المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6763 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

الاستدلال على التوحيد الفطري
23-09-2014
دلالات الحيوانات في الخيمياء: السلمندر روح النار
7-12-2021
عدله (عليه السلام)
30-01-2015
JFET biasing
12-5-2021
Theodor Franz Eduard Kaluza
16-6-2017
الدلالة (اللغة ظاهرة اجتماعية)
9-4-2019


الاوضاع السياسية عند السومريين  
  
2585   06:07 مساءاً   التاريخ: 11-9-2016
المؤلف : عبد العزيز صالح
الكتاب أو المصدر : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق
الجزء والصفحة : ص394-401
القسم : التاريخ / اقوام وادي الرافدين / السومريون /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-9-2016 1833
التاريخ: 12-9-2016 2870
التاريخ: 11-9-2016 2558
التاريخ: 12-9-2016 4819

التطور السياسي:

اعتمدت الحياة السياسية في بلاد سومر على إمارات المدن ودويلاتها، كما روت الأساطير وبما يشبه ما أصبح يسمى فيما بعد "  City-States"،  دون أن تتطور إلى نظام الدولة المركزية الكبيرة الواحدة. وترتب على ذلك أن تعاصرت دويلات وأسر حاكمة كثيرة في مثل مدن كيش "تل الأحيمر"، وأوروك "إيانا" القديمة ثم إرك وأوروك وأخيرًا الوركاء"، وشوروباك "فارة"، وأور "المقير"، ولجش "تلو"، وأوما "تل جوخة"، وإريدو "أو شهرين"، وسيبار "أبو حبة"، وخفاجي، ونيبور "نفر" ...

وتلقب رأس الحكم في المدينة السومرية في بداية أمره بلقب "إنسي"(1)، ربما بمعنى النائب أو الوكيل، إشارة إلى وكالته عن معبود مدينته في حكم بلده وأهلها. وإشارة إلى القداسة بالوكالة التي يرتكز عليها في ممارسة سلطاته الدينية والمدنية(2). ويرى ياكوبسن " Th. Jacobsen" أنه سبق إسناد الرياسة إلى رئيس واحد، نوع من الحكم الثيوقراطي كان يتولاه من يلقب بلقب سانجا ويشرف على شئون المعبد الرئيسي ومصالحه، ونوع من الحكم الديموقراطي تمثل في وجود مجموعة من الشيوخ كانوا يجتمعون في مجالس عرفية ويتشاورون في أمور مدينتهم، ويسندون القيادة إلى واحد منهم خلال الحروب، واعتمد ياكوبسن في تخريجه هذا على عبارات وردت في قصص جلجميش وقصة إنمركار وما تضمنته الأساطير من مجامع الأرباب، ولو أنها عبارات ليس من الضروري أن تدل على ما ذهب إليه. وظلت الصبغة الدينية ألصق بلقب "إنسي" وترتب عليها أن انفسح المجال أمام كهنة المعبودات السومرية ليكون لهم شأن فعال في أوضاع دويلاتهم وسياستها، وظلت معابدهم تنتفع بنصيب كبير من ثروات المدن وأرضها وضرائب أصحابها، حتى أصبحت بأملاكها شبه وحدات اقتصادية وإدارية قائمة بذاتها(3). ومعنى هذا أن الصبغة الدينية للحكم كانت سلاحًا ذا حدين، فهي وإن ضمنت بعض القداسة للحاكم، إلا أنها كان يمكن أن تخلق أمامه منافسين أو منتفعين من رجال الكهنوت. ولهذا مال حكام المدن إلى تغليب الصبغة السياسية في سلطاتهم، وتلقب كل منهم بلقب "لوجال"، بمعنى الرجل الجليل وبما يرادف لقب ملك، واتسعت سلطاتهم المدنية على حساب سلطان الكهان، كما ظلوا من الناحية الشكلية يعتبرون ممثلين لمعبوداتهم على الأرض، ويدعون أنهم يصدرون في تصرفاتهم عن وحيهم لا سيما في فترات الحروب، ثم تركو لقب إنسي لولاتهم الفرعيين، وإن استعادوه لأنفسهم من حين إلى حين ليؤكدوا صلاتهم بأربابهم وتواضعهم إزاءهم. وظهرت لهذا التطور في سلطان الحكام السومريين أمثلة شرقية أخرى لاحقة لعصورهم، فبدأ الحكم في جنوب شبه الجزيرة العربية بنفس الصبغة وتلقب الحكام هناك بلقب مكرب ولقب مزود، ثم انتقل هؤلاء وهؤلاء إلى ألقاب الملوك وأكدوا بها الصفة الدنيوية في حكمهم.

