أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-3-2017
1233
التاريخ: 3-07-2015
1320
التاريخ: 9-3-2019
1407
التاريخ: 25-10-2014
1164
|
اعلم أنّ الإدراك للمسموعات والمبصرات ـ الذي يراد ممّا ذكر في الآيات والأخبار من كونه تعالى سميعا بصيرا ـ هو علم متعلّق بالمسموعات والمبصرات ، بل بجميع الجزئيّات المحسوسة بإحدى الحواسّ ، فيكون إسناد السمع والبصر إليه تعالى مجازا ؛ إذ ليس له القوّة السامعة والباصرة ؛ لاستلزامهما النقص والاحتياج المنافيين لوجوب والوجود. والدليل النقليّ على ذلك قوله تعالى : {سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: 61] ونحو ذلك.
وقال الفاضل اللاّهيجي : « قد علم بالضرورة من الدين ، وثبت في الكتاب والسنّة ، وانعقد عليه إجماع أهل الأديان على أنّه تعالى سميع بصير وإليه أشار بقوله : ( والسمع (1) دلّ على اتّصافه تعالى بالإدراك ) أي السمع والبصر دون الذوق والشمّ واللّمس ؛ لعدم ورود السمع بها وإن الإدراك يشملها جميعا.
قال المصنّف في شرح رسالة العلم : الإدراك كالجنس للإدراك الحسّي والإدراك العلميّ ، والإدراك الحسّيّ إنّما يحصل بالآلات الجسمانيّة التي هي الحواسّ ، والإدراك العلمي إنّما يحصل للذات العاقلة من غير آلة ، ولذلك لا يدرك حسّ نفسه ولا آلته ؛ فإنّه لا آلة تتوسّط بينه وبينها ، ويدرك الذات العاقلة نفسها وآلاتها وتعقّلاتها.
أمّا البارئ تعالى ، فكلّ من يعتقد أنّه جسم أو مباشر للأجسام ، فقد يمكن له أن يصفه بالإدراك الحسّيّ ، وكلّ من ينزّهه عن ذلك ، ينزّهه أيضا عن هذا الوصف.
ولمّا كان السمع والبصر ألطف الحواسّ وأشدّها مناسبة للعقل ، عبّر بهما عن العلم في كثير من المواضع ، كما في قوله عزّ من قائل : {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10] وقوله تعالى : {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ } [الأعراف: 198] وفي غير ذلك من المواضع التي لا يمكن أن تعدّ ، ولذلك وصفوا البارئ تعالى بالسميع والبصير دون الشامّ والذائق واللاّمس ، وعنوا بهما العلم بالمسموعات والمبصرات وفرّقوا بين السامع والسميع ، والمبصر والبصير ، وجميع ذلك من المباحث اللفظيّة ، وأكثر المتكلّمين يخصّصون الإدراك بالحسّ ويتنازعون في جواز وصف البارئ تعالى به ، ثمّ في المراد منه إذا وصفوه به، فيذهب بعضهم إلى الإحساس ، وبعضهم إلى العلم بالمحسوسات (2). انتهى.
فقوله : ( والعقل على استحالة الآلات ) إشارة إلى تنزيهه تعالى عن الجسميّة ومباشرة الأجسام، فوجب من مجموع الدلالتين القول بكونه سميعا بصيرا من دون آلة وجارحة.
وفي قوله : والسمع دلّ ، إشارة إلى ضعف ما استدلّ به بعضهم على كونه تعالى سميعا بصيرا وهو أنّه حيّ ، وكلّ حيّ يصحّ اتّصافه بالسمع والبصر ، وكلّ ما يصحّ في حقّه تعالى ، يجب أن يكون ثابتا له بالفعل ؛ لبراءته عن القوّة والإمكان ، وذلك لتوقّفه على أنّ الحياة في الغالب تقتضي صحّة السمع والبصر.
وغاية متشبّثهم في ذلك إمّا طريق السبر والتقسيم على ما ذكره إمام الحرمين (3) ؛ فإنّ الجماد لا يتّصف بقبول السمع والبصر ، وإذا صار حيّا اتّصف بهما إن لم يقم به آفة ، ثمّ إذا سبرنا صفات الحيّ ، لم نجد ما يصحّح قبوله لهما سوى كونه حيّا ، ولزم القضاء بمثل ذلك في حقّه تعالى.
