أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-8-2016
748
التاريخ: 25-8-2016
487
التاريخ: 25-8-2016
461
التاريخ: 25-8-2016
697
|
تحرير محل النزاع: اختلفوا في إن الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده أو لا يقتضي؟ على أقوال. ولأجل توضيح محل النزاع وتحريره نشرح مرادهم من الألفاظ التي وردت على لسانهم في تحرير النزاع هذا، وهي ثلاثة:
1 - (الضد)، فإن مرادهم من هذه الكلمة مطلق المعاند والمنافي، فيشمل نقيض الشيء، أي إن الضد - عندهم اعم من الأمر الوجودي والعدمي. وهذا اصطلاح خاص للأصوليين في خصوص هذا الباب، وإلا فالضد مصطلح فلسفي يراد به - في باب التقابل - خصوص الأمر الوجودي الذي له مع وجودي آخر تمام المعاندة والمنافرة وله معه غاية التباعد. ولذا قسم الأصوليون الضد إلى (ضد عام) وهو الترك أي النقيض، و (ضد خاص) وهو مطلق المعاند الوجودي. وعلى هذا فالحق إن تنحل هذه المسألة إلى مسألتين موضوع إحداهما الضد العام وموضوع الأخرى الضد الخاص، لاسيما مع اختلاف الأقوال في الموضوعين.
2 (الاقتضاء)، ويراد به لابدية ثبوت النهي عن الضد عند الأمر بالشيء أما لكون الأمر يدل عليه بإحدى الدلالات الثلاث: المطابقة والتضمن والالتزام، وأما لكونه يلزمه عقلا النهي عن الضد من دون إن يكون لزومه بينا بالمعنى الأخص حتى يدل عليه بالالتزام. فالمراد من الاقتضاء عندهم اعم من كل ذلك.
3 - (النهي)، ويراد به النهي المولوي من الشارع وإن كان تبعيا، كوجوب المقدمة الغيري التبعي. والنهي معناه المطابقي - كما سبق في مبحث النواهي م 1 ص 97 - هو الزجر والردع عما تعلق به. وفسره المتقدمون بطلب الترك، وهو تفسير بلازم معناه، ولكنهم فرضوه كان ذلك هو معناه المطابقي، ولذا اعترض بعضهم على ذلك فقال: إن طلب الترك محال فلا بد إن يكون المطلوب الكف، وهكذا تنازعوا في إن المطلوب بالنهي الترك أو الكف، ولا معنى لنزاعهم هذا الا إذا كانوا قد فرضوا إن معنى النهي هو الطلب فوقعوا في حيرة في إن المطلوب به أي شيء هو الترك أو الكف. ولو كان المراد من النهي هو طلب الترك - كما ظنوا - لما كان معنى لنزاعهم في الضد العام، فإن النهي عنه معناه - على حسب ظنهم - طلب ترك المأمور به. ولما كان نفي النفي إثباتا فيرجع معنى النهي عن الضد العام إلى معنى طلب فعل المأمور به، فيكون قولهم (الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام) تبديلا للفظ بلفظ آخر بمعناه، ويكون عبارة أخرى عن القول (بأن الأمر بالشيء يقتضي نفسه). وما اشد سخف مثل هذا البحث. ولعله لأجل هذا التوهم - أي توهم إن النهي معناه طلب الترك - ذهب بعضهم إلى عينية الأمر بالشيء للنهي عن الضد العام.
وبعد بيان هذه الأمور الثلاثة في تحرير محل النزاع يتضح موضع النزاع وكيفيته. إن النزاع معناه يكون: إنه إذا تعلق أمر بشيء هل إنه لا بد إن يتعلق نهي المولى بضده العام أو الخاص؟ فالنزاع يكون في ثبوت النهي المولوي عن الضد بعد فرض ثبوت الأمر بالشيء. وبعد فرض ثبوت النهي فهناك نزاع آخر في كيفية إثبات ذلك. وعلى كل حال فإن مسألتنا - كما قلنا - تنحل إلى مسألتين إحداهما في الضد العام والثانية في الضد الخاص،
فينبغي البحث عنهما في بابين:
1 - الضد العام لم يكن اختلافهم في الضد العام من جهة أصل الاقتضاء وعدمه، فإن الظاهر إنهم متفقون على الاقتضاء وإنما اختلافهم في كيفيته: فقيل: إنه على نحو العينية أي إن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده العام فيدل عليه حينئذ بالدلالة المطابقية. وقيل: إنه على نحو الجزئية فيدل عليه بالدلالة التضمنية، باعتبار إن الوجوب ينحل إلى طلب الشيء مع المنع من الترك، فيكون المنع من الترك جزءا تحليليا في معنى الوجوب. وقيل: إنه على نحو اللزوم البين بالمعنى الأخص، فيدل عليه بالدلالة الإلتزامية . وقيل: إنه على نحو اللزوم البين بالمعنى الأعم، أو غير البين، فيكون اقتضاؤه له عقليا صرفا. والحق إنه لا يقتضيه بأي نحو من إنحاء الاقتضاء، أي إنه ليس هناك نهي مولوي عن الترك يقتضيه نفس الأمر بالفعل على وجه يكون هناك نهي مولوي وراء. نفس الأمر بالفعل.
