أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-04-2015
1865
التاريخ: 8-10-2014
1553
التاريخ: 2-12-2015
1545
التاريخ: 8-5-2016
20605
|
قال تعالى : {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل : 88]
الجمود : نقيض السيلان ، ويقال للثلج : جمد ، بهذا الاعتبار . ويقال : جمُدت العين إذا هدأت ولم يجرِ دمعها . ويقال للأرض وللسَنة : جماد ، إذا أصابهما جدب ، لا كلاء ولا خصب ولا مطر .
قال الفيروز آبادي : يقال : ناقة جماد إذا كانت بطيئة في سيرها شبه الواقفة .
ومن ذلك كلّه يُعرف أنّ هذه اللفظة تُستعمل في موارد ، كان من طبعها السير والحركة فوقفت وقوف عارض ، وصحّ إطلاق الجماد على الجبال باعتبار همودها في رأي العين ؛ ومِن ثَمّ قال المفسّرون : جامدة أي واقفة لا حراك فيها ، ويؤيّده التقابل بمرور السحاب أي حركتها في جوّ السماء .
فقوله تعالى : ( وَهِيَ تَمُرّ مَرّ السّحَابِ ) أي تسير في مسيرتها الحيثيثة كمسيرة السحب في الفضاء ، روي ذلك عن ابن عبّاس .
وليست حركة الجبال في مسير الفضاء سوى حركة الأرض الانتقالية في دورتها السنوية حول الشمس ، أو حركتها الوضعية حول نفسها ، وعلى كلا المعنيين فيدلّ على حركة الأرض دون وقوفها وهدوئها ، وهذا بالرغم من الرأي السائد ذلك الحين القائل بسكون الأرض وكونها في مركز الأفلاك الدائرة حولها .
وجاءت دلالة الآية على حركة الأرض دلالة تبعيّة ، من قبل نسبتها إلى مجموعة الجبال ، فجبال بمجموعتها تسير سيرها الحثيث ، الأمر الذي لا يكون إلاّ بحركة كتلة الأرض كلّها .
أمّا وما هذه الحركة وما هذه المسيرة الأرضية ؟
1 ـ قال أكثر المفسّرين : إنّها تسيير الجبال نحو الفناء ، إحدى علائم قيام الساعة نظير قوله تعالى : {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [الكهف : 47] وقوله : {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا } [الطور : 9، 10]. وقوله : {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} [النبأ : 20] ، إلى غيرهنّ من آيات كثيرة بنفس المضمون (1) .
قال الإمام الرازي : اعلم أنّ هذا هو العلامة الثالثة لقيام القيامة ، وهي تسيير الجبال (2) .
وقال سيّدنا الطباطبائي ( قدس سرّه ) : بما أنّ الآية واقعة في سياق آيات القيامة ، ومحفوفة بها فهي تصف بعض مشاهد ذلك اليوم الرهيب ، ومن جملتها تسيير الجبال . وقوله : ( وَتَرَى الْجِبَالَ ) تمثيل لتلك الواقعة ، نظير قوله : {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى} [الحج : 2] أي تلك حالتها المشهودة في ذلك اليوم العصيب لو كنت شاهدها (3) .
لكن لحن الآية ذاتها تأبى هذا الحمل ، ولا سيّما مع تذييلها بقوله : ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) ، الأمر الذي يدلّ على أنّها بصدد بيان مظهر من مظاهر قدرته تعالى ولطيف صنعه ، وقضية السياق موهونة ـ بعد ملاحظة ما قدّمنا في الجزء الأَوّل ـ من أنّ ترتيب الثبت الحاضر لا يدلّ على نزولها تباعاً بلا فترة زمان .
2 ـ وقال بعضهم : إنّها الحركة الجوهرية ، وإنّ ما في الوجود يسير قُدماً نحو الكمال المطلق ، سواء أكان إنساناً {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} [الانشقاق : 6] أم حيواناً أم نباتاً أم جماداً {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} [الأنبياء : 93].
