أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-08-2015
1724
التاريخ: 25-10-2014
1574
التاريخ: 28-3-2017
1288
التاريخ: 5-4-2018
1106
|
في سمعه وبصره تعالى والكلام فيه في موارد :
المورد الأَوّل : في أصل ثبوت سمعه وبصره شرعاً وعقلاً .
أمّا شرعاً فاتّصافه تعالى بالسمع والبصر والإدراك قطعي ، بل ضروري والكتاب والسُنة به مشحونان ، وأمّا عقلاً فلوجوه :
الأَوّل : ما ذكره المحقّق الطوسي قدّس سره (1) بقوله : ويدلّ عليه إحاطته بما يصحّ أن يسمع ويبصر ؛ فلهذا المعنى وللإذن الشرعي بإطلاق هاتين الصفتين عليه يوصف بهما .
الثاني : ما ذكر العلاّمة في الباب الحادي عشر (2) بقوله : لأنّه حيّ فيصحّ أن يدرك ، وقد ورد القرآن بثبوته له فيجب إثباته له .
الثالث : ما ذكره بعض الأشاعرة (3) ، بأنّه تعالى حيّ وكلّ حي يصحّ اتّصافه بالسمع والبصر، ومَن صحّ اتّصافه بصفة اتّصف بها أو بضدّها ، وضدّ السمع والبصر هو الصمم والعمى وأنّهما من صفات النقص ، فامتنع اتّصافه تعالى بهما ، فوجب اتّصافه بالسمع والبصر .
الرابع : ما استدلّ به بعضهم ـ كما يظهر من الشوارق (4) ـ من أنّه حيّ وكلّ حيّ يصح أن يسمع ويبصر ، وما أمكن في حقّ الواجب تعالى واجب له .
أقول : إن كان المراد بهما هو العلم بالمسموعات والمبصرات فالمقام داخل في المسألة المتقدّمة، فيتمّ الوجه الأَوّل والرابع ، ولكن لابدّ أن يقال في الوجه الرابع : إنّ اتّصاف الواجب بهما ممكن ، فهما ثابتان بلا توسيط الحياة ، فإنّها عندهم بمعنى اتّصافه بالعلم والقدرة ، ومفاد التقرير يكون هكذا : المتّصف بالعلم والقدرة يمكنه العلم ، وهو كما ترى !
وإن كان شيئاً آخر فلا ؛ إذ ليس حياته كحياة الممكن ، حتى أمكن في حقّه ما أمكن في حقّنا ،
فلا تكفي قاعدة الملازمة ولا إحاطته بما يصحّ أن يبصر ويسمع ، فإنّ علمه به غير سمعه وبصره به .
وأمّا الوجه الثاني فهو راجع إلى الرابع ؛ لأنّ ما أمكن في حقّه واجب بلا حاجة إلى توسيط النقل .
وأمّا الوجه الثالث فهو ضعيف جداً ؛ لأنّ الحياة المأخوذة في الصغرى غير المأخوذة في الكبرى ، وإلاّ فهي مصادرة ، والصمم والعمى من قبيل عدم المَلَكة بالنسبة إلى السمع والبصر، لا أنّهما ضدان لهما ، فيمكن خلو الواجب عن كليهما . وبالجملة : إن قلنا بتضمّن هاتين الصفتين ما يزيد على العلم الثابت له بالأدلة المتقدمة ، فلا سبيل للعقل إلى إثباتهما ، وإلاّ فيجري فيه الأدلّة المذكورة ، ولا يحتاج إلى ذكر هذه الوجوه أو تكرارها.
هذا ومن الناس مَن نفى هاتين الصفتين اللتينِ دلّ عليهما الكتاب والسُنة ، وتمسّكوا له بوجهين :
الأَوّل : إنّهما تأثر الحاسة عن المسموع والمبصَر أو مشروطان به كسائر الإحساسات ، وهو محال في حق الله تعالى .
ورُدّ بمنع كونهما كذلك في الواجب ؛ لأنّ صفاته مخالفة بالحقيقة لصفاتنا .
الثاني : إثبات السمع والبصر في الأزل ولا مسموع ولا مبصَر فيه خروج عن المعقول .
