أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-08
295
التاريخ: 2024-09-07
323
التاريخ: 20-9-2016
422
التاريخ: 2024-09-08
263
|
ومن جملة القواعد الفقهيّة المشهورة قاعدة « كلّ كافر نجس ».
الجهة الأولى
في بيان المراد منها :
أقول : الكافر على أقسام ، ويجمعها عدم التصديق بنبوّة نبيّنا محمّد ى أو إنكار شيء ضروريّ الثبوت في دينه من العقائد الحقّة أو الأحكام الشرعيّة ، فمن أنكر وجوب الصلاة ، أو وجوب الزكاة ، أو وجوب الحجّ بعد اجتماع شرائط وجوب هذه الأمور فهو كافر.
فالقسم الأوّل : من الكافر هو الذي ينكر وجود صانع وخالق للعالم ، ويعتقد بأنّ مادّة هذا العالم المادّي قديم بالذات ، وليس وجودها مسبوقا بالعدم الواقعي المقابل للوجود ، فليست حادثة كي يحتاج إلى العلّة التي توجدها.
وهؤلاء هم الطبيعيّون الذين يزعمون أنّ الأنواع والأشخاص الموجودة من هذا العالم المادّي من اختلاط الموادّ الأصليّة والذرّات القديمة بعضها ببعض وأفاعليها وانفعالاتها ، وهؤلاءهم أكفر الكفّار.
القسم الثاني : المنكرون للتوحيد ، وهم المشركون وهم أقسام كثيرة :
فمنهم من ينكر توحيد الذات الأحد القديم ويقول بأصلين قديمين بالذات أو أكثر ، وربما ينسب هذه العقيدة إلى المجوس القائلين بمبدئين قديمين : النور والظلمة ، أو بقولهم يزدان وأهرمن ، ولكن الظاهر أنّهم لا يقولون بمبدئين قديمين بالذات ، وإنّما ينكرون التوحيد في مقام الفاعليّة لا في مقام الذات ، ولتفصيل المسألة مقام آخر.
ومنهم من ينكر التوحيد في مقام الفاعليّة ، ويرون المؤثّر في الحوادث والموجودات غير الله أيضا. وهذا القسم من المشركين كثيرون ، وهؤلاء عبدة الأصنام التي ينحتونها هم أنفسهم أو يصنعونها من أحد الفلزّات ، أو عبدة الأجرام السماويّة كالشمس والقمر وغيرهما ، أو غير ذلك من النباتات والجمادات.
وكان مشركو العرب وأهل مكة من هذا القسم الذين ابتلى رسول الله صلى الله عليه واله بهم ، بل غالب الأنبياء العظام سلام الله عليهم كموسى وإبراهيم وغيرهما ابتلوا بهذا القسم من المشركين ، وليس مقامنا مقام شرح الأديان وتفصيل المذاهب.
القسم الثالث : الذين ينكرون الرسالة ، إمّا جميع الأنبياء حيث يقولون بكفاية العقل الذي خلقه الله لعباده وجعله رسولا باطنيّا ، وهو يكفي في لزوم الاجتناب عن ارتكاب القبائح وما فيها من المفاسد ، ولزوم الارتكاب لما فيها المحاسن والمصالح ، وإمّا ينكرون نبوّة بعض الأنبياء الذين هم أولوا العزم ، بل كلّ نبيّ في عصره دون بعض ، وذلك كالكتابيّين بعد ظهور نبيّنا صلى الله عليه واله وبعثته.
القسم الرابع : هم الذين ينكرون ضروريّا من ضروريات الدين ، سواء كان ضروريّا في جميع الأديان الحقّة كالمعاد الجسماني ، أو كان ضروريّا في خصوص دين الإسلام كوجوب الصلاة والزكاة ، وحرمة شرب الخمر والزنا واللواط والسرقة ، وغيرها من الضروريات.
فظهر ممّا ذكرنا أنّه من أوضح مصاديق منكر الضروريّ من يقول بوجود نبيّ بعد نبيّنا خاتم النبيّين محمد صلى الله عليه واله فلا شكّ في كفر من يدّعي النبوّة ، أو يعتقد نبوة شخص بعد بعثة خاتم الأنبياء صلى الله عليه واله فهذه الفرقة الضالّة الذين يدّعون مثل هذه المقالة في عصرنا لا شكّ في كفرهم.
وأمّا المجسّمة والغلاة والخوارج والنواصب سنتكلّم عنهم إن شاء الله في خاتمة هذه القاعدة.
وأمّا الكتابي فهو الذي يعتقد ويؤمن بكتاب منزل من السماء على نبيّ من الأنبياء ممّا عدا القرآن الكريم ، لأنّ المعتقد والمؤمن بالقرآن ، وأنّه منزّل من السماء على رسول الله محمّد صلى الله عليه واله ليس بكافر ، إلاّ أن ينكر ضروريّا من ضروريّات الدين.
وإذا تبيّن ما ذكرنا فالمراد من هذه القاعدة نجاسة كلّ قسم من الأقسام الأربعة المذكورة.
الجهة الثانية
في بيان أقوال الفقهاء في هذه المسألة والقاعدة :
فنقول : المشهور عند الإماميّة هو القول بنجاسة الكفّار مطلقا ، ذميّا كانوا أو حربيّا ، كتابيّا أو غير كتابي ، بل ادّعى الإجماع عليها جمع من الفقهاء المتقدّمين ، كما في الغنية (1) والناصريّات (2) والانتصار (3) والسرائر (4) وغيرهم ، بل ادّعى الشيخ في التهذيب (5) إجماع الفقهاء قاطبة من الإماميّة ومن مخالفيهم.
ولكن الظاهر أنّ المشهور بين المخالفين هو القول بطهارتهم حتّى أنّه في الفقه على المذاهب الأربعة (6) يدّعي طهارتهم حيّا وميّتا ، ويستدلّ على ذلك بقوله تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } [الإسراء: 70] ومن تكريمهم طهارة أبدانهم حيّا وميّتا. ولم ينقل قولا بالنجاسة من أحد المذاهب الأربعة.
ومقابل المشهور أو المجمع عليه قول شاذّ من بعض الإماميّة بطهارة خصوص الكتابيّ منهم. ونسب هذا القول من القدماء إلى ابن الجنيد (7) في مختصره ، وأنكر صاحب الجواهر (8) صراحة كلامه في ذلك ، ومع ذلك طعن عليه بأنّه قائل بالعمل بالقياس ، وأنّ أقواله مرفوضة عند الفقهاء لذلك.
وعلى كلّ حال المتتبّع في الفقه يحصل عنده الشهرة المحقّقة من أصحابنا الإماميّة على نجاسة الكفّار مطلقا وإن كان كتابيّا ، كما أنّ المشهور بين المخالفين خلاف ذلك.
الجهة الثالثة
في بيان الأدلّة الدالّة على هذه القاعدة ، وشرحها وكيفيّة دلالتها :
الأوّل : الإجماع. وقد ادّعاه جمع كثير ، وقد تقدّم ذكر بعضهم ، والعبارة المنقولة عن الوحيد البهبهاني (9) أنّ الحكم بنجاسة الكفّار وإن كان كتابيّا من ضروريّات المذهب وشعار الشيعة يعرفه المخالفون لهم عنهم ، رجالهم ونسائهم بل صبيانهم.
قال في الجواهر بعد أن حكى كلام القديمين ابن الجنيد وابن عقيل ، وأنكر ظهور كلامهما في طهارة أهل الكتاب : فلا خلاف حينئذ يعتدّ به بيننا في الحكم المزبور ، بل لعلّه من ضروريّات مذهبنا. ولقد أجاد الأستاذ الأكبر بقوله : إنّ ذلك شعار الشيعة يعرفه منهم علماء العامّة وعوامهم ونسائهم وصبيانهم ، بل وأهل الكتاب (10).
والإنصاف : أنّ اتّفاق فقهاء الشيعة الإماميّة الاثنى عشريّة على هذا الحكم ممّا لا يمكن أن ينكر ، ومخالفة شاذّ من المتأخّرين منهم لا يضرّ بهذا الإجماع والاتّفاق. اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ اعتماد المتّفقين في هذا الحكم على المدارك الآتية فليس من الإجماع المصطلح الأصولي الذي نقول بحجيته.
الثاني : قوله تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] .
وتقريب الاستدلال بهذه الآية الشريفة على نجاسة الكفّار وتقريره : أمّا بالنسبة إلى المشركين ، أي عبدة الأصنام والثنويّة فواضح لا يحتاج إلى البيان.
وأمّا بالنسبة إلى المنكرين لأصل الألوهيّة الذين لا يقولون بوجود خالق للعالم فبالأولويّة القطعيّة ، لأنّ منشأ هذه النجاسة هو خبث النفس ودناءتها ، ولا شكّ أنّ مثال هذا المعنى في المادّيين المنكرين لوجود الصانع الحكيم ثبوته بنحو أشدّ ، لأنّ الخباثة والذّناءة في نفوسهم أزيد وآكد.
وأمّا بالنسبة إلى أهل الكتاب : أمّا المجوس على القول بأنّهم منه فواضح ، لأنّهم الثنويّة القائلون بمبدئين ، ويعبّرون تارة بالنور والظلمة ، وأخرى بيزدان الذي هو مبدء الخيرات عندهم ، وأهرمن الذي هو مبدء الشرور باعتقادهم.
وأمّا بالنسبة إلى اليهود والنصارى فلإطلاق المشرك عليهم في الكتاب العزيز في قوله تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] إلى قوله تعالى شأنه {سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [التوبة: 31] فنسب اليهود والنصارى إلى الشرك بقوله ( سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ).
وأشكل على الاستدلال بهذه الآية بوجوه :
الأوّل : أنّ النجس ـ بفتح الجيم ـ مصدر ، ولا يحمل المصدر على الذات إلاّ بتقدير ذو ، فيكون معنى الآية بناء على هذا أنّ المشركين ذوو نجاسة. ومن هذا لا يستفاد أنّها نجاسات ذاتيّة ، بل يصدق عليهم هذا العنوان ، وإن كانت نجاستهم عرضيّة.
وفيه : أنّ حمل المصدر على الذات باعتبار المبالغة وادّعاء أنّه من مصاديقه أظهر من التقدير حسب المتفاهم العرفي من أمثال هذه التراكيب.
وقد يقال في الجواب عن هذا الإشكال بأنّ النجس ـ بفتح الجيم ـ كما يصحّ أن يكون مصدرا ، كذلك يصحّ أن يكون صفة ، لأنّ الصفة المشبّهة كما أنّها من الثلاثي اللازم على وزن فعل ـ بكسر العين ـ كذلك تأتي على وزن فعل ـ بفتح العين ـ كحسن ، وصرّح في القاموس بذلك في هذه المادّة ، وقال : النجس بالفتح وبالكسر وبالتحريك وككتف وعضد : ضدّ الطاهر (11).
وفيه : أنّ النجس ـ بفتح الجيم ـ وإن كان يأتي صفة كما أنّه يصحّ مصدرا فيكون مشتركا بين المصدر والصفة ، ولكن لا يمكن أن يكون هاهنا صفة ، لعدم مطابقة الخبر مع المبتدا في الإفراد والجمع ، مع أنّ الخبر صفة.
وهذا الإشكال لا يرد إن كان مصدرا لأنّ المطابقة في الإفراد والجمع ليس شرطا إذا كان الخبر مصدرا ، فيقال : شهود عدل ، ولا يصحّ أن يقال : شهود عادل.
ولا يخفى أنّه لو كان النجس مصدرا وكان حمله على المشركين من باب المبالغة ، فلا يناسب النجاسة العرضيّة ويكون ظاهرا في الذاتيّة ، فالحقّ ما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاري (12) في هذا المقام ، وهو أنّ النجس إمّا مصدر وإمّا صفة ، وأيّاما كان يكون ظاهرا في نجاستهم الذاتيّة.
الثاني : أنّ الدليل على فرض تماميّته أخصّ من المدّعى ، لأنّ المدّعى نجاسة كلّ كافر ، والدليل لا يثبت إلاّ نجاسة خصوص المشرك منهم.
وفيه : أنّه قد تقدّم شمول الآية للمنكرين لأصل الألوهيّة بالأولويّة ، ولأهل الكتاب أي اليهود والنصارى والمجوس أيضا ـ بناء على أنّهم أيضا من أهل الكتاب ـ بالعموم والشمول لإطلاق المشرك على اليهود والنصارى في الكتاب العزيز.
وأمّا المجوس فهم المشركون حقيقة من دون عناية وتجوّز في البين ، وأمّا في غيرهم كالمنكرين للضروريّات مثلا فبعدم القول بالفصل ، لعدم الخلاف في نجاسة الكفّار إلاّ في الكتابيّ. وسنتكلّم عنهم إن شاء الله في خاتمة هذا المبحث.
الثالث : أنّ المراد بالنجس ليس هو المعنى المصطلح بين الفقهاء الذي هو أحد الأحكام الشرعيّة الوضعيّة ، وهو مقابل الطهارة الشرعيّة التي هي أيضا أحد الأحكام الوضعيّة ، بل المراد هو المعنى الذي يفهمه العرف من هذه اللفظة ، إذ الخطابات الشرعيّة على طريقة المحاورات العرفيّة ، إذ لم يخترع طريقا خاصّا لتفهيم المكلّفين ، فإن كان في مورد إرادته من لفظ غير ما يفهمه العرف فعليه البيان ، ولا شكّ أنّ معنى العرفي للفظ النجس هي القذارة ، فلا بدّ وأن يحمل على قذارة النفس وخباثتها لا قذارة البدن ، لأنّه ليس في أبدانهم قذارة أزيد ممّا في أبدان المسلمين ، بل حالهم من هذه الجهة مع المسلمين سواء ، فيكون أجنبيّا عن مورد البحث.
وفيه : أنّ هذا البيان يجري في ما ورد في سائر النجاسات كالكلب والخمر والميتة وغيرها ، ومع ذلك لم يتردّد أحد من الفقهاء في حمل هذه الكلمة على المعنى الشرعيّ ، فقوله عليه السلام : « الكلب رجس نجس » (13) لم يحمله أحد إلاّ على النجاسة الشرعيّة الاعتباريّة.
والسرّ في ذلك أنّ الشارع في مقام بيان أحكامه ، ولا شغل له بالقذارات العرفيّة إلاّ يكون موضوعا لحكم شرعيّ ، فإذا كانت النجاسة عنده أمر اعتبره في عالم التشريع ، فلا بدّ وأن يحمل اللفظ عليه إلاّ مع بيان على عدمه.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ وقت نزول هذه الآية لم يشرّع الطهارة والنجاسة بعد.
ولكن هذا الاحتمال لا مجال له ، لأنّ هذه الآية في سورة البراءة بعد هجرة النبيّ صلى الله عليه واله وكان ذلك الوقت الطهارة والنجاسة الشرعيين معروفتان عند المسلمين.
الرابع : أنّ المراد بالمشركين هم المشركون في ذلك الوقت ، أي مكّة وسائر القبائل العربيّة الذين يأتون إلى الحجّ ويدخلون المسجد الحرام للطواف حول الكعبة ، وأولئك كلّهم كانوا عبدة الأصنام ، والكتابيّون لا يحجّون في ذلك الوقت وإلى الآن هم كذلك ، فعلى تقدير كون النجاسة في الآية بالمعنى الشرعي لا يشمل غيرهم من سائر فرق الكفّار.
وفيه : أنّ العبرة بعموم الكلام لا بخصوصيّة المورد ، فإذا كان « المشركون » له العموم من جهة ظهور الجمع المعرف باللاّم في العموم لجميع الأفراد التي يصلح للانطباق عليها ، فورودها في مورد قسم خاصّ من المشركين لا يضرّ بالاستدلال بعمومها.
