أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-9-2016
848
التاريخ: 15-9-2016
726
التاريخ: 15-9-2016
1326
التاريخ: 15-9-2016
1235
|
الشعوب الغريبة عن مناطق شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام وبلاد ما بين النهرين
أ- الشعوب والقبائل الجبلية:
لقد تعرضت المناطق العربية في غرب آسية لهجمات شعوب وقبائل غربية عنها ، اي أنها لم تكن اصلا من بين (بؤرها البشرية) الأصلية ، وهي تعرف في علم آثار غرب آسية باسم (الشعوب الجبلية) (1) .
وأول خبر مكتوب عن صراع بعض البؤر البشرية الأصلية مع البؤر الغربية وصلنا من بلاد ما بين النهرين كتب باللغة (السومرية) ويذكر ان (البؤر) السومرية صدت هجمات بؤر اخرى غريبة عن المنطقة وهي بعض (البؤر العيلامية) ثم كشفت لنا اعمال التنقيب في العاصمة العيلامية (سوسا) عن نصب تذكاري للملك الأكّادي (نارام – سن) . يحمل نقشا بالكتابة المسمارية ، بالإضافة الى رسم الملك الأكّادي ورسم بعض اعدائه بين صرعى ومستسلمين في ساحات القتال . ويذكر الملك في هذه الكتابة حربه ضد القبائل (اللولبية) الجبيلة التي كانت تغير على حدود الامبراطورية الأكّادية الشمالية – الشرقية وتهدد أمن مناطقها وسلامة سكانها .
ويعتبر هذا النصب وثيقة تاريخية وفنية توضح لنا بالكلمة والصورة ان (البؤر البشرية) في أعالي الجبال ووديانها كانت قد أخذت تحرر نفسها من العزلة ، التي فرضتها عليها الطبيعة منذ أن نشأت في مناطقها الأولى .
وفي عام 2150 ق. م . هاجمت قبائل جبلية ، عرفت في المصادر السومرية الحديثة بـ (الجوتية) بلاد ما بين النهرين وانهت الوجود السياسي للإمبراطورية الأكّادية . وربما كانت هذه القبائل هي نفس القبائل (اللولبية) التي نعرفها خلال النصف الأول من حياة الامبراطورية الأكّادية . ثم تعاقبت هجرات الشعوب الجبلية احيانا وتعاصرت احيانا اخرى تارة سلما واخرى حربا الى مناطق بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين ، فقد وصلت طلائع الحوريين الى شمال شرق سورية كما وصلت افواج الكاشيين الأولى الى شمال شرق بلاد ما بين النهرين خلال القرن العشرين قبل الميلاد .
وفي بداية القرن السابع عشر قبل الميلاد تسلمت قبائل اخرى هي (الهيكسوس) الحكم في دلتا النيل قادمة اليها من بلاد الشام . ولا أشك في ان وقتا طويلا كان قد انقضى عليها في بلاد الشام قبل ان تصل الى مصر ، وكانت بذلك قد وصلت الى بلاد الشام في نفس العصر الذي هاجر خلاله الكاشيون والحوريون الى المناطق الآنفة الذكر ، وبالتالي فالهيكسوس يعودون في اصلهم الى الشعوب الجبلية (2) . وفي حوالي عام 1530 ق . م . انطلق (الحثيون) من قلب الأناضول وحطموا الوجود السياسي للدولة البابلية القديمة .
واذن فيمكننا القول هنا ان النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد خاصة والألف الثاني عامة كان عصر الصراع بين (البؤر البشرية الأصلية) وبين (البؤر البشرية الغريبة) عن مناطق بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين . وكانت المملكة البابلية قد تحملت خلال النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد مسؤولية الدفاع عن وجود هذه البؤر البشرية الأصلية وكيانها ، ثم اخذت الامبراطورية الآشورية على عاتقها القيام بنفس هذا الدور خلال النصف الثاني منه وواصلت القيام بهذا الدور حتى انهيارها عام 613/612 ق . م .