قال سيّدنا الطباطبائي : قد تُحمل الآية على الحركة الجوهرية ، وأنّ الأشياء كلّها ، ومنها الجبال ، تتحرّك بجوهرها إلى غاية وجودها ، وهي حشرها ورجوعها إلى الله سبحانه ، قال : وهذا المعنى يناسبه التعبير بقوله : ( تَحْسَبُهَا جَامِدَةً ) ؛ لأنّ الجمود هو السكون المحض ، في حين أنّها في تحوّل وتنقّل ، هادفةً ساحة قدسه تعالى ! قال : وهذا المعنى أنسب من المعنى الأوّل بإرادة قيام الساعة .
3 ـ وقال آخرون : إنّها الحركة الطبيعية الكامنة في ذوات الأشياء ؛ إذ كلّ موجود هو في تحوّل وتغيير دائب مستمرّ ، وما من ذرّة في عالم الوجود إلاّ وهي تتبدّل إلى غيرها وتتجدّد حسب الآنات والأحوال ، وكلّ شيء هو في كلّ آنٍ خَلقٌ جديد ، {إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ } [سبأ : 7] ، {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن : 29] ، ما هذا السؤال المستمرّ ؟ إنّها مسألة الإفاضة ، إفاضة الوجود من ربّ العالمين ، ومِن ثَمّ فهو تعالى في كلّ لحظةٍ من لحظات حياتنا في خلق جديد .
قال الأُستاذ محمّد تقي الجعفري : إنّ مَن في السماء والأرض من عالم الوجود ، إنّما يسأله تعالى الاستمرار بالإفاضة عليه من قوى واستعداداتٍ وإبقاءٍ لوجوده خلقاً بعد خلق (4) .
4 ـ إنّها حركة الأرض الوضعية والانتقالية ، ومسألة حركة الأرض أَمرٌ تنبّه له كثير من العلماء الأقدمين كـ ( فيثاغورث الحكيم ) عاش قبل الميلاد بخمسة قرون ، وتبعه على ذلك ( فلوطرخوس ) و( أرخميدس ) ، وأيّده الحكيم ( ارستر خوس ) الذي جاء بعده بقرنين ، وبعده ( كليانثوس ) الذي أثبت للأرض حركتين ، يومية وسنوية .
لكن في هذا الأوان جاء الحكيم ( بطلميوس) فأنكر حركة الأرض واعتقد سكونها وكونها مركز سائر الأفلاك ، وساد هذا النظام الفلكي البطلميوسي ـ بفضل دعمه بالرأي العام ـ حتى القرن السادس عشر للمياد ، حيث نبغ الفلكي الشهير ( كوبرنيك ) المتوفّى سنة 1544م ليأخذ برأي ( فيثاغورث ) ، وهكذا توالى بعده العلماء مؤيّدينَ لهذا الرأي ، بفضل المخترعات الفَلكية الحديثة ( المجاهر والنظّارات المكبّرة ) .
وللسيّد هبة الدين الشهرستاني كلام طويل حول استظهار هذا الرأي من الآية الكريمة نذكر ملخّصه :
قال : أَوّل مَن تفطّن إلى هذا الاستنباط من الآية الشريفة هو الفاضل علي قلي ابن فتح علي شاه القاجار ، وجاء تأييده في ( النخبة الأزهرية ) ترجيحاً على تفسير القدماء للآية .
قال السيّد : وفي الآية دلائل على هذا الاستظهار :
أولاً : التعبير بالجمود ( تَحسَبُها جَامِدة ) ، ولا تهويل إذا كانت الجبال تُرى يوم القيامة في ظاهرها هامدة وساكنة في مستقرّاتها .
ثانياً : التعبير بالمرور مرّ السحاب ، وهو يدلّ على نعومةٍ في السير ، وليس ممّا يهول .
وثالثاً : التشبيه بالسحب ، ولا هول في مشاهدة مسيرة السحاب (5) .
