المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



المعاني الحرفيّة  
  
1575   08:37 صباحاً   التاريخ: 30-8-2016
المؤلف : ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : أنوَار الاُصُول
الجزء والصفحة : ج 1 ص 52.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /

لا إشكال في وجود القسم الأوّل والثالث من الأقسام المذكورة للوضع (أي ما إذا كان الوضع عامّاً والموضوع له عامّاً، أو كان الوضع خاصّاً والموضوع له خاصّاً) في الخارج، فمن القسم الأوّل أسماء الأجناس، ومن الثالث الأعلام الشخصيّة.

أمّا القسم الثاني فقد وقع البحث في وقوعه خارجاً، والمشهور على ذلك، وعدّوا من مصاديقه المعاني الحرفيّة وما شابهها، فينبغي البحث والتحقيق في حقيقة المعاني الحرفيّة لما يترتّب عليه في أبواب الواجب المشروط وغيره على قول بعض.

وهذا البحث يستدعي نظراً كلّياً إلى الأقوال المعروفة والآراء الموجودة فيه قبل الورود في تفصيله.

فنقول: هنا أقوال خمسة ننظر إليها إجمالا ثمّ نتكلّم عن أدلّتها ونقدها تفصيلا:

القول الأوّل: أنّ الحروف لا معاني لها بل هي علامات للمعاني الاسميّة كالأعراب في الكلمات المعربة، فكما أنّ الرفع مثلا علامة للفاعل، والنصب علامة للمفعول، كذلك الحروف، فكلمة «من» مثلا علامة لابتداء السير في جملة «سرت من البصرة إلى الكوفة» و «إلى» علامة لانتهائه، والقائل به «محمّد بن حسن الرضي» من أعلام القرن السابع في كتابه الموسوم بشرح الكافيّة (وإن كان المستفاد من بعض كلماته القول الثاني الآتي ذكره) والإنصاف أنّ صدر كلامه وإن كان يدلّ على القول الثاني فإنّه ذكر فيه «إنّ معنى «من» ومعنى «لفظ الابتداء» سواء، إلاّ أنّ الفرق بينهما أنّ لفظ الابتداء ليس مدلوله مضمون لفظ آخر بل معناه الذي في نفسه مطابقة، ومعنى «من» مضمون لفظ آخر ينضاف ذلك المضمون إلى معنى ذلك اللفظ الأصلي» كما أنّ ذيل كلامه قد يشعر بالقول الأوّل فإنّه قال: «فالحرف وحده لا معنى له أصلا إذ هو كالعلم المنصوب بجنب شيء ليدلّ على أنّ في ذلك الشيء فائدة ما»(1).

ولكن المحصّل من مجموع كلامه كما لا يخفى على من راجعه ودقّق النظر فيه هو القول الخامس الذي ستأتي الإشارة إليه من أنّ الحروف تدلّ على معان غير مستقلّة في الذهن والخارج.

القول الثاني: ما ذهب إليه المحقّق الخراساني (رحمه الله) وهو عكس الأوّل، وحاصله إنّه لا فرق بين الحروف والأسماء في كون معاني كليهما استقلاليّة، فلا فرق بين «من» مثلا وكلمة «الابتداء» في دلالة كليهما على الابتداء.

إن قلت: فلماذا لا يمكن استعمال أحدهما في موضع الآخر؟

قلت: إنّه ناشٍ من شرط الواضع لا إنّه مأخوذ في الموضوع له، فإنّ الواضع اعتبر لزوم استعمال «من» فيما إذا لم يكن معنى الابتداء ملحوظاً استقلاليّاً وشرط في كلمة الابتداء استعمالها فيما إذا لم يكن المعنى آلياً.

القول الثالث: ما أفاده المحقّق النائيني (رحمه الله) وحاصله: إنّ معاني الحروف كلّها إيجاديّة يوجد بها الربط بين أجزاء الكلام، فإنّ «من» في جملة «سرت من البصرة إلى الكوفة» مثلا توجد الربط بين كلمتي «البصرة» و «سرت».

والظاهر من كلامه إنّها ليست حاكيات عن معانيها بل وضعت لإنشائها، فإنّ «في» مثلا لا تحكي عن الظرفيّة بل توجدها في قولك «زيد في الدار».