ب – العبريون والشعوب الجبلية:
وقد وصلنا من عصر هذا الزحف الهائل للقبائل والشعوب الجبلية الى مناطق بلاد الشام وما بين النهرين نصوص مدوّنة من مدينة (ماري) (= تل الحريري) ، يرقى تاريخها الى القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد . وقد ورد في هذه النصوص اسم قبائل (الخابيرو) ، ومن بينها قبيلة تدعى (بيني – يمين) . وبعد عدة قرون من الزمن ذكرت نصوص من القرن الرابع عشر قبل الميلاد من (تل العمارنة) في مصر قبائل الـ (خابيرو) ايضا ونجد في نصوص في التوراة كذلك اسم (بن يمين) لإحدى القبائل الـ (عبرية) .
ويرجح ان هؤلاء (العبريين) وفي مقدمتهم (بن يمين) كانوا احفاد اولئك الـ (خابيرو) الذين ذكرتهم نصوص كل من (ماري) و (تل العمارنة) . والفرق الذي نجده بين لفظتي (عبريين) أو (عابيرو) و (خابيرو) يكمن في الحرف الحلقي الأول منهما , ومرجع هذا الفرق ان المفردات (البابلية) التي كتبت بها كل من نصوص (ماري) و (تل العمارنة) لم تكن تضم آنذاك جميع الأحرف الحلقية الحادة ، لأنها كانت قد فقدت كثيرا من خصائص لغات بؤرها البشرية الأولى الآنفة الذكر . ولقد عرفت بعض هذه الأحرف الحلقية الحادة في عدد من اللهجات الكنعانية المتأخرة ومنها (العبرية) التي كتبت بها التوراة . لذلك حل حرف الـ (عين) مكان حرف الـ (خاء) وأصبح الـ (خابيرو) يعرفون في نصوص التوراة بـ (عابيرو) أو (عبريين) (3) .
وتصف نصوص مدينة (ماري) هؤلاء الـ (خابيرو) (=عابيرو = العبريين) انهم قبائل عاشت على اعمال النهب والسلب . وقد لخص احد علماء آثار غرب آسية وضع هؤلاء الـ (خابيرو) بقوله انهم : " وانما كانوا عبارة عن اتحاد مكون من عصابات صحراوية من اللصوص ، وهي عصابات بدأت تتجه منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد الى الأرض الكنعانية على الأردن .. " (4) .
والسؤال الذي يرد الى الذهن هو ، أكان (العابيرو/العبريون) يؤلفون بؤرا بشرية أصلية في المناطق العربية في غرب آسية ، أم أن بؤرهم البشرية الأولى كانت تقع خارج هذا النطاق الجغرافي ؟
ولنبدأ ببحث الاشارة الواردة في التوراة الى (هجرة العبريين الأولى) ، تقول التوراة : (... واخذ تاراح ابرام ابنه ولوطا بن هاران بن ابنه وساراي كنته امرأة ابنه فخرجوا معا من اور الكدانيين ليذهبوا الى ارض كنعان ، فاتوا الى حاران واقاموا هناك ...) (5) .
وينبغي ان نذكر هنا ان (الكلدانيين) كانوا قد اسسوا آخر دولة محيلة (أي انهم كانوا من البؤر البشرية الأصلية) في حوالي 605 ق . م . اثر انهيار الامبراطورية الآشورية . ولكن احداث اشارة التوراة الفائتة الذكر يرقى تاريخها كما يفترض عادة الى حوالي القرن الثامن عشر قبل الميلاد ، أي الى العصر الذي بدأت فيه نصوص (ماري) تذكر الـ (خابيرو) . لذا يستحيل علينا ان نقيم جسرا يربط (اور الكلدانيين) بأحداث يفترض انها وقعت قبل الكلدانيين باثني عشر قرنا من الزمن .
