المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

تلوث الهواء
2023-06-17
تاريخ التنميـة الاقتصاديـة ومستقبلها وآثارها
29-10-2020
كفر النعمة ـ بحث روائي
8-4-2021
إحياء الليل بالعبادة
7-8-2017
إلقام الخصم العنيد حجر الحجّة
13-4-2019
الموظف خيروف.
2024-05-23


الإستصحاب في الموضوعات المركبة  
  
772   10:07 صباحاً   التاريخ: 23-8-2016
المؤلف : محمد باقر الصدر
الكتاب أو المصدر : دروس في علم الاصول
الجزء والصفحة : ح3 ص 201.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / الاصول العملية / الاستصحاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-8-2016 977
التاريخ: 23-8-2016 1500
التاريخ: 23-8-2016 665
التاريخ: 1-8-2016 622

إذا كان الموضوع للحكم الشرعي بسيطا وتمت فيه اركان الاستصحاب جرى استصحابه بلا اشكال. واما إذا كان الموضوع مركبا من عناصر متعددة فتارة نفترض ان هذه العناصر لوحظت بنحو التقيد او انتزع منها عنوان بسيط وجعل موضوعا للحكم، كعنوان (المجموع) او (اقتران هذا بذاك) ونحو ذلك.. واخرى نفترض ان هذه العناصر بذواتها اخذت موضوعا للحكم الشرعي بدون ان يدخل في الموضوع اي عنوان انتزاعي من ذلك القبيل.

ففي الحالة الاولى: لا مجال لأجراء الاستصحاب في ذوات الاجزاء، لأنه ان اريد به اثبات الحكم مباشرة فهو متعذر لترتبه على العنوان البسيط المتحصل، وان اريد به اثبات الحكم، بأثبات ذلك العنوان المتحصل فهو غير ممكن لان عنوان الاجتماع والاقتران ونحوه لازم عقلي لثبوت ذوات الاجزاء فلا يثبت باستصحابها. فالاستصحاب في هذه الحالة يجري في نفس العنوان البسيط المتحصل، فمتى شك في حصوله جرى استصحاب عدمه حتى ولو كان احد الجزئين محرزا وجدانا والآخر معلوم الثبوت سابقا ومشكوك البقاء فعلا.

وأما في الحالة الثانية: فلا بأس بجريان الاستصحاب في الجزء ثبوتا او عدما إذا تواجد فيه اليقين بالحالة السابقة والشك في بقائها.

ومن هنا يعلم بان الاستصحاب يجري في اجزاء الموضوع المركب وعناصره بشرط ترتب الحكم على ذوات الاجزاء اولا وتوفر اليقين بالحدوث والشك في البقاء ثانيا. هذا على نحو الاجمال. واما تحقيق المسألة على وجه كامل فبالبحث في ثلاث نقاط: احداها: في اصل هذه الكبرى القائلة بجريان الاستصحاب في اجزاء الموضوع ضمن الشرطين. والنقطة الثانية: في تحقيق صغرى الشرط الاول وانه متى يكون الحكم مترتبا على ذوات الاجزاء. والنقطة الثالثة: في تحقيق صغرى الشرط الثاني وانه متى يكون الشك في البقاء محفوظا.

اما النقطة الاولى: فالمعروف بين المحققين انه متى كان الموضوع مركبا وافترضنا ان احد جزئيه محرز بالوجدان او يتعبد ما فبالإمكان اجراء الاستصحاب في الجزء الاخر، لانه ينتهي إلى اثر عملي وهو تنجيز الحكم المترتب على الموضوع المركب. وقد يواجه ذلك باعتراض، وهو ان دليل الاستصحاب مفاده جعل الحكم المماثل للمستصحب، والمستصحب هنا - وهو الجزء - ليس له حكم ليجعل في دليل الاستصحاب مماثله، وما له حكم - وهو المركب - ليس مصبا للاستصحاب.

وهذا الاعتراض يقوم على الاساس القائل بجعل الحكم المماثل للمستصحب في دليل الاستصحاب، ولا موضع له على الاساس القائل بانه يكفي في تنجيز الحكم وصول كبراه (الجعل) وصغراه (الموضوع) كما عرفت سابقا، إذ على هذا لا نحتاج في جعل استصحاب الجزء ذا أثر عملي إلى التعبد بالحكم المماثل بل مجرد وصول احد الجزئين تعبدا مع وصول الجزء الاخر بالوجدان كاف في تنجيز الحكم الواصلة كبراه، لان احراز الموضوع بنفسه منجز لا بما هو طريق إلى اثبات فعلية الحكم المترتب عليه، وبهذا نجيب على الاعتراض المذكور.