القول الرابع: ما أفاده بعض الأعلام، وملخّصه: إنّ المعاني الحرفيّة وضعت لتضييق المعاني الاسمية ومع ذلك لا نظر لها إلى النسب الخارجيّة كما سيأتي توضيحه (2).

القول الخامس: قول كثير من المحقّقين. وهو أنّها وضعت للحكاية عن النسب الخارجيّة والمفاهيم غير المستقلّة وهو الأظهر من الجميع.

توضيحه: أنّ المفاهيم والمعاني على قسمين: مستقلّة وغير مستقلّة، فالمستقلّة نحو «مفهوم السير» وغير المستقلّة مثل ابتدائه وانتهائه، وكما نحتاج في بيان المعاني المستقلّة والحكاية عنها إلى ألفاظ، كذلك في المعاني غير المستقلّة، فمثلا كما نحتاج في بيان معنى «زيد» و «قائم» إلى لفظ زيد قائم، كذلك نحتاج في بيان نسبة زيد إلى قائم وصدور القيام عن زيد إلى وضع لفظ، وهو هيئة «زيد قائم» ونحتاج في بيان كيفية السير من حيث الابتداء والانتهاء في قولك «سرت من البصرة إلى الكوفة» أيضاً إلى كلمتي «من» و «إلى»، هذا ملخّص الكلام في بيان الأقوال الخمسة في المقام.

أقول: أمّا القول الأوّل: فالأحسن في مقام الجواب عنه أن يقال: إنّه مخالف لما يتبادر من الحروف إلى الذهن عند استعمالها، وقياسه بالإعراب قياس مع الفارق، لأنّه يتبادر من كلمة «في» مثلا في جملة «زيد في الدار» معنى خاصّ، والحال أنّه لا يتبادر شيء من علامة الرفع في «زيدٌ» في تلك الجملة.

أمّا القول الثاني: فغاية ما يقال في توضيحه: أنّ خصوصيّة كلّ واحد من الاسم والحرف نشأت من جانب الاستعمال لا الوضع، لأنّه إن كان الموضوع له خاصّاً فلا يخلو من أحد الأمرين، إمّا أن يكون المراد الخاصّ الجزئي الخارجي فإنّه خلاف الوجدان، لأنّ في نحو «في الدار» لا يكون المصداق واحداً جزئيّاً بل إنّه كلّي لشموله لكل موضع من الدار، وإمّا أن يكون المراد جزئيّاً ذهنياً فيستلزم كون الموضوع له معنىً مقيّداً بوجوده في الذهن، لأنّ لحاظ المعنى قيد له وهو باطل لوجوه:

أحدها: لزوم تعدّد اللحاظين حين الوضع، لأنّ الوضع حينئذ يلاحظ المعنى الملحوظ في الذهن وهو خلاف الوجدان.

ثانيها: لزوم عدم إمكان انطباق المعنى الحرفي على الخارج لأنّه مقيّد بكونه في الذهن.

ثالثها: لزوم كون الموضوع له في جميع الأسماء حتّى في أسماء الأجناس خاصّاً لأنّه إذا كان «كونه ملحوظاً في غيره» جزءً لمعنى الحرف، يكون «اللحاظ في نفسه» أيضاً جزءً للمعنى الاسمي لأنّ المفروض كونهما موضوعين على منهاج واحد، فيكون معنى الاسم جزئيّاً حقيقيّاً ذهنيّاً أيضاً، وهو خلاف ما هو المتّفق عليه في أسماء الأجناس من كون الموضوع له فيها عامّاً.

فثبت ممّا ذكرنا أنّ هذا القيد إنّما يكون عند الاستعمال لا في الموضوع له.

إن قلت: فلا فرق حينئذ بين الاسم والحرف، وهو يستلزم إمكان استعمال أحدهما موضع الآخر.

قلنا: الفرق بينهما منحصر في غاية الوضع، فوضع الاسم لأن يراد في نفسه، ووضع الحرف لأن يراد في غيره، وهي تمنع عن استعمال أحدهما موضع الآخر (انتهى).

