أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-11-2016
502
التاريخ: 2-11-2016
668
التاريخ: 3-11-2016
1197
التاريخ: 3-11-2016
879
|
تعرضت دولة أور في أواسط القرن العشرين ق. م لهزتين عنيفتين، صدرتا عن شعبين ناهضين، وهما: شعب الإلاميين "العيلاميين" وشعب الأموريين. أما الإلاميون أو العيلاميون فكانوا من جيران الدولة القدماء في شرقها، وكثيرًا ما صدمتهم وتصادموا معها، وناوأتهم حتى أخضعت بعض جماعاتهم لسلطانها، ولكن حدث لأمر ما أن انبعثت فيهم روح جديدة شجعتهم على مهاجمة أور في عقر دارها. وناوأ الأموريون بدورهم الدولة من غربها، والأموريون هم أولئك الفروع من الساميين الذين انتشروا في باديتي الشام والعراق وامتدوا حتى غربي الفرات، والذين سماهم السومريون القدماء أهل "مارتو" أي أهل الغرب، ثم سماهم بنو عمومتهم الأكديون باسم "الأموريين"، وهو اسم يؤدي نفس المعنى القديم أي أهل الغرب "وإن كان أحد معبوداتهم الكبرى قد سمي أمورو مما يحمل على الظن بنسبتهم إلى اسمه"(1). وكان قرب مناطق الأموريين من صحراوات شبه الجزيرة العربية يزودهم من حين إلى آخر بهجرات من بني عمومتهم البدو الساميين، وهذه قد تنطوي في ظلهم حينًا، وقد تغلب بعض جماعاتهم على أمرها حينًا آخر، ولكنها كانت تجدد دماءهم وحيويتهم في أغلب الأحيان. وظلت ضفاف الفرات وخيراتها الطبيعية والحضارية مطمعًا للأموريين القريبين منها، حتى توافرت لهم أسباب هجرة كبيرة قوية، وهي أسباب يصعب تحديد تفاصيلها، ولكنها لا تخرج في أغلب الظن عن احتمال فرارهم من اشتداد موجات الجفاف في أرضهم، أو ارتفاع نسبة التكاثر الداخلي في قبائلهم، أو ظهور زعامات قوية طموحة بين صفوفهم، ثم إحساس أقرب جماعاتهم من أرض العراق بتخلخل قبضة أواخر ملوك أور على أطراف دولتهم لا سيما بعد أن انشغلوا بضغط العيلاميين على مشارفها الشرقية.
وسيطر الأموريون في بداية تغلبهم على مناطق الحوف. ومن كبرى المدن التي أخضعوها لنفوذهم مدينة ماري قرب نهر الفرات، وكانت لأهلها صلة قديمة بالعنصر السامي. وبدأ حكام المدن يوازنون بين الولاء للغزاة وبين الولاء للعرش السومري. وكان من هؤلاء أمير سامي الأصل يدعى إشبي إرا، من حكام ماري، أخذ يظهر الولاء للفريقين حتى يتكشف له الفريق الغالب منهما فينضم إليه ويأخذ من ثم يعمل لما فيه مصلحته. وصورت هذه الأوضاع رسالة أرسلها "إبي سين" آخر ملوك أور إلى قائد من قادته يُدعى "بوزور نوموشدا" تولى حكم مدينة كازاللو "وهي مدينة غير معروفة قد تقع شرقي دجلة"(2)، عاب عليه فيها تردده في مهاجمة رجل ماري "إشبي إرا"، بعد أن تلقى من هذا القائد رسالة أخبره فيها أن إشبي إرا بث عيونه حوله، وأنه لن يستطيع مغادرة أرضه إلا بعد أن ينزاح خطره عنه ... ورد إبي سين أسباب المحنة إلى القضاء والقدر وإرادة الأرباب وفساد الدولة، فقال لقائده: "قضى إنليل بالشر على سومر وهبط عودها من أرض ... وتولى زعامة البلاد. وترك إنليل الملكية لإشي إرا الرجل الوضيع غير السومري. وسجدت سومر في مجمع الأرباب، وقضى إنليل أنه طالما بقي أهل السوء فيها فلسوف يدمر إشبي إرا رجل ماري بنيانها ويكتسح أرضها(3).
ويبدو أن إشبي إرا استمر في خداعه وادعى الغيرة على مدن أخرى غير ماري، فنقل نشاطه إلى مدينة نيبور ثم إلى مدينة "إسين" إلى الجنوب منها بنحو ثلاثين كيلومتر. ومن هناك أرسل إلى أبي سين يدعى أنه سوف يدافع عن المدينتين ويطلب المدد منه لهذا الغرض، ولكن الملك السومري ظل على سوء الظن به، فانتهزها إشي إرا وكشف القناع عن أطماعه وسيطر على المدينتين لصالحه واتخذ ثانيتهما عاصمة له، في نفس الوقت الذي اندفع فيه حلفاؤه الساميون إلى قلب العراق وسيطروا على سهل سوبار(4).
واعترف الملك السومري إني سين في رسالته إلى قائده بهذه الحقيقة المرة، وحاول معه محاولته الأخيرة، فتنبأ له بأنه إن ضل وجرى مجرى المنحازين إلى الساميين فلن يقدره العدو قدره، ودعاه من ثم إلى التزام جادة الصواب، وبشره بأن الأموري لن يبلغ مأربه؛ لأن إنليل سوف يكشف الغمة ويرسل جماعات جديدة من بدو مارتو يفسدون عليه أمره، وقد يهاجمه العيلاميون أيضًا، وحين ذاك تستفيد سومر من تنافس الخصوم وتستعيد مجدها القديم.
