أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-11-2016
901
التاريخ: 13-11-2016
1152
التاريخ: 13-11-2016
679
التاريخ: 13-11-2016
1230
|
طرق التجارة:
كان الهلال الخصيب منذ اقدم العصور التاريخية مركزا لحضارة راقية، فقد ساعدت خصوبة ارضه ووفرة المياه فيه على رقي الزراعة وازدحام السكان وظهور المدن وتكوين الحكومات. وادى هذا الى رقي المدنية والصناعة والتجارة. ومع وفرة منتوجات الهلال الخصيب، ورقي بعض صناعته. الا انه كان محتاجا الى استيراد بعض البضائع، ولا سيما من الهند وشرق أفريقية وجنوب البلاد العربية، كالبخور والعطور والبهارات والافاويه والعاج والمصنوعات الحريرية. وكان يصدر بدوره بعض الفائض من منتوجه، وخاصة المنسوجات والمصنوعات الزجاجية.
ولما ازداد رقي الحضارة اليونانية والرومانية، زاد الطلب على بضائع بلاد الهند وجنوب البلاد العربية. وصار الهلال الخصيب مركزا لتجارة الترانزيت الى بلاد البحر المتوسط.
وكانت التجارة الهندية (1) تأتي عن طريقين اولهما طريق الخليج العربي، فتفرغ بضائعها عند رأس الخليج العربي، حيث تنقل الى العراق، ومنها الى سوريا فالبحر المتوسط. وفي بعض الاحيان، كانت البضائع تفرغ في موانئ البحرين وخاصة جرها Garrhae التي تقع في مكان لم يعين بعد في منطقة البحرين (2), ثم تنقل عبر الصحراء العربية الى العراق او الى سوريا؛ او الى فلسطين ومصر.
اما الطريق الثاني، فكان يأتي من البحر العربي فالبحر الأحمر، ومنه الى الموانئ المصرية الواقعة على الساحل الغربي للبحر الأحمر، او الى ميناء العقبة، حيث تنقل منها الى بلاد الشام وموانئ البحر المتوسط. ولا ريب في ان الطريق الأول المار عبر الخليج العربي الى العراق كان الافضل، لانه اقصر واقل كلفة، وليس فيه جزر مرجانية كالبحر الأحمر. لذلك كان اكثر طروقا، وخاصة عندما يكون الهلال الخصيب تحت حكم امبراطورية واحدة لا تتدخل في عرقلة الطرق التجارية.
الا ان الطرق البحرية كانت في العصور القديمة معرضة لكثير من الاخطار الطبيعية او البشرية كالعواصف والدوامات والحيوانات البحرية او الشعاب المرجانية؛ لذلك كان التجار يفضلون الطرق البرية بقدر المستطاع.
فكانت السفن الأتية الى الخليج العربي تفرغ أحياناً حمولتها عند البحرين في ميناء جرها وتنقل منها برا الى العراق، والى بلاد الشام عبر الصحراء. اما السفن الأتية الى البحر العربي، فكانت تنهي رحلتها في ميناء عدن، حيث تنقل بعدها البضائع عبر اليمن فالحجاز؛ ومنها الى مصر وفلسطين، او الى بلاد الشام. وكان لا بد للطرق البرية ان تقطع صحراء البلاد العربية، سالكة الوديان او القفار. واهم المصاعب التي تلاقيها هي قلة المياه : فالآبار هي العامل الأول الذي يقرر اتجاه القوافل، ومحطاتها في الصحراء. لذلك كانت كافة محطات القوافل حول الابار. وتتوقف أهمية هذه المحطات على وفرة مياه ابارها والأراضي القاحلة التي تحيط بها، او وقوعها على تشعبات الطرق, كان شمال الحجاز منذ اقدم الازمنة ذا أهمية كبيرة لطرق القوافل، لان تلك المنطقة تقع عند طرف الهلال الخصيب، وتلتقي فيها الطرق الأتية من جره شرقا، واليمن جنوبا، وسوريا وفلسطين شمالا، ومصر غربا. لذلك كانت تنتشأ مدن في محطات القوافل هناك. وتنتعش هذه المدن خاصة عندما يحدث اضطراب في الهلال الخصيب، وينفصل العراق عن بلاد الشام. وقد ذكرنا كيف ان المعينيين انشأوا لهم مستعمرة عند العلا في الطرف الشمالي من البحر الأحمر، لتكون محطة لقوافلهم البرية التي تنقل تجارتهم الى الهلال الخصيب، أو الى مصر.
استقرار السكان:
كثيراً ما كانت القبائل العربية التي تجوب تلك المناطق تترك حياة التجول وتستقر حول الابار، وتقوم بتموين القوافل المارة بها، وقد تقوم بحراستها.
