أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-10-2016
2645
التاريخ: 30-10-2016
1245
التاريخ: 17-12-2020
2361
التاريخ: 1-11-2016
1469
|
بعض الأوجه الحضارية المميزة للعهد البابلي الأخير:
1- خصائص عامة:
على الرغم من قصر فترة العهد البابلي الأخير في حياة حضارة وادي الرافدين المديدة، ورغم أنها كانت آخر عهودها السياسية ــ حيث استمرت هذه الحضارة في الأدوار التي أعقبت العهد البابلي الحديث ــ إلا أنها تركت آثاراً مهمة في سير التأريخ العام. فإلى جانب البقايا المعمارية المهمة وفي مقدمتها بقايا مدينة بابل التي ستتكلم عنها في فقرة أخرى جاءتنا من هذا العهد مصادر مدونة تعد على جانب كبير من الاهمية والوفرة بالنسبة إلى قصر مديته، مما خلفه ملوكه من أخبار مدونة وما تركه عامة الناس من وثائق المعاملات المختلفة الخاصة بشؤون الحياة اليومية.
هذا العصر امتاز بالاتجاه إلى إحياء تراث الماضي، وشمل هذا الاتجاه الأساليب والاستعمالات اللغوية التي يمكن ملاحظتها في النصوص التأريخية والدينية، ونشطت الحياة الدينية التي اقترنت بنشاط كبير في تحديد المعابد وبروز نظام المعبد بصفته مركزاً للنشاط الاقتصادي والاجتماعي. ومع استمرار إلا انه ظهرت فيها تأثيرات واضحة المسمى "البابلية الحديثة" لغة التدوين الرسمية إلا أنه ظهرت فيها تأثيرات واضحة من اللغة الآرامية منذ الألف الأول ق.م، وقد تغلغلت القبائل الآرامية إلى وادي الرافدين في حدود ذلك الزمن وظهور جملة مستوطنات ومشيخات منهم في الاجزاء الجنوبية من القطر، وكان "نبو بولاصر" نفسه عن أصل آرامي (كلداني). ومع ضعف الملوك الذين خلفوا "نبوخذ نصر" على العرش البابلي إلا أن الفترة الطويلة التي دامها حكمه (زهاء النصف قرن) كانت من أزهى عصور حضارة وادي الرافدين، ويمثل عهده ذروة النشاط الحضاري والاقتصادي لهذا العصر.
2- الحياة الاقتصادية:
أ- المعبد: لم تقتصر عودة تعاظم أهمية المعبد في العهد البابلي الاخير على الحياة الدينية بل شملت كذلك الحياة الاقتصادية للمجتمع البابلي بدرجة تضاهي ما شاهدناه من أهمية المعبد الاقتصادية في عصر فجر السلالات قبل نحظو ألفي عام، وعلى عكس ما رأيناه من اتجاه العصر البابلي القديم ولا سيما عهد حمورابي (1750 – 1792 ق.م) في تقليص سلطات المعبد وتعاظم سلطة القصر والفصل ما بين السلطة الزمنية والسلطة الدينية. وإذا أعدنا إلى الأذهان ما ذكرناه من عصر فجر السلالات بأنه دور ظهور حضارة وادي الرافدين الناضجة وأن فترة العهد البابلي الاخير آخر عهودها جاز لنا القول إنها لصدفة تاريخية عجيبة أن تكون هذه الحضارة قد ولدت وماتت في كنف الآلهة والمعبد.
