أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-7-2016
1741
التاريخ: 7-11-2014
3159
التاريخ: 22-7-2016
1804
التاريخ: 11-4-2016
2122
|
هل وقع التحدّي بجانب إعجاز القرآن العلمي كما وقع بجوانب الإعجاز البياني من فصاحة وبيان ونظم وأُسلوب ؟
لا شك أنّ الإعجاز قائم ـ في الجملة ـ بهذا الجانب كسائر الجوانب ، أمّا التحدّي فقد يقال باختصاصه بجانب البيان فحسب ؛ إذ لم تكن إشارات القرآن العلمية معروفةً عند نزوله لأحد مِن الناس ، وإنّما أثبتها العلم بعد ذلك بعدّة قرون أو سيُثبتها عبر الأيّام ـ فإن كان ذلك دليلاً على إعجازه في مجال قادم فإنّه ليس دليلاً على وقوع التحدّي به في أَوّل يومه .
هكذا يقول الدكتور أحمد أبو حجر : إنّ آيات التحدّي إنّما تُسجّل عجز العرب الأوائل عن معارضة القرآن ، وبما أنّهم عجزوا وثبت عجزهم ـ وهم سادة البيان وأرباب الفصاحة ـ فالعرب اليوم أولى بالعجز ، وبذلك قامت الحجّة بهذا الكتاب العزيز (1) .
قال ابن عطية : قامت الحجّة على العالَم بالعرب ؛ إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنّة المعارضة ، كما قامت الحجّة في معجزة موسى بالسَحَرة ، وفي معجزة عيسى بالأطباء (2) .
ويقول الدكتور صبحي صالح : ولا ريب أنّ العرب المعاصرين للقرآن قد سُحروا قبل كلّ شيء بأُسلوبه الذي حاولوا أن يعارضوه فما استطاعوا ، حتى إذا فهموه أدركوا جماله ومسّ قلوبهم بتأثيره ... وهذا ما نجده عنصراً مستقلاً بنفسه كافياً لإثبات فكرة الإعجاز وخلود القرآن ، بأُسلوبه الذي يعلو ولا يُعلى . أمّا ما يتساوق مع هذا العنصر الجمالي الفنّي الرائع مِن الأغراض الدينيّة والعلمية ـ التي توسّع فيها بعضهم (3) ـ كاشتمال القرآن على العلوم الدينية والتشريعية ، وتحقيقه مسائل كانت مجهولة للبشر ، وعجز الزمان عن إبطال شيء منه ... فهي أُمور لا سبيل إلى إنكارها ، بل يقوم عليها مِن الأدلّة والبراهين مالا يُحصى ، غير أنّها أدخل في معاني الفلسفة القرآنية منها في بلاغة القرآن ، وليست هي مادّة التحدّي لفصحاء العرب ، وإنّما تحدّى القرآن العرب بأن يأتوا بمثل أُسلوبه ، وان يُعبّروا بمثل تعبيره ، وأن يبلغوا ذروته التي لا تُسامى في التصوير .
فما إعجاز هذا الكتاب الكريم إلاّ سِحره ، ولقد فعل سِحره هذا فعله في القلوب في أوائل الوحي ، قبل أن تنزل آياته التشريعية ونبوءاته الغيبية ونظرته الكلّية الكبرى إلى الكون والحياة والإنسان (4) .
ويسترسل أبو حجر في كلامه : إذا كنّا لا نجد تناقضاً بين الآيات الكونية المذكورة في القرآن وبين ما يكتشفه العلم في حاضره ومستقبله ـ بل نجد توافقاً وانسجاماً ـ فليس ذلك دليلاً على إعجازه المرتبط بالتحدّي ، بل هو دليل على أنّه مُنزل مِن عند الله تعالى .
وليس كلّ ما نزل مِن عند الله معجزاً ، فالتوراة والإنجيل وغيرهما مِن الكتب السماوية نزلت مِن عند الله ، ولم تُوصف بالإعجاز كما وُصف القرآن ، ولم يقع بها التحدّي كما وقع بالقرآن .
وأيضاً فإنّ الآيات الكونية التنزيلية لا تشمل سور القرآن كلّها ولا آياته
جميعها ، وإنّما تقع فقط في بعض السور وفي بعض الآيات ... ومعلوم أنّ التحدّي وقع بأيّة سورة من سور القرآن ، فكلّ سورة مِن سوره فيها إعجاز لا يبلغه أحد ولن يصل إليه أحد .
قال : فلو كان القرآن معجزاً بسبب الإشارات العلمية المتفرّقة في ثنايا بعض آياته لكان كثير مِن السور التي تخلو مِن مثل هذه الإشارات بعيدة عن الإعجاز ، ولم يقل بذلك أحد ؛ لأنّ قليل القرآن وكثيره معجز .
وإذا ثبت أنّ قليل القرآن وكثيره معجز ثبت أنّ ما في القرآن مِن حقائق الأخبار ودقائق الشرائع وعجائب الأسرار ـ التي لم يعرفها البشر إلاّ بعد القرون المتطاولة ـ كلّ ذلك بمَعزل عن الذي طولب به العرب أن يعارضوه ، بما حملهم على الاعتراف بأنّه كلام ربّ العالمين (5) .
وأضاف أنّ هذا الوجه مِن الإعجاز ـ على القول به ـ لن يُوفّق إلى فهمه والإحاطة به إلا مَن كان مِن أهل العلم الذي يُدرك هذه الحقائق ويعيها ويؤمن بصدقها ، فإن لم يكن مِن أولئك حُجب عنه هذا الوجه .