وأُجيب عنه ، بأنّ انتفاء التعلّق أزلاً لا يستلزم انتفاء الصفة ، كما في سمعنا وبصرنا ، فإنّ خلوّهما عن الإدراك في وقت لا يوجب انتفاءهما أصلاً في ذلك الوقت ، وفي الجوابين كلام ...
المورد الثاني : في تفسير سمعه وبصره وفيه أقوال :
الأَوّل : إنّهما عبارة عن العلم بالمسموعات والمبصرات ، فهما فردان لمطلق العلم ، قال به الفلاسفة كما قيل ، أو الفلاسفة النافون لعلمه بالجزئيات على وجه جزئي كما في الأسفار ، والكعبي أبو الحسين البصري .
أقول : وهذا هو مختار المفيد في كتابه أوائل المقالات (5) ، والعلاّمة في شرح قواعد العقائد ، وبعض آخر من أصحابنا ، قال شيخنا المفيد ـ بعدما فسّر السمع والبصر والإدراك ، وكونه راءٍ بالعلم خاصّة دون ما زاد عليه في المعنى ـ : ولست أعلم من متكلّمي الإمامية في هذا الباب خلافاً ، وهو مذهب البغداديين من المعتزلة وجماعة عن المرجئة ونفر من الزيدية ، ويخالف فيه المشبّهة وإخوانهم من أصحاب الصفات ، والبصريون من أهل الاعتزال . انتهى .
أقول : دليلهم واضح فإنّ زيادة معنى البصر والسمع على العلم ، ترجع إلى الإحساس المنفي عنه تعالى ، فلابدّ من إرجاعهما إلى العلم ، وإليه ذهب أبو الحسن الأشعري ، كما في شرح القوشجي والأسفار .
الثاني : إنّهما زائدتان على العلم كما عن جمهور الأشاعرة والمعتزلة والكرامية ، فإنّه إذا علم شيء علماً جلياً ثمّ وقع عليه البصر ، يوجد بين الحالتين تفرقة ضرورةً ، فإنّ الحالة الثانية تشتمل على زيادة مع حصول العلم فيهما ، فذلك الزائد هو الإبصار ، واحتياجنا إلى الآلة إنّما هو ؛ لعجزنا وقصورنا ، وأمّا الواجب فيحصل له الإبصار بلا آلة ، وهذا هو الذي ذهب إليه السهروردي ـ فأرجع علمه إلى بصره ـ وصاحب الأسفار ومَن تبعه ، وقد بيّنه في أسفاره فلاحظ .
الثالث : إنّهما نوعان من الإدراك لا يتعلّقان إلاّ بالموجود العيني ، فهما من توابع الفعل ، فليكونان حادثين بعد الجود (6) . قال به طائفة (7) .
وبالجملة : البصر والسمع عندهم عبارة عن تعلّق العلم بالمسموع والمبصر الخارجيينِ .
الرابع : التوقّف كما عن المحقّق الطوسي قدّس سره في نقد المحصّل ، قال : والأَولى أن يقال : لمّا ورد النقل آمنا بذلك ، وعرفنا أنّهما لا يكونان إلاّ بالآلتين المعروفتين ، واعترفنا بعدم الوقوف على حقيقتهما .
أقول : وكلام العلاّمة في شرح التجريد أيضاً مشعر بذلك .
أقول : القول الثاني هو الأوفق بمدلول لفظ البصير والسميع ، فإنّ الإدراك ليس هو العلم المطلق ، ولا العلم بالجزئيات ، بل ولا العلم المتعلّق بالمحسوسات بأي طريق كان ، بل هو الكشف المحسوس الذي إذا كان صادراً عنّا يسمّى إحساساً .
وهذا النحو من الإدراك أشدّ في المحسوسات من العلم الحضوري الذي تخيّله السهروردي، أَلا ترى أنّ الصور الحالة فينا معلومة لنا بالعلم الحضوري ، ولو أدركناها بالإحساس كان انكشافها حينئذٍ أشدّ من علمنا الحضوري بالفعل ؟ فهذا المعنى إمّا هو المعنى الحقيقي للفظة الإدراك والسمع والبصر ، على تقدير عدم مداخلة العضو في معانيها ، أو هو أقرب المعاني المجازية على تقدير مداخلته فيها .
