أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-7-2018
6375
التاريخ: 18-7-2018
3723
التاريخ: 25-10-2016
1752
التاريخ: 12-1-2017
1567
|
(الامبراطورية الاشورية الثانية):
لقد اجمعت كل الآراء على كون تجلات بلا سر من افراد الاسرة الحاكمة وانه باعتلائه العرش يدخل العصر الاشوري الامبراطورية مرحلة الثانية، والتي شهدت ازدهارا على كافة المستويات، وهي مرحلة يمكن ان نميزها بإطلاق مسمى (العصر الآشوري المتأخر) عليها كاصطلاح، وان لم يستقر بعد بين الباحثين الذي يميز بعضهم هذه الفترة باسم (الامبراطورية الاشورية الثانية).
امتدت فترة حكم تجلات بلاسر الثالث سبعة عشر عاما من 744-727 ق.م.، نجح خلالها في ان يقر سياسة جديدة لها صفة الثبات بدلا من الاسراع في شن الهجمات التقليدية على الاعداء التقليدية لآشور في هذه المرحلة.
ذلك ان الوضع المتردي الذي وجد عليه البلاد فضلا عن غرسه الاداري والعسكري، قد شجعا. على القيام باصلاح اداري استهدف منه تقوية السلطة الميمكن أظافر حكام الاقاليم الذي قويت شوكتهم إبان مرحلة النقلة.
وبالفعل عمد تجلات بلاسر إلى تقوية جيشه حتى يصبح بمكنته اقرار اصلاحاته الادارية فاستعمل الاراميين كمرتزقة في القوات الراجلة في حين اقتصرت مجموعات الفرسان والعجلات الحربية في معظمها على الاشوريين. ولقد كان قادة الفرسان يحملون لقب (راب شارثيي) وقد استخدمهم تجلات بال سر لدحر نفوذ الحكام الاقليميين في أقاليمهم. بل وقام بتعيين بعضهم على تلك الاقاليم بعدما قلل من مساحتها بمضاعفة عددها، وكان في ذلك ضمانا لولائهم له، على اساس أن هؤلاء الفرسان القادة كانوا صنيعة ولم يكونو سليلي بيوتات الحكام المحليين.
ولقد حمل هؤلاء الحكام الجدد لقب (شاكنو) اي المعين ولقب (بعل بيخاتي) اي سيد الاقليم، وكان مهامه تضطلع اساسا بالإنابة عن الملك في ادارة كل امور الاقليم متخذا عاصمته مقراً له. ويعاونه مجموعة من الموظفين المدنيين والعسكريين على رأسهم نائبه، فظلت تحكم بواسطة حكوماتها المحلية وبإشراف مشرفين يتبعون الملك يحملون لقب (قيبو). وكان للملك مجموعة من الرسل (القربوتو)، الذين يحملون أوامره لأقاليمه او يعودون بتقارير حكام الاقاليم لسيدهم فيما يعرف بنظام البريد السريع الذي عرفته الممالك الجنوبية ترك حكمها لمجلس شيوخ برئاسة (الخزانو) (المحافظ)، فضلا عن وجود مشرف ملكي يحمل لقب معناه (الرجل المشرف على المدينة)، والذي كانت مهمته الاساسية هي مراقبة حسن سير العمل الاداري بها، وبالطبع فلقد كفل له هذا النظام إلى جانب حسن تسيير وادارة المقاطعات مركزيا، تدفقا منظما للجزى والضرائب أمكنه من الانفاق على مشروعاته التوسعية.
ويبدو أن هذه المشروعات كانت من الفخامة والنجاح بدرجة جعلته يتبنى سياسة التهجير لهؤلاء الاقوام وبأعداد هائلة بلغت 65 ألف من الميديين و 155 ألف من الكلدانيين و 200 ألف من سوريا و 8 آلاف أرامي. ولقد حاول ان يجعل من بعضهم قواما ثابتا لجيشه، ليتفرغ المزارعون والعبيد للأعمال المدنية من ناحية ويحفظ ارواح ابناء الدولة الاشوريين من الضباع. فكان لهذا النظام الأشبه بنظام الجند المرتزقة أثرا بالغ السوء على الجيش الاشوري لتعدد عناصره وافتقارها للولاء والانضباط، بما انعكس بالسب على كفاءة الجيش ذاته بعد ذلك.