وهكذا قطع السومريون أكثر من خمسة قرون من عصر بداية الأسرات العراقي، غابت فيها الوحدة السياسية الكاملة عن آفاقهم، ولم تجمع بين مدنهم محالفات بريئة طويلة الأمد في غير القليل النادر، ومن هذا القبيل صداقة بعض حكام كيش الأقدمين لمعاصريهم حكام لجش لفترة من الزمن، وإن ظلت اليد العليا الحكام كيش في هذه الصداقة.

ويبدو أنه لم يكن يدفع دويلات المدن تلك إلى محاولات الترابط من حين إلى آخر، غير الرغبة في تحقيق منافع ذاتية في أغلب الأحوال، ومن هذا القبيل رغبة المدن القوية في بسط نفوذها على جيرانها، أو رغبتها في تصريف منتجاتها وتأمين سبل تجارتها عن طريق استبقاء علاقات الود مع جيرانها الذين تسلك قوافل تجارتها أرضهم وتجد أسواقها عندهم، أو رغبتها في سد مطالبها من المواد الأولية التي تتوفر في منطقة قريبة منها. ولم تتطلع دويلة منها إلى تحقيق وحدة وطنية ثابتة تستهدف الصالح العام السومري، إلا في عهود متأخرة نسبيًّا، وذلك على الرغم من أن أهلها في مجموعهم كانو يحسون تلقائيًّا بوحدة جنسهم، جنس أصحاب "الرؤوس السود"، ووحدة الأرض "كالاما" التي عاشوا عليها، ويحسون بتقارب مذاهبهم التي شجعتهم على أن يتمثلوا بعض أربابهم في بعض آخر، ويتخيلوا صفات بعضهم لبعض آخر، وذلك فضلًا عن شعرهم برقي حضاراتهم في جملتها عن حضارات جيرانهم من أهل البوادي وأهل الجبال لا سيما بعد أن اتسعت ... وأخذت بثقافتهم مدن غرب الفرات ومدن شرق دجلة، وغير هذه وتلك من مدن العراق.

وليس من المستبعد أن حياة اللامركزية السومرية كانت لها مزاياها الداخلية من حيث تفرغ الحكام لأحوال دويلاتهم وإلمامهم بمشاكلها نتيجة لانحصار رقعتها، فضلًا عن قربهم من رعاياهم وصلتهم المباشرة بهم؛ ولكنها من جهة أخرى زادت من فرص المشاحنات بينهم على الحدود وعلى النفوذ وحرمت أصحابها من الانطلاق الدولي بمعناه الواسع.

ويمكن ترتيب ما يماثل هذه النتائج بتوجيهها إلى الإنتاج الحضاري للمدن السومرية، فقد ارتقت كل مدينة بحضارتها رقيًّا يناسب إمكانياتها. وحاولت كل منها أن تبتدع في صناعاتها وفنونها جهد طاقتها، كما يتضح مما بقي من روائع مخلفات مدينة أور وغيرها، ولكن عز عليها في الوقت نفسه، نتيجة لتفرق إمكانياتها، أن تنتج من العمائر وفنون الدنيا والدين ما يضارع العمائر والفنون المصرية التي عاصرتها فيما بين القرن الثلاثين وبين أواسط القرن الرابع والعشرين ق. م سواء في روعتها أم في ضخامتها واتساع مسطحاتها.