غير أنّ الذي يوجب رفضه ، بل وكذا رفض القول الثالث ، هو ما دلّ على قِدم هذه الصفات إن تمّت صحّة أسانيدها ، وكونها من الصفات الذاتية ؛ إذ لا موجود محسوس أزلاً حتى يتعلّق به هذا الإدراك ، فإذن لابدّ من إرجاعه إلى العلم كما قال الأَوّلون .
وأمّا الاعتذار المتقدّم في جواب الإيراد الثاني للنافين فهو في موضع منع ؛ إذ ليس حالهما حال العلم المطلق حتى لا يضرهما فقدان المتعلّق ، فتلخّص أنّ الأظهر هو القول الأَوّل ، والأحوط هو القول الرابع ، فإنّه مقتضى التثبّت الديني .
وأمّا الروايات الواردة في المقام فلم استفد منها شيئاً يترجّح به أحد المعنيين ، سوى ذكر السمع والبصر في مقابل العلم المشعر بالتعدّد ، وفوق كلّ ذي علم عليم ، نعم قول أمير المؤمنين (عليه السلام ) ـ على ما في خطبته المشهورة (8) ـ : ( أحاط بالأشياء علماً قبل كونها ، فلم يزدد بكونها علماً ، علمه بها قبل أن يكوّنها كعلمه بعد تكوينها ) يؤيّد القول الأَوّل ، بل يمكن أن يُجعل أكثر ما تقدّم من الروايات الدالة على عموم علمه مؤيّداً له . والله الهادي .
المورد الثالث : في تخصيص السمع والبصر بالذكر شرعاً قالوا :
إنّ عدم اتّصافه تعالى بالشمّ واللمس والذوق ؛ لأجل عدم وروده من الشرع ، وأسماء الله توقيفية .
ولعلّ النكتة في تخصيص السمع والبصر بالذكر شرعاً دون البقية ، هو ردع المكلّفين عن المعاصي ، فإنّ اعتقاد عامّة الناس بهما يمنعهم من الاقتحام في الجرائر والجرائم ، ونفي توهّم الجسمية في حقّه تعالى ، فإنّ تلك البقية أشدّ ارتباطاً بالجسم كما لا يخفى ، وإلاّ فهو تعالى كما يعلم المسموعات والمبصرات ، كذلك يعلم المشمومات والمذوقات والملموسات ، إلاّ أن يقال : إنّ هذا يتمّ على التفسير الأَوّل وأمّا على التفسير الثاني فلا ؛ إذ المفروض أنّ المعنى الزائد المذكور على العلم غير ثابت بالعقل ، بل بالنقل وهو مختص بهما ، ويمكن إثباته في البقية بقاعدة الملازمة بعد إمكانه ، بل وقوعه في المبصرات والمسموعات ، فتدبّر جيداً .
المورد الرابع : الروايات الواردة في السمع والبصر :
إنّ ما وجدته من الروايات الواردة حول هاتين الصفتين عاجلاً هو سبع نذكر واحدة منها ، وهي: ما رواه ثقة الإسلام الكليني ، بإسناده عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) ـ والسند صحيح ـ أنّه قال في صفة القديم : ( إنّه واحد ، صمد ، أحدي المعنى ، ليس بمعاني كثيرة مختلفة ، قال : قلت : جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق ، أنّه يسمع بغير الذي يبصر ، ويبصر بغير الذي يسمع ، قال : فقال : كذبوا وألحدوا وشبّهوا ، تعالى الله عن ذلك ، إنّه سميع بصير ، يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع ، قال : قلت : يزعمون أنّه بصير على ما يعقلونه . قال : فقال : تعالى الله عن ذلك ، إنّما يعقل ما كان بصفة المخلوق وليس الله كذلك ) (9) .
وربّما تشعر الرواية بالقول الأَوّل . والله العالم .
________________
(1) شرح قواعد العقائد / 48.
(2) شرح الباب الحادي عشر / 18.
(3) شرح المواقف 3 / 72.
(4) الشوارق 2 / 263.
(6) كما نقله في البحار 4 / 73.
(7) شرح المواقف 3 / 73.
(8) أُصول الكافي 1 / 135.
(9) أُصول الكافي 1 / 108.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|