أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-2-2017
4396
التاريخ: 1-3-2017
5384
التاريخ: 4-12-2016
2869
التاريخ: 11-5-2017
20108
|
قال تعالى : {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34].
بين الله سبحانه ما آتاه آدم (عليه السلام) من الإعظام و الإجلال و الإكرام فقال و اذكر يا محمد {إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} والظاهر يقتضي أن الأمر بالسجود له كان لجميع الملائكة حتى جبرائيل و ميكائيل لقوله { فسجد الملائكة كلهم أجمعون} و في هذا تأكيد للعموم و قال قوم أن الأمر كان خاصا لطائفة من الملائكة كانوا مع إبليس طهر الله بهم الأرض من الجن واختلف في سجود الملائكة لآدم على أي وجه كان فالمروي عن أئمتنا (عليهم السلام) أنه على وجه التكرمة لآدم و التعظيم لشأنه و تقديمه عليهم و هو قول قتادة و جماعة من أهل العلم و اختاره علي بن عيس الرماني و لهذا جعل أصحابنا رضي الله عنهم هذه الآية دلالة على أن الأنبياء أفضل من الملائكة من حيث أنه أمرهم بالسجود لآدم وذلك يقتضي تعظيمه و تفضيله عليهم وإذا كان المفضول لا يجوز تقديمه على الفاضل علمنا أنه أفضل من الملائكة وقال الجبائي و أبو القاسم البلخي و جماعة أنه جعله قبلة لهم فأمرهم بالسجود إلى قبلتهم و فيه ضرب من التعظيم و هذا غير صحيح لأنه لو كان على هذا الوجه لما امتنع إبليس من ذلك و لما استعظمته الملائكة و قد نطق القرآن بأن امتناع إبليس عن السجود إنما هو لاعتقاده تفضيله به و تكرمته مثل قوله { أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} [الإسراء: 62] و قوله { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] ولو لم يكن الأمر على هذا الوجه لوجب أن يعلمه الله تعالى بأنه لم يأمره بالسجود على جهة تعظيمه و تفضيله عليه وإنما أمره على الوجه الآخر الذي لا تفضيل فيه و لم يجز إغفال ذلك فإنه سبب معصية إبليس و ضلالته فلما لم يقع ذلك علمنا أن الأمر بالسجود له لم يكن إلا على وجه التعظيم و التفضيل والإكرام و التبجيل ثم اختلف في إبليس هل كان من الملائكة أم لا فذهب قوم أنه كان منهم و هو المروي عن ابن عباس و ابن مسعود و قتادة و اختاره الشيخ السعيد أبو جعفر الطوسي قدس الله روحه قال و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) و الظاهر في تفاسيرنا ثم اختلف من قال أنه من الملائكة فمنهم من قال أنه كان خازنا على الجنان و منهم من قال كان له سلطان سماء الدنيا و سلطان الأرض و منهم من قال أنه كان يسوس ما بين السماء و الأرض و قال الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس الله روحه أنه كان من الجن و لم يكن من الملائكة قال و قد جاءت الأخبار بذلك متواترة عن أئمة الهدى عليهم السلام و هو مذهب الإمامية و هو المروي عن الحسن البصري و هو قول علي بن عيسى و البلخي و غيره و احتجوا على صحة هذا القول بأشياء ( أحدها ) قوله تعالى : {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: 50] و من أطلق لفظ الجن لم يجز أن يعني به إلا الجنس المعروف و كل ما في القرآن من ذكر الجن مع الإنس يدل عليه ( و ثانيها ) قوله تعالى : {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] فنفى المعصية عنهم نفيا عاما ( و ثالثها ) أن إبليس