فالإنصاف : أنّ هذه الإشكالات لا يرد شيء منها على الاستدلال بالآية الشريفة ، فالآية تدلّ على نجاسة المشركين مطلقا ، كتابيّا كانوا أم غيرهم ، وعلى غيرهم بعدم القول بالفصل ، غاية الأمر نجاسة ما عدا المشركين ليس مدلولا للآية ، وإنّما يثبت بأمر خارج عن الآية وهو القول بعدم الفصل.
والعجب من المحقّق الفقيه الهمداني أنّه قال في مصباح الفقيه : إنّ المتبادر من الآية بشهادة سياقها مشركو أهل مكّة التي أنزلت البراءة من الله ورسوله منهم ومنعوا من قرب المسجد الحرام (14).
مع أنّ الآية في مشركي خارج مكّة ، لقوله تعالى بعد هذه الجملة : {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 28] أي : خفتم للفقر والنقص في معاشكم من ناحية عدم إتيانهم إلى الحجّ وإلى مكّة ، وعدم انتفاعكم بما يأتون به من الأجناس والأموال التي كانت معهم للبيع والشراء معكم ، وكان أهل مكّة خافوا انقطاع المتاجر عنهم بمنع المشركين عن دخول الحرم ، فوعدهم الله تعالى بأنّه جلّ شأنه سوف يغنيهم من فضله ، وهو تبارك وتعالى وفى بوعده ، وكان يحمل الميرة إليهم من أنحاء العالم.
وخلاصة الكلام في هذا المقام : أنّ الآية الشريفة تدلّ على أنّ الله تبارك وتعالى منع المشركين عن دخول المسجد الحرام لأنّهم أنجاس ، وحيث أنّ كلمة « المشركون » جمع معرّف باللاّم فهو عامّ يشمل كلّ من ينطبق عليه هذا العنوان ، فالآية ظاهرة في أنّ كلّ مشرك نجس ، الموجودون في ذلك الزمان أو من يوجد فيما بعده إلى قيام القيامة وبقاء هذا الدين.
اللهمّ إلاّ أن يقال : أنّ قوله تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } [التوبة: 28] من قبيل القضايا الخارجيّة والحكم فيها يكون على الأفراد الموجودة في ذلك العصر وفي ذلك القطر ، فلا يشمل غيرهم.
ولكن ما أظنّ أحدا يرتضي بهذه المقالة.
ولا شكّ أنّ ظاهر هذه الجملة ـ أي قوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) ـ كبرى كلّية يعلّل بها عدم جواز دخول مشركي القبائل في الحرم ، ووجوب منعهم ، فالتعليل عامّ يشمل المشركين الذين كانوا موجودين في ذلك الزمان ، ومن لم يكن ذلك الوقت موجودا ، والذين كانوا يحجّون كمشركي العرب في ذلك الزمان ، أو لا يحجّون كسائر المشركين وكاليهود والنصارى.
فالعمدة هو شمول لفظ « المشرك » لليهود والنصارى ، وعدم شموله. وقد تقدّم أنّه أطلق المشرك في الكتاب العزيز على اليهود والنصارى في بعض الآيات ، وظاهر قوله تعالى {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ} [المائدة: 116] أنّ النصارى مشركون حقيقة ، لأنّهم كانوا يعتقدون بألوهيّة عيسى وأمّه ، وكانوا يعبدون عيسى.
والشاهد على ذلك أنّه لمّا نزل قوله تعالى {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [الأنبياء: 98] قال عبد الله ابن الزبعري : أما والله لو وجدت محمّدا لخصمته ، سلوا محمّدا أكلّ من عبد من دون الله في جهنّم مع من عده ، ونحن نعبد الملائكة ، واليهود تعبد عزيزا ، والنصارى تعبد عيسى بن مريم. فلمّا وصل هذا الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه واله قال : « ما أجهله بلسان قومه ، فإنّ « ما » لغير ذوي العقول ، فلا يشمل هؤلاء » (15).
وأجيب عن إشكالهم بوجه آخر ، لسنا في مقام الجواب عن هذا الإيراد وجوابه ، بل مقصودنا أنّ هؤلاء مشركون حقيقة في العبادة ، بل في الخلق والفاعلية. فاليهود والنصارى الذين نسمّيهم بأهل الكتاب شركهم من سنخ شرك مشركي أهل مكّة ، كما كان يظهر من كلام ابن الزبعري. وأمّا المجوس فكونهم من المشركين أوضح حتّى يعرفون بالثنويّة القائلين بإله الخير ويسمّونه يزدان ، وإله الشرّ ويسمونه بأهرمن.
وأمّا النصارى ، فإلى اليوم يقولون بألوهيّة المسيح ابن مريم عليهما السلام ، فهذا كتاب « المنجد في اللغة » تأليف معلوف أحد الآباء العيسويين يقول في كلمة المسيح : « الإله المتجسّد » (16) فلا ينبغي أن يشكّ في شرك الطوائف الثلاث : اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، ولا في دلالة قوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) على نجاستهم.
الثالث : من الأدلّة الدالّة على نجاستهم الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار عليه السلام : منها : موثّقة سعيد الأعرج أنّه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن سؤر اليهودي والنصراني : أيؤكل أو يشرب؟ قال عليه السلام : « لا » (17).
منها : ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام في مصافحة المسلم لليهودي والنصراني؟ قال عليه السلام : « من وراء الثياب ، فإن صافحك بيده فاغسل يدك » (18).
منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن آنية أهل الذمّة والمجوس؟ فقال : « لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الذي يطبخون ، ولا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر » (19).
منها : رواية الكاهلي قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم مسلمين يأكلون وحضرهم رجل مجوسي يدعونه إلى طعامهم؟ فقال : « أمّا أنا فلا أو أكل المجوسي ، وأكره أن أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم » (20).
منها : ما عن عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال : سألته عن مؤاكلة المجوس في قصعة واحدة وأرقد معه على فراش واحد وأصافحه؟ فقال : « لا ». (21)
منها : صحيحة على بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام قال : سألته عن فراش اليهودي والنصراني أينام عليه؟ قال عليه السلام « لا بأس ، ولا يصلّى في ثيابهما ».
وقال عليه السلام : « لا يأكل المسلم مع المجوسيّ في قصعة واحدة ، ولا يقعده على فراشه ولا مسجده ، ولا يصافحه » (22).
قال : وسألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق ليس يدري لمن كان ، هل تصلح الصلاة فيه؟ قال عليه السلام : « إن اشتراه من مسلم فليغسل ثمَّ يصلّي فيه ، وإن اشتراه من نصرانيّ فلا يصلّي فيه حتّى يغسله ».
أقول : هذه الرّوايات ظاهرة في نجاسة أهل الكتاب.
أمّا الأولى ـ أي موثّقة سعيد الأعرج ـ فلأنّ ظاهر السؤال والجواب عن سؤر اليهودي والنصراني جواز أكله وشربه ، وعدم جوازه من حيث نجاسة ذلك السؤر وعدم نجاسته ، إذ ليس هناك جهة أخرى توجب الشكّ في الجواز كي يسأل عنه.
إن قلت : إنّهم حيث يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر ، فمن الممكن أن تكون جهة السؤال هو احتمال أن يكون ذلك السؤر عن بقيّة لحم الخنزير في المأكول ، ومن بقيّة الخمر في المشروب.
نقول أوّلا : إنّ هذه شبهة موضوعيّة تجري فيها أصالة الحلّ ، ولم يدّع أحد معارضة هذه الرواية لقاعدة الحلّ.
وثانيا : جوابه عليه السلام بـ « لا » مطلق وينفي جواز أكل سؤرهم وكذلك شربه مطلقا ، سواء كان في مورد ذلك الاحتمال أو لا يكون.
وثالثا : كون السؤال والجواب في مورد هذا الاحتمال خلاف الظاهر ، إذ منشأ هذه الشبهة أمور خارجيّة بعد معلوميّة حكم لحم الخنزير ، وحكم الخمر ، ومعلوميّة حكم الشبهة الموضوعيّة التحريميّة.
وأمّا كون جهة السؤال احتمال تنجّسهم بالنجاسات الخارجيّة لعدم اجتنابهم عنها وكثرة استعمالهم لحم الخنزير والخمر وسائر المسكرات المائعة بالأصالة.
ففيه : أنّ هذا الاحتمال لا يكون مختصا بهم ، بل يأتي في حقّ كلّ من لا يجتنب عن النجاسات جميعا أو بعضها ، سواء كان عدم اجتنابه عنها عن قلّة المبالاة في الدين ، أو من جهة عدم القول بنجاسته في مذهبه ، وذلك لاختلاف الفتاوى في المذاهب في بعض النجاسات.
هذا ، مضافا إلى أنّ ظاهر الرواية هو السؤال عن سؤرهما من حيث كونهما يهوديّا ونصرانيّا ، والجواب أيضا كذلك ، فلا طريق ولا مجال لإنكار ظهور الرواية في نجاسة الكتابي.
وأمّا الرواية الثانية ، فقوله عليه السلام : « فإن صافحك بيده فاغسل يدك ، فلا ينبغي أن يشكّ في ظهورها في نجاستهم ».
وأمّا احتمال أن يكون الأمر بالغسل من جهة النجاسة العرضيّة ، فقد رفعناه من أنّ الظاهر وجوب الغسل ـ بعد الفراغ من أنّه في صورة رطوبة إحدى اليدين أو كلتيهما من جهة ارتكاز اعتبار الرطوبة في أذهان العرف في مقام تأثير النجس أو تأثّر المتنجّس ـ كاشف عن تنجّسه بواسطة المصافحة بيده المرطوبة أو يدك المرطوبة ، فيدلّ على نجاسة الكافر ولم تكن نجاسة عرضيّة في البين.
وأمّا الرواية الثالثة ـ أي صحيحة محمّد بن مسلم ـ فظاهرها أنّ كلّ واحدة من الجمل الثلاث التي ذكرها جملة مستقلّة في قبال الآخر ، فقوله عليه السلام : « لا تأكلوا في آنيتهم » مطلق ، بل المراد هو الذي لا يشرب فيه الخمر ، وأيضا ليس من طعامهم الذي يطبخونه ، فليس نجاسته بواسطة شرب الخمر أو وجود لحم الخنزير فيه ، بل المنع من جهة نجاستهم التي سرت إلى الكأس والآنية التي لهم ويستعملونها.
وأمّا الرواية الرابعة ـ أي رواية الكاهلي ـ فقوله عليه السلام : « أمّا أنا فلا أواكل المجوسيّ » وإن كان من الممكن أن يكون تنزيها منه عليه السلام لا من جهة حرمته فلا يدلّ على حرمة المؤاكلة معهم كي يستكشف منها نجاستهم ، لكن قوله عليه السلام فيما بعد ذلك « وأكره أن أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم » فيه إشعار بأنّ الحكم الواقعي وإن كان هي الحرمة ، ولكن أنا أكره إظهاره لأجل إنّكم تصنعون خلافه في بلادكم ، فيشير بهذه العبارة إلى عدم التحريم ، وكراهته لأجل الخوف والتقيّة ، وعلى كلّ حال إن لم تكن ظاهرة في ما قلنا ليست ظاهرة في طهارتهم كما توهّم.
وأمّا الخامسة ـ أي صحيحة عليّ بن جعفر ـ فقوله عليه السلام : « لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة » فلها كمال الظهور في نجاسة المجوسي ، ولكن الاستدلال بها موقوف على عدم القول بالفصل بين المجوسي وبين اليهودي والنصراني ، وعلى هذا النمط سياق روايته الأخرى.
ثمَّ إنّ بعضهم استدلّ على نجاسة أهل الكتاب بقوله تعالى {كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } [الأنعام: 125] باعتبار أنّ المراد من الرجس هي النجاسة ، ولا شكّ أنّ المراد من الذين لا يؤمنون في الكتاب العزيز هم مطلق الكفّار الذين لم يؤمنوا بالنبي وأنكروا رسالته ونبوّته ، سواء كانوا من أهل الكتاب أو من غيرهم ، فظاهر الآية أنّ الله تبارك وتعالى جعل النجاسة على الكفّار ، فهم نجسون.
ولكن يظهر من تفسير الآية ـ كما ذكره المفسرون ـ أنّ المراد من الرجس هنا العذاب والعقاب ، وعلى كلّ حال إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ، لانهدام الظهور.
هذا ، مضافا إلى عدم ظهور لفظة الرجس في حدّ نفسها في النجاسة الخبثيّة.
ثمَّ إنّه قد استدلّ لنجاستهم بروايات أخر كثيرة متفرّقة في أبواب الفقه ، كصحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه السلام قال : سألته عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمّام فقال : « إذا علم أنّه نصرانيّ اغتسل بغير ماء الحمام ، إلاّ أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثمَّ يغتسل » وسألته عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضّأ منه للصلاة؟ قال عليه السلام : « لا ، إلاّ أن يضطرّ إليه » (23) .
وحمل الشيخ (24) الاضطرار هاهنا على التقيّة ، لأن لا يقال : إنّ الاضطرار لا يوجب جواز الوضوء بالماء النجس ، بل ينتقل إلى التيمّم ، ولا شكّ في أنّ ظاهر هذه الرواية نجاسة أهل الكتاب.
وكمفهوم رواية سماعة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن طعام أهل الكتاب ما يحلّ منه؟ قال عليه السلام : « الحبوب » (25) وأمثال ذلك ممّا يدلّ على لزوم التجنّب عنهم ، وعدم الأكل من طعامهم ، والركون إليهم من الأخبار الكثيرة المتفرّقة في أبواب الفقه ، فلا يحتاج إلى التطويل وفيما ذكرنا غنى وكفاية.
وخلاصة الكلام : أنّ الأخبار المذكورة وإن كان من الممكن المناقشة في ظهور بعضها في نجاستهم ، ولكن لا يمكن إنكار ظهور بعضها الآخر.
نعم هناك أخبار أخر ظاهرة في عدم نجاستهم وجواز الأكل من طعامهم وفي آنيتهم ربما تكون أظهر دلالة من الأخبار المتقدّمة ، وأكثر عددا منها. وبعبارة أخرى : هي على الطهارة أدلّ من دلالة ما تقدّم على النّجاسة.
منها : صحيحة إسماعيل بن جابر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال : « لا تأكله » ثمَّ سكت هنيئة ثمَّ قال : « لا تأكله » ، ثمَّ سكت هنيئة ثمَّ قال : « لا تأكله ولا تتركه تقول إنّه حرام ، ولكن تتركه تنزّها عنه ، إنّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير » (26). ودلالة هذه الرواية على عدم النجاسة وجواز مؤاكلتهم واضحة بل صريحة ، وأنّ نهيه عليه السلام تنزيهي لا تحريمي.
وقال الفقيه النبيه الهمداني في مصباح الفقيه (27) إنّ هذه الرواية تصلح قرينة بمدلولها اللفظي على صرف الأخبار الظاهرة في الحرمة أو النجاسة عن ظاهرها.
ومراده أنّ النواهي الموجودة في تلك الأخبار تكون أيضا تنزيهيّة ، وأشار شيخنا الأعظم (28) في طهارته إلى ظهورها في التقيّة.
أقول : ما ذكره في غاية المتانة ، لأنّ آثار التقيّة بادية عليها ، فإنّه عليه السلام بعد ما بيّن الحكم الواقعي للسائل سكت هنيئة وتأمّل في طريق التخلّص عن شرّ مخالفتهم في هذه الفتوى ، فعلّل عليه السلام نهيه بذلك التعليل تقيّة ، فينبغي أن نعدّ هذه الرواية من أدلّة النجاسة ، لا الطهارة.
منها : صحيح العيص ، سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مؤاكلة اليهود والنصارى والمجوس؟
فقال عليه السلام : « إن كان من طعامك وتوضّأ فلا بأس » (29).