واما إذا أخذنا بفكرة جعل الحكم المماثل في دليل الاستصحاب فقد يصعب التخلص الفني من الاعتراض المذكور وهناك ثلاثة اجوبة على هذا الاساس: الجواب الاول: - ان الحكم بعد وجود احد جزئي موضوعه وجدانا لا يكون موقوفا شرعا الا على الجزء الآخر فيكون حكما له ويثبت باستصحاب هذا الجزء ما يماثل حكمه ظاهرا.

ونلاحظ على ذلك: ان مجرد تحقق احد الجزئين وجدانا لا يخرجه عن الموضوعية واناطة الحكم به شرعا، لان وجود الشرط للحكم لا يعني بطلان الشرطية، فلا ينقلب الحكم إلى كونه حكما للجزء الآخر خاصة.

الجواب الثاني: - ان الحكم المترتب على الموضوع المركب ينحل تبعا لأجزاء موضوعه، فينال كل جزء مرتبة وحصة من وجود الحكم، واستصحاب الجزء يقتضي جعل المماثل لتلك المرتبة التي ينالها ذلك الجزء بالتحليل. ونلاحظ على ذلك: ان هذا التقسيط تبعا لأجزاء الموضوع غير معقول، لوضوح ان الحكم ليس له الا وجود واحد لا يتحقق الا عند تواجد تلك الاجزاء جميعا.

الجواب الثالث: - ان كل جزء موضوع لحكم مشروط، وهو الحكم بالوجوب مثلا على تقدير تحقق الجزء الآخر، فاستصحاب الجزء يتكفل جعل الحكم المماثل لهذا الحكم المشروط.

ونلاحظ على ذلك: ان هذا الحكم المشروط ليس مجعولا من قبل الشارع، وانما هو منتزع عن جعل الحكم على الموضوع المركب، فيواجه نفس الاعتراض الذي واجهه الاستصحاب في الاحكام المعلقة.

واما النقطة الثانية: فقد ذكر المحقق النائيني (رحمه الله): ان الموضوع تارة يكون مركبا من العرض ومحله كالانسان العادل، واخرى مركبا من عدم العرض ومحله كعدم القرشية والمرأة، وثالثة مركبا على نحو آخر كالعرضين لمحل واحد مثل الاجتهاد والعدالة في المفتي، او العرضين لمحلين كموت الاب واسلام الابن.

ففي الحالة الاولى يكون التقيد مأخوذا، لان العرض يلحظ بما هو وصف لمحله ومعروضه وحالة قائمة به، فالاستصحاب يجري في نفس التقيد إذا كان له حالة سابقة.

وفي الحالة الثانية يكون تقيد المحل بعدم العرض مأخوذا في الموضوع، لان عدم العرض إذا أخذ مع موضوع ذلك العرض لوحظ بما هو نعت ووصف له وهو ما يسمى بالعدم النعتي تمييزا له عن العدم المحمولي الذي يلاحظ فيه العدم بما هو، ويترتب على ذلك ان الاستصحاب انما يجري في نفس التقيد والعدم النعتي لانه الدخيل في موضوع الحكم، فإذا لم يكن العدم النعتي واجدا لركني اليقين والشك وكان الركنان متوفرين في العدم المحمولي لم يجر استصحابه، لان العدم المحمولي لا اثر شرعي له بحسب الفرض.

ومن هنا ذهب المحقق النائيني إلى عدم جريان استصحاب عدم العرض المتيقن قبل وجود الموضوع - ويسمى باستصحاب العدم الازلى - فاذا شك في نسب المرأة وقرشيتها لم يجر استصحاب عدم قرشيتها الثابت قبل وجودها، لان هذا عدم محمولي وليس عدما نعتيا إذ ان العدم النعتي وصف والوصف لا يثبت الا عند ثبوت الموصوف، فإذا اريد اجراء استصحاب العدم المحمولي لترتيب الحكم عليه مباشرة فهو متعذر لان الحكم مترتب بحسب الفرض على العدم النعتي لا المحمولي، وإذا اريد بذلك اثبات العدم النعتي لان استمرار العدم المحمولي بعد وجود المرأة ملازم للعدم النعتي، فهذا أصل مثبت.

