أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-9-2016
1935
التاريخ: 11-9-2016
1321
التاريخ: 12-9-2016
2824
التاريخ: 11-9-2016
1676
|
وجد المهتمون بدراسة الحضارة العراقية القديمة وكتاباتها المسمارية بان هناك لغة آخري الى جانب اللغة الاكدية، واعتقدوا في بداية الأمر ان هذه اللغة هي لغة خاصة بالكهنة يستعملونها في طقوسهم الدينية(1). وسرعان ما لاحظ العلماء المختصون باللغات القديمة ان هذه اللغة تختلف عن اللغة الأكدية ولهجتيها المتفرعتين منها وهي الاشورية والبابلية، ومن هنا برزت نظرية تفيد بان هذه اللغة المجهولة الهوية تعود الى احد الاقوام التي سكنت بلاد الرافدين، ومن الباحثين من ارجعها الى السيثيين وهي الاقوام التي كانت تستوطن المناطق الشمالية من البحر الاسود(2)، ولكن وبعد جهود مضنية من قبل الباحثين وخاصة العالم (بوليس اوبرت) الذي كان له الفضل الاول في تحديد تسمية هذه اللغة واصحابها السومريين في حدود عام 1869م، ولكنه قال في احد ابحاثه بان اللغة السومرية لها صلات قريبة مع التركية والفنلندية والهنغارية لأنها لغة ملصقة شانها في ذلك شان تلك اللغات(3).
ان من بين الاسباب التي تكمن وراء صعوبة التوصل الى معرفة هوية تلك اللغة وصعوبة التعرف على علاماتها وقواعدها ان اللغة السومرية ليست من اللغات الجزرية وهي فضلاً عن ذلك لغة ليست لها ما يشابهها من اللغات المنقرضة او المتداولة، مما حمل المستشرقين على تقديم افتراضات عديدة حول الموطن الاصلي للسومريين ولغتهم(4).
لقد كتب السومريون اسم المنطقة التي سكنوها (سومر) كي-اين-جي ki-en-gi التي تعني حرفيا بلاد سيد احراش القصب، واطلق العهد القديم على تلك المنطقة اسم سهل شنعار(5)، وربما يكون اسم سومر مأخوذ من اسم قديم لمدينة نفر التي عرفت بانها من اهم المدن السومرية المقدسة لوجود معبد الآله انليل فيها(6)، ولربما المقصود بالأحراش هنا الألة السومري (انكي) أو (ايا)(7)، فيما يذهب آخرون الى ان (كي-اين-جي) مقطع مركب يتألف من الكلمات بلد (كي) رب (ان) البردي (جي) ليصبح المعنى كاملاً بلد الأله انكي(8).
لقد دلت عمليات التحري والتنقيب في السهل الرسوبي على ان موقع اريدو (25 كم شمال شرق مدينة اور) يمثل اقدم استيطان في بلاد سومر والذي يرجع تأريخه الى حوالي (5000-5500 ق. م)(9)، ولكن الدراسات الحديثة تؤكد على ان جنوب العراق قد سكنته اقوام نجد بعضاً من مفرداتهم اللغوية ومسميات بعض الاشياء تتداخل مع اللغة السومرية وقد سمى لاندزبيركر تلك الاقوام باسم (الفراتيون الاوائل)(10).
ومن خلال ما تقديم يمكننا القول انه قد حدثت هجرات الى السهل الرسوبي حملت اقواماً جديدة استقروا في بلاد سومر وتعايشوا مع سكانه الاوائل وعرفوا باسم السومريين وعرفت لغتهم بـ (اللغة السومرية) وذلك نسبة الى بلاد سومر(11)، ولكن يبقى اتصل هؤلاء السومريين مسألة معقدة بحيث تولدت لدى المعنيين بحضارة العراق القديم وتأريخه ما يسمى بـ (المشكلة السومرية).
