أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-03-2015
2044
التاريخ: 10-10-2014
1536
التاريخ: 22-12-2014
1551
التاريخ: 17/10/2022
1676
|
المراد من التفسير بالرأي هو أنّ المفسِّر يتخذ رأياً خاصاً في موضوع بسبب من الأسباب ثمّ يعود فيرجع إلى القرآن حتى يجد له دليلاً من الذكر الحكيم يعضده ، فهو في هذا المقام ليس بصدد فهم الآية وإنّما هو بصدد إخضاع الآية لرأيه وفكره ، وبذلك يبتعد عن التفسير الصحيح للقرآن .
وقد حذّر النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) كافة المسلمين من التفسير بالرأي أو التفسير بغير علم ، فقال : ( مَن قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار ) (2) .
وقال : ( مَن تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ ) (3) .
وليس النهي عن التفسير بالرأي منحصراً بالأحاديث النبوية ، بل القرآن الكريم يندّد بالتقوّل على اللّه بما لا يعلم ويقول : {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [البقرة: 169].
ويقول : {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] فمَن يفسِّر القرآن برأيه ، فقد قضى بما ليس له به علم وتقوّل على اللّه بما لا يعلم .
وقد راج التفسير بالرأي بطابَع علمي في العصور المتأخرة بعد الثورة الصناعية التي اجتاحت الغرب ، فإنّ الفروض العلمية التي طُرحت من قبل علماء الطبيعة والفلك هي فروض غير مستقرة لا يمكن الركون إليها في تفسير الذكر الحكيم ؛ ولذلك سرعان ما تتبدّل النظريات العلمية إلى أُخرى ، فمَن حاول أن يُخضع القرآن الكريم للاكتشافات العلمية الحديثة ، فقد فسّر القرآن برأيه ، وإن صدق في نيته وأراد إبراز جانب من جوانب الإعجاز القرآني ، ولنذكر نموذجاً :
نشر جارلز داروين كتابه ( تحوّل الأنواع ) عام 1908م فأثبت فيه وفق تحقيقاته أنّ الإنسان هو النوع الأخير من سلسلة تطوّر الأنواع ، وأنّ سلسلته تنتهي إلى حيوان شبيه بالقِرَدة ، فذكر آباءه وأجداده بصورة شجرة خاصة مترنّماً قول الشاعر :
أُولئك آبائي فجئني بمثلهم ...
كان لنشر هذه النظرية ردّ فعل سيّئ في الأوساط الدينية دون فرق بين الأوساط المسيحية والمسلمة واليهودية ، الذين اتّفقوا على أنّ الإنسان كائن إبداعي وأنّ سلسلته تنتهي إلى آدم أبي البشر الذي خُلق بهذه الصورة من دون أن يكون له صلة بسائر الحيوانات .
ثمّ إنّ بعض السُّذَّج من الناس اتّخذوا تلك الفرضية ذريعةً لتعارض العلم والدين وفصله عن الآخر ، فزعموا أنّ منهج الدين غير منهج العلم ، فربّما يجتمعان وربّما يفترقان .
وهناك مَن لم يؤمن بفصل العلم عن الدين فحاول إخضاع القرآن الكريم للفرضية ، فأخذ يفسِّر ما يرجع إلى خلقة الإنسان في سور مختلفة على وجه ينطبق على تلك الفرضية .
هذا و كان السجال حاداً بين المتعبّدين بالنص والمتأوّلين له إلى أن أثبت الزمان زيف الفرضية والفروض التي جاءت بعده حول خلقة الإنسان .
وليست خلقة الإنسان موضوعاً فريداً في هذا الباب ، بل لم يزل أصحاب البدع والنحل في دأب مستمر لإخضاع القرآن لآرائهم وعقائدهم ، فهذه النِحل الكثيرة السائدة بين المسلمين اتّخذوا القرآن ذريعةً لعقائدهم ، فما من منتحل إلاّ ويستدلّ بالقرآن على صحة عقيدته مع أنّ الحقّ واحد وهؤلاء متكثّرون .
وكلّ يدّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقرّ لهم بذاك
ولقد كان لتفسير القرآن بالرأي دور في ظهور النِحل والبِدع بين المسلمين ، وكأنّ القرآن نزل لدعم آرائهم ومعتقداتهم !! أعاذنا اللّه وإيّاكم من التفسير بالرأي (4) .
هذه شرائط عشرة ينبغي للمفسِّر أن يتحلّى بها ، وهناك آداب أُخرى ذكرها العلماء في كتبهم لم نتعرض إليها خشية الإطالة .
وثمّة كلمة قيمة للعلاّمة الشيخ محمد جواد مغنية جاء فيها :
ولابدّ لهذا العلم من معدّات ومؤهّلات ، منها العلوم العربية بشتى أقسامها ، وعلم الفقه وأُصوله ، ومنها الحديث وعلم الكلام ، ليكون المفسّر على بيّنة ممّا يجوز
على اللّه وأنبيائه ، وما يستحيل عليه وعليهم ، ومنها كما يرى البعض علم التجويد والقراءات .
وهنا شيء آخر يحتاج إليه المفسّر ، وهو أهم وأعظم من كلّ ما ذكره المفسرون في مقدمة تفاسيرهم ؛ لأنّه الأساس والركيزة الأُولى لفهم كلامه جلّ وعلا ، ولم أرَ مَن أشار إليه ، وقد اكتشفته بعد أن مضيت قليلاً في التفسير ، وهو أنّ معاني القرآن لا يدركها ، ولن يدركها على حقيقتها ، ويعرف عظمتها إلاّ مَن يحسها من أعماقه ، وينسجم معها بقلبه وعقله ، ويختلط إيمانه بها بدمه ولحمه ، وهنا يكمن السر في قول الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) : ( ذاك القرآن الصامت ، وأنا القرآن الناطق ) (5) .
_______________________________________________
1 ـ وفي الحقيقة ، التفسير بالرأي من موانع التفسير الصحيح لا من شرائطه .
2 ـ أخرجه البيهقي من حديث ابن عباس كما في البرهان في علوم القرآن : 2 / 161 .
3 ـ أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي على ما في البرهان .
4 ـ سيوافيك الكلام في حقيقة التفسير بالرأي في الأمر الرابع من التمهيدات .
5 ـ الكاشف : 1 / 9ـ 10.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|