المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

تهيئة المواد البوليمرية للتفاعل
2024-06-13
X-ray Fourier Transform
6-4-2020
خطر الإرهاب الإلكتروني وأسبابه ودوافـعه
19-8-2022
SUPPOSITIONS AND CAUTIONS
13-11-2020
تتوقف طاقة النهر على عدة عوامل - درجة انحدار المجرى
7/9/2022
الة اللدغ في النحل Sting
20-7-2020


كلامٌ عن إصابة العين  
  
2481   03:49 مساءاً   التاريخ: 24-10-2014
المؤلف : محمد هادي معرفة
الكتاب أو المصدر : شبهات وردود حول القرآن الكريم
الجزء والصفحة : ص229-237 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / مقالات قرآنية /

قالوا : وممّا نجد القرآن متأثّراً بالبيئة العربيّة الجاهلة اعترافه بإصابة العين في مواضع :
الأَوّل : قوله تعالى ـ حكاية عن يعقوب ( عليه السلام ) ـ : {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف : 67] ، قيل : خاف عليهم إصابة العين ؛ لأنّهم كانوا ذوي جمالٍ وهيبةٍ وكمالٍ ، وهم إخوة أولاد رجلٍ واحد (1) .

الثاني : قوله تعالى : {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [القلم : 51، 52] ، قيل : يُزلقونك بمعنى يُصيبونك بأعينهم ، قال الطبرسي : والمفسّرون كلّهم على أنّه المراد من الآية (2) .

الثالث : قوله تعالى : {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } [الفلق : 5] ، قيل : أي مِن شرّ عينه (3) ، وعن ابن أبي عمير رفعه قال : أَما رأيته إذا فَتَح عينَيه وهو يَنظر إليك هو ذاك (4) .

والكلام هنا من جهتَين ، الأُولى : هل القرآن تعرّض لتأثير العين ، سواء كان حقّاً أم باطلاً ؟ الثانية : هل للعين تأثير سوءٍ ذاتي مع قطع النظر عمّا جاء في القرآن ؟

أمّا الجهة الأُولى فليس في ظاهر تعبير القرآن ما يَدلّ على ذلك :

أمّا قولة يعقوب لبنيه : ( لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ... ) فإنّما كانت في عودتهم إلى مصر بعد سفرتهم الأُولى التي رجعوا منها خائبين ، فلو كان يخاف عليهم العين لأمرهم بذلك في المرّة الأُولى بل وفي كلّ سفرةٍ وحلّ وارتحال ، فيمنعهم أنْ يترافقوا في الأسفار على الإطلاق ، ولا خصوصية لهذه المرّة من الدخول على يوسف .

قيل : إنّما قال لهم ذلك ـ في هذه المرّة ـ ليَستخبر من حالة العزيز حين يَدخل عليه كلّ أخٍ له ، فيَستعلم من تأثير كلّ واحدٍ عند الدخول عليه حالته الخاصّة ، وما يظهر على أسارير وجهه وحركات عينيه حين رؤية شقيقه من أُمّه بنيامين (5) ، ولعلّ يعقوب استشعر من ردّ العزيز إخوته ليأتوا بأخٍ آخر لهم من أبيهم ، أنّه هو يوسف ، فحاول بهذه التجربة معرفة شخصية العزيز ولعلّه يوسف نفسه ، الأمر الذي لا يَعلم إذا دخلوا عليه كلّهم جماعةً واحدةً ؛ ومِن ثَمّ لمّا دخل عليه أخوه بنيامين آواه وأفشى نفسه لديه ، الأمر الذي يدلّ على دخوله عليه لوحده ، فقد تحقّق تدبير يعقوب في تفرّسه .

وهذا يدلّ على فراسة يعقوب القوية ، حيث يقول عنه تعالى : {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ } [يوسف : 68] أي ذو فراسةٍ قوية .

 

قال إبراهيم النخعي ـ وهو تابعيّ كبير ـ : إنّ يعقوب ( عليه السلام ) كان يَعلم بفراسته بأنّ العزيز هو ابنه يوسف إلاّ أنّ الله لم يَأذن له في التصريح بذلك ، فلمّا بعث أبناءه إليه أَوصاهم بالتفرقة عند الدخول وكان غرضُه أن يصل بنيامين وحده إلى يوسف في خلوةٍ من سائر إخوته (6) .

