أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-8-2016
1215
التاريخ: 30-8-2016
2318
التاريخ: 7-8-2016
1384
التاريخ: 29-8-2016
5111
|
لا اشكال عندهم ولا خلاف في تحقق عموم الوضع والموضوع له وخصوصهما في الخارج، ومثلوا للأول بأسماء الاجناس وللثاني بالأعلام - ولكن في النفس من التمثيل بالأعلام للثاني شيئا، إذ لو كانت موضوعة لنفس الخارج والهوية الوجودية، لزم ان يكون قولنا زيد موجود قضية ضرورية، ومن قبيل حمل الشيء على نفسه، ومجازية قولنا زيد معدوم أو زيد اما موجود واما معدوم، لاحتياجها إلى عناية التجريد، مع انا لا نجد الفرق بينها وبين ما إذا كان المحمول لفظ قاعد أو قائم والذى يناسب الارتكاز هو القول بكونها موضوعة لمهية لا تنطبق الاعلى فرد واحد! لا للمهية المنطبقة على الكثيرين ولا للفرد المشخص، وعلى هذا الارتكاز جرت سيرة العوام في الاخبار عن معدومية المسميات في زمان وموجوديتها في زمان آخر ويقال لم يكن زيد في ذلك الزمان بل وجد بعده فيستكشف ان الوضع لم ينحدر على الهوية الوجودية بل على ماهية مخصصة بإضافات كثيرة وحدود وافرة، ولو ارتكازا، لينطبق على المشخص المعين.
في معاني الحروف :
واما القسم الثالث : اعني عموم الوضع وخصوص الموضوع له فقد مثلوا له بالحروف ، فلنبدأ بتحقيق معانيها حتى تتضح كيفية وضعها، فنقول :
انك إذا امعنت النظر ولاحظت الموجودات من شديدها إلى ضعيفها ترى بعين الدقة انقسام الموجودات الامكانية إلى اقسام وشعب :
(فمنها) ما هو تام ماهية ووجودا، أي يوصف حقيقتها ويدرك جوهرها مستقلة في المدارك العقلية بلا توسيط شيء، كما انه يتحقق ويحصل في الاعيان كذلك من دون ان يعتمد على شيء أو يحصل في موضوع، كالجواهر بأنواعها العالية والسافلة ويعبر عنه بالموجود لنفسه وفي نفسه، (ومنها) ما هو تام ماهية ومفهوما ويتصور ماهية العقلانية في نشأة الذهن بحيالها ولا يحتاج في الحديد إلى امر آخر، ولكنه غير تام وجودا ولا يمكن ان يتحقق في نفسه مستقلا! ولا ان يشغل الاعيان الا بالحصول في موضوع والعروض على معروض، كالأعراض باسرها (ومنها) ما هو قاصر في كلتا النشأتين فلا يحصل في الذهن الا تبعا وتطفلا للغير، ولا يوجد في الخارج الا مندكا في طرفيه، كالنسب والاضافات، والوجودات الرابطة، فان لها محكيات ومسميات في الخارج لا تخرج من حدود الوجود ولها حظ منه، تجد جميع هذه في قولنا: الجسم له البياض، فان محكي الجسم والبياض غير حصول البياض للجسم، وحصوله للجسم ليس كلا حصوله ووقوع زيد في الدار ليس كلا وقوعه - نعم ليس لهذا القسم الاخير ماهية معقولة مستقلة، بان يدرك ما هو ربط بالحمل الشايع من دون ادراك الاطراف، كما ان موجوديته ايضا بعين موجودية الطرفين.
واما مفهوم الربط والنسبة التي تدرك مستقلة فليس نسبة ولا ربطا الا بالحمل الاولى الذاتي لا بالحمل الشايع، إذ للعقل ان ينتزع منها مفهوما مستقلا يجعله حاكيا عن الروابط الحقيقية ومشيرا إليها بنحو ما الحكاية والاشارة، لا كحكاية الماهية عن مصداقها، إذ لا يمكن استحضار حقائق النسب في الذهن بذاتها بتوسط هذه العناوين ولا يتعقل ذواتها بنحو استقلال لا بالذات ولا بالعرض، إذ المفروض ان حقيقتها عين الربط بالطرفين والفناء والاندكاك فيهما فلا يمكن الاستحضار الا تبعا لهما كما لا يوجد في وعاء الخارج الا كذلك.