ويمكن أن يقال في توجيه هذه الرواية أنّ المؤاكلة أعمّ من المساورة بل غيرها ، لأنّ معنى المؤاكلة أن يكون معه مائدة واحدة وإن كان يأكل في ظرف مستقلّ ومختصّ به فلا تدلّ على طهارتهم. أمّا التقييد بالتوضّؤ فيمكن أن يكون لأجل النظافة لكي يرغب الجلوس معه على مائدة واحدة.
ولكن الإنصاف أنّ هذا التوجيه خلاف ظاهر الرواية ، وأمّا التقييد والاشتراط بكونه من طعامه فلا ينافي طهارتهم ، لأنّ المراد منه أن لا يكون الطعام ممّا حرّم الله أكله كلحم الخنزير مثلا.
منها : صحيح إبراهيم بن أبي محمود قال : قلت للرّضا عليه السلام : الجارية النصرانية تخدمك وأنت تعلم أنّها نصرانيّة لا تتوضّأ ولا تغتسل من جنابة؟ قال عليه السلام : « لا بأس ، تغسل يديها » (30).
منها : صحيحه الآخر قال : قلت للرضا عليه السلام : الخيّاط أو القصّار يكون يهوديّا أو نصرانيّا وأنت تعلم أنّه يبول ولا يتوضّأ ، ما تقول في عمله؟ قال عليه السلام : « لا بأس » (31).
ويمكن المناقشة في دلالة هاتين الصحيحتين على طهارتهم.
أمّا في الأولى : فلأنّها قضيّة خارجيّة وجهها غير معلوم ، فلعلّ تلك الجارية مأمورة بالخدمة من طرف سلطان الجور من دون إذنه ، بل وبدون رضاه عليه السلام ، ومن الممكن أن يكون الإمام عليه السلام يجتنب عمّا يلاقي بدنها مع الرطوبة ، ومن الممكن أنّها كانت تخدمه عليه السلام في غير المطاعم والمشارب والملابس ، كلّ ذلك مع احتمال أنّ الإمام عليه السلام كان مضطرّا في معاشرتها ، فليس كونها كذلك دليلا على إمضائه عليه السلام طهارتها وتقريره عليه السلام لها.
وأمّا قوله عليه السلام « لا بأس تغسل يديها » فلأجل أنّ المحذور في نظر الراوي كان عدم اغتسالها عن الجنابة وعدم التوضّأ عن النجاسات ـ أي الاستنجاء ـ فأجابه عليه السلام بذلك الجواب بأنّ ذلك المحذور يرتفع بأن تغسل يديها.
وأمّا في الثانية : فلأنّ السؤال في الحقيقة عن حكم الشكّ خصوصا في الخيّاط ، لأنّه في الخيّاط من الممكن بل هو الغالب عدم ملاقاة الثوب مع بدن الخياط مع رطوبة أحدهما.
وأمّا القصّار وإن كان يلاقي بدنه الثوب لا محالة ، لكن السؤال عن تنجّسه بواسطة عدم التوضّأ عن بوله ، فكأنّه عدم نجاسته الذاتيّة كان مفروغا عند السائل ويسأل عن تنجّس الثوب الذي يغسله بواسطة وصول النجاسة العرضيّة من طرف بوله وعدم التوضّأ إلى ذلك الثوب ، ومعلوم أنّ وصول تلك النجاسة العرضيّة إلى الثوب الذي يغسله مشكوك ، ولذلك لو كان القصّار مسلما لا يتوضّأ عن بوله لا نحكم بنجاسة الثوب الذي يغسله وإن كان غسله بالماء القليل.
نعم يأتي إشكال آخر ، وهو أنّه عليه السلام لما ذا لم يردعه عن اعتقاده بطهارة الكتابي ، بل قرّره على ذلك بقوله عليه السلام « لا بأس ».
ويمكن أن يجاب عنه : بأنّ تقريره عليه السلام له لعلّه من جهة التقيّة ، وذلك من جهة أنّ تلك الأعصار كانت أعصار تقيّة لغلبة سلاطين الجور ، فكان الحكم الواقعي يخفى على أغلب الرواة ، ومع ذلك لا يردعهم الإمام عليه السلام إمّا خوفا على نفسه ، وإمّا خوفا عليهم ، ولذلك ترى أنّ إبراهيم بن أبي محمود يسأل عن النجاسة العرضيّة لجهله بالنجاسة الذاتيّة ، والإمام عليه السلام لا يردعه عن ذلك خوفا عليه أو لجهة أخرى.
منها : حسنة الكاهلي قال : سئل الصادق عليه السلام وأنا عنده عن قوم مسلمين وحضرهم رجل مجوسي ، أيدعونه إلى طعامهم؟ قال : « أما أنا فلا أدعوه ولا أؤاكله ، وإنّي لأكره أن أحرّم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم » (32).
وقد تقدّم الكلام في هذه الرواية وأنّها أظهر في نجاستهم من ظهورها في الطهارة ، وأنّ عدم بيان الحكم الواقعي لهم من جهة الخوف عليهم لكثرة البانين على طهارتهم في بلادهم.
منها : صحيح معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الثياب السابريّة يعملها المجوس وهم أخباث ، وهم يشربون الخمر ، ونسائهم على تلك الحال ألبسها ولا أغسلها وأصلّي فيها؟ قال : « نعم ». قال معاوية : فقطعت له قميصا وخططته وفتلت أزرارا ورداء من السابري ، ثمَّ بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار ، فكأنّه عرف ما أريد فخرج بها إلى الجمعة (33).
والخدشة في هذه الصحيحة بنفس ما حدّثنا به صحيحة إبراهيم بن أبي محمود الثانية ، فلا نعيد فالسؤال عن النجاسة العرضيّة وهي مشكوكة ، بل هاهنا تنجّسه من قبل النجاسة أيضا مشكوكة ، فلا تقرير في البين.
منها : صحيح ابن سنان قال : سأل أبي أبا عبد الله عليه السلام وأنا حاضر : أنّي أعير الذمّي ثوبي وأنا أعلم أنّه يشرب الخمر ، ويأكل لحم الخنزير فيردّه عليّ فاغسله قبل أن أصلّي فيه؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : « صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ، ولم تستيقن أنّه نجّسه ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أنّه نجّسه » (34).
وهذه الصحيحة أيضا كما ترى سؤال عن النجاسة العرضيّة في مورد الشكّ ، فلا دلالة لها في ما هو محلّ البحث. نعم هذا التعليل يكون دليلا على حجّية الاستصحاب وأجنبيّ عن محل بحثنا.
منها : رواية زكريّا بن إبراهيم قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت : إنّي رجل
من أهل الكتاب وإنّي أسلمت وبقي أهلي كلّهم على النصرانيّة وأنا معهم في بيت واحد لم أفارقهم ، فآكل من طعامهم؟ فقال عليه السلام لي : « يأكلون لحم الخنزير؟ » فقلت : لا ، ولكنّهم يشربون الخمر ، فقال لي : « كل معهم واشرب » (35).
وأنت خبير بأنّ قوله عليه السلام « كل معهم واشرب » مع اعتراف السائل بأنّهم يشربون الخمر ظاهر في التقيّة ، لأنّ الخمر طاهر عندهم بخلاف لحم الخنزير ، ولذلك سئل عليه السلام عن أكلهم لحم الخنزير ، فلو كان جوابه أنّهم يأكلون ، لم يكن مورد التقيّة.
ولكن السائل حيث نفى ذلك واعترف بأنّهم يشربون الخمر والخمر عندهم طاهر حكم بجواز الأكل والشرب معهم تقيّة ، إذ المنع عن الأكل والشرب معهم لا بدّ وأن يكون لأحد أمرين : إمّا لنجاستهم ذاتا ، أو لكون الخمر نجسا ، فإذا شربوا يتنجّسون. وكلاهما مخالفان للتقيّة ، لأنهم لا يقولون بنجاسة أهل الكتاب ولا بنجاسة الخمر ، فلو كان عليه السلام بصدد بيان الحكم الواقعي فلا بدّ له من الحكم بعدم جواز الأكل والشرب معهم ، لا الجواز ، فمعلوم أنّ حكمه بجواز الأكل والشرب معهم ليس حكما واقعيّا ، فلا يستكشف من حكمه هذا طهارتهم.
منها : موثّق عمّار ، عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنّه يهوديّ؟ فقال : « نعم ». فقلت : من ذلك الماء الذي يشرب منه؟ قال عليه السلام : « نعم » (36).
ولكن يمكن أن يقال : لعلّ حكمه عليه السلام بجواز التوضي عن ذلك الماء الذي شرب منه اليهودي مبني على عدم انفعال ماء القليل بملاقاة النجاسة ، فيكون سياق هذه الموثقة سياق الروايات التي تدلّ على عدم انفعال ماء القليل بملاقاة النجس أو النجاسة.
وأمّا الرواية الواردة (37) في تغسيل النصراني للرجل المسلم إذا لم يكن مماثلا للميّت المسلم أو ذات محرم مسلمة ، وكذلك تغسيل النصرانيّة للمرأة المسلمة إن لم يكن مماثلة مسلمة أو محرم عن الرجال.
ففيها أوّلا : يمكن أن تكون هذه الرواية أيضا من الروايات التي تدلّ على عدم انفعال ماء القليل بملاقاة النجاسة.
وثانيا : أنّه يمكن تغسيله بصبّ الماء من إبريق ـ مثلا ـ من دون ملاقاة بدنه لبدن الميّت.
وثالثا : يمكن أن يكون تغسيله بالماء الكثير.
وخلاصة الكلام : أنّ هذه الروايات جميعها لا يخلو من المناقشات في دلالتها على طهارة أهل الكتاب ، ولو سلّمنا ظهور بعضها أو جميعها في ذلك وخلوها عن المناقشات فأيضا لا يصحّ الاستدلال بها ، بل لا بدّ من طرحها وعدم الاعتناء بها.
بيان ذلك : أنّ عمدة الدليل على حجّية خبر الواحد هو بناء العقلاء ، والأخبار التي تدلّ على ذلك يكون مفادها هو إمضاء ذلك البناء. وذكرنا المسألة مشروحا مفصّلا في كتابنا « منتهى الأصول ». (38) ولا شكّ في أنّ بناء العقلاء على حجّية خبر موثوق الصدور ، وأمّا إذا لم يثقوا بصدوره فلا يرون حجيّته ، وإن كان الراوي إماميّا ثقة عدلا.
نعم أحد أسباب الوثوق بالصدور كون الراوي ثقة إن لم يعارضه جهة أخرى ، ولا شكّ في أنّ إعراض قدماء الأصحاب عن رواية وعدم العمل بها مع كونها بمرأى منهم ومضبوطة في كتبهم ، ووصلت إلينا بواسطتهم ، ومع تعبّدهم بالعمل بالأخبار وعدم الاعتناء بالاستحسانات والظنون التي ليس على حجّيتها دليل عقلي أو نقلي.
حتّى أنّ جماعة منهم ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ كانت فتاويهم بعين ألفاظ الرواية حذرا من أن يكون ظاهر لفظ فتواه غير ما هو ظاهر ألفاظ الرواية ، ولذا اشتهر عنهم أنّ عند إعواز النصوص يرجع إلى فتاوى عليّ بن بابويه وذلك لأنّ فتاواه كانت بعين ألفاظ الرواية.
فمع هذا التعبّد الشديد بالعمل بالروايات الموثوق صدورها إن أعرضوا عن العمل برواية مع عدم إجمالها وظهورها وصحّة سندها ، فيستكشف من إعراضهم وعدم عملهم بها أنّهم رأوا خللا في صدورها ، أو جهة صدورها ، فيوجب إعراضهم عنها عدم حصول الوثوق بصدورها أو جهة صدورها.
وهذا بعد تماميّة ظهورها وعدم إجمالها فتسقط عن الحجيّة التي موضوعها الوثوق بصدورها ، وجهة صدورها ، بعد تماميّة ظهور الرواية ، لأنّ الحجّية متوقّفة على هذه الأمور الثلاثة : الوثوق بصدورها ، والوثوق بجهة صدورها ، وعدم خلل في ظهورها.
وإلى هذا يرجع ما اشتهر في ألسنتهم في مورد إعراض الأصحاب عن خبر أنّه « كلّما ازداد صحّة ازداد وهنا » وهذا معنى أنّ الإعراض كاسر للسند القوي ، وأنّ عمل الأصحاب جابر للسند الضعيف.
إذا عرفت ذلك ، فنقول :
إنّ إجماع علماء الإماميّة وفقهائهم ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ إلاّ الشاذّ ممّن لا يعتنى بخلافهم ، كابن الجنيد (39) من الصدر الأوّل إلى زماننا هذا على نجاسة أهل الكتاب ، حتّى أنّها صارت شعارا للإماميّة ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ ويعرفها نساؤهم وصبيانهم ، بل هم ـ أي أهل الكتاب ـ يعرفون هذه الفتوى منهم.
فمع هذا الإعراض لا يبقى وثوق بصدور هذه الروايات ، أو وإن كانت صادرة فليست لبيان حكم الله الواقعي ، بل صدرت تقيّة وخوفا من اشتهارهم بمذهب خاصّ وطريقة مخصوصة على خلاف سائر الفقهاء ، ولخوف الأئمّة : من أن يكون لهم ولأصحابهم مسلك خاصّ في الفقه وفتاوى مخصوصة بهم : ولذلك كانوا يلقون الخلاف بين أصحابهم كي لا يتميّزون ولا يعدّون طائفة خاصّة منسوبين إليهم .
والسرّ في ذلك : عدم خوف الفقهاء من التفرّد في الفتوى ، لأنّ سلاطين الوقت قد علموا بأنّهم لا يدّعون الإمامة والخلافة ، ولم يكونوا في معرض هذا الأمر ، ومراجعة الناس إليهم كان صرف تقليد لهم في المسائل الشرعيّة والأحكام الدينيّة ، بخلاف الأئمّة : فإنّهم كانوا في معرض هذا الأمر ، ورجوع الناس إليهم لم يكن بعنوان تعلّم الحكم الشرعي والمسألة الفقهيّة فقط ، بل كان بعنوان أنّهم أئمّة معصومون مفترضوا الطاعة ، ولذلك كانوا يخافون من التفرّد في الفتوى ، والتميّز عن فتاوى سائر الفقهاء.
إذا عرفت ذلك ، فنقول : في كلّ مورد كان أصحابنا القدماء متّفقين على فتوى مخالفا لفتاوي سائر الفقهاء ، وصدرت عنهم : أخبار موافقة لفتاوي سائر الفقهاء ، فليست تلك الأخبار حجّة وإن كانت معلوم الصدور ، فضلا عمّا لا يكون كذلك ، لأنّ أصالة جهة الصدور أصل عقلائي ، والدليل على حجّيتها بناء العقلاء ، إذ بناء العقلاء على أنّ كلّ متكلّم إذا تكلّم بكلام يكون بصدد بيان مراده ومقصوده ، وتشخيص مراده من كلامه يكون بأصل عقلائي آخر ، وهو أصالة الظهور.
ولكن في مثل المقام لا تجري ذلك الأصل العقلائي ، أي : أصالة جهة الصدور ، وذلك من جهة أنّه بعد ما علم أنّ المتكلّم يخاف من التفرّد والتميّز ، فلو تكلّم بكلام موافق لهم مع أنّ أصحابه كلّهم يفتون بخلافهم ، فلا تجري أصالة جهة الصدور ، لعدم بناء العقلاء في مثل هذا المورد.
بل يحصل القطع غالبا بعدم كونه لبيان حكم الله الواقعي وإن لم يحصل القطع لشخص ، فأصالة جهة الصدور لا تجري قطعا ، وبدون جريانها لا حجّية لتلك الروايات قطعا ، لما ذكرنا أنّ حجّية الأخبار غير القطعيّة متوقّفة على جريان هذه الأصول العقلائيّة الثلاثة : أصالة الصدور ، وأصالة الظهور ، وأصالة جهة الصدور.
