المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8120 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



الفرق بين «الشبهات المحصورة» و «غير المحصورة»  
  
825   11:58 صباحاً   التاريخ: 2-9-2016
المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : أنوَار الاُصُول
الجزء والصفحة : ج 3 ص 136.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية /

 

..قد أشار المحقّق الخراساني إلى هذه المسألة بغير اهتمام يليق بها، وقال بعدم الفرق بين الشبهتين مع فعليّة التكليف المعلوم بالإجمال، فالمدار في تنجّز العلم الإجمالي إنّما هو فعلية التكليف لا قلّة أطرافها، نعم ربّما تكون كثرة الأطراف في مورد موجبة لعسر أو ضرر أو غيرهما ممّا لا يكون معه التكليف فعليّاً فلا يجب حينئذ الاحتياط، لكن يمكن طروء هذه الموانع في الشبهة المحصورة أيضاً فلا خصوصية لعدم انحصار أطراف الشبهة في عدم وجوب الاحتياط (انتهى).

لكن الشيخ الأعظم الأنصاري(رحمه الله) قد بحثها مفصّلا وذهب إلى عدم وجوب الاحتياط فيها من ناحية كثرة الأطراف، وتبعه غيره من الأعلام، فالمسألة حينئذ ذات قولين على الأقلّ.

ولابدّ أن يقال: ابتداءً أنّ التحليل الصحيح للمسألة يتوقّف على أن نبحث عن إيجاب الشبهة غير المحصورة للاحتياط بما هي هي مع قطع النظر عن العناوين والموانع الطارئة الموجبة لسقوط العلم الإجمالي عن التنجّز، فنقول يقع الكلام في مقامين:

الأوّل: في أدلّة وجوب الاجتناب.

والثاني: في معيار عدم الانحصار وحدوده قيوده.

أمّا المقام الأوّل: فاستدلّ الشيخ الأعظم(رحمه الله) بوجوه ستّة وأضاف إليها الآخرون وجوهاً اُخر ربّما تبلغ عشرة أوجه.

الوجه الأوّل: الإجماعات المنقولة على حدّ الاستفاضة، فقد نقل الإجماع عن الروض وعن جامع المقاصد والمحقّق البهبهاني(رحمه الله) في فوائده بل نقل عن البهبهاني نفي الريب فيه وأنّ مدار المسلمين في الأعصار والأمصار عليه، وادّعى الضرورة عليه في الجملة.

أقول: لا إشكال في إمكان حجّية الإجماع في اُصول الفقه في مثل هذه المسألة لأنّ ملاك الحجّية وهو الكشف عن قول المعصوم(عليه السلام) جار فيها أيضاً لكن الإشكال في المقام كون الإجماع محتمل المدرك لو لم يكن متيقّنه.

الوجه الثاني: لزوم العسر والحرج في أغلب موارد هذه الشبهة لأغلب أفراد المكلّفين وهو علّة لارتفاع الحكم عن جميعهم حتّى من لا حرج بالنسبة إليه.

ويرد عليه: أنّه قد قرّر في محلّه في البحث عن قاعدة لا حرج أنّ المدار فيها على العسر والحرج الشخصيين فلا يرتفع الحكم بالنسبة إلى من لا عسر عليه وإن كان واحداً من المائة، مضافاً إلى أنّ العسر من العناوين الثانوية الطارئة، وقد مرّ آنفاً خروجه عن محلّ النزاع.

 

الوجه الثالث: أنّ الغالب عدم ابتلاء المكلّف إلاّ ببعض معيّن من أطراف الشبهة غير

المحصورة فيكون الباقي خارجاً عن محلّ ابتلائه، وقد تقدّم عدم وجوب الاجتناب في مثله.

وفيه أيضاً: أنّ محلّ النزاع هو عدم انحصار الشبهة بما هو هو مع قطع النظر عن العناوين الطارئة.