وان شئت قلت: ان الفرق بين القضية المعقولة وما تنطبق عليه خارجا ليس الا باختلاف الموطن، بحيث لو امكن قلب احدهما إلى الاخر لحصل التطابق بلا زياده ونقصان، فحينئذ فكما ان الربط التكويني بين الجواهر والاعراض انما هو بوجود النسب والوجودات الرابطة بحيث لولاها لا يستقل كل في مكانه، ولم يكن زيد مثلا مرتبطا بالدار ولا الدار مرتبطة بزيد، فكذلك حال المعقولات فانه لا يلتئم الجواهر المعقولة مع الاعراض في الذهن الا ببركة النسب والاضافات الذهنية والحاصل انه قد يكون المعقول منا مطابقا لما في الخارج كما إذا تصورنا الجسم والبياض مرتبطا وجود احدهما بالأخر، من دون ان يكون لهذا الارتباط صورة مستقلة، ففي هذا النحو من التعقل يكون حقيقة الربط والنسبة متحققين في الذهن كتحققهما في الخارج، اعني مندكا في الطرفين وقد يكون المعقول منا مخالفا لما في العين كما إذا تعقلنا مفهومي الانسان والدار ومفهوم الربط بالحمل الاولى فيكون الكل مفاهيم مفردة استقلالية لا يرتبط بعضها ببعض - هذا حال العين والذهن مع قطع النظر عن الواضع والدلالة، واما بالنظر اليهما فان اراد المتكلم ان يحكى عن ارتباط الجواهر بالأعراض في الخارج أو عن الصورة المعقولة المرتبط بعضها ببعض لا محيص له الا بالتشبث بأذيال الحروف والهيئات، فلو تكلم موضعها بألفاظ مفردة اسمية، من الابتداء والانتهاء والربط، لا يكون ح حاكيا عن نفس الامر ولم ينسجم كلماته - وبالجملة لو لا محكيات الحروف ومعانيها لم يرتبط الجواهر بأعراضها في الخارج ولا الصور المعقولة الحاكية عن الخارج بعضها ببعض، ولو لا الفاظها لم يرتبط الكلمات ولم تحصل الجمل والخلاصة ان حصول الربط بها ليس معناه انها موضوعة لإيجاد الربط فقط كما سيجيئ نقله، بل حصوله انما هو لأجل حكايتها عن معان خاصه مختلفة مندكة فانية، من الابتداء والانتهاء والاستعلاء والحصول الاليات التي بها حصل الربط في الخارج وفي وعاء التكوين، فأوجب حكاية هذه المعاني المختلفة بألفاظ مخصوصة، الربط في الكلام وانسجام الجمل فتدبر
تتميم : في بيان بعض أقسام الحروف :
ما ذكرنا من كون الحروف حاكيات عن معان مختلفة، هي بنفسها عين الربط والتدلي، مع اختلافها في المفهوم ليس حكما كليا، إذ بعض منها ليس من شأنه الحكاية عن معنى واقع في الخارج، بل هو موجود لمعناه حال التكلم به وليس له واقع يطابقه اولا، وذلك كحروف القسم والتأكيد والتحضيض والردع، فأنها وضعت آلة لإيجاد معانيها في وعاء صدورها من قائلها من دون حكاية عن واقع محفوظ مع صرف النظر عن ظرف التكلم.
فاتضح من ذلك ان الحروف على قسمين، حاكيات وايجاديات، وقد عرفت ان حكاية القسم الاول عن معان واقعة في الخارج غير مناف لإيجادها الربط في الكلام، كما ان ايجاد الثاني لمعان متنوعه من القسم والتحضيض يجتمع مع ايجادها الربط الكلامي، فإذن ايجاد الربط في الجمل انما هو بركة المعاني المختلفة محكية كانت أو موجدة.
مقالة المحقّق النائيني في المقام :
فالان حان حين التنبيه على كلمة صدرت عن بعض الاعاظم وعلى ما فيه، حيث قال بعد تقسيم المعاني إلى إخطارية - وهى معاني الاسماء - وإيجادية.
