أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-8-2016
1356
التاريخ: 23-8-2016
666
التاريخ: 20-5-2020
1486
التاريخ: 16-10-2016
949
|
بناء العقلاء، فإنّ بناءهم على استصحاب الحالة المتيقّنة السابقة في جميع اُمورهم، وعليه أساس معاشهم، بل قال بعضهم: لولا ذلك لأختلّ نظام العالم وأساس عيش بني آدم، فلو احتمل أحدهم موت صاحبه في تجارة لكهولة سنّه أو مرضه أو غير ذلك من الحوادث المختلفة فلا يعتني بهذا الاحتمال بل يداوم على عمله ويسير إلى مقصده من دون أن تمنعه هذه الاحتمالات، وفي المحاكم القضائيّة العقلائيّة يبني على بقاء مالكية الإنسان ما لم يثبت خلافه، وعلى بقاء الوكالة ما لم يثبت العزل، وعلى بقاء زوجية الزوج الغائب وإن احتمل موته أو طلاقه.
وقد قال بعض المحقّقين «إنّ ذلك يظهر بالعيان والوجدان لمن نظر في أعمالهم وحركاتهم وسكناتهم في معاملاتهم وتجاراتهم وزياراتهم لأصدقائهم وأقربائهم، وعياداتهم لمرضاهم وجميع اُمورهم، بل وإن تأمّل في أعمال نفسه وحركاته الإرتكازية يرى أنّه يجري على طبق الحالة السابقة مع الشكّ في ارتفاعها»(1).
بل قد يقال: إنّه ثابت حتّى في الحيوانات فإنّها تطلب عند الحاجة، المواضع التي عهدت فيها الماء والكلاء، كما أنّ الطيور تعود من الأماكن البعيدة إلى أوكارها، غاية الأمر أنّ بنائها على هذا يكون عن جبلّتها وغريزتها، وبناء العقلاء يكون عن شعورهم وعاقلتهم.
وقد أورد على هذا بإشكالات عديدة، ذكر اثنين منها في الكفاية:
أحدهما: إنّ بناء العقلاء هذا لا يفيدنا إلاّ إذا كان ناشئاً من تعبّدهم على ذلك، وهو ممنوع لأنّه ينشأ من ملاكات عديدة، فقد يكون رجاءً واحتياطاً، وقد يكون من باب الاطمئنان بالبقاء، وقد يكون ظنّاً ولو نوعاً، وقد يكون من باب الغفلة كما هو الحال في الحيوانات دائماً وفي الإنسان أحياناً.
لكن الإنصاف أنّه غير تامّ، لأنّ من الاحتمالات المذكورة في كلامه كون البناء من باب الظنّ النوعي، ومنها كونه من باب الرجاء والاحتياط، وهذا كاف في إثبات المطلوب، لأنّه إذا كان الظنّ أو الرجاء أو شبههما حجّة عند العقلاء بحيث يحتجّ به العبيد على مواليهم، والموالي على عبيدهم فهو كاف في إثبات المطلوب، لأنّا لا نقصد من الحجّية إلاّ هذا.
ثانيهما: سلّمنا ذلك، لكن الآيات الناهية عن العمل بغير العلم رادعة عن هذه السيرة.
وأورد عليه المحقّق الأصفهاني(رحمه الله) بأنّ «كلماته في هذه المسألة في تعليقته المباركة، وفي مبحث خبر الواحد من الكتاب، وفي هامشه هناك، وفي هذا المبحث من الكتاب مختلفة، ففي تعليقته على الفرائد قدّم السيرة على العمومات نظراً إلى استحالة رادعية العمومات عن
السيرة، وفي مبحث خبر الواحد أيضاً قدّم السيرة مع الالتزام بالدور من الطرفين على وجه دون وجه، وفي هامش المبحث المزبور التزم بحجّية الخبر لاستصحاب حجّيته الثابتة قبل نزول الآيات بعد دوران الأمر بين الردع والتخصيص، وفي هذا الموضع قدّم الآيات الناهية، وادّعى كفايتها في الرادعيّة»(2).
أقول: قد مرّ سابقاً أنّ الآيات الناهية عن العمل بالظنّ لا يمكن أن تكون رادعة عن سيرة العقلاء على العمل، لأنّ المراد من الظنّ فيها ليس هو الظنّ المصطلح (وهو الاحتمال الراجح في مقابل العلم والشكّ والوهم) بل إنّه في هذا القبيل من الآيات إشارة إلى الظنون الواهيّة والتخيّل والخرص، كما تؤيّده القرائن الموجودة في نفس الآيات، مثل ما ورد في قوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم: 23] فعطف على الظنّ ما تهوى الأنفس، وما ورد في قوله تعالى: { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116] ففسّر الظنّ بالخرص وهو التخمين والحدس بغير أساس ودليل. مضافاً إلى ورود هذه الآيات في المشركين وعبدة الأصنام الذين لم تكن عبادتهم للأصنام ناشئة من ظنّ عقلائي وأساس برهاني بلا ريب، بل من توهّمات باطلة وخيالات كاسدة. هذا أوّلا.
ويشهد له ثانياً: أنّه لو كان كذلك للزم تخصيص هذه الآيات في موارد العمل بالظواهر والبيّنة وخبر الواحد وقول ذي اليد وغيرها، مع أنّ لحنها آب عن التخصيص كما لا يخفى.
وثالثاً: أنّ الظاهر ورودها في خصوص اُصول الدين والمسائل الاعتقاديّة التي لا يقاس عليها الفروع والمسائل الفرعيّة.