الوجه الرابع: الأخبار الدالّة على حلّية كلّ ما لم يعلم حرمته فإنّها بظاهرها وإن عمّت الشبهة المحصورة إلاّ أنّ مقتضى الجميع بينها وبين ما دلّ على وجوب الاجتناب بقول مطلق هو حمل أخبار الرخصة على غير المحصور وحمل أخبار المنع على المحصور.

وفيه: إنّ هذا جمع تبرعي لا شاهد له، ولا يمكن أن نرفع به اليد عن اطلاق «اجتنب عن الخمر» الشامل قطعاً للخمر المعلوم بالإجمال مطلقاً سواء كان ضمن الأطراف المحصورة أو غير المحصورة.

الوجه الخامس: بعض الأخبار الدالّة على أنّ مجرّد العلم بوجود الحرام بين المشتبهات لا يوجب الاجتناب عن جميع ما يحتمل كونه حراماً مثل ما مرّ من رواية أبي الجارود، قال: سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن الجبن فقلت: أخبرني من رأى إنّه يجعل فيه الميتة. فقال: «أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الأرض فما علمت فيه ميتة فلا تأكله وما لم تعلم فاشتر وبع وكل والله إنّي لأعترض السوق فأشتري اللحم والسمن والجبن، والله ما أظنّ كلّهم يسمّون هذه البربر وهذه السودان»(1).

فاستدلّ تارةً بصدرها (وهو قوله(عليه السلام): أمن أجل مكان واحد ...) واُخرى بذيلها، وهو قوله(عليه السلام): «والله إنّي لأعترض السوق ...»، ولكن نوقش فيها من ناحية السند والدلالة معاً.

أمّا السند فلمكان أبي الجارود المؤسّس لمذهب الجارودية وهو ممّن لا يعتمد على روايته بل في بعض الروايات إنّه كذّاب كافر مضافاً إلى وجود محمّد بن سنان فإنّه محلّ الخلاف بين علماء الرجال خصوصاً في ما رواه عن أبي الجارود.

وأمّا الدلالة فقد ناقش فيها الشيخ(رحمه الله) بأنّ مورد هذه الرواية هو الشبهات البدويّة فهي تقول أنّ العلم تفصيلا بجعل الميتة في الجبن في مكان واحد لا يوجب الاجتناب عن جبن غيره من الإمكان فكأنّها تقول: إنّ العلم التفصيلي بنجاسة الطعام في مطعم لا يوجب نجاسة طعام

الاجتناب عن غيره من المطاعم وإيجاد الوسوسة فيها ولا كلام في ذلك ولا ربط له بما نحن فيه، هذا أوّلا.

وثانياً: إنّ هذه الرواية تشير إلى حجّية أمارة السوق وهى من العناوين الثانوية التي تكون خارجة عن محلّ الكلام.

أقول: يمكن الجواب عن كلا الوجهين، أمّا الوجه الأوّل فلأنّ مورد الرواية بحسب الظاهر هو الجبن التي صنع بعضها بأنفحة الميتة ثمّ إنتشرت بين سائر الجبن الطاهرة في البلد من دون وجود علامة للنجس منها فهى لو لم تكن ظاهرة في خصوص الشبهة غير المحصورة فلا أقلّ من اطلاقها لها وللشبهات البدوية معاً.

وأمّا الوجه الثاني فيرد عليه: أنّ وجود أمارة مثل أمارة السوق في مورد العلم الإجمالي لا يمنع عن تنجّزه لتساقط الأمارات الجارية في الأطراف بالتعارض.

فالمهمّ في المقام هو الإشكال السندي وهو تامّ يوجب سقوطها عن الحجّية.

إن قلت: يمكن احياؤها سنداً بانجبار الضعف بعمل المشهور والإجماعات المنقولة.

قلنا: قد قرّر في محلّه أنّ الشهرة توجب الجبر فيما إذا كان استنادها إلى الرواية قطعيّة أو كانت الرواية في مرأى ومنظر من قدماء الأصحاب بحيث كان عملهم مستنداً إليها ولو بظهور من الحال، وهذا ممنوع في المقام لأنّ المسألة ذات مدارك عديدة.