ان معاني الحروف كلها ايجادية حتى ما افاد منها النسبة، لان شأن ادوات النسبة ليس الا ايجاد الربط بين جزئي الكلام الذى لا يحصل بدونها وبعد ايجاد الربط يلاحظ مجموع الكلام من النسبة والمنتسبين فان كان له خارج يطابقه كان صدقا والا فلا (انتهى ملخصا) والضعف فيه من وجهين:
(الاول) ان حصول الربط في الكلام ببركة الحروف والادوات امر (مسلم الا ان) شأنها ليس منحصرا فيه، والوجدان والتتبع في مواد اللغات المختلفة اصدق شاهدين على ان هذا متفرع على استعمالها في معانيها المختلفة الالية، وانها بلا دلالة على معنى. غير موجدة للربط.
اضف إلى ذلك ما في قوله (من ملاحظة مجموع الكلام) إذ لا وضع لمجموعه بعد وضع مفرداته الا ان يرجع إلى ما سنذكره من دلالة هيئات الجمل على تحقق النسب، والحروف على الاضافات التصورية.
( الثاني ) انه لا تقابل بين الاخطاري بمعنى اخطار المعنى بالبال، والايجادى بالمعنى الذى فسره وهو ايقاعها الربط بين اجزاء الكلام - فانك إذا قصدت الحكاية عن ربط الجوهر بالعرض في قولك (الجسم له البياض) مثلا، تخطر معانيها ببالك وتحضر في وعاء ذهنك لا محالة، ويصير اجزاء كلامك مرتبطا بعضها ببعض كما انه لا تقابل بينه وبين الإيجادي بالمعنى الذى ذكرنا فان الحروف سواء كانت حاكية عن الواقع المقرر، ام موجدة لمعانيها بالاستعمال، توجب الانتقال من الفاظها إلى معانيها على كل حال - نعم انما يتصور التقابل بين الحكاية و(الايجاد). والحاصل ان الحروف كافة تحضر معانيها في الذهن وتخطر معانيها بالبال سواء قلنا بانها موجدة للنسبة الكلامية كما ذكره، ام قلنا بانها توجد معانيها في الخارج كما اخترناه في عدة من الحروف، أو قلنا بانها تحكى عن معانيها الخارجية كما ذكرناه في بعضها فتدبر جيدا.
مقالة المحقّق العراقي في المقام :
ثم ان بعض المحققين من المشائخ ـ بعد تسليم إيجادية بعض الحروف ـ انكر كون الفرد الموجود به معناه الموضوع له، واستدل عليه بوجوه:
(أحدها) ان معنى اللفظ ومدلوله بالذات هو ما يحضر في الذهن عند سماع اللفظ الموضوع له، ولا ريب ان الموجود الخارجي لا يمكن حضوره في الذهن فالخارج هو المدلول عليه بالعرض من جهة فناء المدلول عليه بالذات فيه وفيه :
(اولا) انه منقوض بالأعلام الشخيصة على مبنى المشهور وقد اعترف هو (قدس سره) ونحن بإمكانه وان ناقشنا في وقوعه .
(وثانيا) ان الغاية من وضع الالفاظ واستعمالها هي الافادة والاستفادة بإحضار المعاني في الذهن من غير فرق من بين ان يكون حضورها بالعرض أو بالذات، والقائل بوضع بعض الالفاظ للموجود في الخارج ينكر كون الموضوع له هو المعلوم بالذات بل يعترف بانه المعلوم بالعرض .
(وثالثا) ان الموضوع له في اغلب الاوضاع أو جميعها غير ما يحضر في الذهن بالذات، يرشدك إليه اسماء الاجناس حيث انها وضعت للطبيعة الصرفة العارية عن كل قيد حتى قيد كونها موجودة في نشأتي الذهن والخارج فإذا اطلقت فلا ينتقل السامع الا إلى هذا المعنى النفس الأمري لا إلى الموجود في ذهنه ولا إلى ما في ذهن متكلمه .
وبالجملة، الصورة الذهنية مرآة للمعنى المفهوم الذى هو الموضوع له، ولازم ذلك هو كونها مغفولا عنها وقس عليه الاعلام، إذا لانتقال إلى الخارج الموضوع له انما هو بالصورة الذهنية لا غير.