وقوله تعالى : {مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا } [يوسف : 68] يعني : إنّ هذا التدبير الذي قام به يعقوب لم يكن يُغيّر من المصلحة التي رعاها الله بشأنه ، ولكن كانت تلك بُغية أملٍ في نفس يعقوب ، قضاها الله رعايةً لجانبه العزيز على الله .

وممّا يُبعّد إرادة إصابة العين ـ إضافة على ما ذكرنا ـ أنّ التحرّز من ذلك لا يتوقّف على الدخول من أبوابٍ متفرّقة ، بل يكفي الدخول متعاقبين وفي فترات ، ثُمّ إنّهم كانوا يدخلون مصر في جمعٍ غفيرٍ من رِفقة القافلة الحاشدة بالأحمال والأثقال ، فكيف يَعرف الناس أنّ هؤلاء إخوة مِن أبٍ واحد ؟

وكذا قوله تعالى : {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ....} [القلم : 51].

الزَلَق : الزلّة ، وأَزلقه : أزلّه ونحّاه عن مكانه ، والمَزلق : المكان الذي يَنزلق عليه ولا يمكن الثبات عليه .

والإزلاق بالأبصار ، تَحديق النظر إليه نظر ساخط شديد السُخط بحيث يكون مُرعباً يُوجب الوحشة والتراجع عمّا هو فيه خوفاً من إيقاع الأذى به .

و( إنْ ) مخفّفة من المثقلة ، أي كاد أنْ يزلّوك عن موضعك بشدّة السُخط والإرعاب والإرهاب ، البادي ذلك من تحديق نظرهم المُغضب إليك .

أي إنّهم لشدّة عداوتهم وبغضائهم ينظرون إليك نظراً شَزراً (7) حتّى ليكادون يزلّون قدمك بغضاً فتصدع حين سمعوك تتلو كتاب الله وتنبذ أصنامهم (8) .

وهذا نظير قوله تعالى : {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} [الإسراء : 76] .

يقال : فزّه واستفزّه أي أزعجه .

فهذه النظرات الشَّزرة تكاد تؤثّر في موقف الرسول الصَلب فتجعله يَزلّ ويزلق ويفقد توازنه وثباته على الأمر ، وهو تعبير فائق عمّا تَحمِله هذه النظرات العدائيّة من غيظٍ وحنقٍ وشرٍّ ونقمةٍ وضغن وحُمّى وسمّ (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) ، مصحوبة هذه النظرات المسمومة المحمومة بالسبّ القبيح والشتم البذيء والافتراء الذميم ( وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ) (9) .

ويَدلّنا على عدم إرادة إصابة العين في هذه الآية الكريمة بالذات أنّ إصابة العين إنّما تكون عند الإعجاب بشيء لا عند التنفّر والانزجار ، والآية تصرّح بأنّهم كادوا يُزلِقونه لمّا سمعوا الذِكر ، ماقتينَ عليه نافرينَ منه ، فجعلوا يَسلقونه بالسِّباب والشتم ويَرمونه بالجنون ، فكيف والحال هذه يحسدونه فيُصيبونه بأعينهم ؟! الأمر الذي لا يلتئم وسياق الآية الكريمة .

قال الزجّاج : معنى الآية ، أنّهم ينظرون إليك عند تلاوة القرآن والدعاء إلى التوحيد نظر عداوةٍ وبغضٍ وإنكارٍ لِما يسمعونه وتعجّبٍ منه ، فيَكادون يصرعونك بحدّة نظرهم ويُزيلونك عن موضعك ، وهذا مُستعمل في الكلام ، يقولون : نظر إليَّ فلان نظراً يَكاد يصرعني ونظراً يكاد يأكلني فيه ، وتأويله كلّه أنّه نظر إليَّ نظراً لو أمكنه معه أكلي أو يصرعني لفعل (10) .

وهكذا قال الجبائي : إنّ القوم ما كانوا ينظرون إلى النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) نظر استحسان وإعجاب بل نظر مقتٍ ونقص (11) .