وأما في الحالة الثالثة: فلا موجب لافتراض اخذ التقيد واتصاف احد جزئي الموضوع بالآخر، لان احدهما ليس محلا وموضوعا للآخر بل بالإمكان ان يفرض ترتب الحكم على ذات الجزئين، وفي مثل ذلك يجري استصحاب الجزء لتوفر الشرط الاول.

هذا موجز عما افاده المحقق النائيني (رحمه الله) نكتفي به على مستوى هذه الحلقة تاركين التفاصيل والمناقشات إلى مستوى أعلى من الدراسة.

واما النقطة الثالثة: فتوضيح الحال فيها ان الجزء الذي يراد اجراء الاستصحاب فيه تارة يكون معلوم الثبوت سابقا ويشك في بقائه إلى حين اجراء الاستصحاب، واخرى يكون معلوم الثبوت سابقا ويعلم بارتفاعه فعلا ولكن يشك في بقائه في فترة سابقة هي فترة تواجد الجزء الآخر من الموضوع، ومثاله الحكم بانفعال الماء فان موضوعه مركب من ملاقاة النجس للماء وعدم كريته، فنفترض ان الماء كان مسبوقا بعدم الكرية ويعلم الآن بتبدل هذا العدم وصيرورته كرا، ولكن يحتمل بقاء عدم الكرية في فترة سابقة هي فترة حصول ملاقاة النجس لذلك الماء.

ففي الحالة الاولى: لا شك في توفر اليقين بالحدوث والشك في البقاء فيجري الاستصحاب. واما في الحالة الثانية: فقد يستشكل في جريان الاستصحاب في الجزء بدعوى عدم توفر الركن الثاني وهو الشك في البقاء، لانه معلوم الارتفاع فعلا بحسب الفرض فكيف يجري استصحابه؟.

وقد اتجه المحققون في دفع هذا الإستشكال إلى التمييز بين الزمان في نفسه والزمان النسبي اي زمان الجزء الآخر، فيقال: ان الجزء المراد استصحابه اذا لوحظ حاله في عمود الزمان المتصل إلى الآن فهو غير محتمل البقاء للعلم بارتفاعه فعلا، وإذا لوحظ حاله بالنسبة إلى زمان الجزء الآخر فقد يكون مشكوك البقاء إلى ذلك الزمان، مثلا عدم الكرية في المثال المذكور لا يحتمل بقاؤه إلى الآن ولكن يشك في بقائه إلى حين وقوع الملاقاة فيجري استصحابه إلى زمان وقوعها.

وتفصيل الكلام في ذلك: انه إذا كان زمان ارتفاع الجزء المراد استصحابه - وهو عدم الكرية في المثال - معلوما، وكان زمان تواجد الجزء الآخر - وهو الملاقاة في المثال - معلوما ايضا. فلا شك لكي يجري الاستصحاب، ولهذا لا بد ان يفرض الجهل بكلا الزمانين، او بزمان ارتفاع الجزء المراد استصحابه خاصة، او بزمان تواجد الجزء الآخر خاصة، فهذه ثلاث صور وقد اختلف المحققون في حكمها فذهب جماعة من المحققين منهم السيد الاستاذ إلى جريان الاستصحاب في الصور الثلاث، وإذا وجد له معارض سقط بالمعارضة.

وذهب بعض المحققين إلى جريان الاستصحاب في صورتين وهما: صورة الجهل بالزمانين او الجهل بزمان ارتفاع الجزء المراد استصحابه، وعدم جريانه في صورة العلم بزمان الارتفاع. وذهب صاحب الكفاية إلى جريان الاستصحاب في صورة واحدة وهي صورة الجهل بزمان الارتفاع مع العلم بزمان تواجد الجزء الآخر، واما في صورتي الجهل بكلا الزمانين او العلم بزمان الارتفاع فلا يجري الاستصحاب.

فهذه أقوال ثلاثة:

اما القول الاول: فقد علله اصحابه بما اشرنا اليه آنفا من ان بقاء الجزء المراد استصحابه إلى زمان تواجد الجزء الآخر مشكوك حتى لو لم يكن هناك شك في بقائه إذا لوحظت قطعات الزمان بما هي، كما إذا كان زمان الارتفاع معلوما، ويكفي في جريان الاستصحاب تحقق الشك في البقاء بلحاظ الزمان النسبي لان الاثر الشرعي مترتب على وجوده في زمان وجود الجزء الآخر لا على وجوده في ساعة كذا بعنوانها.