والدليل عليه: إن الوجوب - سواء كان مدلولا لصيغة الأمر أو لازما عقليا لها كما هو الحق - ليس معنى مركبا بل هو معنى بسيط وجداني هو لزوم الفعل، ولازم كون الشيء واجبا المنع من تركه. ولكن هذا المنع اللازم للوجوب ليس منعا مولويا ونهيا شرعيا، بل هو منع عقلي تبعي من غير إن يكون هناك من الشارع منع ونهي وراء نفس الوجوب. وسر ذلك واضح، فإن نفس الأمر بالشيء على وجه الوجوب كاف في الزجر عن تركه، فلا حاجة إلى جعل للنهي عن الترك من الشارع زيادة على الأمر بذلك الشيء. فإن كان مراد القائلين بالاقتضاء في المقام إن نفس الأمر بالفعل يكون زاجرا عن تركه، فهو مسلم، بل لا بد منه لأن هذا هو مقتضى الوجوب. ولكن ليس هذا هو موضع النزاع في المسألة، بل موضع النزاع هو النهي المولوي زائدا على الأمر بالفعل. وإن كان مرادهم إن هناك نهيا مولويا عن الترك يقتضيه الأمر بالفعل كما هو موضع النزاع فهو غير مسلم ولا دليل عليه، بل هو ممتنع.
وبعبارة أوضح و أوسع: إن الأمر والنهي متعاكسان، بمعنى إنه إذا تعلق الأمر بشيء فعلى طبع ذلك يكون نقيضه بالتبع ممنوعا منه وإلا لخرج الواجب عن كونه واجبا. وإذا تعلق النهي بشيء فعلى طبع ذلك يكون نقيضه بالتبع مدعوا إليه وإلا لخرج المحرم عن كونه محرما.. ولكن ليس معنى هذه التبعية في الأمر إن يتحقق - فعلا - نهي مولوي عن ترك المأمور به بالإضافة إلى الأمر المولوي بالفعل، كما إنه ليس معنى هذه التبعية في النهي إن يتحقق - فعلا - أمر مولوي بترك المنهي عنه بالإضافة إلى النهي المولوي عن الفعل. والسر ما قلناه: إن نفس الأمر بالشيء كاف في الزجر عن تركه، كما إن نفس النهي عن الفعل كاف للدعوة إلى تركه، بلا حاجة إلى جعل جديد من المولى في المقامين، بل لا يعقل الجعل الجديد كما قلنا في مقدمة الواجب حذو القذة بالقذة، فراجع. ولأجل هذه التبعية الواضحة اختلط الأمر على كثير من المحررين لهذه المسألة فحسبوا إن هناك نهيا مولويا عن ترك المأمور به وراء الأمر بالشيء اقتضاه الأمر على نحو العينية أو التضمن أو الالتزام أو اللزوم العقلي. كما حسبوا - هناك في مبحث النهي - إن معنى النهي هو الطلب أما للترك أو الكف وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك في تحرير النزاع. وهذان التوهمان في النهي والأمر من واد واحد. وعليه فليس هناك طلب للترك وراء الردع عن الفعل في النهي، ولا نهي عن الترك وراء طلب الفعل في الأمر.
نعم يجوز للأمر بدلا من الأمر بالشيء إن يعبر عنه بالنهي عن الترك، كان يقول - مثلا - بدلا عن قوله (صل): لا تترك الصلاة. ويجوز له بدلا من النهي عن الشيء إن يعبر عنه بالأمر بالترك، كان يقول - مثلا - بدلا عن قوله (لا تشرب الخمر): اترك شرب الخمر، فيؤدي التعبير الثاني في المقامين مؤدى التعبير الأول المبدل منه، أي إن التعبير الثاني يحقق الغرض من التعبير الأول. فإذا كان مقصود القائل بأن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده العام هذا المعنى، أي إن أحدهما يصح إن يوضع موضع الآخر ويحل محله في أداء غرض الأمر. فلا بأس به وهو صحيح، ولكن هذا غير العينية المقصودة في المسألة على الظاهر.