وهكذا قوله : {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }   ـ في سورة الفلق ـ أي إذا حاول السعي وراء حسده لغرض إيقاع الأذى  والضرر بالمحسود ، أي استعذ باللّه مِن شرّ الحاسد إذا حاول إنفاذ حسده ، بالسعي والجدّ في إزالة نعمة مَن يحسده ، فهو يعمل الحِيَل وينصب شباكه ؛ لإيقاع المحسود في الضرر والخسران ، وربّما بأدقّ الوسائل والذرائع ، وليس في الاستطاعة الوقوف على ما يُدبّره مِن مكائد إلاّ أنْ يُستعان عليه بربّ الفلق أي مُسبِّب الفرج والخلاص مِن كيد الكائدين ، والإحباط من مساعيهم الخبيثة (12) .

نظرة فاحصة عن إصابة العين

أمّا الجهة الأُخرى ـ وهو البحث عن إصابة العين ومدى تأثيرها السيئ في النفوس والأموال ـ فقد شاع الإشفاق منها في أوساط بدائيّة وربّما في أوساط متحضّرة أيضاً ، وفي ذلك نوع من الاعتراف بحقيقتِهِ إجمالياً ، وربّما علّلوه بتعاليل تبدو طبيعيّة ترجع إلى نفس العاين ، قالوا : هي تَشعشُعات تَمَوجيّة تنبعث من عين الرائي الذي أعجبه شيء على أثر انفعاله النفسي الخاصّ والأكثر إذا كان عن حسدٍ خبيث ، وربّما من غير شعور بهذا الانفعال النفسي المفاجئ في غالب الناس ، وهي خاصّية غريبة قد توجد شديدة في البعض وخفيفة في الآخرين .

وهذه التَشعشُعات السامّة تشبه التيّارات الكهربائيّة تؤثّر في المُتكهرب بها تأثيراً بالفعل ، الأمر الذي يكون طبيعياً وليس شيئاً خارقاً ، وإن كان لم يُعلم كُنهُها ولا عُرفت حدودها ومشخّصاتها ، ولا إمكان مقابلتها مقابلة علميّة فيما سوى الدعاء والصدقة والتوكّل على اللّه تعالى .

قال الشيخ ابن سينا : إنّ لبعض النفوس تأثيراً في الخارج من بدنه بتعلّق روحاني كتعلّقه ببدنه (13) .

وقال أبو عثمان الجاحظ : لا يُنكر أنْ ينفصل من العين الصائبة إلى الشيء المُستَحسَن أجزاء لطيفة متّصلة به وتؤثّر فيه ، فيكون هذا المعنى خاصّية في بعض الأعيُن كالخواصّ للأشياء (14) .

قال ـ في كتاب الحيوان بصدد التحرّز من أعين ذوي الشره والحِرص ونفوسهم ـ : كان علماء الفُرس والهند وأطبّاء اليونان ودُهاة العرب وأهل التجربة من نازلة الأمصار وحذّاق المتكلّمين يَكرهون الأكل بين يدي السباع ، يَخافون نفوسَها وعيونَها ؛ للّذي فيها من الشَرَه والحرص والطلب والكَلَب ، لِما يتحلّل عند ذلك من أجوافها من البخار الرديء ، وينفصل من عيونها من الأُمور المفسدة ، ما إذا خالطت طبائع الإنسان نقضته ؛ ولذلك كانوا يكرهون قيام الخدم بالمذابّ ( مُطرِدة الذُّباب ) والأشربة على رؤوسهم وهم يأكلون ، مخافة النفس والعين ، وكانوا يأمرون بإشباعهم قبل أنْ يأكلوا ، وكانوا يقولون في السنّور والكلب إما أنْ تَطرده قبل أن تأكل ، وإمّا أنْ تشغله بشيء يأكله ولو بعَظمٍ يُطرح له .

قال : ورأيت بعض الحكماء وقد سقطت من يده لقُمة ، فرفع رأسه فإذا عينُ غلامٍ تُحدّق نحو لقُمته ، وهو يزدرد ريقه لتحلّب فمه من الشهوة ، وكان ذلك الحكيم جيّد اللقم طيّب الطعام ، ويضيّق على غلمائه .