وتشير الوثائق الاقتصادية الكثيرة التي وجدت في معابد هذا العصر مثل منطقة المعابد في الوركاء (أي ــ أنا) إلى ازدياي أملاك المعبد واتساع نشاطه التجاري في داخل البلاد واخرجها، بحيث إنه كان مركزاً اقتصادياً واجتماعياً مستقلاً عن الحكومة تقريباً(1). ومما يجدر ذكره بهذا الصدد أن الإدارة في هذا العهد تتميز بتقلص سلطة الحكومة المركزية وعلى رأسها الملك بخلاف ما مر بنا في عهد الامبراطورية الآشورية، حيث استطاع المعبد في العصر البابلي الاخير أن ينافس سلطات الحكومة والملك ويستقبل عنها، وألحقت به أصناف عديدة من الموظفين مثل مدير الشؤون الاقتصادية (Shatammu) والناظر (Qipu) والمسجلين والكتبة، إذ اتسعت أعمال المعبد الاقتصادية فشملت استئجار العمال والعبيد وحرث الحقول وحصدها وكري أنهار الري وحفرها في الأراضي الزراعية العائدة إليه، إلى غير ذلك من أوجه النشاط الاقتصادي الواسعة ويضمن ذلك الأعمال المصرفية الكثيرة. وكان للمعبد بالإضافة إلى الأجراء والعبيد المملوكين جماعات خاصة من بين الأفراد كانوا ينذرون لخدمته منذ صغرهم فيقومون بالخدمة بدون أجور باستثناء إيوائهم وإطعامهم وإكسائهم، وكانوا من الذكور والإناث(2). وقد يكون للملك ممثل في إدارة مثل هذه الأعمال، ويكتفي من أرباح المعبد الطائلة بتخصيص حصة له من وارداته للها لا تزيد نسبة الـ 20%. ولكن الملك "نبونيدس" عزم على وضع حد لاستقلال المعبد ووضعه تحت نظارة الحكومة أكثر مما كان عليه. فعين مثلاً في معبد "أي ــ أنا" (في الوركاء) في عام 533 ق.م موظفين ملكيين من رتبة عالية ليهيمنوا عليه حرب التشهير والمعارضة التي وجدت أرضاً خصبة حيث البلاد كانت مهددة بالأطماع الإيرانية، ويعد هذا التدخل في شؤون المعبد من العوامل المهمة في سقوط الملك "نبونيدس".
ب – تدهور الحياة الاقتصادية وارتفاع الأسعار:
واستتبع الاحتكارات المعبدية التي نوهنا بها تضاؤل واردات الملك وحكومته إلى درجة لا تتماشى من متطلبات الدولة إلى الإنفاق على المشاريع، وعلى رأسها نفقات الجيش الذي أصبح منذ عهد نبوخذ نصر جيشاً نظامياً قائماً يتطلب الإنفاق لإعالته وتجهيزه، فلم تسد الثروة الزراعية تلك الحاجة بالنظر إلى مزاحمة المعبد في امتلاك الأراضي الواسعة، يضاف إلى ذلك تناقص الموارد التجارية التي كانت من أهم مصادر الرخاء في حضارة وادي الرافدين، فقد حرمت بلاد بابل من موارد تجارية مهمة من الأقاليم الشمالية والشرقية على أثر ظهور الدولة الماذية واكثر من ذلك قيام الدولة الفارسية الأخمينية التي خلقتها والتي احتكرت الطرق التجاري في تلك الأصقاع، كما أن الثورات المتكررة في بلاد الشام حرمت الدولة من تجارتها البحرية، وإلى ذلك كله بدأ ينافس نشاط المدن الفينيقية المشهورة اتساع نشاط بلاد الإغريق التجارية وبداية سيطرتها على تجارة البحر المتوسط، ونقل مراكز الثقل التجارية من السواحل الشرقية لهذا البحر إلى الاجزاء الغريبة منه، أي إلى بلاد اليونان ومنها المستوطنات الآيونية في غربي سواحل آسية الصغرى.
وقد رأينا سابقاً كيف حاول الملك "نبونيدس" التعويض عن ذلك بإجاد موارد تجارية اخرى بطريق السيطرة على تجارة الجزيرة العربية من جنوبيها إلى شماليها، واستولى لتحقيق هذه الأهداف على واحات شمالي الجزيرة مثل تيماء وأدومو (دومة الجندل) و "يتريبو" (يثرب) وغيرها.