ان من اهم الاراء الحديثة المعتمدة الآن عن اصل السومريين هو الرأي الذي يرى انهم من الاقوام التي سكنت في بلاد سومر بعد ان اصبح السهل الرسوبي صالحا للاستيطان منذ الألف الخامس ق. م وكانوا منحدرين من الاقوام المحلية في العراق القديم، وربما هم من سكنة قرى شمال العراق وشرقه ووسطه، كانوا قد وصلوا بلاد سومر على شكل دفعات وربما انضمت اليهم اقوام اخرى نزحت من الاقسام الشمالية من الجزيرة العربية وايضاً من الجهة الشرقية أي ايران وربما اقوام اخرى، ومن ثم استطاع السومريون السيطرة على بلاد سومر وذلك لانتسابهم الطبيعي للأرض، وربما لكثرة عددهم ايضاً فكونوا اول سلطة رسمية لبلاد سومر، ودليلنا على ذلك ان لغتهم كانت اول لغة مدونة في العراق القديم لأنها اللغة الرسمية للدولة(12). وهناك اعتقاد بان لغتهم تعود الى مجموعة لغوية كبيرة غطت كل منطقة غربي آسيا وربما امتدت ابعد من ذلك، واستناداً على هذا يمكن ان يكون السومريون هم فرع لشعب استوطن الجزء الاكبر من الشرق الأدنى في العصور الحجرية الحديثة والحجرية المعدنية، أي انهم قد تواجدوا في ارض العراق منذ تلك العصور السحيقة في القدم(13).
ان أهم اختراع توصل اليه العراقيون القدماء هو ابتكار الكتابة كان مقترناً بالسومريين اذ اكتشفت اقدم النصوص الكتابية في مدينة الوركاء في حدود عام 3500 ق.م وكانت عبارة عن نصوص اقتصادية مكتوبة بأبسط انواع الكتابة وهي تسمى بالكتابة الصورية، ولهذا سمي النصف الثاني من عصر الوركاء وجمدة نصر وعصر فجر السلالات الأول بالعصر الشبيه بالكتابي(14).
فضلاً عن ذلك كانت هناك مجموعة من الانجازات الفنية الكبيرة في مجال العمارة والفنون وصناعة الفخار التي شكلت بمجموعها مقومات حضارة سميت بالحضارة السومرية التي ولدت في جنوب العراق وشعت على اقطار الشرق الادنى واثرت تأثيراً عميقاً على الحضارات الشرقية بعد نضوجها في عصر فجر السلالات الذي مثل عصر السيادة السياسية والحضارة السومرية(15).
لقد كان امتداد السومريين واضحاً بحضارتهم ومتوافقاً مع الامتداد الطبيعي لطبيعة الأرض ما بين بلاد الرافدين والبلاد السورية في الغرب، فنجد حضارة العصر الشبيه بالكتابي في مراكز الحضارة على الفرات والخابور وظهر لنا فخار العصر الشبيه بالكتابي في تل براك وجاغار بازار(16) وتل حلف وفي كركميش ووصل حتى اوغاريت (راس شمرا) ومواقع اخر عديدة(17) لعل من ابرزها موقعي حبوبة وتل قناص الواقعين على نهر الفرات واللذان مثلا شاهداً واضحاً لأمتدادات الطرز الفنية والعمارية السومرية(18).
ان هذا يدحض ما ذهب اليه الباحث جورج رو بقوله:
(ان الحضارة السومرية القديمة بقيت مقتصرة على النصف الجنوبي من العراق ولم تنتشر في كل ارجاءه وان امكن تعقب تأثيرات ضعيفة لها في ماري وفي منطقة الفرات الاوسط الشمالي)(19)، في حين تشير الشواهد العمارية التي تمثلت في تل براك ومعبدة الذي سمي (معبد العين) والذي عثر عليه ماكس مالوان عام 1938 اذ تبين من تخطيطه ونوعية اللبن المستعمل في بناءه وهو من النوع المسمى (ريمشن)، ثم زخرفته بالمخاريط الملونة واسلوب تشييده فوق بناء اقدم، كل ذلك يفصح بصورة جلية عن طريقة بناء المعابد السومرية(20).
اما في عصر فجر السلالات (2800-2370 ق.م) والذي حكمت فيه مدن انتشرت من جنوب العراق مروراً بمنطقة ديالى حتى ماري على اواسط الفرات فقد لعبت مدن كيش وماري وايبلا دوراً متميزاً في توضيح الامتدادات الحضارية ما بين بلاد الرافدين وبلاد الشام من خلال ما تم استظهاره ومن رقم طينية كتابية ومخططات عمارية للمعابد، وكذلك في بعض انواع الفخاريات والمنحوتات التي تم الكشف عنها في مواقع سورية عديدة توضح ان الحضارة السومرية كان لها حضور في المراكز الحضارية التي تعود لهذا العصر، خصوصاً في ماري(21) وتل خويرة (22) حيث كانت طرز منحوتاتها البشرية التي اكتشفت في معابدها من نفس مدرسة النحت المجسم التي عرفتها منحوتات معابد تل خفاجي وتل أسمر في منطقة ديالى(23).