وليس المقام من ترجيح أحد المتعارضين بمخالفة العامّة كي يقال بأنّ هذا الترجيح بعد ثبوت التعارض واستقراره ، وثبوت التعارض واستقراره بعد فقد الجمع الدلالي ـ أي العرفي ـ وعدم إمكانه.
وفيما نحن فيه الجمع الدلالي العرفي ممكن بحمل الأخبار التي مفادها نجاستهم والنهي عن مؤاكلتهم وأكل طعامهم وشرب سؤرهم وغير ذلك على الكراهة ، وأخبار الطهارة على الجواز ، فيرتفع التعارض من البين.
وذلك لما قلنا من سقوط أخبار الطهارة عن الحجّية ، وإن لم تكن أخبار النجاسة في البين أصلا ، بل كان الصادر منهم : أخبار الطهارة فقط ، لعدم جريان أصالة جهة الصدور في نفسه ، وإن لم يكن معارض في البين.
وبعبارة أخرى : إنّ الخبر تارة يكون بنفسه ظاهرا في التّقية وإن لم يكن له معارض ، وذلك من جهة ظهور أمارات التقيّة عليه ، وأخرى لا يكون كذلك ، بل ليس في البين شيء إلاّ صرف مطابقة مضمونه لفتاويهم ، وهذا الأخير هو الذي يكون من المرجّحات عند التعارض ، وإعمال المرجّحات والترجيح بها وجوبا أو استحبابا كما ادّعاه بعضهم بعد فقد الجمع الدلالي العرفي ، ومع إمكانه ووجوده لا يبقى تعارض في البين كي يحتاج إلى إعمال المرجّحات ، بل ينعدم موضوع الترجيح.
وأمّا الأوّل فموجب لسقوط الحجّية. وإن لم يكن معارض له أصلا ، وذلك لما قلنا إنّ الحجّية متوقّفة على الأصول العقلائيّة الثلاثة التي منها أصالة جهة الصدور ، ومع تلك القرائن على كون صدوره تقيّة لا يجري ذلك الأصل العقلائي.
ولا نقول إنّ تلك الأمارات والظنون حجج شرعيّة على أنّ هذا الخبر صدر تقيّة كي تقول بأنّ تلك الأمارات والظنون المدّعاة في المقام ليست إلاّ ظنون غير معتبرة ، فلا يثبت بها صدوره تقيّة ، بل نقول مع وجود تلك الأمارات التي عمدتها اتّفاق الأصحاب على الإفتاء بخلافها والإعراض عنها وعدم العمل بها مع صحّة سند بعضها وظهورها في الطهارة ، لا يبقى مجال لجريان أصالة جهة الصدور ، وأنّها لبيان حكم الله الواقعي لأنّها أصل عقلائي ولا بناء للعقلاء في مثل المورد ، وإن كان إعراضهم عن الخبر في حدّ نفسه ليس حجّة شرعيّة على صدوره تقيّة.
فما ذكره الفقيه النبيه الهمداني (40) في هذا المقام وقال : فإعراض الأصحاب عنه بالنسبة إليه أمارة ظنيّة لا دليل على اعتبارها ، واضح البطلان ، ثمَّ هو يعترف بأنّه إن أثرت وهنا في الرّواية من حيث السند ـ إلى آخر ما أفاد ـ سقطت عن الحجيّة ولكن لا يؤثّر فيما هو موضوع أصالة الصدور ، لأنّه ليس موضوعه الظنّ الشخصي بالصدور ، بل يكفي وثاقة الراوي.
وهذا الكلام عنه وإن كان في حدّ نفسه لا يخلو عن مناقشة ، ولكن الإشكال عليه من جهة أخرى ، وهو أنّ كلامنا الآن في عدم جريان أصالة جهة الصدور مع وجود أمارة التقيّة والظنّ بذلك ، وإن كانت تلك الأمارة وذلك الظنّ غير معتبر في حدّ نفسها.
ولا نقول أيضا بأنّها نقطع بعدم صدور هذه الأخبار لبيان حكم الله الواقعي كي تقول بأنّ القطع حجّة في حقّ نفس القاطع لا غيره ، بل نقول بعدم جريان ذلك الأصل العقلائي والحجيّة متوقّفة عليه.
وأمّا ما أفاده أخيراً بعد كلام طويل وقال : فالحقّ أنّ المسألة في غاية الإشكال. ولو قيل بنجاستهم بالذات ، والعفو عنها عند عموم الابتلاء أو شدّة الحاجة إلى معاشرتهم ومساورتهم ، أو معاشرة من يعاشرهم ، لمكان الحرج والضرورة كما يؤيّده أدلّة نفي الحرج ، لم يكن بعيدا إلى آخر ما قال وأفاد .
ففيه أوّلا : ما عرفت أنّ المسألة لا إشكال فيها. وأمّا قوله بالعفو لأدلّة الحرج فقد بيّنّا في قاعدة الحرج من هذا الكتاب أنّ لقاعدة الحرج والضرر حكومة واقعيّة على أدلّة الأحكام الواقعيّة ، بمعنى رفع الحكم الحرجي والضرري واقعا ، فالدليل يدلّ على ثبوت حكم واقعي لموضوع من الموضوعات ، بعمومه أو إطلاقه يشمل أيّ حكم كان ، حرجيا أو غير حرجي ، ولكن القاعدة مفادها ارتفاع ذلك الحكم عن صفحة التشريع إن كان حرجيّا بالنسبة إلى أيّ شخص من الأشخاص.
مثلا مفاد قوله تعالى { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ } [المائدة: 6] هو وجوب الوضوء على كلّ واحد من أفراد المؤمنين ، سواء كان حرجيّا في حقّ شخص أو لم يكن ، ولكن قاعدة الحرج توجب رفع الوجوب الحرجيّ عن كلّ شخص كان الوجوب حرجيّا في حقّه ، ولكن النفي بلسان نفي المحمول ، والمحمول على الوضوء هو الوجوب ، فالنتيجة أنّ الوجوب الحرجيّ لم يجعل في الدين ، ولكن الحرج حرج شخصيّ.
وبعبارة أخرى : مفاد القاعدة أنّ الحكم الحرجي في حقّ أي شخص كان ليس بمجعول في الدين ، فلا بدّ وأن يكون شخص ذلك الحكم المرفوع حرجيّا ، فيمكن أن يكون حرجيّا في حقّ شخص دون شخص آخر ، وفي وقت دون وقت آخر ، فليس كونه حرجيّا نوعا موجبا لارتفاعه عن كلّ شخص ، وإن لم يكن حرجيّا في حقّه.
نعم قد يكون الحرج منشأ لجعل حكم ، ولكن ذلك لا يثبت بدليل الحرج ، بل يحتاج إلى دليل آخر.
إذا عرفت ذلك ، فنقول : إذا كان ترك المؤاكلة أو المساورة معهم حرجيّا بالنسبة إلى شخص ، فيرتفع حرمتهما عن ذلك الشخص دون الآخرين الذين ليس تركهما لهم حرجيّا ، وهذا ليس تفصيلا في المسألة ، بل هذه القاعدة تجري في جميع الأحكام الشرعيّة إلاّ في الأحكام التي يكون موضوعها حرجيّا دائما ، مثل الجهاد مثلا.
وأمّا إنّ أراد بارتفاع الحرمة وعدم لزوم الاجتناب عنهم ارتفاعها مطلقا ، ولو لم يكن بالنسبة إليه حرجيّا للحرج النوعي ، فيحتاج إلى دليل يدلّ على ذلك ، وليس شيء هاهنا ومن هذا القبيل ، بل يجب الاجتناب عمّا لاقى بدنهم بالرطوبة إلاّ أن يكون الاجتناب بالنسبة إلى خصوص شخص حرجيّا ، وهذا لا اختصاص له بالكافر ، بل إذا كان الاجتناب عن أيّ نجس بالنسبة إلى أيّ شخص حرجيّا بالخصوص فلا يجب الاجتناب ، بناء على جريان القاعدة في المحرّمات أيضا مثل الواجبات ، على إشكال في ذلك خصوصا في الكبائر.
فالتمسّك بقاعدة الحرج لإثبات طهارتهم ، أو العفو عن لزوم ترتيب آثار النجاسة مع ملاقاتهم بالرطوبة ، أو استعمال ما لاقاهم بالرطوبة فيما يشترط فيه الطهارة كالأكل والشرب إذا كان الملاقي لهم من المأكولات والمشروبات ، أو الصلاة فيه إذا كان من الثياب مثلا لا وجه له أصلا ، وقاعدة الحرج أجنبيّة عن هذا المقام.
وأمّا الاستدلال لطهارة أهل الكتاب بآية { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] بأن يقال : قوله تعالى ( طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ) مطلق يشمل ما باشروه بالرطوبة وما لم يباشروه ، فإذا كان ما باشروه مع الرطوبة حلالا فلا بدّ من القول بطهارتهم ، وإلاّ لو كانوا نجسين فما باشروه مع الرطوبة يصير نجسا فيكون أكله حراما لحرمة أكل النجس ، فحلّيته مطلقا تكون ملازمة مع طهارتهم.
وفي هذا الاستدلال جهات من الإشكال :
الأوّل : أنّ الطعام حسب نقل أهل اللغة إمّا خصوص البرّ ، أو مع الشعير ، أو الحبوب جميعا ، أو بإضافة البقول ، فهذه الكلمة وإن كانت في أصل اللغة تستعمل في كلّ ما يطعم به ، ولكن عند العرف تستعمل في المذكورات ، فتكون من قبيل المنقول العرفي كلفظ الدابة والغائط ، والمناط في باب تشخيص الظهورات هو الفهم العرفي ، والمعاني المذكورة أجنبيّة عن الاستدلال ، إذ مبناه على كون الطعام يشمل مطلق ما يطعم به من المطبوخ وغير المطبوخ كي يكون شاملا لما يباشره الكتابي مع الرطوبة في مقام الأكل أو الطبخ.
الثاني : تفسيره بالحبوب المروي عن الأئمّة المعصومين : في أخبار كثيرة (41).
الثالث : أنّ المراد بالحلّية هي أن طعامهم من حيث انتسابه إليهم وكونه ملكا لهم ليس محرّما عليكم ، فالآية في مقام دفع توهّم الحظر ، كما أنّ قوله تعالى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] أيضا في المقام دفع توهّم الحظر ، فكأنّهم كانوا يحتملون حرمة المبايعة والمعاملة معهم ، وأنّ أجناسهم من حيث الانتساب إليهم حرام عليهم مع أنّها من الطّيبات ، فلا ينافي هذا المعنى كونها محرّمة من جهة حرمتها في نفسه كلحم الخنزير مثلا ، أو من جهة نجاستها لملاقاتها لبدنهم مع الرطوبة ، أو لملاقاتها لنجاسة أخرى. ومن هنا نعرف فائدة ذكر حلّية طعام أهل الكتاب مع أنّه من الطيبات.
وأمّا الاستدلال لطهارتهم بأصالة الطهارة في الشبهات الحكميّة ، فهو مع هذا الإجماع القوي والاتّفاق الذي قلّما يتّفق في موارد الشبهات الحكميّة مثله ، وتلك الأخبار التي مرّت عليك والآية الشريف {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ } [التوبة: 28] لا يخلو عن غرابة.
ثمَّ إنّه بعد الفراغ عن دلالة الأدلّة المتقدّمة على نجاستهم ، فالظاهر شمول هذا الحكم لجميع أجزاء بدنهم ، سواء كانت ممّا تحلّه الحياة أو لم تكن ، كالكلب والخنزير.
وذلك من جهة أنّ الدليل إذا دلّ على نجاسة الكتابي أو بعناوين اليهود والنصارى والمجوس أو المشرك ، فظاهره أنّ بدن هؤلاء نجس ، لأنّ النجاسة الخبثيّة من عوارض الجسم ، ولو كان معروضها خصوص عضو ، أو كان بعض الأجزاء أو الأعضاء خارجا عنه. ولم يكن معروضا للنجاسة لكان عليه البيان ، وإذ ليس فاللفظ يشمل البدن بجميع أعضائه وأجزائه ، سواء كانت ممّا تحلّه الحياة أو لم تكن.
هذا ، مضافا إلى إطلاق معقد الإجماع على نجاستهم وعدم تفريقهم بين القسمين.
وأمّا ما يقال من مخالفة السيّد لهذا الإجماع المدّعى في المقام ، لأنّه يقول هناك بعدم نجاسة شعر الخنزير.
ففيه أوّلاً : لا ملازمة بين المقامين ، لأنّه من الممكن أن يكون شعر الخنزير طاهرا ويكون شعر الكافر نجسا ، كما أنّ شعر الكلب نجس.
وثانياً : قوله بطهارة شعر الخنزير لوجود رواية على جواز جعله حبلا والاستقاء به ، وهو مخصوص بمورده ، مع أنّ هذا الاستنباط لا يخلو عن إشكال ، إذ لا ملازمة لا عقلا ولا شرعا ولا عرفا بين جواز جعله حبلا مع طهارته.
وثالثاً : مخالفته لا يضرّ بتحقّق الإجماع.
وأمّا استشكال صاحب المعالم (42) في نجاسة ما لا تحلّه الحياة من أجزاء بدن الكافر وأعضائه ، بأنّ قياس الكافر على الكلب والخنزير ليس في محلّه ، لأنّ الحكم في الكلب والخنزير على المسمّى وعلى هذين العنوانين ، فيشمل جميع أجزائهما. وأمّا في الكافر فليس الأمر كذلك ، لأنّ دلالة الآية ضعيفة ، والأخبار لا تدلّ على نجاسة هذا العنوان ، فلا دليل على نجاسة أجزائه التي لا تحلّها الحياة ، والإجماع دليل لبّي لا إطلاق له.
ولكن قد عرفت دلالة الآية والأخبار على العناوين المذكورة ، مضافا إلى إطلاق معقد الإجماع.
وأمّا أولاد الكفّار غير البالغين فبناء الأصحاب على نجاستهم ، ويظهر عن كلام جماعة أنّهم ادّعوا الإجماع عليه.
واستدلّوا على ذلك بأمور :
الأوّل : الإجماع.
الثاني : السيرة المستمرّة من المتديّنين الملتزمين بالعمل بأحكام الدين على معاملة آبائهم.
والإنصاف أنّ هذه السيرة ممّا لا يمكن أن ينكر وجودها وتحقّقها ، بل البحث عن نجاستهم وعدم نجاستهم مخصوص بالكتب العلميّة ، وإلاّ فالمرتكز في أذهان المسلمين أنّ حالهم حال آبائهم في النجاسة وعدمها ، ولا يخطر ببالهم خلاف هذا.
الثالث : التبعيّة في النجاسة والطهارة.
وفيه : أنّ التبعيّة في الحكم يحتاج إلى دليل ، وإلاّ لا وجه لإسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر بناء على عدم صدق عنوان الكافر على أولادهم ، وإلاّ لو صدق لا تصل النوبة إلى الاستدلال بالتبعيّة ، بل يشملهم أدلّة نجاسة الكفّار مثل شمولها لآبائهم ، من دون احتياج إلى التبعيّة.
وأمّا التمسّك على تبعيّتهم لآبائهم بالسيرة ، فهذا عدول عن هذا الدليل إلى دليل آخر.
الرابع : أنّهم كفّار فيشملهم أدلّة نجاسة الكفّار من الآيات والروايات والإجماع والسيرة.
وتوضيح هذا المطلب يحتاج إلى بيان معنى الكافر ، والمشرك ، واليهود ، والنصارى ، والمجوس ، أي العناوين الواردة في الآيات والروايات ومعاقد الإجماعات ، فنقول : إن كان الكفر بمعنى صرف عدم الاعتقاد بنبوّة نبيّنا صلى الله عليه واله وما جاء به ، وبعبارة أخرى : عدم الاعتقاد بأصول دين الإسلام ، كي يكون التقابل بينه وبين الإسلام تقابل السلب والإيجاب ، فأولاد الكفّار كافرون لأنّهم لا يعتقدون بالعقائد الإسلاميّة ، مميّزهم وغير مميّزهم.