ثمّ إنّ هنا كلاماً للمحقّق الأصفهاني(رحمه الله)، وهو أنّ «اللازم في حجّية السيرة العقلائيّة مجرّد عدم ثبوت الردع عنها من الشارع، ولا يجب إحراز الامضاء وإثبات عدم الردع، حتّى يجب البناء على عدم حجّيتها بمجرّد عدم العلم بالإمضاء أو الجهل بعدم الردع لأنّ الشارع بما هو عاقل بل رئيسهم العقلاء متّحد المسلك معهم إلاّ إذا أحرز اختلاف مسلكه معهم بما هو شارع»(3).
ويرد عليه: أنّه لو ثبت لنا اتّحاد مسلك النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين مع سائر العقلاء ودخولهم فيهم من هذه الجهة بالروايات المعتبرة الدالّه على أفعالهم في هذه الموارد، فبها ونعم المطلوب، لكن لقائل أن يمنع عن ذلك ويقول: لم يرد بناءهم العملي في هذه الموارد بالروايات المأثورة عنهم، نعم يمكن أن يقال: إنّ عمل العقلاء كان في مسمع ومنظر منهم وكانوا ساكتين عنه، ولكنّه هو معنى الحاجة إلى امضائهم في إثبات الحجّية.
والإشكال الثالث: هو ما ذكره المحقّق النائيني(رحمه الله) من أنّ بناء العقلاء على إبقاء الحالة السابقة وإن كان غير قابل للإنكار في الجملة، إلاّ أنّه لم يعلم أنّ ذلك من جهة التعبّد بالشكّ والأصل العملي، أو من جهة الأماريّة والكشف عن الواقع، إذ يبعّد الأوّل عدم تعقّل بناء من العقلاء على صرف التعبّد بالشكّ من دون أماريّة وكاشفية ... كما أنّه يبعّد الثاني عدم وجود شيء في المقام يكون كاشفاً عن الواقع في ظرف الشكّ، إذ اليقين السابق لا أماريّة له في ظرف الشكّ، ونفس الشكّ لا أماريّة له أيضاً كما هو ظاهر، إلاّ أن يقال: إنّ التعبّد بالشكّ من العقلاء وإن لم يكن في نفسه معقولا، إلاّ أنّه يمكن أن يكون ذلك بإلهام(4) من الله تعالى حتّى لا يختلّ اُمور معاشهم ومعادهم، فإنّ لزوم اختلال النظام مع التوقّف عن الجري في الحالة السابقة مع الشكّ واضح، فلأجله جعل الله الجري على طبقها من المرتكزات في أنفسهم مع عدم وجود كاشف عن تحقّقها أصلا(5).
أقول: وكلامه(رحمه الله) لا يخلو من نظر:
أمّا أوّلا: فلأنّ ما أفاده من «أنّ بناءهم إلهام إلهي وإنّ فطرتهم جرت على ذلك» بنفسه دليل على وجود التعبّد لهم، فإنّهم يلاحظون بعض الاُمور كأصالة البراءة، وأنّه لا كاشفية لها بالنسبة إلى الواقع، ولكن يجعلون بناءهم على ذلك من باب أنّ عدمه يوجب اختلال النظام، ومن هذا القبيل باب الحقوق والجرائم، فما دام لم يثبت جرم أحد، أو كونه مديوناً، لا يحكم عليه بالجرم والدين، ويمكن أن يكون بناؤهم على الاستصحاب أيضاً من هذا القبيل، ولا أقلّ من إمكانه ثبوتاً، وبالجملة أنّ للعقلاء اُصولا وأمارات، بل يمكن أن يقال: إنّ لجميع الاُصول والأمارات الشرعيّة أساساً عقلائياً، وما قد يتوهّم من أنّه ليس لهم إلاّ الأمارات كلام باطل، وليكن هذا على ذكر منك حتّى نتلو عليك منه ذكراً.
وثانياً: (بالنسبة إلى قوله بعدم وجود معيار للأماريّة في الاستصحاب، وأنّ مجرّد اليقين السابق غير كاف فيها) فلأنّه يمكن أن يقال: إنّ معيار الأماريّة في الاستصحاب إنّما هو الغلبة، فإنّ الغلبة في موت الأفراد وحياتهم على الحياة، وفي السلامة والمرض على السلامة، وفي الطرق والأماكن ونظائرهما على البقاء على حالها.
نعم هذا كلّه في الموضوعات والشبهات الموضوعيّة، كما أنّ تمام ما ذكرنا من الأمثلة كحياة زيد ووكالة عمر والملكية والزوجيّة وغيرها كانت من الموضوعات الخارجية، وأمّا الشبهات الحكميّة والأحكام الكلّية فإن كان الشكّ في نسخها كان بناء العقلاء على عدم النسخ ما لم يثبت جعل قانون جديد، وأمّا بالنسبة إلى غير النسخ من مناشٍ اُخر للشكّ في بقاء الحكم كما إذا قرّرت الحكومة وضع ضرائب على العنب وشكّ في بقائها بعد تبدّل العنب إلى الزبيب (بناءً على أنّه من الحالات لا من المقوّمات) فلا يستصحب أحد من العقلاء بقاء تلك الضرائب كما لا يخفى، وسيوافيك لذلك مزيد توضيح في محلّه إن شاء الله.
_______________
1. راجع منتهى الاُصول: ج2، ص409، للمحقّق البجنوردي.
2. راجع نهاية الدراية: ج5 ـ 6، ص29، طبع مؤسسة آل البيت(عليهم السلام).
3. راجع نهاية الدراية: ج6 ـ 6، ص30 ـ 31.
4. وهذا نظير ما قد يقال في باب قيمة الذهب في جميع الأعصار والأمصار من أنّها نوع من الإلهام الغيبي لتنظيم معاشهم الاقتصادي.
5. أجود التقريرات: ج2، ص357.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|