ثمّ إنّه ربّما يستشكل في الرواية بأنّ المستفاد منها نجاسة أنفحة الميتة، بينما لا إشكال في أنّها من جملة مستثنياتها.

ولكن يمكن الجواب عنه:

أوّلا: بأنّ طهارتها الذاتية لا تنافي عروض النجاسة عليها من ناحية ملاقاتها بسائر الأعضاء النجسة غالباً فلابدّ من تطهيرها (كما لابدّ منه بالنسبة إلى سائر مستثنياتها كالبيض) فتحمل الرواية على مورد عدم التطهير.

وثانياً: بالحمل على التقيّة فكأنّ الإمام(عليه السلام) يقول: سلّمنا كونها نجسة ولكن لا يجب الاجتناب لأنّ الشبهة غير محصورة.

وإن شئت قلت: إنّ صدور الصدر لأجل التقيّة لا ينافي حجّية الذيل الذي صدر على نهج الكبرى الكلّية.

الوجه السادس: بناء العقلاء بضميمة عدم ردع الشارع المقدّس فلا إشكال في أنّه لو علم أنّه سيحدث ما يوجب قتل واحد من الأفراد في بلد كبير جدّاً، لا يمنع هذا العلم الإنسان عن الورود في هذه البلدة لاحتمال انطباقه عليه، وأمّا لو كانت الحادثة ممّا يوجب أقلّ من القتل كان الأمر أوضح، ولذا نعلم دائماً بوقوع الحوادث في بعض الطرق من السيارات أو القطارات أو الطائرات في كلّ يوم ومع ذلك هذا العلم لا يمنع أحداً عن السفر لكثرة الاحتمالات وضعف احتمال انطباقه عليه.

الوجه السابع: ما استدلّ به في تهذيب الاُصول من الروايات الواردة في باب الأموال المختلطة بالحرام أو الربا.

لكن الإنصاف أنّها ظاهرة في الشبهات غير المحصورة.

الوجه الثامن: ما استدلّ به في تهذيب الاُصول أيضاً من روايات إباحة جوائز السلطان التي نعلم باختلاطها بالأموال المغصوبة.

لكن هذا أيضاً غير تامّ لأنّ جوائز السلطان من قبيل الكثير في الكثير حيث إنّ أكثر أموالهم كانت من الخراج وشبهها ممّا لم يجز لهم التصدّي لها، وحكم أموالهم حينئذ كأكثر أموال السارقين.

والظاهر كون الحكم بالإباحة في هذه الروايات من أجل إنّها جزء من بيت مال المسلمين، وأمرها بيد وليّ الأمر الحقيقي (وهو الإمام المعصوم(عليه السلام)) يضعها حيث يشاء.

مضافاً إلى أنّ كثيراً من أموالهم خارجة عن محلّ الإبتلاء فتخرج عن محلّ الكلام.

الوجه التاسع: ما أفاده المحقّق النائيني(رحمه الله) وحاصله أنّ الضابط في كون الشبهة غير محصورة عدم إمكان الجمع بين أطرافها عادةً بحيث يكون عدم التمكّن من ذلك مستنداً إلى كثرة الأطراف لا إلى أمر آخر، وبهذا يظهر الحكم فيها وهو عدم حرمة المخالفة القطعيّة وعدم وجوب الموافقة القطعيّة، أمّا الأوّل فلعدم إمكانه على الفرض فيكون الحكم بحرمتها تحصيلا للحاصل، وأمّا الثاني فلأنّ وجوب الموافقة القطعيّة فرع حرمة المخالفة القطعيّة لأنّها يتوقّف على تعارض الاُصول في الأطراف، وتعارضها فيها يتوقّف على حرمة المخالفة القطعيّة ليلزم من جريانها في جميع الأطراف مخالفة عملية للتكليف المعلوم في البين، فإذا لم تحرم المخالفة القطعيّة ـ كما هو المفروض ـ لم يقع التعارض بين الاُصول، ومع عدم التعارض لا مانع من

إجراء الاُصول النافية في جميع الأطراف فلا يجب الموافقة القطعيّة أيضاً.