وقالت الحكماء : إنّ نفوس السِّباع وأعينها في هذا الباب أردأ وأخبث لفرط شَرَهِها وشرّها ، قال الجاحظ : بين هذا المعنى وبين قولهم في إصابة العين الشيء العجيب المستحسن شِركةً وقرابةً ، ذلك أنّهم قالوا : قد رأينا أُناساً يُنسب إليهم ذلك ، ورأيناهم وفيهم من إصابة العين مقدار مِن العدد ، لا نستطيع أن نجعل ذلك النسق من باب الاتفاق ، وليس إلى ردّ الخبر ( العين حقّ ) سبيل ، لتواتره وترادفه ؛ ولأنّ العيان قد حقّقه والتجربة قد ضُمّت إليه .

قالوا : ولولا فاصل ينفصل من عين الرائي المُعجَب إلى الشيء المُعجَب به ـ حتّى يكون ذلك الداخل عليه هو الناقض لقُواه ـ لَما جاز أنْ يَلقى المصاب بالعين مكروهاً مِن قِبَل العاين ، مِن غير تماسّ ولا تصادم ولا رابط يربط أحدهما بالآخر .

قال الأصمعي : رأيتُ رجلاً عَيوناً ( الشديد الإصابة بالعين ) كان يَذكر عن نفسه أنّه إذا أعجبه الشيء وَجَد حرارةً تخرج من عينه (15) .

وأضاف الجاحظ ـ ردّاً على مَن زعم أن الاعتراف بصحّة إصابة العين ينافي التوحيد ـ : أنّ الاعتراف بالطبائع اعترافُ بسُنّة الله الجارية في الخَلق والتدبير ، وليس أمراً خارجاً عن طَوع إرادته تعالى ، قال : ومَن زَعم أنّ التوحيد لا يَصحّ إلاّ بإبطال حقائق الطبائع فقد حَمَلَ عجزَه على الكلام في التوحيد ، وإنّما يأنس منك المُلحِد إذا لم يدعك التوفّر على التوحيد إلى بخس حقوق الطبائع ؛ لأنّ في رفع أعمالها رفع أعيانها ، وإذا كانت الأعيان هي الدالّة على اللّه فرفعت الدليل فقد أبطلت المدلول عليه (16) .

وللسيّد الشريف الرضي ( قدس سرّه ) كلام لطيف عند شرحه لقول النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( العين حقّ تَستَنزل الحالقَ ) (17) ، قال : وهذا مجاز ، والمراد أنّ الإصابة بالعين مِن قوّة تأثيرها وتحقّق أفاعيلها كأنّها تستهبط العالي من ارتفاعه ، وتَستَقلِقُ ( أي تُزحزح ) الثابت بعد استقراره ، والحالق ، المكان المرتفع من الجبل وغيره ، فجعل عليه الصلاة والسلام العين كأنّها تحطّ ذروة الجبل مِن شدّة بطشها وحدّة أَخذها .

 وقد تناصرت ( تضافرت ) الأخبار بأنّ الإصابة بالعين حقّ (18) ، والذي يقوله أصحابنا : إنّ اللّه سبحانه يفعل المصالح بعباده على حسب ما يَعلمه مِن الصلاح لهم في تلك الأفعال التي يفعلها والأَقدار التي يُقدّرها ، وإذا تقرّرت هذه القاعدة ، فغير ممتنع أنْ يكون تغييره تعالى نعمة زيدٍ مصلحةً لعمروٍ ، وإذا كان تعالى يعلم من حال عمروٍ أنّه لو لم يَسلب زيداً نعمته ويَخفض منزلته ، أقبل على الدنيا بوجهه ، ونأى عن الآخرة بعِطفه ، وأقدم على المغاوي وارتكس في المهاوي ، وإذا سَلبَ سبحانه نعمةَ زيدٍ للعلّة الّتي ذكرناها عوّضه عنها وأعطاه بدلاً منها عاجلاً أو آجلاً ، وإذا كان ذلك كما قلنا ـ وقد رُوي عنه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ما يدلّ على أنّ الشيء إذا عَظُم في صدور العباد وضع اللّه قَدْرَه وصغّر أمره ـ (19) لم يُنكر تغيير حال بعض الأشياء عند نظر بعض الناظرين إليه واستحسانه له وعِظَمِه في صدره وفخامته في عينه ، كما رُوي أنّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) قال ـ لمّا سُبِقَت ناقَتُه العَضباء (20) وكانت إذا سوبق بها لم تُسبَق ـ : ( ما رَفَعَ العبادُ من شيء إلاّ وضع اللّه منه ) (21) .