أقول يرد عليه: أنّ هذا في الحقيقة شرط من ناحية الواضع لو قلنا به، وهو لا يوجب إلزاماً لغيره من المستعملين، فيستلزم أن يكون الاسم والحرف مترادفين، إلاّ أن يقال: إنّ شرط الواضع يوجب محدوديّة في الموضوع له التي تعبّر عنها في بعض الكلمات بالتضييق الذاتي، وفي كلام المحقّق العراقي (رحمه الله) بالحصّة التوأمة، ولكن هذا يرجع في الحقيقة إلى تغاير الموضوع له فيهما فلا تكون الحروف متّحدة مع الأسماء في الموضوع له.

وبعبارة اُخرى: الذي يوجب قبوله من الواضع إنّما هو ما يكون في دائرة الوضع فإن كان هناك شيء خارج عنها وكان الموضوع له مطلقاً بالنسبة إليه فلا مانع حينئذ في استعمال تلك اللّفظة على نحو عامّ، فلو شرط الواضع عدم استعماله بدون ذاك القيد لم يقبل منه لأنّه بما هو واضع لم يأخذه قيداً فكيف يجب قبول هذا الشرط؟

أمّا القول الثالث: وهو ما أفاده المحقّق النائيني(رحمه الله)(3) فيرد عليه أمران لا محيص عنهما:

الأوّل: (وهو العمدة) إنّه لا معنى لأن توجد النسبة بلفظ لا معنى له، ولا يدلّ على مفهوم، فإن لم يكن لكلمة «في» مثلا معنى الظرفيّة فلا يمكن إيجادها بها في الكلام كما لا يخفى، فاللازم دلالة الحروف أوّلا وبالذات على معنى وحكايتها عنه ثمّ إيجاد النسبة الكلاميّة بها في ضوء تلك الحكاية.

الثاني: أنّه لو كانت معاني الحروف إيجاديّة فلا سبيل للصدق والكذب إليها كما هو كذلك في جميع الإنشائيات فلا معنى لكون قضيّة «زيد في الدار» صادقة أو كاذبة، وهذا كما ترى.

نعم لا إشكال في إيجاديّة معاني بعض الحروف نحو حروف النداء وحروف التمنّي والترجّي والقسم والتأكيد التي تشكّل قسماً خاصّاً من الحروف كما ستأتي الإشارة إليه إن شاء الله.

أمّا القول الرابع: فقد مرّت الإشارة إليه وإليك توضيحه من ملخّص كلامه:

قال في هامش أجود التقريرات: «والتحقيق أن يقال: إنّ الحروف بأجمعها وضعت لتضييقات المعاني الاسمية وتقييداتها بقيود خارجة عن حقائقها، ومع ذلك لا نظر لها إلى النسب الخارجيّة بل التضييق إنّما هو في عالم المفهوميّة ...

توضيح ذلك: إنّ كلّ مفهوم اسمي له سعة وإطلاق بالإضافة إلى الحصص التي تحته سواء كان الإطلاق بالقياس إلى الخصوصيّات المنوّعة أو المصنّفة أو المشخّصة أو بالقياس إلى حالات شخص واحد، ومن الضروري أنّ غرض المتكلّم كما يتعلّق بإفادة المفهوم على إطلاقه وسعته كذلك قد يتعلّق بإفادة حصّة خاصّة منه كما في قولك «الصّلاة في المسجد حكمها كذا»، وحيث إنّ حصص المعنى الواحد فضلا عن المعاني الكثيرة غير متناهية، فلابدّ للواضع الحكيم من وضع ما يوجب تخصيص المعنى وتقييده، وليس ذلك إلاّ الحروف والهيئات ... وبذلك يظهر أنّ إيجاد الحروف لمعانيها إنّما هو باعتبار حدوث الضيق في مرحلة الإثبات والدلالة، وإلاّ لكان المفهوم متّصفاً بالإطلاق والسعة ... وإمّا باعتبار مقام الثبوت فالكاشف عن تعلّق القصد بإفادة المعنى الضيّق إنّما هو الحرف»(4).

أقول: يرد عليه اُمور:

أحدها: إنّ هناك قسماً ثالثاً من الحروف لا يجري فيه شيء ممّا ذكره كالحروف العاطفة فإنّها ليست إنشائيّة كما أنّها ليست لبيان الحصص الخاصّة من المعاني الاسميّة وغيرها.