صورت المصادر السومرية المتفرقة طرفًا من أواخر أدوار التنافس وأعنفها بين مدينتي لجش "تلو"، وأوما "تل جوخة"، وقامت كلتاهما على أحد فروع الفرات الداخلية. وبدأ التنافس بينهما على موارد الماء وحدود الزراعة، ثم تدخل للفصل بينهما "ميسيلم" أحد حكام كيش الأوائل، وكانت له صلة ما بمدينة لجش سمحت له بأن يقدم هداياه إلى ربها نين جيرسو، وربما شارك في بناء معبده، في الوقت الذي حكم لجيش فيه حاكم يدعى لوجال شاج نانشه "أو شاج أنجور"، ففرض بينهما حدودًا فاصلة بعد أن أقنعهما بأن معبودته أوحت إليه بتقرير السلم بينهما، وبأن ما أوحت إليه به كان عن أمر الإله إنليل نفسه، ثم أقام نصبًا سجل عليه قضاءه بينهما(4). ولكن النزاع الحدودي بين المدينتين كان قد تطور في جوهره إلى تنافس على الزعامة والسيطرة.

وظهر في لجش عدد من رجال الإصلاح والسياسة(5)، عرف التاريخ منهم مؤسس أسرة حاكمة يدعى أورنانشه "وكان ينطق من قبل أورنينا"، نشط العمران الداخلي في عهده، وصوره فنانه في نقوش لوحة صغيرة من الحجر الجيري ومن حوله أولاده وأفراد حاشيته، يحمل فوق رأسه سلة يحتمل أنها كانت تتضمن بضعة نماذج من أدوات البناء والتعمير، أو تتضمن كمية من الطين أو التراب لضرب اللبنات الأولى في حفل إقامة مشروع جديد "قد يكون مشروعًا دينيًّا"(6)، ثم صوره في لوحة أخرى صغيرة "ذات ثقب مستدير في وسطها" يسير في هيئة المتعبد أو الداعي يضع يديه على أسفل صدره، ومن خلفه حاجبه بحجم صغير يرفع يديه على هيئة التحية، ثم أربعة من الأمراء أبنائه في صفين يسيرون على هيئة أبيهم، وكلهم يرتدون ثيابًا نصفية تمتد من أسفل الصدر إلى ما تحت الركبة. ومثلت الصورة الثالثة هذا الحاكم الطيب في وليمة لعله كان يحتفل فيها بإتمام مشروعه. وجاء في نصوصه أن سفنه وسفن دلمون نقلت الأخشاب الضرورية لبناء المعابد على متن النهر. ومع اتجاهه الديني امتد نفوذ أورنانشة خارج بلده وحتى مدينة أور.

ثم حاكم من أحفاده يدعى إياناتم  Eannatum،  كان رجل الحرب في دولته، تطور التنافس في أيامه إلى دوره العنيف مع أوما، ويبدو أن حكامها ومنهم من يدعى أوش، تنكروا في عهد سلفه لمعاهدة السلام القديمة وأظهروا العدوان واحتلوا الأطراف الزراعية "جوادنا" الفاصلة بين المدينتين، فرد إياناتم لهم الصاع صاعين، وذكرت نصوصه أنه استفتى ربه في حربهم وزار معبده واستلقى فيه على وجهه، فتمثل له نين جيرسو في رؤياه ووقف عند رأسه ووعده بأن ينصره وبأن قوة بابار سوف تؤيده(7). ولما تم النصر له على خصومه خلد فنانه ذكراه على لوحة تعرف اصطلاحًا باسم لوحة العقبان(8)، نقشت على وجهيها وبقيت منها ست قطع، صور ملكه عليها يحارب برمح غليظ وقوس وعصا معقوفة، راكبًا عربته، وراجلًا، وصور بعض جنوده المشاة في صفوف صغيرة يتترسون بتروس كبيرة يقل ارتفاعها عن قامة الرجل بقليل، ويحملون رماحهم أفقيًّا، ومشاة آخرين يتسلحون بالحراب الطويلة المشرعة والبلط، وجعل لبعض هؤلاء وهؤلاء ما يشبه الخوذ على رءوسهم، وذكر أن من استشهدوا منهم دفنوا في ساحة المعركة بعد النصر في احتفال مهيب، وصور بعض إخوانهم يحملون سلال التراب ليوسدوهم في باطن الأرض، ثم صور جثث الأعداء عارية ممددة تحت أقدام الجنود، وصور بعضها الآخر تنهشها الأسود والعقبان وصغار الطيور، وذكر أن ضحاياه بلغوا 3600 رجل.