وشيئًا فشيئًا انقطع التاريخ باسم إبي سين السومري في مدينة بعد أخرى "مثل مدن إشنونا ولجش وأوما .. " مما يعني انسلاخها عنه أو وقوعها في يد عدوه. وسواء تقدم العيلاميون حينذاك من تلقاء أنفسهم، أم استنجد بهم إبي سين كما يعتقد الباحث ياكوبسن، فقد استغلوا الظرف لمصلحتهم ومدوا سلطانهم حتى مدينة لارسا التي قامت على مقربة من أور وقامت على أطلالها بلدة سنكرة الحالية، وكانت مركزًا من مراكز عبادة الشمس، وعرف معبد إله الشمس فيها باسم إبابار. وكان المنتفع بهذه الخطورة ملك منطقة إيموتبال وهي منطقة شرقية قريبة من الحدود الإيرانية، جرت في حكامها دماء إلامية أو عيلامية، وكان يتلقب بلقب أدا إيموتبال بمعنى والدها. وبعد أن سيطر على لارسا لقب نفسه بلقب أدا الغرب وعين ولده وردسين ملكًا عليها.
وكان لسقوط أور بين فكي الكماشة، في منتصف القرن العشرين ق. م، واقتسام مجدها بين العيلاميين وبين الأموريين، بل وبين جماعات جبلية دعت النصوص أصحابها باسم السوباريين(5) نتيجة فيما يبدو لسيطرتهم على مناطق سوبار "أوسوبارتو"، دوي كبير في نفوس أهلها ونفوس السومريين بكافة. ونظم شاعر سومري خبر دمار أور "بعد فترة من حدوثه" في قصيدة، واعتبره دمارًا لسومر كلها(6).
وبدأ الشاعر قصيدته بقوله: "فارق الفحل مقره وتفرق قطيعه مع الرياح" وقصد بالفحل هنا إله أور. ثم عدد أسماء المدن السومرية الكبرى وذكر أن أربابها ورباتها فعلوا فعلة إله أور، فهجر إنليل نيبور وتفرق قطيعه ... ، وهجرت إنانا أوروك، وهجر إنكي إريدو ... ، وهلم جرًّا. ثم أخذ ينعى مصائر المدن وينعى تساقط لبنات مساكنها، وبدأها بمدينة أور ... ، ثم انتقل إلى وصف قرار الأرباب بدمارها وسفك دماء أهلها، وكيف أنه "أي الشاعر" آثر ألا يتركها على الرغم مم أصابها، وأنه أخذ يسكب دموع عينيه لربه آن، ويبتهل لربه إنليل، ولكن ما من سميع ولا مجيب. واستمر نحيب الناس ... ، وامتلأت الطرق بجثث القتلى الذين حطمتهم الرماح والمقامع، وظلوا تحت وهج الشمس حتى أذابت الشمس شحومهم، أما من نجوا فقد ذلوا وجاعوا حتى تخلت الأم عن ابنتها، وهجر الأب ولده، وفارقت الزوجة زوجها ...
ونعت الربة نينجال بدورها الدمار الذي يلحق بداخل المدينة وخارجها، وقالت: ... تراكم الوحل في أنهار مدينتي، وأصبحت كأنها جحور الثعالب، وما عاد الماء يجري فيها. وهجرها عمالها، ولم يتبق غلال في حقول بلدي وهجرها مزارعوها، ... وأصبحت أجمات النخيل والكروم بعسلها ونبيذها "جرداء" كقمة الجبل "؟ "، ... ضاعت مدينتي ولم أعد ملكتها، وتحولت دارى إلى أطلال، وقامت مدينة غير المدينة ودار غير الدار، يا ويلي، أين أجلس وأين أقف؟. أنا نينجال طردت من داري ولم يعد لي مقر، وغدوت شريدة في مدينة غريبة.
ورد الشاعر على نحيب ربته نينجال بنحيب مثله، قائلًا: مليكتي، أصبح فؤادك كالماء، فكيف تعيشين؟ أيتها السيدة العادلة التي تخربت مدينتها كيف تعيشين؟ ... ، دموعك أصبحت دموعًا غربية، فالبلد لم تعد تذرف الدموع... ، وإلى متى يا ترى ستظلين غريبة بجوار مدينتك؟ ثم تمنى لها أن تئوب إلى ديارها أوبة الفحل إلى حظيرته، والشاة إلى قطيعها، والطفل إلى مهده، ودعا لها بأن يقضي لها آن ملك الأرباب بالأمان؛ ويمنحها إنليل ملك الدنيا الحظ "السعيد" حتى تعود أور إلى حالها من أجلها، وتمارس فيها سلطانها.
ويرى ياكوبسن أن تأليف القصيدة لا يتأخر أكثر من سبعين عامًا أو ثمانين عامًا بعد تدمير أور، بينما يستبعد كرامر مثل هذا التحديد ويكتفي بافتراض تأليفها فيما بين انتهاء عصر أور وبين العصر الكاشي.
__________
(1) See, Edzard, Die Zweite Zwischenzeit Babylenien, 1957; Kupper, Les Namades En Mesopotamie, 1957.
(2) Anet, 480 N. 3.
(3) Kramer, Anet, 480-481; A. Falkenstein, AZ, Xlix "1949", 59 F.
(4) See, Jacobsen, Journal Of Cuneiform Studies, Vii "2", 1953, 39; F.A. Ali, Archiv Orientaini, Xxxiii, 1965, 520-540.
(5) See, Anet, 460.
(6) Th. Jacobsen, Ajsl, Lviii, 219 F.; M. Mitzel, Orientalia "New Series", Xiv "1945", 185 F.; Xv, 46 F. See, S.N. Kramer, Op. Cit., 455, See Also, Anet, 1969, 611-619.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|