ثانيها: إنّه قد تكون الحروف لتضييق النسب الموجودة في الكلام التي هي بنفسها من المعاني الحرفيّة كقولك «عليك بإكرام زيد في دارك» فإنّ كلمة «في» هنا إنّما هي لتضييق نسبة الإكرام إلى زيد لا تقييد الإكرام ولا تقييد نفس زيد كما لا يخفى على المتأمّل.

ثالثها: وهو العمدة ما أوردناه سابقاً على مذهب المحقّق النائيني(رحمه الله) وهو أنّ التضييق لا يخلو من أحد أمرين: إمّا أن يكون مع الحكاية والدلالة على الخارج أو بدونها، فإن لم يكن مع الدلالة فلا معنى له، وإن كان مع الحكاية والدلالة فيكون دور الحروف أوّلا هو الدلالة على معنى والحكاية عن الخارج، ثمّ تضييق المعاني الاسميّة بواسطتها.

أمّا القول الخامس: فقد مرّ بيانه ويزيدك توضيحاً: إنّ الموجودات الممكنة على ثلاثة أقسام :

الأوّل: وجود في نفسه لنفسه، أي وجود مستقلّ في الذهن والخارج وهو الجوهر، نحو الروح والجسم.

الثاني: وجود في نفسه لغيره فيكون مستقلا في المفهوم فقط ولكن إذا وجد وجد في الموضوع وهو العرض، نحو البياض والسواد.

الثالث: وجود في غيره لغيره فلا استقلال له لا في المفهوم ولا في الخارج.

ولكلّ من هذه الأقسام في عالم اللفظ كلمات تدلّ عليها وما يدلّ على القسم الثالث منها هو الحروف: فهي تدلّ على مفاهيم غير مستقلّة في الذهن والخارج وتكون حاكيات عنها كما يظهر بمراجعة الوجدان ولا تدلّ على الإيجاد أو التضييق إلاّ بسبب دلالتها على ما ذكرنا كما مرّ.

ولقد أجاد بعض الأعاظم حيث قال: إنّ معاني الحروف غير مستقلّة في أربع جهات: في الوجود الخارجي، والوجود الذهني وفي الدلالة، بمعنى إنّ دلالتها على المعاني ليست بمستقلّة فلا يكون لكلمة «في» مجرّداً عن الاسم أو الفعل مدلولا، وفي كيفية الدلالة، فلا استقلال لها في الإفراد والتثنية والجمع مثلا بل تكون تابعة لموردها، فإن كان المورد مفرداً تكون دلالتها على النسبة أيضاً مفردة وهكذا.

هذا ولكن مع ذلك كلّه فهنا سؤالان نذكرهما ونجيب عنهما:

1 ـ ما هو الدليل على أنّ الحروف وضعت للقسم الثالث من هذه المفاهيم؟ فإنّ ما ذكر هو مجرّد دعوى.

الجواب: هو بأنّه مقتضى حكمة الوضع، لأنّا نشاهد في الجمل الخبريّة وغيرها اُموراً لا يحكي الاسم عنها ولا الفعل، فالحكمة تقتضي أن توضع بإزائها أيضاً كلمة كما وضعت للمعاني الاسميّة والفعليّة، وليست هي إلاّ الحروف، ويدلّ عليه التبادر أيضاً.

2 ـ ما هو الوجه فيما إذا استعملنا الحروف في الواجب تعالى أو الممتنع، وقلنا مثلا: «هو الذي في السماء إله» أو «اجتماع النقيضين في محلّ واحد محال»، فكيف تدلّ كلمة «في» في الجملة الاُولى على وجود نسبة حقيقية بين الواجب والسماء، وفي الثانيّة على وجود نسبة بين «اجتماع النقيضين» الذي لا وجود له، و «محلّ واحد»؟ أليس هذا من المجاز؟

الجواب: هو أنّ حكمة الوضع في الألفاظ هي رفع الحاجات اليوميّة، وبالطبع يكون المقياس هو المعاني الممكنة الاعتياديّة، بل ربّما لم يكن الواضع معتقداً بالواجب، أو لا يتحقّق له تصوّر للممتنع، وحينئذ يكون الموضوع له للألفاظ هو خصوص الممكنات أوّلا وبالذات، فإذا استعمل في الواجب أو الممتنع يوسّع المعنى أو يضيق، وسيأتي بيانه وتوضيحه إن شاء الله تعالى في مبحث المشتقّ.