ثمّ قال: «ما المراد من عدم إمكان إرتكاب الجميع؟ هل المراد منه عدم الإمكان في تمام العمر أو في مدّة معيّنة؟ وعلى الثاني ما هو مقدار هذه المدّة؟» فأجاب عنه «بأنّ الميزان عدم إمكان الإرتكاب بحسب العادة لا في تمام العمر ولا في مدّة معيّنة»(2).

أقول ويرد عليه:

أوّلا: بأنّ ما ذكر من الضابطة لا يخلو من إبهام مع ملاحظة ما اختاره نفسه من عدم الفرق بين الإرتكاب التدريجي والدفعي في حرمة المخالفة القطعيّة للعلم الإجمالي، لأنّه حينئذ إن اُريد من عدم التمكّن من الجمع بين الأطراف عدم التمكّن منها ولو تدريجاً فلا ريب في فساده إذ ما من شبهة غير محصورة إلاّ ويتمكّن المكلّف من الجمع بين الأطراف ولو تدريجاً طول حياته ولو باختلاط بعض الأطراف ببعض، وإن اُريد بذلك عدم التمكّن في زمان معيّن فهو يحتاج إلى تحديده بزمان معيّن، ولا دليل على التعيّن.

ثانياً: يلزم منه أن يكون الكثير في الكثير من الشبهات غير المحصورة لجريان الضابطة المذكورة فيه لعدم إمكان إرتكاب الجميع عادةً مع أنّ الوجدان حاكم على عدم وجود الفرق بين الكثير في الكثير (كما إذا علمنا إجمالا بحرمة الف شاة من عشرة آلاف شاة) والقليل في القليل (كما إذا علمنا بحرمة شاة واحدة في عشر شياه) لأنّ النسبة في المثالين واحدة وهى العشر.

الوجه العاشر: ما أفاده المحقّق العراقي(رحمه الله) وهو أنّ المناط في كون الشبهة غير محصورة هو أن تكون كثرة الأطراف بحدّ يوجب ضعف الاحتمال في كلّ واحد من الأطراف بحيث يكون موهوماً بدرجة لا يعتني العقلاء بذلك الاحتمال، بل ربّما يحصل له الاطمئنان بالعدم، وتوهّم منافاة الاطمئنان بالعدم في كلّ واحد منها مع العلم الإجمالي بوجود الحرام في بعضها لضرورة مضادّة العلم بالموجبة الجزئيّة مع الظنّ بالعدم في كلّ طرف بنحو السلب الكلّي، مدفوع بأنّه كذلك في فرض اقتضاء ضعف الاحتمال في كلّ طرف الاطمئنان بعدم التكليف فيه تعييناً حتّى مع ملاحظة الأفراد الاُخر مع أنّ المدّعى إنّما هو اقتضاء ضعف الاحتمال في كلّ طرف

الاطمئنان بعدم التكليف مع ملاحظة إنفراده عن البقيّة، وهذا لا يلزم منه إلاّ العلم بالموجبة الجزئيّة مع الظنّ بالسلب الجزئي في كلّ طرف (لا الظنّ بالسلب الكلّي) ولا تنافي بينهما كما هو ظاهر(3).

أقول: إنّا لا نفهم فرقاً بين كلامه هذا وما أفاده الشيخ الأعظم(رحمه الله) (وإن صرّح بوجود الفرق بينهما) لأنّ الشيخ(رحمه الله)جعل الضابطة عدم اعتناء العقلاء باحتمال الإصابة لكونه موهوماً، وهو يقول بأنّ الضابطة عدم اعتناء العقلاء بالاحتمال لحصول الاطمئنان بالعدم ومرجع الأمرين إلى شيء واحد كما لا يخفى.