له نسل و ذرية قال الله تعالى {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} [الكهف: 50] و قال الحسن إبليس أب الجن كما أن آدم أب الإنس و إبليس مخلوق من النار و الملائكة روحانيون خلقوا من الريح في قول بعضهم و من النور في قول الحسن لا يتناسلون و لا يطعمون و لا يشربون ( ورابعها ) قوله تعالى : {جاعل الملائكة رسلا } و لا يجوز على رسل الله الكفر و لا الفسق و لو جاز عليهم الفسق لجاز عليهم الكذب و قالوا إن استثناء الله تعالى إياه منهم لا يدل على كونه من جملتهم و إنما استثناه منهم لأنه كان مأمورا بالسجود معهم فلما دخل معهم في الأمر جاز إخراجه بالاستثناء منهم و قيل أيضا أن الاستثناء هنا منقطع كقوله تعالى « ما لهم به من علم إلا اتباع الظن » و أنشد سيبويه :
و الحرب لا يبقى لجا *** حمها التخيل و المراح
إلا الفتى الصبار في النجدات *** و الفرس الوقاح
وكقول النابغة (و ما بالربع من أحد إلا الأواري ) و يؤيد هذا القول ما رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه رحمه الله في كتاب النبوة بإسناده عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن إبليس أ كان من الملائكة أو كان يلي شيئا من أمر السماء فقال لم يكن من الملائكة و لم يكن يلي شيئا من أمر السماء و كان من الجن و كان مع الملائكة و كانت الملائكة ترى أنه منها و كان الله سبحانه يعلم أنه ليس منها فلما أمر بالسجود لآدم كان منه الذي كان و كذا رواه العياشي في تفسيره و أما من قال أنه كان من الملائكة فإنه احتج بأنه لو كان من غير الملائكة لما كان ملوما بترك السجود فإن الأمر إنما يتناول الملائكة دون غيرهم و قد مضى الجواب عن هذا و يزيده بيانا قوله تعالى : {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ } [الأعراف: 12] فعلمنا أنه من جملة المأمورين بالسجود و إن لم يكن من جملتهم و هذا كما إذا قيل أمر أهل البصرة بدخول الجامع فدخلوا إلا رجلا من أهل الكوفة فإنه يعلم من هذا أن غير أهل البصرة كان مأمورا بدخول الجامع غير أن أهل البصرة خصوا بالذكر لكونهم الأكثر فكذلك القول في الآية و أجاب القوم عن الاحتجاج الأول و هو قوله تعالى {كان من الجن } بأن الجن جنس من الملائكة سموا بذلك لاجتنانهم عن العيون قال الأعشى قيس بن ثعلبة :
و لو كان شيء خالدا أو معمرا ** لكان سليمان البري من الدهر
برأه إلهي و اصطفاه عباده *** و ملكه ما بين تونا إلى مصر
و سخر من جن الملائك تسعة*** قياما لديه يعملون بلا أجر
و قد قال الله تعالى : {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا } [الصافات: 158] لأنهم قالوا الملائكة بنات الله و أجابوا عن الثاني و هو قوله تعالى : {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ } [التحريم: 6] الآية بأنه صفة لخزنة النيران لا لجميع الملائكة فلا يوجب عصمة لغيرهم من الملائكة و أجابوا عن الثالث بأنه يجوز أن يكون الله تعالى ركب في إبليس شهوة النكاح تغليظا عليه في التكليف و إن لم يكن ذلك في باقي الملائكة و يجوز أن يكون الله تعالى لما أهبطه إلى الأرض تغيرت حاله عن حال الملائكة قالوا و أما قولكم أن الملائكة خلقوا من الريح و هو مخلوق من النار فإن الحسن قال خلقوا من النور و النار و النور سواء و قولكم إن الجن يطعمون و يشربون فقد جاء عن العرب ما يدل على أنهم لا يطعمون و لا يشربون أنشد ابن دريد قال أنشد أبو حاتم :
