أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-11-2016
801
التاريخ: 11-11-2016
933
التاريخ: 11-11-2016
730
التاريخ: 11-11-2016
1382
|
في أثناء الفترة التي كانت فيها دولة تدمر تتوارى في الظلام، بعيدا عن المسرح السياسي والحضاري، كان بدو شبه الجزيرة العربية يمتلئون بقوة جديدة، فالظروف الاقتصادية التي أحاطت باليمن، من انهيار سد مأرب، ثم حدوث سيل العرم، وغيره من أحداث أدت إلى اضمحلال دولة حمير اليمنية، كل ذلك وغيره كان سببا في أن تهاجر قبائل بأسرها من جنوب بلاد العرب إلى شمالها، بحثا عن أرض جديدة(1).
وكانت النتيجة الأخيرة لهذه الحركة أن ذاق الفرس والروم مر العذاب من هجرة الأعراب وغزواتهم، فأنشئوا على أطراف الصحراء الحصون ومدوا الطرق العسكرية ليأمنوا غارات قبائل البدو، وليسهلوا طرق التجارة، واتخذ الفرس قبائل من العرب عرفوا باللخميين أو المناذرة، كما اتخذ الرومان أولا قبائل من بني سليح، ثم قبائل من بني غسان أعوانا لهم(2).
وهكذا جاءت عقب البتراء وتدمر دويلتان جديدتان على أطراف الصحراء، ففي القرن الخامس والسادس الميلادي، ازدهرت حول دمشق مملكة الغساسنة، وفي نفس الوقت ازدهرت دويلة اللخميين في الحيرة بالقرب من ضفاف الفرات، وكانت هاتان الدويلتان تابعتين لإمبراطوريتي بيزنطة وفارس- وكانتا بمثابة مركزي حراسة لهما على حدود الصحراء، وقد نتج عن هذه السياسة التي سارت عليها الإمبراطوريتان القديمتان دوام الحرب بين دولتي المناذرة والغساسنة -وهما أبناء عم ومن دم واحد- ولكنهما اضمحلتا واختفتا قبيل الفتح الإسلامي العظيم(3)، تاركتين الإمبراطوريتين وجها لوجه مع الهداة الجدد، حملة لواء الإسلام، وهداية القرآن، وسنة المصطفى -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
وهكذا قامت دولة الغساسنة للروم، مقابل دولة المناذرة للفرس، بمعنى أنها كانت دولة حاجزة "Buffer State" اتخذ منها الروم مجنا يقيهم شر هجمات البدو عليهم من أطراف الصحراء من جهة، وليثيروهم ضد الفرس ويستعينوا بهم عليهم من جهة أخرى(4)، هذا إلى أن المناذرة إنما كانوا يجمعون الضرائب من القبائل العربية القريبة منهم، ويقدمونها للفرس، كما كان الغساسنة يجمعون مثل هذه الضرائب للروم(5).
وتاريخ دولة الغساسنة هذه غامض لقلة المصادر، ولامتزاج الحقائق فيه بالأساطير، ولضياع معظم آثار بني غسان، ومن ثم فلا تتفق المصادر العربية مع اليونانية إلا في النذر اليسير، بل إن المؤرخين العرب أنفسهم إنما يختلفون في عدد الملوك وأسمائهم وسني حكمهم(6)، فهم عند "حمزة الأصفهاني" 32 ملكا، وعند "أبي الفداء" 31 ملكا(7)، وعند المسعودي وابن قتيبة إنما هم أحد عشر فقط(8)، وأما "نولدكه" فالرأي عنده أن عددهم لا يتجاوز العشرة، وأنهم حكموا في الفترة "500-635م"، بل إن "هرشفلد" ليحددهم بسبعة فقط(9)، ويرى "جرجي زيدان" أنهم سبعة عشر وأنهم حكموا في الفترة "220-633م"(10).
