أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-10-2016
354
التاريخ: 16-10-2016
364
التاريخ: 16-10-2016
344
التاريخ: 16-10-2016
378
|
أ- المصادر:
بالإضافة إلى المصادر الكلاسيكية التي نوهنا بها مراراً عن أحوال الدولة الفارسية بوجه عام وأحوال العراق في عهدها بوجه خاص جاءتنا من مدن العراق القديمة مثل بابل وبرسبا وكيش ونفر والوركاء وأور وغيرها مجموعات كبيرة من الوثائق التجارية والاقتصادية والقانونية. فيعد هذا العهد في هذه الناحية من أغزر العهود التاريخية في الوثائق وقد قدر ما جاء منها ما بين عام 625 ق.م (بداية العهد البابلي الأخير) وبين الشطر الاول من العهد الفارسي الأخميني زهاء عشرة آلاف وثيقة، درس ونشر معظمها، يضاف إليها نحو (600) رسالة. على ان هذه الفترة كانت فقيرة من ناحية النصوص الملكية الرسمية، باستثناء بضعة نصوص وفي مقدمتها الاسطوانة التأريخية المدونة بأخبار كورش التي أشرنا إليها سابقاً (1).
ب – طرف من الحياة الاقتصادية:
رغم الثورات التي قامت بها بابل فإن أوائل الملوك الأخمينيين اهتموا بشؤونها واضطلعوا بالواجبات التي اعتاد أن يضطلع بها ملوك بابل، في التعمير والإنشاء ومشاريع الري والحياة العامة. ولكن لما دب الانحلال في نظام الحكم المركزي وساءت الأحوال الاقتصادية في الامبراطورية شمل ذلك أيضاً بلاد بابل، وقد رأينا الجبابة الباهظة التي فرضت على ولاية بلاد بابل البالغة (1000) وزنة من الفضة سنوياً عدا تزويد الحكومة المركزية بالمؤن طوال أربعة أشهر من العام، هذا بالإضافة إلى عبء إشباع الحاكم المحلي وإدارته. وقد روى هيرودوتس أن والي بلاد بابل كان يقبض من الولاية يومياً ما لا يقل عن الإردب الواحد من الفضة(2) وأن يزود العلف لما لا يقل عن (800) حصان و (16,000) فرس في حين ان كلابه الهندية كان إطعامها يتطلب واردات أربع قرى (الكتاب الاول، الفقرة 192) يضاف إلى هذا ما ذكرناه من فقر موارد البلاد الاقتصادية من التجارة الخارجية من جراء تبدل الطرق التجارية العالمية، إذ حرمت بلاد بابل من موارد الأقاليم القديمة مثل بلاد الشام والأقاليم الشرقية، وحتى الطريق "الملكي الشهير" الآتي من "سارديس" (في الاناضول) إلى سوسة (بلاد عيلام) صار يمر من سفوح الجبال الشرقية متجاوزاً مدينة بابل إلا نادراً.
ولعل أبرز ظاهرة اقتصادية ميزت العهد الفارسي الأخميني ما أشرنا إليه من استعمال النقود المسكوكة، وجعل دينار الذهب "الداري" المعادل لعشرين شيقلاً من الفضة اساس التعامل التجاري، واستتبع ذلك نشاط الحركة المصرفية والائتمان (Credit) وظهرت المصارف الخاصة بالإضافة إلى مصارف المعابد التي كانت امة في حضارة وادي الرافدين في العصور التأريخية السابقة ونشطت نشاطاً ملحوظاً في العصر البابلي الأخير واستمرت إلى العهد الفارسي. وقد استغل أصحاب الأموال تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار فصاروا يقرضون المحتاجين بأرباح فاحشة حيث بلغت الفوائد على الأموال المقرضة من 40% إلى 70% وكان معظم الشعب بحاجة مستمرة إلى الاستقراض ولا سيما أصحاب الأراضي لاضطرارهم إلى دفع الجبايات الباهظة إلى الملك وموظفيه. وجاءتنا أسماء بعض المصارف المشهورة من هذا العصر مثل مصرف "أولاد مراشو" في نفر (400 – 460 ق.م) وكان أصحابه على الأرجح عائلة يهودية ازدهرت أعمالها المصرفية في نفر والمدن المجاورة الاخيرة، وقد عر على سجلات معاملاتها المختلفة في مدينة "نفر" ووجد لها فرع في مدينة "الوركاء" في أثناء موسم التنقيبات لعام 1960، وكانت تمتلك المزارع الواسعة ومصائد الاسماك والمواشي ورهونات العقار والأراضي. وكانت الظاهرة الت لاحظناها من ارتفاع الأسعار في العهد البابلي الأخير (539 – 627ق.م) قد استمرت وتفاقمت، بحيث يمكن القول إن أسعار المعيشة قد تضاعفت في خلال القرن الذي أعقب موت دارا الاول بدون أن يواكب ذلك زيادة في الأجور.
