أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-8-2016
1061
التاريخ: 1-8-2016
746
التاريخ: 23-8-2016
826
التاريخ: 12-5-2020
1356
|
[هذه المقالة] في بيان أدلة القائلين بالاحتياط في الشبهات الحكمية خصوصا التحريمية منها. وقد استدلوا على مدعاهم بالأدلة الثلاثة: فمن الكتاب بآيات، منها قوله عز وجل:
{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [آل عمران: 102] و {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78] { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] و { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59] ومنها الآيات الناهية عن العمل بغير علم (منها ما ورد في الاسراء: 36) هذا ما ظفرنا [به] منهم.
ولا يخفى ما في جميعها. أما الاولى: فمضافا إلى أن الظاهر من حق التقوى المرتبة الكاملة منه، ولازمه صدور مرتبة اخرى من التقوى المعلوم حسنه بجميع مراتبه، فيصلح حينئذ حمله على الترغيب بتحصيل الأكمل، لا لزومه، وإن كان ممكنا، فلا يضاده، لحسن بقية المراتب أيضا كما لا يخفى. إذ توهم هذا الترغيب يمنع عن حمل ظهور الأمر على اللزوم، فيكون من باب اتصال الكلام بما يصلح [للقرينية]، مع أن لزوم تحصيل أعلى المراتب ينافي الترخيصات السابقة الموجبة للاكتفاء بأقل منها، فالأمر يدور بين طرح الرخصة السابقة رأسا أو حمل هذا الأمر على الترغيب. ولا شبهة أن الثاني أولى، خصوصا بقرينة قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات: 13] ومما ذكرنا ظهر حال الآية الثانية، علاوة على ظهورها في الجهاد بالمعنى الأخص غير المرتبط بالمقام، وحينئذ ربما يناسب حق الجهاد وأعلاه - حينئذ - مع اللزوم، بلا صلاحية للحمل على المرغوبية، بخلاف الجهاد بالمعنى الأعم، إذ يجئ فيه ما ذكرناه في التقوى كما لا يخفى. ومنه ظهر حال الآية الثالثة، علاوة على امكان حمل ما على الظرفية الزمانية، فيدل على لزوم أصل التقوى، لا أعلاه، وظاهر أنه يكفي فيه امتثال ما تنجز عليه من التكاليف خارجا، بلا احتياج إلى ارتكاب الشبهات [غير المنجزة] عليه من الخارج. واما الآية الرابعة ففيها: أنه مساوق حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل في ورود قاعدة القبح عليه، وعدم صلاحية النهي المزبور للبيانية التي شأنها مجيء التهلكة من قبله، [لأنه] من أحكام المفروغ وجود التهلكة [فيه]. وتوهم أن من الممكن كون المخاطبين بالآية تم في حقهم البيان في الشبهات بإيجاب الاحتياط، وبقاعدة الملازمة يثبت الايجاب المزبور في حق غير المخاطبين [فتشملهم] الآية مدفوع [بأن] ذلك فرع شمولها للشبهات، وعدم اختصاصها بموارد تمامية البيان المعلوم [وجوده] من الخارج، وهو أول الكلام. نعم لا بأس بجريان هذا التقريب في أخبار الوقوف عند الشبهة الآتية بتوهم إطلاق الشبهة حتى للبدوية، وسيأتي جوابه إن شاء الله. وأما الآية الخامسة فموضوعها صورة تمكنهم عن إزالة الشبهة، والمجتهدون معترفون فيها بعدم جواز الارتكاب، مع إمكان حملها على صورة تعارض النصين، وأن الغرض من الرد إلى الله والرسول بموافقة الكتاب والسنة، وحينئذ لا [ترتبط] بباب ارتكاب الشبهات كما لا يخفى. وأما الآيات الناهية عن الحركة مع عدم العلم فظاهر إطلاقها [إرادة] عدم العلم بمطلق الترخيص من ناحية الشارع، وحينئذ الترخيصات السابقة واردة على الآيات الناهية. نعم لو قيل بانصرافها إلى عدم العلم بالواقع ربما تقع المعارضة بين هذه النواهي مع الترخيصات السابقة، ف [- يصح] حينئذ رفع اليد عن ظهور النهي في الإلزام بالترخيص على خلافه، كما هو الديدن في كل نهي أو أمر في قبال الترخيص على خلافهما. واستدلوا أيضا بالسنة، بطوائف من الأخبار: منها: ما دل على الأمر بالوقوف عند الشبهة المعللة بالاقتحام في الهلكة (1).