ثم نجد من ناحية اخرى اشارة التوراة هذه تتفق مع ما جاء في نصوص (ماري) ، من ان (العبريين) كانوا في منطقة (حرّان) ، الحورية . ويدعم وجهة النظر هذه ان (اور) لم يرد لها ذكر في الأصل اليوناني للتوراة ، وهو النص الذي نعتمد ترجمته في الوقت الحاضر . ولذلك لابد ان يكون اسم مدينة (اور) قد اضيف الى بعض نصوص التوراة في عصر لاحق لعصر النص اليوناني ، الذي يعود الى القرن الثالث قبل الميلاد (6) .
ويظهر ان علاقات قديمة كانت تربط العبريين بالحوريين ، الذين كان موطنهم الأصلي في جبال (ارارات) في منطقة بحر (وان) في آسية الصغرى .
فالتوراة تذكر ان سفينة (نوح) (.... استقرت في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر الحالي على جبال اراراط ... ) (7) .
ويعني هذا ان اصلهم الأول كان فيما يرون في منطقة (ارارات) ، وفي عصر لم تكن البؤر البشرية الجبلية قد بدأت بزحفها على مناطق بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين . اما الرواية البابلية عن (الطوفان) وهي تعود الى زمن اقدم بكثير من زمن رواية التوراة هذه ، فتقول ان السفينة توقفت على سفوح جبال زاغروس ، دون ان تتعرض لذكر جبال ارارات (8) .
وثمة قرينة اخرى تشير الى ان اصولا ما كانت قد جمعت بين (العبريين) و (الحوريين) هي التشابه الكبير بين هاتين الجماعتين البشريتين في العادات والتقاليد وفي العقيدة الدينية وقيمتها ، قبل ان يغزو العبريون ارض كنعان . ويظهر ذلك واضحا في نصوص الرقم الطينية الحورية التي ترجع الى القرنين الثامن عشر والسابع عشر قبل الميلاد (9) ، والتي اكتشفت في مدينة (نوزي) الحورية . ومع ذلك كله لابد من معترض يقول ، ان اللغة (العبرية) هي لغة (محلية) ، اي انها لغة من لغات (البؤر البشرية الأصلية) في المنطقة ، ولذا لابد ان يكون العبريون قد كونوا ايضا بعض هذه البؤر البشرية ! .
وردنا على ذلك ان العبريين كانوا يتكلمون لغة اخرى قبل ان يقتبسوا لغة نصوص التوراة من الكنعانيين ، السكان الاصليين في جنوب بلاد الشام . ويشير الى صحة هذا القول ان بعض اسماء اسباطهم لا يعود في اصوله الى اية لغة محلية من لغات (البؤر البشرية الأصلية) في بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام . ويصعب علينا ايضا ان نربط اسم الههم (يهوه) بأصل كلمة من كلمات احدى اللغات الأصلية في المنطقة . ولذلك يعتقد ان اصل اسم هذا الاله يعود الى لغة قديمة كانت القبائل العبرية تتكلمها قبل ان تقتبس اللغة الكنعانية .
ويتفق هذا بطبيعة الحال مع قولنا الفائت الذكر انه كانت توجد شعوب وقبائل قديمة كثيرة اقتبست لغات شعوب اخرى دون ان ترتبط بها بصلة قربى . وكما ذكرنا فقد تم ذلك عن طريق احتكاك هذه الشعوب والقبائل، خلال تجوالها، بنظيرها من الشعوب والقبائل الأخرى واخذ كل منها عن الآخر مفردات كثيرة واحياناً بعض جوانب النحو والصرف. ولكن اللغة الاقوى والاكثر تطوراً صمدت امام اللغة الأضعف ، التي ذابت وانقرضت تدريجياً بحكم هذه التأثيرات المتبادلة.