(وثانيها) ان هذا الموجود الخارجي الذى هو بالحمل الشايع نداء مثلا، لا يتحقق في الخارج الا بنفس الاستعمال فيكون متأخرا عنه تأخر المعلول عن علته، ولا ريب في ان المستعمل فيه مقدم على الاستعمال بالطبع فإذا كان هذا الموجود هو المستعمل فيه لزم تقدم الشيء على نفسه، (وفيه) انه لا دليل على تقدم المستعمل فيه على الاستعمال وان كانت لفظة (في) توهم ذلك، فان ملاك التقدم منتف فيه حتى في الحاكيات، والتقدم في بعضها اتفاقي لا طبعي بملاكه، والقائل بإيجادية بعض الالفاظ ينكر لزومه - والحاصل ان الالفاظ قد تكون حاكيات عن الواقع المقرر وقد تكون موجدة لمعانيها في الوعاء المناسب لها! والكل يشترك في كونها موجبة لأخطار معانيها في الذهن ولو بالعرض ولا دليل على ازيد من ذلك ولزوم تقدم المستعمل فيه غير ثابت لو لم يثبت خلافه.
(وثالثها) ان الادوات الايجادية - كالنداء والتشبيه - قد تستعمل في غير ما يكون نداء حقيقةً بداعي التشويق والسخرية فلا يكون الموجود بهذا الاستعمال نداء أو تشبيها بالحمل الشايع - فأما ان يكون الاستعمالات المزبورة في تلك المعاني بنحو من المجاز فهو مما لا يقول به المفصل، واما ان تكون استعمالا في معانيها الحقيقية ولكن بداعي التشويق أو غيره، فيلزم ان يكون معانيها غير ما يوجد بها حتى في ما استعمل بداعي افادة ما هو الموضوع له، وفيه ان من المحقق عند العارف بأساليب الكلام ومحاسن الجمل، هو ان المجاز ليس الا استعمال اللفظ فيما وضع له بدواع عقلائية من التمسخر والمبالغة والتشويق حتى في مثل اطلاق الاسد على الجبان ولفظ يوسف على قبيح المنظر والا لصار الكلام خاليا عن الحسن ومبتذلا مطروحا (وعليه) فالشاعر المفلق في قوله :
يا كوكباً ما كان أقصر عمره وكذا تكون كواكب الأسحار
قد استعمل حرف النداء في النداء بالحمل الشايع واوجد فردا منه، لكن بداع آخر من التضجر وغيره، ولكن ارادة الجد بخلافه - فما قال من عدم كونها مجازا ممنوع، بل مجاز ومطلق المجاز يستعمل لفظه في معناه الحقيقي بداعي التجاوز إلى غيره وسيأتي زيادة تحقيق في ذلك ان شاء الله.
(ثم) انه (قدس سره) قد اختار ان الحروف كلها اخطارية موضوعة للأعراض النسبية التي يعبر عنها وعن غيرها من سائر الاعراض (بالوجودات الرابطية) وان مداليل الهيئات هي (الوجود الرابط) أي ربط العرض بموضوعه إذ لفظه (في) في قولنا: زيد في الدار تدل على العرض الايني العارض على زيد والهيئة تدل على ربطه بجوهره (وما قيل) من ان مدلول الحروف إذا كان عرضا نسبيا فهو بذاته مرتبط بموضوعه فلا حاجة إلى جعل الهيئة لذلك، مدفوع، بان مدلول الهيئة يفصل ما دل عليه الحروف مجملا) (قلت) ان الصدر مخالف لما في الذيل، حيث افاد في صدر كلامه ان مداليل الحروف من قبيل الاعراض النسبية أي غير الكم والكيف من الاعراض قاطبة، فهي وجودات رابطية مستقلات في المفهومية، وان مداليل الهيئات عبارة عن ربط الاعراض بموضوعاتها، أي وجودات رابطة متدلية الذوات غير مستقلة المفاهيم، ولكن ما في الجواب يصرح وينادى بتساويهما في المفهوم والمعنى وان الفرق بالإجمال والتفصيل فقط اضف إلى ذلك ان ما رامه خلف من القول وانحراف عما اخذه ائمة الادب والاصول خطة مسلمة، من كون معاني الحروف غير مستقلة في المفهومية وانها لا تكون محكوما عليها ولا بها ولا تقع طرف الربط، وقد اشرنا إليه في تحقيق المختار.