هذا ولكن هذا القول وإن كان قويّاً من بعض الجهات لكن لا يشمل تمام أقسام الحروف كما يظهر ذلك عند بيان القول المختار.

المختار في المعاني الحرفيّة:

الحقّ أنّ الحروف على أقسام مختلفة لا يمكن جعلها تحت عنوان واحد، فقسم منها حاكيات عن النسب والحالات القائمة بغيرها على المنهج الذي مرّ في القول الخامس، وقسم آخر إيجادي إنشائي نحو «ليت» و «لعلّ» و «حروف النداء» وما أشبهها لا تحكي عن شيء بل ينشأ بها معانيها، وقسم ثالث منها علامات لربط الكلام مثل حروف الاستئناف والعطف في الكلام، وقسم رابع يكون لها معنى اسمي نحو كاف التشبيه التي تكون بمعنى «مثل»، كلّ ذلك يعلم ممّا ذكرناه في نقل الأقوال السابقة ونقدها مع ما يعلم بالتبادر منها فلا يمكن سوق جميع الحروف سياقاً واحداً.

إن قلت: فلا جامع بين المعاني الحرفيّة، فيكون الحرف مشتركاً لفظيّاً يطلق على أربعة معان.

قلنا: أوّلا: إنّا لا نأبى عن ذلك.

وثانياً: يمكن أن يتصوّر للثلاثة الاُولى جامعاً وهو «ما ليس له معنى مستقلّ» لا في الذهن ولا في الخارج أعمّ من أن يكون على نحو السالبة بانتفاء الموضوع كالقسم الثالث، أو كان له معنى غير مستقلّ وهو القسم الأوّل والثاني، أمّا القسم الرابع فإنّه وإن كان له معنى مستقلّ إلاّ أنّه يلحق بالثلاثة لشباهته بها لفظاً، بل ومن حيث المعنى من بعض الجهات يكون التشبيه الذي هو مفاد الكاف قائماً بالطرفين، وهما المشبه والمشبه به، فيمكن ادخاله تحت ذلك الجامع ببعض الملاحظات، ولكن العمدة إنّه لا دليل على لزوم أخذ الجامع بينهما كما عرفت.

إن قلت: يمكن أن يقال: إنّ كاف التشبيه تحكي وتدلّ على المماثلة الخارجيّة الواقعيّة بين زيد والأسد مثلا في جملة «زيد كالأسد» فلا فرق حينئذ بينهما وبين معنى الابتداء، فكما إنّ معنى الابتداء قائم في حرف «من» كذلك المماثلة تكون قائمة بالمشبه والمشبه به، وعليه يكون معنى الكاف غير مستقلّ كسائر المعاني الحرفيّة.

قلنا: هذا في الحقيقة خلط بين عدم الاستقلال في الوجود الخارجي والوجود الذهني، فإنّ المماثلة وإن لم تكن مستقلة في الوجود الخارجي كجميع العوارض لا سيّما ما كانت ذات إضافة، ولكنّها معنى مستقل في الذهن، ولذلك يمكن جعل كلمة «مثل» محلّه، بخلاف معنى «من» و «في» فإنّهما غير مستقلّين في اُفق الذهن كما هما كذلك في الخارج، ولا يمكن جعل «الابتداء» و«الظرفيّة» محلّهما.

وبقي هنا اُمور:

1 ـ إنّ الوضع في الحروف عامّ والموضوع له خاصّ، لأنّ «من» مثلا لم توضع للابتداء الكلّي المتصوّر في الذهن حين الوضع، بل وضعت لمصاديقه الجزئيّة في الخارج، لأنّها تحكي عن الابتداء الذي تكون حالة لغيره في مثل «سرت من البصرة إلى الكوفة» فيكون الموضوع له خاصّاً لجزئيّة المصداق، والوضع عامّاً لعدم إمكان إحصاء هذه المصاديق لكثرتها، فنحتاج في تصوّرها إلى تصوّر جامع وعنوان مشير إليها، ولولا ذلك لم يكن فرق بينه وبين لفظ الابتداء.

هذا كلّه بالنسبة إلى القسم الأوّل من الحروف.

أمّا القسم الثاني وهي التي تدلّ على المعاني الإيجاديّة فيكون الموضوع له فيها جزئيّاً حقيقيّاً خارجياً لأنّها وضعت للإنشاء الذي هو إيجاد، ومن المعلوم أنّ ما يوجد بكلمة «يا» مثلا في جملة «يا زيد» هو النداء الجزئي الخارجي لا تعدّد ولا تكثّر فيه.