ومنها: ما دل على الأمر بالتوقف مطلقا بلا تعليل بالهلكة (2). ومنها: ما دل على الأمر بالوقوف ورد حكمه إلى الله ورسوله وعدم القول بالآراء (3). ومنها: ما دل على الأمر [بالاحتياط] (4). ومنها: ما دل على النهي عن القضاء بغير علم، بل ومطلق القول به (5). هذا ما ظفرنا به من الأخبار، ويمكن الجواب عن الجميع: أما عن الطائفة الاولى: بأن التعليل بالهلكة يوجب اختصاصها بموارد تمامية البيان.
وتوهم إطلاقها للشبهات البدوية فيجري فيها التقريب السابق الذي أشرنا إليه في آية [التهلكة] مدفوع بأنه - بعد اقتضاء إطلاق حديث الرفع عدم ملازمة الشبهة البدوية من الصدر الأول للهلكة برفع إيجاب الاحتياط في حقهم أيضا - يعارض (6) مضمون هذه الأخبار المقتضي للملازمة المزبورة بالتقريب السابق المسطور، فيوجب حينئذ تخصيصها بغير الشبهات البدوية بعد الفحص، كما لا يخفى. وأما الطائفة الثانية: فهي وإن كانت سالمة من الإشكال السابق، ولكن قابلة للتخصيص بالشبهات الثانوية بحديث الرفع أو الحمل على الاستحباب بقرينة الترخيصات الاخرى. وأما الطائفة الثالثة: فهي أيضا مثل الآية الخامسة محمولة على صورة التمكن من إزالة الشبهة. وأما الطائفة الرابعة: فمع الإغماض عن الشبهات الواردة عليها في المطولات نقول: بأنها قابلة للحمل على بيان الحكم الاقتضائي، بقرينة رفع فعليتها بمثل حديث الرفع والحجب ، فنتيجتها حينئذ ليس إلا رجحان الاحتياط خصوصا في مثل قوله: أرى لك أن تأخذ الحائطة لدينك (7)، وقوله: أخوك دينك (8)، وأمثالهما الآبية عن استتباعها للمؤاخذة أصلا. وأما النواهي عن القضاء فنحن أيضا نقول به، وهو لا ينافي معذورية المكلف، عملا بالأدلة السابقة. ثم إنهم قد يتشبثون بحكم العقل بوجوب الاحتياط في دائرة الشبهات بملاحظة [الطرفية] للعلم الإجمالي في دائرتها أجمع بوجود واجبات ومحرمات منجزة به المنتهي إلى استقلال العقل بوجوب تحصيل الفراغ اليقيني غير الحاصل إلا بالاحتياط في الشبهات أجمع.
أقول: قد تقدم في بحث الانسداد [أنا] في المقام - بملاحظة بطلان الخروج من الدين بالضرورة ولو لم يكن في البين علم إجمالي أو لم نقل بمنجزيته رأسا - [يكشف] وجود طريق معتبر في البين بمقدار يرتفع به محذور الخروج المزبور، وهذا [المقدار] يكفي لانحلال المعلوم بالإجمال بمثل هذا الطريق. وبه يخرج العلم الإجمالي المزبور عن المنجزية كما هو مرام القائلين بالانسداد، وأن الظن مرجع في مقام الإثبات. بل ولئن اغمض عن ذلك، وقلنا بأن المنجز هو العلم الإجمالي فلا شبهة في أن قاعدة الحرج بضم المقدمة الأخيرة (9) [توجب] صرف تنجزه في دائرة الظنون، فلا يفيد مثل هذا العلم لوجوب الاحتياط في الشبهات الخارجة عن دائرة الظنون رأسا. إن ذلك كله أيضا خلاف مسلك الأخباريين القائلين بالظنون الخاصة [التي قام] عليها الدليل من غير ناحية مقدمات الانسداد، التي منها بطلان الخروج من الدين. وإلا فيكفي قيام الظنون الخاصة من الأخبار بمقدار المعلوم بالإجمال لانحلال العلم الإجمالي أيضا. وحينئذ - على أي مسلك - لا تنتهي النوبة إلى وجوب الاجتناب في الشبهات [البدوية] من قبل العلم الإجمالي المسطور. وحيث انجر الكلام إلى هنا بقي الكلام أولا في وجه خروج العلم الإجمالي عن المنجزية بقيام الطريق على أحد أطرافه بمقدار المعلوم، ثم في بيان شرائطه وأقسامه، فهنا مقامات:
المقام الأول: في وجه عدم المنجزية. فقد يتوهم بأن لازم قيام الطريق على أحد طرفي العلم انقلاب العلم الإجمالي حقيقة [إلى] العلم التفصيلي، وعدم بقاء العلم على إجماله بحاله كي يكون منجزا لمعلومه القابل للانطباق على الطرفين.