وصور الفنان ملكه يزجي الشكر لربه نين جيرسو ويصب القرابين في حضرته، وصور هذا المعبود على ظهر اللوحة على هيئة شيخ جليل يقبض بيسراه على أطراف قفص ذي شباك ارتمى فيه بعض ضحاياه وتخبط فيه بعض آخر كالأسماك، وأشهر مقمعته بيمناه كأنما يرعب بها من بقي منهم على قيد الحياة. وكأنما أحاط بهم وأوقعهم في شباكه. ووفق الفنان إلى تصوير منظره هذا وأغلب صوره الأخرى توفيقًا واضحًا بالنسبة لعصره، واتبع في تصوير بعض الجنود طريقة التصفيف الرأسي فجعل أدناهم مكانًا أقلهم ارتفاعًا وأبعدهم مكانا أكثرهم ارتفاعًا، وإن أخطأ فجعل هؤلاء الأخارى أضخم في حجومهم ممن يتقدمونهم.

ولما استقر النصر لإياناتم وجنوده، أعاد تخطيط الحدود، لصالح دولته بطبيعة الحال، وأجبر خصومه على عقد معاهدة جديدة أعاد بمقتضاها النصب القديم إلى مكانه، وحفر رجاله خندقًا كبيرًا على طول الحدود وأقاموا عدة نصب على امتداده، وبنوا على جانبيه عدة مزارات لمعبوداتهم لتكون رادعًا للعدوان، ويبدو أنه كان من المفروض أن تجري المياه إلى الخندق من قنوات أوما المهزومة. وأراد إياناتم أن يخفف وقع الهزيمة على خصومه فسمح لهم باستغلال جزء من الأرض الحدودية بشرط أداء الضرائب عليها, وذكرت نصوصه أن رجاله حفروا قناة كبيرة امتدت من النهر إلى خزان متسع كبير عند مدينة لجش(9). ثم شجعه نصره على مهاجمة مدن أور وأوروك وكيش وغيرها، واشتد على حكامها، وابتغى أن يكفل لنفسه السيادة على أرض سومر، وادعت نصوصه أنه تجاوز حدودها شرقًا وغربًا، ولكنه لم يتمتع بثمرة انتصاراته طويلًا، فثارت ضده أغلب المدن التي حاول إخضاعها، ولقي بعض الفشل بجنوده على حدود إلام "عيلام في إيران".

ولما قضى الرجل نحبه حاول بعض خلفائه أن ينهجوا نهجه في الحرب وبسط النفوذ، فكانت لهم حروبهم على حدود عيلام وحاولوا زيادة اتصالاتهم ببلاد الشام. فقد خلفه أخوه إناناتوم الذي ذكر في نصوصه أن نانشه قد أحبته، وأن إنانا سمته باسمه، وعلمه إنكي الحكمة، ووهبه إنليل القوة، وزكاه الملك أوروسكار، حتى لقد أصبحت الأقطار الأخرى ملك يمينه وألقى الثوار تحت أقدامه - وظل مع ذلك يعتبر إنسيًا للآلهة وأقام لهم المعابد وأصلح مرافق بلده(10). ولكن لم تخل الأيام من منازعات مع دولة أو ما قص خبرها أحد كتبة "إينتيمنا" "ابن أخي إياناتم" على أسطوانتين من الطين، وبدأ قصته بعلاقات المدينتين منذ أيام ميسيلم، وأنهاها باستنزال اللعنات على من يتعدوا الحدود الموسومة باسم نين جيرسو ونانشه، سواء أكانوا من دويلة أوما أم من غيرها، واستعدى عليهم ربه إنليل ودعا عليهم بأن يلقي عليهم نين جيرسو شبكته، وأن تتنزل عليهم يده الرفيعة وقدمه السنية من عل. ولم يكتف الرجل باستنزال اللعنات، وإنما تلاقى جيشه مع خصومه أهل أوما في سهل "جانا أوجيحا" ودحرهم، ثم أعاد الكرة عليهم حينما سيطر على حكمهم كاهن يدعى "إل" ذهبت آماله إلى حد الطمع في مهاجمة لجش نفسها. وتخلفت من عهد إينتيمنا آثار عدة أهمها آنية فضية ذات نقوش رائعة، ولوحة صغيرة منقوشة من الطمي المشبع بالقار، "سوف نعرضهما بعد قليل"، ونشط في إقامة المعابد وزاد من إهداءاته لها.

ويبدو أن حرص الحكام على رد انتصاراتهم إلى تأييد أربابهم، وحرصهم على استفتاء وحيهم وطلب عونهم، شجع كهنة أولئك الأرباب على أن يتمتعوا بنفوذ كبير في ظل ملوكهم وعلى أن يشاركوهم قيادة الجيوش لحماية ذمار مدنهم، كما شجعهم على أن يذكروا أسماءهم إلى جانب أسمائهم، وسمحت لهم هذه الأوضاع بأن يزيدوا ثراء معبادهم ويضاعفوا التزامات السكان إزاءها، بل ويشتطوا في تحصيل نصيب وافٍ من الضرائب على كل ما كبر أو صغر حتى على جز صوف الغنم وعلى طلاق الرجل لامرأته وعلى دفن الموتى، فانضاف استغلالهم إلى استغلال ضعاف النفوس من الولاة ورجال القصر وكبار الموظفين وجباة الضرائب، بحيث قيل إن بيوت الحاكم وضياعه وبيوت حريم القصر ومزارعهن، وبيوت أطفال القصر ومزارعهم، أصبحت يتاخم بعضها الآخر وتتلو بعضها بعضًا. ومن المحتمل أن نفوذ الكهنة قد تضخم حينذاك بحيث شاركوا الحكام أهميتهم، إن لم يكونوا قد طغوا على نفوذهم فعلًا(11)، حتى استرجع النفوذ منهم، واسترجع الحكم الصالح في الوقت نفسه، لوجال "أوركاجينا" وقد وجه همه إلى الإصلاحات الداخلية في عهده القصير الذي لم يزد عن ثمانية أعوام، وتعمد أن يحد من دخل الكهان ويمنع الرشا ويعزل من حامت الشبهات حولهم من الموظفين، فأصدر عدة قرارات تحدث في بدايتها عن المساوئ التي سبقت عهده، وكيف كان الكهنة والموظفون يغتصبون فيها أرزاق العباد ويستغلون مزارع المعابد وماشيتها كأنما هي ملك خالص لهم، ويشتطون حتى في تحصيل أجور الدفن. وأعلن في أحدها كيف أقر ربه بأسه في قلوب ستة وثلاثين ألفًا من رعاياه، وكيف وفقه إلى أن يسير على هديه، ويعيد حرية  Ama-Ar-Gi  الأهلين الذين قاسوا المظالم، فخفف عن الملاحين عبودية العمل في مراكبهم لمصلحة نظار الملاحة، وخفف عن الرعاة عبودية العمل وراء الحمير والأغنام لمصلحة نظار الماشية. ولا ندري هل عني بذلك تخفيف ساعات العمل عليهم أم الحد من سلطة الرؤساء في استغلالهم. وشجع ذلك كاتبه على أن يقول إنه لم يعد هناك جانب للضرائب في عهده، وروى كيف أنه لم يسمح لشخص كبير بأن يشتري دارًا تجاور أملاكه إلا أدى في مقابلها ما يرضي صاحبها، أو يشتري جحشًا دون أن يؤدي ثمنه لصاحبه. وأعلن استعداده أمام ربه نين جيرسو لرعاية الأرامل والأيتام وحماية الفقراء من الأغنياء(12).

ويفهم من نصوص عهده أن إصلاحاته خفضت أجر كاهن الدفن إلى ثلاث قدور من النبيذ وثمانين رغيفًا وتيس وأريكة "؟ "، بعد أن كان يتقاضى سبع قدور و420 رغيفًا وتيسًا وعدة أرائك. وخفض مرتبات بعض الكهنة إلى النصف، وألزم العرافين في المعابد بأن يقدموا تنبؤاتهم بغير مقابل بعد أن كانوا يشتطون في فرض أجورهم عنها على الناس.

ومهما يكن من أمر تقدير إصلاحات أوروكاجينا باعتبارها مجرد تنظيمات إدراية أو باعتبارها بداية متواضعة لتشريعات العراق، فإنه يبدو أن عصره كان يتطلب منهاجًا آخر إلى جانب منهاج الإصلاح الداخلي، فقد ظهر في أوما عدوة لجش اللدود حاكم طموح وهو لوجال زاجيزي، استفاد من انصراف أهل لجش إلى حياة السلم، فهاجمهم بجيشه وضرب مدينتهم وأساء إلى ملكهم، وسجل أحد كتبة لجش ما أصاب بلده منه على لسان ملكه التقي، فصور كيف اعتدى رجال أوما على هياكل الأرباب وأملاكهم وكيف نهبوا مدخراتها وحرقوها، وعقب على ذلك بقوله "آذي رجال أوما لجش فأثموا في حق نين جرسو". ثم توعدهم القصاص العادل فتنبأ لهم بأنهم سوف يفقدون بأسهم، وبرر ذلك بقوله إنه ما من ذنب جناه ملكه، ملك جيرسو، ولكن الذنب كله ذنب زاجيزي، ولهذا فلن يحتمل إثمه وحده، وإنما سوف تحتمله معه ربته نيدابا "أونيسابا" فوق عنقها(13). ومعنى ذلك أن الناس كما كانوا يعتقدون أم المعبودات تشارك الحكام انتصاراتهم كانوا يعتقدون أنها تشاركهم أخطاءهم أيضًا.

وتجرأ زاجيزي بنصره فبدأ في تنفيذ مشروع لم يجرء أسلافه على المضي في تنفيذه، وهو مشروع توحيد المدن السومرية تحت زعامته، ونقل مركز نشاطه إلى أوروك، واعتبر نفسه ملكًا على سومر "لوجال كلاما"، "وربما سبقه إلى هذا الادعاء حاكم آخر يدعى إنشاكو شانا ولكن لم يتحقق له مدلول ادعائه"(14). ولم يهمل لوجال زاجيزي الاستعانة بالدين وأربابه فادعى أن أرباب سومر رعوه ورددوا اسمه ونصبوه في هياكلهم إنسيا للبلاد كلها، وظن يعتبر نفسه كاهنًا للإله آن إله أوروك الأكبر. وكان له في نفسه رأي آخر يختلف عن رأي أهل لجش فيه، فكتب أحد رجاله يقول على لسانه بعد أن عدد صلة مولاه بأربابه "عندما عهد إنليل رب الدنيا بملكية هذه الأرض إلى لوجال زاجيزي، أقر العدالة في الأرض وغلب بأسه البلاد من مشرق الشمس إلى مغربها، وفرض الجزى على أهلها. وحقت السيادة لإنليل حينذاك من البحر الأسفل والدجلة والفرات، إلى البحر الأعلى، واستقرت أحوال البلاد في سلام، وسقيت الأرض بماء السعادة .. " ثم دعا زاجيزي لنفسه بقوله؛ أدام "الإله" عمري أمد الحياة، ونشر السلام على الأرض، وأزاد الجنود "أو الناس" بعدد حشائش الأرض ... "(15). ولعله رأى أن توحيد البلاد غاية غالية تبرر ما يبذله من أجلها وما يمكن أن يلحق بالغير من أذى في سبيلها، وأنه كان في إعلاء شأن دولته إعلاء لشأن ربه إنليل، وأن حربه كانت حربًا مقدسة. ولم تقف آمال زاجيزي عند حدود بلده، وإنما تطلع إلى ما يمتد من البحر الأسفل "الخليج العربي" إلى البحر الأعلى "البحر المتوسط أو بحر قزوين؟ "، على حد قوله، وربما كانت له جهوده بالفعل في سبيل تحقيق أطماعه، لولا أن واجهته بوادر تغيير شامل سرت في أوصال بلاد العراق كلها وقضت على آماله جميعها، وكان أصحاب هذا التغيير هم الأكديون الساميون.

