المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6767 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



صور من حضارة اشور  
  
2632   10:24 صباحاً   التاريخ: 14-1-2017
المؤلف : عبد العزيز صالح
الكتاب أو المصدر : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق
الجزء والصفحة : ص526-537
القسم : التاريخ / الامبراطوريات والدول القديمة في العراق / الاشوريون /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-1-2017 1409
التاريخ: 18-7-2018 2440
التاريخ: 20-7-2018 4853
التاريخ: 2023-07-24 1143

ترك الآشوريون آثارًا عدة في عواصمهم الكبرى آشور ونينوى: وكالح ودور روكين. وقامت نينوى بالقرب من الموصل الحالية، ووجدت بقايا آثارها في ربوتين رئيسيتين: ربوة قويونجيق في طرفها الشمالي الغربي وهي الأكبر، وربوة النبي يونس في طرفها الجنوبي الشرقي وهي الأصغر. وتوفرت محاجر الألباستر حولها فاستغلها المعماريون فيها في بناء وتزيين قصور ملوكهم. ولعبت المدينة دور العاصمة منذ القرن الثامن عشر ق. م وفيما يعاصر عهد حمورابي، وتجدد حظها في العصر الآشوري الحديث خلال القرن السابع ق. م وفي عهدي سينا خريب وآشور بانيبال بخاصة، حيث بلغ محيط سورها نحو عشرة أميال، وتضمن ما لا يقل عن خمس عشرة بوابة (1). ولا تزال أطلال معالم مشروعات القنوات والحدائق باقية فيها من عهد سينا خريب، وقد ذكرت نصوصه أن رجاله زرعوا له فيه شجيرات ... التي سموها شجيرات الصوف.

ولم تكتشف كل ربوة قوبونجيق لاتساعها، ولكن الصورة العامة للمنطقة التي تشغلها هي قيام قصر سينا خريب في جنوبها الغربي، وقصر آشور بانيبال في شمالها، وقد اكتشف كلاهما في أوساط القرن الماضي.

وقدر لايارد مساحة الجدران المنقوشة المكتشفة من قصر سينا خريب حتى عام 1853 بنحو عشرة آلاف قدم وإن كان أغلبها قد تهدم في العصور القديمة، ونقل بعض ما بقي منها إلى حوزة المتحف البريطاني. وتناولت نقوشها ما يصور رحلات الصيد الملكية وحياة البلاط وتقارير تفصيلية للمنشآت المعمارية والدفاعية التي تمت في عهده وعمل فيها أسراه.

ومثل قصر آشور بانيبال في نينوى مصدرًا آخر للفن الآشوري، ولو أن ما عرف عنه على الرغم من روعته، لا يزال أقل مما عرف عن القصر الأول، ليس فقط لما أصابه من تدميرات متعاقبة، بل ولضياع كثير من نقوش جدرانه وصورها خلال عمليات نقلها في العصر الحديث؛ ولا تزال بقايا مناظر الصيد فيه تمثل ذروة ما بلغه الفن الآشوري في ميدانها.

وتخلفت فيما بين القصرين الكبيرين بنينوى بقايا معبدين للإلهين نابو وإشتار. وتحد مدخل المعبد الثاني منهما تماثيل ونقوش تصور الملك منشئ المعبد في طريقه إليه على عرش محمول فوق عجلات ويصحبه أهل بلاطه وحراسه وعدد من الموسيقيين.

وأدت كالحو، أو كالح التوراة، أو نمرود الحالية، دور العاصمة الآشورية الثانية. وهي مدينة قامت على الضفة اليسرى لدجلة، إلى الشمال الشرقي من مدينة آشور التي تقع على ضفته اليمنى، وامتد عمراتها فوق لسان خصب بين الدجلة والزاب الأكبر، ونشأت كمركز عسكري، ثم احتلت مكانتها المدنية بتشييد بعض قصور الملوك الآشوريين فيها منذ القرن الثالث عشر ق.م في عهد شلما نصر الأول، ثم زادت أهميتها في العصر الآشوري الحديث، وكشف فيها حتى الآن عن بقايا قصور الملوك الثلاثة الكبار آشور ناصر بال الثاني وشلما نصر الثالث وآشور أخادين. وهي قصور دلت على ما دلت عليه قصور نينوى، من حيث فخامة واجهاتها، وحراسة التماثيل الحيوانية البشرية الحجرية الضخمة لمداخلها "حراسة رمزية"، ومن حيث تعدد الأجنحة والقاعات فيها، وتميز القاعات الرئيسية منها وقاعات العرش بخاصة بمناظر منقوشة تسجل لقطات مختارة من حياة الملوك في الحرب والسلم مع كثير من المبالغات المعتادة، ولوحات منقوشة تنطق بمثل ذلك، كلوحة تصور خضوع ياهو الإسرائيلي أمام شلما نصر الثالث "عام 841ق. م"، وأخريات تتحدث عن حفل افتتاح قصر آشور ناصر بال في عام 879ق. م، بعد جهود طويلة ونفقات طائلة بذلت في تشييده، وأقيم بعدها حفل بلغ عدد المدعويين فيه 69574 شخصًا استضافهم الملك لعشرة أيام(2)، ثم من حيث قرب المعابد والمزارات والزقورات من الأحياء الملكية، وأخيرًا من حيث ما أدت المصادفات إليه من بقاء بعض التحف والطرف فيها مثل قطع العاج الثمينة المشكلة، والأواني المعدنية الفاخرة، واللوحات المسمارية ذات الصبغات الأدبية والإدارية والتنجيمية والتعليمية.

وتخير سرجون لنفسه عاصمة جديدة تقع إلى الشمال الشرقي من نينوى بنحو 16 كيلومتر، ونسبت إليه في تسميتها "دور شروكين" أي داره أو مدينته، وافتتحها قبل وفاته بنحو خمس سنين.