وفيه: أولا بأن ذلك لا يتم في الطرق غير العلمية، لعدم حصول العلم التفصيلي بالواقع فيها، فلا موجب لانقلاب العلم الإجمالي [بالواقع] عن حاله. ثم على فرض علمية الطريق لا يجدي وجوده في انقلاب المعلوم بالإجمال إلى التفصيلي، إذ كل واحد من العلمين متعلق بصورة غير الاخرى، إذ الصور الإجمالية مباينة مع التفصيلية ذهنا وإن [كانتا متحدتين] أحيانا في الخارج، ومع اختلافهما فكل علم متقوم بمتعلقه بلا موجب لقلب أحدهما بالآخر. ولا يقاس المقام بباب الأقل والأكثر، إذ الإجمال هناك في حدي الأقل والأكثر، وإلا ففي نفس الذات ما [تحقق] من الأول إلا علم تفصيلي بالأقل والشك في الأكثر. وأين هذا ومقامنا الذي كان الإجمال في نفس الذات باقيا على حاله وإن تحقق علم تفصيلي بأحد الطرفين كما هو ظاهر. وحينئذ فليس مقامنا بقول مطلق من باب الانحلال بنحو الحقيقة علمية كانت الطرق التفصيلية أم ظنية. وحينئذ فالتحقيق أن يقال: إنه مع قيام المنجز - ايما كان - في أحد الطرفين يخرج العلم الإجمالي عن تمام المؤثرية في هذا الطرف، فقهرا يصير جزء مؤثر. ومن البديهي أن شأن الجزئية خروجه عن الاستقلال في التأثير، ولازمه عدم استقلاله [في] تأثيره في الجامع الإجمالي، إذ يستحيل استقلاله في الأثر بالنسبة إلى الجامع المزبور إلا في صورة سريان الاستقلال المزبور في كل واحد من الطرفين، فمع عدم قابلية السريان إلى [الطرف] الآخر يستحيل قيام الاستقلال بحاله بالإضافة إلى الجامع. وحينئذ ينحصر تأثيره الفعلي الضمني بطرف واحد، فلا يبقى له بالنسبة إلى الآخر تأثير أصلا، إذ هو فرع بقائه على فعلية التأثير بالنسبة إلى الجامع، فإذا فرضنا انحصار فعلية تأثيره الضمني بالنسبة إلى طرف واحد فيخرج الجامع عن المؤثرية الفعلية الضمنية، ولازمه عدم تأثيره في الطرف الآخر رأسا، إذ هو فرع استقلال الجامع في التأثير، والمفروض خروجه عنه.
وبعد لا يقتضي [مثل] هذا العلم أثرا بالنسبة إلى الطرف الآخر كما هو ظاهر. وعليه فليس المقام بالنسبة إلى جميع أنحاء الطرق بل والاصول المثبتة إلا بمنوال واحد من كون الانحلال في الجميع حكميا لا حقيقيا.
وأما المقام الثاني: فلا شبهة في أن شرط الانحلال فعلية الطريق التفصيلي حين العلم الإجمالي كي به يخرج عن الاستقلال في الأثر. وحينئذ مجرد قيام طريق في زمان سابق [على] العلم الإجمالي مع عدم بقائه على طريقيته حال وجود العلم الإجمالي غير كاف في خروج العلم الإجمالي عن التأثير، من دون فرق بين قيام الطريق السابق على التكليف السابق الباقي إلى حين العلم الإجمالي بالتكليف الجديد أو بحدوث تكليف جديد حين وجود المعلوم بالإجمال، إذ مع عدم [بقاء] الطريق السابق على طريقيته حين العلم الإجمالي لا موجب لانقلاب العلم الإجمالي عن استقلاله في التأثير في متعلقه القابل للانطباق على طرف التكليف المحتمل الجديد. وتوهم أن التكليف الجديد يتنجز فعلا بقيام الطريق عليه سابقا لا معنى له، إذ كل طريق إنما ينجز التكليف حين وجوده، ولا يصلح [لتنجيزه] ولو بعد انعدامه، خصوصا لو انقلب الطريق السابق [إلى] ضده أو نقيضه، وحينئذ لا يكفي مجرد سبق الطريق للانحلال. كما أن لحوق الطريق زمانا، بل ورتبة أيضا لا يكفي لمنع تأثير العلم الإجمالي السابق الباقي فعلا عن المنجزية في طرفيه، إذ مع سبق الرتبة فالأمر واضح، لعدم صلاحية المتأخر رتبة للمنع عن تأثير السابق المقارن معه زمانا. و[بهذا] البيان أيضا نلتزم بأن العلم بالملاقي والطرف لا يمنع تأثير العلم السابق عليه رتبة، فلا يبقى لهذا العلم اللاحق محل تأثير أصلا، وسيتضح توضيحه في محله إن شاء الله.