وأمّا إن كان بمعنى عدم الاعتقاد في الموضوع القابل ، كي يكون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة ـ وهو الصحيح ـ فلا يمكن أن يقال بكفر الطفل غير المميّز ، لعدم قابليّته لهذا الاعتقاد.
اللهمّ إلاّ أن يقال بصحّة إطلاقه على الطفل المميّز القابل لهذا الاعتقاد ، وثبوت الحكم في سائر الأطفال بعدم القول بالفصل.
الخامس : استصحاب نجاسته حينما كان في بطن أمّه ، خصوصا قبل ولوج الروح فيه ، لأنّه قبل ولوج الروح هو يعدّ جزء أجزاء أمّه كسائر ما في احشائها من أعضائها الباطنيّة.
وفيه : أوّلا : كونه جزءا منها بحيث يكون نجسا كسائر أعضائها الباطنيّة مشكل ، وعلى تقدير كونه كذلك فاستصحاب بقائها أيضا لا يخلو من إشكال ، للشكّ في بقاء الموضوع بعد الولادة والانفصال.
السّادس : الروايات :
منها : صحيحة ابن سنان ، سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث؟ قال عليه السلام : « كفّار ، والله أعلم بما كانوا عاملين يدخلون مداخل آبائهم » (43).
فصرّح عليه السلام بأنّهم كفّار.
وأمّا الإشكال على دلالة هذه الرّواية بأنّها واردة في مقام بيان حالهم بعد الموت ، وأنّهم يعاقبون أم لا؟ فلا دخل لها بنجاستهم في حال الحياة.
فعجيب ، لأنّ جهة الاستدلال بهذه الرواية ليست باعتبار أنّهم يعاقبون بعد الموت أم لا كي يرد هذا الإشكال ، بل جهة الاستدلال بها هي حكمه عليه السلام بأنّهم كفّار ، ولا شكّ في أنّ كفرهم ليس باعتبار كونهم بعد الموت كذلك ، وذلك لوضوح أنّ من ليس بكافر حال الحياة لا يصير كافرا بعد الموت.
فالإنصاف : أنّ الرواية تدلّ على أنّهم كفّار في حال الحياة ، فقهرا يترتّب على هذا العنوان حكمه ، أي النجاسة. فظاهر الرواية أنّ كونهم كافرين حكم ظاهري ، لعدم العلم بحالهم والله يعلم بما كانوا يعملون بعد بلوغهم ، وظاهر حالهم أنّهم يدخلون مداخل آبائهم في اعتقاداتهم ، كما هو المعهود من أغلب الطوائف والأمم.
منها : خبر حفص بن غياث ، سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب ، فظهر عليه المسلمون بعد ذلك؟ فقال عليه السلام : « إسلامه إسلام لنفسه ولولده الصغار ، وهم أحرار وولده ومتاعه ورقيقه له ، فأمّا الولد الكبار فهم فيء للمسلمين ، إلاّ أن يكونوا أسلموا قبل ذلك » (44).
وهذه الرواية وإن دلّت على تبعيّة ولد الصغار لآبائهم في الإسلام ، ولكن إسراء تبعيّتهم في الإسلام إلى تبعيّتهم في الكفر يكون قياسا رديئا ، لأنّ من الممكن أن يكون الإسلام لشرافته يؤثّر في إسلام أولاده الصغار ، وأمّا الكفر حيث ليس له شرافة يقف على نفسه ولا يستتبع أولاده كما أن ولادة الطفل لو صار في حال إسلام أحد أبويه يستتبعه في الطهارة ، فهذه الرواية أجنبيّة عن محلّ بحثنا.
وأمّا استدلال الإيضاح (45) في محكي مفتاح الكرامة لكفرهم بقوله تعالى : {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27] فلا وجه له أصلا ، لأنّ ظاهر الآية الشريفة أنّ نوحا عليه السلام بعد تلك الدعوة الطويلة وعدم إجابتهم يأس من قبولهم الإيمان ، أو يلدوا من يقبل الإيمان بعد بلوغه ، أو أخبره الله تعالى بأنّهم لا يلدون من يقبل الإيمان بعد بلوغهم ، كما احتمله في تفسير مجمع البيان ، (46) ولذلك دعا عليهم وقال هذا الكلام.
وقال في مجمع البيان : والمعنى لا يلدوا إلاّ من يكون عند بلوغه كافرا. وربما يؤيّد هذا المعنى ذكر فاجرا قبل ذكر كفرهم ، بناء على أن يكون الفجور هاهنا بمعنى الزنا ، كما هو أحد معانيه المشهورة.
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّه لا دليل على نجاسة أولاد الكفّار غير البالغين إلاّ السيرة التي تقدّم ذكرها ، والحكم بأنّهم كفّار في صحيحة ابن سنان.
وأمّا خبر وهب بن وهب عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « أولاد المشركين مع آبائهم في النار ، وأولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة » (47).
وكذلك الخبر الآخر : « فإمّا أطفال المؤمنين ، فإنّهم يلحقون بآبائهم ، وأولاد المشركين يلحقون بآبائهم ، وهو قول الله عزّ وجلّ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [الطور: 21] (48). فدلالتهما على نجاسة أولاد الكفّار لا يخلو من نظر وتأمّل.
هذا حال أولاد الكفّار الذين هم غير بالغين المعلوم أنّهم أولاد الكفّار.
وأمّا اللقيط الذي لا يعلم أنّه من أولاد المسلمين أو الكفّار ، فإن وجدت حجّة وأمارة شرعيّة على أنّه من أولاد إحدى الطائفتين يلحقه حكمها ، وإلاّ فمقتضى الأصل هي الطهارة.
وأمّا بالنسبة إلى غيرها من سائر الأحكام ، فكلّ حكم كان الإسلام تمام موضوعه أو جزئه أو شرطه فلا يترتّب عليه ، للزوم إحراز الموضوع. وليس ما يحرزه في المقام إلاّ ما توهّم من كونه في بلد أو مكان يغلب عليه المسلمون ، أو التمسّك بقوله صلى الله عليه واله : « كلّ مولود يولد على الفطرة » (49).
أمّا الأوّل : أي كون الغالب فيه المسلمون ، وإن ورد ما يدلّ على أنّه أمارة التذكية ، ولكن إثبات أماريّته مطلقا بحيث يثبت به إسلامه أشبه بالقياس ، إذ لا دليل عليه بالخصوص ، وإسراء أماريّته على التذكية بكونه أمارة على الإسلام مرجعه إلى القياس الذي لا نقول بحجيّته.
وأمّا الثاني : فمعناه أنّ المولود بحسب خلقته الأصليّة وما فطره الله عليه يولد غير مائل عن الحقّ ، وغير مائل عن الطريق المستقيم ، وغير معاند للحقّ خاليا عن التعصّب وعن الأخلاق الرذيلة ، وإنّما أبواه يحدثان فيه هذه الأمور ، فحبّ أخذ طريقة الآباء أمر عارضي فيهم حدث من تربية أبويه ، فلا يدلّ أنّ الولد مسلم حتّى يثبت خلافه. وبعبارة أخرى : لا يدلّ على أنّ في مورد الشكّ في إسلامه يحكم بإسلامه حتّى يثبت خلافه.
هذا ، مضافا إلى أنّ الولد في ابتداء تولّده ليس قابلا لأن يكون مسلما بالمعنى الحقيقي ، لأنّه عبارة بذلك المعنى من اعتقادات مخصوصة ، والولد غير قابل لذلك ، فهو ليس بمسلم حقيقة ، وإنّما الكلام في أنّه بحكم الإسلام أم لا ، وهذه الرواية أجنبيّة عن هذا المعنى.
وأمّا ما تمسّك به الشيخ لإسلام الطفل المشكوك بقوله صلى الله عليه واله « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (50).
ففيه : أنّ ظاهر هذه الجملة إن كانت إنشاء وفي مقام التشريع كما هو الظاهر هو أنّه بعد الفراغ عن إسلام شخص وأنّه مسلم يعلو على غير المسلم في عالم التشريع ولا يعلو غير المسلم عليه ، مثلا لا مانع من أن يكون هو مالكا أو زوجا لغير المسلم ، ولكن لا يمكن أن يكون غير المسلم زوجا أو مالكا له ، إلاّ أن يأتي دليل مخصّص لهذا العموم في القضيتين : أي جملة « الإسلام يعلو » وجملة « الإسلام لا يعلى عليه » ، وأنت خبير أنّ مثل هذا المعنى حكم بعد الفراغ عن ثبوت الموضوع ، فلا يمكن إثبات الموضوع ـ أي الإسلام ـ حكما أو موضوعا به.
وأمّا إن كانت إخبارا كما هو خلاف الظاهر ، فلا بدّ وأن تحمل إمّا على الآخرة ، أي في الآخرة يعلو الإسلام على الكفر ، لأنّ الكفّار في الآخرة يصيرون أذلاّء صاغرين ، أو تحمل على الدليل والبرهان ، أي الإسلام في مقام الدليل والبرهان يغلب على سائر الأديان الباطلة الحقّة المنسوخة إن تحمل على آخر الزمان بعد ظهور المهديّ عجل الله تعالى فرجه ، كلّ ذلك لأجل أن لا يلزم الكذب في كلامه صلى الله عليه واله حاشاه.
وعلى كلّ واحد من التقديرين لا ربط له بمسألة كون اللقيط المشكوك محكوما بالإسلام موضوعا أو حكما.
وأمّا أولادهم الصغار المسبيّون الذين سباهم المسلمون ، فلا يخلو الحال إمّا هم مع أبويهم أو أحدهما ، وإمّا هم وحدهم. فإن كانوا مع أبويهم أو مع أحدهما ، فالظاهر هو إلحاقهم بهما على إشكال فيما إذا كانوا مع أمّهم وحدها ، وذلك لشمول السيرة المدّعاة على إلحاقه بالسابي لمثل هذا المورد أيضا. وأمّا إذا كانوا وحدهم ، فالظاهر هو اتّفاق الأصحاب وتسالمهم على إلحاقه بالسابي وطهارته ، لعدم شمول إطلاقات أدلّة نجاسة الكفّار لمثل المقام ، ولا أدلّة تبعيّة الصغار لآبائهم الكفّار له ، فيكون المرجع هي أصالة الطهارة بعد ما لم يكن دليل على نجاستهم.
اللهمّ إلاّ أن يقال باستصحاب نجاستهم قبل السبي ، بناء على عدم تغيّر الموضوع وأن لا يكون موضوع الإلحاق بآبائهم مقيّدا بما إذا كانوا معهم ، ولكن على فرض جريان هذا الاستصحاب وصحّته تكون السيرة المدّعاة على تبعيّته للسابي حاكمة على هذا الاستصحاب ، فالعمدة في هذا المقام هو تحقّق هذه السيرة وعدمه.
وأمّا أولاد الكفّار الذين بلغوا وهم مجانين :
فربما يتوهّم طهارتهم لأجل ارتفاع التبعيّة بالبلوغ ، وعدم صدق الكافر عليهم ، وإن كان الكفر على ما هو الحقّ عندي عبارة عن عدم الاعتقاد بالمبدإ والمعاد ونبوة نبيّنا صلى الله عليه واله وحقّية ما جاء به ، فهو معنى عدمي ، ولكن ذلك العدم لا بدّ وأن يكون في موضوع قابل ، ولذلك لا يقال للجمادات والنباتات والحيوانات كفرة مع عدم اعتقادها بما ذكرنا قطعا.
وفيه : أنّ ما ذكر وإن كان حقّا ، ولكن هنا وجه آخر لعدم جريان أصالة الطهارة في حقّهم ، وهو أحد الأمور الثلاثة :
إمّا شمول إطلاقات أدلّة نجاسة الكفّار لهم عرفا ، لأنّهم عندهم كفّار ، لا من باب خطائهم في التطبيق كي يقال ليس التطبيق بيد العرف ، فإذا كان تطبيقهم على غير ما هو مصداق حقيقي للمفهوم ، فلا أثر ، بل من جهة أنّ المفهوم عندهم معنى أوسع ، فينطبق على من بلغ مجنونا حقيقة.
ولكن في هذا الوجه تأمّل واضح.
وإمّا قيام السيرة المستمرّة من المتديّنين على الاجتناب عنهم ومعاملة النجاسة معهم. ولكن وجود مثل هذه السيرة المتّصلة بزمانهم : غير معلوم.
وإمّا محكومة بالاستصحاب. ولا شكّ في عدم تغيير موضوع النجاسة عند العرف بدقائق قليلة بعد البلوغ مع ما قبله ، فلا مجال لجريان أصالة الطهارة أصلا.
هذا فيما إذا كان الجنون متّصلا بالصغر وعدم البلوغ ، وأمّا لو جنّ بعد ما بلغ عاقلا ولو بمدّة قليلة ، فلا ينبغي أن يشكّ في نجاسته وعدم جريان أصالة الطهارة في حقّه ، لصدق الكافر عليه في ذلك الزمان الذي كان عاقلا ، وإن كان ذلك الزمان قليلا.
وأنت خبير بأنّه لا فرق بين أن يكون الكافر عشرين سنة عاقلا فيصير مجنونا ، أو كان ساعة عاقلا وصار بعدها مجنونا ، لأنّ المناط فيهما واحد.
نعم لو كان جنونه بعد مدّة الفسحة للنظر بعد أن صار بالغا بدون فاصل ، فبناء على طهارته أيّام الفسحة للنظر والاجتهاد كما هو الصحيح فالظاهر طهارته ، لأنّه بناء على هذا صار طاهرا بعد أن كان نجسا ، فطرأ جنونه على الإنسان الطاهر.
وذلك لأنّ تبعيّته ارتفعت بالبلوغ ، فارتفعت النجاسة التبعية التي كانت فيه بارتفاع علّتها ، أو موضوعها بناء على ما هو الصحيح. والمفروض أنّه في مدّة الفسحة أي النظر والاجتهاد لتشخيص ما هو الحقّ من العقائد والأديان يكون طاهرا وبحكم المسلم ، ثمَّ جنّ بلا فصل فيكون كمسلم جنّ ، لا من باب القياس بل من باب عدم شمول إطلاقات أدلّة نجاسة الكافر له ، فيكون المرجع أصالة الطهارة ، بل لا مانع من جريان استصحاب طهارة زمان الفسحة.
وأمّا أولاد الكفّار من الزنا فأيضا يتبعون آبائهم في النجاسة ، وذلك لأنّ نفي الولديّة عنهم باعتبار الإرث لا مطلقا. وقد بيّنّا (51) في قاعدة الولد للفراش أنّ رسول الله صلى الله عليه واله أمر سودة بنت زمعة بالاحتجاب عن ولد ولد على فراش أبيها زمعة لكثرة شبهها بالزاني (52).
والحاصل : كون الولد المخلوق من ماء رجل ومن بطن امرأة ولدا لها أمر تكويني ، بمعنى أنّ الانتساب بينه وبينها ليس أمرا اعتباريّا ، بل عرض خارجي وله حظّ من الوجود في الخارج ، ولا يرتفع بالرفع التشريعي.
نعم يمكن أن يرفعه الشارع باعتبار آثاره الشرعي ، أي يجعل في عالم الاعتبار التشريعي وجوده كالعدم. ولكن ليس في ولد الزنا دليل ينفي الولديّة باعتبار جميع آثارها ، فيجب ترتيب آثار الولديّة ما عدا الذي يكون النفي باعتباره.
ولذلك لا يجوز للزاني تزوّج بنته من الزنا ، ولا أمّه ولا أخته إذا كانت هذه النسبة حاصلة من الزنا ، فإذا جاء دليل على إلحاق أولاد الكفّار بآبائهم في النجاسة وتبعيّتهم لهم ، فيشمل الولد الذي حصل له من الزنا كما يشمل من لم يكن من الزنا. ولا فرق بين أن يكون الزنا من طرف واحد أو من الطرفين واتضح وجه ذلك.
هذا إذا كان الأبوان كلاهما كافرين ، وأمّا لو كان أحدهما مسلما لا يلحقه هذا الحكم ، لأنّ الولد ملحق بأشرف الأبوين وهو المسلم منهما. هذا معلوم إذا كان الولد شرعيّا ، كما إذا كان الأب مسلما في النكاح الصحيح ، أو كان الوطي من طرف الأمّ المسلمة وطي شبهة. وأمّا إذا كان المسلم الأب ، فالمسلمة التي تكون إمّا زان أو زانية فهل يلحق الولد بالطرف المسلم أيضا ، أم لا؟ الظاهر هو الإلحاق أيضا ، لما تقدّم أنّ النفي ليس إلاّ بلحاظ بعض الآثار لا جميعها.
اللهمّ إلاّ أن يقال النسبة الحاصلة من الزنا ليست لها شرافة كي تكون موجبة للإلحاق بالزاني المسلم ، أو الزاني المسلمة.
ولكن يمكن أن يقال : إنّ الحكم بالطهارة في المفروض ليس من جهة الإلحاق بالمسلم ، بل من جهة أنّ القدر المتيقّن من الإجماع على إلحاق ولد الصغير الكافر به في النجاسة فيما إذا كان الأبوان كافرين ، وأمّا إذا كان أحدهما مسلما فليس إجماع في البين ، وليس دليل لفظي على التبعية كي يؤخذ بإطلاقه ، فيكون المرجع هي أصالة الطهارة ، لا الإلحاق بالمسلم.
هذا ، مضافا إلى إطلاق معاقد الإجماعات فيما إذا كان أحد أبويه مسلما في الحكم بإلحاقه بالطرف المسلم وإن كانت النسبة من الزنا ، فعلى كلّ حال لا ينبغي الشكّ في أنّ الولد إذا كان أحد أبويه مسلما وإن كان من الزنا لا يلحق بالكافر. نعم حكى عن كاشف الغطاء خلاف ذلك ، فقال بإلحاق الولد بالكافر إذا كان الحل من طرفه وكان الزنا من طرف المسلم. وهو محجوج بما ذكرناه ، فلا نعيد.
ثمَّ إنّه بعد ما عرفت أنّ الكافر بجميع أقسامه محكوم بالنجاسة ، يقع الكلام في عناوين أخر وأنّها هل داخلة في عنوان الكافر موضوعا ، أو حكما أو لا هذا ولا ذاك؟
فنختم هذه المسألة ببيان أمور لتوضيح هذا المطلب :
فنقول :
الأمر الأوّل : في منكر الضروري ، وهو من جحد ما ثبت أنّه من الدين ضرورة.
والمراد بثبوته من الدين أنّه لا يحتاج إثبات أنّه من الدين إلى نظر واستدلال ، بل يعرف كونه من الدين كل أحد ، إلاّ أن يكون جديد الإسلام بحيث لا علم ولا اطّلاع له على أحكام الإسلام ولا على عقائده ، أو عاش في بلد بعيد عن بلاد الإسلام ولا تردّد له إلى بلاد المسلمين ، ولا معاشرة له معهم.
ثمَّ إنّه وقع خلاف عظيم بين الفقهاء في أنّ كفر منكر الضروري هل هو لأنّه سبب مستقلّ له تعبّدا ولو لم يكن موجبا لإنكار النبوّة والرسالة ، أو من جهة رجوعه إلى ذلك؟
والمشهور ـ بل ادّعى في مفتاح الكرامة (53) أنّه ظاهر الأصحاب ، وهذه العبارة مشعر بالإجماع ـ هو أنّه سبب مستقلّ.
وقال جماعة أخرى منهم المحقّق الخونساري ، وابنه آغا جمال ، (54) والأردبيلي ، وكاشف اللّثام ، وصاحب الذخيرة (55)، والمحقق القمّي أنّ جحود الضروري ليس بكفر في نفسه ، إلاّ إذا كشف عن إنكار النبوّة.
واستدلّ للقول الأوّل بالإجماع والأخبار التي منها صحيحة الكناني ـ وهي عمدتها ـ عن أبي جعفر عليه السلام قال : قيل لأمير المؤمنين عليه السلام : من شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله صلى الله عليه واله كان مؤمنا؟ قال عليه السلام : « فأين فرائض الله؟ ». قال : وسمعته يقول : كان عليّ عليه السلام يقول : « لو كان الإيمان كلاما لم ينزل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام ». قال : وقلت لأبي جعفر عليه السلام : إنّ عندنا قوما يقولون إذا شهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله صلى الله عليه واله فهو مؤمن؟ قال عليه السلام : « فلم يضربون الحدود؟ ولم تقطع أيديهم؟ وما خلق الله عزّ وجلّ خلقا أكرم على الله عزّ وجل من مؤمن ، لأنّ الملائكة خدّام المؤمنين ، وإنّ جوار الله للمؤمنين ، وإنّ الجنّة للمؤمنين ، وإنّ الحور للمؤمنين ثمَّ قال عليه السلام : فما بال من جحد الفرائض كان كافرا » (56).
وموضع الاستدلال لقولهم بأنّ إنكار الضروري موجب للكفر وإن لم يكن موجبا لتكذيب النبوّة هي الجملة الأخيرة من هذه الرواية ، فكأنّه عليه السلام جعل كفر من يجحد الفرائض من المسلّمات ومفروغا عنه ، فيقول عليه السلام : لو كان صرف قول الشهادتين كافيا في تحقيق الإسلام فلما ذا يكون جاحد الفرائض كافرا؟ فالنتيجة أنّ جاحد الفرائض كافر مع إقراره بالشهادتين ، فمنكر الضروري الجاحد للفرائض ليس كفره من جهة تكذيبه للنبوّة ، بل كافر مع إقراره بالتوحيد والنبوّة.
وفيه : أنّ الجحد هو الإنكار مع العلم. قال في القاموس : جحد حقّه : أنكره مع علمه (57). فلا محالة يكون جاحد الفرائض التي من الضروريّات مكذّبا للنبوّة ، فلا يتمّ الاستدلال. فجحده للفرائض ينقض إقراره ، فيكون كافرا من جهة أنّ إنكار وجوب الفرائض يرجع إلى تكذيب النبيّ صلى الله عليه واله وتكذيب أنّ كلّ ما جاء به هو من عند الله.
ومنها : صحيح عبد الله بن سنان : « من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنّها حلال أخرجه ذلك من الإسلام وعذّب أشدّ العذاب ، وإن كان معترفا أنّه ذنب ومات عليها أخرجه من الإيمان ولم يخرجه من الإسلام ، وكان عذابه أهون من عذاب الأوّل » (58).
والاستدلال بهذه الصحيحة على أنّ إنكار الضروري كفر بنفسه من دون كونه موجبا لتكذيب النبوّة ، قوله عليه السلام : « فزعم أنّها حلال » فإن زعم حلّية شرب الخمر مثلا التي هي إحدى الكبائر للضروري ، لأنّ حرمته من الضروريّات ، وهذا الإنكار والزعم سبب لخروجه عن الإسلام ، مع عدم إنكاره للنبوّة.
وفيه : أنّ حرمة الكبائر معلومة لنوع المسلمين ، ولا يجهله إلاّ من هو جديد العهد بالإسلام ، أو كان في بلاد بعيدة عن بلاد الإسلام ، مع عدم معاشرته مع المسلمين ، وإلاّ فزعم حلّية الكبيرة غالبا ملازم مع تكذيب النبيّ صلى الله عليه واله وهذا هو ظاهر الرواية ، فلا تدلّ على أنّ إنكار الضروري بنفسه سبب مستقلّ للكفر الذي هو مدّعاهم.
وهنا روايات أخر ذكروها لمدّعاهم تركنا ذكرها لوضوح عدم دلالتها ، فقد عرفت عدم دلالة هذه الأخبار على أنّ إنكار الضروري سبب مستقلّ للكفر.
وأمّا الإجماع : الذي ادّعوه في المقام ، فلا صغرى له ولا كبرى. أمّا الصغرى فلكثرة القائلين بالخلاف من الذين هم العظماء من الفقهاء. وأمّا الكبرى فلأنّ إجماعهم ليس من الإجماع المصطلح الذي نقول بحجّية الذي كاشف قطعي عن رأي المعصوم عليه السلام لاحتمال أنّهم ـ بل المظنون ـ اعتمادهم واتّكائهم على أمثال هذه الروايات.
فبناء على هذا لو أنكر ضروريّا من الضروريّات لشبهة علميّة حصلت من دون تكذيبه للنبي صلى الله عليه واله بل مع كمال إخلاصه والتصديق بنبوّته صلى الله عليه واله لا يحكم بكفره ، كما أنّه ربما حصل مثل هذه الشبهة لبعض المحقّقين في الحكمة الإلهيّة في المعاد الجسمانيّ ، فإنّه بعد ما يبنى على تركّب الجسم من المادّة والصورة يقول بأنّ المعاد هي الصورة الجسميّة من دون مادّة ، وجسميّة الجسم بصورته لا بمادّته ، وذلك بناء منهم على أنّ شيئيّة الشيء بصورته لا بمادّته ، فالمعاد في يوم النشور هو عين البدن الموجود في دار الغرور ولكن العينيّة بالصورة لا بالمادّة.
وأنت خبير بأنّ هذا القول مخالف للضروري لما هو الثابت في الدين الإسلاميّ بالضرورة أنّ المعاد في يوم القيامة عين البدن الدنيوي صورة ومادة ، لا صورة فقط ، وأمثال ذلك ممّا أنكروه بشبهة علميّة حصلت لهم ، فلا يوجب أمثال ذلك الكفر بناء على قول من يقول بأنّ صرف إنكار الضروري لا يوجب الكفر ما لم يكن تكذيبا للنبيّ صلى الله عليه واله.
إن قلت : إنّ الخوارج والنواصب الذين يبغضون أمير المؤمنين عليه السلام وأولاده المعصومين وسيّدة نساء العالمين ويسبونهم ويقتلونهم لا يكذّبون النبي صلى الله عليه واله ومع ذلك يعتقدون بأمثال هذه الآراء الباطلة ، فلما ذا يفتون بنجاستهم؟
قلنا : إنّ الحكم بنجاستهم ليس من جهة إنكارهم الضروري ، بل لأجل أدلّة خاصّة وردت فيهم ، وسنتكلّم عنها إن شاء الله تعالى. ويمكن أن يكون من جهة أنّ جهلهم بلزوم مودّة هؤلاء المكرمون عند الله وعند رسول الله صلى الله عليه واله وأنّ بغضهم بغض رسول الله صلى الله عليه واله يكون عن تقصير ، وإلاّ لو كانوا يفحصون ويلقون حبّ طريقة الآباء والعصبيّة يهديهم الله إلى طريق الحقّ والصواب ، قال الله تبارك وتعالى {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] والجاهل المقصّر ليس معذورا.
فكما أنّ الجاهل المقصّر في الأحكام الفرعيّة الإلزاميّة لو خالف جهلا لا يعذر ويكون معاقبا مثل العالم ، كذلك في الأمور الاعتقاديّة لو لم يعتقد بما يلزم الاعتقاد به كالمعاد الجسمانيّ ، أو اعتقد الخلاف لا يكون معذورا.
وخلاصة الكلام : أنّه لا يظهر من الأدلّة إلاّ أنّ إنكار الضروري موجب للكفر لكونه موجبا لتكذيب النبي صلى الله عليه واله لا أنّه سبب مستقلّ للكفر.
الأمر الثاني : الخوارج والنواصب. فالأوّل هم الذين يستحلّون قتل أمير المؤمنين عليه السلام ، والثاني هم الذين يبغضونه أو يبغضون أهل البيت الذين أمر الله بمودّتهم ، فالظاهر هو الاتّفاق على نجاستهم ، مضافا إلى ورود روايات كثيرة عن أهل بيت العصمة تدلّ على نجاستهم.
وفي بعض تلك الأخبار المرويّ عن العمل في الموثّق : « أنّ الله لم يخلق خلقا أنجس من الكلب ، وأنّ النّاصب لنا أهل البيت أنجس منه » (59). وكلّ ما يدل على نجاسة النواصب يدلّ على نجاسة الخوارج بطريق أولى ، لأنّهم أشدّ نصبا منهم.
الأمر الثالث : الغلاة. وهم الذين يألهون عليّا أمير المؤمنين أو أحد الأئمّة المعصومين : ، فيقولون بربوبيّتهم أو حلوله تعالى ـ العياذ بالله ـ فيهم كافرون أنجاس ، ولا فرق بينهم وبين سائر المشركين. وقد ورد اللّعن عليهم من الأئمّة المعصومين.
الأمر الرابع : المجبّرة والمفوّضة. والمراد بالأوّل هو أنّ العباد مجبورون في أفعالهم ، مسخّرون في إرادتهم بحيث لا يقدر العاصي على ترك العصيان ، ولا المطيع على ترك الإطاعة ، وذلك لانتهاء إرادتهم إلى إرادة الله تعالى شأنه الأزليّة القديمة بنحو ترتّب المعاليل على عللها ، كما هو الظاهر من آراء الأشاعرة.
ومقابلهم المعتزلة القائلين بالتفويض ، وقد نسب إليهم أنّه لو جاز العدم ـ العياذ بالله ـ على إله العالم لما ضرّ عدمه بالعالم ، وأنّ العباد مستقلّون في أفعالهم.
ولازم القول الأوّل صدور القبيح ـ العياذ بالله ـ من الله تعالى ، لأنّ العقاب على الفعل غير الاختياري قبيح ، خصوصا إذا كان سلب القدرة منه تعالى بإرادته تعالى ، وإسناد القبيح ـ العياذ بالله ـ إلى الله إنكار للضروري ، وهو أنّه تعالى لا يفعل القبيح.
وأمّا الثاني : أي المفوّضة ، فيرجع كلامهم إلى استغناء العالم ـ العياذ بالله ـ وأنّ إرادة الله ـ العياذ بالله ـ ليست محيطة بالأفعال والأشياء. وهذا أسوأ من الأوّل ، ولذا قال الأئمّة المعصومون : « لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين » (60).
ولكن هذه أبحاث كلاميّة لا ربط لهما بعقائد المسلمين ، يصيب فيها بعض ويخطئ بعض ، ولذلك لو سئلت عن أيّ واحد من المسلمين هل أنت مجبور على فعل كذا؟
يقول : لا ، حسب ارتكازه ، وأيضا لو يسأل عنه أنّه هل الله تبارك وتعالى يفعل القبيح؟ يقول : لا ، وكذلك لو سئل أنّ هذا الفعل الذي تريد أن تفعل تقدر أن تفعل ولو لم يرد الله ذلك؟ يقول : لا ، بل بإرادة الله ، ولذلك في أمر يقول : أفعل إن شاء الله، ويعلّقه على مشيّة الله جلّ جلاله ، فلوازم هذه الآراء الباطلة لا يلتزم بها أحد من المسلمين ، وإنّما هي صرف أبحاث علميّة التي يقع فيها الخطأ كثيرا من كثير من الباحثين.
الأمر الخامس : المجسّمة والمشبّهة. والنسبة بينهما عموم وخصوص مطلق ، وذلك من جهة أن تجسيمه تعالى نوع وقسم من التشبيه ، ودائرة التشبيه أعمّ ، إذ يمكن تشبيهه بغير الأجسام من الممكنات والمخلوقات ، مثل أن يقال : مثل الله تبارك وتعالى إلى المخلوقات والعالم نسبة النفس الناطقة المجرّدة إلى أبدان الآدميّين. وعلى كلّ حال من الضروري أنّه تعالى ليس بجسم ولا شبيه بخلقه في كونه محلاّ للعوارض والطواري.
فالقول بأنّه جسم أو شبيه بالمخلوقات إنكار للضروري ، فإن قلنا بأنّ إنكار الضروري سبب مستقلّ للكفر وإن لم يكن موجبا لتكذيب النبي صلى الله عليه واله فحالهم معلوم.