أمّا القسم الثالث الذي يكون من قبيل العلامة فلا يتصوّر فيه الوضع والموضوع له المعهودان في باب الألفاظ اللّذين هما محلّ الكلام (لعدم دلالته على معنى).

وأمّا القسم الرابع فلا نأبى فيه من كون الوضع فيه عاماً والموضوع له أيضاً عامّاً كأسماء الأجناس، ولكنّه قليل جدّاً.

2 ـ إنّ معاني الحروف وإن كانت غير مستقلّة لا تلاحظ في أنفسها بل تلاحظ في غيرها لكن ليس هذا بمعنى الغفلة عنها وعدم النظر إليها كما قيل، بل ربّما تكون هي المقصود بالبيان فقط، كما يقال: «هذا عليك لا لك» فيكون قصد المتكلّم فيها معنى «على» و «اللام»، ولا يكون غيرهما مقصوداً بالذات، وسيأتي في باب الواجب المشروط ثمرة هذه النكتة بالنسبة إلى القيود الواردة في الجملة وأنّها هل ترجع إلى المادّة أو الهيئة؟ فقال بعض استحالة رجوعها إلى الهيئة لكونها من المعاني الحرفيّة، وهي مغفول عنها لا ينظر إليها، ولكن ظهر ممّا ذكرنا في المقام أنّ عدم استقلال معاني الحروف لا يساوق عدم النظر إليها وصيرورتها مغفولا عنها، بل المراد قيامها بالطرفين في الذهن والخارج، فلا إشكال في جواز تقييدها بالقيود الواردة في الجملة.

3 ـ إنّه لا يمكن المساعدة على ما أفاده شيخنا الأعظم الأنصاري (رحمه الله) في الواجب المشروط (من رجوع القيد إلى المادّة بدليل أنّ المعنى الحرفي جزئي حقيقي لا يقبل التقييد، وأنّ الهيئة الدالّة على الوجوب في الواجب المشروط من المعاني الحرفيّة) لما ظهر من أنّ الموضوع له في الحروف كثيراً ما يكون جزئيّاً إضافياً ذا أفراد كثيرة، يقبل التقييد، بل يكون غيره فيها نادراً جدّاً، نعم في الحروف الإيجاديّة الإنشائيّة الموضوع له جزئي حقيقي لأنّ الإنشاء من قبيل الإيجاد، والإيجاد والوجود لا يكونان إلاّ جزئيّاً حقيقيّاً.

4 ـ إنّ الفرق بين المعاني الحرفيّة والأسماء المرادفة لها نحو كلمة «الظرفيّة» بالنسبة إلى معنى «في» هو أنّ الظرفيّة الحرفيّة قائمة بخصوص الظرف والمظروف حتّى في الذهن بخلاف الظرفيّة الاسميّة فإنّها مجرّدة عن الطرفين في الذهن، وإن كانت قائمة بهما في الخارج، فالفرق بينهما فرق جوهري ليس منحصراً في مجرّد اشتراط الواضع كما ذكره المحقّق الخراساني(رحمه الله).

5 ـ إنّ معنى ما روى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه وهو: «الكلمة اسم وفعل وحرف، والاسم ما أنبأ عن المسمّى، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى والحرف ما أوجد معنى في غيره ليس ما ذهب إليه المحقّق النائيني(رحمه الله)فانه لحفظ ظاهر الحديث وقوله في ذيله: «والحرف ما أوجد معنىً في غيره» ذهب إلى أنّ معنى الحرف إيجادي، وكأنّ هذا هو منشأ ما ذهب إليه بعض آخر من الأكابر من أنّ معنى الحرف عبارة عن تضييق المعاني الاسميّة.

بل إنّ لهذا الحديث مضافاً إلى كونه ظنّياً من ناحية السند (لكونه خبراً واحداً فلا ينتقض به الأمر القطعي) تفسيراً آخر.

فنقول: أمّا الفقرة الاُولى منها (الاسم) فمعناها واضح لا إشكال فيه.