2 - الضد الخاص إن القول باقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده الخاص يبتني ويتفرع على القول باقتضائه للنهي عن ضده العام. ولما ثبت - حسبما تقدم - إنه لأنهي مولوي عن الضد العام، فبالطريق الأولى نقول إنه لأنهي مولوي عن الضد الخاص، لما قلنا من ابتنائه وتفرعه عليه. وعلى هذا، فالحق إن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده مطلقا سواء كان عاما أو خاصا. أما كيف يبتني القول بالنهي عن الضد الخاص على القول بالنهي عن الضد العام ويتفرع عليه، فهذا ما يحتاج إلى شيء من البيان، فنقول: إن القائلين بالنهي عن الضد الخاص لهم مسلكان لا ثالث لهما وكلاهما يبتنيان ويتفرعان على ذلك: (الأول) - مسلك التلازم: وخلاصته: إن حرمة أحد المتلازمين تستدعي وتستلزم حرمة ملازمة الآخر. والمفروض إن فعل الضد الخاص يلازم ترك المأمور به (أي الضد العام)، كالأكل مثلا الملازم فعله لترك الصلاة المأمور بها. وعندهم إن الضد العام محرم منهي - عنه وهو ترك الصلاة في المثال - فيلزم على هذا إن يحرم الضد الخاص وهو الأكل في المثال. فابتنى النهي عن الضد الخاص بمقتضى هذا المسلك على ثبوت النهي عن الضد العام. أما نحن فلما ذهبنا إلى إنه لا نهي مولوي عن الضد العام، فلا موجب لدينا من جهة الملازمة المدعاة للقول بكون الضد الخاص منهيا عنه بنهي مولوي. لأن ملزومه ليس منهيا عنه حسب التحقيق الذي مر. على إنا نقول - ثانيا - بعد التنازل عن ذلك والتسليم بأن الضد العام منهي عنه: إن هذا المسلك ليس صحيحا في نفسه، يعني إن كبراه غير مسلمة، وهي (إن حرمة احد المتلازمين تستلزم حرمة ملازمة الآخر) فإنه لا يجب اتفاق المتلازمين في الحكم لا في الوجوب ولا الحرمة ولا غيرهما من الأحكام، ما دام إن مناط الحكم غير موجود في الملازم الآخر. نعم القدر المسلم في المتلازمين إنه لا يمكن إن يختلفا في الوجوب والحرمة على وجه يكون أحدهما واجبا والآخر محرما، لاستحالة امتثالهما حينئذ من المكلف فيستحيل التكليف من المولى بهما، فأما إن يحرم أحدهما أو يجب الآخر. ويرجع ذلك إلى باب التزاحم الذي سيأتي التعرض له. وبهذا تبطل (شبهة الكعبي) المعروفة التي أخذت قسطا وافرا من أبحاث الأصوليين إذا كان مبناها هذه الملازمة المدعاة، فإنه نسب إليه القول بنفي المباح بدعوى إن كل ما يظن من الأفعال إنه مباح فهو واجب في الحقيقة، لأن فعل كل مباح ملازم قهرا لواجب وهو ترك محرم واحد من المحرمات على الأقل. (الثاني) - مسلك المقدمية: وخلاصته: دعوى إن ترك الضد الخاص مقدمة لفعل المأمور به، ففي المثال المتقدم يكون ترك الأكل مقدمة لفعل الصلاة. ومقدمة الواجب واجبة. فيجب ترك الضد الخاص. وإذا وجب ترك الأكل حرم تركه، أي ترك ترك الأكل، لأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضد العام. وإذا حرم ترك ترك الأكل، فإن معناه حرمة فعله، لأن نفي النفي إثبات. فيكون الضد الخاص منهيا عنه. هذا خلاصة مسلك المقدمية. وقد رأيت كيف ابتنى النهي عن الضد الخاص على ثبوت النهي عن الضد العام.
ونحن إذ قلنا بأنه لأنهي مولوي عن الضد العام فلا يحرم ترك ترك الضد الخاص حرمة مولوية أي لا يحرم فعل الضد الخاص. فثبت المطلوب. على إن مسلك المقدمية غير صحيح من وجهين آخرين: (أحدهما) - إنه بعد التنزل عما تقدم وتسليم حرمة الضد العام، فإن هذا المسلك كما هو واضح يبتنى على وجوب مقدمة الواجب، وقد سبق إن أثبتنا إنها ليست واجبة بوجوب مولوي، وعليه لا يكون ترك الضد الخاص واجبا بالوجوب الغيري المولوي حتى يحرم فعله. (ثانيهما) إنا لا نسلم إن ترك الضد الخاص مقدمة لفعل المأمور به، وهذه المقدمية - أعني مقدمية الضد الخاص - لا تزال مثارا للبحث عند المتأخرين حتى أصبحت من المسائل الدقيقة المطولة، ونحن في غنى عن البحث عنها بعد ما تقدم. ولكن لحسم مادة الشبهة لا بأس بذكر خلاصة ما يرفع المغالطة في دعوى مقدمية ترك الضد، فنقول: إن المدعي لمقدمية ترك الضد لضده تبتني دعواه على إن عدم الضد من باب عدم المانع بالنسبة إلى الضد الآخر للتمانع بين الضدين، أي لا يمكن اجتماعهما معا، ولا شك في إن عدم المانع من المقدمات، لأنه من متممات العلة فإن العلة التامة - كما هو معروف - تتألف من المقتضي وعدم المانع.