ونلاحظ على هذا القول ان زمان ارتفاع عدم الكرية في المثال إذا كان معلوما فلا يمكن ان يجري استصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة، لان الحكم الشرعي اما ان يكون مترتبا على عدم الكرية في زمان الملاقاة بما هو زمان الملاقاة، او على عدم الكرية في واقع زمان الملاقاة، بمعنى ان كلا الجزئين لوحظا في زمان واحد دون ان يقيد احدهما بزمان الآخر بعنوانه، فعلى الاول لا يجري استصحاب بقاء الجزء في جميع الصور، لانه يفترض تقيده بزمان الجزء الآخر بهذا العنوان، وهذا التقيد لا يثبت بالاستصحاب، وقد شرطنا منذ البداية في جريان استصحاب الجزء في باب الموضوعات المركبة عدم اخذ التقيد بين اجزائها في موضوع الحكم. وعلى الثاني لا يجري استصحاب بقاء الجزء فيما اذا كان زمان الارتفاع معلوما ولنفرضه الظهر، لان استصحاب بقائه إلى زمان وجود الملاقاة - التي هي الجزء الآخر في المثال - ان اريد به استصحاب بقائه إلى الزمان المعنون بانه زمان الملاقاة بما هو زمان الملاقاة. فهذا الزمان بهذا العنوان وان كان يشك في بقاء عدم الكرية إلى حينه ولكن المفروض انه لم يؤخذ عدم الكرية في موضوع الحكم مقيدا بالوقوع في زمان الجزء الآخر بما هو كذلك، وان اريد به استصحاب بقائه إلى واقع زمان الملاقاة على نحو يكون قولنا (زمان الملاقاة) مجرد مشير إلى واقع ذلك الزمان.

فهذا هو موضوع الحكم ولكن واقع هذا الزمان يحتمل ان يكون هو الزوال للتردد في زمان الملاقاة، والزوال زمان يعلم فيه بارتفاع عدم الكرية فلا يقين إذن بثبوت الشك في القباء في الزمان الذي يراد جر المستصحب اليه. وعلى هذا الضوء نعرف: ان ما ذهب اليه القول الثاني من عدم جريان استصحاب بقاء الجزء في صورة العلم بزمان ارتفاعه هو الصحيح بالبيان الذي حققناه. ولكن هذا البيان يجري بنفسه ايضا في بعض صور مجهولي التاريخ، كما إذا كان زمان التردد فيهما متطابقا، كما إذا كانت الملاقاة مرددة بين الساعة الواحدة والثانية، وكذلك ارتفاع عدم الكرية بحدوث الكرية، فإن هذا يعني ان ارتفاع عدم الكرية بحدوث الكرية مردد بين الساعة الاولى والثانية، ولازم ذلك ان تكون الكرية معلومة في الساعة الثانية على كل حال وانما يشك في حدوثها وعدمه في الساعة الاولى، ويعني ايضا ان الملاقاة متواجدة اما في الساعة الاولى او في الساعة الثانية.

فاذا استصحبت عدم الكرية إلى واقع زمان تواجد الملاقاة فحيث ان هذا الواقع يحتمل ان يكون هو الساعة الثانية. يلزم على هذا التقدير ان نكون قد تعبدنا ببقاء عدم الكرية إلى الساعة الثانية مع انه معلوم الانتفاء في هذه الساعة.

ومن هنا يتبين ان ما ذهب اليه القول الثالث من عدم جريان استصحاب بقاء عدم الكرية في صورة الجهل بالزمانين وصورة العلم بزمان ارتفاع هذا العدم معا. هو الصحيح. واما صورة الجهل بزمان الارتفاع مع العلم بزمان الملاقاة لا بأس بجريان استصحاب عدم الكرية فيها إلى واقع زمان الملاقاة، إذ لا علم بارتفاع هذا العدم في واقع هذا الزمان جزما.