وما اختاره من كون معانيها هي الاعراض النسبية والوجودات الرابطية عين القول بالوجود المحمولي والاستقلال في المفهوم (ثم) ليت شعرى ان الحروف الايجادية كحروف النداء وشبهها كحروف القسم كيف تحكى عن الاعراض النسبية مع حكمه كليا بان الحروف كلها حاكيات عن الاعراض النسبية مع بداهة ان القائل في قوله: (وا من حفر بئر زمزماه) و(يا ايها الرسول) لا يحكى عن نداء خارجي أو ذهني بل يوجد فردا منه حين الاستعمال.
(ثم) ان هذا لا يتم فيما كان المحمول وطرف الربط في القضية من مقولة الكم والكيف كما في قولنا: زيد له البياض والجسم له طول وعرض فهل اللام موضوع للعرض النسبي واستعمل هنا في معنى مجازى وهو نفس الربط والاضافة بينهما مع انه خلاف الارتكاز والتحقيق ان اللام يفيد الاضافة بالمعنى التصوري والهيئة تدل على تحققها وسيأتي زيادة تحقيق لذلك.
تكميل : في أنّ الوضع في الحروف عامّ والموضوع له خاصّ :
واما وضع الحروف فقد اختلف الاقوال وتكثرت الآراء فيه.
الا انا لا نتعرض الا لجملة منها مشهورة ثم نعقبه بما هو المختار مشفوعا بالبرهان.
(فمنها) ما اختاره المحقق الخراساني من عموم الوضع والموضوع له مستدلا بان الخصوصية المتوهمة ان كانت هي الموجبة لكون المعنى المتخصص بها جزئيا خارجيا فمن الواضح ان المستعمل فيه كثيرا ما يكون كليا. وان كانت هي الموجبة لكون المعنى جزئيا ذهنيا للحاظه حالة لمعنى آخر فهى توجب اخذه في المستعمل فيه بل لا يصح لحديث اجتماع اللحاظين. واحتياجه إلى التجريد والغاء الخصوصية في استعمال الاوامر.
(وانت خبير) بالمغالطة الواقعة فيه حيث ان ما رتبه من البرهان على نفى الجزئية مبنى على تسليم الاتحاد بين الاسماء والحروف وانهما من سنخ واحد جوهرا وتعقلا ودلالة فحينئذ يصح ان يبنى عليه ما بنى، من انه لا مخصص ولا مخرج من العمومية. مع انك عرفت التغاير بينهما في جميع المراحل وسيأتي ان الموضوع له في مورد نقضه من قوله: (سر من البصرة إلى الكوفة) مما يتوهم كلية المستعمل فيه. خاص ايضا فارتقب.
(ومنها) ما في تقريرات (بعض الاعاظم) من عمومها لا بالمعنى الذى في الاسماء بل بمعنى ان الموجد بالحروف في جميع مواطن الاستعمالات شيء واحد بالهوية وان الخصوصيات اللاحقة لها خارجة عن الموضوع له ولازمة لوجوده. كالأعراض المحتاجة في الوجود إلى المحل مع انه خارج عن هويه ذاتها من غير ان يكون الموضوع له معنى كليا قابلا للصدق على الكثيرين كالكلية في الاسماء. وذلك لانه ليس لها مفاهيم متقررة يحكم عليها بامتناع الصدق وعدم امتناعه. واحتياجها إلى الخصوصيات في موطن الاستعمال لا يوجب جزئية الموضوع له. كما ان كونها ايجادية وموضوعة لإيجاد الربط لا يوجبها بعد قبول وجود الكلى الطبيعي. فان التشخص والوجود يعرضان له دفعة (انتهى ملخصا) .
