أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-11-2016
344
التاريخ: 20-11-2016
449
التاريخ: 20-11-2016
334
التاريخ: 20-11-2016
338
|
[الجواب]
يسعى كلُّ العقلاء في العالَم في حفظ آثار عظمائهم، وأسلافِهمْ، ويحمونها من الاِندثار والزوال بحجة كونها «تراثاً فكرياً» وآثاراً حضاريّة، وتجتهدُ الاُممُ المتحضّرة والراقية في حفظ الآثار الوطنيّة القديمة وما خلّفه أسلافُها من مفاخر جديرة بالاِعتزاز، لاَنّ آثار الاَسلاف هي في الحقيقة حلقة الوصل بين القديم والجديد، والماضي والحاضر، وهي ترسم حركة الشّعوب والاُمم في مسار التقدّم والرقيّ، وتضيئ لها الطريق، والسبيل.
ثم إنّ الآثارَ القديمةَ إذا كانت ترتبط بالرسلِ والاَنبياء فانّ الحفاظَ عليها وحراستَها ـ مضافاً إلى ما ذُكِرَ من الفائدة ـ تساعد بصورةٍ قويةٍ في المحافظة على اعتقاد الناس وإيمانهم بأُولئك الرسُل والاَنبياء، ويكون لها أبلغ الاَثر في تقوية دعائِمها، وتجذيرها وتأصيلها، بينما يؤدّي زوالُها، واندثارها بعد مدّة إلى انقداح روح الشك، والريب في نفوس أتباعهم، ويعرض أصلَ الموضوع لخطر الغموض، والاِبهام، والنسيان والضياع.
وللمثال نشير إلى المجتمع الغربي، فإنّ الناس في هذا المجتمع وإن اصطبغت حياتهم بالصبغة الغربية، وأخذوا بآدابها وأخلاقها تماماً، ولكنهم في مجال العقيدة مدّوا أيديهم نحو الشرق، واعتنقوا الدين المسيحي وخضعوا لسلطانه ردحاً من الزمن بيد أنّهم مع تغيّر الاَوضاع، وتنامي روح البحث والتحقيق لدى الشباب الغربيّ بدأ الشك والترديد يدَبُّ في نفوسهم، وباتوا يشكّون في أصل وجود السيد «المسيح» إلى درجة أنّهم على أثر عدم وجود آثار ملمُوسة من السيّد «المسيح» عادوا يعتبرونه أُسطورةً تاريخيّةً.
في حين أنّ المسلمين ظلّوا في منأى عن مثل هذه الحالة، فقد حافظوا على طول التاريخ وبكلّ فخر واعتزاز على الآثار المتبقّية من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبنائه من خطر الاِندثار، والزوال بسبب الحوادث.
فالمسلمون يَدّعُون أن شخصيّة نبيلة طاهرةً اختيرت قبل أربعة عشر قرناً للنبوة وللرسالة، وقام ذلك النبي بمعونة برنامجه الراقي جداً بإصلاح المجتمع، وأوجد في ذلك المجتمع تحوّلاً عظيماً، وانقلاباً عميقاً، وأسّس حضارة كبرى لا يزال المجتمع يستفيد من معطياتها، وثمارها، ولا سبيل للشك قط في وجود مثل هذه الشخصيّة المُصلِحة، ولا في الحضارة التي أسّسها وأرسى قواعدها، لبقاء آثاره إلى هذا اليوم، فمحل ولادته، ومكان عبادته ومناجاته، والنقطةُ التي بُعثَ فيها، والنقاط الاُخرى التي ألقى فيها خُطَبَه، والاَماكن التي دافع فيها عن عقيدته ورسالته، والرسائل التي تبودلت بينه وبين ملوك العالم وحكام الدُّول في عصره، والعشرات بل المئات من آثاره، والعلائم الدالة عليه، باقية من دون أنْ تمسّها يدُ التغيير، ومن دون أن تطالها معاول الزوال، فهي محسوسةٌ ومشهودة للجميع.