ولكننا نختلف عن القول الثالث في بعض النقاط، فنحن مثلا نرى جريان استصحاب عدم الكرية في صورة الجهل بالزمانين مع افتراض ان فترة تردد زمان الارتفاع أوسع من فترة تردد حدوث الملاقاة في المثال المذكور، فاذا كانت الملاقاة مرة بين الساعة الاولى والثانية، وكان تبدل عدم الكرية بالكرية مرددا بين الساعات الاولى والثانية والثالثة فلا محذور في اجراء استصحاب عدم الكرية إلى واقع زمان الملاقاة، لانه على ابعد تقدير هو الساعة الثانية ولا علم بالارتفاع في هذه الساعة لاحتمال حدوث الكرية في الساعة الثالثة، فليس من المحتمل ان يكون جر بقاء الجزء إلى واقع زمان الجزء الآخر جرا له إلى زمان اليقين بارتفاعه ابدا.

شبهة انفصال زمان الشك عن زمان اليقين:

بقي علينا ان نشير إلى ان ما اخترناه وان كان قريبا جدا من القول الثالث الذي ذهب اليه صاحب الكفاية، غير انه (قدس الله نفسه) قد فسر موقفه واستدل على قوله ببيان يختلف بظاهره عما ذكرناه، إذ قال بان استصحاب عدم الكرية انما لا يجري في حالة الجهل بالزمانين لعدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين، وقد فسر هذا الكلام بما يمكن توضيحه كما يلي: إذا فترضنا ان الماء كان قليلا قبل الزوال ثم مرت ساعتان حدثت في احداهما الكرية وفي الاخرى الملاقاة للنجاسة.

فهذا يعني ان كلا من حدوث الكرية والملاقاة معلوم في احدى الساعتين بالعلم الاجمالي، فهناك معلومان اجماليان واحدى الساعتين زمان احدهما والساعة الاخرى زمان الآخر، وعليه فالملاقاة المعلومة إذا كانت قد حدثت في الساعة الثانية فقد حدثت الكرية المعلومة في الساعة الاولى، واستصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة على هذا التقدير يعني ان زمان الشك الذي يراد جر عدم الكرية اليه هو الساعة الثانية وزمان اليقين بعدم الكرية هو ما قبل الزوال واما الساعة الاولى فهي زمان الكرية المعلومة اجمالا، وهذا يؤدي إلى انفصال زمان اليقين بعدم الكرية عن زمان الشك فيه بزمان اليقين بالكرية، وما دام هذا التقدير محتملا فلا يجري الاستصحاب لعدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين.

ونلاحظ على ذلك:

اولا: - ان الساعة الاولى على هذا التقدير هي زمان الكرية واقعا لا زمان الكرية المعلومة بما هي معلومة، لان العلم بالكرية كان على نحو العلم الاجمالي من ناحية الزمان وهو علم بالجامع فلا احتمال للانفصال اطلاقا.

وثانيا: - ان البيان المذكور لو تم لمنع عن جريان استصحاب عدم الكرية حتى في الصورة التي اختار صاحب الكفاية جريان الاستصحاب فيها، وهي صورة الجهل بزمان حدوث الكرية مع العلم بزمان الملاقاة وانه الساعة الثانية مثلا، لان الكرية معلومة بالإجمال في هذه الصورة ويحتمل انطباقها على الساعة الاولى، فاذا كان انطباق الكرية المعلومة بالإجمال على زمان يوجب تعذر استصحاب عدم الكرية إلى ما بعد ذلك الزمان. جرى ذلك في هذه الصورة ايضا وتعذر استصحاب عدم الكرية إلى الساعة الثانية، لاحتمال الفصل بين زمان اليقين وزمان الشك بزمان العلم بالكرية.

وهناك تفسير آخر لكلام صاحب الكفاية اكثر انسجاما مع عبادته، ولنأخذ المثال السابق لتوضيحه وهو الماء الذي كان قليلا قبل الزوال ثم مرت ساعتان حدثت في احداهما الكرية وفي الاخرى الملاقاة للنجاسة، وحاصل التفسيرات ان ظرف اليقين بعدم الكرية في هذا المثال هو ما قبل الزوال، وظرف الشك مردد بين الساعة الاولى بعد الزوال والساعة الثانية، لان عدم الكرية له اعتباران فتارة نأخذه بما هو مقيس إلى قطعات الزمان وبصورة مستقلة عن الملاقاة. واخرى نأخذه بما هو مقيس إلى زمان الملاقاة ومقيد به، فاذا أخذناه بالاعتبار الاول وجدنا ان الشك فيه موجود في الساعة الاولى وهي متصلة بزمان اليقين مباشرة، فبالإمكان ان نستصحب عدم الكرية إلى نهاية الساعة الاولى، ولكن هذا لا يفيدنا شيئا لان الحكم الشرعي وهو انفعال الماء ليس مترتبا على مجرد عدم الكرية بل على عدم الكرية في زمان الملاقاة.. واذا أخذنا عدم الكرية بالاعتبار الثاني اي مقيسا ومنسوبا إلى زمان الملاقاة فمن الواضح ان الشك فيه انما يكون في زمان الملاقاة إذ لا يمكن الشك قبل زمان الملاقاة في عدم الكرية المنسوب إلى زمان الملاقاة، واذا تحقق ان زمان الملاقاة هو زمان الشك ترتب على ذلك ان زمان الشك مردد بين الساعة الاولى والساعة الثانية تبعا لتردد نفس زمان الملاقاة بين الساعتين، وهذا يعنى عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين لان زمان اليقين ما قبل الزوال وزمان الشك محتمل الانطباق على الساعة الثانية ومع انطباقه عليها يكون مفصولا عن زمان اليقين بالساعة الاولى. ونلاحظ على ذلك:

