أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-23
387
التاريخ: 2024-08-20
295
التاريخ: 25-9-2016
1818
التاريخ: 2023-07-01
1150
|
في الفترة النيوليثية الحجرية الحديثة:
أخذ المصريون في بداية فجر تاريخهم بما أخذ به غيرهم من أصحاب المجتمعات الزراعية، فيما يختص بعلاقاتهم المكانية ووسائلهم الاقتصادية، فظلت جماعاتهم تحيا لفترات طويلة في وحدات صغيرة متفرقة، يتصل البعض منها بالبعض الآخر ولكن بمقدار، ويأخذ البعض منها عن البعض الآخر ولكن بمقدار، وإن كانت على الرغم من تفرقها لم تعدم في الوقت ذاته ملامح مشتركة قربت بينها، ولم تعدم فنونها على الرغم من بداءتها روحا من التشابه يؤاخي بينها، وذلك بحيث أصبح التنوع بينها تنوعا داخل وحدة كبيرة، ألا وهي وحدة الجنس ووحدة البيئة ووحدة المطالب المحدودة والكماليات المحدودة أيضًا، وعلى هذا الاعتبار نجد من التسميات الحضارية الاصطلاحية عن أوائل العصر النيوليثي أو العصر الحجري الحديث في مصر:
حضارة مرمدة بني سلامة في جنوب غرب الدلتا، وحضارة الفيوم في مدخل مصر الوسطى، ثم حضارة دير تاسا في أسيوط أي في قلب الصعيد. ولا تعني هذه التسميات أن النشاط في مصر اقتصر أمره على هذه القرى فحسب، وإنما هي تعني قبل كل شيء أن قراها "وقليلا غيرها"(1) هي التي تم الكشف عن آثارها كشفا منظما حتى الآن. وقد أخذت كل حضارة منها بالخطوط العامة لتنوع حرف عصرها، من حيث الجمع بين الزراعة وتربية الحيوان والصيد، وصقل الأدوات الحجرية، وصناعة الفخار، وصناعة الحصير والسلال وغزل الكتان. ولكن تميزت كل منها عن الأخرى في أساليب صناعتها، وفي طرق بناء المساكن والمقابر فيها، وفي مدى ما بلغه أهلها من النجاح في أساليب الزينة والزخرف. وذلك ما سوف نوجزه فيما يلي:
في مرمدة بني سلامة:
اتصفت آثار مرمدة بني سلمة بخصائص أربع، وهي: أنها عرفت نوعين من المساكن أحدهما بيضي القاعدة يُبنى من جواليص الطين في حفرة متسعة بحيث يظل ربعه تقريبا تحت مستوى سطح الأرض مما يؤدي إلى ثبات جدرانه وإلى حمايته من هبات الرياح. وينزل صاحبه إليه من خارجه على درجة من ساق فرس النهر أو قطعة غليظة من فرع شجرة. والنوع الآخر عبارة عن دروة بيضاوية القاعدة أيضًا تشيد من البوص قرب المزارع، ويلجأ الزارعون إلى مثلها في أوقات الراحة نهارا. ويبيتون فيها في ليالي الصيف ومواسم الحصاد(2)، كما يفعل أضرابهم من المزارعين حتى الآن.
وظهرت الخاصية الثانية لمرمدة بني سلامة في أن أهلها اعتادوا على أن يدفنوا أغلب موتاهم بين مساكنهم ويرقدوهم على الجانب الأيمن بحيث يتجهون بوجوههم ناحية الشرق وناحية بيوتهم، دون أن يزودهم بقربان خاص فيما عدا حفنة من الحبوب قد توضع أحيانًا قرب أفواههم(3)؛ اعتقادا منهم بأن دفنهم بين المساكن يغنيهم عن القربان ويهيئ لأرواحهم أن تشارك أهلها فيما يطعمونه ويشربونه في بيوتهم. ولا تكاد تشارك مرمدة في هذه الخاصية في عصرها غير قرية العمري قرب حلوان(4). أما بقية قرى القطر المعاصرة لها فقد اعتاد أهلها على دفن موتاهم خارج مساكنهم واهتموا بتوفير قرابينهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيل.
وتمثلت الميزة الثالثة لمرمدة في أن بعض مساكنها التي اكتشفت آثارها الطفيفة "من النوع الأول" قد التزمت صفين شبه مستقيمين يفصل بينهما طريق ضيق(5) وذلك هو أقدم تخطيط عرف للقرى المصرية حتى الآن، وأقدم دليل على نشأة نوع من التفاهم الاجتماعي، ووجود سلطة في القرية استحبت التنظيم وعملت على تنفيذه.