جـ ـ ارتفاع الأسعار: وعلى ضوء هذه الحقائق يمكن تفسير الازدياد في ارتفاع الأسعار ما بين بداية هذا العهد ونهايته ارتفاعاً فاحشاً يمكن تتبعه من فحص الوثائق الاقتصادية الكثيرة التي جاءتنا من هذا العهد مثل سجلات البيع والشراء والأجور والقروض(3).
كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية والحاجات اليومية الاخرى، ويصعب التأكد هل واكبت زيادة الاجور ارتفاع الأسعار، على أن الانطباع العام أنها لم تماشها في الارتفاع، بحيث التجأ عامة الناس إلى القروض من المعابد وغيرها من بيوت المالية، وكانت أسعار الأرباح عالية ( من 20 إلى 33 بالمائة)، وكثرت المصارف والبيوتات المالية الخاصة مستغلة حاجة الناس إلى النقد، وزاد من ازدهار العمليات المصرفية استعمال أوزان قياسية من الفضة أساساً للتعامل التجاري إذ لم يعم استعمال النقود الرسمية المسكوكة في العراق والشرق الادنى إلا منذ عهد الملك الفارسي دارا الأول (486-521ق.م) بعد أن ظهرت في ليدية (آسية الصغرى) في القرن السابع ق.م، كما سنذكر ذلك في كلامنا على العهد الفارسي في العراق وسننوه ببعض البيوتات المالية التي اشتهرت في هذا العهد. ومع أن استعمال المعادن وفي مقدمتها الفضة بأوزان معينة وأشكال خاصة كان شائعاً في العراق في مطلق الألف الثاني ق.م إلا أن العهد البابلي الحديث تميز باطراد استعمال فضة وحدة للأسعار الاخرى، وتحديدها بالنسبة إلى الذهب بمقدار 14 و 10 إلى واحد.
ونختتم هذه الملاحظات الموجزة عن الاوضاع الاقتصادية في العصر البابلي الحديث بذكر ظهور اتجاه جديد في معاملة العبيد استمر إلى العهد الفارسي الأخميني التالي، بسماح ملاك العبيد لعبيدهم في امتلاك الأموال المنقولة وغير المنقولة والتصرف بها بشتى المعاملات التجارية شريطة دفع ضريبة أو نسبة معينة من أرباحهم إلى أسيادهم من الناحية القانونية النظرية. وهذا يضاهي ما سار عليه الأسياد الرومان في معاملة بعض عبيدهم، مما يعرف في القانون الروماني بمصطلح حيازة المال (Peculium) ولا يخفى أن البواعث في كلتا الحالتين ليست البواعث الإنسانية وإنما المنافع الاقتصادية التي كان يحصل عليها ملاك العبيد (4).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حول النصوص الاقتصادية من العهد البابلي الحديث من الوركاء بوجه خاص انظر المراجع الآتية:
(1) Kaiser, Letters and contracts from Erech, (1918).
(2) Lutz, Neo-Bab. Administrive Documents from Erech… (1927).
(3) Dougherty, Archives from Erech, (1923, 1933).
(4) Saggs, in SUMER, CV, (1959), 29 ff.
(6) Kruckmann, New Bagylonisches Rechts and Verwaltungs Texte, (1933).
(2) يسمى الواحد من هؤلاء "شركو". انظر:
Doucherty, The "Shirkutu of The Babylonian Deities, (1923).
(3) راجع عن موضوع الأسعار:
Dubberstein, " Compartive Prices in Later Babylonia" in AJSL, (1930), 20 ff
(4) انظر أحدث الدراسات حول الموضوع:
H. Dandamayev, " The Economic and Legal Character of the Slaves, Peculium in the Neo- Babylonian and Achaemenian Periods", in XVOOO Recontre Assyrio logiue Internationale (1970), P. 35 ff.
وكذلك المرجع:
J. Mendelsohn, Slevery in the Ancient Neat East (1949).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|