ثم هجرها العمران بعده بفترة قليلة فغطاها الرديم وحمى لحسن الحظ جزءًا كبيرًا من أطلالها، واحتفظت المصادر العربية بجزء من التسمية القديمة لهذه المدينة مع قليل من التحريف حيث ذكرتها باسم "سرغون" بينما احتفظ اسمها الحالي بنطق آخر أطلقه الساسانيون عليها وهو "خسرو أباد" "أي مدينة خسرو"، مع تحريفه إلى "خور سباد" و"خور صباد" في اللغة الدارجة الحالية.

قامت هذه المدينة على خطه شبه مربعة بلغت مساحتها نحو ميل مربع، وأحاطت بها أسوار ضخمة تنفتح في واجهاتها الأربع سبعة مداخل متباعدة، وقيل إنه كان لها 150 برجًا. وشيد لسرجون فيها قصران من طابق واحد أحدهما كبير في الضلع الشمالي للمدينة والآخر صغير في ضلعها الغربي. وقام الكبير منهما فوق مسطح مرتفع يؤدي إليه طريق صاعد، وتضمن نحو مائتي قاعة بلغت أبعاد القاعات الرئيسية منها نحن 32×8 أمتار، وبلغت مساحة بهوها الكبير نحو 976 مترًا. وخدمت القاعات الصغرى منها أغراض الملحقات وأماكن الإدارية. ويذهب الظن إلى أن عددًا من حجراتها المستطيلة سقفت بعقود وأن عددًا من حجراتها المربعة سقفت بقباب. واتصلت بقصر سرجون عن طريق فنائه الواسع ستة معابد، ثلاثة كبيرة وثلاثة صغيرة، وجاورتها زقورة مشتركة بلغ طول ضلع قاعدتها 143 قدمًا، وتخلف منها ما يدل على ثلاث طبقات أو أربع، لونت كل طبقة منها بلون مختلف عن لون الأخرى، وبلغ ارتفاع كل واحدة منها ثمانية عشر قدمًا. ويحتمل أن الزقورة بنيت في أصلها مع سبع طبقات وتوجها قدس الأقداس على ارتفاع 143 قدمًا، أي بما يساوي طول ضلع القاعدة. وكان يدور حولها طريق صاعد مسور يبدأ من القاعدة حتى القمة. وأقيم أكبر المعابد الستة، وهو معبد نابو، فوق مسطح مرتفع يؤدي إليه طريق صاعد، وتقدمت بوابته الداخلية صوار مصفحة بالبرونز تعلوها رموز مقدسة، وكسيت جوانبها بقراميد من القاشاني الملون "أو الطوب المزجج" المزخرف، تصور حيوانات وطيور وأشجار، وقامت في واجهة المعبد أساطين نصفية.

واستخدم المعماريون في عمائر سرجون الأحجار بكثرة في الأساسات وقواعد الأساطين وتيجانها وأعتاب الأبواب الرئيسية، وفي رصف الأرضيات وحشو شرفات القصر، وتكسيه أسافل الجدران الكبيرة. بينما استخدموا قوالب اللبن في بناء بقية الجدران، واستخدموا الآجر في بناء الأقبية والعقود المدببة وما يشبهها، واستفادوا في تنفيذ مبانيهم وزخارفها من أساليب المباني الحيثية القديمة والمباني السورية المجاورة لأرضهم. وهكذا كسيت الجوانب الداخلية لمداخل الحصن والقصر الرئيسية بالجص حتى ارتفاع يصل إلى ما بين الخمسة والستة أقادم، وكسيت أكتافها بلوحات حجرية امتدت نحو 14 قدمًا طولًا وارتفعت نحو 13 قدمًا، ونقشت بصور مجسمة شديدة البروز لكائنات حارسة. وكسيت جوانب فناء القصر الرئيسي وجدران قاعاته الرئيسية بلوحات حجرية أيضًا نقشت بحوليات سرجون وصوره متبوعًا برجال حاشيته، في أحجام كبيرة يزيد بعضها عن الحجم الطبيعي لقامة الإنسان، بينما نقشت لوحات الممر المؤدي إلى قاعة العرش بصور كائنات حارسة. ولعل الآشوريون قد اقتبسوا أسلوب الكساء الحجري في أول الأمر من مباني الحيثيين في بوغازكوي من مباني شمال سوريا في مثل ألالاخ وتل العطشانة الحالية.

وتميزت عمارة القصر الصغير ببناء صفة ذات أساطين تعقب المدخل وتقوم أساطينها الخشبية المرتفعة فوق قواعد حجرية شكلت بعض وجوهها على هيئات الأسود، وشكل بعضها الآخر بما يشبه هيئة الآنية "المصمتة" المزخرفة المنبعجة الجوانب. وكان الآشوريون قد استعاروا أسلوب الصفة وأساطينها ذات القواعد المشكلة من مباني جيرانهم الغربيين واحتفظوا لها باسمها الشائع في شمال سوريا، وهو "بيت خيلاني" ويبدو أن الصفة السورية كانت مجرد تقليد لأصل حيثي، بحيث رأى بعض الآثاريين أن الصفة الآشورية كانت أقرب إلى الأصل الحيثي منها إلى التقليد السوري، وأنها استخدمت كالصفة الحيثية جزءًا من بهو المدخل، بينما كانت تعتبر في سوريا بناية مستقلة بذاتها(3).