اولا: ان الاثر الشرعي اذا كان مترتبا على عدم الكرية المقيد بالملاقاة اي على اجتماع احدهما بالأخر . فقد يتبادر إلى الذهن ان الشك في هذا العدم المقيد بالملاقاة لا يكون الا في زمان الملاقاة واما الشك - قبل زمان الملاقاة - في عدم الكرية فهو ليس شكا في عدم الكرية المقيد بالملاقاة.

ولكن الصحيح ان الاثر الشرعي مترتب على عدم الكرية والملاقاة بنحو التركيب بدون أخذ التقيد والاجتماع، والا لما جرى استصحاب عدم الكرية رأسا كما تقدم، وهذا يعني ان عدم الكرية بذاته جزء الموضوع لا فرق في ذلك بين ما كان منه في زمان الملاقاة او قبل زمانها غير انه في زمانها يكون الجزء الآخر موجودا ايضا، وعليه فعدم الكرية مشكوك منذ الزوال والى زمان الملاقاة وان كان الاثر الشرعي لا يترتب فعلا الا اذا استمر هذا العدم إلى زمان الملاقاة، فيجري استصحاب عدم الكرية من حين ابتداء الشك في ذلك إلى الزمان الواقعي للملاقاة، وبهذا نثبت بالاستصحاب عدما للكرية متصلا بالعدم المتيقن، وان كان الاثر الشرعي لا يترتب على هذا العدم الا في مرحلة زمنية معينة قد تكون متأخرة عن زمان اليقين، فان المناط اتصال المشكوك الذي يراد اثباته استصحابا بالمتيقن لا اتصال فترة ترتب الاثر بالمتيقن، فاذا كنت على يقين من اجتهاد زيد فجرا، وشككت في بقاء اجتهاده بعد طلوع الشمس، ولم يكن الاثر الشرعي مترتبا على اجتهاده عند الطلوع، إذ لم يكن عادلا وانما اصبح عادلا بعد ساعتين، أفلا يجري استصحاب الاجتهاد إلى ساعتين بعد طلوع الشمس؟ فكذلك في المقام.

ثانيا: - ان ما ذكر لو تم لمنع عن جريان استصحاب عدم الكرية فيما اذا كان زمان حدوثها مجهولا مع العلم بتاريخ الملاقاة، كما اذا كان عدم الكرية وعدم الملاقاة معلومين عند الزوال وحدثت الملاقاة بعد ساعة ولا يدري متى حدثت الكرية، فان استصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة يجري عند صاحب الكفاية، مع انه يواجه نفس الشبهة الآنفة الذكر، لان الشك في عدم الكرية المنسوب إلى زمان الملاقاة انما هو في زمان الملاقاة بحسب تصور هذه الشبهة اي بعد ساعة من الزوال مع ان زمان اليقين بعدم الكرية هو الزوال.

ولا نرى حاجة للتوسع اكثر من هذا في استيعاب نكات الاستصحاب في الموضوعات المركبة، كما أن ما تقدم من بحوث الاستصحاب احاط بالمهم من مسائله، وهناك مسائل في الاستصحاب لم نتناولها بالبحث هنا - كالاستصحاب في الامور التدريجية، والاصل السببي والمسببي - وذلك اكتفاء بما تقدم من حديث عن ذلك في الحلقة السابقة وبذلك نختم الكلام عن الاصول العملية.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.