وأما في سبق الزمان فلانتهاء الأمر إلى علم إجمالي بتكليف في زمان وآخر في زمان آخر بلا قيام طريق [على] واحد من طرفي هذا العلم. ومجرد قيام الطريق حين وجوده على أحد طرفي العلم بالتكليف في هذا الآن دفعة لا يجدي [في] منع [منجزية] العلم الآخر التدريجي. ولئن شئت توضيح الحال فانظر إلى الشكل المرتسم في البين بفرض كل نقطة تكليفا والخطوط بينهما (10) ميزانا للطرفية للعلم الإجمالي، والدائرة الصغيرة علما تفصيليا أو مورد اضطرار أو تلف أو الخروج عن [الابتلاء]، والشكل هذا. ولعل بالنظر إلى هذا الشكل يتضح ما تلوناه [عليك] إن شاء الله. وبهذا البيان نلتزم ببقاء العلم الإجمالي على منجزيته في الطرف الباقي في صورة تلفه بعد العلم، وسيجئ توضيحه أيضا في محله. ومن هذا الباب أيضا صور طرو الاضطرار إلى المعين أو الخروج عن الابتلاء بعد العلم، إذ جميعها تحت بيان واحد من انقلاب العلم في جميع هذه الصور من الدفعي إلى التدريجي كما لا يخفى. وتوهم عدم صلاحية العلوم التدريجية للمنجزية لخروج أحد [طرفيها] عن الابتلاء كلام ظاهري، إذ الغرض من الابتلاء الكافي في [منجزية] العلم انتهاء أمره إلى العمل بالتكليف ولو تدريجيا، وما هو مضر بمنجزية العلم صور عدم انتهاء النوبة إلى العمل به أصلا بنحو يكون الخطاب به لغوا ولو عند العقلاء، وليس الأمر كذلك في المقام، كما هو ظاهر.
مضافا إلى أن لازم ما افيد عدم منجزية العلم الإجمالي بالمتضادين في زمان واحد، كالعلم بوجوب [إحدى] الصلاتين أو الصومين أو الحج في [إحدى] السنتين، وهكذا. ولا أظن التزامه من أحد. ومن هذه البيانات ظهر أن شرط الانحلال قيام الطريق التفصيلي على أحد طرفي العلم الإجمالي مقارنا له، سواء كان بحدوثه سابقا أم لاحقا. ومن شرائطه أيضا عدم قيام الطريق على تعيين المعلوم [بالإجمال] في طرفه، بأن يكون قائما على صرف وجود تكليف في طرفه بنحو يحتمل كونه غير المعلوم بالإجمال، وإلا فيخرج العلم عن التأثير، ولو قام هذا الطريق المعين بعد العلم الإجمالي، لاكتفاء العقل في ظرف الفراغ عن المعلوم بما هو مصداقه ولو جعليا، كما هو الشأن في العلوم التفصيلية، وهو الذي يعبر عنه بجعل البدل، وهو في الحقيقة تصرف في مرحلة الفراغ بعد الفراغ عن تأثير العلم في مرحلة الاشتغال قبال باب الانحلال الذي هو تصرف في تأثير العلم في مرتبة أصل الاشتغال. ولقد أشرنا إلى المرتبتين في بحث القطع في طي شرح القطع الإجمالي، وأشرنا هناك أيضا [إلى] عدم [صحة] جعل [البابين] شاهد اقتضاء العلم للموافقة القطعية بعد الجزم [بعليته] للمخالفة القطعية، إذ نتيجة هذه التفرقة تظهر في [جريان] الأصل النافي في أحد الطرفين حتى مع عدم الانحلال لا جعل البدل. مع أن [العقل] حاكم تنجيزا [بتحصيل] الجزم بالفراغ في ظرف الاشتغال وأن لا يكتفى بصرف الشك في الفراغ، كما هو الشأن في العلم التفصيلي. ففي الحقيقة روح نزاع العلية والاقتضاء إنما هو في إمكان الترخيص [الشرعي] الصالح للمانعية في ظرف الجهل بالفراغ فارغا عن تحقق الاشتغال وعدم [معين] للفراغ. وأين هذا وباب الانحلال الموجب لعدم تأثير العلم في أصل الاشتغال، وباب جعل البدل المعين للفراغ بلا اكتفاء بصرف الشك في الفراغ، ولذا نقول كرارا بأن العلم الإجمالي في هذه المرحلة