وتقتل على سنتي " يحتمل المعلوم والمجهول ، والأول أظهر .

ويؤيده ما روى ابن البطريق ( رحمه الله ) في الفصل الرابع والعشرين من العمدة ، من مسند ابن  حنبل ، بإسناده عن أبي المغيرة ، عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : طلبني رسول الله ( صلى الله عليه وآله )  فوجدني نائما ، فضربني برجله ، فقال : قم والله لأرضينك ، أنت أخي وأبو ولدي ، تقاتل على سنتي .

تعريضا بالثلاثة ، وعلى تقدير كون يقتل على البناء للمفعول ، فالظاهر أنه تعريض بعمر وعثمان ، وقد عرفت مقتضى آخر رواية نافع ، فلا حاجة إلى البيان " منه " .

(24) نهج البلاغة ص 256 رقم الكلام : 236 .

(25) روى ابن البطريق في الفصل الثلاثين من العمدة [ ص 237 ] من تفسير الثعلبي ، في  تفسير قوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} [البقرة: 207] بإسناده قال : أن  رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بمكة لقضاء ديونه ، وبرد  الودائع التي كانت عنده ، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على  فراشه ، فقال له : يا علي اتشح ببردي الحضرمي الأخضر ، ثم نم على فراشي ، فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله عز وجل ، ففعل ذلك ، فأوحى الله عز وجل إلى جبرئيل وميكائيل : أني قد آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر ، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة ، فاختار كلاهما الحياة .

فأوحى الله عز وجل إليهما : ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب ؟ آخيت بينه وبين محمد ، فنام على فراشه ، يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه ، فنزلا فكان جبرئيل ( عليه السلام ) عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، فقال جبرئيل : بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب ؟ يباهي الله بك الملائكة ، فأنزل الله تعالى على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي بن أبي طالب * ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ) * .

قال : قال ابن عباس : نزلت في علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) حين هرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) من المشركين إلى الغار مع أبي بكر ، ونام علي ( عليه السلام ) على فراش النبي ( صلى الله عليه وآله ) .

وروى من مسند ابن حنبل ، بإسناده عن عمرو بن ميمون ، قال : إني لجالس إلى ابن عباس ، إلى قوله : وشرى علي ( عليه السلام ) نفسه لبس ثوب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم نام على مكانه .

فإن قلت : نزول الآية في أمر المبيت ، ومباهاة الله تعالى الملائكة ، والقول بأنه يفديه بنفسه ، يدل على عدم علم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بعدم قتل المشركين إياه ، وعلى غاية عظمته عند الله تعالى ، فكيف يجتمع هذه الأمور مع قوله ( صلى الله عليه وآله ) " فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله " ومع الأمر بقضاء ديونه ورد ودائعه الدالين على الأمن من القتل ؟

قلت : الأمن إنما يلزم لو علم ( عليه السلام ) بكون ذكر المشيئة للتبرك لا للتعليق ، أو علم بكون الأمر بالقضاء والرد غير مشروط بالحياة بحسب القصد ، فلعله ( عليه السلام ) جوز كون المشيئة تعليقية ، وكون الأمر بالشيئين مشروطا بالحياة بحسب المعنى ، وهو غير بعيد في الأوامر المطلقة لو لم يدع الظهور عند صدورها من الحكيم . وبالجملة نزول الآية والمباهاة والقول بفداء النفس ، دالة على التجويز دلالة واضحة ، ولا منافاة بينه وبين ما يتوهم منافاته له.

وفي خصوص قوله ( صلى الله عليه وآله ) " فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله " محمل آخر ، وهو أنه لا يصل إليك ما يضرك ولا ترضيه ، بل كلما يصل إليك فهو خير لك ولا كراهة لك عنه ، لا أنه لا يصل إليك ألم بدني ومكروه جسماني ، ولا يبعد تأييد هذا الاحتمال بما ذكر في الأصل ، ثم قال بعضهم لبعض : ارموه بالحجارة ، فرموه ، فجعل علي يتضور ويتقلب ويتأوه تأوها خفيا .

فإن قلت : على تقدير حصول الأمن له ( عليه السلام ) بما ذكر أو بغيره أو بهما ، هل يمكن توجيه كمال فضيلة المبيت المنكشف بالآية وغيرها ؟

قلت : نعم لأنه ( عليه السلام ) يمكن أن يكون عند البيتوتة في غاية الرضا والتسليم بفداء نفسه، بل الالتذاذ به على وجه يستحق المدائح المذكورة وإن علم سلامته " منه " .

(26) شرح نهج البلاغة 13 : 303 - 306 .

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.