و نار قد حضات بعيد وهن ** بدار ما أريد بها مقاما
سوى ترحيل راحلة و عين *** أكالئها مخافة أن تناما
أتوا ناري فقلت منون أنتم *** فقالوا الجن قلت عموا ظلاما
فقلت إلى الطعام فقال منهم *** زعيم نحسد الإنس الطعاما
لقد فضلتم بالأكل فينا *** و لكن ذاك يعقبكم سقاما
فهذا يدل على أنهم لا يأكلون و لا يشربون لأنهم روحانيون و قد جاء في الأخبار النهي عن التمسح بالعظم و الروث لأن ذلك طعام الجن و طعام دوابهم و قد قيل أنهم يتشممون ذلك و لا يأكلونه و أجابوا عن الرابع و هو قوله : {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا } [فاطر: 1] بأن هذه الآية معارضة بقوله تعالى : {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ } [الحج: 75] لأن من للتبعيض و كلا القولين مروي عن ابن عباس و روي عنه أنه قال أن الملائكة كانت تقاتل الجن فسبي إبليس و كان صغيرا فكان مع الملائكة فتعبد معها بالأمر بالسجود لآدم فسجدوا و أبى إبليس فلذلك قال الله تعالى : { إلا إبليس كان من الجن } و روى مجاهد و طاووس عنه أيضا أنه قال كان إبليس قبل أن يرتكب المعصية ملكا من الملائكة اسمه عزازيل و كان من سكان الأرض و كان سكان الأرض من الملائكة يسمون الجن و لم يكن من الملائكة أشد اجتهادا و لا أكثر علما منه فلما تكبر على الله و أبى السجود لآدم و عصاه لعنه و جعله شيطانا و سماه إبليس و أما قوله تعالى : {وكان من الكافرين} قيل معناه كان كافرا في الأصل و هذا القول يوافق مذهبنا في الموافاة و قيل أراد كان في علم الله تعالى من الكافرين و قيل معناه صار من الكافرين كقوله تعالى : {فكان من المغرقين} و استدل بعضهم بهذه الآية على أن أفعال الجوارح من الإيمان فقال لو لم يكن كذلك لوجب أن يكون إبليس مؤمنا بما معه من المعرفة بالله تعالى و إن فسق بإبائه و هذا ضعيف لأنا إذا علمنا كفره بالإجماع علمنا أنه لم يكن معه إيمان أصلا كما أنا إذا رأينا من يسجد للصنم علمنا أنه كافر و إن كان نفس السجود ليس بكفر و اختلفوا في صفة أمر الله سبحانه الملائكة بالسجود فقيل كان بخطاب من الله تعالى للملائكة و لإبليس و قيل بوحي من الله إلى من بعثه إليهم من رسله لأن كلام الرسول كلام المرسل و قيل أن الله تعالى أظهر فعلا دلهم به على أنه أمرهم بالسجود فإن قيل لم حكم الله بكفره مع أن من ترك السجود الآن لا يكفر قلنا لأنه جمع إلى ترك السجود خصالا من الكفر منها أنه اعتقد أن الله تعالى أمره بالقبيح و لم ير أمره بالسجود حكمة و منها أنه امتنع من السجود تكبرا و ردا على الله تعالى أمره و من تركه الآن كذلك يكفر أيضا و منها أنه استخف بنبي الله و ازدراه و هذا لا يصدر إلا من معتقد الكفر و في هذه الآية دلالة على بطلان مذهب الجبر من وجوه منها قوله { أبى } فدل على قدرته على السجود الذي أباه و تركه و إلا لم يصح وصفه بالآباء و منها قوله {فسجدوا} فدل على أن السجود فعلهم و منها أنه مدح الملائكة بالسجود و ذم إبليس بترك السجود و عندهم إنما لم يسجد لأنه لم يخلق فيه السجود و لا القدرة الموجبة له .
__________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص161-165.
إبليس اسم ممنوع من الصرف ، للعلمية والعجمة .