فيمكن أنْ يتأوّل قوله عليه الصلاة والسلام : ( العينُ حقّ ) على هذا الوجه ، ويجوز أنْ يكون ما أَمر به المستحسن للشيء عند رؤيته له من إعاذته باللّه والصلاة على رسول اللّه (22) قائماً في المصلحة مقام تغيير حالة الشيء المستحسن ، فلا تغيّر عند ذلك ؛ لأنّ الرائي قد أظهر الرجوع إلى اللّه سبحانه والإخبات له ، وأعاذ ذلك المرئي به ، فكأنّه غير راكنٍ إلى الدنيا ولا مغترٌّ بها ولا واثقٌ بما يرى عليه أحوال أهلها .

قال : ولعمرو بن بحر الجاحظ في الإصابة بالعين مذهبٌ انفرد به ، وذلك أنّه يقول : إنّه لا يُنكر أن ينفصل من العين الصائبة إلى الشيء المستحسن أجزاءٌ لطيفة فتؤثّر فيه وتَجني عليه ، ويكون هذا المعنى خاصّاً ببعض الأَعيُن كالخواصّ في الأشياء ، قال : وعلى هذا القول اعتراضات طويلة وفيه مطاعن كثيرة ... (23)

وهذا الكلام نقلناه بطوله لما فيه مِن فوائد جمّة وتنبيهٌ على أنّ مِن حِكمته تعالى القيام بمصالح العباد ، فربّما يحطّ من هيمنة المعيون كي لا يطغى العاين فيَخرج عن حدّه ، ثُمّ إنّه تعالى يُعوّض المعيون بما يسدّ خلّة الضرر الوارد به ، وقد يكون ذلك في مصلحة المعيون لتكون كفّارةً لِما فَرَط منه من الغلوّ أو التفريط بشأن العاين ، لكن هذا لا ينافي ما علّل به ابن سينا أو الجاحظ في بيان السبب الطبيعي الواقع تحت إرادة اللّه الحكيمة .

وهكذا ذهب  المتأخّرون في بيان التعليل الطبيعي لإصابة العين وِفق ما أودع اللّه من خصائص في طبيعة الأشياء .

قال سيّد قطب : والحسد انفعالٌ نفسي إزاء نعمة اللّه على بعض عباده مع تمنّي زوالها ، وسواء أَتبَع الحاسد هذا الانفعال بسعي منه لإزالة النعمة تحت تأثير الحقد والغيظ ، أو وَقَف عند حدّ الانفعال النفسي ، فإنّ شرّاً يمكن أنْ يُعقّب هذا الانفعال .

قال : ونحن مضطرّون أنْ نطامن من حدّة النفي لِما لا نعرف من أسرار هذا الوجود وأسرار النفس البشريّة وأسرار هذا الجهاز الإنساني ، فهنالك وقائع كثيرة تَصدر عن هذه الأسرار ، ولا نملك لها حتّى اليوم تعليلاً ، هنالك مثلاً التخاطر على البُعد ، وكذلك التنويم المغناطيسي وقد أصبح الآن موضعاً للتجربة المتكرّرة المثبتة ، وهو مجهول السرّ والكيفيّة ، وغير التخاطر والتنويم كثير من أسرار الوجود وأسرار النفس وأسرار هذا الجهاز الإنساني .