وأمّا إن قلنا بأنّه ليس سببا مستقلا ، فإن كان ملتفتا إلى لوازم ما يقول من أنّ التجسّم واحتياجه إلى المكان والحيّز ينافي القدم ووجوب الوجود فهو كفر ، لأنّه في الحقيقة بناء على هذا لم يذعن بوجود صانع قديم ، فليس مقرّا بالله خالق السماوات والأرضين.
وأمّا القول بأنّ التجسيم والتشبيه بالنسبة إليه تعالى ليس إنكارا للضروري ، لأنّ ظاهر بعض الآيات وبعض الأخبار يوهم ذلك، فلا يخلو من غرابة ، وعلى كلّ حال لا شكّ في أنّ التجسيم كفر بالله العظيم ، إلاّ أن يكون ضعيف العقل قاصرا عن فهم لوازم كلامه.
الأمر السادس : القائلون بوحدة الوجود من الصوفيّة ، بمعنى أنّه ليس في عالم الوجود إلاّ وجود وهو الله تعالى ، فيدّعون أنّ وجود جميع الموجودات ليس أمرا مباينا مع وجود الله جلّ جلاله ، بل هي عينه تعالى.
وخلاصة الكلام والأقوال في هذه المسألة هو أنّه بناء على أصالة الوجود واعتباريّة الماهيّة ، فالوجودات المنسوبات إلى الأشياء المحمولات على موضوعاتها إمّا حقائق متباينة بتمام ذواتها البسيطة ، كما يقول به المشّاؤون ، وهذا القول والرأي لا اشكال فيه شرعا ولا يخلّ بالاعتقادات ، وإن أشكل عليه أيضا بعض بأنّه لا يمكن إثبات وحدانيّته تعالى مع اتّخاذ هذا الرأي ، ولا يمكن دفع شبهة الثنويّة المنسوبة إلى ابن كمونة ، (61) ولكن على فرض صحّة هذا الكلام هذا من اللوازم البعيدة المغفول عنها لغالب أهل البرهان والتحقيق ، فضلا عن العوام ، فلا يوجب كفرا قطعا.
وإمّا حقيقة واحدة ، ولكن لها مراتب متفاوتة بالكمال والنقص ، والشدّة والضعف ، فوجود كلّ شيء من الأشياء غير وجودات الآخر ، ولكن الجميع سنخ واحد ، والاختلاف بينها باختلاف المراتب ، غاية الأمر أنّ وجود الواجب تعالى المرتبة غير المتناهية غير المحدودة بحدّ مطلقا حتّى الحدّ الذهني والعقلي ، لأنّ « كلّ ما ميزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه فهو مخلوق لكم مردود إليكم » (62) وليس هو الواجب.
فالقول بالوحدة السنخيّة مع تعدّد الوجودات واقعا وخارجا لا إشكال فيه من ناحية العقائد الدينيّة ، فإن كان فيه إشكال فهو من حيث البراهين والأدلّة العقليّة ، وأنّ التشكيك في الذاتيّات هل يمكن ، أولا يمكن.
وبناء على هذا القول في عين الكثرة العدديّة والفرديّة وحدة ، وهي المعبّر عنها بالوحدة السنخيّة ، وفي عين الوحدة كثرة فرديّة ، وهي المعبّر عنها بالكثرة العدديّة أو الفرديّة.
وإمّا حقيقة واحدة ووجود واحد وموجود واحد لا تعدّد في الوجود أصلا ، ويظهر ذلك الوجود الواحد في المظاهر والمجالي المتعدّدة ، وكلّ واحد من هذه المظاهر والمجالي وجوده نفس ذلك الوجود الواحد وليس شيء غيره ، فيصحّ أن يقول ذلك المظهر والمجلى باعتبار وجوده أنا هو.
وحيث أنّ ذلك الوجود الواحد هو الله ، والمظاهر والمجالي هي الممكنات والمخلوقات قاطبة ، فكلّ واحد من الممكنات بالنظر إلى وجوده هو الله جلّ جلاله ، العياذ بالله من هذه الأباطيل التي ينكرها العقل والنقل ، وجميع الشرائع والأديان الحقّة.
وأمّا إن كانوا يقولون بأنّ ذلك الوجود الواحد هو الله ، والممكنات لا وجود لها ، وليست إلاّ صرف خيال وأوهام. وبعبارة أخرى : ينفون الوجود عمّا سوى الله ، ولا يدّعون أنّ للممكنات وجودا ووجودها عين وجود الله جلّ جلاله.
فهذا القول وإن لم يكن كفرا ، لكنّه إنكار للبديهي وخلاف ما يدركه العقل السليم عن شوائب الأوهام ، وكيف يمكن أن يدّعى أنّ هذه السماوات مع أنجمها والأرض مع جبالها وأنهارها وأشجارها وأبحرها ومعادنها ونباتاتها وحيواناتها على اختلاف مراتبها وآثارها لا وجود لها ، وجميعها أوهام وخيالات ، فبطلان هذا القول أوضح من أن يحتاج إلى بيان أو برهان.
ولكن الذي يسهل الخطب أنّ كثيرا من الشعراء الذين يذكرون أمثال هذه الخرافات والأباطيل في أشعارهم أو أقوالهم ليس إلاّ صرف لقلقة لسان من دون تدبّر وتفكّر في معاني هذه الجمل والكلمات ، ولعلّه إلى ما ذكرنا يشير ففيه عصره في كتابه عروة الوثقى بقوله : وأمّا المجسّمة والمجبّرة والقائلين بوحدة الوجود من الصوفية إذا التزموا بأحكام الإسلام فالأقوى عدم نجاستهم إلاّ مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد (63).
الأمر السابع : ولد الزنا طاهر إن كان من المسلمين ، بل وإن كان أحد أبويه مسلما ، خصوصا إذا لم يكن الطرف الآخر ـ أي الكافر أو الكافرة ـ غير زان.
وبعبارة أخرى : تارة يكون الزنا من الطرفين ، ففي هذه الصورة لو كان أحد أبويه مسلما يكون الولد تابعا له. وأخرى : يكون من طرف واحد ، وفي هذه الصّورة إن كان الزنا من طرف من ليس بمسلم ، فلا شكّ في إلحاقه بالطرف الذي هو مسلم.
وأمّا إن كان الزنا من طرف المسلم ، فربما يستشكل في إلحاقه بالمسلم ، لأنّ الطرف الآخر الذي هو غير المسلم ينسب إليه الولد ، ولا يعارضه انتسابه التكوينيّ إلى المسلم ، لأنّ المفروض أنّه زان والشارع لم يعتبر الانتساب الذي يكون سببه الزنا وألقاه وجعله كالعدم.
وفيه : أنّ الشارع لم يلقه بالمرّة وإلاّ كان تزويج بنته من الزنا جائزا ، وأيضا لو كان الأبوان كلاهما مسلمين زانيين أيضا لا يلحق بهما ، والحديث الشريف : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » (64) في مورد الشك ، والمورد المفروض في مورد اليقين بالانتساب إليهما فلا يشمله الحديث ، فهذا الإشكال أو التوهّم في غير محلّه ، وإن صدر عن بعض أعاظم أساتيذنا.
ثمَّ إنّ الحكم بطهارته يكون بمقتضى الأصل مع عدم دليل يوجب الخروج عن مقتضاه ، والمسألة ذات قولين ، والمشهور على الطهارة ، وحكى عن الصدوق (65) وعن السيّد (66) والحلّي (67) نجاسته ، ونسب صاحب الجواهر إلى الكليني أيضا احتمالا وهذه عبارته : بل ربما قيل إنّه ظاهر الكليني أيضا (68).
وحكى صاحب الجواهر عن الحلّي في سرائره (69) أنّ ولد الزنا قد ثبت كفره بالأدلّة بلا خلاف بيننا.
ثمَّ إنّ الكلام في ولد الزنا تارة من حيث كفره ، وأخرى من حيث طهارته ونجاسته.
فالأوّل : أي كفره ، فالظاهر أنّ هذه الدعوى كما يقول صاحب الجواهر ضروري البطلان ، لأنّه كيف يمكن أن يقال للمؤمن الموحّد المعترف بنبوة محمّد والمعتقد بالمعاد والمصدّق لما جاء به النبيّ صلى الله عليه واله وأنّ كلّ ما جاء به حقّ ومن عند الله والمقرّ والمعترف بولاية الأئمّة الطّاهرين أنّه كافر ، وهل هذا إلاّ مثل أن يقال للحارّ : بارد ، وللأبيض :
أسود.
وأمّا الثاني : أي نجاسته ، فعمدة مستند القائلين بها هي الأخبار الواردة فيهم وإلاّ فاستدلال الحلّي على نجاستهم بعدم الخلاف مع ذهاب المشهور إلى طهارتهم غريب.
وأمّا الأخبار :
فمنها : مرسلة الوشّاء عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه كره سؤر ولد الزنا واليهودي والنصراني والمشرك وكلّ من خالف الإسلام ، وكان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب (70) .
والاستدلال بهذه المرسلة باعتبار كراهته عليه السلام من سؤر ولد الزنا ، وجعله في رديف اليهودي والنصراني والمشرك الذين أثبتنا أنّهم أنجاس.
وفيه : أنّ كراهته السؤر أعمّ من نجاسة ما بقي من شربة السؤر ، لأنّه من الممكن أن تكون لجهات أخر. وكون الجهة في الأنجاس نجاستهم لا يوجب أن تكون الجهة في ولد الزنا أيضا تلك الجهة.
وذلك لأنّه لا مانع من أن يكون الحكم الواحد على الأفراد أو الأنواع المتعدّدة بملاكات متعدّدة ، بأن يكون في كلّ واحد منها ملاك يخصّه ، مع أنّه من الممكن أن يكون الملاك في الجميع واحدا في المرسلة أيضا وهي الخباثة المعنوية الموجودة في الجميع.
ومنها : رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمّام ، فإنّ فيها غسالة ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة آباء ، وفيها غسالة الناصب » الحديث (71).
وجه الاستدلال بها واضح ، خصوصا مع تعليل النهي عن الاغتسال فيها بعدم طهارة ولد الزنا إلى سبعة آباء.
وفيه : أنّ نفس هذا التعليل دليل على أنّه ليس المراد بقوله عليه السلام : « وهو لا يطهر إلى سبعة آباء » هي الطهارة عن الخبث ، لأنّ هذا شيء مستنكر لم يقل به أحد إنّ الولد الشرعي لولد الزنا نجس ، خصوصا إذا كان ولدا سابقا له ، والمراد هي الخباثة المعنويّة التي ربما ترثه الأولاد من الآباء ، ومن الممكن بقاء هذه القذارة إلى سبعة آباء.
ومنها : رواية حمزة بن أحمد ، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام في حديث قال فيه : « ولا يغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام ، فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرّهم » (72).
وفيه : أنّ سياقها استدلالا وجوابا سياق رواية ابن أبي يعفور.
ومنها : مرفوعة سليمان الديلمي إلى الصادق عليه السلام قال : « يقول ولد الزنا : يا ربّ فما ذنبي فما كان لي في أمري صنع؟ فيناديه مناد ويقول له : أنت شرّ الثلاثة أذنب والداك فنشأت عليهما ، وأنت رجس ولن يدخل الجنّة إلاّ طاهر » (73).
وفيها : أنّ المراد بالرجس في هذه المرفوعة هي القذارة والخباثة المعنويّة بقرينة قوله « فنشأت عليهما » أي : نشأتك نشأة الطغيان والتمرّد اللذين كانا في أبويك ، وإلاّ لم يكن أبواه نجسين ، لأنّ المسلم والمسلمة لا ينجسان بصدور الزنا منهما كي يكون نشأته في النجاسة نشأتهما.
وأمّا الصفات النفسانيّة والحالات والملكات ، سواء كانت فضائل ورذائل ترثه الأبناء في الأغلب عن الآباء ، فتفسير الرواية أنّ شقائك من قبل أبويك ، فليس في المرفوعة ما يكون دليلا على نجاسة بدن ولد الزنا.
ومنها : ما ورد من أنّ نوحا لم يحمل معه ولد الزنا في السفينة ، مع أنّه حمل الكلب والخنزير ، فيستكشف من هذا أنّه أنجس من الكلب والخنزير (74).
وفيه : أنّه لا دلالة فيه أصلا ، بل ولا تأييد من قبله لهذا المطلب أي نجاسة ولد الزنا ، وذلك من جهة بناء السفينة وصنعها لأجل خلاص المؤمنين عن الغرق وهلاك الكافرين ، ولم يكن في المؤمنين ولد الزنا ، ولأجل ذلك لم يحمل ، لا أنّه كان في المؤمنين وتركه لأجل نجاسته.
هذا أوّلا ، وثانيا : على فرض أن يقال بوجوده ومع ذلك لم يحمله ، وإن كان في كمال الاستبعاد ، ويمكن أن يكون ترك حمله لأجل شقاوته وشؤمه ، فربما يوجب حمله ضررا على السفينة.
ومنها : موثّق زرارة ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام : « لا خير في ولد الزنا وبشره ولا في شعره ولا في لحمه » (75).
وفيه : أنّه أجنبيّ عن محلّ البحث.
ومنها : حسنة ابن مسلم ، عن الإمام الباقر عليه السلام : « لبن اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة أحبّ إليّ من لبن ولد الزنا » (76).
وفيه : أيضا أنّه أجنبي عن محلّ البحث ، من جهة أنّ اللبن غذاء ينمو به الجسم ، ولا شكّ في أنّ الغذاء يؤثّر في الجسم أوّلا وبالذات ، وفي الروح أيضا بتوسّط تأثيره في الجسم ، وربما يكون أثر السوء كحصول الأخلاق الذميمة والملكات الرذيلة في نفس الولد من لبن ولد الزنا أزيد من لبن الكفّار ، ولذلك قال عليه السلام : « إنّ لبن الكفّار الثلاثة أحبّ إليّ من لبن ولد الزنا ، فلا ربط لهذه الرواية بمسألة نجاسة بدن ولد الزنا ».
وخلاصة الكلام :
أنّ هذه الأخبار وغيرها ممّا وردت في ذمّ ولد الزنا ، يستفاد منها أنّ المولود الذي يتولّد من الزنا فيه اقتضاء الشقاوة والفساد والضلالة والميل إلى الجور والباطل والخروج عن جادة الحقّ والطريق المستقيم ، ولكن لا بحيث يسلب عنه الاختيار كي يكون عقابه ومؤاخذته قبيحا وظلما عليه ، بل يرتكب القبائح بسوء اختياره ، فيعاقب على قبائح أعماله وأفعاله.
فمعنى قوله عليه السلام : « إنّه رجس » أو « شرّ » أو « لا خير فيه » أو « لا يطهر إلى سبعة آباء » أو « إنّه لا يحب أمير المؤمنين عليه السلام » وأمثال ذلك من العبارات التي وردت في الازدراء به ، هو ما صرّح به عليه السلام في مرفوعة سليمان الديلمي بقوله عليه السلام : « أنت شرّ الثلاثة أذنب والداك فنشأت عليهما وأنت رجس » (77) أي : أنت نتيجة فسادهما وعملهما القبيح ، فورثت الخباثة والتمرّد والطغيان من ذلك الطاغي والمتمرّد ، وتلك الطاغية والمتمرّدة ، ومعلوم أنّ من كان جوهر ذاته ناشئة من عمل القبيح يكون فيه اقتضاء جميع الشرور. ولكن لا بحدّ يسلب الاختيار كي يكون عقابه قبيحا كما ذكرنا.