(وفيه اولا. ان الهوية الواحدة التي ذكرها ان كانت امرا في قبال الوجود كما جعلها في قباله في قوله (ان وجود المعنى الحرفي خارجا يتقوم بالغير لا هويته وحقيقته) وفي قبال الماهية القابلة للصدق على الكثيرين ايضا. كما نفاها في الحروف. ومع ذلك تكون امرا واحدا موجدا للربط فهو كما ترى. فانا لا نتعقل له معنى محصلا - وان كانت وجودا بنعت السعة مشتركا بين الروابط أو ماهية كذلك لكن بنعت الوحدة الخارجية فهو فاسد لعدم الجامع الخارجي بنعت الوحدة بين الوجودات لا من سنخ الوجود ولا من سنخ الماهية، اما الاول: فللزوم وحدة الروابط وجودا وهوية في جميع القضايا.، واما الثاني: فلما حقق في محله واشرنا إليه آنفا من ان الماهية في الخارج موجودة بنعت الكثرة ولا جامع اشتراك خارجي بنعت الوحدة بين الافراد فان الوحدة تساوق الوجود فيلزم موجوديتها بوجود واحد.
وان تعجب فعجب قوله (ان كونه إيجاديا لا ينافي كلية المعنى بناء على وجود الطبيعي) لان نسبة المعاني الحرفية إلى وجوداتها ان كانت كالطبيعي إلى افراده فلازمها كونها قابلة الصدق على الكثيرين.
وان لم يكن كذلك فلا وجه لابتناء وجودها على وجوده واظنك إذا رعيت ما مر بك في وجود الكلى الطبيعي تقدر على كشف حال ما ذهب إليه بعض المحققين في وضع الحروف. من انها موضوعة للقدر المشترك وان كان لا يتصور تلك الجهة الجامعة بينها الا في ضمن الخصوصيات - فان ما اختاره (قدس سره) اشبه شيء بالقول بوجود الكلي الطبيعي في الخارج بوجود واحد شخصي كما نسب إلى الرجل الهمداني.
بل يشعر بذلك ايضا عبارات كثير من الاعلام حيث يعبرون في كلماتهم بالحصة والجزء وما اشبههما (ومنها) ما نسب إلى بعض الفحول من كون معناها جزئيا اضافيا. وهو لما وقف على المثال المعروف (سر من البصرة إلى الكوفة) توهم كلية المستعمل فيه (ومنها) ان الكلية أو الجزئية تابعة لكلية الطرفين او جزئيتهما.
ويقرب من ذينك القولين ما رجحه بعضهم من انها موضوعة للأخص من المعنى الملحوظ قائلا بان القول بوضعها للجزئي الحقيقي الخارجي أو الذهني من قبيل لزوم ما لا يلزم.
(هذا) ولكن القول بإيجادية بعض الحروف بنفس الاستعمال وعدم استقلال الحروف في المفهومية والمعقولية والوجود مطلقا يثبت ما هو المختار من كون الوضع مطلقا عاما والموضوع له خاصا.
اما في الايجادية منها كحروف النداء والتوكيد فواضح جدا بعد ما عرفت من انها وضعت لإيجاد معانيها من النداء وشبهه بالحمل الشايع من غير فرق بين ان يكون المنادى واحدا أو كثيرا.
فانك إذا قلت يا زيد أو قلت يا ايها الناس فالنداء واحد شخصي.
ينادى به مسمى ما يليه ولم توضع للحكاية عن معان مستقرة في مواطنها مع قطع النظر عن الاستعمال. لعدم واقعية لها مع قطع النظر عنه.
فهي آلات لإيجاد المعاني بنفس الاستعمال. والوجود حتى الإيقاعي منه يساوق بوجه الوحدة التي هي عين جزئية المستعمل فيه وخصوصية الموضوع له - واما القسم الاخر اعني الحاكيات من الحروف فتوضيحه:
انك قد عرفت ان معاني الحروف نفس الربط والتدلي بالغير والقيام بشيء آخر خارجا وذهنا فهى اذن لا تتقوم في الخارج الا بالوجودات المستقلة مفهوما ووجودا كالجواهر أو مفهوما فقط كالأعراض كما انه لا تتقوم في الذهن الا ان تلحظ حالة للغير ومندكة فيه والا لزم الانقلاب فيها وخرجت عن كونها معان حرفية - وقس على هذا مقام الدلالة. اصلها وكيفيتها فلا يستفاد من الحروف المجردة معنا ما لم يضم إليها شيء من الاسماء كما ان كيفية دلالتها.
