أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-2-2017
4928
التاريخ: 3-2-2021
1780
التاريخ: 1-2-2017
1721
التاريخ: 2023-12-19
926
|
العرب الجنوبيون(1):
تقسم الظروف الطبيعية بلاد العرب قسمين كبيرين، تفصل بينهما صحراوات واسعة، تجعل حياة كل منهما تختلف عن الأخرى؛ فبينما تحضر الجنوبيون كان الشماليون في الحجاز ونجد يعيشون معيشة يدوية، إذ كانوا في الجملة بدوًا رُحلًا ينتقلون وراء مساقط الغيث ومواضع العشب والكلأ. ونشأت عن ذلك فروق واسعة بين القسمين المتناقضين؛ فبينما ظل الشماليون يحيون في الغالب حياة بدوية إلا ما تسرب إليهم من الحضارات الأجنبية المجاورة في العراق والشام نهض الجنوبيون بحضارة لا تزال حصونها وهياكلها وقلاعها وأبراجها قائمة لم تندثر اندثارًا تامًا. وقد استطاعوا أن يشيدوا سد مأرب لحبس الماء في فصل الأمطار، مما يدل على أنه كان لديهم نظام محكم لتدبير شئون الزراعة وتوزيع المياه؛ فقد أقاموا السدود والصهاريج، وكانت أرضهم مهيأة لتزدهر فيها حياة نباتات وأشجار واسعة بفضل مياه الأمطار الموسمية وطرق الري الصناعية. ونشأت بينهم وبين بلاد العراق والشام ومصر علاقات تجارية واسعة؛ فقد كانت قوافلهم تجوب الصحراء العربية شرقًا وشمالًا منذ الألف الثاني ق.م تحمل توابل الهند ورقيق إفريقية وأفاويه اليمن وعروضها من اللُّبان والطيب والبخور وتعود محملة بعروض البلاد التي تتجر فيها.
وكان المعروف عن هؤلاء العرب الجنوبيين قليلًا؛ فهو لا يتجاوز إشارات وردت عنهم في العهد القديم وفي بعض الآثار المصرية والبابلية والأشورية وفي كتابات المؤرخين والجغرافيين من اليونانيين والرومانيين، ثم ما كتبه العرب عنهم بعد الإسلام، وتختلط به الأساطير. وظل تاريخهم غير واضح إلى أواسط القرن الماضي؛ فقد جد علماء الغرب في قراءة نقوشهم المنثورة على الأبراج والهياكل والنصب والأحجار، وهي مكتوبة بخط يسمى الخط المسند وهو خط سامي قديم وقد عرف هؤلاء العلماء اللغة التي كتبت به وبلهجاتها؛ فهي لغة سامية قريبة من الحبشية والعربية الشمالية، انبثقت فيها لهجتان أساسيتان هما المعينية والسبئية.
ومن هذه النقوش استطاع الباحثون أن يعرفوا الحضارة العربية الجنوبية بدياناتها وآلهتها وأنظمتها الحكومية ودولها وملوكها، واستقر بينهم أنه كانت هناك خمس ممالك هي: مملكة مَعين، وكانت حاضرتها معين في الجوف اليمني. ثم مملكة سبأ في جنوبيها وعاصمتها مأرب، ومملكة قتبان في الجنوب الغربي لسبأ وعاصمتها تِمْنَع، والمملكة الأوسانية جنوبي قتبان، ثم مملكة حضرموت وحاضرتها شَبْوة. ويظهر أنه كان للمعينيين دولة قوية منذ القرن العاشر ق.م وقد سيطروا على القتبانيين والحضرميين، أو بعبارة أدق سيطروا على طريق القوافل التجارية لا في الجنوب فحسب؛ بل أيضًا على طول الطريق إلى الشمال؛ فقد وجدت نقوش معينية في شمال الحجاز بدادان في منطقة العُلا الحالية وفي الحِجْر أو مدائن صالح؛ مما يدل على أنهم أنشئوا في هذه الجهات مراكز لقوافلهم التجارية كي تحميها. وأغلب الظن أنه كان لهم بها حاميات نزلت بها بعض عشائرهم. ومع مرور الزمن غلبت عليهم طوابع العرب الشماليين؛ فكانوا بذلك أول من حمل الحضارة الجنوبية إلى إخوانهم في الشمال.
ولا نصل إلى القرن السابع ق.م. حتى يغلب السبئيون على المعينين ويمدوا سلطانهم بعد ذلك على الاتحاد الجنوبي كله، كما يمدونه على مراكز المعينيين في الشمال، وقد تحولت إلى أيديهم أزمة القوافل التجارية، واتخذوا مأرب حاضرة لهم، وقصة سدها وخرابه مشهورة، وكذلك قصة ملكتها بلقيس مع سليمان عليه السلام. وحدث حوالي سنة 270 ق.م أن أنشأ بطليموس الثاني أسطولًا بحريًّا في البحر الأحمر يحمل إلى مصر عروض الهند وإفريقية الشرقية فأحدث ذلك اضطرابًا في شئون السبئيين الاقتصادية، ونازعهم ملوك رَيْدان أصحاب ظفَارِ وغلبوا عليهم وعلى الدول الجنوبية منذ سنة 115ق.م. وكانوا يتلقبون باسم ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت واليمنات، وهم الحميريون. ودولتهم آخر الدول العربية الجنوبية، ولا نصل إلى سنة 24ق.م حتى نجد إليوس جالوس وإلى الرومان على مصر يجهز حملة كبيرة لفتح بلاد الحميريين والاستيلاء على ما بأيديهم من مفاتيح تجارة التوابل والأفاويه، وفشلت حملته فشلًا ذريعًا؛ غير أن الرومان اتجهوا إلى الملاحة في البحر الأحمر، ويقال إنهم استولوا على ميناء عدن واتخذوها قاعدة لتموين سفنهم؛ فشلّوا بذلك تجارة الحميريين وساءت أحوالهم الاقتصادية، فأهملوا شئونهم العمرانية، واستولوا على بلادهم في منتصف القرن الرابع الميلادي وظلوا بها نحو عشرين عامًا، عادت بعدها الدولة الحميرية؛ ولكنها لم تعد إلى سابق قوتها فإن القبائل الشمالية أخذت تُغير عليها كما أخذ كثير من عشائرها يهاجر إلى الشمال. وفي نقوشهم ما يدل على أن الأعراب نزلوا بديارهم منذ القرن الرابع الميلادي واستقروا فيها، وقد أخذت لغتهم تتغلب في بعض الجهات على لغة البلاد الأصلية كما أن من هاجر من عرب الجنوب إلى الشمال غلبت عليه لغة الشماليين، مما أعد لانتصار العربية الشمالية على العربية الجنوبية في أواخر العصر الجاهلي.