كالعلم التفصيلي، إذ بعد [عليته] للاشتغال بما تعلق به من الجامع - لعدم قصوره في هذا المقدار عن العلم التفصيلي - فلا جرم يصير كل واحد من طرفيه مما احتمل فيه التكليف المنجز. والعقل في هذا المقام أيضا يحكم [تنجيزا] وبنحو العلية في العلم التفصيلي بتحصيل الجزم بالفراغ، وحينئذ لا يبقى لمرحلة الاقتضاء القابل لمنع المانع في ظرف تأثيره في الاشتغال - بعدم الانحلال وفي ظرف عدم معين للفراغ كالعلم التفصيلي - [مجال] أصلا. ولذا نقول بأن العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي في العلية المزبورة كما [أفاد] شيخنا العلامة (11) أعلى الله مقامه في بحث الشبهة الوجوبية بالتصريح بما ذكرنا. ولعمري إن وقوعهم في حيص وبيص، والتزامهم بالتفكيك في الاقتضاء والعلية بالنسبة إلى الموافقة القطعية والمخالفة إنما هو من جهة مسامحتهم في تعمق النظر في المقام. وخذ من شيخنا النحرير في هذه الصنعة بضميمة ما شرحناه في شرح مرامه وكن من الشاكرين.
المقام الثالث: ان الطريق القائم على أحد الطرفين تارة علمي، واخرى تعبدي، وثالثة أصل تنزيلي، أو مثبت غير تنزيلي كإيجاب [الاجتناب] والاحتياط - شرعيا أم عقليا - ولو بمثل قاعدة الاشتغال من غير ناحية هذا العلم الإجمالي كقاعدة الاشتغال بالصلاة المشكوك إتيانها في [وقتها] مع العلم الإجمالي [بوجوبها] أو وجوب صلاة اخرى [خارجة] عن [وقتها] مثلا، فإن الاشتغال الحاصل من العلم التفصيلي في أحد طرفي العلم الإجمالي مانع عن تأثير العلم المزبور في الاشتغال بالتقريب السابق، فلا بأس حينئذ بترك المشكوك الآخر والاكتفاء بمورد القاعدة المسطورة كما لا يخفى. ثم إن من موارد الانحلال أيضا صورة قيام علم إجمالي آخر على أحد طرفي العلم الأوسع بمقدار المعلوم بالإجمال كما هو الشأن في بقية الطرق التفصيلية أيضا. وإلى هذا الباب مرجع كلام الفصول في تخصيصه الحجية في باب الانسداد بخصوص الظن بالطريق في قوله: ومرجع العلمين إلى علم واحد (12) بلا نظر منه إلى انقلاب التكاليف الواقعية بمفاد أدلة الطرق كما توهم. ومن هذا الباب أيضا صورة منجزية الطرق القائمة على أحد طرفي العلم من الأول مقارنا للعلم الإجمالي من جهة الشبهة قبل الفحص، إذ حينئذ لا يضر الظفر بأشخاصها بعد العلم الإجمالي زمانا في [موجبيته للانحلال]، إذ بالظفر بها بعد العلم يستكشف موجبيته لحل العلم السابق من حين وجوده، ولا يرتبط هذا المقام أيضا بصور الظفر بالأمارة غير المنجزة سابقا، إذ هو الذي أشرنا إليه سابقا من عدم تأثيره في [منجزية] العلم الإجمالي السابق بنحو التدرج فراجع. وحينئذ نقول: إن من هذا الباب مقامنا من كون الطرق الشرعية التفصيلية مانعة - بمنجزيتها من حين العلم قبل الفحص عنها - عن العلم الإجمالي المسطور. ولولا هذه المنجزية السابقة قبل الفحص عنها لما يكاد تأثيرها بوجودها المتأخر عن العلم في منع العلم الإجمالي عن التأثير، وإن كان متعلق الطريق المزبور التكاليف المقارنة مع المعلوم سابقا، إذ المانع علمها المقارن، لا وجودها واقعا كما شرحناه، فتدبر في المقام أيضا فإن كلماتهم في المقام أيضا لا [تخلو] عن تشويش، وليس ذلك أيضا إلا من جهة مسامحتهم في التدقيق، وإلا فهم أجل شأنا من هذه الاشتباهات، وخذ ذلك أيضا منا وتشكر.