اعني دلالتها على الوحدة والكثرة. ايضا كذلك. فتدل على الواحد عند كون اطرافها واحدة وعلى الكثير عند كونها كثيرة تجد جميع ذلك اعني عدم استقلالها في المراحل الاربعة (الوجود الخارجي والذهني والدلالة وكيفيتها) عند التأمل في قولنا: زيد في الدار أو كل عالم في الدار - إذ لاشك ان لفظة زيد تحكي عن الواحد الشخصي ولفظة كل عن الكثرة التفصيلية ولفظة عالم تدل على المتلبس بالمبدء، والظرف اعني (الدار) على المكان المعهود، فإذن هلم نحاسب مفاد لفظة (في) فانك لا تشك - مهما شككت في شيء - ان مفهومها في المثال الثاني هو الروابط الحاصلة بين كل واحد من افراد العالم وبين الدار، وانتساب كل فرد إليها، كما ان معناها في الاول هو انتساب واحد فقط - وما ذلك الا من جهة اختلاف الطرفين بالوحدة والكثرة لا من جهة نفس الرابطة مستقلة، هذا مع ان التبعية في الدلالة لا تجامع الاستقلال في كيفيتها.
إذا تمهد ذلك فنقول: المعنى الذى هذا شأنه الموصوف بانه لا يستقل جوهرا ووجودا ودلالة وكيفية، لا يتصور له جامع كلى ينطبق على افراده ويحكى عن مصاديقه لان الجامع على فرضه يجب ان يكون من سنخ المعاني الحرفية فلا بدوان يكون ربطا بالحمل الشايع والا انقلب معنا اسميا وكونه ربطا بالحمل الشايع يلازم فرديته وهو خلف - بل لابد عند الوضع من التوسل ببعض العناوين الاسمية التي لا تكون جامعا ذاتيا لها ولا يمكن ايقاع الربط بها، كمفهوم الابتداء الآلي والنسبة، مما لا تكون من سنخ المعاني الحرفية فلابد حينئذ من الالتزام بخصوص الموضوع له في الحروف كافة بعد عموم وضعها فالواضع لا مناص له الا ان يتصور معنى اسميا كالابتداء ونحوه مشيرا به إلى افراده ومصاديقه بالحمل الشايع فيضع لفظة (من) مثلا لما هو مصداق بالحمل الشايع وقد عرفت ان دلالتها على الوحدة والكثرة تابعة لحال الطرفين.
(فان قلت) انه على القول بخصوصية الموضوع له يكون استعمالها في الكثير من قبيل استعمال كلى منطبق على كثيرين أو من قبيل استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد والاول ممتنع، لوضوح امتناع فرض جامع حرفي يكون نسبته إلى الافراد نسبة الطبيعي إلى مصاديقه، والثاني خلافي أو غير مجوز للبرهان القائم في محله.
(قلت) ان حكاية الحروف في الموارد التي يتوهم كلية المستعمل فيه ليست الا حكاية الواحد عن الكثير لا عن المنطبق على الكثير وكم فرق بين التعبيرين - وان شئت قلت انهمن قبيل استعمال اللفظ في المعاني الكثيرة لا استعماله في كلى منطبق على كثيرين، وما اقيم من البرهان في محله على الامتناع لو صح فإنما هو في الاسماء التي لا تبعية لها في دلالتها ولا كيفيتها لغيرها، لا في الحروف التي استعمالها ودلالتها وتعلقها وتحققها تبعية غير مستقلة، فيكون هذا النحو من الاستعمال في الكثير والحكاية عنه مما لا محذور فيه بل وان كان المحكي غير متناه، بعد ما عرفت من ان التكثر في الدلالة والاستعمال تبعي لا استقلالي - وان اردت زيادة توضيح فاستوضح الامر من المثال المعروف (سر من البصرة إلى الكوفة) فانك إذا قطعت النظر عن ورود هيئة الامر تجد دلالة الحرفين على نسبتي الابتدائية والانتهائية بين طبيعة السير المنقطع من الطرفين دلالة تصورية من غير تكثر في محكيها وإذا بعث إلى هذا السير المحدود من الطرفين القابل للانطباق على افراد كثيرة صارت الحدود متكثرة بالتبع - وان ابيت عن ذلك فلنا ان نقول في مثل (كل رجل في الدار) ان الحرف مستعمل في معنى جزئي وينحل بنظر العرف إلى كثيرين نظير انحلال الحكم الواحد المنشأ بأنشاء واحد إلى احكام عديده.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|