وهذا البيان يمكن أن يوضّح أَهميّة حفظ الآثار من جهة التفكير الاجتماعي ودورها في هدايته وقيادته.
وهو أمر أيّدته النصوص القرآنية وسيرة المسلمين، فقد قال تعالى في القرآن الكريم: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } [النور: 37]
وليس المراد من لفظِ «البيوت» الواردِ في هذه الآية «المساجد» لاَنّ البيوت جاءَ في القرآن الكريم في مقابل المساجد، لاَنّ «المسجد الحرام» غير «بيت الله الحرام» فالبيوتُ في هذه الآية يراد منها بيوتُ الاَنبياء، وخاصة بيت الرسولِ الاَكرم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وذرّيته الطاهرة.
فقد روى السيوطي في تفسيره «الدر المنثور»: عن أنس بن مالك، وبرَيدة، قالَ: قرَأَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية، فقام إليه رجلٌ فقال: أيُّ بُيوتٍ هذِهِ يا رسُول اللهِ؟ قال: «بيوت الاَنبياء».
فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منها؟ مشيراً إلى بيت علي وفاطمة، قال: «نعم من أفاضلها»(1)
والآن ـ بعد أنْ اتّضح المرادُ من «البيوت» ـ لابد من توضيح المراد من «ترفيع البيوت».
إنّ هناك احتمالين في هذا المجال:
1. الترفيع: بمعنى بناءِ البيوت وتشييدها، كما جاء بهذا المعنى في قوله تعالى:
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ } [البقرة: 127].
2. الترفيع: بمعنى إحترام تلك البيوت وحراستها، والمحافظة عليها.
فعلى المعنى الاَوّل، حيث إنّ بيوت الاَنبياء قد بُنِيَت قبلَ ذلك، لهذا لا يمكن أن يكون المراد من الترفيع في الآية الحاضرة هو إيجاد البيوت، بل المراد هو حفظها من الاِنهدام والزوال.
وبناءً على المعنى الثاني، يكون المراد من حفظ تلك البيوت هو ـ مضافاً إلى صيانتها من الخراب والانهدام ـ حفظها من أيّ نوع من أنواع التلوث المنافي لقداستها وحرمتها.
وعلى هذا الاَساس يجب على المسلمين السعيُ في تكريم، وحراسة البيوت المرتبطة بالرسول الاَكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وعليهم أنْ يعتبروا هذا العمل أمراً قربيّاً، أي مقرّباً إلى الله سبحانه.
ثم إنّه يُستفاد من الآية التي تدورُ حول أصحاب الكهف أنّه عندما اكتُشفَ موضعُ اختفائهم، اختلف الناس في كيفية تكريمهم فصاروا فريقين:
فريق قالوا: يجب البناء على قبرهم بغية تكريمهم.
وفريق آخر قالوا: يجب بناء مسجد على مرقدهم، وقد أخبر القرآنُ الكريم بكلا الاِقتراحين، وكلا الرأيين، ولو كان هذا العمل، أو ذلك مخالفاً لاُصول الاِسلام لاَخبر بهما بنحوٍ آخرٍ، ولتناوَلهما بالنقد. ولكنه رواهما من دون نقدٍ، إذ قال:
{إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا } [الكهف: 21].
إنّ هاتين الآيتين (مع ملاحظة سيرة المسلمين المستمرة من عصر رسول الاِسلام إلى هذا اليوم والمستقرة على حفظ هذه الآثار، والمحافظة على البيوت المرتبطة برسول الله وأهل بيته المطهرين وحراستها) دليل واضحٌ وبرهان قاطع على كون هذا الموقف موقفاً إسلامياً، وأصلاً شرعياً.
ولهذا تقوم مسألة تعمير مراقد الاَنبياء ـ وبصورة خاصّة مراقد رسولِ الله وعترتهِ الطاهِرة صلوات الله عليهم ـ وبناءِ المساجد عليها، أو إلى جانبها، على أساس هذا الاَصل الاِسلامي.
________________
(1) تفسير الدر المنثور ج 5، ص 50 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|