عبر الفن التسجيلي الآشوري عن وجوه عدة من الحياة الحربية والاجتماعية والدينية في عصره، فضلًا عن دلالته الذاتية عن تطور الأساليب والمهارات الفنية عند أصحابه. ووجد هذا الفن مجالاته الرحبة على السطوح المعتادة القديمة مثل سطوح النصب، والجدران المكسورة بالخزف، والأخشاب المصفحة برقائق معدنية، وعلى الأختام وقواعد التماثيل والعروش، فضلًا عن سطوح جديدة على أعمدة تشبه هيئة المسلات وعلى الأفاريز الحجرية لجدران القصور والمعابد وكانت ترتفع إلى نحو سبعة أقدام. وظل هدف الفن على هذه السطوح كلها أكثر احتفالًا بإشباع شهوة الغلبة وحب الزهو والتعاظم عند الملوك، فصورهم يقودون الجيوش ويتقبلون خضوع زعماء خصومهم ويفتكون ببعضهم أو يشهدون التمثيل بهم. وصور ربهم آشور يشاركهم القتال ويصوب سهامه من قرصه المجنح. وصور المشاة والخيالة وفرسان العربات ذات العجلات الغليظة التي يستقلها اثنان أو ثلاثة "ويصحب الملك فيه عادة سائق وتابع مسلح" وصور تحركات الجيوش في ساعات الكر والفر وعمليات مهاجمة الأسوار بالمدببات والسهام والفؤوس والعمد الطويلة. وصور هدم المدن وتحريقها، وراحة الجنود في معسكراتهم. كما صور ذلة الأسارة وتهجير المدنيين. وحرص على أن يجعل النصر من نصيب الآشوريون دائمًا، شأنه في ذلك شن كل فن تسجيلي قديم بالنسبة لأهله، وترتب على ذلك أن أصبحت أغلب لوحاته لا تخلو من رتابة ومناظر معادة، زادها افتعالًا مبالغة أغلب الفنانيين في تنميق زخارف السطوح والثياب والشعور واللحى، والمبالغة في إظهار عضلات الشخصيات الرئيسية وهم الملوك في أغلب الأحوال، ثم إخضاع بعض الكائنات الطبيعية لعناصر زخرفية مفتعلة، وعدم مراعاة التناسب أحيانًا بين المكان وشاغليه، سواء في الارتفاع أم في المساحة. ولم يخفف من ثقل هذه الظواهر غير نجاح بعض أولئك الفنانين في إظهار حيوية تحركات الأفراد ولفتاتهم، والتمييز بين ملابس طبقة وأخرى، والتمييز بين ملابس الآشوريين وبين ملابس أعدائهم، والتعبير عن البيئة الطبيعية بما يناسبها، كمنحدرات الجبال وحدود الجزر وأحراج البوص عند مصبات الأنهار، ثم إظهار طابع الطراوة في صور الولدان الخواص من خدم القصر بحيث تراهم في هيئات تشبه الإناث أو الأغوات وقد يرجع ذلك إلى كثرة الولدان الأجانب والمولدين من جواري أرمينيا وإيران وآسيا الصغرى في بلاطات الملوك وقصور السراة.

وعلى نحو ما سجل الفنانون لحظات انتصار ملوكهم، صوروا لحظات صيدهم للأسود والثيران الوحشية. وكان الجنود يحيطون عادة بساحة الصيد الملكية ويؤلفون سورًا حولها بتروسهم الكبيرة، وربما صادوا الأسود من أجماتها، واحتجزوها في أقفاص كبيرة استعدادًا لإطلاقها حين يحين وقت الصيد الملكي وحينئذ كان يعلو قفص الأسد قفص آخر يحتمي فيه حارسه حين يرفع الباب إلى أعلى لإطلاق الأسد من أسره(4). وكان الملك يصيد راجلًا وعلى عربته وفوق صهوة جواده، ويكسو ذراعيه وساقيه بجلد سميك ذي شرائط ليتقي به تأثير مخالب الوحوش، أو يصحبه حراسه ليشاركوه الصيد ويناولوه السهام ويجهزوا على الوحوش الجريحة ويدافعوا عنه حين المفاجأة. وقد يسرف الفنان فيصور ملكه يرفع أسدًا صحراويًّا من ذيله، أو يصوره وقد تجمعت أمامه جثث عدد كبير من السباع وهو يطؤها بقدمه ويسكب عليها ماء مقدسًا ليقدمها قربانًا لإشتار ربة الحرب وسط تراتيل الكهان والحراس وأنغام الموسيقى الوترية. ولم يخفف من غلواء الفنانين في تصوير شجاعة ملوكهم إلا البراعة الفائقة من كبارهم في تصوير خصائص الحيوان ومظاهر اندفاعه وغضبه، وتهالكه وألمه، وبلغوا من ذلك حدًّا لم يبلغوه في تصوير الإنسان. وقد وفق فنان عهد آشور بانيبال التوفيق كله في تصوير الحيوانات الجريحة كتصوير لبؤة أدمتها السهام فانطلقت تزأر في ألم ممض وتجر مؤخرتها العاجزة وهي تقاوم نزعها الأخير(5)، وتصوير أسد هائل تقوقع على نفسه رافعًا كتفيه متحاملًا بأربعته على الأرض بكل قوته ليقاوم السقوط وهو ينزف دماءه بغزارة من فمه(6)، وآخر تدلى لسانه وبرزت أنيابه وتحجرت مآقيه بعد أن لقي حتفه(7).

وعبرت المناظر عن الحياة المدنية للملوك، ولكنها صبغتها بصبغة رسمية غالبة، ومن أشهر صورها مناظر آشور ناصربال في كالح في مجالس قصره وفي أعقاب حفلات صيده، يستمتع بالشراب والموسيقى، أو يصب الماء من كأسه على صيده ليقدمه قربانًا لربه(8). ثم مناظر سرجون مع رجال حاشيته عند استقبال مقدمي الهدايا إليه(9)، على جوانب أفنية قصره والردهة المؤدية إلى قاعة عرشه. وزيارة شلما نصر الثالث لمنابع دجلة ودعواته أمام ربها(10)، وخروج سينا خريب في موكب النصر في عربة مدنية تعلوها مظلة مرتفعة تشبهها مظلات العربات الهندية(11).

