أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-8-2016
732
التاريخ: 3-8-2016
552
التاريخ: 3-8-2016
603
التاريخ: 3-8-2016
662
|
النقض وهو وجود الوصف بدون الحكم ، ولا ريب في إبطاله لاطّرادها ـ أي كونها بحيث كلّما وجدت وجد الحكم ـ فإن كان قادحا في العلّيّة ، فالاطّراد من شروطها ، وإلاّ فلا.
وقد اختلف في قدحه وعدم قدحه لها على أقوال (1) ، ثالثها : أنّه يقدح في المستنبطة دون المنصوصة (2). رابعها : عكسه (3). وخامسها : أنّه لا يقدح حيث التخلّف لمانع أو انتفاء شرط ، ويقدح حيث التخلّف بدونهما (4).
والحقّ أنّه لا يقدح في المنصوصة مطلقا ، ويقدح في المستنبطة إلاّ إذا كان التخلّف لمانع أو انتفاء شرط.
أمّا الأوّل ، فلأنّ المنصوصة ليست بقاطعة لا في محلّ النقض ولا في غيره ، وإلاّ لم يثبت التخلّف ولا التعارض ؛ لتغاير المحلّين ، أو عدم التعارض بين القطعيّين ، والقطعيّ والظنّيّ ، فهي ظاهرة عامّة فيهما (5) ، فيثبت العلّيّة فيهما بظاهر عامّ ، فجاز تخصيصها بغير صورة النقض ؛ لأنّ كلّ دليل عامّ يجوز تخصيصه ، سواء كان المخصّص هو العلّة ، أو حكما آخر. وهذا لا يبطل حجّيّته فيما سواه ، وأمثلته كثيرة ، كمسألة العرايا (6) ، وعدم نقض الحجامة للوضوء ؛ مع أنّ كلّ خارج نجس علّة للنقض ، وضرب الدية على العاقلة ؛ مع أنّ مباشرة الجناية علّة للغرامة على المباشر ، وعدم مباشرتها علّة لعدمها ، وإيجاب صاع من التمر في لبن المصرّاة (7) ؛ مع أنّ تماثل الأجزاء علّة لإيجاب المثل ، وعدم إخراب بعض من شاقّ الله بيته ؛ مع أنّه تعالى جعل المشاقّة علّة لإخراب البيت في قوله : {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ... ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } [الحشر: 2] ، وقس عليها أمثالها.
ويتفرّع على ما ذكر (8) عدم بطلان علّيّة الجميع فيما سوى مادّة النقض ، ولولاه لبطل العامّ المخصوص مطلقا ؛ لعدم تعقّل المفرق (9) بين الحكم المخصّص والعلّة المخصّصة ، وبطلت العلل القاطعة ، كعلّة القصاص وهو القتل العدوان ، وعلّة الجلد وهو الزنى ، وعلّة القطع وهو السرقة ، وعلّة حرمة الأكل وهو الميتة ؛ للتخلّف في الوالد ، والمحصن ، ومال الابن والغريم ، والمضطرّ. ولزم إبطال أحد الدليلين : دليل الاعتبار ، ودليل الإهدار. والجمع بينهما أصوب.
ثمّ إنّا نعلم إجمالا أنّ التخلّف في العامّ مطلقا لمانع ، أو انتفاء شرطه في الواقع إلاّ أنّا لا نعلمه بعينه.
وأمّا الثاني ، فلأنّ التخلّف في المستنبطة ـ على فرض صحّتها ـ إذا لم يكن لمانع أو انتفاء شرط، فهو لعدم المقتضي ؛ لعدم تعقّل التخصيص فيها ، فهي ليست مقتضية ، فلا تكون علّة.
بخلاف ما لو كان بهما (10) ؛ فإنّه لا يبطل علّيّتها ؛ لأنّها مقتضية حينئذ إلاّ أنّ عدم تأثيرها في صورة النقض لعدم شرطه ـ أي رفع المانع ووجود الشرط ـ وهما ليسا جزءي العلّة ، فلا يبطل العلّيّة بارتفاعهما.