ولعل السبب في هذا الاختلاف إنما هو اختلاط أخبار آل غسان بالقبائل العربية التي سبقتهم إلى سورية، ودانت بالنصرانية، وخضعت لحكم الرومان، كما أن من أسبابه أيضا اقتصار مؤرخي العرب على الناحية الأدبية من تاريخ الغساسنة، وإهمال تاريخهم السياسي، بالطريقة التي أهملوا بها تاريخ اليونان والرومان، أضف إلى ذلك هذا التشابه في الأسماء بين حارث ومنذر ونعمان، واختلاط ذلك أيضا بالتشابه والتقارب مع أسماء ملوك المناذرة(11).
أضف إلى ذلك أن هذا الاختلاط أو الخلاف بين مؤرخي العرب على عدد ملوك آل غسان، إنما هو دليل على ما يحيط بأسرة "آل جفنة" من غموض، وفي الواقع أن تاريخ الأسرة بكامله غامض، حتى أصل الأسرة نفسها، فالمؤرخون العرب يرون أن الغساسنة -وكذا المناذرة- إنما ويرجحون أنهم من عرب الشمال، لأسباب، المحدثين ما يزالون في ريب من هذا، ويرجحون أنهم من عرب الشمال، لأسباب، منها "أولا" أن لغة الغساسنة -وكذا المناذرة- إنما هي لغة عدنانية، أكثر منها قحطانية، بل إنها لا تمت إلى الحميرية الجنوبية بصلة، ومنها "ثانيا" أن أسماءهم إنما تشبه في مجموعها أسماء عرب الشمال، وكذا العادات والذين، والتي هي أكثر انطباقا على عادات وديانة عرب الشمال(12).
وأيا ما كان الأمر، فإن الرواية العربية- كما أشرنا من قبل- تذهب إلى أنهم قد هاجروا من اليمن واستوطنوا أرض حوران(13) حيث كان هناك قوم يعرفون "بالضجاعمة" من قبائل بني سليح بن حلوان من قضاعة، قد استقروا هناك، ورضخوا لحكم الرومان ودانوا بالنصرانية من قبل مجيء بني غسان، ثم اعترفت الدولة البيزنطية بهم ووضعتهم تحت حمايتها، واتخذتهم أعوانا لها ضد المناذرة والفرس، وكان ذلك في زمن الإمبراطور "أنستاسيوس" حوالي آخر القرن الخامس الميلادي، ومن ثم كانوا أول من شيد ملكا للعرب هناك(14).
وأما الغساسنة، فقد استقروا في نواحي الجنوب الشرقي من دمشق، على مقربة من الطرف الشمالي لطريق النقل الهام الذي كان يربط بين "مأرب" في الجنوب، و"دمشق" في الشمال(15)، وأما متى حدثت هجرة الغساسنة -وكذا المناذرة- من اليمن إلى الشام، فذلك موضع خلاف بين العلماء، صحيح أن الروايات العربية تحدد ذلك بانهيار سد مأرب، ثم حدوث سيل العرم، ولكن صحيح كذلك أن سد مأرب إنما انهار عدة مرات خلال الفترة الطويلة التي مضت منذ تشييده -لأول مرة- في منتصف القرن السابع قبل الميلاد- وربما الثامن كذلك(16)- وبين آخر مرة أصلح فيها السد في عام 543م على أيام أبرهة الحبشي، إذ أن هناك عدة إشارات في النصوص العربية الجنوبية إلى تهدم السد وإصلاح(17)، ومن ثم فلا ندري على وجه التحديد في أي وقت من هذه الفترة -التي ربما تزيد على اثني عشر قرنا- قد حدثت هذه الهجرة، وأما الروايات العربية، فبعضها يذهب إلى أن ذلك إنما كان قبل الإسلام بأربعة قرون، وبعضها يرى أن ذلك إنما كان على أيام الحبشة، وبعضها يرى ذلك في القرن الخامس الميلادي، على أيام "حسان بن تبان أسعد"، وأخيرا فإن هناك روايات ترى أن ذلك إنما كان في القرن الرابع الميلادي(18).