أما عن الحياة الداخلية الخاصة للملوك، فلعل أشهر مناظرها القليلة الباقية هي صور آشور ناصربال في مناسبات شرابه. وصورة آشور بانيبال وقد تخفف من ثيابه التقليدية واستلقى على سرير مرتفع تحت كرمة أو خميلة، ودلى قلادته من طرف سريره، ووضع سيفه على منضدة تجاوره، وجلست أمامه زوجة بدينة ثقيلة تشاركه الشراب، وأحاط بهما الأتباع والعازفون وخدم المائدة، وتدلت في الوقت نفسه رأس عدوه الألد ملك عيلام من شجرة مرتفعة غير مثمرة(12).

وليس من نقوش متميزة يستشهد بها في تصوير حياة الأفراد، وقد يرجع ذلك إلى طغيان شخصيات الملوك وتغطيتها على من سواها، أو يرجع إلى قلة احتفال الأفراد أنفسهم بمقابرهم ومناظرها كما حفل المصريون. غير أن المناظر الملكية تجاوزت في بعض المرات حدود الحياة الملكية إلى تصوير حياة الأتباع، فصورت على سبيل المثال فترات الراحة للجنود، ومن هذا القبيل لقطات من معسكر آشور ناصربال صورت مطابخ الجيش ورجاله، وحظائر الخيول وسياسها، وعمليات إقامة السرادقات وإعدادها لسكنى الضباط(13)، ومنظر لركن من أركان معسكر آشور بانيبال بعد انتصاره على مدينة هامان، وقد وقف على باب المعسكر جندي مسلح جلست أمامه امرأة تمازحه، وجلس الجنود في الداخل يعبون من الكاسات ويصطلون(14). وصورت بعض المناظر جوانب من حياة الطبقة الكادحة -عرضًا- كتصوير عمال يشدون خلفهم عربات كبيرة محملة بجذوع أشجار ضخمة، بحبال تنساق فوق أكتافهم كالدواب(15).

وظل النقش المسطح المنخفض قليل الروز، أكثر شيوعًا مما سواه. وظل التصوير يؤثر طابع الضخامة والامتلاء بالنسبة للشخصيات الكبيرة، وطابع الرهبة بالنسبة للشخصيات الخرافية. وتقيدت أغلب المناظر بالتقاليد القديمة المألوفة، مثل تقسيم المسطحات إلى صفين أو ثلاثة صفوف، وانتهاء كل موضوع بنهاية صفه، واستقرار الأشخاص فوق خطوط الوقف، وشغل الفراغات بمفردات مناظر ليس من الضروري أن يتوافر الترابط بينهما دائمًا. ولكن شذت عن هذه التقاليد بضع لوحات كبيرة وصغيرة، تجاوز الفنانون في بعضها حدود الخطوط، ورابطوا بين مناظر الصفوف المتعاقبة، ثم تخلوا في بعض آخر عن فكرة الصفوف تمامًا ونجحوا في استخدام المسطح كله لتصوير مراحل متتابعة مترابطة من موضوع واحد، وهو موضوع الحرب في أغلب الأحوال، ويذكر من النماذج الناجحة لهذه الاتجاهات اتصال المناظر لكل صف على الوجوه الأربعة لمسلة آشور ناصربال بحيث ظهرت خلفية الخيول التي تجر العربة الملكية على وجه وظهرت بقية العربة وتوابعها في موازاة السطر نفسه على وجه آخر(16). ثم تصوير قطعان الظباء والحمر الوحشية والخيول البرية وكلاب الصيد، تصوير من شاهدها ودرس خصائصها في أحوال أمنها وساعات فزعها، طليقة لا تتقيد صورها بخطوط الوقف ولا بالأرضية المستقيمة، مما سمح بإظهار العمق في مناظرها(17). واتصال موضوع واحد على ثلاثة صفوف في مناظر الحرب الآشورية العربية، وهي مناظر تموج بالحركة والكر والفر والسرعة، يقاتل الآشوريون فيها بالحراب والسهام، مشاة وفي العربات وعلى صهوات الخيول، ويقاتل الأعراب فيها مشاة وعلى ظهور النجائب، يمتطي كل اثنين بعيرًا، أحدهما يسوقه بعصاه والآخر يرمي عن سوقه أمامًا وخلفًا، وتجري النجائب بسرعة عجيبة لتنقذ راكبها وتنجو بنفسها، حتى لتكاد تقفز أو تطير ... (18). ثم حرية المناظر في لوحات الحروب الآشورية العيلامية مما بسطناه في سياق حديثنا عن الحرب ذاتها. ويماثلها إلى حد ما منظر مهاجمة لاشيش في عهد سينا خريب ص532.