وأخيراً ، فإنّ في هذا الوجه مُنزلقاً خطيراً ؛ إذ أنّ بعض مَن يدّعي العلم قد يُحمّل آيات مِن القرآن في هذا السبيل مالا تحتمل ، وقد ينسبون إلى العلم ما هو منه براء ، رغبةً في إثبات إعجاز جديد للقرآن الكريم (6) .
قال : هذه هي وجهة نظر القائلين بأنّ اشتمال القرآن على الحقائق العلمية لا يُعدّ وجهاً مِن وجوه الإعجاز في القرآن ، وإن كان يدلّ على أنّه مُنزل مِن عند الله (7) .
على أنّهم قد يتعقّبون آراء الفريق الأَوّل ( القائل باستمرار التحدّي والإعجاز الشامل ) بالنقد ، فيُعلّقون على قولهم : ( إنّ هذا النوع مِن المعارف التي جاءت في سياق بيان آيات الله وحكمه كانت مجهولة للعرب أو لجميع البشر في الغالب ، حتى أنّ المسلمين أنفسهم كانوا يتأوّلونها ويخرّجونها عن ظواهرها لتوافق المعروف عندهم في كلّ عصر مِن ظواهر وتقاليد أو مِن نظريّات العلوم والفنون الباطلة ... ) (8) ...
يُعلّقون على هذا القول ، بأنّ المسلمين الذين لم يعرفوا أنّ قرآنهم جاء مؤيّداً لحقائق العلوم ـ التي لم يُوفّق إليها العلماء إلاّ بعد أربعة عشر قرناً ـ قد حَسُن إيمانهم بالقرآن ، وحسُن انتفاعهم بأحكامه وآياته ، فنشروا نوره وأقاموا دولته ونفّذوا أوامره وانتهوا بنواهيه وتأدّبوا بآدابه ، في حين أنّ الذين يعرضون الآن علمهم وذكاءهم وقدرتهم على استنباط ما يتّفق مِن آيات القرآن مع العلم الحديث هم أقلّ الأجيال المسلمة تأثّراً بهذا القرآن في شؤون دينهم ودنياهم (9) .
يبدو أنّ الذي دعا بالقائل بعدم الشمول واقتصار التحدّي على العرب الأوائل وفي جانب بيانه فقط هي نظرته القاصرة على آيات وقع التحدّي فيها مُوجّهاً إلى العرب بالذات ، ولا شكّ أنّ تحديّاً موجَّهاً إلى العرب يومذاك لا يعني سوى جانب البيان الذي فاق أساليب العرب وأعجزهم عن أن يأتوا بمثله .
غير أنّ تحدّي القرآن لم يقتصر على فترة مِن الزمان ولا على أُمّة مِن الناس دون مَن سواهم ، فنراه وجّه نداءه الصارخ إلى البشرية جمعاء في طول الزمان وعرضه ، ولكلّ الأجيال ومختلف الأقوام ، وما شأنه ذلك لا يعقل اقتصاره على جانب الفصاحة والبيان ؛ إذ ليس كلّ الناس عرباً ولا كلّ العرب فصحاء ... فلابدّ أنّ في القرآن شيئاً هو الذي تُحُدِّيَ به تحدّياً على وجه العموم ، ومِن ثَمّ كان بمجموع الكتاب ، لا بسورة واحدة أو آية أو آيات بالذات (10) .
قال تعالى : {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [الإسراء : 88] .
فهذا تحدّ عامّ وقع مُوجّهاً إلى كافّة الأنام ، سواء مَن عاصر نزول القرآن أو سائر الأيّام .
وبعد ، فإليك بعض ما وصلت إليه أفهام البشرية حسب ما وصلت إليه مِن العلوم الطبيعة المقطوع بها تقريباً ، وكان ذلك دليلاً على معجزة القرآن الخارقة للعادة في يوم كان سرّ هذه العلوم والآراء النظرية ، مكتوماً على البشرية يومذاك ، وأصبح اليوم مكشوفاً ، وسيُكتشف حسب مرّ الأيّام .
___________________________________________
(1) التفسير العلمي للقرآن في الميزان ، ص131 .
(2) مقدّمتان في علوم القرآن : ص279 .
(3) انظر تفسير المنار : ج1 ص210 ـ 212 الوجه السابع مِن وجوه الإعجاز التي ذكرها بمنتهى الاختصار والإيجاز ، وقد جرى على هذا الزرقاني في مناهل العرفان : ج2 ص353 ـ 361 .
(4) مباحث في علوم القرآن : ص320 ـ 321 .
(5) انظر الظاهرة القرآنية تقديم محمود شاكر : ص22 .
(6) انظر الإسلام والإنسان المعاصر لفتحي رضوان ( سلسلة اقرأ ) : 226 ص406 .
(7) التفسير العلمي للقرآن : ص130 ـ 133 .
(8) راجع تفسير المنار : ج1 ص212 .
(9) التفسير العلمي للقرآن : ص133 ـ 134 .
(10) ذهب الشيخ محمد الطاهر بن عاشور إلى أنّ الإعجاز العلمي حاصل بمجموع القرآن ، وهو إعجاز حاصل من القرآن ، وغير واقع به التحدّي إلاّ إشارة ( هامش التفسير العلمي : 133/1 ) .
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|