أمر اللَّه سبحانه ملائكته بالسجود لآدم إظهارا لمزيته عليهم ، وعلى جميع مخلوقاته ، ولا تفسير ظاهر لهذه الميزة الا فضيلة العلم ، والتعظيم من شأن حامله ، لأن العلم ، كما ثبت بالوجدان ، هو المقياس لكل خطوة تخطوها البشرية إلى الرقي والرخاء والكمال ، كما ان الجهل أساس الحاجة والتخلف ، وما تفوق من تفوق على غيره الا بالعلم . . فالعالم دائما متبوع ، والجاهل دائما تابع . . ومن أجل هذا فرض الإسلام العلم على كل مسلم ومسلمة .
وقال أكثر المفسرين : كان السجود لمجرد التحية ، تماما كالانحناء ورفع اليد ، لأن السجود لغير اللَّه محرم . . وهذا غير صحيح على حد تعبير صاحب مجمع البيان ، لأنه لو كان كذلك لمّا امتنع إبليس عن السجود . . وبديهة ان السجود بأمر اللَّه تعالى طاعة للَّه ، لا لآدم .
وقد كان الأمر بالسجود للملائكة كافة دون استثناء ، حتى لجبريل وميكائيل بدليل قوله تعالى : { فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} [الحجر: 30، 31] .
واختلفوا في حقيقة إبليس : هل هو من الملائكة ، أو من الجن ؟ والصحيح انه من الجن ، وعليه يكون الاستثناء منقطعا ، والدليل قوله سبحانه : {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50].
ولا طريق إلى معرفة إبليس والشياطين والجن إلا الوحي ، تماما كما هو الشأن في الطريق إلى معرفة الملائكة . . وسبق الكلام عن ذلك في الآية المتقدمة .
______________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص82-83.
قد عرفت أن قوله تعالى: {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 33] ، فيه دلالة على وقوع أمر مكتوم ظاهر بعد أن كان مكتوما، و لا يخلو ذلك عن مناسبة مع قوله: أبى و استكبر و كان من الكافرين حيث لم يعبر أبى و استكبر و كفر، وعرفت أيضا أن قصة السجدة كالواقعة أوهي واقعة بين قوله تعالى: إني أعلم ما لا تعلمون، و قوله: و أعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون، فقوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم}، كالجملة المستخرجة من بين الجمل ليتخلص بها إلى قصة الجنة، فإن هذه الآيات كما عرفت إنما سيقت لبيان كيفية خلافة الإنسان و موقعه و كيفية نزوله إلى الدنيا و ما يئول إليه أمره من سعادة و شقاء، فلا يهم من قصة السجدة هاهنا إلا إجمالها المؤدي إلى قصة الجنة و هبوط آدم هذا، فهذا هو الوجه في الإضراب عن الإطناب إلى الإيجاز، و لعل هذا هو السر أيضا في الالتفات من الغيبة إلى التكلم في قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا}، بعد قوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ } [البقرة: 30] .
وعلى ما مر فنسبة الكتمان إلى الملائكة و هو فعل إبليس بناء على الجري على الدأب الكلامي من نسبة فعل الواحد إلى الجماعة إذا اختلط بهم و لم يتميز منهم، و يمكن أن يكون له وجه آخر، و هو أن يكون ظاهر قوله تعالى: إني جاعل في الأرض خليفة، إطلاق الخلافة حتى على الملائكة كما يؤيده أيضا أمرهم ثانيا بالسجود، و يوجب ذلك خطورا في قلوب الملائكة، حيث إنها ما كانت تظن أن موجودا أرضيا يمكن أن يسود على كل شيء حتى عليهم، و يدل على هذا المعنى بعض الروايات كما سيأتي.
و قوله تعالى: {اسجدوا لآدم}، يستفاد منه جواز السجود لغير الله في الجملة إذا كان تحية و تكرمة للغير و فيه خضوع لله تعالى بموافقة أمره، و نظيره قوله تعالى في قصة يوسف (عليه السلام) {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا } [يوسف: 100] ، و ملخص القول في ذلك أنك قد عرفت في سورة الفاتحة أن العبادة هي نصب العبد نفسه في مقام العبودية و إتيان ما يثبت و يستثبت به ذلك فالفعل العبادي يجب أن يكون فيه صلاحية إظهار مولوية المولى أو، عبدية العبد كالسجود و الركوع و القيام أمامه حينما يقعد، و المشي خلفه حينما يمشي و غير ذلك، و كلما زادت الصلاحية المزبورة ازدادت العبادة تعينا للعبودية، و أوضح الأفعال في الدلالة على عز المولوية و ذل العبودية السجدة، لما فيها من الخرور على الأرض، و وضع الجبهة عليها، و أما ما ربما ظنه بعض: من أن السجدة عبادة ذاتية، فليس بشيء، فإن الذاتي لا يختلف.