المقام الرابع: هو أن من المعلوم أن من لوازم اقتضاء العلم الإجمالي للموافقة القطعية - على ما أشرنا إليه سابقا أيضا في بحث العلم الإجمالي - أنه لو فرض في مورد جريان الاستصحاب في طرف والقاعدة في طرف آخر، يتساقط الأصلان، ويرجع إلى القاعدة المحكومة في طرف الاستصحاب بلا معارض. وتوهم عدم جعل الطهارتين مثلا في طرف واحد فلازم سقوط مضمون الاستصحاب في مورده بالمعارضة عدم بقاء الطهارة في مورده أصلا، فلا يبقى لمضمون القاعدة مجال وجود كي تجري بلا معارض، مدفوع غاية الدفع. أولا: بأنه لا مانع لجعل الطهارتين بنحو [الطولية] على وجه يكون أحدهما في ظرف عدم الآخر، وما هو ممنوع جعلهما عرضا. ومقامنا من قبيل الأول لا الثاني. ولئن اغمض عن ذلك نقول: إنه من الممكن جعل الطريق على المجعول [الواحد] وله ظهوران طوليان بحيث بانعدام حجية أحد الظهورين [تتحقق] حجية الآخر. ويكفي في الغرض من مثل هذا الجعل انتهاء أمر المكلف في مثل هذا الفرض إلى أخذه بالطهارة في طرف واحد بلا لزوم اجتنابه عنه. وبمثل هذا البيان التزموا في تأسيس الأصل في الماء المتمم كرا بالمتنجس مثلا بأن بعد معارضة الاستصحاب في المائين المتصلين بالآخر وتساقطهما يرجع إلى قاعدة الطهارة، وليس ببال أحد هنا شبهة عدم جعل الطهارتين مثلا، فراجع كلماتهم. بل وفي كلية ما أسسوا، بأن مع عدم جريان الأصل الحاكم يرجع إلى المحكوم من دون [تفصيل] في هذا التأسيس بين كون عدم الجريان للمعارضة أو [غيرها] مع وحدة المحل أو [غيرها]، مع أن شبهة عدم جعل الحكمين [سيال] في جميع هذه الموارد التي كان سقوط الحاكم [بالمعارضة] مع وحدة المحل فتدبر. ثم لئن اغمض عن ذلك نقول: إن نتيجة [التفصيل] المزبور بين الاقتضاء والعلية إنما [تنتهي] إلى التساقط لو كان الأمر يؤول إلى تخصيص دليل أحد الأصلين، ولكن من الممكن رفع محذور المخالفة القطعية بتقييد دليل الأصل - الذي هو أهون من التخصيص - بصورة مخالفة الآخر في الطرف الآخر، فإنه حينئذ يجري الأصل في كل واحد من الطرفين مشروطا بعدم العمل بالآخر، ولازمه ليس إلا [التخيير] في ارتكاب أحدهما دون الاجتناب عنهما كما لا يخفى. ولا يدفع أمثال هذه المحاذير إلا بالالتزام بالعلية حتى بالنسبة إلى الموافقة القطعية بالمعنى الذي أشرنا [إليه] الذي لازمه عدم جريان الأصل النافي حتى في طرف واحد بلا معارض. ولقد تقدم منا أيضا تقريب علية العلم للموافقة القطعية في المقام وفي بحث القطع الإجمالي، فراجع.