واشتهرت عائلة مصرفية أخرى باسم " بيت ايكيبي" Egibi ومركزها في مدينة بابل، والمرجح ان تكون عائلة يهودية أيضاً اسمها محرف من "يعقوب"(3)، ويؤخذ من وثائق هذا العهد أن الطبقات الارستقراطية الفارسية كانت تمارس الأعمال التجارية ومعاملات القروض والارتهان في بلاد بابل، ومن بينها أفراد العائلة المالكة عن طريق وكلاء من البابليين والآراميين واليهود والمصريين، وقد جاءتنا وثيقة تشير إلى أن "قمبيز" بن كورش كان يتعامل بالقروض والرهان وهو ولي للعهد، وتشير وثائق هذا العهد أيضاً إلى تملك القطائع والقرى من جانب هذه الطبقات الارستقراطية، وكان مثل هذه القطائع معفاة من الضرائب، ولكن كان على أصحابها أن يؤدوا الخدمة العسكرية إلى الملك، واستعمل في هذا الشأن المصطلح البابلي القديم "الكو" (Ilku) والمصطلح الآرامي المضاهي له "هالاك". وخصص بعض الأراضي الزراعية إلى الملك نفسه وكان يقوم بخدمتها عبيد الملك أو أنها تعطى بالإجارة(4)، وبالإضافة إلى الأراضي الزراعية كان الملك أيضاً يملك الانهار وجداول الري فيؤجرها إلى المزارعين وكثيراً ما كانت البيوت المصرفية مثل "أولاد مراشو" يستأجرونها من الملك ويؤجرونها بدورهم إلى المزارعين.
وبالإضافة إلى الضرائب بالفضة والمؤن التي تجبى من الولايات المختلفة، كان على هذه الولايات أن ترسل جماعات من أولادها للحدمة في قصر الملك، فكان على ولاية بابل وآشور (هيردوتس، الكتاب الثالث، 92) أن تجهزا (500) ولد سنوياً (ويسميهم هيرودوتس خصيان). ونقرأ في سفر "استير" ان على رعايا الملك أيضاً أن يجهزوه بالسريات. وتغيرت وضعية المعبد البابلي في العهد الأخميني حيث صار على المعابد ان تؤدي الضراب إلى الملك من المواد الغذائية والخمور والزيوت والعبيد والعمال.
ويجدر ان نذكر في ختام هذه الملاحظات عن الاوضاع الاقتصادية في بلاد بابل في هذا العهد ان كميات النقود الهائلة التي كانت تدفع ضرائب إلى الدولة على هيئة مرتبات إلى موظفي الدولة من جانب الولايات كانت تخزن بالدرجة الاولى ولا يصرف منها إلا الشيء القليل، فكان هذا من معوقات نمو التعامل النقدي وقلة النقود المتداولة مما اضطر هامة الناس إلى الاستقراض على الدوام. والطريف ذكره بهذا الصدد ان الاسكندر الكبير لما فتح بلاد فارس وجد اكداس الأموال مخزونة في قصور الملوك، وأن إعادة توزيعها من جانب الاسكندر سبب أزمة عالمية في النقد، إذ تضخمت كميات النقد المتداولة وانخفضت أسعاره انخفاضاً كبيراً.
جـ ـ التغيرات اللغوية والسكانية:
صارت بلاد بابل منذ الألف الأول ق.م خليطة السكان، فقد رأينا القبائل الآرامية الكثيرة تستوطن الأجزاء الجنوبية من العراق وتقوم منها سلالة حاكمة، بيد أن أولئك الآراميين رغم اختلاف لهجاتهم عن اللغة البابلية لم يكونوا في الواقع الآراميين رغم اختلاف لهجاتهم عن اللغة البابلية لم يكونوا في الواقع عناصر أجنبية عن اهل البلاد الساميين الأصليين، وازداد اختلاط السكان اكثر في القرن السادس ق.م، في عهد الدولة البابلية الاخيرة، فبالإضافة إلى الآراميين والعرب، أقرباء البابليين من اسكان الأصليين، دخلت إلى البلاد عناصر جديدة مثل العبرانيين والمصريين والسومريين وحتى جماعات قليلة من اليونان ، واستمر اختلاط السكان في الازدياد منذ العهد الفارسي الأخميني بالنظر إلى طبيعة تركيب الامبراطورية الفارسية وجيوشها، فتشير الوثائق التي جاءتنا من هذا العهد إلى وجود عدد ليس بالقليل من الأسماء الإيرانية. على أنه ليس من السهل معرفة هل كان مثل هذه الأسماء من أصل إيراني صرف أو أن بعض البابليين بدؤوا يسمون أولادهم بأسماء إيرانية . وقد يصح القول كما رأى أحد الباحثين(5) إن أسماء الأعلام الإيرانية في الوثائق العائدة إلى زمن "كورش" و "قمبيز" ولعله "دارا" الأول كان أصحابها إيرانيين، في حين أن الأسماء الاخرى من العهود التالية لا يمكن تعيين أصل أصحابها، فقد يكونون بابليين اتخذوا الأسماء الإيرانية أو إيرانيين في الواقع. ومع أن عبادة الآلهة المحلية استمرت تمارس في بلاد بابل على الرغم من فرض الملك "احشويرش" عباده الإله الفارسي "اهورامزدا"(6)، إلا أن تسمية بغض البابليين أبناءهم بأسماء إيرانية تدخل في تركيبها الآلهة الإيرانية لها دلالتها على تساهل القوم في التمسك بآلهتهم.