واتصلت الخاصية الرابعة لمرمدة ببدايات الفنون، فقد فتح أصحاب الذوق الفني البدائي من أهلها مجالات جديدة لتشكيل الفخار والأحجار، وعثر لهم على جزء من آنية صغيرة شكلت قاعدتها على هيئة قدم بشرية دقيقة، وقدم أخرى كانت جزءًا من آنية مماثلة، وقطعة من الصلصال المحروق مثلث الجذع الأعلى لأنثى ترتدي قلادة "في بداءة كبيرة"(6). وتعتبر هذه النماذج أقدم الخطوات المعروفة لتشكيل التماثيل المصرية الصغيرة في فجر التاريخ. وعثر لهم على نموذج صغير من الفخار لقارب(7)، يغلب على الظن أن قاربه الأصيل كان يصنع من حزم البردي، ويعتبر بدوره من أقدم الشواهد على اعتياد أهل الفترات الأولى من العصر الحجري الحديث على ركوب متن النيل. ثم عثر لهم على كأس صغيرة نحتها صانعها من حجر البازلت(8)، وتعتبر من ناحيتها من أقدم الأواني الحجرية الصلبة المعروفة حتى الآن، وأقدم دليل على نشأة نوع من التفاهم الاجتماعي، ووجود سلطة في القرية استحبت التنظيم وعملت على تنفيذه.
واتصلت الخاصية الرابعة لمرمدة ببدايات الفنون، فقد فتح أصحاب الذوق الفني البدائي من أهلها مجالات جديدة لتشكيل الفخار والأحجار، وعثر لهم على جزء من آنية صغيرة شكلت قاعدتها على هيئة قدم بشرية دقيقة، وقدم أخرى كانت جزءًا من آنية مماثلة، وقطعة من الصلصال المحروق مثلث الجذع الأعلى لأنثى ترتدي قلادة "في بداءة كبيرة"(9). وتعتبر هذه النماذج أقدم الخطوات المعروفة لتشكيل التماثيل المصرية الصغيرة في فجر التاريخ. وعثر لهم على نموذج صغير من الفخار لقارب(10)، يغلب على الظن أن قاربه الأصيل كان يصنع من حزم البردي، ويعتبر بدوره من أقدم الشواهد على اعتياد أهل الفترات الأولى من العصر الحجري الحديث على ركوب متن النيل. ثم عثر لهم على كأس صغيرة نحتها صانعها من حجر البازلت(11)، وتعتبر من ناحيتها من أقدم الأواني الحجرية الصلبة المعروفة.
ولوحظ من العادات الزراعية لأهل الفيوم أنهم خرجوا بمطامير غلالهم عن منطقة المساكن وحفروها فوق ربوة عالية بعض الشيء بعيدة عن مساكنهم، ورتبوها في ساحتين ترتفع إحداهما عن مستوى الأخرى بنحو تسعة أمتار(12). وحفروا كل مطمورة منها على هيئة مستديرة تفاوت قطرها بين القدم وبين الأربعة أقدام، وتفاوت عمقها بين القدم وبين الثلاثة أقدام، وكسوا قاعها وجوانبها بأغشية من الخوص والقش والحصير وأعواد الأثل، كانوا يلصقونها بها بملاط من الطين. واحتفظت مطاميرهم ببقايا نادرة من الحنطة والشعير وبذور الكتان وبذور نباتات أخرى تفحم بعضها وبقي بعضها الآخر بحالة مقبولة حتى الآن(13). ونشب الجدل حول هذه المطامير بناء على ظاهرتين وهما: أنها تجمعت مع بعضها البعض في منطقتين متقاربتين، وأنها استقلت بنفسها عن منطقة السكن، وذلك على خلاف مطامير مرمدة التي عثر عليها فردية متفرقة بين المساكن أحيانًا وداخل المساكن نفسها أحيانًا أخرى. وحاول الأستاذ هرمان يونكر أن يفسر أسباب الاختلاف بين مطامير الحضارتين، مطامير الفيوم ومطامير مرمدة، فكان من رأيه أن اجتماعها مع بعضها في الفيوم يدل على شيوع الملكية الزراعية ومحاصيلها بين أصحابها، في حين يدل تفرقها في مرمدة على استقلال كل فرد من أصحابها بملكيته الزراعية ومحاصيلها(14)، أو هو يدل على استقلال كل أسرة صغيرة بملكيتها. وقد يزكي فرض شيوع الملكية في الفيوم ما رواه بعض الرحالة عن قدم شيوعية الأرض والقوت لدى بعض الجماعات البدائية المتخلفة، وأن أرض الفيوم كانت ضيقة المساحة نسبيًّا ولا تتيح فرصًا كثيرة للتملك الفردي والأسري. ومع ذلك فثمة فرض آخر أبسط منه وأكثر منطقية وهو أن أهل الفيوم اضطروا إلى الابتعاد بمطاميرهم عن منطقة السكن خوفًا عليها من رطوبتها وانخفاض مستوى أرضها وقربها من شواطئ البحيرة(15)، وأنهم تعمدوا جمع مطاميرهم في مكانتين متقاربين لتسهل عليهم حراستها.