وبما ذكرنا يرتفع الإشكالات المتوهّمة بالنسبة إلى ما ورد في حقّ ولد الزنا من أنّه لا يدخل الجنّة وإن أطاع ولم يعص أبدا. فيقال : بأنّ هذا ظلم في حقّ ولد الزنا ، وأيّ ذنب كي يكون مستحقّا لمثل هذا الطرد وعدم شمول رحمة الله له ، مع أنّه تعالى يقول في كتابه العزيز {جَزَاءً وِفَاقًا} [النبأ: 26] وأيضا قوله تعالى :
{جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: 82و 95] وأيضا قوله تعالى {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } [النساء: 79] إلى غير ذلك من الآيات والروايات.
والحاصل : أنّ كلّ رواية كان في هذا المقام مخالفا للعدل الإلهي فلا بدّ وأن يؤوّل ، وإن لم يمكن تأويله فلا بدّ وأن يطرح.
الأمر الثامن : في سائر الفرق من الشيعة غير الاثنى عشرية ، فإنّهم أيضا طاهرون كسائر المسلمين ما لم يكونوا ناصبين وسابّين لبعض الأئمّة الاثنى عشر. وأمّا إن كانوا ناصبين أي مبغضين لغير من يعتقدون بإمامته وسابّين له ، فيدخلون في جملة الناصبين ، وقد تقدّم حكم الناصب. ولا فرق في الناصب بين أن يكون معتقدا بإمامة بعض الأئمّة أو لم يكن معتقدا بالإمامة أصلا ، لأنّ المناط في كونه ناصبا هو بغضه وسبّه لأمير المؤمنين عليه السلام أو لأحد أولاده الطاهرين الذين هم مطهّرون بنصّ القرآن الكريم.
وخلاصة الكلام : أنّه فرق بين عدم الاعتقاد بإمامة بعض الأئمّة أو جميعهم ـ وصرف هذا لا ينافي طهارتهم وجريان أحكام الإسلام في حقّهم ، فإنّ أغلب المسلمين لا يقولون بإمامة الأئمّة بالمعنى الأخصّ الذي يعتقدون به الإماميّة الاثنى عشريّة ، وأحكام الإسلام جارية في حقّهم من طهارة أبدانهم ، وجواز المناكحة معهم ، وحلّية ذبائحهم ، ووجوب دفن موتاهم ، وسائر أحكام الأموات ، واحترام أموالهم ونفوسهم إلى غير ذلك من أحكام الإسلام ـ وبين بغضهم وعداوتهم وسبّهم ، والثاني هو الناصب ويكون مشمولا لحكمه ، وقد تقدّم حكمه.
والدليل على أنّهم ما لم يبغضوا ولم يسبّوا يكونون بحكم الإسلام ويجرى عليهم أحكامه من طهارة أبدانهم إلى آخر ما ذكرنا ، هو شمول إطلاقات أدلّة أحكام الإسلام لهم ، لأنّ موضوع تلك الأحكام هو الإسلام ، وفسرّ الإسلام في الروايات (78).
بشهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله صلى الله عليه واله فالاعتراف بوجوب الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان لمن لا يكون معذورا وحجّ بيت الله الحرام ، كما في رواية سفيان بن السّمط عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحجّ البيت ، وصيام شهر رمضان ، فهذا الإسلام » (79) وغيرها من الروايات الكثيرة الواردة في بيان معنى الإسلام وما هو الموضوع لتلك الأحكام ، ولا شكّ في أنّ سائر فرق الشيعة غير الإماميّة الاثنى عشريّة معترفون بهذه الأمور.
والدليل على أنّهم أبغضوا بعض الأئمّة أو سبّوا يكونون من النصّاب ويلحقهم حكمهم مضافا إلى إطلاقات أدلّة نجاسة الناصبي ـ فإنّه لا فرق في شمول تلك الأدلّة بين أن يكون الناصب معترفا بإمامة بعض الأئمّة أو كان منكرا لإمامة جميعهم ـ هو الروايات الواردة في هذا المقام ، وهي كثيرة.
منها : ما رواه ابن المغيرة قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : إنّي ابتليت برجلين أحدهما ناصب والآخر زيدي ولا بد من معاشرتها فمن أعاشر؟ فقال عليه السلام : « هما سيّان من كذب بآية من آيات الله فقد نبذ الإسلام وراء ظهره ، وهو المكذّب لجميع القرآن والأنبياء والمرسلين. ثمَّ قال : هذا نصب لك وهذا الزيدي نصب لنا » (80). فتأمّل.
الحمد لله أوّلا وآخرا ، وظاهرا وباطنا.
_______________
(1) « الغنية » ضمن « الجوامع الفقهيّة » ص 551.
(2) « الناصريات » ضمن « الجوامع الفقهيّة » ص 180.
(3) « الانتصار » ص 10.
(4) « السرائر » ج 1 ، ص 73.
(5) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 223.
(6) « الفقه على المذاهب الأربعة » ح 1 ، ص 6.
(7) نقله عنه في « كشف اللثام » ج 1 ، ص 46.
(8) « جواهر الكلام » ج 6 ، ص 42.
(9) نقله عنه في « جواهر الكلام » ج 6 ، ص 42.
(10) « جواهر الكلام » ج 6 ، ص 42.
(11) « القاموس المحيط » ج 20 ، ص 262 ( نجس ) .
(12) « كتاب الطهارة » ص 308.
(13) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 225 ، ح 646 ، باب المياه وأحكامها ، ح 29 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 19 ، ح 40 ، باب حكم الماء إذا ولغ فيه الكلب ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1015 ، أبواب النجاسات ، باب 12 ، ح 2.
(14) « مصباح الفقيه » ج 1 ، ص 558.
(15) انظر : « الكشّاف » ج 3 ، ص 136 ، « أسباب النزول » للواحدي ، ص 175 ، « الدّر المنثور » ج 5 ، ص 679.
(16) « المنجد في الإعلام » ص 750 ( يسوع ).
(17) « الفقيه » ج 3 ، ص 347 ، باب الذبائح والمآكل ، ح 4220 ، « وسائل الشيعة » ج 16 ، ص 384 ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، باب 4 ، ح 1.
(18) « الكافي » ج 2 ، ص 650 ، باب التسليم على أهل الملل ، ح 10 ، « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 262 ، ح 764 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 51 ، « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 262 ، أبواب النجاسات ، باب 14 ، ح 5.
(19) « الكافي » ج 6 ، ص 264 ، باب طعام أهل الذمّة ومؤاكلتهم وآنيتهم ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 88 ، ح 372 ، باب الذبائح والأطعمة ، ح 107 ، « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1018 ، أبواب النجاسات ، باب 14 ، ح 1 ، وج 16 ، ص 475 ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، باب 54 ، ح 3.
(20) « الكافي » ج 6 ، ص 263 ، باب طعام أهل الذمّة ومؤاكلتهم وآنيتهم ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1018 ، أبواب النجاسات ، باب 14 ، ح 2.
(21) « الكافي » ج 6 ، ص 264 ، باب طعام أهل الذمّة ومؤاكلتهم وآنيتهم ، ح 7 ، « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1019 ، أبواب النجاسات ، باب 14 ، ح 6.
(22) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 263 ، ح 766 ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح 53 ، « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1020 ، أبواب النجاسات ، باب 14 ، ح 10.
(23) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 223 ، ح 640 ، باب المياه وأحكامها ، ح 23 ، « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1020 ، أبواب النجاسات ، باب 14 ، ح 9.
(24) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 223 ، ذيل ح 640.
(25) « الكافي » ج 6 ، ص 263 ، باب طعام أهل الذمّة ومؤاكلتهم وآنيتهم ، ح 2 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 88 ، ح 375 ، باب الذبائح والأطعمة ، ح 110 ، « وسائل الشيعة » ج 16 ، ص 381 ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، باب 51 ، ح 2.
(26) « الكافي » ج 6 ، ص 264 ، باب طعام أهل الذمّة ومؤاكلتهم وآنيتهم ، ح 9 ، « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 87 ، ح 368 ، باب الذبائح والأطعمة ، ح 103 ، « المحاسن » ص 454 ، ح 377 ، « وسائل الشيعة » ج 16 ، ص 385 ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، باب 54 ، ح 4.
(27) « مصباح الفقيه » ج 1 ، ص 560.
(28) « كتاب الطهارة » ص 309.
(29) « الكافي » ج 6 ، ص 263 ، باب طعام أهل الذمّة ومؤاكلتهم وآنيتهم ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 16 ، ص 383 ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، باب 53 ، ح 1.
(30) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 399 ، ح 1245 ، باب الحيض والاستحاضة والنفاس ، ح 68 ، « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1020 ، أبواب النجاسات ، باب 14 ، ح 11.
(31) « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 385 ، ح 1142 ، باب المكاسب ، ح 263 ، « الوافي » ج 6 ، ص 209 ، ح 4128 ، باب التطهير من مسّ الحيوانات ، ح 25.
(32) « الكافي » ج 6 ، ص 263 ، باب طعام أهل الذمّة ومؤاكلتهم وآنيتهم ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1018 ، أبواب النجاسات ، باب 14 ، ح 2.
(33) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 362 ، ح 1497 ، باب ما يجوز الصلاة فيه ... ، ح 29 ، وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1093 ، أبواب النجاسات ، باب 73 ، ح 1.
(34) « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 361 ، ح 1495 ، باب ما يجوز الصلاة فيه ... ، ح 27 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 392 ، ح 1497 ، باب الصلاة في الثوب الذي يعار ... ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1095 ، أبواب النجاسات ، باب 74 ، ح 1.
(35) « تهذيب الأحكام » ج 9 ، ص 87 ، ح 369 ، باب الذبائح والأطعمة ، ح 104 ، « المحاسن » ص 453 ، ح 373 ، « وسائل الشيعة » ج 16 ، ص 385 ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، باب 54 ، ح 5.
(36) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 223 ، ح 641 ، باب المياه وأحكامها ، ح 24 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 18 ، ح 38 ، باب استعمال أسئار الكفّار ، ح 3 ، « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 165 ، أبواب الأسئار ، باب 3 ، ح 3.
(37) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 340 ، ح 997 ، باب تلقين المحتضرين وتوجيههم عند الوفاة ، ح 165 ، « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 704 ، أبواب غسل الميّت ، باب 19 ، ح 1.
(38) « منتهى الأصول » ج 2 ، ص 113.
(39) نقله عنه في « كشف اللثام » ج 1 ، ص 46.
(40) « مصباح الفقيه » ج 1 ، ص 561.
(41) انظر : « وسائل الشيعة » ج 16 ، ص 283 ، أبواب الذبائح ، باب 26 ، ح 1 و6 ، وص 291 ، باب 27 ، ح 46.
(42) « المعالم » ص 299.
(43) « الفقيه » ج 3 ، ص 491 ، باب حال من يموت من أطفال المشركين والكفّار ، ح 4740.
(44) « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 151 ، ح 262 ، باب المشرك يسلم في دار الحرب ... ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 89 ، أبواب جهاد العدو وما يناسبه ، باب 43 ، ح 1.
(45) « إيضاح الفوائد » ج 1 ، ص 364.
(46) « مجمع البيان » ج 5 ، ص 365.
(47) « الفقيه » ج 3 ، ص 491 ، باب حال من يموت من أطفال المشركين والكفّار ، ح 4739.
(48) « الكافي » ج 3 ، ص 248 ، باب الأطفال ، ح 2 ، والآية في سورة الطور (52) : 21.
(49) « الكافي » ج 2 ، ص 13 ، باب قطرة الخلق على التوحيد ، 3 ، « عوالي اللئالي » ج 1 ، ص 35 ، ح 18.
(50) « الفقيه » ج 4 ، ص 334 ، باب ميراث أهل الملل ، ح 5719 ، « وسائل الشيعة » ج 17 ، ص 376 ، أبواب موانع الإرث ، باب 1 ، ح 11 ، « عوالي اللئالي » ج 1 ، ص 226 ، ح 118 ، وج 3 ، ص 496 ، ح 15.
(51) « القواعد الفقهيّة » ج 4 ، ص.
(52) « صحيح بخاري » ج 2 ، ص 3 و4 ، كتاب البيوع ، باب تفسير المشتبهات ، « صحيح مسلم » ج 3 ، ص 256 ، كتاب الرضاع ، باب 10 ، ح 36 و37.
(53) « مفتاح الكرامة » ج 1 ، ص 143.
(54) « التعليقات على شرح اللمعة الدمشقية » ص 24.
(55) « ذخيرة المعاد » ص 152.
(56) « الكافي » ج 2 ، ص 33 ، باب بدون العنوان من كتاب الايمان والكفر ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 23 ، أبواب مقدمة العبادات ، باب 2 ، ح 13.
(57) « القاموس المحيط » ج 1 ، ص 290 ( جحد ).
(58) « الكافي » ج 2 ، ص 285 ، باب الكبائر ، ح 23 ، « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 22 ، أبواب مقدّمة العبادات ، باب 2 ، ح 10.
(59) « علل الشرائع » ص 292 ، « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 159 ، أبواب الماء المضاف والمستعمل ، باب 11 ، ح 5.
(60) « التوحيد » ص 360 ، ح 3.
(61) انظر : « الأسفار » ج 6 ، ص 58 ، « لمعات إلهيّة » ص 151 ، « شرح المنظومة » ج 3 ، ص 514.
(62) « بحار الأنوار » ج 66 ، ص 293 ، باب صفات خيار العباد وأولياء الله ، ذيل ح 23 ، وفيه « كلّما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم ».
(63) « العروة الوثقى » ج 1 ، ص 54.
(64) « صحيح البخاري » ج 2 ، ص 3 و4 ، كتاب البيوع ، باب تفسير المشتبهات ، « صحيح مسلم » ج 3 ، ص 256 ، كتاب الرضاع ، باب 10 ، ح 36 و37 ، « عوالي اللئالي » ج 2 ، ص 132 ، ح 359 ، وص 275 ، ح 41.
(65) « الفقيه » ج 1 ، ص 9 ، باب المياه وطهرها ونجاستها ، ذيل ح 11 ، « الهداية » ص 14.
(66) « الانتصار » ص 273.
(67) « السرائر » ج 1 ، ص 357.
(68) « جواهر الكلام » ج 6 ، ص 68.
(69) « السرائر » ج 2 ، ص 122 ، وج 1 ، ص 357.
(70) « الكافي » ج 3 ، ص 11 ، باب الوضوء من سؤر الحائض والجنب ... ، ح 6 ، « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 223 ، ح 639 ، باب المياه وأحكامها ، ح 22 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 18 ، ح 37 ، باب استعمال أسئار الكفّار ، ح 2 ، « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 165 ، أبواب الأسئار ، باب 3 ، ح 2.
(71) « الكافي » ج 3 ، ص 14 ، باب ماء الحمام والماء الذي تسخنه الشمس ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 159 ، أبواب الماء المضاف وغيره ، باب 11 ، ح 4.
(72) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 373 ، ح 1143 ، باب دخول الحمام وآدابه وسننه ، ح 1 ، « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 158 ، أبواب الماء المضاف والمستعمل ، باب 11 ، ح 1.
(73) « علل الشرائع » ص 188.
(74) « عقاب الأعمال » ص 252.
(75) « المحاسن » ص 108.
(76) « الكافي » ج 6 ، ص 43 ، باب من يكره لبنه ومن لا يكره ، ح 5 ، « تهذيب الأحكام » ج 8 ، ص 109 ، ح 371 ، باب الحكم في أولاد المطلّقات ، ح 20 ، « الاستبصار » ج 3 ، ص 322 ، ح 1147 ، باب كراهيّة لبن ولد الزنا ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 15 ، ص 184 ، أبواب أحكام الأولاد ، باب 75 ، ح 2 ، وباب 76 ، ح 2.
(77) « علل الشرائع » ص 188.
(78) انظر : « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 7 ، أبواب مقدمة العبادات ، باب 1 و2.
(79) « الكافي » ج 2 ، ص 20 ، باب أنّ الإسلام يحقن به الدم ... ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 11 ، أبواب مقدّمة العبادات ، باب 1 ، ح 13.
(80) « الكافي » ج 8 ، ص 235 ، ح 314.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|