ولا بد لنا من القول هنا انه لا يوجد دليل على ان الحضارة السومرية قد مدت تأثيراتها عن طريق الفتوحات العسكرية، بل عن طريق الكتاب والفنانين والتجار الذين كان لهم حضور في تلك المناطق التي تعاملوا معها ونقلوا من خلال ذلك التعامل كل ما يحملونه من فكر وفن بالتالي اصبحت حضارتهم هي الطابع المميز لها(24)، ومن هنا حتم علينا هذا الامتداد للحضارة السومرية التحدث عن السومريين كواحدة من الجماعات التي كانت لها دور مميز في حضارة بلاد الشام القديمة.
___________
(1) الأحمد، سامي سعيد، السومريون وتراثهم الحضاري، (بغداد، 1975)، ص 41.
(2) علي، فاضل عبد الواحد، "السومريون والاكديون"، العراق في التاريخ، (بغداد، 1983)، ص 64.
(3) كريمر، صموئيل نوح، السومريون، ترجمة فيصل الوائلي، (الكويت، 1972)، ص 27.
(4) المصدر نفسه. وحول تلك الافتراضات انظر:
علي، فاضل عبد الواحد، من الواح سومر الى التوراة، (بغداد، 1989)، ص 24 وما بعدها.
(5) الأحمد، سامي سعيد، العراق القديم، ج1، (بغداد، 1978)، ص 226.
(6) الأحمد، سامي سعيد، السومريون، ص 41. وحول الآلهة والديانة السومرية ومعابدها. انظر:
موسى، مريم عمران، الفكر الديني عند السومريون في ضوء المصادر المسمارية، اطروحة دكتوراه غير منشورة، (جامعة بغداد، 1996).
(7) باقر، طه، مقدمة، ج1، ص 60.
(8) رو، جورج، العراق القديم، ص 585.
(9) باقر، طه، مقدمة، ج1 ص 225.
(10) كريمر، صموئيل نوح، السومريون، ص 54.
(11) الحاج يونس، ريا محسن، فجر الحضارة السومرية في ضوء اختام عصري الوركاء وجمدة نصر، اطروحة دكتوراه غير منشورة (جامعة بغداد، 1998)، ص 42.
(12) المصدر نفسه، ص50.
(13) رو، جورج، العراق القديم، ص 123.
(14) اسماعيل، بهيجة خليل، الكتابة، حضارة العراق، ج1، (بغداد، 1985)، ص 221.
(15) رو، جورج، العراق القديم، ص 116.
(16) حول التنقيبات في هذين الموقعين انظر:
Mallawan, M., Excavations at Brak and chagar Bazar, IRAQ, vol, 9, 1947, P.IFF.
انظر كذلك: مالوان، ماكس، مذكرات مالوان، ترجمة سمير الجلبي، (بغداد، 1987)، ص 123 وما بعدها.
(17) الحاج يونس، ريا محسن، فجر الحضارة السومرية، ص 81.
(18) انظر الفصل الثالث ص 83 وما بعدها.
(19) رو، جورج، العراق القديم، ص 117.
(20) Mallawan, M., IRAQ, vol 9, 1947, P31.
(21) بارو، اندري، سومر فنونها وحضارتها، ترجمة عيسى سلمان وسليم التكريتي، (بغداد، 1979)، ص 151 وما بعدها.
(22) يقع تل خويرة في منتصف المسافة بين بلدتي رأس العين وتل ابيض في محافظة الرقة. وحول التنقيبات في هذا التل انظر:
الحوليات السورية، (م4،1954)، (م 2، 1955)، (م27 280، 1977، 1978)
(23) ابو عساف، علي، اثار الممالك القديمة، ص 221.
(24) مرعي، عيد وفيصل، عبد الله، تاريخ الوطن العربي القديم، ط2، (دمشق، 1999)، ص 184.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|