فصحّ أنّ الآية لا تتناسب وكونها من أشراط الساعة أو إشارة إلى أهوال يوم القيامة .
وقال سيّدنا الطباطبائي : حمل الآية على إرادة حركة الأرض الانتقالية معنى جيّد لولا منافاته للسياق (6) .
وقد قدّمنا أنّ سياق الآية ذاتها ـ بقرينة الإشارة إلى إحكام الصنع ـ ترجّح إرادة التفسير الأَوّل المتقدّم .
{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات : 30] :
الدحو : الدحرجة . يقال : دحا الشيء بمعنى دحرجه ، كما يُدحرج الصبيان المداحي ، وهي أحجار صغار أمثال القرصة ، يحفرون حفيرة فيدحون بها إليها ، وتُسمّى المسادي والمراصيع ، والدحو : رمي الملاعب بالجوز وشبهه (7) .
فمعنى دحو الأرض : دحرجتها وزحلقتها على بسيط الفضاء لتأخذ شكلها الكريّ في التدوير (8) .
فدحو الأرض إذاً ليس مجرّد بسطها ، كما زعمه أُناس ، وإنّما هو بسط مع تكوير ، يشبه الدوّامة في جسمها الكريّ يتداحى بها الصبيان في ألاعيبهم .
وهي اللفظة العربية الوحيدة التي تفيد معنى البسط والتكوير في ذات الوقت ، وتكون من أدلّ الألفاظ على شكل الأرض المنبسطة في ظاهرها ، المتكوّرة في الحقيقة ، الأمر الذي يوافقه أحدث الآراء الفَلكية عن شكل الأرض : إنّها مفرطحة من جانبي قطبيها ، ومنبعجة على خطّ الاستواء ، فيزيد قطرها الاستوائي عن قطرها القطبي بمقدار ( 6/42 ) كيلو متراً (9) .
وهذا منتهى الإحكام والدقة في اختيار اللفظ المناسب للتعبير .
_________________
(1) مجمع البيان : ج7 ص236 .
(1) مريم : 90 ، الواقعة : 5 ، الحاقّة : 14 ، المعارج : 9 ، المزّمّل : 14 ، المرسلات : 10 .
(2) التفسير الكبير : ج24 ص220 .
(3) الميزان : ج15 ص440 .
(4) راجع الحركة والتحوّل من النظرة القرآنية : ص49 فما بعد .
(5) الهيئة والإسلام : ص97 ـ 99 .
(6) الميزان : ج15 ص442 .
(7) الفائق للزمخشري : ج1 ص418 .
وقال الفيروز آبادي : مرصاع ـ كمحراب ـ : دوّامة الصبيان ، وكل خشبة يُدحى بها ، والدوّامة لعبة من خشب يلفّ الصبي عليها خيطاً ثمّ ينقضه بسرعة فتدوم أي تدور على الأرض ، ( انظر الشكل في المنجد ) ، وعندنا في العراق كانت تُسمّى ( المُرصَع ) كمُلجَم . وهي تشبه وفي قطبها السافل حديدة محدّدة بها تدور على الأرض ، ولعلّ تسمية البيضة دحية في الديار المصرية كانت من جهة هذا التشابه ، قال مصطفى محمود في كتابه ( محاولة لفهم عصريّ للقرآن ) : ص255 : الدحية : البيضة .
(8) قال الأُستاذ محمّد مصطفى الشاطر : ترجمة الدحو بمعنى البسط ضياع للمعنى الذي يُؤخذ من الدحو وهو التكوير غير التامّ ـ كتكوير البيضة ـ مع الدوران ، ولا يزال أهل الصعيد و ـ أكثرهم من أصل عربي ـ يعبّرون عن البيض بالدحو أو الدحي أو الدح . ( القول السديد : ص 21 ـ 22 ) .
(9) قطر الأرض الاستوائي : 8 / 12754 . وقطرها القطبي : 2 / 12712 . راجع بصائر جغرافية لرشيد رشدي البغدادي : ص157 .
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|