فيتألف دليله من مقدمتين:
1 - (الصغرى): إن عدم الضد من باب (عدم المانع) لضده، لأن الضدين متمانعان.
2 - (الكبرى): إن (عدم المانع) من المقدمات. فينتج من الشكل الأول إن عدم الضد من المقدمات لضده. وهذه الشبهة إنما نشأت من أخذ كلمة (المانع) مطلقة. فتخيلوا إن لها معنى واحدا في الصغرى والكبرى فأنتظم عندهم القياس الذي ظنوه منتجا، بينما إن الحق إن التمانع له معنيان ومعناه في الصغرى غير معناه في الكبرى، فلم يتكرر الحد الأوسط، فلم يتألف قياس صحيح. بيان ذلك: إن التمانع تارة يرد منه التمانع في الوجود، وهو امتناع الاجتماع وعدم الملائمة بين الشيئين، وهو المقصود من التمانع بين الضدين إذ هما لا يجتمعان في الوجود ولا يتلاءمان وأخرى يراد منه التمانع في التأثير وإن لم يكن بينهما تمانع وتناف في الوجود وهو الذي يكون بين المقتضيين لأثرين متمانعين في الوجود إذ يكون المحل غير قابل الا لتأثير أحد المقتضيين فإن المقتضيين حينئذ يتمانعان في تأثيرهما فلا يؤثر أحدهما الا بشرط عدم المقتضى الآخر. وهذا هو المقصود من المانع في الكبرى فإن المانع الذي يكون عدمه شرطا لتأثير المقتضي هو المقتضي الآخر الذي يقتضي ضد أثر الأول. وعدم المانع أما لعدم وجوده أصلا أو لعدم بلوغه مرتبة الغلبة على الآخر في التأثير. وعليه فنحن نسلم إن عدم الضد من باب عدم المانع ولكنه عدم المانع في الوجود وما هو من المقدمات عدم المانع في التأثير، فلم يتكرر الحد الأوسط. فلا نستنتج من القياس إن عدم الضد من المقدمات. واعتقد إن هذا البيان لرفع المغالطة فيه الكفاية للمتنبه، واصطلاح هذا البيان بذكر بعض الشبهات فيه ودفعها يحتاج إلى سعة من القول لا تتحملها الرسالة. ولسنا بحاجة إلى نفي المقدمة لإثبات المختار بعد ما قدمناه. ثمرة المسألة إن ما ذكروه من الثمرات لهذه المسألة مختص بالضد الخاص فقط، وأهمها والعمدة فيها هي صحة الضد إذا كان عبادة على القول بعدم الاقتضاء، وفساده على القول بالاقتضاء. بيان ذلك: إنه قد يكون هناك واجب (أي واجب كان عبادة أو غير عبادة) وضده عبادة، وكان الواجب أرجح في نظر الشارع من ضده العبادي، فإنه لمكان التزاحم بين الأمرين للتضاد بين متعلقيهما والأول أرجح في نظر الشارع، لا محالة يكون الأمر الفعلي المنجز هو الأول دون الثاني. وحينئذ، فإن قلنا بأن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص، فإن الضد العبادي يكون منهيا عنه في الفرض، والنهي في العبادة يقتضي الفساد فإذا أتى به وقع فاسدا. وإن قلنا بأن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص، فإن الضد العبادي لا يكون منهيا عنه، فلا مقتضى لفساده. وأرجحية الواجب على ضده الخاص العبادي يتصور في أربعة موارد:
1 - إن يكون الضد العبادي مندوبا، ولا شك في إن الواجب مقدم على المندوب كاجتماع الفريضة مع النافلة، فإنه بناء على اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده لا يصح الاشتغال بالنافلة مع حلول وقت الفريضة، ولا بد إن تقع النافلة فاسدة. نعم لا بد إن تستثنى من ذلك نوافل الوقت لورود الأمر بها في خصوص وقت الفريضة كنافلتي الظهر والعصر. وعلى هذا فمن كان عليه قضاء الفوائت لا تصح منه النوافل مطلقا بناء على النهي عن الضد، بخلاف ما إذا لم نقل بالنهي عن الضد فإن عدم جواز فعل النافلة حينئذ يحتاج إلى دليل خاص.
2 - إن يكون الضد العبادي واجبا ولكنه أقل أهمية عند الشارع من الأول كما في مورد اجتماع إنقاذ نفس محترمة من الهلكة مع الصلاة الواجبة.
3 - إن يكون الضد العبادي واجبا أيضا ولكنه موسع الوقت، والأول مضيق، ولا شك في إن المضيق مقدم على الموسع وإن كان الموسع أكثر أهمية منه. مثاله اجتماع قضاء الدين الفوري مع الصلاة في سعة وقتها. وإزالة النجاسة عن المسجد مع الصلاة في سعة الوقت.