فإذا حَسَد الحاسدُ ووجّه انفعالاً نفسيّاً معيّناً إلى المحسود فلا سبيل لنفي أثر هذا التوجيه لمجرّد أنّ ما لدينا من العلم وأدوات الاختبار لا تصل إلى سرّ هذا الأثر وكيفيّته ، فنحن لا ندري إلاّ القليل في هذا الميدان ، وهذا القليل يُكشَفُ لنا عنه مُصادفةً في الغالب ، ثُمّ يستقرّ واقعةً بعد ذلك ، فهنا شرٌّ يُستعاذ منه باللّه (24) .
_____________________
(1) مجمع البيان : ج 5 ، ص 249 .
(2) مجمع البيان ، ج 10 ، ص 341 .
(3) مجمع البيان ، ج 10 ، ص 569 .
(4) معاني الأخبار للصدوق ، ص 216 ، طبع النجف .
(5) راجع : تفسير المراغي ، ج 13 ، ص 16 .
(6) راجع : التفسير الكبير ، ج 18 ، ص 174 ، والدرّ المنثور ، ج 4 ، ص 557 .
(7) يقال : شَزَر إليه أي نظر إليه بجانب عينه مع إعراضٍ أو غضب .
(8) راجع : تفسير المراغي ، ج29 ، ص47 .
(9) في ظِلال القرآن ، المجلّد 8 ، ص243 ، ج29 ، ص67 .
(10) مجمع البيان ، ج10 ، ص341 .
(11) بحار الأنوار ، ج60 ، ص39 .
(12) راجع : تفسير المراغي ، ج30 ، ص268 ـ 269 ، وتفسير جزء عمّ للشيخ مُحمّد عَبده ، جزء عمّ ، ص183 ـ 184 .
(13) في النمط الأخير من كتاب الإشارات ( هامش مجمع البيان ، ج5 ، ص 249 ) .
(14) مجمع البيان ، ج5 ، ص249 ، تفسير سورة يوسف ، ولعلّه أخذه من الشريف الرضي في كتابه المجازات النبويّة ، ص369 ، بتغيير يسير سوف ننقله.
(15) الحيوان للجاحظ ، ج2 ، ص264 ـ 269 ، تحقيق يحيى الشامي ، مع بعض التعديل حسب نقل ابن أبي الحديد في شرح النهج ، ج19 ، ص376 ـ 377 .
(16) المصدر : ص266 .
(17) حديث متواتر ، رواه الفريقان بعدّة أسانيد وفي مختلف الألفاظ والعبارات ، راجع : مسند أحمد ، ج1 ، ص274 ، وسائر المسانيد الستّ : وبحار الأنوار ، ج60 ، ص25 ـ 26 ، وسائر الكتب الحديثيّة المعتبرة .
(18) وقد عقد العلاّمة المجلسي في بحاره باباً في ذلك ، راجع : ج60 ، كتاب السماء والعالم .
(19) إشارة إلى ما رواه أحمد في مسنده الآتي وفي النهج : ( ما قال الناس لشيء طوبى له إلاّ وقد خبأَ الدهر له يومَ سوء ) .
قصار الحِكم ، رقم 286 ، ص526 . وفي نوادر الراوندي ، ص128 : ( ما رفع الناسُ أبصارَهم إلى شيء إلاّ وَضَعه اللّه ) وراجع : بحار الأنوار ، ج60 ، ص27 .
(20) العَضباء : الناقة المشقوقة الأُذُن ، وكان هذا الاسم لقباً لناقة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) ولم تكن مشقوقة الأُذُن ، قال الزمخشري : ناقة عَضباء ، قصيرة اليد .
(21) روى أحمد في مسنده ، ج3 ، ص103 و253 وغيره أنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) كانت له ناقة تُسمّى العَضباء ، وكانت لا تُسبَق في مسابقةٍ ، حتّى جاء أعرابيّ على قعودٍ ( ما اُعدّ للحمل والركوب من الدوابّ ومن الإبل ما تجاوز السنتين ولم يبلغ الستّ ) فسبقها ، فشُقّ ذلك على المسلمين ، فلمّا رأى ما في وجوههم قال : ( إنّ حقّاً على اللّه أنْ لا يرفع شيئاً في الدنيا إلاّ وضعه ) ، والحديث منقول في الكتب بألفاظ مختلفة .
(22) قال رسول الله ( صلّى اللّه عليه وآله ) : ( مَن أَعجَبَه من أخيه شيءٌ فليذكر اللّه في ذلك ، فإنّه إذا ذُكر اللّه لم يضرّه ) ، والأحاديث بهذا المعنى كثيرة ، راجع : بحار الأنوار ، ج60 ، ص25 .
(23) المجازات النبويّة للسيّد الشريف الرضي ، ص367 ـ 369 ، رقم 285 .
(24) في ظِلال القرآن ، المجلد 8 ، ص719 ـ 711 ، ج30 ، ص292 ـ 293 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .