أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-8-2016
760
التاريخ: 4-9-2016
526
التاريخ: 2-9-2016
600
التاريخ: 4-9-2016
518
|
..الكلام عن جريان الاصول الشرعية المؤمنة في اطراف العلم الاجمالي، فهو تارة بلحاظ عالم الامكان، واخرى بلحاظ عالم الوقوع. اما بلحاظ عالم الامكان فقد ذهب المشهور إلى استحالة جريان البراءة وامثالها في كل اطراف العلم الاجمالي لأمرين:
الاول: انها ترخيص في المخالفة القطعية، والمخالفة القطعية معصية محرفة وقبيحة عقلا، فلا يعقل ورود الترخيص فيها من قبل الشارع.
وهذا الكلام ليس بشيء، لانه يرتبط بتشخيص نوعية حكم العقل بحرمة المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بالإجمال، فان كان حكما معلقا على عدم ورود الترخيص الظاهري من المولى على الخلاف، فلا يكون الترخيص المولولي مصادما له بل رافعا لموضوعه، فمرد الاستحالة إلى دعوى ان حكم العقل ليس معلقا، بل هو منجز ومطلق، وهي دعوى غير مبرهنة ولا واضحة.
الثاني: ان الترخيص في المخالفة القطعية ينافي الوجوب الواقعي المعلوم بالإجمال، فبدلا عن الاستدلال بالمنافاة بين الترخيص المذكور وحكم العقل كما في الوجه السابق، يستدل بالمنافاة بينه وبين الوجوب الواقعي المعلوم لما تقدم من ان الاحكام التكليفية متنافية ومتضادة، فلا يمكن ان يوجب المولى شيئا، ويرخص في تركه في وقت واحد.
وهذا الكلام إذا كان الترخيص المذكور واقعيا، اي لم يؤخذ في موضوعه الشك، كما لو قيل بأنك مرخص في ترك الواجب الواقعي المعلوم إجمالا، ولا يتم إذا كان الترخيص المذكور متمثلا في ترخيصين ظاهريين كل منهما مجعول على طرف ومترتب على الشك في ذلك الطرف، وذلك لما تقدم من ان التنافي انما هو بين الاحكام الواقعية لا بين الحكم الواقعي والظاهري، فالوجوب الواقعي ينافيه الترخيص الواقعي في مورده، لا الترخيص الظاهري، وعليه فلا محذور ثبوتا في جعل البراءة في كل من الطرفين بوصفها حكما ظاهريا.
واما بلحاظ عالم الوقوع فقد يقال: ان إطلاق دليل البراءة شامل لكل من طرفي العلم الاجمالي لانه مشكوك، ومما لا يعلم، فلو كنا قد بنينا على استحالة الترخيص في المخالفة القطعية فيما تقدم لكانت هذه الاستحالة قرينة عقلية على رفع اليد عن اطلاق دليل البراءة بالنسبة إلى احد الطرفين على الاقل، لئلا يلزم الترخيص في المخالفة القطعية، وحيث لا معين للطرف الخارج عن دليل الاصل، فاطلاق دليل الاصل لكل طرف يعارض اطلاقه للطرف الآخر.
ويسقط الاطلاقان معا، فلا تجري البراءة الشرعية هنا، ولا هناك للتعارض بين الاصلين، ويجري كل فقيه حينئذ وفقا للمبنى الذي اختاره في المقام الاول لتشخيص حكم العقل بالمنجزية، فعلى مسلك حق الطاعة القائل بمنجزية العلم والاحتمال معا تجب الموافقة القطعية، لان الاحتمال في كل من الطرفين منجز عقلا مالم يردن إذن في مخالفته، والمفروض عدم ثبوت الاذن، وعلى مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان القائل بمنجزية العلم دون الاحتمال، فيقتصر على مقدار ما تقتضيه منجزية العلم بالجامع على الافتراضات الثلاثة المتقدمة فيها.
واما إذا لم نبن على استحالة الترخيص في المخالفة القطعية عن طريق اجراء أصلين مؤمنين في الطرفين، فقد يقال حينئذ: انه لا يبقى مانع من التمسك بأطلاق دليل البراءة لأثبات جريانها في كل من الطرفين، ونتيجة ذلك جواز المخالفة القطعية. ولكن الصحيح مع هذا عدم جواز التمسك بالإطلاق المذكور وذلك.
أولا: لان الترخيص في المخالفة القطعية وان لم يكن منافيا عقلا للتكليف الواقعي المعلوم بالإجمال، إذا كان ترخيصا منتزعا عن حكمين ظاهريين في الطرفين، ولكنه مناف له عقلائيا وعرفا، ويكفي ذلك في تعذر الاخذ بإطلاق دليل البراءة.
وثانيا: ان الجامع قد تم عليه البيان بالعلم الاجمالي، فيدخل في مفهوم الغاية لقوله تعالى {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
ومقتضى مفهوم الغاية انه مع بعث الرسول واقامة الحجة يستحق العقاب، وهذا ينافي اطلاق دليل الاصل المقتضي للترخيص في المخالفة القطعية. وبذلك نصل إلى نفس النتائج المشار اليها سابقا على تقدير استحالة الترخيص في المخالفة القطعية، فلا تجري البراءة في كلا الطرفين، لان ذلك ينافي التكليف المعلوم بالإجمال ولو عقلائيا، ولا تجري في احدهما دون الاخر، إذ لا مبرر لترجيح احدهما على الآخر، مع ان نسبتهما إلى دليل الاصل واحدة.
وقد اتضح من مجموع ما تقدم، ان النتيجة النهائية بناء على مسلك حق الطاعة، حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية معا، وبناء على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان حرمة المخالفة القطعية وعدم وجوب الموافقة القطعية. وبما ذكرناه على المسلك المختار يعرف ان القاعدة العملية الثانوية، وهي البراءة الشرعية تسقط في موارد العلم الاجمالي، وتوجد قاعدة عملية ثالثة تطابق مفاد القاعدة العملية الاولى، ونسمي هذه القاعدة الثالثة بأصالة الاشتغال في موارد العلم الاجمالي، او بقاعدة منجزية العلم الاجمالي.
تحديد أركان هذه القاعدة:
نستطيع ان نستخلص مما تقدم ان قاعدة منجزية العلم الاجمالي لها عدة اركان:
الاول: وجود العلم بالجامع، اذ لولا العلم بالجامع لكانت الشبهة في كل طرف بدوية وتجري فيها البراءة الشرعية.
الثاني: وقوف العلم على الجامع، وعدم سرايته إلى الفرد، إذ لو كان الجامع معلوما في ضمن فرد معين، لكان علما تفصيليا لا إجماليا، ولما كان منجزا إلا بالنسبة إلى ذلك الفرد بالخصوص.
الثالث: ان يكون كل من الطرفين مشمولا في نفسه، وبقطع النظر عن التعارض الناشئ من العلم الإجمالي لدليل أصالة البراءة إذ لو كان احدهما مثلا غير مشمول لدليل البراءة لسبب آخر، لجرت البراءة في الطرف الآخر بدون محذور، لان البراءة في طرف واحد لا تعني الترخيص في المخالفة القطعية، وانما لا تجري لأنها معارضة بالبراءة في الطرف الآخر، فاذا افترضنا ان الطرف الاخر كان محروما من البراءة لسبب آخر فلا مانع من جريان البراءة في الطرف المقابل له، ومع جريانها لا تجب الموافقة القطعية.
الرابع: ان يكون جريان البراءة في كل من الطرفين مؤديا إلى الترخيص في المخالفة القطعية، وامكان وقوعها خارجا على وجه مأذون فيه، إذ لو كانت المخالفة القطعية ممتنعة على المكلف حتى مع الاذن والترخيص لقصور في قدرته، فلا محذور في اجراء البراءة في كل من الطرفين، لان ذلك لن يؤدي إلى تمكين المكلف من إيقاع المخالفة القطعية ليكون منافيا للتكليف المعلوم بالإجمال عقلا او عقلائيا.
وكل الحالات التي تسقط فيها قاعدة منجزية العلم الاجمالي، يرجع فيها هذا السقوط إلى اختلال احد هذه الاركان الاربعة. فيختل الركن الاول مثلا فيما إذا انكشف للعالم بالإجمال خطأه، او تشكك في ذلك فيزول علمه بالجامع، وكذلك فيما إذا كان في احد الطرفين ما يوجب سقوط التكليف لو كان موردا له.
ومثاله ان يعلم اجمالا بان احد الحليبين من الحليب المحرم، ولكنه مضطر إلى الحليب البارد منهما اضطرارا يسقط الحرمة لو كان هو الحرام، ففي مثل ذلك لا يوجد علم بجامع الحرمة، إذ لو كان الحليب المحرم هو الحليب البارد، فلا حرمة فيه فعلا بسبب الاضطرار، ولا في الاخر، ولو كان هو الحليب الآخر، فالحرمة ثابتة فعلا، وهذا يعني ان الحرمة لا يعلم ثبوتها فعلا في احد الحليبين ومن اجل ذلك يقال ان الاضطرار إلى طرف معين للعلم الاجمالي يوجب سقوطه عن المنجزية.
ومن حالات اختلال الركن الاول ان يأتي المكلف بفعل مترسلا، ثم يعلم اجمالا بان الشارع اوجب احد الامرين، اما ذلك الفعل، واما فعل آخر. فعلى الاول يكون التكليف قد سقط بالإتيان بالمكلف به، وعلى الثاني يكون ثابتا، فالتكليف لا يعلم ثبوته فعلا. ويختل الركن الثاني فيما إذا علم المكلف إجمالا بنجاسة احد المائعين، ثم علم تفصيلا بان احدهما المعين نجس، ففي مثل ذلك لا يبقى العلم واقفا على الجامع، بل يسري إلى الفرد، وهو معنى ما يقال من انحلال العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي والشك البدوي. وكما ينحل العلم الاجمالي بالعلم التفصيلي نتيجة لاختلال الركن الثاني، كذلك قد ينحل بعلم اجمالي اصغر منه لاختلال هذا الركن ايضا.
وتوضيح ذلك: انا قد نعلم اجمالا بنجاسة مائعين في ضمن عشرة، فهذا العلم الاجمالي له عشرة اطراف والمعلوم نجاسته فيه اثنان منها، وقد نعلم بعد ذلك اجمالا بنجاسة مائعين في ضمن هذه الخمسة بالذات من تلك العشرة فينحل العلم الاجمالي الاول بالعلم الاجمالي الثاني، ويكون الشك في الخمسة الاخرى شكا بدويا، لان العلم بجامع اثنين في عشرة سرى إلى خصوصية جديدة، وهي كون الاثنين في ضمن الخمسة، فلم يعد التردد في نطاق العشرة، بل في نطاق الخمسة.
ويسمى العلم الاجمالي المنحل بالعلم الاجمالي الكبير والعلم الاجمالي المسبب لانحلاله بالعلم الاجمالي الصغير، لان اطرافه اقل عددا. ويعبر عن ذلك بقاعدة انحلال العلم الاجمالي الكبير بالعلم الاجمالي الصغير.
ويتوقف انحلال علم اجمالي بعلم اجمالي ثان: اولا: على ان تكون اطراف الثاني بعض اطراف العلم الاول المنحل، كما رأينا في المثال. وثانيا: على ان لا يزيد عدد المعلوم بالإجمال في العلم الاول المنحل على المعلوم اجمالا بالعلم الثاني، فلو زاد لم ينحل، كما لو افترضنا في المثال ان العلم الثاني تعلق بنجاسة مائع في ضمن الخمسة، فان العلم الاجمالي بنجاسة المائع الثاني في ضمن العشرة يظل ثابتا.
ويختل الركن الثالث فيما اذا كان احد الطرفين مجرى لاستصحاب منجز للتكليف لا للبراء ة، ومثاله ان يعلم اجمالا بنجاسة احد الاناء ين، غير ان احدها كان نجسا في السابق ويشك في بقاء نجاسته، ففي هذه الحالة يكون الاناء المسبوق بالنجاسة مجرى في نفسه لاستصحاب النجاسة لا لأصالة البراءة او اصالة الطهارة، فتجري الاصول المؤمنة في الاناء الاخر بدون معارض، وتبطل بذلك منجزية العلم الاجمالي، ويسمى ذلك بالانحلال الحكمي تمييزا له عن الانحلال الحقيقي الذي تقدم في حالة اختلال الركن الثاني.
وانما يسمى بالانحلال الحكمي لان العلم الاجمالي موجود حقيقة، ولكنه لا حكم له عمليا، لان الاناء المسبوق بالنجاسة حكمه منجز بالاستصحاب، والاناء الآخر لا منجزية لحكمه لجريان الاصل المؤمن فيه، فكأن العلم الاجمالي غير موجود، وهذا هو محصل ما يقال: من ان العلم الاجمالي اذا كان احد طرفيه مجرى لأصل مثبت للتكليف، وكان الطرف الآخر مجرى لأصل مؤمن انحل العلم الاجمالي.
ومثال آخر لاختلال هذه الركن، وهو ان يكون احد طرفي العلم الاجمالي خارجا عن محل الابتلاء، ومعنى الخروج كذلك ان تكون المخالفة في هذا الطرف مما لا تقع من المكلف عادة لان ظروفه لا تيسر له ذلك، وان كانت لا تعجزه تعجيزا حقيقيا، فالمخالفة غير مقدورة عرفا وان كانت مقدورة عقلا، كما لو علم بنجاسة وحرمة طعام مردد بين اللبن الموجود على مائدته، ولبن موجود في بلد آخر لا يصل اليه عادة في حياته، وان كان الوصول ممكنا من الناحية النظرية والعقلية، ففي هذه الحالة لا يكون هذا اللبن الخارج عن محل الابتلاء مجرى للبراءة في نفسه، إذ لا محصل عرفا للتأمين من ناحية تكليف لا يتعرض المكلف إلى مخالفته عادة، فتجري البراءة عن حرمة اللبن الطاهر بدون معارض. وهذا هو معنى ما يقال عادة من ان تنجيز العلم الاجمالي يشترط فيه دخول كلا طرفيه في محل الابتلاء.
ويختل الركن الرابع في حالات: منها: حالة دوران الامر بين المحذورين: وهي ما إذا علم اجمالا بان هذا الفعل، اما واجب واما حرام، فان هذا العلم الاجمالي لا تمكن مخالفته القطعية، كما لا تمكن موافقته القطعية، فاذا جرت البراءة عن الوجوب وجرت البراءة عن الحرمة معا، لم يلزم محذور الترخيص في المخالفة القطعية، لانها غير معقولة على كل حال.
ومنها: حالة كون الاطراف غير محصورة وتسمى بالشبهة غير المحصورة، وهي ان يكون للعلم الاجمالي اطراف كثيرة جدا، على نحو لا يتيسر للمكلف ارتكاب المخالفة فيها جميعا لكثرتها، ففي مثل ذلك تجري البراءة في جميع الاطراف، إذ لا يلزم من ذلك تمكين المكلف من المخالفة القطعية.
والآن بعد ان اتضحت القاعدة العملية الثانوية، وهي البراءة الشرعية، والقاعدة العملية الثالثة، وهي منجزية العلم الاجمالي، نستعرض جملة من الحالات التي وقع البحث في ادراجها ضمن القاعدة الاولى او الثانية.
حالة تردد اجزاء الواجب بين الاقل والاكثر:
والحالة الرئيسية من حالات التردد هي ما اذا وجب مركب بوجوب واحد، وكان كل جزء في المركب واجبا بوجوب ضمني، وتردد أمر هذا المركب بين ان يكون مشتملا على تسعة اجزاء أو عشرة، فهل تدخل هذه الحالة في حالات العلم الاجمالي او حالات الشك البدوي؟ ويجب ان نعرف قبل كل شئ ان العلم الاجمالي لا يمكن ان يوجد إلا إذا افترض جامع بين فردين متباينين وكان ذلك الجامع معلوما ومرددا في انطباقه بين الفردين، واما إذا كان الجامع معلوما في ضمن احد الفردين ويحتمل وجوده في ضمن فرد آخر ايضا، فليس هذا من العلم الاجمالي، بل هو علم تفصيلي بالفرد الاول مع الشك البدوي في الفرد الثاني.
وهذا معناه ان طرفي العلم الاجمالي يجب ان يكونا متباينين، ويستحيل ان يكونا متداخلين تداخل الاقل والاكثر.
وعلى هذا الاساس يبدو ان الحالة المطروحة للبحث ليست من حالات العلم الاجمالي، إذ ليس فيها علم بالجامع بين فردين متباينين، بل علم تفصيلي بوجوب التسعة وشك بدوي في وجوب العاشر.
وقول القائل: انا نعلم بوجوب التسعة او العشرة كلام صوري لان التسعة ليست مباينة للعشرة.
وقد حاول بعض المحققين ابراز أن الدوران في الحقيقة بين متباينين لا بين متداخلين لكي يتشكل علم اجمالي، وتطبق القاعدة الثالثة، وحاصل المحاولة ان الوجوب المعلوم في الحالة المذكورة، اما ما تعلق بالتسعة المطلقة، او بالتسعة المقيدة بالجزء العاشر، واطلاق التسعة وتقييدها حالتان متباينتان، وبذلك يتشكل علم إجمالي بوجوب التسعة او العشرة.
فان قيل إن العلم الاجمالي بوجوب التسعة او العشرة منحل إلى العلم التفصيلي بأحد طرفيه، والشك البدوي في الطرف الآخر، لان التسعة معلومة الوجوب على اي حال، والجزء العاشر مشكوك الوجوب، واذا انحل العلم الاجمالي سقط عن المنجزية.
قلنا إن طرفي العلم الاجمالي هما: وجوب التسعة المطلقة ووجوب التسعة المقيدة بالعاشر، وكل من هذين الطرفين ليس معلوما بالتفصيل، وانما المعلوم وجوب التسعة على الاجمال، وهذا نفس العلم الاجمالي، فكيف ينحل به؟ فالصحيح ان يتجه البحث إلى انه هل يوجد علم اجمالي او لا بدلا عن البحث في انه هل ينحل بعد افتراض وجوده؟ والتحقيق هو عدم وجود علم اجمالي بالتكليف، وذلك لان وجوب التسعة المطلقة لا يعني وجوب التسعة ووجوب الاطلاق، فان الاطلاق كيفية في لحاظ المولى تنتج عدم وجوب العاشر وليس شيئا يوجبه على المكلف، واما وجوب التسعة في ضمن العشرة، فمعناه وجوب التسعة ووجوب العاشر، وهذا معناه اننا حينما نلحظ ما اوجبه المولى على المكلف، نجد انه ليس مرددا بين متباينين، بل بين الاقل والاكثر، فلا يمكن تصوير العلم الاجمالي بالوجوب، وإنما يمكن تصوير العلم الاجمالي بالنسبة إلى الخصوصيات اللحاظية التي تحدد كيفية لحاظ المولى للطبيعة عند امره بها، لانه إما ان يكون قد لاحظها مطلقة او مقيدة، غير ان هذا ليس علما اجماليا بالتكليف ليكون منجزا.
وهكذا يتضح انه لا يوجد علم اجمالي منجز وان البراءة تجري عن الامر العاشر المشكوك كونه جزءا للواجب، فيكفيه الاتيان بالأقل.
[ حالة الشك في إطلاق الجزئية ]:
ولا فرق في جريان البراءة عن مشكوك الجزئية بين ان يكون الشك في اصل الجزئية، كما إذا شك في جزئية السورة، او في اطلاقها بعد العلم بأصل الجزئية، كما إذا علمنا بان السورة جزء، ولكن شككنا في ان جزئيتها هل تختص بالصحيح او تشمل المريض ايضا، فانه تجري البراءة حينئذ عن وجوب السورة بالنسبة إلى المريض خاصة.
وهناك صورة من الشك في اطلاق الجزئية وقع البحث فيها وهي: ما اذا ثبت ان السورة مثلا، جزء في حال التذكر وشك في اطلاق هذه الجزئية للناسي، فهل تجري البراءة عن السورة بالنسبة إلى الناسي؟ لكي نثبت بذلك جواز الاكتفاء بما صدر منه في حالة النسيان من الصلاة الناقصة التي لا سورة فيها، فقد يقال: ان هذه الصورة هي احدى حالات دوران الواجب بين الاقل والاكثر، فتجري البراءة عن الزائد.
ولكن اعترض على ذلك، بان حالات الدوران المذكورة تفترض وجود امر موجه إلى المكلف على اي حال، ويتردد متعلق. هذا الامر بين التسعة او العشرة مثلا، وفي الصورة المفروضة في المقام نحن نعلم بان غير الناسي مأمور بالعشرة - مثلا - بما في ذلك السورة لأننا نعلم بجزئيتها في حال التذكر، واما الناسي فلا يحتمل ان يكون مأمورا بالتسعة اي بالأقل، لان الامر بالتسعة لو صدر من الشارع، لكان متوجها نحو الناسي، خاصة لان المتذكر مأمور بالعشرة لا بالتسعة، ولا يعقل توجيه الامر إلى الناسي خاصة، لان الناسي لا يلتفت إلى كونه ناسيا لينبعث عن ذلك الامر، وعليه فالصلاة الناقصة التي أتى بها ليست مصداقا للواجب يقينا، وانما يحتمل كونها مسقطة للواجب عن ذمته، فيكون من حالات الشك في المسقط، وتجري حينئذ اصالة الاشتغال...
حالة احتمال الشرطية :
عالجنا فيما سبق حالة احتمال الجزء الزائد ، والان نعالج حالة احتمال الشرط الزائد ، كما لو احتمل أن الصلاة مشروطة بالإيقاع في المسجد على نحو يكون إيقاعها في المسجد قيدا شرعيا في الواجب. وتحقيق الحال في ذلك أن مرجع القيد الشرعي كما تقدم عبارة عن تحصيص المولى للواجب بحصة خاصة على نحو يكون الامر متعلقا بذات الفعل وبالتقيد ، فحالة الشك في شرطية شيء مرجعها إلى العلم بوجوب ذات الفعل والشك في وجوب التقيد.
وهذا أيضا دوران بين الاقل والاكثر بالنسبة إلى ما أوجبه المولى على المكلف ، وليس دورانا بين المتباينين فلا يتصور العلم الإجمالي المنجز ، بل تجرى البراءة عن وجوب التقيد.
وقد يفصل بين أن يكون ما يحتمل شرطيته محتمل الشرطية في نفس متعلق الامر ابتداء ، أو في متعلق المتعلق ، أي الموضوع.
ففي خطاب ( أعتق رقبة ) المتعلق الامر هو ( العتق ) ، والموضوع هو ( الرقبة ) ، فتارة يحتمل كون الدعاء عند العتق قيدا في الواجب ، واخرى يحتمل كون الايمان قيدا في الرقبة.