وتهيأت المواد الأولية لفن النحت في آشور أكثر مما تهيأت في بابل؛ لقربها من مناطق الجبال وقرب محاجر الألباستر من عاصمتها نينوى، ولاتساع أملاكها الخارجية الغنية بالأحجار والمعادن الصالحة للنحت والتشكيل، لولا أنه لم يبق من التماثيل الآشورية غير قلة لا تتفق مع إمكانيات عصرها. انحصرت نماذجها الناجحة في تماثيل الملوك والأرباب أكثر من تماثيل الأفراد، ولسنا ندري مرة أخرى إن كانت هذه الظاهرة قد ترتبت على محض المصادفة، أم ترتبت على انعدام شخصية الفرد أمام جبروت الملوك. ويستشهد من التماثيل الناجحة للملوك بتمثال حجري صغير لآشور ناصربال يبلغ ارتفاع نحو المتر ولا يخلو من التأثر بالسلوب البابلي، يمثله واقفًا في هيئة رسمية في سن الرجولة بشارب متدلٍ وشعر مرسل طويل ولحية ضخمة مزجلة مستعارة. ولا تخلو جزئيات هذا التمثال من عيوب، كضيق الجبهة، وتحديق العينين، ورقة الشفتين، وفرطحة القدمين، والافتعال في تمثيل اللحية المرجلة، وخشونة الظهر، ولكنه على الرغم ذلك مقبول في مجمله لا سيما ببدنه الملفوف، وانحدار كتفيه، وامتلاء ذراعه العارية، مع نحافة خصره تحت من تأثير ربطة الزنار، والحزور الزخرفية التي تزين ثوبه، وقد شكلت الشارتان اللتان يمسكهما في يدين بالنقش البارز في جسم تمثاله(19) ونقشت بضعة سطور على صدره تشيد باتباع ملكه. وعثر عليه في مشكاة بمعبد نينورتا بعاصمته كالح، باعتباره باني المعبد ليستفيد عن طريق تمثاله بما يقدم إلى أرباب المعبد من صلوات ودعوات وقرابين. وتمثال صغير من الكهرمان كان جزءًا من حلية كبيرة، لملك آشوري غير معروف، تضمن مزايا التمثال السابق دون عيوبه، وزاد عليها سماحة مظهره، وسلامة تكوين العينين، وصدق تمثيل الشفتين، وطرافة تشكيل الشارب مبروم الطرفين، وانعقاد يديه على صدره، وتحلية صدريته الطويلة بزخارف نباتية لطيفة(20). ثم تمثال صغير للمعبود نابو، من أواخر القرن التاسع ق. م، يمثله بجسد ملفوف ذي خطوط بسيطة، وشعر كث مرسل ولحية طويلة وشارب بسيط متدل، وتاج ذي قرون، ووجه لا يخلو من سماحة يزكيها عقد يديه أسفل صدره وتشابك كفيه في ليونة لطيفة(21).

وجمعت بين النقش والنحت نقوش شديدة البروز أجيد تفريغ خلفياتها فبدت على هيئة التماثيل الناتئة من جدرانها، وتجلت نماذجها الكبيرة على أفاريز حجرية رجصية كست جوانب مداخل قصر آشور ناصربال، ومعبد نينورتا في كالح، وجوانب مداخل قصر سرجون ومدخل قاعة عرشه في خور سباد. وتراوحت ارتفاعاتها بين الثلاثة وبين الأربعة أمتار، وتجسمت مفرداتها على هيئة كائنات حارسة ذات هيئات بشرية مجنحة، وأخرى ذات هيئات بشرية خالصة، وثيران وأسود مجنحة برؤوس بشرية ضخمة متوجة لم ينس الفنانون تفاصيلها الصغيرة حتى الأقراط المتدلية من الآذان. ولعب الخيال الفني والأسطوري دوره في تمثيل بعض هذه الكائنات الضخمة ذات الأجسام الحيوانية والرؤوس البشرية بخمس سيقان، اثنتين أماميتين ضخمتين متجاورتين توحيان بطابع الثبات والاستقرار لمن يشاهدهما من الجانب، وتنسجمان مع امتلاء صدر حيوانهما وفخامة رأسه البشرية، ثم ثلاث سيقان أخريات ذوات حجم طبيعي تنسجم مع جسم الحيوان، وتتقدم إحداها الأخرى بحيث توحي في مجموعها بهيئة المشي لمن يشاهدها من الجانب.

وامتازت رءوس الكائنات عند مدخل قاعة عرش سرجون بتصويرها من الأمام والتفاتها ناحية الداخلين لتملأهم روعة ورهبة. وسمحت سطوحها المجسمة المتسعة بإظهار تفاصيل تكوين الجسم البشري لا سيما صفحات الوجوه وعضلات الذراعين والساقين، وتفاصيل الثياب والأجنحة، في أناة مستحبة غطت على عيوب طابع المبالغة في تمثيل اللحى الكثة والشعور الطويلة. واستغلت أرضياتها لنقش نصوص تمجد ملك عصرها(22)، وهكذا جمعت بين أغراض النقش والنحت والزخرف والتسجيل والرمز بالحماية المقدسة، كما جمعت بين الأسلوب الواقعي والتخيل الأسطوري، وجمعت بين الجمود وبين مظاهر الحركة والحيل الفنية.

وأدى فن الرسم الملون دوره، وبقيت منه نماذج قليلة ولكنها متقنة تشهد بتجارب طويلة سابقة، وأشهرها هي رسوم قاعة عرش سرجون والبهو المؤدي إليها؛ وتتألف من شرائط أفقية عريضة، تتكرر في كل شريط منها وحدتان زخرفيتان، إحداهما لحيوان أو كائن خرافي مقدس، والأخرى لزهرة كبيرة أو تخطيط هندسي لطيف، وتفصل بين كل شريط وآخر خطوط متجانسة، ويعلوها كلها ويتوسط اتساعها محراب مزخرف تظهر صورة الملك فيه وهو يحيي تمثال معبوده(23).

وواصلت الفنون الصغرى، أو الفنون التطبيقية، طريقها في زخارف النسيج ونقوش الأختام ونقوش الأواني والكؤوس وزخارف، فضلًا عن تشكيل القوائم المعدنية للمشاعل وموائد القربان، وتطعيم وتكفيت اللوحات الخشبية والمرمرية وقطع الأثاث الفاخر. وعبرت وحدات هذه الفنون عن الأذواق الآشورية المعاصرة لها وانتفعت في ذلك بتراث عصرها الوسيط، ولكنها استفادت في الوقت نفسه من محصول الإمبراطورية الواسعة، فظهرت فيها تأثيرات بابلية وحيثية وسورية ومصرية، بل وتأثيرات من أرمينيا، وما حولها أيضًا(24).