المقام الخامس: إن نتيجة العلية للتنجيز عدم جريان الأصل النافي [في] أحد طرفي العلم، وإلا ففي الأمارة النافية لا بأس [بجريانها] بملاحظة [كونها مثبتة للازمها] من إثبات التكليف في الطرف الآخر، من دون فرق فيه بين [جريانها] في المقام مقارنا للعلم الاجمالي أم بعده. نعم مجرد سبق [وجودها] مع عدم [بقائها] على الحجية حين العلم الإجمالي غير مفيد، كما أشرنا إليه سابقا. بل وباب قيام الأمارة النافية كلية من باب موارد جعل البدل، لاقتضاء [لازمها] تعيين المعلوم بالإجمال في طرفه حينئذ. فكم فرق بين الأمارة النافية [و] المثبتة غير المعينة، فإنه من باب الانحلال الموجب لعدم تأثيره إلا في صورة مقارنة العلم الإجمالي كما عرفت. وحينئذ فعمدة الفارق بين الأمارة النافية والأصل النافي هو حجية المثبت في الأمارة دون الأصل وإلا فيجري الكلام السابق في الأصل أيضا. نعم بين مثبتية الأصل والأمارة فرق، ربما يوجب اختلاف التقريب في وجه الجريان وهو: أن منشأ مثبتية الأمارة - بملاحظة ملازمة [ظهورها] في المدلول المطابقي مع [ظهورها التبعي] في المدلول الالتزامي - أن دليل حجية الظهور لا يفرق بين الدلالتين، [فتكون] الدلالة الالتزامية [مستقلة] تحت [التعبد] بالظهور وإن [كانت بوجودها] تبعا للدلالة [المطابقية]، ولذا ربما [تكون] حجة بلا حجية الدلالة المطابقية، كما هو الشأن في موارد التعارض الموجب لتساقطهما في المدلول المطابقي مع قيامهما على الحجية في [المدلول] الالتزامي في نفي الثالث كما هو تبانيهم أيضا على ذلك كما لا يخفى. وهذا بخلاف مثبتية الأصل إذ مرجعه إلى كون نظر التنزيل إلى [الآثار] الشرعية المرتبة على المنزل - بالفتح - بواسطة [الأثر] العقلي أو كان ترتبه على المنزل [عقليا] وإن لم يكن في البين واسطة، إذ مثل هذا الأثر لا يكون كشفه إلا بإطلاق التنزيل في المدلول المطابقي بلا كونه تحت كاشف مستقل قبال الكاشف عن المدلول المطابقي توسعة أو [تضييقا]. ومثل هذا التقريب أيضا إنما يتم في الاصول التنزيلية، وإلا ففي غيرها - مثل قاعدة الحلية على أحد الوجهين - لا يكون في البين كشف عن اللوازم الواقعية الموجبة لتعين المعلوم بالإجمال في طرفه، ولذا نقول: إنه لا مجال لكشف جعل البدل من مثل هذه الاصول أصلا، وإنما الطريق إليه منحصر بالأمارة والاصول التنزيلية بناء على المثبتية، إذ بمثلهما حينئذ يستكشف [وجوبه] واقعا [الذي] هو عين المعلوم بالإجمال ولو بالعناية، غاية الأمر طريق الكشف في الأمارة دلالته [الاخرى] المتعبد [بها] مستقلا قبال التعبد بالدلالة المطابقية. وطريق الكشف في الاصول إطلاق نظر التنزيل الذي هو من شؤون المدلول المطابقي بلا استقلال اللازم في التعبد قبال التعبد بإطلاق التنزيل في مدلوله المطابقي. وحينئذ: ففي الموردين بملاحظة الفرار عن الترخيص بلا جعل بدل يرفع اليد عن الدلالة على المدلول المطابقي بدوا، ويؤخذ بالدلالة على المدلول الالتزامي من جهة التفكيك بين التعبدين أو التفكيك في إطلاق نظر التنزيل على أحد الحكمين. ثم بعد ثبوت الوجوب المزبور والعلم بجعل البدل يؤخذ بالمدلول المطابقي تعبدا أو تنزيلا. نعم لو بنينا على عدم مثبتية الاصول التنزيلية أيضا لا مجال لجريانها في طرف العلم بلا ثبوت جعل بدل من الخارج، بخلاف الأمارة. نعم لو كان الوجوب الواقعي للطرف الآخر من الآثار الشرعية للمنزل بأن يكون الشك فيه مسببا من الشك في الترخيص المزبور لا بأس بالالتزام بالجريان بالتقريب السابق، ويثبت به جعل البدل، فيترتب عليه الترخيص في مورده في الرتبة المتأخرة. ومن هذا الباب صورة نذر صدقة على تقدير عدم كونه مديونا واقعا، إذ باستصحاب عدم الدين - بالتقريب السابق - يثبت الوجوب المزبور بلا لزوم المحذور السابق، لما عرفت. نعم قد يكون الوجوب المسطور مترتبا شرعا على مطلق الحكم الأعم من الواقعي والظاهري، ففي مثل هذه الصورة ربما يجئ إشكال جريان