أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-11-2016
809
التاريخ: 11-11-2016
848
التاريخ: 2023-12-18
1088
التاريخ: 11-11-2016
873
|
كان للغموض الذي أحاط بتاريخ سني حكم ملوك الغساسنة وترتيب توليهم المملكة، ان اختلف المؤرخون في عدد ملوك هذه الدولة وفي مدة حكمها، فذكر حمزة الاصفهاني(1) ان ملوك غسان كانوا اثنين وثلاثين ملكا، حكموا نحو ستمائة عام، وذكر أبو الفدا(2) انهم كانوا ثلاثين ملكا، بينما يرى كل من المسعودي(3) وابن قتيبة(4) انهم كانوا احد عشر ملكا فقط.
كان اول ملوك الغساسنة، جفنة بن عمرو بن مزيقياء فلما توفي، خلفه ابنه عمرو بن جفنة، ثم ولي من بعده ثعلبة ابن عمرو بن جفنة الذي ينسب اليه بناء صرح السدير في اطراف حواران مما يلي البلقاء. ولما توفي ثعلبة ولي بعده ابنه الحارث ثم حفيده جبلة(5) الذي قام بغزو فلسطين سنة 500م(6).
يعد الحارث الثاني بن جبلة (528 – 569م) الذي خلف اباه في مملكة الغساسنة، اعظم ملوكهم، فقد ولي عرش المملكة اكثر من أربعين سنة. واقام علاقات وطيدة مع امبراطورية الروم واشترك معها في حروبها ضد الفرس وابلى بلاء حسنا، فانعم عليه الامبراطور جستنيان (527 – 569م) بأعلى الألقاب الإمبراطورية فانعم عليه بالإكليل ومنحه لقب phylarch (شيخ القبائل)، ولقبه أيضا بلقب (7patricius)()، وهو اعظم لقب بعد الامبراطور الذي كان يعد مقصورا على اباطرة الروم، وعلى ذلك يعتبر الحارث الثاني اول ملوك الغساسنة الذي تلقب بلقبين كبيرين هما فيلارخ وبطريق.
ان لتشجيع اباطرة الروم، للحارث بن جبلة والإغداف عليه بالألقاب، ان تفاني في خدمة الإمبراطورية وصار لها حليفا مخلا، فاشترك مع الجيش البيزنطي في اخماد ثورة السامريين في فلسطين سنة 529م (8)، كما تصدى للفرس والمناذرة واوقف تقدمهم بعد ان كانوا قد توغلوا في أراضي سورية واسيا الصغرى واوشكوا على فتح القسطنطينية سنة 531م(9). بعد ان طلب منه ذلك الامبراطور البيزنطي حين اشرف قائده بليزاريوس على الهزيمة.
على ان الغساسنة الذين انوا يعاونون اباطرة الروم في التصدي للفرس وحلفائهم المناذرة، ما لبثوا ان اشتبكوا مع أبناء عمومتهم المناذرة في حروب طويلة ضارية. فلما ادعى ملك الحيرة ان القبائل العربية التي تنزل بين دمشق وتدمر تخضع لسلطانه وان عليها دفع الاتاوة له، نازعه ملك الغساسنة هذا السلطان، واشتبك الرفان في عدة معارك انتهت بانتصار الغساسنة سنة 528م(10).
تجددت المعارك بين الغساسنة والمناذرة سنة 544م فدارت الدائرة على الملك الغساني، واسر احد أبنائه، فقدمه المنذر بن ماء السماء، ضحية وقربانا للصنم العزي. على ان الحارث بن جبلة الملك الغساني ما لبث ان ثار لابنه في واقعتي عين اباغ ومرج حليمة بالقرب من قنسرين سنة 554م، فهزم المناذرة وقتل ملكهم(11).
لما استتب الامر للحارث بن جبلة وامن جانب اعدائه، قام بزيارة الامبراطور جستنيان في القسطنطينية سنة 563م، وقد لقى الحارث حفاوة بالغة واستقبالا عظيما، دهش فيه بمظاهر الفخامة التي يحياها اباطرة الروم ورجال البلاط البيزنطي. وقد انتهز الحارث فرصة زيارة الامبراطور، في الاتفاق على ان يخلفه ابنه المنذر في مملكة الغساسنة من بعده(12). كما سعى لدى الامبراطورة ثيودوره – زوجة الامبراطور – من اجل تعيين يعقوب البرادعي – مؤسس الكنيسة السورية اليعقوبية – ورفيقه ثيودوروس، اسقفين في المقاطعات السورية وقد تم له ما أراد(13).