فتلخّص من جميع ذلك أنّ المهمّ من بين هذه الأدلّة هو بناء العقلاء لضعف الاحتمال بسبب كثرة الأطراف، مضافاً إلى رواية الجبن، ويؤيّده الإجماع المتظافر نقله.

بقي هنا اُمور:

الأمر الأوّل: في تعيين الضابط في الشبهة غير المحصورة وتحديدها.

لا إشكال في اختلافه باختلاف الأدلّة المذكورة لعدم وجوب الاحتياط فيها، فإن كان الدليل هو الإجماع وكان له معقد لفظي كما إذا كان المعقد التعبير بـ «غير المحصور» فلابدّ في تعيين مفهومه من الرجوع إلى العرف، ولعلّ هذا هو مقصود من رأى أنّ الضابط هو صدق مفهوم غير المحصور عرفاً، وإن لم يكن له معقد فلابدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن من كلمات المجمعين.

وإن كان الدليل لزوم العسر والحرج فيكون الضابط كون كثرة الأطراف بحدّ توجب ذلك، كما إنّه إذا كان الدليل لزوم خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء كان الضابط كون الكثرة بحدّ توجب خروج بعض الأطراف عن ذلك، وهكذا إذا كان الدليل روايات الجبن كان الضابط شمول الأطراف لتمام البلد (نظراً إلى قوله(عليه السلام): والله إنّي لأعترض السوق ...) وأمّا إذا كان الدليل ما اخترناه من بناء العقلاء كان المناط هو أن تكون كثرة الأطراف بحدّ توجب ضعف الاحتمال في كلّ واحد منها بحيث يكون موهوماً بدرجة لا يعتني العقلاء بذلك الاحتمال، وهكذا ... إلى سائر الأدلّة.

فقد ظهر أنّ المنهج الصحيح للبحث في ما نحن فيه بيان الأدلّة أوّلا ثمّ تعيين الضابط ثانياً، لأنّ الضابطة إنّما تؤخذ من متن الدليل لا غير، والعجب من غير واحد من الأعاظم حيث عكس الأمر في كلامه فقدّم بيان الضابط على الأدلّة.

وعلي أيّ حال فالمعيار الصحيح عندنا في عدم انحصار الشبهة يرجع في الواقع إلى ما ذكره الشيخ الأعظم والمحقّق العراقي(قدس سرهما) حيث إنّ الدليل المهمّ عندنا إنّما هو بناء العقلاء بما مرّ توضيحه.

ثمّ إنّه لو فرض تعدّد الدليل، أي كان الدليل على عدم وجوب الاجتناب عند شخص وجوهاً من الأدلّة المذكورة فلابدّ من الأخذ بالأوسع منها كما لا يخفى.

الأمر الثاني: إذا شكّ في كون الشبهة محصورة أو غير محصورة فهل مقتضى القاعدة هو وجوب الاحتياط مطلقاً أو البراءة مطلقاً أو يختلف باختلاف المباني؟

لا إشكال في اختلافه على اختلاف المباني، وبناءً على ما تبيّناه من تنجّز العلم الإجمالي مطلقاً عند العقل وأنّ القاعدة الأوّلية إنّما قاعدة الاحتياط واطلاق «اجتنب عن الخمر» يكون المرجع في صورة الشكّ الاحتياط لأنّ المقتضي وهو اطلاق الأدلّة موجود والمانع وهو المخصّص مفقود لعدم ثبوته عند الشكّ، ومن الواضح أنّه لا ربط لهذا بقاعدة المقتضي والمانع حتّى يقال بعدم حجّيتها لأنّ المقصود من المقتضي هنا هو إطلاقات أدلّة الاجتناب عن المحرّمات لا غير.