وإمّا أنّه لا خفاء في أنّ المتّصف بهما أكمل ممّن لا يتّصف بهما ، فلو لم يتّصف البارئ تعالى بهما ، لزم كون الإنسان ، بل سائر الحيوانات أكمل منه تعالى ، وهو باطل قطعا ، على ما ذكره الغزاليّ (4).
ويرد على الأوّل : أنّه يتوقّف على كونه تعالى حيّا بحياة مثل حياتنا المصحّحة للسمع والبصر وهو ممنوع.
وعلى الثاني : أنّ كون المتّصف بهما أكمل ممّن لا يتّصف بهما مسلّم في الشاهد. وأمّا في الغائب ، فهو ممنوع ، بل هو أوّل المسألة.
وأيضا وجوب كونه تعالى منزّها عن النقائص ثابت عندهم بالإجماع ، والظواهر الدالّة على ثبوت السمع والبصر أقوى جدّا من الظواهر الدالّة على حجّيّة الإجماع ؛ لكثرة المنوع والاعتراضات عليها.
فالأولى التمسّك في إثبات السمع والبصر بالظواهر القطعيّة ابتداء.
قال شارح المواقف في المحصّل : إنّ المسلمين اتّفقوا على أنّه تعالى سميع بصير ، لكنّهم اختلفوا في معناه ، فقال الفلاسفة والكعبيّ وأبو الحسين البصريّ : ذلك عبارة عن علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات. وقال الجمهور منّا ومن المعتزلة والكراميّة : إنّهما صفتان زائدتان على العلم.
وقال ناقده : أراد فلاسفة الإسلام ؛ فإنّ وصفه تعالى بالسمع والبصر مستفاد من النقل ، وإنّما لم يوصف بالذوق والشمّ واللمس ؛ لعدم ورود النقل. وإذا نظر في ذلك من حيث العقل ، لم يوجد له وجه سوى ما ذكره هؤلاء ؛ فإنّ إثبات صفتين شبيهتين بسمع الحيوانات وبصرها لا يمكن بالعقل.
والأولى أن يقال : لمّا ورد النقل بهما آمنّا بذلك وعرفنا أنّهما لا يكونان إلاّ بالآلتين المعروفتين ، واعترفنا بعدم الوقوف على حقيقتهما (5). انتهى.
ولعلّ هذا هو معنى قوله : والنقل (6) دلّ على اتّصافه بالإدراك ، والعقل على استحالة الآلات ، فتدبّر.
وقريب من هذا ما قال الشارح العلاّمة ـ ; ـ في شرح هذا الكلام : اتّفق المسلمون كافّة على أنّه تعالى مدرك ، واختلفوا في معناه : والذي ذهب إليه أبو الحسين أنّ معناه علمه بالمسموعات والمبصرات. وأثبت الأشعريّة وجماعة من المعتزلة صفة زائدة على العلم.
والدليل على كونه تعالى سميعا بصيرا السمع ؛ فإنّ القرآن وإجماع المسلمين دلّ على ذلك.
إذا عرفت هذا ، فنقول : السمع والبصر في حقّنا إنّما يكونان بالآلات الجسمانيّة ، وكذا غيرهما من الإدراكات ، وهذا الشرط ممتنع في حقّه تعالى بالعقل ، فإمّا أن يرجع إلى ما ذهب إليه أبو الحسين ، وإمّا إلى صفة زائدة غير مفتقرة إلى الآلات في حقّه تعالى » (7). انتهى (8).
___________________
(1) في بعض نسخ التجريد : « النقل » بدل « السمع ».
(2) « شرح رسالة العلم » : 37 ـ 38.
(3) « شرح المقاصد » 4 : 139.
(4) نفس المصدر.
(5) « شرح المواقف » 8 : 89 ـ 90. وانظر « نقد المحصّل » : 288.
(6) كذا في النسخ ، وفي « شوارق الإلهام » وبعض نسخ « تجريد الاعتقاد » : « السمع ».
(7) « كشف المراد » : 289.
(8) أي كلام الفاضل اللاهيجي. انظر « شوارق الإلهام » : 554 ـ 555.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف يشارك في معرض الكتاب الشامل بجامعة البصرة
|
|
|