وتعين على السومريين منذ ذلك الحين أن منذ أواسط القرن الرابع والعشرين ق. م أن يتمهلوا مع الزمن حتى أتيحت لهم فرصة الظهور والغلبة مرة أخرى بعد أكثر من قرنين.

بيد أن السومريين وإن عز عليهم التوسع السياسي الكبير خارج حدودهم، فإن حضارتهم لم يعوزها الانتشار السلمي الواسع، فمدت جناحيها عن طريق التجارة على ضفتي الدجلة والفرات، وتركت بصماتها على فنون دويلة آشور ودويلة ماري وأطراف الشام الشرقية(16).

__________

(1) عن ترجيح قراءة هذا اللقب "إنسي" عن قراءتي "إيشاكو" و"باتيسي" القديمتين:

See, Falkenstein, Za, Xlii, 152 F.; F.M. Th Boehl, Maog, Xi, 37; and Anet, 267.

(2) Cf. Th. Jacobsen, "Primitive Democracy in Ancient Mesopotamia", Jnes, Ii "1943", 172.

(3) Th. Jacobsen, Jnes, 1943, 165 F.; "J. Author" The Intellectual Advemures of the Ancient Man, 1946, 186; Frankfort, the Birth of Civilization in the Near East, 68.

(4) E. De Sarzec, Decouvertesen Chaldee, Pl. I Ter; Encyclopedie Photographique De L'art, I, 176; G. A. Barton, the Royal Inscriptions of Sumer and Akkad, 1929, 2-3; Kramer, Tablets…, Ch. V.

(5) See, E. Sollbergen, Corpus Des Insciptions Royales Presargoniques De Lagash, Geneve, 1956.

(6) E. De Sarzeo, Op. Cit., Pl. 2 Bis; And See, Sumer, 1959, 21 F.; 1960, 35 F.

(7) Thureau-Dangin, Les Inscriptions De Sumer Et D' Akkad, 27.

(8) Heuzey Et Thurem- Dangin, Restitution De La Stele Des Vautours; Handcock, Mesopotamian Archaeology, Fig. 27 F.; Frankfortk, the Art and Architecture…, Pls. 34-35.

(9) كان اسم القناة "هو مادشا" ويحتمل أن تكون القناة الحالية التي تتفرع من دجلة عند قنطرة كوت وتنحدر جنوبًا حتى تلو "لجش" وتسمى شط الحي. أما الخزان فكان متسعًا وأكمل في عهد ابن أخيه أنتيمنا  Jacobsen, Sumer, 1969, 103 F.

(10) Iraq Museum, I.M. 67842; Sumer, 1973, 29 F.

(11) انظر ل. ديلابورت: المرجع السابق، ص29، 162.

Th. Jacobsen "Jauthor", the Intellecual Adventures of Ancient Man, 186.

(12) M. Lambert, "Les Reformes D'unukagina", Revue D'assyriologie, V, "1956", 169 F.; G.A. Barton, the Royal Inscriptions, 80 F.

(13)  Op. Cit., 90-91; Vorderasiatische Bibliothek, I, 58.

(14)  ل. ديلابورت: المرجع السابق - ص19.

(15)  Thureau-Dangin, Konigsinschriften, 219; G.A. Barton, Op. Cit., 98-99.

(16) See, M. Mallowaa, Iraq, Ix "1947"; Parrot, Syria, Xvi-Xvii "1935-6"; Revue D'assyriologie, Xxxi "1934", 180 F.; W. Andrae, Die Archaischen Ischtartemple In Assur, Leipzig, 1922.

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).