وإن شئت قلت: إذا كانت الشبهة شبهة مفهومية للمخصّص فلا كلام في وجوب الرجوع إلى العام، وإذا كانت الشبهة مصداقية فأيضاً يكون المرجع عموم العام لكون المخصّص لبّياً.

الأمر الثالث: هل المخالفة القطعيّة في الشبهة غير المحصورة أيضاً جائزة أو لا؟

يختلف هذا أيضاً باختلاف المباني، فبناءً على كون الدليل هو الإجماع فمع فرض وجود معقد له لا إشكال في اطلاق المعقد وشموله للمخالفة القطعيّة والاحتماليّة معاً، نعم يمكن أن يقال: بانصرافه عن المخالفة القطعيّة كما قال به الشيخ الأعظم(رحمه الله).

وبناءً على كون الدليل هو لزوم الحرج فترجع المسألة إلى ما مرّ من البحث في أنّ الاضطرار إلى أحد الأطراف هل يوجب سقوط العلم الإجمالي عن التنجّز مطلقاً أو بالنسبة إلى خصوص المضطرّ إليه فالكلام في ما نحن فيه هو الكلام هناك.

وأمّا بناءً على المختار في المقام فلا يجوز المخالفة القطعيّة لأنّه لا يجوز من أوّل الأمر إلاّ إرتكاب مقدار من الأطراف يكون الاحتمال فيه موهوماً، وأمّا الأزيد منه فلا، كما أنّه لا يجوز إرتكاب جميعها تدريجاً فعلى هذا لا يجوز إرتكاب نصف الجميع، بل ولا عشره لأنّه من قبيل الشبهة المحصورة.

وأمّا بناءً على رواية الجبن فحيث إنّ الغاية للحرمة فيها هى العلم التفصيلي بالحرام يجوز المخالفة القطعيّة لعدم حصول العلم التفصيلي (وهو المعرفة المتعيّنة المتشخّصة) إلى آخر الأطراف.

الأمر الرابع: فيما إذا كانت الشبهة غير المحصورة وجوبية (كما إذا تردّد الثوب الطاهر للصلاة بين مائة ثوب فيتوقّف الاحتياط فيه على إتيان الصّلاة مائة مرّة، وكما إذا تردّد الدائن بين الف شخص وكان الدين الف تومان مثلا فيتوقّف الاحتياط فيه على إعطاء الف الف تومان) فلا إشكال في عدم وجوب الموافقة القطعيّة أيضاً، ولكن حيث إنّ الضابط المختار وهو كون ضعف الاحتمال ووهمه بدرجة لا يعتنى به العقلاء، لا يأتي فيها (لعدم ضعف الاحتمال في مثل هذه الأمثلة بالدرجة المذكورة) بل الضابط الجاري فيها كون كثرة الأطراف بحدّ يلزم منه العسر والحرج، تجب الموافقة الاحتماليّة، أي تحرم المخالفة القطعيّة لأنّ هذا الضابط لا يقتضي عدم وجوب الموافقة مطلقاً حتّى فيما إذا لم يلزم منها العسر والحرج الشخصي، بل لابدّ من الاقتصار على الموارد التي يلزم منها ذلك.

الأمر الخامس: في أنّ شبهة الكثير في الكثير داخلة في الشبهات المحصورة كما مرّت الإشارة إليه لأنّ المعيار المختار المذكور وهو كون الاحتمال موهوماً لا يأتي فيها كما لا يخفى، نعم بناءً على مختار المحقّق النائيني(رحمه الله) من كون الضابط عدم القدرة على إرتكاب الجميع كان من الشبهة غير المحصورة فلا يجب الاحتياط فيها، وهذا من التوالي الفاسدة لهذا القول.

____________

1. وسائل الشيعة: الباب 61، من أبواب الأطعمة والأشربة، ح 5.

2. راجع فرائد الاُصول: ج4، ص117 ـ 119، طبع جماعة المدرّسين; وأجود التقريرات: ج2، ص276، مطبعة أهل البيت.

3. راجع نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص330.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.