وبلغت زخارف النسيج الآشورية مبلغًا كبيرًا من الرقة والتنوع في ملابس الملوك الخاصة، واعتمد أغلبها على زخارف نباتية اصطلاحية شاعت فيها صورة الشجرة المقدسة أو شجرة الحياة؛ ومناظر أسطورية لكائنات مجنحة خيرة وعاتية، وحيوانات أليفة وضارية(25)؛ وتخطيطات هندسية لطيفة تكاد تعتبر الأصل البعيد لتعاشيق الأرابيسك الإسلامية(26). ومن أمتع ما يقرن بزخارف الملابس، تنوع هيئات أغطية الرؤوس في المناظر الآشورية، فمنها قلانس تشبه الطاقية، وأخرى تشبه القاووق والطرطور والأسطوانة المرتفعة؛ وغيرها تشبه طربوشًا بلون واحد أو لونين قد يكون مرتفعًا يعلوه ما يشبه القمع المقلوب؛ وقد تتدلى منه عدبة طويلة تصل إلى ما تحت الكتفين، وذلك فضلًا عن التيجان المقدسة ذات الزوجين أو الثلاثة أزواج من القرون. وتنوعت طرز النعال أيضًا؛ فمنها ما يشبه الخف الصوفي؛ ومنها الطويل الذي يشبه ما يسمى الآن التوزلك أو البوت؛ ومنها الصندل العادي ذو الأشرطة؛ ومنها أشكال أخرى لا تحضرنا مرادفات أسمائها في اللغة العربية.

وشكلت زخارف بعض اللوحات المرمرية، في قصر سرجون خورسباد وقصر سينا خريب في قويونجيق بنينوى، بوحدات تشبه وحدات زخارف السجاد الشرقي المألوفة(27)، وقد تكون أصلًا لها أو تكون مشتقة من زخارف بسط فرشت بها أرضيات القصور الآشورية فعلًا.

وانتفعت نقوش الأختام الأسطوانية والمسطحة من تراث العصر الآشوري الوسيط؛ وأحيت معه عناصر بابلية قديمة؛ واستعارت كذلك بعض الأساليب الحيثية القديمة؛ وامتازت النقوش الجيدة منها بوضوح مناظرها واستقلال مفرداتها وحيوية تفاصيلها النباتية والحيوانية، مثل حراشيف النخيل وسعفه وريش الأجنحة وزخارف الملابس؛ واستطاعت أن تعبر بوضوح عن مضمون بعض الأساطير وبعض مناظر الصيد والتعبد وتقديم القرابين.

ونهل الفنانون الآشوريون من فنون سوريا الخاضعة لهم، واتخذوها معبرًا لهم إلى اقتباس فنون الترف المصرية الخالصة، والمحورة منها بالطابع السوري. وكان أمتع هذه الفنون بالنسبة لهم هو تطعيم لوحات العاج وجوانب الصناديق الفاخرة وتكفيت الصحاف والأواني المعدنية وزخارف المقابض العاجية للمراوح الفاخرة والمرايا المعدنية. واحتفظت أطلال قصورهم بقطع عاجية مطعمة بهيئات كائنات حيوانية زخرفية مجنحة لها رءوس الكباش، ولها أمثالها في الفن الشامي، ومنها مقبض عاجي شكل على هيئة شيخ كنعاني(28)، ورءوس نسوية جمعت بين الطابع السوري الشمالي والطابع الحيثي المستحدث(29). واحتفظت أطلال قصور الولاة الآشوريين في أرسلان تاش بتحف بارعة أخرى عبرت بزخارفها وموضوعات نقوشها عن بضعة أساليب وأساطير مصرية خليطة مقتبسة(30).

وتضمنت قصور كالح وخرساباد نماذج رائعة للفن المصري السوري المقتبس، منها قطعة عاجية تمثل أنثى ذات وجه مصري نحيف طيب سمح تطل من نافذة أو كوة، هي فيما يغلب على الظن حتحور المصرية التي شبهها السوريون بعشتار، وسمتها كتب الفن الحديث "عشتار في النافذة" و"موناليزا العالم القديم"(31).

ثم عدد من تماثيل أبو الهول الصغيرة ذات الوجوه المصرية الصميمة. وقطعة عاجية زخرفت بوريقات البردي المصرية وزهور اللوتس وبراعمه المحورة، وتداخلت فيها صور حيوانات سورية مجنحة. وقطعة عاجية أيضًا لصندوق ظهرت عليها صور عازفات ذوات ملامح مصرية وثياب سورية يعزفن على الناي والدف والوتر في حيوية دافقة. ومقبض مروحة شكلت وجوهه الأربعة على هيئة نوبيين بملابس مصرية تعلوهم زهور اللوتس المحورة. ومقبض مرآة على هيئة أنثى تجمع بين الهيئة المصرية والملامح السورية. وصحاف نقشت حوافها العريضة بمناظر صيد مصرية رقيقة قليلة الحشو قليلة التكلف في صور الحيوان والطير والإنسان. وأخرى زخرفت من داخلها بدوائر لولبية متعاقبة حول محور نباتي صغير أحاطت بها زخرفة إنشائية كبيرة تألفت من تكرار صور حيوانين خرافيين متقابلين ذوي طابع مصري يتوج رأس كل منهما التاج المصري المزدوج، وحددت قعري الدائرة أعمدة مصرية شكلت تيجانها على هيئة الجعل المصري المجنح. وتكررت الأعمدة بأحجام صغيرة بين كل حيوانين متقابلين وحف بهما شخصان يتعبدان(32).