على الرغم من معارضة الروم للمذهب اليعقوبي على اعتبار انه مذهب مناهض لسياسة الإمبراطورية، الا ان الحارث بن جبلة استطاع ان يقلل من غضب أساقفة الكنيسة الامبراطورية والتقريب بين اراء رجال الكنيستين. مما كان له ابلغ الأثر في بقاء المذهب اليعقوبي بل وانتشاره بين السريان والعرب في بلاد الشام(14).
لم يكد الامر يستتب للمنذر بن الحارث بن جبلة في مملكة الغساسنة، حتى بدا عهده بمحاربة المناذرة الذين اغاروا على أراضيه سنة 570م. الا انه تمكن من إيقاع الهزيمة بهم(15).
سار المنذر بن الحارث على نهج ابيه في تأييد المذهب المنوفستي المعارض للمذهب الملكاني – مذهب الإمبراطورية – مما قلل منن عطف الاباطرة عليه. لكنهم على الرغم من ذلك اضطروا للاستعانة بالمنذر من التصدي لعرب الحيرة، الذين هددوا تخوم الإمبراطورية واوقعوا الرعب في نفوس سكان القرى المجاورة لها(16).
كان لانتصار المنذر بن الحارث على عرب الحيرة ومنعهم من الغزو والاغارة على حدود الإمبراطورية، ان دعاه الامبراطور البيزنطي تيسير يوس الثاني (578 – 582م) لزيارة القسطنطينية، فلما وصل عاصمة الإمبراطورية، استقبل استقبالا حافلا، وانعم الامبراطور عليه بالتاج فلقبه مؤرخو العرب بلقب المنذر ملك العرب. كما منح الامبراطور ولدى المنذر بن الحارث، رتبا عسكرية(17).
لم يمض على زيارة المنذر بن الحارث للقسطنطينية زمن طويل حتى ساءت العلاقات بين الغساسنة والروم، بسبب ما أحاط بالمنذر من شبهات الخيانة وعدم الولاء. ذلك ان البطريق موريس – القائد البيزنطي لما حاول غزو حدود دولة الفرس في النصف الثاني من عام 580م، وجد الجسر المقام على نهر الفرات غير صالح للعبور، فتراجع وترك الغزو واتهم المنذر بانه اوعز بهدم الجسر، وسعى لدى الامبراطور للإيقاع به بدلا من الاعتراف بفشل حملته(18). فتنكر له الامبراطور وقرر التخلص منه. فبعث القيصر برسالة الى ((ما كنوس))، حاكم بلاد الشام، صديق المنذر، يامره فيها بالقبض على المنذر وارساله الى العاصمة الإمبراطورية.
انتهز البطريق ((ما كنوس)) فرصة الاحتفال بالانتهاء من بناء كنيسة حوارين(19)، فقبض على المنذر بن الحارث وارسله الى القسطنطينية مع احدى نسائه وبعض أولاده، فبقى هناك الى ان ولي البطريق ((موريس)) عدوه اللدود، عرش الإمبراطورية سنة 582م، فامر بنفيه الى صقيلة حيث توفي هناك في نفس العام(20).
لم يكتف الامبراطور ((موريس)) بنفي ملك الغساسنة، بل امر بقطع الاعانة التي كانت الإمبراطورية ترسلها الى الغساسنة في كل عام مما اثار أبناء المنذر، فتركوا ديارهم وتحصنوا بالبادية، واخذوا في شن الغارات على حدود الإمبراطورية بقيادة اخيهم الأكبر، النعمان بن المنذر، فالحقوا بها اذى شديدا.
ولما كان من الصعوبة مهاجمة الأبناء في البادية، لذلك عمدت الحكومة البيزنطية الى المكيدة، فعهدت الى ما كنوس بتدبير الامر. فارسل ما كنوس الى النعمان بن المنذر يطلب منه اللقاء من اجل الاتفاق على عقد الصلح. فلما تلقى النعمان رسالة القائد البيزنطي، لم يفطن الى تلك المكيدة وسار الى ما كنوس، الذي خدع اباه من قبل. وما ان وصل الى مقر الحاكم البيزنطي لبلاد الشام حتى تم القبض عليه وارساله اسيرا الى عاصمة الإمبراطورية سنة 584م(21).