في دير تاسا:
مثلت حضارة دير تاسا في مديرية أسيوط حضارات الصعيد في بداية العصر الحجري الحديث، وقد عمل أهلها فيما عمل فيه بقية أهل القطر من حرف متواضعة، ثم امتازوا عمن سواهم بعدة أمور كان منها:
أولًا- أن فخارهم كان أرقى نسبيًّا من فخار أهل المناطق الأخرى التي عاصرتهم، سواء من حيث الشكل أم من حيث الزخرف. فمن حيث الشكل صنعوا بعض كؤوسهم على هيئات لطيفة تشبه هيئة زهرة اللوتس أو زهرة التبوليب "بغير ضرورة إلى الظن بأنهم عرفوا هذه الزهرة بالذات وقلدوا صورة كأسها". ومن حيث الزخرف تكونت زخارف هذه الكؤوس من مثلثات وأشكال تخطيطية صوروها على سطوحها بطريقتين:
فرسموا بعضها بخطوط مستقيمة ومائلة كانت تحفر على سطح الكأس ثم تملأ بعجينة بيضاء، ورسموا بعضها الآخر بنقط محفورة متجاورة كانت تملأ كذلك بنفس العجينة البيضاء(16).
ثانيًا- أن عادات الدفن وعقائد الآخرة اتضحت في مقابرهم أكثر مما اتضحت به في مقابر المناطق الأخرى التي عاصرتهم. وكان المقبرة لديهم عبارة عن حفرة بيضية صغيرة ذات أركان ملفوفة، يكفن المتوفى فيها بلفائف من الجلد أو الكتان أو الحصير بما يتفق مع ثراء أهله، ويوسد على جانبه الأيسر في هيئة الإنشاء بحيث يتجه وجهه ناحية الغرب، وتوضع رأسه فوق وسادة من القش أو الكتان. وتوضع معه آنية أو أكثر من الفخار، وبعض الأدوات التي كان يستخدمها في حياته، فضلًا عن بعض الحلي وأدوات الزينة التي تخصه، والتي كان منها بالنسبة للنساء لوحات حجرية صغيرة رقيقة كن يستخدمنها في صحن الكحل الأخضر لتزجيج العيون وصحن المغرة الحمراء لتجميل الحدود(17). ويمكن تفسير العقائد المتصلة بهذه العادات بتعليلين وهما: أن وضع رأس المتوفى فوق وسادة يعني أن أهله أرادوا له أن يتخذ في قبره وضع النوم العادي، وقد يتصل بهذه الفكرة اتخاذه وضع القرفصاء أيضًا(18)، أو أن هذا الوضع الأخير قد أوحى به ضيق مساحة الحفرة التي كانوا يستطيعون حفرها من أجله بأدواتهم المتواضعة في طبقات الحصباء والرمل بل وفي الصخر نفسه أحيانًا. ولا ضرورة مع هذا لرأي ثالث شاء أصحابه أن يمثلوا وضع القرفصاء للمتوفى في قبره بوضع الجنين في بطن أمه، فذلك رأي فاسق يصعب تصوره لأهل فجر التاريخ. أما وضع بعض أدوات المتوفى وأوانيه معه في قبره، فقد يدل على نوع من إعزار الأحياء له عن طريق التضحية من أجله ببعض متاعه وبعض متاعهم، أو يدل على أملهم في أن ينتفع بها بعد موته بطريقة تناسبه وبفضل ما يتلونه عليها من دعوات وتعاويذ. وعثر في بعض المقابر التاسية على ما يمكن أن يعتبر بداية التطور إلى استخدام التوابيت؛ إذ كان الطفل المتوفى يوسد أحيانًا في سلة شبه مستطيلة من الخوص والأغصان يغطيها حصير(19).
__________
(1) See, J. Vandier, Manu El D' A Rcheologie Egyptienne, T. I,. Paris, 1952, 64f.
(2)H. Junker, Merim Le-Benisalame, 1930, 46, Abb. 4; 1932, 48, Abb. 2, Taf. Ii, 52f. Taf. Iii; 1933, 67f. Abb. 2, 3; 1940, 11f.
(3) Ibid., 1933, 72f. 74f.
(4) Chronique D'egypte, 1946, 51, Fig. 6-7; Asae, Xlviii, 564-65.
(5) H. Junker, Op. Cit., 1933, 58f.
(6) Junker, Op. Cit., 1934, 131; Mdaik, I, 169; L. Keimer, Asae, Xxxv, 162f Fig. 1, 3.
(7) H. Junker, Op. Cit., 1933, 82 C.
(8) Ibid., 1929, Taf. 7, 1.
(9)Junker, Op. Cit., 1934, 131; Mdaik, I, 169; L. Keimer, Asae, Xxxv 162f., Fig. 1, 3.
(10) H. Junker, Op. Cit., 1933, 82 C.
(11) Ibid., 1929, Taf. 7, 1.
(12) Caton Taompson & Gardner, Op. Cit., 41f. Pl. Xxv, 2.
(13) Ibid., Pl. Xxxi, 1. F., 46f.
(14) Merimde, 1933, 5 F.
(15) Caton-Thompson & Gardner, Op. Cit., 91.
(16) G. Brunton, Mostagedda and the L Asian Culture, London, 1937, Pls. Xii, Xxvi; Jea, Xiv, Pl. Xxvi; Asae, Xxxiv, 94 F., Pl. I.
(17) Brunton, Op. Cit., 6, 30, 34.
(18) Ibid., 26.
(19) Ibid., Pl. Vi, 5.8.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|