في الأدب:

كان حظ الآشوريين من الخلق الأدبي نصيبًا يسيرًا نسبيًّا، فعاشوا في آداب العصور التي سبقتهم، ولكن قامت لهم مأثرة عليها، وهي تجديدهم لأغلب لوحاتها وحفظهم إياها ونشرهم لها مع بعض التحوير والإضافة أحيانًا، لا سيما منذ أن أنشأ ملكهم سرجون مكتبته في نينوى، وزاد هذه المكتبة وأسس أمثالها أولاده وحفدته، وكان أكثرهم احتفاء بالثقافات القديمة وجمعها في مكتباته هو أشور بانيبال الذي أرسل رقاعًا إلى ولاته على الأقاليم يأمرهم فيها بالتحري عن الألواح المسمارية القديمة حيثما وجدوها ويقول لكل منهم فيها "لا يجوز لأي إنسان أن يمنع شيئًا من الألواح عنك، وإذا عثرت على أيه لوحة أو رقية لم أعينها لم وتجد فيها صلاحية لقصرنا استول عليها وأرسلها إليَّ". وعثر في أطلال قصره بنينوى على لوحات كثيرة زادت من معرفة الباحثين المحدثين بالآداب القديمة. ولم تكن كل هذه الألواح أدبًا خالصًا ولا علمًا خالصًا وإنما تعلق أغلبها بالعبادات والتمائم والتعاويذ. ووجدت رسالة من هذا الملك إلى واليه في بابل يأمره فيها بأن يبحث جادًا عن لوحات تعاويذ الأنهار والشهور ورقي الوسائد الملكية وتقاويم الأيام ومراسيم رفع الأيدي ومجموعة الكروب ومجموعة سمع أنها معنونة بعنوان "لا تدع السوء يمس الذاهب إلى المزارع أو الداخل إلى القصر"، ثم أمره إلى جانب ذلك بأن يضم أشخاصًا معينين إلى معيته بعد أن سمع عن حيازتهم للوحات ثمينة قديمة(33). واتخذت ألواح أخرى صبغة عملية وعلمية، فكان منها ما تحدث عن مركبات الزجاج وأطلية الخزف. ووجدت منها جداول تتضمن بضع مئات من أسماء النباتات تداخل بعضها في بعض، وعبر بعضها عن خصائص نباته وثماره واستعماله، مثل نبات القتب الذي أسموه نبات الغزل ونبات الهموم نظرًا لمفعوله المخدر الذي ينسي الهموم. وتضمنت الألواح تفاصيل عقاقير نباتية رتب كل منها باسم النبات ونوع المرض الذي يعالجه ثم طريقة تعاطيه، فكان منها ما يقول: "العرقسوس لعلاج السعال، يدق ويشرب مختمرًا". "والصبر، دواء للصفراء، يدق ويشرب"(34). وكان في اطلاع بعض الملوك الآشوريين، لا سيما الملكيين آشور أخادين وآشور بانيبال على أشباه هذه العقاقير والوصفات ما جعلهم يبدون اهتمامًا كبيرًا بنشاط أطبائهم ويرسلونهم خصيصًا لعلاج أصدقائهم ثم يتلقون منهم تقارير عنهم وعن علاج ذوي قرباهم بخاصة(35). وكثيرًا ما اختتمت نصوص الألواح بتحذير القارئ من سرقتها أو كسر طابع مكتبتها الخاصة أو العامة، وإلا تعرض لنقمة الآلهة.

وانتفع الكتبة الآشوريون بأساليب المعاجم القديمة في بابل، وزادوا مفرداتها ومترادفاتها الأجنبية نتيجة لاتساع صلات دولتهم بجيرانها، وضمنوها مفردات خاتية وكاسية ومصرية ... ، وبعد أن كانوا يؤرخون نصوصهم في عصرهم الآشوري الوسيط بأسماء الشهور: كيناته، وسين، وألاناتو، وشاساراته، وما يشبهها من أسماء غريبة، أصبحوا يذكرون شهورهم في عصرهم الحديث بأسماء: آبو، وتشرين، وتموز، ونيسانو، وأدارو، وأولولو، وهي نفس الأسماء المعروفة للشهور الأرامية الباقية حتى الآن، مع تغييرات طفيفة.

ولم يخل الأدب الآشوري الخالص من مزايا خفيفة في تقاريره وأقاصيصه الحربية بخاصة، فوصف كاتب مدينة السامرة في حوليات العام الثامن لفاتحها سرجون الآشوري، قائلًا على لسانه: "لقد كانت قمة عظيمة ترتفع مثل سن الرمح وتسمو فوق الجبال حتى لكأنها رأس تعتمد السماء عليه، ولها جذور تمتد حتى تصل إلى قلب الجحيم. وكانت من خارجها كالسلسلة الفقرية للسمكة لا تسمح لأحد بالنفاذ منها". ولم يقصد كاتب سرجون بذلك أن يشيد بالمدينة، ولكنه ابتغى أن يشيد بمجهوده في تحطيمها على الرغم من حصانتها؛ إذ أتبع ذلك بوصف مسالكها الوعرة ثم عقب بخططه الحربية في تذليلها بفضل سعة أفقه وما أوحى أربابه به إليه. وعلى الرغم مما حفل به هذا الأدب الحربي من مبالغات وادعاءات ظل ذا قيمة لا تنكر في احتفاظه بأخبار شعوب قديمة لم تترك وثائق مكتوبة تنم عن تاريخها، مثل القبائل العربية الشمالية والقبائل الجبلية الشمالية، وإن كان قد صور أخبارها من وجهة نظره الخاصة.