4 - إن يكون الضد العبادي واجبا أيضا ولكنه مخير، والأول واجب معين، ولا شك في إن المعين مقدم على المخير وإن كان المخير أكثر أهمية منه لأن المخير له بدل دون المعين. مثاله اجتماع سفر منذور في يوم معين مع خصال الكفارة، فلو ترك المكلف السفر واختار الصوم من خصال الكفارة فإن كان الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده كان الصوم منهيا عنه فاسدا. هذه خلاصة بيان ثمرة المسألة مع بيان موارد ظهورها، ولكن هذا المقدار من البيان لا يكفي في تحقيقها فإن ترتبها وظهورها يتوقف على أمرين.
(الأول) - القول بأن النهي في العبادة يقتضي فسادها حتى النهي الغيري التبعي، لأنه إذا قلنا بأن النهي مطلقا لا يقتضي فساد العبادة أو خصوص النهي التبعي لا يقتضي الفساد فلا تظهر الثمرة أبدا. وهو واضح لأن الضد العبادي حينئذ يكون صحيحا سواء قلنا بالنهي عن الضد أم لم نقل. والحق إن النهي في العبادة يقتضي فسادها حتى النهي الغيري على الظاهر. وسيأتي تحقيق ذلك في موضعهم إن شاء الله تعالى. واستعجالا في بيان هذا الأمر نشير إليه إجمالا فنقول: إن أقصى ما يقال في عدم اقتضاء النهي التبعي للفساد هو إن النهي لا يكشف عن وجود مفسدة في المنهي عنه وإذا كان الأمر كذلك فالمنهي عنه باق على ما هو عليه من مصلحة بلا مزاحم لمصلحته، فيمكن التقرب فيه إذا كان عبادة بقصد تلك المصلحة المفروضة فيه. وهذا ليس بشيء - وإن صدر من بعض أعاظم مشايخنا - لأن المدار في القرب والبعد في العبادة ليس على وجود المصلحة والمفسدة فقط، فإنه من الواضح إن المقصود من القرب والبعد من المولى القرب والبعد المعنويان تشبيها بالقرب والبعد المكانيين، وما لم يكن الشيء مرغوبا فيه للمولى فعلا لا يصلح للتقرب به إليه، ومجرد وجود مصلحة فيه لا يوجب مرغوبيته له مع فرض نهيه وتبعيده. وبعبارة أخرى: لا وجه للتقرب إلى المولى بما أبعدنا عنه، والمفروض إن النهي التبعي نهي مولوي، وكونه تبعيا لا يخرجه عن كونه زجرا وتنفيرا وتبعيدا عن الفعل وإن كان التبعيد لمفسدة في غيره أو لفوات مصلحة الغير. نعم لو قلنا بأن النهي عن الضد ليس نهيا مولويا بل هو نهي يقتضيه العقل الذي لا يستكشف منه حكم الشرع كما اخترناه في المسألة فإن هذا النهي العقلي لا يقتضي تبعيدا عن المولى الا إذا كشف عن مفسدة مبغوضة للمولى. وهذا شيء آخر لا يقتضيه حكم العقل في نفسه.
(الثاني) - إن صحة العبادة والتقرب لا يتوقف على وجود الأمر الفعلي بها، بل يكفي في التقرب بها إحراز محبوبيتها الذاتية للمولى، وإن لم يكن هناك أمر فعلي بها لمانع. أما إذا قلنا بأن عبادية العبادة لا تتحقق الا إذا كانت مأمورا بها بأمر فعلي، فلا تظهر هذه الثمرة أبدا، لأنه قد تقدم إن الضد العبادي - سواء كان مندوبا أو واجبا اقل أهمية أو موسعا أو مخيرا - لا يكون مأمورا به فعلا لمكان المزاحمة بين الأمرين ومع عدم الأمر به لا يقع عبادة صحيحة وإن قلنا بعدم النهي عن الضد. والحق هو الأول، أي إن عبادية العبادة لا تتوقف على تعلق الأمر بها فعلا، بل إذا أحرز إنها محبوبة في نفسها للمولى مرغوبة لديه فإنه يصح التقرب بها إليه وإن لم يأمر بها فعلا لمانع، لأنه - كما اشرنا إلى ذلك في مقدمة الواجب ص 255 - يكفي في عبادية الفعل ارتباطه بالمولى والإتيان به متقربا به إليه مع ما يمنع من التعبد به من كون فعله تشريعا أو كونه منهيا عنه. ولا تتوقف عباديته على قصد امتثال الأمر كما مال إليه صاحب الجواهر قدس سره. هذا، وقد يقال في المقام - نقلا عن المحقق الثاني تغمده الله برحمته -. إن هذه الثمرة تظهر حتى مع القول بتوقف العبادة على تعلق الأمر بها، ولكن ذلك في خصوص التزاحم بين