اما عن نشاطه العسكري فقد استهله جنوبا حيث المشكلة الحدودية الدائمة بين اشور وبابل الداخلية، عبر ديالى ومن زاجروس إلى دجلة. كما قام بمهاجمة الكلدانيين لأبعد من حدود بابل جنوبا، بعدما اطمأن إلى مساندة حاكم بابل ومؤسس اسرتها التاسعة نبو – ناصر الذي أعلن تبعيته لحامية الاشورية الملك تجلات بلا سر.
اما ثاني نشاط عسكري له فقد وجهه إلى شمال سوريا حيث نجح الأوراتو في التقدم والاستيلاء على بعض المدن السورية الهامة مثل قرقميش وأرواد. ومن ثم، فلقد هاجم عام 743 ق.م. أرواد وحاصرها لمدة عامين حتى سقطت في يديه وتم ضمها لحظيرة النفوذ الاشوري. ونظرا لأن أرواد كانت حلقة في سلسلة التحالف الارامي والحيثي ضده، فلقد قدمت له مدن دمشق واسرائيل وشمال الجزيرة العربية فروض الولاء والطاعة ودانت له منطقة الساحل السوري وغرب سوريا بأكملها. حيث بنى قصرا في أرواد واتخذ منها عام 740 ق.م. قاعدة لإحكام سيطرته على هذه المنطقة الهامة في الجناح الغربي للإمبراطورية. وقد نجح في ذلك بالفعل عندما عاودت ممالك منطقة جنوب ساريا التمرد في حلف بزعامة المدن الفلسطينية في غزة وعسقلان.
وقد دحر هذا الحلف عام 734 ق.م. وأجبر أفراده على دفع الجزية، ثم تدخل بعد عامين لصالح مملكة يهوذا ضد دمشق وأجبر اسرائيل. وقد نجح في تحويل دمشق وجزء من اسرائيل إلى مقاطعات اشورية، في حين عين على بقية اسرائيل حاكما من قبله يدعى هوشيا.
ويبدو أن بابل قد صادفت صعوبات بوفاة نبوخذ نصر على يد احد الحكام الأراميين الذي اعتلى عرشها ويدعى أوكين – زير، وقد حاولت آشور استثارة شعبه عليه بوسائل عدة دون جدوى. الأمر الذي استلزم تدخل تجلات بلا سر العسكري بعد فشل المحاولات السياسية لثلاث سنوات، حسبما اظهرت الرسائل المتبادلة بن العاصمة وموظفي آشور في تلك الجهات. ولقد نجح تجلات بلا سر في (الاخذ بيد مردوخ) تعبيراً عن نصره الذي فر على اثره اوكين زير إلى القبائل الجنوبية لبني جلدته الذين اثروا مسالمة اشور، واعترفوا به ملكا على بابل. وبعد هذه الحملة بعامين اي عام 727 ق.م.، مات تجلات بلا سر تاركا امبراطورية ممتدة من تاريخ الخريج العربي إلى حدود مصر جنوبا وممتدة شمالا عبر سوريا إلى كليكيا والأناضول. وهو امتداد بقدر ما عاد بمردود اقتصادي على الامبراطورية لسيطرتها على طرق التجارة بالمنطقة، الا أنه تعارض مع مصالح مصر المباشرة بها في دفع هذه الاخيرة لتأديب المدن الفلسطينية وجنوب سوريا ضد آشور. وهو صراع تحكم في طبيعة العلاقات وتداعيات الاحداث في المرحلة القادمة.
وعلى اية حال فقد اعتلى العرش لأربع سنوات الملك شلمنصر الخامس. ويكتنف عهده بعض الاضطرابات المتمثلة في تمرد داخل مقاطعات الامبراطورية ربما يرجع لفرضه أعمالاً إجبارية على غير عادة اسلافه. كما اعترفت له بابل بالتبعية والملك كوالده سواء بسواء. ويبدو ان آثار ذلك الاضطراب قد دفع تابع اشور في اسرائيل هوشيا إلى التمرد. الأمر الذي دفع شلمنصر لمحاصرتها، وان كانت فترة الحصار ونتيجتها غير مؤكدة. تماما مثل نهايته التي حدثت في ظروف غامضة وكذلك طبيعة ارتباط من تلاه على عرش اشور بالأسرة المالكة.
على اية حال، فبوفاة شلمنصر الخامس عام 722 ق.م.، تولى الحكم سرجون الثاني لحوالي سبع عشرة عاما (721-705 ق.م.) وعلى الرغم في دعواه بأنه ابن تجلات بلا سر الثالث، الا ان المصادر لا تميل إلى توكيد لك. ومن ثم فربما كان احد قادمة شلمنصر الخامس الذي انقلب عليه مستغلا ظروف البلاد الداخلية، ويصبح بالتالي مؤسسا لسلالة اشورية جديدة حكمت امبراطوريتها حتى نهاية وجودها السياسي.
واياما كان الأمر، فقد كان على سرجون مواجهة تحالفات مختلفة وعلى عدة محاور كنتاج طبيعي لسياسة التوسع التي خاضها تجلات بلا سر والتي قوضت المصالح الاقتصادية لكثير من دول المنطقة. وأهمها بالطبع مصر وعيلام واورارتو والكلدانيين فضلا عن المدن السورية. بيد ان سرجون لم يشرع في بدء حملاته الا بعد ما رفع عن كاهل شعبه اسباب التمرد على عهد سلفه، فعفاهم نم بعض الضرائب والخدمات الاجبارية حتى ولو كان ذلك على حساب خزانة الدولة.
وبعدما فرغ من المشكلات الداخلية تفرغ للوضع الخارجي والذي بدأ، بالتوجه نحو بابل لأقصاء مردوخ بالادان مغتصب عرشها وبمساعدة عيلام عام 721 ق.م. ورغم محاولة سرجون القضاء على هذا الوضع الا ان الأمر استلزم عشر سنوات كاملة حتى ينهيه على الوجه الأكمل بإعادة الكرة مرة اخرى عام 710 ق.م. ويبدو ان خلال هذه المدة ادعى كل طرف سحقه للطرف الاخر، بيد ان المواجهة الاخيرة التي حسمت لصالح سرجون دفعته إلى محاولة تغيير كل النصوص الخاصة بغريمه والتي تشير إلى نصره على الاشوريين حتى يضمن لأساليبه الدعائية السالفة مصداقية سياسية.
أما الدويلات السورية، فقد ازكت مصر تمردها الواحدة تلو الاخرى ضد اشور، بيد ان سرجون نجح في القضاء على زعماء التمرد واسترجاع الوضع في فلسطين تحت سيطرته، ساعده ذلك في تغير الظروف في مصر بتولي الاسرة الخامسة والعشرين النوبية حكم البلاد، والتي استهلته بتسليم احد زعماء سوريا الهاربين في مصر إلى ذلك الملك الاشوري كعربون لصداقة بين البلدين لن تدوم طويلا.
اما مشكلته مع اورارتو فقد حسمها بحملته الشهيرة عام 714 ق.م. والتي عبر فيها الزابين الأعلى والأدنى بعدما يمم وجهه شرقا ومنهما إلى جبال زاجروس. حيث هاجم شرقها دولة المانائيين التي كانت تمثل منطقة عازلة بين الدولتين المتعاديتين؛ اورارتو وآشور، ودان حاكم المانائيين بالولاء لسرجون. وقد استمر سرجون زحفه شرق بحيرة اورميا بدلا من غربها حيث احدى الحاميات الأورارتية، وهناك دخل في مواجهة مع احدى فرق الاعداء التي تحمي المنطقة الجبلية جنوب تبريز. وقد كلفه هذا الزحف بعدا عن قاعدته الاساسية في كالخو لمئات الاميال في مناطق ذات طبيعة وعرة، وهو الأمر الذي الب عليه بعض جنوده وكاد يحدث فرقة بين صفوفه. ولقد حاولت اوراتو استغلال الموقف وبث الفتنة بين صفوف جيش سرجون، بل ومحاولة اقتحام صفوفه الا ان جيوشها وحلفاؤها منوا بهزيمة شتتهم في الجبال. الأمر الذي شجع سرجون للتقدم والدوران حول شمال بحيرة اورميا، ثم غربا نحو زاجروس ليخترق ارض اورارتو مباشرة. ولقد ازعج هذا الأمر الملك الاورورتي ويدعى روسا، ففر هاربا من العاصمة توروشبا لائذا بالجبال حتى لقى حتفه.
وعلى الرغم من عدم تحديد طريق العودة الذي اتخذته جيوش آشور، إلا انه ايا كان الطريق فان جيش اشور قد تتبع فيه فلول الاورارتيون، واعمل فيهم وفي مدنهم القتل والحرق والاسر والتعذيب، بحيث جعلوا المناطق التي وطئوها اثرا بعد عين، بعدما خربوا الدور وأهلكوا الزرع والنسل. وكانت اهم المدن التي نفذوا فيها هذه السياسة هي مدينة موصاصير المقدسة، حيث مستقر عبادة الاله هالديا معبود اورارتا الوطني. الأمر الذي كفل له الحصول على غنائم ثمينة لا سيما من الآنية المعدنية فضلا عن تمثال الآله ذاته، كعلامة لضياع ممتلكه.
ولقد كان رد فعل انتصاره على اورارتا، وجود نوع من العلاقة الدبلوماسية بين اشور ودولة موشكي التي ساعدها موقعها في تكيون ثروة من تجارة الترانزيت لقوافل التجارة بالمنطقة الغربية. وقد نجح سرجون الثاني في تحييدها ليتفرغ لضرب منطقة شمال سوريا بزعامة قرقميش، بحيث لم يبق امامه من مشكلات سوى بابل.
ذلك ان مردوخ بالادان حاكم بابل كان قد أشاع الذعر واغتصب الاراضي من حوله، وألب المدن على اشور الأمر الذي دفع سرجون الثاني لاتخاذ موقف حاسم حياله هو الاخر، لا سيما بعدما استراح من تهديدات اورارتو والتزام المصريين والعيلاميين والميديين بعدم مناوءته وايثار المسالمة. وبالفعل هاجم بابل عام 707 ق.م. وفر حاكمها للجنوب وعندما وجد اصراراً من سرجون على تتبعه، دفع له جزية كبيرة مقابل بقاءه حيا، حيث استقر في عيلام.
ولقد كانت لانتصاراته الحاسمة اصداءها التي جعلت منه ملئ السمع والبصر، حيث دان له بالولاء والطاعة حكم فريجيا ودلمون وقبرص.
أما اهم اعماله الانشائية الخالدة فهي عاصمته الجديدة التي اطلق عليها اسم (دور سرجون) اي حصن سرجون. وقام بوضع الاساس لها عام 717 ق.م. وتبعد 12 ميلا شمال شرق نينوى عند منطقة خورسباد. وقد استغرق بناؤها عشر سنوات. ومما لا شك فيه ان انتقال من كالخو العاصمة الادارية والعسكرية السابقة كان دلالة على نظرته السياسية الثاقبة. ذلك ان بقاء كالخو كعاصمة زهاء قرن ونصف قد اوجد طبقة من الاقطاعيين ذوي الامتيازات والنفوذ من ناحية فضلا عن ان سرجون ذاته كان ينتمي لتلك الطبقة، اذا ما رفضنا كونه ابنا لتجلات بلاسر الثالث. وهو الأمر الذي كان سيجعل نفوذه قلقا حيال اطماع معاصريه بما سيؤثر حتما بالسب على عرشه. كذلك فان جبال طوروس لا تبعد عن نينوى الا بحوالي ثلاثين ميلا، وخلفها يقبع الخطر المحدق من قبل دولة الأورارتو والذي نجح سرجون في قمعه عام 714 ق.م. حسبما أسلفنا.
وعلى اي حال، فلم يمهل القدر سرجون الثاني ليهنأ بعاصمته الجديدة اذ قام عام 705 ق.م. لدفع خطر جديد قادم من الشمال عبارة عن موجة جديدة هنداوريية عرفت باسم السيميريون Cimmerians (جوموا في العهد القديم) حيث اجتاز جبال القوقاز والأناضول حتى الجانب الشرقي من البحر الاسود، والحقوا الهزيمة بالأوراتيين، وهددوا حدود آشور. وبالرغم من غموض المعلومات حول حملة سرجون على هؤلاء الاقوام، الا انه يبدو ان سرجون الثاني قد لاقى حتفه خلال هذه المعارك. لاسيما وان هؤلاء السيميون قد نجحوا في التوغل داخل اسيا الصغرى بعد ذلك.
وعلى اية حال، فقد خلفه ابنه سنحريب (704 – 681 ق.م.) ومعنى اسمه (الاله سن عوض موت الاشقاء) بمعنى يوحي انه لم يكن الابن الاكبر لأبيه، ولكنه كان ذا موهبة عسكرية وادارية تفوق اقرانه ولم يضع الوقت فور ت وليته العرش اذ انفذ اربع حملات ضد السيميريين الذين كانوا قد تفرعوا إلى فرعين في الشمال والغرب مختلطين مع الفريجيين والمينائيين والميديين والليديين. ولقد نجحت حملاته في اطار المستهدف منها وهو عملية التأديب فحسب.
أما توجهه الرئيسي فكان حيال مدن الساحل الفينيقي واسرائيل وفلسطين الذي انشقوا عن التبعية لآشور فور وفاة سرجون الثاني. وقد وجه سنحريب حملة هزمت هذه المدن وكذا الجيش المصري الذي كان يساندها. ثم اتجه إلى مملكة يهوذا فدخلها ثم حاصر اورشليم التي تفاوضت معه على فك الحصار مقابل دفع جزية كبيرة له. ويبدو انه اراد ان يهاجم مصر في داخل حدودها لولا ان فتك الطاعون بجنوده وهم معسكرين عند الفرما (بلوزيوم) لحوالي 30 ميلا شرق قناة السويس.
اما بابل وعيلام فقد عاودا نزعة التمرد ضد سنحريب لا سيما بعد عودة مردوخ بالادان ثانية، ليقود القبائل الكلدانية ضد آشور. فما كان من سنحريب الا ان حمل على بابل حملة شعواء عام 703 ق. ولم يترك عليها من الأعداء ديارا، وعاد بحوالي 208000 أسير إلى آشور، بعدما نصب على بابل حاما من قبله. الا ان التمرد الكلداني لم يهدأ وعاود الكرة مرة اخرى فعاد إليه سنحريب وتكرر نفس الأمر بطرده، لينصب هذه المرة ابن سنحريب على عرش بابل. بيد ان الأمر استلزم من سنحريب ان يتوغل لأبعد من بابل في محاولة لدحر عيلام وتأمين سواحل الخليج العربي من تهديدات احدى اسر الاقليم البحري الحاكمة.
فكانت حملته على عيلام برا وبحرا عام 695 ق.م. التي كللت بالنجاح، لولا ان العيلاميين هاجموه في بابل فما كان منه الا ان حاصرهم داخلها لتسعة اشهر، ثم فتحها ودمرها كلية بعدما تأكد من موالاتها لأعدائه وخربها بإطلاق مياه الفرات عليها وذلك عام 689 ق.م. اي ان صراعه مع عيلام قد استغرق سبع سنوات كاملة.
ويبدو ان انتهاك حرمة آلهة سومر واكد وتدمير بابل قد حق على سنحريب عقاب الآلهة، اذ تعرض عام 681 ق.م.، للاغتيال بعد أزمة سياسية من جراء الصراع على العرش بين ابنائه. الا ان الجدير بالذكر انه هذا الملك المحارب قد ترك بصمة حضارية تحسب لعهده بما قام به من توسعات بمدينة نينوى، التي شهدت كافة جنباتها اسهامات فنية رائعة لم تخل بالطبع من تمثيل هذا الملك العظيم وتخليد اعماله. وتدلل أيضاً على مدى استفادته من الفنيين السورين. كما قام بإقامة مشروع كامل للري لتوفير المياه لحدائقها الشاسعة. ولم يقتصر الأمر على نينوى، بل امتد اهتمامه إلى إربل وغيرها، بحيث لم تخل مدينة آشورية من إسهام سنحريب المعماري.
وعلى اية حال، فلقد تجاوز ابنه أسرجدون (680 – 669 ق.م.) الأزمة السياسية، وتخلق من صراع أخوته على العرش واعدام من والاهم. ثم استهل اعماله بترضية بابل فأعاد إعمارها وبناء اسوارها وقلد حكامها في حمل اسلة وأدوات البناء دلالة على التشييد. كما اعاد الفارين منها وأعفاهم من الضرائب. كما استرضى الهها المعبود مردوك، بان وسع رقعة المدينة على الأرض بما يتوافق بالطبع مع منزلته في السماء.
ولقد اتبع ذات السياسة السلمية في المنطقة الشمالية الغربية والشمالية رغبة منه في كسب حلفاء جدد وكسر حدة عداوتهم لآشور، وأثمرت سياسته معاهدة صداقة مع ميديا، واخرى مع صور. في حين التزمت سوريا وفلسطين جانب السلم. فضلا عن تبعية دويلات شمال الجزيرة العربية وشرق الاردن لآشور، وهو الأمر الذي مكن لاسرحدون من السيطرة على طرق تجارة البخور والتوابل القادمة من جنوب الجزيرة العربية.
بيد أنه لم يشذ عن هذا الوضع السلمي في سياسة اسرحدون سوى علاقته مع عيلام التي حاربها ونصب عليها حاكما من قبله، والسميريين ومدينة صيدا، حيث جنح لتأديب محاولاتهم للخروج عن طاعته. اما مصر، فقد دفعته رغبته في تأمين طرق التجارة بين الجزيرة العربية والساحل الفينيقي إلى مهاجمة مصر عام 671 ق.م. على عهد طهارقا حيث حاصر منف وفتحها، وفر طهارقا إلى طيبة. وعاد سيرته الأولى في مناوئة النفوذ الاشوري، فعاود اسرحدون بدوره الكرة عام 699 ق.م. مجهزا حملة عسكرية الا أن القدر لم يمهله.
ويبدو ان اسرحدون أراد ان يتلافى ابناءه ما وقع فيه وأخوته من صراع على العرش، لذا فقد اختار ولده آشور بانيبال وليا للعهد وأشهد على ذلك كبار رجالات الدولة، ونصب ابنه الثاني شمش – شوم – أوكين ملكا على بابل. وأخذ على ذلك القسم والعهد امام الالهة، وحدد عقوبة لمن يحيد عن هذا الاتفاق. وبالفعل اعتلى آشور بانيبال عرش البلاد خلفا لوالده عام 668 ق.م. وقد اخذ على عاتقه انهاء الزحف على مصر الذي لم يكتمل على عهد والده. وبالفعل جهز جيشا جرارا من المدن السورية وزحف عام 667 ق.م. على منف واستولى عليها بعدما اخضع امراء الدلتا بزعامة نخاو امير سايس، الذي استماله إلى جانبه ودعاه إلى نينوى حيث عاد محملا بالهدايا ومتعهدا بالتبعية لآشور هو ومن والاه.
اما طهارقا فقد فر إلى طيبة، وحاول اعادة الكرة ضد سيطرة آشور على شمال مصر، لولا ان قضى نحبه فأكمل الأمر زوج ابنته تانوت أمون (تاندمان بالأشورية). اذ استولى على منف وهدد سطوة آشور على مصر الأمر الذي دفع اشور بانيبال هذه المرة إلى تعقبه ليس عند منف فقط بل إلى طيبة حيث دخلها وخربها تخريبا لم تفق منه المدينة بعد ذلك، في حين هرب هذا الحاكم إلى حيث مستقر اجداده الأول في النوبة. لتخضع مصر لآشور عام 663 ق.م.
اما السيميريون فقد استعان آشور بانيبال عليهم بحليفه حاكم ليديا الذي تهدد ملكه من غزوات هؤلاء الاقوام. وقد نجح بالفعل في دحرهم وإرسال جريتهم لمليكه في نينوى والتي تضمنت اثنين من حكامهم الا ان حاكم ليديا سرعان ما تحول لمناصرة مصر على عهد اسماتيك الحاكم الوطني للأسرة السادسة والعشرين المصرية لا سيما وان هذا الاخير قد عزم على طرد الحامية الاشورية من مصر إشارة لاستقلالها. كما ان مصالحه قد اقتضت استعانته بالمرتزقة من اليونان واسيا الصغرى مما قرب فرص التحالف مع الحاكم الليدي. الا ان هذا الوضع الجديد قد أثار حفيظة اشور بانيبال فترك حليفه ملك ليديا نهبا لهجمات السيميريين الذين قضوا عليه على مملكته، في الوقت الذي طهرت مصر من الاحتلال الاشوري إلى غير رجعة عام 651 ق.م.
أما علاقته مع عيلام، بؤرة الاضطرابات في جنوب غرب ايران، فقد بدأت سلمية ووصلت إلى حد ارساله مساعدات لأهلها نتيجة لتعرضه البعض الأزمات الاقتصادية التي هددت حياة اهليها. الا ان حاكمها استغل انشغال اشور بانيبال في حملاته ضد مصر، وتحالف مع القبائل الكلدانية والارامية المناوئة لآشور. مما استدعى ارسال الجيش الاشوري لدحر هذا الخطر العيلامي وحلفاءه في جنوب العراق. بيد ان هذا الأمر قد اثار حفيظة حاكم بابل والاخر الاصغر لآشور بانيبال واعتبره تدخلا من أخيه في شئون منطقة نفوذه.
والواقع، فإن ترتيب احداث الصراع بين آشور بانيبال وأخيه وعيلام لاتزال احداثه المتشابكة محل دراسة بين الباحثين لترتيبها ترتيبا تاريخيا. وان كان الأمر في المجمل قد انتهى بهزيمة بابل وانتحار الاخ الأصغر لآشور بانيبال بعد صراع دام ثلاث سنوات، وتم تعيين احد امراء الكلدانيين حاكما على بابل، كما جابهت جيوش اشور الجيش العيلامي في عدة مواقع، حتى حسموا امر عيلام عام 639 ق.م. باجتياح سوسة وتخريبها كعمل انتقامي يتفق وحجم ما سببته من ارهاق لأشور حتى انه نقل منها وحدات عسكرية كاملة إلى قواته وتخلل هذه الحروب مجابهات اخرى مع القبائل العربية التي كانت تناوئ نفوذ آشور غربا وكانت تساند اخيه ضده.
وهكذا نعم آشور بانيبال بثمار حملاته التي خاضها باسم اشور العظيم الذي امتد اجلاله من سواحل بحر إيجه حتى صحراء الجزيرة العربية، وعادت على نينوى بخير عميم من غنائم مصر وعيلام وسوريا وغيرها. ويبدو ان اشور بانيبال قد اراد ان يحسن من صورته العسكرية الصارمة، اذ يعزى إليه الفاضل في جمع ونسخ كل الألواح ذات المدونات القديمة ليضمها إلى مكتبة نينوى. وقد كان هذا العمل خير مصدر للتعرف على ثقافة بابل وآشور، خلفه لنا ذلك الحاكم الذي حمل القاب (العظيم، الجبار، ملك الكن، حاكم بلاد اشور جمعاء).
وقد اعتلى العشر خلفا لآشور بانيبال حاكم يدعى اشور – ايتيل – ايلاني ومعنى اسمه آشور بطل الآلهة (627 – 624 ق.م.)، والذي يكتنف عهده بعض الغموض. وان كان خروج بابل من سيطرته اضحى لا يحتمل الشك على يد حاكمها ابوبيلاسر الذي بدأ حربه ضد الاشوريين بجمع الحلفاء جانبه. فارسل إلى سوسة الهة عيلام الذي أسرهم الاشوريون من قبل، وتحالف مع ملك ميديا. بحيث بدأ زحفه حوالي عام 616 ق.م. اي خلال فترة حكم آخر حكام اشور ويدعى سين – شار – اشكون (أي الاله سين ثبت الملك) وحكم من 623-612 ق.م.
ويبدو ان هذا الحاكم الاخير لم يكن مقبولا كحاكم في الداخل في الوقت الذي كانت فيه الاحوال على حدودها الشمالية والشمالية الغربية مستقرة على ما هي عليه ولأول مرة منذ امد بعيد. الا ان طموحات واستعدادات نبوبيلا سر حاكم بابل كان هي ناقوس الخطر الذي بدأ يدق بقوة مهدداً الكيان الاشوري الذي آل الف الضعف والهوان.
ولقد استمر الصراع بين بابل وآشور احدى عشرة سنة اي خلال عهدي اخر ملكين على عرش آشور. ولقد حاولت اشور ان تستعين بمساعدة مصر التي تحالفت معها من جديد فضلا عن بعض القبائل الآرامية على نهر الفرات. ولكن السيف كان قد سبق العزل، ولم تستطيع مصر تقديم عونا فعالا لآشور، كما ان الجيوش الآشورية بذلت اقصى ما في وسعها لايقاف المد البابلي المتحالف مع الميديين ليجتاح الطرفان اشور عام 614 ق.م. ثم نينوى بعدها بعامين لتلقى بعد ثلاثة اشهر من الحصار مصير العديد من العواصم التي هاجمها ملوك اشور في عنفوانهم، اذا ضرمت فيها النيران وسلبت ونهبت، لتسقط بعدها نمرود. اي انه تم القضاء على العواصم الثلاث الدينية والادارية والعسكرية. ولقيت بقية مدن اشور ما لقيته المدن الرئيسية من دمار.
ولقد جاهد احد افراد الاسرة المالكة الاشورية ويدعى اشور اوبالط الثاني في الحفاظ على كيان دولته الزائلة ولو اسميا، اذ اتخذ من منطقة حران بسوريا موئلا واعلن مع عدد من قواته استمرار دولة اشور. الا ان الاجتياح البابلي كان اقوى من مجابهته حيث خسرت اشور عند قرقميش آخر ابل لبقاء دولتها التي سقطت لتقوم على انقضاها الدولة البابلية الجديدة.
وهكذا تبادلت بابل وآشور الأدوار، بيد انه اذا كان من امر يجب الاشارة إليه فهو ان سطوة كل منهما ونجاحها في توسيع دائرة نفوذها لم يحد عن القاعدة التي بنى عليها الكيان السياسي القديم للعراق وهو نظام الدولة المدينة. كذلك فإنهما كانتا تمثلان امة وليس جنسا من الاجناس الذين ماجت بهم المنطقة، بما يعني ان اية انجاز حضاري لاي وحدة منهما كان يحسب في النهاية بالإيجاب في رصيد العطاء الحضاري لبلاد الرافدين.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
وفد كلية الزراعة في جامعة كربلاء يشيد بمشروع الحزام الأخضر
|
|
|