ومن هذه المناطق التي اتخذت محطة للقوافل، وادي موسى في شرق الاردن. فقد كانت هذه المنطقة تتوفر فيها المياه والابار، فتصلح لان تكون محطة للقوافل تحميها الجبال التي كانت تحيط بها. ولا نعلم عن تفاصيل تاريخها القديم، سوى ان الادوميين قطنوها منذ القديم، وانشأوا فيها بضع مدن، ولكن القبائل البدوية في الجزيرة قامت بعدة هجمات على الادوميين، فأقصتهم عنها تدريجيا، وحلت محلهم. فلما قامت الإمبراطورية الاشورية، احتلت بلاد الشام وفلسطين. وبذلك وحدت الهلال الخصيب، وجعلته خاضعا لإمبراطورية واحدة قوية نشرت الأمن والسلم في ربوعه، الأمر الذي ساعد على انتعاش الطريق التجاري المار بالعراق. ولابد ان هذا ادى الى ضعف التجارة التي كانت تمر من غربي الجزيرة. وقد ادرك اليمانيون، وربما القبائل التي تسكن غربي الجزيرة، قوة الاشوريين وخطرهم، فراحوا يتوددون لهم ويرسلون لهم الهدايا. ولعلهم كانوا يستهدفون من ذلك ضمان مرور تجارتهم في بلاد الإمبراطورية الاشورية. وليس هناك دليل على ان الاشوريين احتلوا هذه الأماكن او أدخلوها ضمن إمبراطورتيهم. فظلت تلك المناطق تتمتع بالاستقلال. ولا بد انهم اصيبوا ببعض الضعف، لتحول التجارة الى طريق العراق، اذ اننا لا نسمع شيئا عن سكانها سوى ان اشور بانيبال ارسل ضدهم حملة، ولكنه لم يخضهم (3).
فلما جاء الاسكندر المقدوني، ارسل ضدهم، بقيادة احد قواده، حملة توغلت في بلادهم؛ ولكنها لم تستطع اخضاعهم. فلما مات الاسكندر انقسمت إمبراطورتيه الى عدة أقسام، وكانت مصر من نصيب بطليموس، وبلاد الشام من نصيب سلوقس. وكان هذان الحاكمان متنافسين؛ فحاول سلوقس قطع التجارة عن مصر، بلاد خصمه بطليموس. وحاول احتلال بلاد الانباط التي كانت تسيطر على طرق التجارة البرية؛ فارسل حملة مكونة من 4000 راجل و 600 فارس، ولكنها شتت، واضطر الذين سلموا الى مصالحة الانباط. ثم ارسل السلوقيون حملة أخرى لعقابهم، فانسحب الانباط الى معاقلهم في الجبال والصحارى. ثم فاوضوا السلوقيين بالصلح، ودفعوا لهم مبلغا من المال، فوافق السلوقيون على الصلح، بعد ان ادركوا انه ليس بمقدورهم الاستيلاء على تلك البلاد.
ادرك البطالسة اهمية بلاد الانباط واثرها في التجارة الخارجية المصرية؛ كما ادركوا صعوبة الاستيلاء على تلك البلاد الجبلية الصحراوية؛ لذلك عزموا على ان يتركوا لهم استقلالهم، شرط ان يجعلوهم تحت نفوذهم، فاستولوا على المدن الفينيقية وفلسطين التي كانت تنتهي اليها القوافل النبطية. كما ارسلوا حملة احتلت اراضي اللحيانيين الواقعة في الطرف الشمالي من الحجاز. ثم انشاوا في الاردن، عند اطراف بلاد الانباط، عدة مستعمرات يونانية. وبذلك احاطوا ببلاد الانباط وهيمنوا على منافذ الطرق التجارية (4).
وبجانب هذا، شجع البطالسة تجارة البحر الاحمر؛ وانشأوا على سواحله المصرية الموانئ والمحطات والطرق، الأمر الذي ادى الى اضعاف التجارة البرية المارة ببلاد الأنباط. وقد ادرك الانباط هذا الخطر الذي يهددهم، فقاموا ببعض النشاط في القرصنة والانقضاض على السفن في البحر الأحمر، بقصد عرقلة التجارية البحرية. ثم ان البطالسة ضعفوا في القرن الثاني ق.م. واسترجع منهم السلوقيون بلاد الشام، فحاول هؤلاء ان يجلبوا الانباط الى جانبهم. وقد استفاد الانباط من ذلك، ونشطت تجارتهم مع بلاد الشام، وذهب تجارهم الى صور وبيلوس (جبيل) حيث وجدت آثارهم هناك. وربما امتد نشاطهم التجاري الى المدن السورية الأخرى.
ثم ضعف السلوقيون، واضطربت احوال الشرق الأوسط عامة، والهلال الخصيب خاصة، فاحتل البارثيون العراق، واستقلت امارات متعددة في شمال الهلال الخصيب بلاد الشام. وكانت الامارات متخاصمة، فاضطرب الأمن وتعرقلت التجارة المارة بالعراق؛ فاستردت طرق التجارة في غربي الجزيرة اهميتها. وعادت بطرا الى الازدهار. والواقع ان معظم اخبارها واثارها المكتشفة تأتي من هذه الحقبة.
حاول الانباط الاستفادة من عدم وجود دولة قوية في الهلال الخصيب، وأرادوا بسط نفوذهم على البلاد المجاورة. واضطر ملوكهم الأول: الحارث الأول (169-146 ق.م)، والثاني (110 – 96 ق.م)، وعبادة الأول (90 ق.م) الى الاشتباك بعدة حروب مع دولة الهيروديين اليهودية التي تأسست في فلسطين. وقد استطاع هذا الملك الأخير ان يستولي على جنوب شرقي بلاد الشام، بما فيها حوران وجبل الدروز.
ومن اشهر ملوك الانباط الحارث الثالث (87-63 ق.م) الذي استطاع ان يكسر اليهود في عدة مواقع ويحاصر القدس. ثم استنجد به أهل دمشق وطلبوا منه ان يتولى امرهم بدل السلوقيين الممقوتين، فلبى نداءهم وخلصهم من السلوقيين؛ ورحب به أهل دمشق وسموه محب الهلينيين Philhellenic؛ وهكذا استطاع ان يبسط سيطرته على قلب بلاد الشام. ولما جاء القائد الروماني بومبي الى الشرق، حاول احتلال بلاد الانباط فأرسل حملة ضدهم. ولكن الحارث الثالث استطاع صد تلك الحملة، والاحتفاظ باستقلال بلاده، رغم انه خسر ما كان قد حصل عليه في سوريا.
لقد ادخل الحارث الثالث الحضارة الهلينية بلاد الانباط : فقد سك النقود على الطراز الهليني، واخذ العيار البطليموسي للعملة، وجاء بمعماريين سوريين شادوا له قبراً يعتبر حتى اليوم من آيات الفن الرائع. وتسمى تلك البناية اليوم (الخزنة). كما انشأ مسرحا، وصارت بطرا في زمنه مدينة تشبه المدن الهلينية، لها طرق عظيمة وابنية جميلة.
ثم ان روما أخذت تمد نفوذها الى الشرق، فاستولت على آسيا الصغرى فبلاد الشام، ثم مصر. وبذلك، استحوذت على حوض البحر الأبيض المتوسط، وسيطرت على موانيه التي هي منافذ التجارة النبطية. وقد ادرك الانباط خطر الإمبراطورية الرومانية، فسعوا الى التقرب منها؛ لذلك نجد أن ملكهم مالك الأول (50 – 27 ق.م) انجد يوليوس قيصر بقوة، عندما حاصر هذا الاسكندرية. كما ساعد ابنه عباده الثالث (28 – 9ق.م) حملة اليوس كالوس ضد اليمن؛ وامدها بأدلاء من الانباط. ورغم فشل هذه الحملة، الذي عزاه الرومان الى سوء نية الادلاء الانباط وتضليلهم لهم، فقد ظلت العلاقات بين الانباط والرومان طيبة. واستطاعوا ان يحافظوا على سلطانهم في جنوب فلسطين وشرق الاردن وجنوب شرقي سوريا وشمال الجزيرة. وانشأوا بضعة خانات ومحطات للقوافل، وقلاعا في وادي العربة لتكون مركزا للحاميات التي تحمي القوافل.
ادى مجيء الرومان الى نشر الأمن في ربوع البلاد؛ كما ان الاباطرة الرومان، منذ عهد أغسطس، اتبعوا سياسة السلم، واتفقوا مع البارثيين الذين كانوا يحكمون العراق؛ مما أدى الى عودة حياة السلم والطمأنينة الى بلاد الهلال الخصيب. واخذت التجارية الخارجية تسلك تدريجيا طريق العراق، وهو الاقصر، الأمر الذي أدى الى انتعاشه. اما الطريق المار بغربي الجزيرة، والذي يقع في نهاية بطرا، فقد أخذت اهميته تتضاءل تدريجيا. وقد تبع هذا الانحطاط بطرا التي كانت تقع على الطرف الشمالي من هذه الطرق، والتي كانت تعتمد على التجارة الغربية في كيانها.
وفي سنة 106م، جاء تراجان الى الشرق لإعادة تنظيمه؛ فارسل ضد بطرا حملة استطاعت ان تستولي عليها دون مقاومة. وبذلك قضى على دولة الانباط، ثم جعلها جزءا من المقاطعات العربية Arabia Provicia التي انشأها في الطرف الجنوبي من سوريا لتحميها من هجمات البدو، وجعل عاصمتها بصرى التي تحول اليها طريق التجارة، فانتهت بذلك حياة بطرا، ولم نعد نسمع لها دوراً او ذكراً في التاريخ.
اللغة:
الانباط من عرب شمال الجزيرة، ولعلهم اقرب الدول القديمة الى عرب الحجاز. فاغلب الأسماء التي كانت شائعة عندهم تشبه الأسماء المستعملة عند ظهور الإسلام، مثل حارثة ومليكة وجذيمة وكليب ووائل ومغيرة وقصي وعدي وعائد وعمر وعميرة ويعمر وكعب ومعن وسعد ومسعود ووهب الله وتيم الله وعلي.
كما ان تركيب لغتهم يشبه تركيب النحو العربي المعروف لدينا. فالفاء تستعمل للترتيب (جاء بنوه فبناته) ومن للاسم الموصول (جاء من يعلم) والياء للمضاف إليه (تيم الهي). كما كانوا يستعملون صيغة الماضي في الدعاء بدل المضارع، فيقولون (لعن ذو الشرى) كما يفعل العرب، وبذلك يختلفون عن الآراميين الذين يستعملون صيغة المضارع فيقولون (يلعن ذو الشرى).
غير انهم كانوا يستعملون، في الكتابة والمكاتبات الرسمية والمعاملات التجارية، اللغة الآرامية التي كانت سائدة آنذاك في كل بلاد الشرق الأوسط، فكأنه كانت لهم لغة للتخاطب ولغة أخرى للكتابة، مثلما لدينا اليوم لغة عامية ولغة فصحى. والراجح ان كثيرا من تجارهم كانوا يعرفون الاغريقية واللاتينية.
لقد استعمل الانباط الخط الآرامي المشتق من الفينيقي؛ ولكنهم حوروه وصقلوه تدريجيا، حتى أصبح خطا قائما بذاته. ومنه انحدر الخط العربي الكوفي (5).
الديانة في الانباط:
عبد الانباط الهة متعددة، كان اعظمها لديهم (ذو شرى)، وكان له صنم من صخرة سوداء مستطيلة، ولا نعلم اصله. وقد ذكر الكتاب الاغريق انه اله الشمس، وانهم كانوا يقيمون له في عيده احتفالات يشربون فيها الخمور، وكان يعتبر حامي ملوكهم.
عبد الانباط أيضاً اللات (وكانت الهة القمر) والعزى. كما عبدوا الإله هبل، وكذلك اتاركيتس (عشتروت). وقد اشار سترابوا الى بعض الاحتفالات الدينية التي كان يقيمها الانباط ويقدمون فيها الخمور.
لقد ظلت عبادة (ذو شرى) حتى ظهور الإسلام في شمال الحجاز. اما العزى واللات وهبل، فقد عبدت في مكة والحجاز. ويروي ابن الكلبي ان عمرو بن لحي هو الذي أدخل عبادة الأصنام الى مكة، وانه جاء بها من الانباط (6)، وهو خبر يظهر مدى اعتقاد الناس بأثر الانباط في عبادة مكة عند ظهور الإسلام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع عن طريق التجارة، فضلا الى ما ذكر اعلاه، كتاب رومنجتن (تجارة الإمبراطورية الرومانية مع الهند)، وكتاب جالسورث (الطرق التجارية والتجارة في الإمبراطورية الرومانية). سليمان حزين (جزيرة العرب والشرق الاقصى)؛ وكذلك ما كتبه روستوفزيف في الجزء الأول من كتابه (التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للعالم الهليني)؛ وكذلك ما كتبه في الجزء السابع من تاريخ كمبردج للعصور القديمة.
(2) يذهب فيليب حتي الى انها العقير. تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين 1: 299 – 300
(3) انظر Arabia Deserta لألوا موزيل، ترجمة احسان عباس ومحمود أبو طالب بعنوان (شمال الجزيرة العربية في العهد الاشوري، 96).
(4) راجع في ذلك مقال روستوفزيف بعنوان Ptolemy and Arabia المنشور في مجلة الاثار المصرية سنة 1927.
(5) انظر المقال الذي كتبه يحيى خليل نامي، في مجلة كلية الآداب للجامعة المصرية سنة 1935، عن تطور الخط العربي.
(6) الأصنام، لابن الكلبي، ص8.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|