الواجبين الموسع والمضيق ونحوهما، دون التزاحم بين الأهم والمهم المضيقين. والسر في ذلك: إن الأمر في الموسع إنما يتعلق بصرف وجود الطبيعة على إن يأتي به المكلف في أي وقت وشاء من الوقت الوسيع المحدد له، أما الأفراد بما لها من الخصوصيات الوقتية فليست مأمورا بها بخصوصها، والأمر بالمضيق إذا لم يقتض النهي عن ضده فالفرد المزاحم له من أفراد ضده الواجب الموسع لا يكون مأمورا به لا محالة من اجل المزاحمة ولكنه لا يخرج بذلك عن كونه فردا من الطبيعة المأمور بها. وهذا كاف في حصول امتثال الأمر بالطبيعة لأن انطباقها على هذا الفرد المزاحم قهري فيتحقق به الامتثال قهرا ويكون مجزيا عقلا عن امتثال الطبيعة في فرد آخر، لأنه لا فرق من جهة انطباق الطبيعة المأمور بها بين فرد وفرد. وبعبارة أوضح: إنه لو كان الوجوب في الواجب الموسع ينحل إلى وجوبات متعددة بتعدد أفراده الطولية الممكنة في مدة الوقت المحدد على وجه يكون التخيير بينها شرعيا - فلا محالة لا أمر بالفرد المزاحم للواجب المضيق ولا أمر آخر يصححه فلا تظهر الثمرة، ولكن الأمر ليس كذلك، فإنه ليس في الواجب الموسع الا وجوب واحد يتعلق بصرف وجود الطبيعة، غير إن الطبيعة لما كانت لها أفراد طولية متعددة يمكن انطباقها على كل واحد منها فلا محالة يكون المكلف مخيرا عقلا بين الأفراد، أي يكون مخيرا بين إن يأتي بالفعل في أول الوقت أو ثانيه أو ثالثه وهكذا إلى آخر الوقت، وما يختاره من الفعل في أي وقت يكون هو الذي ينطبق عليه المأمور به وإن أمتنع إن يتعلق الأمر به بخصوصه لمانع، بشرط إن يكون المانع غير جهة نفس شمول الأمر المتعلق بالطبيعة له، بل من جهة شيء خارج عنه وهو المزاحمة مع المضيق في المقام. هذا خلاصة توجيه ما نسب إلى المحقق الثاني في المقام، ولكن شيخنا المحقق النائيني لم يرتضه، لأنه يرى إن المانع من تعلق الأمر بالفرد المزاحم يرجع إلى نفس شمول الأمر المتعلق بالطبيعة له، يعني إنه يرى إن الطبيعة المأمور بها بما هي مأمور بها لا تنطبق على الفرد المزاحم ولا تشمله، وانطباق الطبيعة بما هي مأمور بها على الفرد المزاحم لا ينفع ولا يكفي في امتثال الأمر بالطبيعة. والسر في ذلك واضح، فإنا إذ نسلم إن التخيير بين أفراد الطبيعة تخيير عقلي نقول إن التخيير إنما هو بين أفراد الطبيعة المأمور بها، بما هي مأمور بها فالفرد المزاحم خارج عن نطاق هذه الأفراد التي بينها التخيير. أما إن الفرد المزاحم خارج عن نطاق أفراد الطبيعة المأمور بها بما هي مأمور بها فلأن الأمر إنما يتعلق بالطبيعة المقدورة للمكلف بما هي مقدورة، لأن القدرة شرط في المأمور به مأخوذة في الخطاب، لا إنها شرط عقلي محض والخطاب في نفسه عام شامل في إطلاقه للأفراد المقدورة وغير المقدورة. بيان ذلك: إن الأمر إنما هو لجعل الداعي في نفس المكلف، وهذا المعنى بنفسه يقتضي كون متعلقه مقدورا لاستحالة جعل الداعي إلى ما هو ممتنع. فيعلم من هذا إن القدرة مأخوذة في متعلق الأمر ويفهم ذلك من نفس الخطاب بمعنى إن الخطاب لما كان يقتضي القدرة على متعلقه، فتكون سعة دائرة المتعلق على قدر سعة دائرة القدرة عليه لا يزيد ولا تنقص، أي تدور سعته وضيقه مدار سعة القدرة وضيقها. وعلى هذا فلا يكون الأمر شاملا لما هو ممتنع من الأفراد إذ يكون المطلوب به الطبيعة بما هي مقدرة والفرد غير المقدور خارج عن أفرادها بما هي مأمور بها. نعم لو كان اعتبار القدرة بملاك قبح تكليف العاجز فهي شرط عقلي لا يوجب تقييد متعلق. الخطاب لأنه ليس من اقتضاء نفس الخطاب، فيكون متعلق الأمر هي الطبيعة بما هي لا بما هي مقدورة، وإن كان بمقتضى الحكم العقل لا بد إن يقيد الوجوب بها، فالفرد المزاحم - على هذا - هو أحد أفراد الطبيعة بما هي التي تعلق بها كذلك. وتشييد ما أفاده أستاذنا ومناقشته يحتاج إلى بحث أوسع لسنا بصدده الآن، راجع عنه تقريرات تلامذته. الترتب وإذا أمتد البحث إلى هنا، فهناك مشكلة فقهية تنشأ من الخلاف المتقدم لا بد من التعرض لها بما يليق بهذه الرسالة. وهي إن كثيرا من الناس نجدهم يحرصون - بسبب تهاونهم - على فعل بعض العبادات المندوبة في ظرف وجوب شيء هو ضد للمندوب، فيتركون الواجب ويفعلون المندوب، كمن يذهب للزيارة أو يقيم مأتم الحسين ((عليه السلام)) وعليه دين واجب الأداء. كما نجدهم يفعلون بعض الواجبات العبادية في حين إن هناك عليهم واجبا أهم فيتركونه، أو واجبا مضيق الوقت مع إن الأول موسع فيقدمون الموسع على المضيق أو واجبا معينا مع إن الأول مخير فيقدمون المخير على المعين.. وهكذا. ويجمع الكل تقديم فعل المهم العبادي على الأهم، فإن المضيق أهم من الموسع، والمعين أهم من المخير، كما إن الواجب أهم من المندوب (ومن الآن سنعبر بالأهم والمهم ونقصد ما هو أعم من ذلك كله). فإذا قلنا بأن صحة العبادة لا تتوقف على وجود أمر فعلى متعلق به وقلنا بأنه لا نهي عن الضد أو النهي عنه لا يقتضي الفساد، فلا إشكال ولا مشكلة، لأن فعل المهم العبادي يقع صحيحا حتى مع فعلية الأمر بالأهم، غاية الأمر يكون المكلف عاصيا بترك الأهم من دون إن يؤثر ذلك على صحة ما فعله من العبادة. وإنما المشكلة فيما إذا قلنا بالنهي عن الضد وإن النهي يقتضي الفساد، أو قلنا بتوقف صحة العبادة على الأمر بها كما هو المعروف عن الشيخ صاحب الجواهر قدس سره، فإن أعمالهم هذه كلها باطلة ولا يستحقون عليها ثوابا، لأنه أما منهي عنها والنهي يقتضي الفساد، وأما لا أمر بها وصحتها تتوقف على الأمر. فهل هناك طريقة لتصحيح فعل المهم العبادي مع وجود الأمر بالأهم؟ ذهب جماعة إلى تصحيح العبادة في المهم بنحو (الترتب) بين الأمرين: الأمر بالأهم والأمر بالمهم، مع فرض القول بعدم النهي عن الضد وإن صحة العبادة تتوقف على وجود الأمر (1). والظاهر إن أول من أسس هذه الفكرة وتنبه لها المحقق الثاني وشيد أركانها السيد الميرزا الشيرازي كما أحكمها ونقحها شيخنا المحقق النائيني طيب الله مثواهم. وهذه الفكرة وتحقيقها من أروع ما انتهى إليه البحث الأصولي تصويرا وعمقا. وخلاصة فكرة (الترتب): إنه لا مانع عقلا من إن يكون الأمر بالمهم فعليا عند عصيان الأمر بالأهم، فإذا عصى المكلف وترك الأهم فلا محذور في إن يفرض الأمر بالمهم حينئذ، إذ لا يلزم منه طلب الجمع بين الضدين، كما سيأتي توضيحه. وإذا لم يكن مانع عقلي من هذا الترتب فإن الدليل يساعد على وقوعه والدليل هو نفس الدليلين المتضمنين للأمر بالمهم والأمر بالأهم، وهما كافيان لإثبات وقوع الترتب. وعليه، ففكرة الترتب وتصحيحها يتوقف على شيئين رئيسين في الباب، أحدهما أمكان الترتب في نفسه، وثانيهما الدليل على وقوعه. أما (الأول) وهو امكانه في نفسه فبيانه: إن أقصى ما يقال في إبطال الترتب واستحالته: هو دعوى لزوم المحال منه، وهو فعلية الأمر بالضدين في إن واحد، لأن القائل بالترتب يقول بإطلاق الأمر بالأهم وشموله لصورتي (فعل الأهم وتركه)، ففي حال فعلية الأمر بالمهم وهو حال ترك الأهم يكون الأمر بالأهم فعليا على قوله، والأمر بالضدين في إن واحد محال. ولكن هذه الدعوى - عند القائل بالترتب - باطلة، لأن قوله (الأمر بالضدين في إن واحد محال) فيه مغالطة ظاهرة، فإن قيد (في إن واحد) يوهم إنه راجع إلى الضدين فيكون محالا إذ يستحيل الجمع بين الضدين، بينما هو في الحقيقة راجع إلى الأمر، ولا استحالة في إن يأمر المولى في إن واحد بالضدين إذا لم يكن