وعلى أي حال، فما أن يمضي حين من الدهر على هجرة الغساسنة إلى الشام، حتى تبدأ الخلافات بينهم وبين الضجاعمة وينتهي الأمر بغلبة بني غسان على بني سليح، وإن لم يقضوا عليهم نهائيا، ومن ثم فقد بقوا -كما يرى نولدكه- في مواضع أخرى من الشام إلى زمن متأخر، بدليل أن النابغة الذبياني قد زار أحدهم في "بصرى"، وأن جماعة منهم قد حاربوا خالد بن الوليد في دومة الجندل تحت قيادة "ابن الحدرجان" وفي "قصم"(19).
ويروي الأخباريون أن الغساسنة إنما يسمون بعدة أسماء، منها "أزدغسان"، ويذهبون إلى أن "أزد" إنما هو اسم قبيلة، وأما "غسان" فهو اسم ماء في تهامة، نزل القوم عليه وشربوا منه، ومن ثم فقد عرفوا بأزدغسان، وعرف نسلهم بالغساسنة(20)، ويسمون كذلك "آل ثعلبة" نسبة إلى جد لهم يعرف باسم "ثعلبة ابن مازن"(21)، كما يسمون كذلك "آل جفنة" و"أولا جفنة"، لأن أول ملوكهم إنما كان يسمى "جفنة بن عمرو مزيقياء"(22).
وأما العاصمة السياسية لآل جفنة، فيبدو أنها كانت في البدء مخيما متنقلا، ثم استقرت بعد ذلك في "الجابية" في منطقة الجولان جنوب غربي دمشق، كما كانت في بعض الوقت في "جلق" في جنوب حوران(23)- والتي ربما كانت "الكسوة" الحالية، على مبعدة عشرة أميال جنوبي دمشق- وأما ديارهم، فكانت "الكسوة" الحالية، على مبعدة عشرة أميال جنوبي دمشق- وأما ديارهم، فكانت -طبقا لبعض الروايات العربية- في اليرموك والجولان وغيرهما من غوطة دمشق وأعمالها، وأن منهم من نزل الأردن من أرض الشام(24)، وعلى أي فلقد امتدت دولتهم حتى شملت الجولان وحوران والبقاء، وأحيانا فينيقيا، فضلا عن أعراب سورية وفلسطين(25).
وعلى أي حال، فليس هناك من دليل على أن الغساسنة، قد ملكوا المدن الكبيرة في الشام كتدمر وبصرى ودمشق، إذ أن هذه كانت محصنة، تتمركز فيها الحامية البيزنطية، ولكنهم كانوا يعتمدون على الصحراء، إذا داهمهم الخطر، فكانت تغنيهم عن المدن المحصنة، ومن ثم فقد كانت معظم حروبهم تدور على أطراف البادية، وإليها التجأوا عندما خلعوا سلطان الإمبراطور وثاروا عليه في عند "النعمان بن المنذر"، ولهذا فقد كان الروم يقيمون عمالا صغار بجانب ملوك غسان، حفاظا على التوازن الساسي، وإبقاء لسلطان الدولة في الأوقات العصبية، طبقا لسياسة "فرق تسد"(26).
______________________
(1) سبتينو موسكاتي: المرجع السابق ص204، وانظر: عبد اللطيف الطيباوي: محاضرات في تاريخ العرب والإسلام -الجزء الثاني- بيروت 1966 ص9-10.
(2) عبد اللطيف الطيباوي: المرجع السابق ص12.
(3) موسكاتي: المرجع السابق ص204، قارن: ابن كثير 2/ 218.
(4) محمد مبروك نافع: المرجع السابق ص111.
(5) عمر فروخ: تاريخ الجاهلية ص68.
(6) راجع القوائم في: جواد علي 3/ 443-447، جرجي زيدان: المرجع السابق ص2-1، عبد اللطيف الطيباوي: المرجع السابق ص12.
(7) حمزة الأصفهاني: المرجع السابق ص99، أبو الفداء 1/ 72-73، ابن خلدون 2/ 282.
(8) مروج الذهب 2/ 82-86، المعارف ص642، ابن خلدون 2/ 281.
(9) جوا علي 3/ 446، هرشفلد، ديوان حسان بن ثابت ص96، جرجي زيدان: المرجع السابق ص193، قارن: كتاب المحبر لابن حبيب ص372.
(10) جرجي زيدان: المرجع السابق ص197-198.
(11) عبد اللطيف الطيباوي: المرجع السابق ص13.
(12) محمد مبروك نافع: المرجع السابق ص96.
(13) هي حورانو في الآشورية، وباشان في التوراة، وأورانيتس في آداب اليونان وأن جبل الدوز اليوم داخل ضمن نطاق حوران "فيليب حتى: تاريخ العرب ص102 وكذا قارن: D.D. Luckenbill, Op. Cit., I, P.672, 721
(14) عبد اللطيف الطيباوي: المرجع السابق ص11.
(15) المسعودي: التنبيه والإشراف ص158، كتاب المحبر ص370-371
وكذا P.K. Hitti, Op. Cit., P.78
(16)جواد علي 2/ 281، نزيه مؤيد العظم: المرجع السابق ص88، وكذا -
D. Nielseon, Op. Cit., P.79. وكذا F. Altheim and R. Stiehl, Op. Cit., P.27
(17) فريتز هومل: المرجع السابق ص109، فؤاد حسنين: المرجع السابق ص304، أحمد فخري: المرجع السابق ص183، جواد علي 2/ 586، 3/ 383-384.
وكذا A. Jamme, Op. Cit., P.176 وكذا J.B. Philby, Op. Cit., P.118
وكذا Le Museon, 1964, P.493-4. وكذا R.A. Nicholson, Op. Cit., P.16
(18) ياقوت 5/ 35، جرجي زيدان: المرجع السابق ص155، أحمد إبراهيم الشريف: المرجع السابق ص315.
(19) تاريخ الطبري 3/ 378، ابن خلدون 21/ 278، فتوح البلدان 1/ 132، المحبر ص371.
(20) مروج الذهب 2/ 82-83، ابن خلدون 2/ 279، الاشتقاق 2/ 435، ياقوت 2/ 329، 4/ 203-204، نهاية الأرب ص21، حمزة الأصفهاني ص76، عبد اللطيف الطيباوي: المرجع السابق ص11.
(21) تيودور نولكه: أمراء غسان ص4، المحبر ص371.
(22) المسعودي: التنبيه والإشراف ص158، الأصمعي: تاريخ ملوك العرب الأولية ص110-102، شرح ديوان حسان بن ثابت للبرقوقي ص287، الاشتقاق 2/ 435، ابن خلدون 2/ 279-281، عبد العزيز سالم: المرجع السابق ص271-273، حمزة الأصفهاني: المرجع السابق ص76-77،
وكذا F. Altheim and R. Stiehl, Op. Cit., Ii, P.332
(23) فيليب حتى: المرجع السابق ص449، ياقوت 2/ 91، 155، البكري 2/ 355، 390، عبد المنعم ماجد: المرجع السابق ص188-198، بلاشير: المرجع السابق ص59، دائرة المعارف الإسلامية: مادة جابية ومادة جلق، عبد اللطيف الطيباوي: المرجع السابق ص12، محمد مبروك نافع: المرجع السابق ص116 وكذا
R. Dussaud, Topographie Historique De La Syrie Antique ET Medievale, P.317-18, 332-3.
وكذا Leone Caetani, Annali Dell' Islam, Ii, P.928
(24) المسعودي: مروج الذهب 2/ 85.
(25) عبد اللطيف الطيباوي: المرجع السابق ص12.
(26) نفس المرجع السابق ص12.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|