ولعبت العرافة دورها في حياة الآشوريين، وتقبلها ملوكهم قبول حسن، وتكفل بها كهنة وكاهنات كان من أنشطهم كهنة المعبود آشور وكاهنات المعبودة إشتار ... ، ويبدو أنهم كانوا ينطقون بتنبوءاتهم وهم في غيبوبة أو حالة انجذاب فتؤخذ على أنها صادرة من روح المعبود عن طريق وساطتهم، ثم يدونها كتبتهم ويرسلونها إلى القصر إذا كانت تتعلق بشخص الملك ومشروعاته. ومن طريف ما تلقاه آشور أخادين من كاهنة إشتار أنها بعد أن وعدته النصر على أعدائه توقعت ... في تصديق نبوءتها، فقالت له "ماذا في قولي الذي تحدثت به إليك لا تستطيع أن تعتمد عليه ... ؟ وقالت له كاهنة أخرى من أبلا تدعى "بعلة أبيشا" على لسان ربتها إشتار: " .... لِمَ لَمْ تصدق النبوءة السابقة التي تحدثت بها إليك؟ صدق هذه، وادعني يوم اشتداد العاصفة... ، واشكرني... " .... حروب آشور بانيبال مع إخوته وفي أنحاء مملكته مجالًا خصبًا لتنبؤات العرافين وأمنيات المتزلفين، فأرسل إليه رجل يذكره برؤيا رآها جده ووعده آشور النصر خلالها، ... ثم دعا له بأن يفتح أقطارًا لم يفتحها أبوه... ، وأرسل إليه يخبره بأنه رآه في منامه ورأى معه الربة إشتار ودار بينه وبينهما حديث انتهى بطبيعة الحال بتأكيد رعاية الربة له وتأييدها إياه(36).

هذا عن أدوار المجد الآشوري، أما عن مرحلة انهياره، فهذه نتناولها في صفحات تالية مع مسبباتها المباشرة.

__________

(1) R.C. Thompson, Iraq, Vii, 1940, 91 F.

(2)  Anet, 1968, 558-60.

(3) عن احتمال اشتقاق كلمة خيلاني "أو هيلاني" من أصل حيثي بمعنى المدخل أو البوابة:

See, Frankfort. Op. Cit, 167 and Notes.

(4)  Frankfort, Op. Cit, Pl. 108' B.

(5) Ibid.. Pl. 111 A.

(6) Ibid. Pl. 111 B.

(7) Ibid. Pl. 110.

(8) W. Budge, Assyrian Sculputures In The British Muscum, Pls. Xix A-B, and Xxxi; Compare Aslo B. Prithard, The Ancient Near East, Fig 156.

(9) Frankfort, Op. Cit, Pls. 96, 97.

(10)L. W. King. The Bronze Reliefs from the Gates of Shalmaneser Iii, Pl. 59.

(11) Frankfort, Op. Cit Pl. 89.

(12) Ibid, Pl. 114 B; Pritchard, Op. Cit, Fig. 122.

(13)  جون هامرتون: تاريخ العالم - معرب بالقاهرة- ج2 - شكل بصفحة 255

(14)  Frankfort. Op. Cit., I, 107.

(15) جون هامرتون: المرجع السابق: - شكل بصفحة 243.

(16)  E. Unger,,, Der Obelisk Des Konigs Assurnasirpal Aus Nineveh', Mitt. Der Altorientalishen Gesell, VI, 1932; and See, Landsberger, Sam'aal, Ankara, 1948, 24.

ويردها الأول إلى القرن الحادي عشر ق. م بينما يردها الثاني إلى القرن التاسع ق. م

(17)  Frankfort Op. Cit. Pls. 112-113, 194 B.

(18) Ibid, Pl. 102 B.

(19) W. Budge, Assyrian Sculptures In The British Museum. Pl. 1.

(20)  Frankfort, Op. Cit. Pls. 80-81. -  وارتفاعه 24 سم ويوجد في متحف بوستن.

(21) ديلابورت: بلاد ما بين النهرين - شكل 46

(22)  W.Budge, Op.Cit. Pls. Iv-Vi; G. Loud, Khorsabad, I, Fig 56; Ii, Pl. 46 A.

(23) Ibid, Ii, Pls, 88-89; See Also, Layard, Monuments Of Nineveh, I, Pls. 86-87; Iraq Xii, 1950 Pl. Xxx; F. Thureau-Dangin,..Tell Barsip.54.

(24)  See, Frankfort, Op. Cit., 101f. An Eferences...

(25) W. Budge, Op. Cit., Pis. Xlix-Liii...

(26) Ibid., Pl. Liii, 36...

(27) Perrot Et Chipiez, Histoire De L'art, Ii, Fig. 96...

(28)  Thureau-Dangin, Arsian-Tash, 1931, Pls. 19, 29, 33: Frankfort, Op. Cit., Ol. 168 C-D...

(29) Ibid., Pl. 167 D-F...

(30) Ibid., Pls. 168 A-B, 169 A-B; Thureau-Dangin, Op. Cit..

(31) G. Loud, Op. Cit., Pl. 51...

(32) Ibid., Pls. 166 B, 167 a-CS, 170 a-CS, 171, 172 B, 173 B...

(33)  Ee, G. Contenau, Op. Cit., 315 F.

(34) See. R. Campell Thompson, the Assyrian Herbal, 1924; On the Chemistry of the Ancient Assyrians, 1925.

(35) R.H. Pfeiffer. State Letters Of Assyriaa, 1935, Nos. 285, 288, 294, 295, Etc..; G Contenau, Op. Cit., 187 F.

(36) See, R. H. Pfeiffer, "Akkadian Oracles and Prophstes", Anet, 449-451; A. Goetze, Old Babylonian Omen Texts, 1947.




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).