القاعدة بدوا [كي] يترتب عليه لازمه، [لاستلزامه] الترخيص بلا جعل بدل في الرتبة السابقة، وهو المحذور السابق. ولا يمكن جريان ما [ذكرناه] في الاصول التنزيلية السببية هنا، لإمكان التفكيك بين التنزيلين هناك، بخلاف مقام جعل الحلية في المقام. مع أن الأصحاب ملتزمون بالجريان في المقام أيضا وإثبات الوجوب المزبور بالأصول [غير] التنزيلية أيضا. ولعمري إن القائل بالاقتضاء لو تشبث بمثل هذا الفرع لإثبات مدعاه لكان أمتن من تشبثه ب [موارد] الانحلال وجعل البدل كما أسلفناه. ولكن نقول: إنه يقع في محذور أشد، كما بينا، خصوصا مع عدم مساعدة العقل للاقتضاء بالتقريب السابق، فلابد من علاج هذه الشبهة في هذا الفرع، فنقول - بعونه تعالى -: أولا إن الأحكام الاقتضائية من الايجاب والحرمة أو الاستحباب والكراهة لا محيص من نشوها عن المصلحة في المتعلق. وأما الترخيصات الشرعية فتارة ناشئة عن لا اقتضائية المتعلق واخرى ناشئة عن اقتضاء في نفس الجعل لمصلحة فيه من التسهيل على المكلف أو غيره حتى مع فرض اقتضاء الوجوب أو الحرمة في متعلقه. وحيث كان كذلك نقول: إن الغرض من جعل الترخيص تارة هو إيجاد العذر والتسهيل للمكلف، واخرى [يكون] الغرض من جعله مجرد ترتب الوجوب الذي هو أثره عليه، [بلا] نظر في جعله إلى إيجاد العذر في حقه بذلك. ففي هذه الصورة لا بأس [بجعله] في أطراف العلم لمحض ترتب الوجوب الموجب لإسقاط العلم عن [التأثير] في طرفه. ففي الحقيقة الغرض من جعل الحلية في المقام أيضا تسهيل الأمر على المكلف لكن بالواسطة لا بنفسه، فكان مثل هذا الجعل وسيلة لإحداث الوجوب الباعث لإسقاط [العلم] عن الأثر.
وعليه فلنا أن نقول: إن أمثال هذه الترخيصات وإن لم تكن تنزيلية قابلة للتفكيك في النظر إلى أثر دون أثر، ولكن بملاحظة نشوها عن المصالح والأغراض المترتبة على جعلها، قابلة للتفكيك في أصل جعلها بين أثر وغرض دون غرض، فكانت من هذه الجهة شبيهة بالأصول التنزيلية فتدبر.
ثم إن في المقام فرعا آخر، وهو صورة ترتب الوجوب على نفس معذورية المكلف لا صرف حليته كي يجئ فيه الكلام السابق نظير صورة ترتب وجوب الحج على مجرد القدرة الناشئة عن معذوريته عن الدين أو تكليف آخر، ففي هذه الصورة أيضا ينتهي الأمر إلى علم إجمالي بوجوب الحج أو وجوب الدين مثلا، ولكن منجزية هذا العلم لوجوب الحج مستلزم لعدمه، لأنه ملازم لمنجزيته لوجوب الدين أيضا، إذ لا يكاد ينفك منجزية العلم الإجمالي في أحد الطرفين عن منجزيته في الطرف الآخر. وفي المقام يستلزم منجزيته لوجوب الدين [الجزم] بعدم وجوب الحج واقعا، فأين وجوب الحج حينئذ كي يتنجز؟ [فمثل] هذا العلم يخرج عن المنجزية رأسا، كما لا يخفى فتدبر في المقام فإنه أيضا من مزال الأقدام.
____________
(1) الوسائل 18: 86، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1 و116، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 15 وغيرهما.
(2) الوسائل 18: 11، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9، و86، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 37.
(3) الوسائل 18: 121، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 31.
(4) الوسائل 18: 112، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 1 و123، نفس الباب، الحديث 41.
(5) راجع الوسائل 18: 111، الباب 12 من أبواب صفات القاضي.
(6) اي ان اطلاق حديث الرفع حينئذ يعارض مضمون هذه الأخبار المقتضي للملازمة المزبورة.
(7) الوسائل 18: 122 الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 37.
(8) الوسائل 18: 123 الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 41.
(9) المتقدمة آنفا.
(10) أي الخطوط المرتسمة بين النقطتين.
(11) انظر فرائد الاصول 2: 442 وما بعدها.
(12) انظر الفصول الغروية: 277.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|