وقد حقق انتشار اللغة الآرامية في أرجاء الامبراطورية الفارسية حاجة شعوب هذه الامبراطورية الواسعة إلى وسيلة مشتركة للتفاهم، فازدهرت الآرامية ، واتخذها ملوك هذه الامبراطورية لغة رسمية إلى جانب اللغة الفارسية القديمة واللغة البابلية ولا سيما في بلاد بابل، حيث استمرت البابلية لغة توين ، على أن معرفتها واتقانها اقتصرت تقريباً على الكتبة البابلية ورجال الدين، وانحصر استعمالها بالدرجة الأولى في تدوين النصوص الأدبية والدينية والتاريخية ووثائق المعاملات التجارية والاقتصادية.
ونختتم هذه الملاحظات عن أحوال العراق في العهد الفارسي الأخميني بذكر حقيقة تأريخية مهمة في حياة حضارة وادي الرافدين، تلك هي أنه على الرغم من خضوع بلاد بابل إلى الامبراطورية الفارسية فقد استمرت هذه الحضارة على شيء من الازدهار في جوانب مهمة من المعارف العلمية، ولا سيما الفلك والرياضيات، كم يستدل على ذلك من النصوص الفلكية المهمة التي وصلت إلينا من هذا العهد. واشتهر بوجه خاص فلكيان بابليان لدى الإغريق هما "نابوريانوس" (Nabu-Rimani) والثاني الفلكي "كيدنو" (Kidinu) (أو كيديناس (Cidenas) في المصادر اليونانية)، وكلاهما عاش في القرن الرابع ق.م. وقد جاء من الأول منهما ازياج او تقديم فلكية مهمة Ephemerides تتعلق بالحسابات الخاصة بالقمر والشمس، وكانت حساباته عن الخوف والكسوف مضبوطة. اما "كيدينو" (ألذي عاش في حدود 357 ق.م)، فقد خلف ايضاً أثباتاً فلكية مهمة، ومنها حسابه مقدار السنة الشمسية بدرجة مضبوطة بحيث لا ينقص عن المقدار الفلكي الحقيقي إلا بأربع دقائق ونصف الثانية. وكان حسابه لمقدار حركة الشمس مما يسمى الـ "نودان"(7) أقل من الخطأ الفلكي الحديث المسمى "أوبولزر" (8)Oppolzer)). واتخذ تقويم فلكي مضبوط ما بين عام 388 و 365 ق.م في حساب إضافة سبعة أشهر قمرية في دورة زمنية مقدارها (19) سنة قمرية. إن هذا التقويم الفلكي المضبوط تم التوصل إليه بطريق الحسابات الرياضية الفلكية من جانب الفلكين البابليين من أهل القرن الثامن ق.م إذ يرجح كثيراً أنه يرجع في زمنه إلى زمن الملك "نابوناصر" في حدود 747 ق.م(10) وهو من جملة الامثلة الكثيرة على استعمال الحسابات الرياضية في الفلك.
_____________________________
(1) نذكر فيما ياتي المراجع الاساسية عن هذه الوثائق:
(1) A. T. Clay, Legal and Commercial Transactions Dated in the Assyrian, Neo-Bab. And Persian Periods, (1908).
(2) Tremane, Records from Erech, Time of Cyrus and Cambyses, (1925).
(3) Dubberstein, in AJSL, (1939), 20 ff.
(4) , in JNES, (1944), 38 ff.
(2) حول هذه السجلات راجع:
(1) Gardacia, Les Archives des "Murashu" (1951).
(2) The Bab. Exped of the Universuty of Pernnsylvania, XL.
(3) Helprecht and Clay, Business Documents of '' Murashu'' Sons of Nippur, (1898).
(3)حول هذه العائلة وعائلة "أولاد موراشو" انظر:
Olmstead, history of the Persian Empire, (1948), 83 ff.
(4) عن أحوال العراق الاقتصادية في هذا العهد انظر:
Muhammad Dandamayen in Diakonoff, Ancient Mesopoptamia.
(5) ذات المصدر (رقم 24) ص298.
(6) راجع نص المرسوم في:ANET, p. 457.
(8) النودان (Node) في علم الفلك نقطة مدار كوكب معين مع دائرة سمت الشمس او منطقة البروج.
(9) Olmstead, op, cit. p. 457.
(10) نورد هذا التقديم الطريف مع العلم بأن أرقام السنين التي إلى جهة اليمين هي السنين التي يضاف إلى أشهرها القمرية شهر ثالث عشر، حيث يضاف إلى آخر السنة ما عدا السنة الاولى التي يضاف الشهر الكبيسي في أولها:
1 2
3 4 5
6 7 8
9 10
11 12 13
14 15 16
17 18 19
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|