المطلوب الجمع بينهما في إن واحد، لأن المحال هو الجمع بين الضدين لا الأمر بهما في إن واحد وإن لم يستلزم الجمع بينهما. أما إن قيد في إن واحد راجع إلى الأمر لا إلى الضدين فواضح، لأن المفروض إن الأمر بالمهم مشروط بترك الأهم فالخطاب الترتبي ليس فقط لا يقتضي الجمع بين الضدين بل يقتضي عكس ذلك، لأنه في حال انشغال المكلف بامتثال الأمر بالأهم وأطاعته لا أمر في هذا الحال الا بالأهم ونسبة المهم إليه حينئذ كنسبة المباحات إليه، وأما في حال ترك الأهم والانشغال بالمهم فإن الأمر بالأهم نسلم إنه يكون فعليا وكذلك الأمر بالمهم، ولكن خطاب المهم حسب الفرض مشروط بترك الأهم وخلو الزمان منه، ففي هذا الحال المفروض يكون الأمر بالمهم داعيا للمكلف إلى فعل المهم في حال ترك الأهم فكيف يكون داعيا إلى الجمع بين الأهم والمهم في إن واحد. وبعبارة أوضح: إن يجاب الجمع لا يمكن إن يتصور الا إذا كان هناك مطلوبان في عرض واحد، على وجه لو فرض أمكان الجمع بينهما لكان كل منهما مطلوبان، وفي الترتب لو فرض محالا أمكان الجمع بين الضدين فإنه لا يكون المطلوب الا الأهم ولا يقع المهم في هذا الحال على صفة المطلوبية أبدا، لأن طلبه حسب الفرض مشروط بترك الأهم فمع فعله لا يكون مطلوبا. وأما (الثاني) وهو الدليل على وقوع الترتب وإن الدليل هو نفس دليلي الأمرين، فبيانه: إن المفروض إن لكل من الأهم والمهم - حسب دليل كل منهما - حكما مستقلا مع قطع النظر عن وقوع المزاحمة بينهما، كما إن المفروض إن دليل كل منهما مطلق بالقياس إلى صورتي فعل الآخر وعدمه. فإذا وقع التزاحم بينهما اتفاقا، فبحسب إطلاقهما يقتضيان أيجاب الجمع بينهما، ولكن ذلك محال، فلا بد إن ترفع اليد عن إطلاق أحدهما، ولكن المفروض إن الأهم أولى وأرجح ولا يعقل تقديم المرجوح على الراجح والمهم على الأهم فيتعين رفع اليد عن إطلاق دليل الأمر بالمهم فقط، ولا يقتضي ذلك رفع اليد عن أصل دليل المهم، لأنه إنما نرفع اليد عنه من جهة تقديم إطلاق الأهم لمكان المزاحمة بينهما وأرجحية الأهم والضروريات إنما تقدر بقدرها. وإذا رفعنا اليد عن إطلاق دليل المهم مع بقاء أصل الدليل فإن معنى ذلك اشتراط خطاب المهم بترك الأهم. وهذا هو معنى الترتب المقصود. والحاصل: إن معنى الترتب المقصود هو اشتراط الأمر بالمهم بترك الأهم، وهذا الاشتراط حاصل فعلا بمقتضى الدليلين، مع ضم حكم العقل بعدم أمكان الجمع بين امتثالهما معا، وبتقديم الراجح على المرجوح الذي لا يرفع الا إطلاق دليل المهم، فيبقى أصل دليل الأمر بالأهم على حاله في صورة ترك الأهم فيكون الأمر الذي يتضمنه الدليل مشروطا بترك الأهم. وبعبارة أوضح: إن دليل المهم في أصله مطلق يشمل صورتين: صورة فعل الأهم وصورة تركه. ولما رفعنا اليد عن شموله لصورة فعل الأهم لمكان المزاحمة وتقديم الراجح فيبقى شموله لصورة ترك الأهم بلا مزاحم، وهذا معنى اشتراطه بترك الأهم. فيكون هذا الاشتراط مدلولا لدليلي الأمرين معا بضميمة حكم العقل، ولكن هذه الدلالة من نوع دلالة الإشارة (راجع عن معنى دلالة الإشارة المجلد الأول ص 124). هذه خلاصة ذكره (الترتب) على علاتها، وهناك فيها جوانب تحتاج إلى مناقشة وإيضاح تركناها إلى المطولات، وقد وضع لها شيخنا المحقق النائيني خمس مقدمات لسد ثغورها راجع عنها تقريرات تلامذته.
_________________
(1) أما نحن الذين نقول بأن صحة العبادة لا تتوقف على وجود الأمر فعلا وإن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده - ففي غنى عن القول بالترتب لتصحيح العبادة في مقام المزاحمة بين الضدين الأهم والمهم كما تقدم.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|