ففي الحالة الاولى تجرى البراءة لان قيدية الدعاء للمتعلق معناها تقيده والامر بهذا التقييد ، فيكون الشك في هذه القيدية راجعا إلى الشك في وجوب التقييد ، فتجرى البراءة عنه.
وفي الحالة الثانية لا تجرى البراءة ، لان قيدية الايمان للرقبة لا تعنى الامر بهذا التقييد لوضوح أن جعل الرقبة مؤمنة ليس تحت الامر ، وقد لا يكون تحت الاختيار أصلا ، فلا يعود الشك في هذه القيدية إلى الشك في وجوب التقييد لتجري البراءة.
والجواب : أن تقييد الرقبة بالإيمان وإن لم يكن تحت الامر على تقدير أخذه قيدا ، ولكن تقيد العتق بإيمان الرقبة المعتوقة تحت الامر على هذا التقدير ، فالشك في قيدية الايمان شك في وجوب تقيد العتق بإيمان الرقبة ، وهو تقيد داخل في اختيار المكلف ، ويعقل تعلق الوجوب به ، فاذا شك في وجوبه جرت البراءة عنه.
حالات دوران الواجب بين التعيين والتخيير :
وقد يدور أمر الواجب الواحد بين التعيين والتخيير ، سواء كان التخيير المحتمل عقليا أو شرعيا.
ومثال الاول : ما إذا علم بوجوب مردد بين أن يكون متعلقا بإكرام زيد كيفما اتفق ، أو بإهداء كتاب له.
ومثال الثاني : ما إذا علم بوجوب مردد بين أن يكون متعلقا بإحدى الخصال الثلاث ( العتق أو الاطعام أو الصيام ) ، أو بالعتق خاصة.
وفي هذه الحالات نلاحظ أن العنوان الذى يتعلق به الوجوب مردد بين عنوانين متباينين ، وإن كان بينهما من حيث الصدق الخارجي عموم وخصوص مطلق ، وحيث أن الوجوب يتعلق بالعناوين صح أن يدعى وجود علم إجمالي بوقوع أحد العنوانين المتباينين في عالم المفهوم متعلقا للوجوب ، ومجرد أن أحدهما أوسع صدقا من الاخر لا يوجب كونهما من الاقل والاكثر ما داما متباينين في عالم العناوين والمفاهيم الذى هو عالم عروض الوجوب وتعلقه ، فالعلم الإجمالي بالوجوب إذن موجود.
ولكن هذا العلم مع هذا غير منجز للاحتياط ورعاية الوجوب التعييني المحتمل ، بل يك في المكلف أن يأتي بالجامع ولو في ضمن غير ما يحتمل تعينه ، وذلك لاختلال الركن الثالث من أركان تنجيز العلم الإجمالي المتقدمة ، وهو أن يكون كل من الطرفين مشمولا في نفسه للبراءة بقطع النظر عن التعارض الحاصل بين الاصلين من ناحية العلم الإجمالي ، فان هذا الركن لا يصدق في المقام ، وذلك لان وجوب الجامع الاوسع صدقا ليس مجرى للبراءة بقطع النظر عن التعارض بين الاصلين لأنه إن اريد بالبراءة عنه التوصل إلى ترك الجامع رأسا ، فهذا توصل بالأصل المذكور إلى المخالفة القطعية التي تتحقق بترك الجامع رأسا ، فاذا كان أصل واحد يؤدى إلى هذا المحذور تعذر جريانه ، وإن اريد بالبراءة عنه التأمين من ناحية الوجوب التخييرى فقط ، فهو لغو ، لان المكلف في حالة ترك الجامع رأسا يعلم أنه غير مأمون من أجل صدور المخالفة القطعية منه ، فأي أثر لن في استناد عدم الامن إلى جهة مخصوصة.
وبهذا يتبرهن أن أصل البراءة عن وجوب الجامع لا يجرى بقطع النظر عن التعارض ، وفي هذه الحالة تجرى البراءة عن الوجوب التعييني بلا معارض.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|