ولا يتخلف وهذا الفعل يمكن أن يصدر بعينه من فاعله بداع غير داع التعظيم والعبادة كالسخرية والاستهزاء فلا يكون عبادة مع اشتماله على جميع ما يشتمل عليه وهو عبادة نعم معنى العبادة أوضح في السجدة من غيرها، و إذا لم يكن عبادة ذاتية لم يكن لذاته مختصا بالله سبحانه، بناء على أن المعبود منحصر فيه تعالى، فلو كان هناك مانع لكان من جهة النهي الشرعي أو العقلي و الممنوع شرعا أو عقلا ليس إلا إعطاء الربوبية لغيره تعالى، و أما تحية الغير أو تكرمته من غير إعطاء الربوبية، بل لمجرد التعارف و التحية فحسب، فلا دليل على المنع من ذلك، لكن الذوق الديني المتخذ من الاستيناس بظواهره يقضي باختصاص هذا الفعل به تعالى، و المنع عن استعماله في غير مورده تعالى، و إن لم يقصد به إلا التحية و التكرمة فقط، و أما المنع عن كل ما فيه إظهار الإخلاص لله، بإبراز المحبة لصالحي عباده أو لقبور أوليائه أو آثارهم فمما لم يقم عليه دليل عقلي أو نقلي أصلا، و سنعود إلى البحث عن هذا الموضوع في محل يناسبه إن شاء الله تعالى.
________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص106-107.
آدم(عليه السلام) في الجنّة
ينتقل القرآن إلى فصل آخر من موضوع عظمة الإِنسان، ويقول: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لاِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ، وَكَانَ مِنَ الْكَافِرينَ}.
يبدو للوهلة الاُولى أن مسألة السجود لآدم جاءت بعد تجربة الملائكة المذكورة في الآيات السابقة وبعد تعليم الأسماء. ولكن لو أمعنّا النظر في آيات القرآن الكريم لألفينا أن موضوع السجود جاء بعد اكتمال خلقة الإِنسان مباشرة، وقبل امتحان الملائكة.
يقول تعالى: {فَإِذَا سَوَيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [الحجر: 29] ، السجود إذن جاء مباشرة بعد نفخ الروح في الإِنسان، وهذا المعنى جاء في الآية 72 من سورة (صلى الله عليه واله )(2).
ثمة دليل آخر على هذه المسألة هو أن استجابة الملائكة لأمر الله بالسجود، لو كانت بعد اتضاح مكانة آدم، لما اعتبرت مفخرة للملائكة.
على أي حال، الآية المذكورة تقرير قرآني واضح صريح لشرف الإِنسان وعظمة مكانته. فكل الملائكة يؤمرون بالسجود له بعد اكتمال خلقته.
حقاً، إن هذا الموجود، اللائق لخلافة الله على الأرض، والمؤهل لهذا الشوط الكبير من التكامل وتربية أبناء عظام كالأنبياء وخاصة النّبي الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم)، يستحق كل احترام.
نحن نشعر بالتعظيم والتكريم لمن حوى بعض العلوم وعلم شيئاً من القوانين والمعادلات العلمية، فكيف حال الانسان الأوّل مع كل تلك العلوم والمعارف الزاخرة عن عالم الوجود؟!
___________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص136-137.
2 ـ إلى هذا أشار أيضاً الآلوسي في روح المعاني، والفخر الرازي في التّفسير الكبير.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|