أدى القبض على النعمان بن المنذر واسره، الى تصدع ملك الغساسنة، وانقسام امرائهم على انفسهم، فتمزقت وحدتهم وسادت الفوضى ارجاء بادية الشام. وصارت كل قبيلة تختار زعيما لهم من بين أبنائها. فظهر من بينهم الحارث الأصغر بن ابي شمر الغساني، الذي استعاد ملك الغساسنة، فقام بغزو قبيلة عوف بن مرة في أعالي الحجاز، كما حارب قبيلتي اسد وفزارة واسر كثيرا من رجالهم وعاد الى عاصمة المملكة بعد ان دانت له بالطاعة والولاء. كما تمكن ابناه النعمان وعمرو من توطيد سلطان الغساسنة في نجد والنواحي الشمالية من بلاد الحجاز(22). فلما زارهم الشاعر حسان بن ثابت مدحهم قائلا:
أولاد جفنة حــــــول قبر ابيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
بيض الوجوه كريمة احسابهم ... شم الانوف مـن الطراز الأول
لما توفي الحارث الأصغر خلفه ابنه النعمان، الذي سار على نهج ابيه في العمل على استعادة النفوذ الغساني وتوطيد سلطانهم على القبائل العربية، فقام النعمان بن الحارث الأصغر بغزو بكر وتميم والحق بهم خسائر كبيرة، كما غزا مملكة الحيرة حوالي سنة 600م(23)، واحرز انتصارات عظيمة، فمدحه النابغة الذبياني(24)، بقوله:
ان يرجع النعمان نفرح ونبتهج ... ويأت معدا ملكها وربيعها
ويرجع الى غسان ملك وسؤدد ... وتلك التي لو اننا نستطيعها
على الرغم من محاولة بعض الامراء الغساسنة استعادة ملكهم الا ان قصر مدد حكمهم، وافتقادهم للزعامة والوحدة السياسية ، أدى الى قيام كسرى ابرويز بمهاجمة بلاد الشام واستيلائه على بيت المقدس ودمشق (623 – 614م) دون ان يجد من يقف في وجهه او يعترض طريق تقدمه من جراء الفوضى السائدة في بلاد الشام.
كان جبلة بن الايهم هو اخر ملوك البيت الغساني الذي استعان به الروم بعد استردادهم السيطرة على بلاد الشام(25). وقد اشترك جبلة بن الايهم مع الروم في واقعة اليرموك(26)، سنة 13هـ/ 636م. التي احرز فيها المسلمون نصرا مؤزرا(27).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ سني ملوك الأرض والانبياء، برلين، 1340هـ، ص99.
(2) المختصر في اخبار البشر، جـ1، ص72 – 73.
(3) مروج الذهب، جـ1، ص365.
(4) المعارف، ص642.
(5) حمزة الاصفهاني: تاريخ سني ملوك الأرض، ص77.
(6) O'Leary: Arabia before Muhammad, p. 164 .
(7) hitti: history of the Arabs, p. 76 .
(8) O'Leary: op. cit, p. 164 .
(9) hitti: history of the Arabs, p. 79 .
(10) جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام، جـ4، ص130.
(11) ابن الاثير: الكامل في التاريخ، جـ1، ص326.
(12) O'Leary: Arabia before Muhammad, p. 165.
(13) hitti: history of the Arabs, p. 79.
(14) جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام، جـ4، ص133.
(15) جمال سرور: قيام الدولة العربية الإسلامية، ص39.
(16) جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام، جـ4، ص135.
(17) نولد كه: امراء غسان: ص26.
(18) hitti: history of the Arabs, p. 80.
(19) حوارين: قرية من قرى حلب، ياقوت: معجم البلدان، جـ2، ص315.
(20) فيليب: تاريخ العرب، جـ1، ص105.
(21) نولد كه: امراء غسان، ص32 – 33.
(22) جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام، جـ4، ص152.
(23) نولد كه امراء غسان، ص42.
(24) النابغة الذبياني: هو زياد بن معاوية بن ضباب، من قبيلة ذبيان الغطفانية القيسية (قيس عيلان). واشتهر بلقب النابغة لانه قال الشعر بعد ان كبر سنه ومات قبل ان يهتر ويذهب عقله.
انظر، الاصفهاني: كتاب الأغاني، دجـ11، ص4.
(25) hitti: history of the Arabs, p. 80 .
(26) اليرموك: وادي بناحية الشام يصب في نهر الأردن.، ياقوت: معجم البلدان، جـ5، ص343.
(27) الطبري: تاريخ الرسل والملوك، جـ3، ص178.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|