وفي هذه الأثناء تغلغلت اليهودية في الجزيرة العربية منذ اضطهد أباطرة الرومان اليهود في القرن الأول للميلاد، واندفعت بعثات دينية مسيحية إلى الجنوب، واعتنقت مدينة نجران في القرن الخامس هذا الدين الجديد. وربما كان السبب في هذه البعثات المنافسة الشديدة بين فارس وبيزنطة. وأفزع ملوك حمير تغلغل النصرانية في ديارهم؛ خوفًا من تحولها إلى البيزنطيين، فناهضوها وأيضًا فإنهم كانوا يخافون من ملوك الحبشة المسيحيين أن يدخلوا عن طريقها بلادهم. ونشب هناك صراع حاد بين اليهودية والنصرانية، ولا نلبث أن نرى "ذا نواس" آخر الملوك الحميريين يعتنق اليهودية ويحاول القضاء على المسيحيين في نجران؛ فأوعزت بيزنطة إلى النجاشي أن يغزو اليمن. فغزاها سنة 525 واستولى عليها وضمها إلى بلاده. وظل هذا الاحتلال الحبشي نحو خمسين عامًا، ثارت فيها اليمن ثورات عنيفة، وأخيرًا استنجد أهلها بالفرس أعداء بيزنطة؛ فردوا الأحباش وظلوا بها حتى سنة 628م؛ إذ اعتنق باذان عاملهم الإسلام؛ وبذلك ينتهي التاريخ القديم للعرب الجنوبيين.
ولعل في كل ما قدمنا ما يدل على أن عرب الجنوب لعبوا دورًا واسعًا في تاريخ الحضارة العربية القديمة، وكانت حضارتهم عربية صافية لم تأتهم من الخارج؛ بل نمت وتطورت في الداخل؛ إذ كان لهم قوانينهم وأنظمتهم ودساتيرهم، وكان لهم قدم راسخة في عمارة القصور والهياكل وتشييد السدود. وكانوا يؤلهون السيارات الفلكية والنجوم، وأثرت ديانتهم الوثنية في العرب الشماليين؛ إذ يُظن أنهم أخذوا عنهم -كما أخذوا عن الآراميين- عبادة الكواكب، وكانت تقوم على أساس ثالوث هو القمر واسمه عند المعينيين وَدّ، وكان إلههم الأكبر، وتليه الشمس التي اعتبروها زوجه وهي اللات، ومهما ولد عثتر أو العُزي أي الزهرة أو فينوس. وبجانب هذا الثالوث كان عندهم آلهة أخرى ترمز لبعض النجوم أو بعض الطير أو بعض مظاهر الطبيعة، وكانوا يقدمون لها القرابين ويبنون الهياكل ويقوم عليها كهنة ذوو نفوذ كبير. ويظهر أنه كان لهم أدب ديني كثير؛ إلا أن الإسلام قضى عليه كما قضى على الأدب الوثني في الشمال. وقد حملوا مع قوافلهم وهجراتهم دينهم وحضارتهم إلى العرب الشماليين، فأثروا فيهم آثارًا بعيدة. وظلوا حتى ظهور الإسلام يشكلون عنصرًا مباينًا لهم، على الأقل من حيث النسب، فكانوا يدعون القحطانيين أو اليمنيين؛ بينما دعي عرب الشمال باسم العدنانيين أو النزاريين. ويلاحظ أن قبائلهم المهاجرة اختارت في الأكثر جوار الأمم المتحضرة، فنزلت غسان وقضاعة ومن إليهما في الشام ونزلت لحم في العراق. ومنهم من نزل في داخل الجزيرة وأظهر ميلًا إلى التحضر والاستقرار كالأوس والخزرج في المدينة وكندة في الشمال. على أن من تم منهم اندماجه في البدو تلاشت فيه هذه النزعة مثل طيئ في جبلي أجأ وسلمى. ومن يتعقب القبائل القحطانية في الإسلام يرى أنها كانت تحترم النظام المطلق، بينما كان يمقته النزاريون.
_________
(1) انظر في أصل تسمية العرب باسمهم كتاب تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي 1/ 169 وراجع في تاريخ العرب الجنوبيين كتاب "التاريخ العربي القديم" لطائفة من المستشرقين ترجمة فؤاد حسنين علي "نشر وزارة التربية والتعليم" وانظر "تاريخ العرب قبل الإسلام" لجواد علي 1/ 375، 2/ 8- 276، 3/ 136- 214.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|