وأمّا الفقرة الثانيّة (الفعل) فيحتمل فيها معنيان:

الأوّل: أنّ مادّة الفعل مثل «الضرب» مفهوم اسمي لا دلالة له على الزمان لكن يدلّ عليه هيئة الفعل، فهيئة «ضرب» مثلا تدلّ على زمان وقوع الضرب ويكون بهذا المعنى منبأً عن حركة المسمّى، فالمراد من الحركة حينئذ هو الزمان.

الثاني: أن يكون المراد أنّ الأفعال تدلّ على حدوث الاسم، والحدوث هو الحركة التي تلازم الزمان، وبعبارة اُخرى: الأسماء تدلّ على مجرّد الوجود والتحقق والأفعال تدلّ على الحركة في الوجود، أي الصيرورة.

أمّا الفقرة الثالثة (الحرف) فلها أيضاً تفسيران:

أحدهما: ما هو ظاهرها وهو إيجاديّة معنى الحرف أو كونه للتضييق.

ثانيهما: أن يكون المراد أنّ الحرف لدلالته على معنى وحكايته عنه يوجد معنىً وربطاً في غيره, فلا يوجد به الربط ابتداء وبدون الحكاية كما مرّ، بل الربط ناش عن حكايتها لمعانيها الخاصّة.

والأولى في تفسير الرّواية هو التفسير الثاني كما يساعده الاعتبار.

هذا كلّه من ناحية الدلالة، وأمّا من ناحية السند فالظاهر أنّه لم ينقل بطرق صحيحة عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) ولكنّه مرويّ في كتب كثيرة حتّى ادّعي اشتهارها كاشتهار الشمس في رائعة النهار، وأحسن ما رأيت في جمع هذه الطرق للحديث هو ما كتبه العلاّمة السيّد حسن الصدر(رحمه الله) في كتابه «تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام» من صفحة 55 إلى ما بعدها فقد نقلها(رحمه الله)عن عدّة من الأكابر.

وقال سيّدنا المرحوم آية الله البهبهاني في كتاب كتبه في شرح هذه الرّواية الشريفة وسمّاها بالاشتقاق «إنّ اشتهارها بين أهل العربيّة يغني عن تحقيق إسنادها».

ولم يكتف هو(رحمه الله) بجبر إسنادها بسبب الشهرة بل قال: «بأنّ علوّ متنها أيضاً دليل على صحّة سندها» وقال في بعض كلماته «إنّ سطوع نورها ووقود نارها واشتمالها على نفائس أسرار قد خفى جلّها على الجلّ بل على الكلّ كما سيظهر لك إن شاء الله ينادي بعدم صدورها إلاّ من عين صافية فينبغي تصحيح إسنادها بمتنها لا متنها بإسنادها»(5).

أقول: ولكن الإشكال هو أنّ متن الرّواية مختلف ففي غير واحد منها روي كما عرفت تفسيره آنفاً، ولكن في طريق آخر الذي نقله الأمير سيّد شريف الجرجاني في شرح الإرشاد في النحو للتفتازاني هكذا: «... والحرف أداة بينهما»(6). وهذا لا يوافق كون الحروف إيجاديّة بل يوافق ما ذكرنا وما ذكره المشهور في معنى الحروف وإنّها معان غير مستقلّة.

6 ـ إنّه لا فرق بين كاف التشبيه وكلمة «مثل» في المعنى وإن افترقا في بعض الاستعمالات، فيأتي فيها كلمة «مثل» دون «الكاف» وهذا لا ينافي كون معناها مفهوماً اسميّاً كما يكون كذلك في الضمائر المتّصلة والمنفصلة، فإنّه قد لا يمكن استعمال بعضها في مورد بعض وإن كان المعنى واحداً، والشاهد على عدم الفرق جواز استعمال أحدهما في موضع الآخر وإن كان لكلّ واحد منهما آثاره الخاصّة من حيث اللفظ من قبيل وقوع «مثل» مبتدأ دون «الكاف».

هذا تمام الكلام في المعاني الحرفيّة.

_______________________
1. شرح الكافيّة: ج1، ص10.

2. راجع أجود التقريرات: ص18 ـ 19.

3. راجع أجود التقريرات: ج1، ص16.

4. راجع أجود التقريرات: ج1، ص18 ـ 19.

5. كتاب الاشتقاق: ص2 و 3.

6. راجع تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام: ص59.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.