ويمكننا تشبيه هذه الظاهرة الحضارية – التاريخية بالأمواج الناتجة عن القاء حجرين متفاوتي الحجم والثقل في آن واحد وفي موضعين متجاورين في بحيرة راكدة المياه. ونجد هنا امواج الحجر الأكبر حجماً ووزناً تبتلع امواج الأخرى ، وتبقى الأمواج القوية ظاهرة للعيان مادام مركز الثقل يمدها بأسباب الاستمرار. وهذا ما حدث ايضاً للعبريين وغيرهم من القبائل الغربية التي غزت واستوطنت بعض مناطق بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين. كذلك يمكننا اخضاع جميع لغات الشعوب وقبائل " البؤر الاصلية" في المنطقة العربية الاسيوية لهذا المبدأ ، اذ اندثرت اصولها الاولى امام اختلاطها المستمر فيما بينها، وتمثلت حصيلة هذا الاختلاط فيما اصبحنا نعرفه " باللغة العربية" ولذلك لا يجوز ان نعتمد فقط ما يسمى بـ " نظرية الاصل " التي قال بها Schlötzer وغيره من الباحثين، اللهم باستثناء بعض المراحل التاريخية التي اعقبت نشوء الدولة وحماية حدودها الاقليمية امام غزو القبائل والشعوب الغريبة عنها.
وامام هذه الحقائق لا نستطيع ان نميز " حضارياً " و "عرقياً" فيما بين الشعوب والقبائل المحلية الاصلية في المنطقة التي شكلت فيما بعد " الوطن العربي" عامة وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام وبلاد ما بين النهرين خاصة . ولكن ذلك يمكن تحديده بين هذه من جهة وبين الشعوب والقبائل الغربية عنها الجبلية منها والبحرية من جهة اخرى. ولذلك فان التاريخ السياسي والحضاري لهذه المناطق نشأ وتطور نتيجة لعاملين اساسيين هما :
1- الصراع الطويل الذي نشب فيما بين الشعوب والقبائل الاصلية في مناطق غرب آسية.
2- الصراع المرير الذي نشب بين هذه الشعوب والقبائل الأصلية وبين الغريبة الغازية لمناطقها.
________
1) Moortgat, A., Die kunst des Alten Orients und die , Bergvölker, Berlin, 1932.
-) Moortgat, A., Geschlchte Vorderasiens bis zum Hellenismus, 2. Auflage, 1959, S. 321-393
المرجع الأخير معرب بعنوان (تاريخ الشرق الأدنى القديم) : دكتور توفيق سليمان ودكتور علي ابو عساف ، 1967 م .
2) ليست هناك دلائل مادية اثرية الى انتماء (الهيكسوس) الى ما يسمى بـ (الساميين) وليسوا بالتالي حسب مفهومنا الجديد ما اطلقنا عليه تعبير (البؤر البشرية الأصلية) في مناطق شبه الجزيرة العربية وبلاد ما بين النهرين وبلاد الشام .
3) لا أساس من الصحة للتفسير الشائع في كثير من المراجع العربية ان اسم هذه القبائل مشتق مما يدعى (عبورها نهر الأردن) .
4) Moorigat, A., Geschichte Vorderaslens bis Zum Helleismus, S. 388, " … In derselben Aamama-Korrespondenz… tauche auch die Hablru-Leute auf, in denen man, wie heutzutage: = allgemein angenommen, nicht so sehr ein ethnisches Elementzu sehen hat, als vielmehr elnen Verband von Freibeutern aus der Wuste, die das kananäische Land am Jordan selt dem 14. Jh. Helmsuchen …"المرجع معرب بعنوان (تاريخ الشرق الأدنى القديم) : د. توفيق سيلمان ود . علي ابو عساف سورية ، 1967 .
5) التوراة ، سفر التكوين – الاصحاح الحادي عشر – 31 .
6) Wreight, G. Emest, Biblical Archaeology, 1st. pub, 1957, (Biblische Archäologie, 1958, S. 33).
7) سفر التكوين : الاصحاح الثامن : 4 .
8) Schott, A, Das Gilgamesch-Epos, 11. Tafel, S. 80.
9) Wreight, op. Cit. p. 33-37.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|