ثمّ التخلّف في المستنبطة إنّما يعلم بنصّ أو إجماع ، كما إذا قال الشافعي : الوضوء طهارة حكميّة فيشترط فيه النيّة ، فينتقض بإزالة النجاسة ؛ لأنّها طهارة حكميّة ولا تعتبر فيه النيّة إجماعا (11). هذا.
ولكلّ واحد من أصحاب المذاهب الخمسة حجج (12) ضعيفة تعلم اندفاعها بعد الاضطلاع بما تلوناه عليك من الحقّ الصريح ، من غير حاجة إلى التصريح.
وعلى ما اخترناه فالجواب عن النقض على نوعين :
أحدهما : ما يمنع تحقّقه. وثانيهما : ما يبيّن عدم إفساده للعلّيّة بعد تسليم تحقّقه.
أمّا الأوّل ، فعلى قسمين :
أوّلهما : منع وجود الوصف في صورة النقض ، وهو وارد وفاقا ، كما لو قال : لا زكاة في الحليّ ؛ لأنّه مال غير نام ، كثياب البذلة. فيقول المعترض : ينتقض بالحليّ المحظور ؛ لوجوب الزكاة فيه مع أنّه غير نام أيضا. فيقول المستدلّ : لا نسلّم أنّه غير نام.
ومنه ما لو قال الشافعي في جواب الناقض في مسألة الطهارة : لا نسلّم أنّ إزالة النجاسة طهارة حكمية. وهل للمعترض ـ حينئذ أو ابتداء ـ إقامة الدليل على وجوده؟
قيل : نعم ، إذ به يتحقّق انتقاض العلّة ، وهو قد انتصب لذلك ، فيجوز له أن يبيّن ما يتمّ به إبطال دليل الخصم (13).
وقيل : لا ، لأنّه انتقال من الاعتراض إلى الاستدلال ، ومن مسألة إلى اخرى قبل أن يتمّ الاستدلال عليها ؛ فإنّ المستدلّ كان بصدد إثبات الحكم في الفرع ، وحينئذ يكون بصدد إثبات عدم وجود الوصف في صورة النقض (14).
وقيل : إن لم يكن وجود الوصف في صورة النقض حكما شرعيّا ، فنعم ؛ لأنّه يكون تتميما لدليله لا انتقالا إلى مطلوب آخر ، وإلاّ فلا ؛ لكونه انتقالا (15).
وقيل : إن كان له طريق أولى في القدح ، فلا ، وإلاّ فنعم ؛ لأنّ الانتقال وغصب المنصب إنّما ينفيان الاستحسان ، فإذا وجد الأحسن لا يرتكبهما ، وإلاّ فلا منع (16).
والحقّ الأوّل ؛ لما ذكر. وما ذكر حجّة لباقي الأقوال لا يصلح لإثبات شيء.
وبهذا يظهر أنّ المستدلّ لو كان قد دلّ على وجود العلّة في محلّ التعليل بدليل موجود في محلّ النقض ، ونقض المعترض العلّة ، فمنع المستدلّ وجودها في محلّ النقض ، فقال المعترض : ما دللت به على وجودها ثمّة دلّ عليه هنا ، فينتقض دليلك ؛ لوجوده في محلّ النقض بدون مدلوله وهو وجود العلّة ، يسمع (17) هذا من المعترض ؛ لأنّ النقض في دليل العلّة نقض في العلّة ، وهو مقصوده. وما اشتهر بين الجدليّين من أنّه لا يسمع منه لأنّه انتقال من قدح العلّة إلى قدح دليلها (18) ، غير صحيح ؛ لأنّ الانتقال إذا توقّف المطلوب عليه لا منع فيه.
مثاله : إذا قال : من لم يبيّت صحّ صومه ؛ لأنّه أتى ما يسمّى صوما ، ودلّ على وجود الصوم بأنّه الإمساك مع النيّة وهو موجود. فانتقض المعترض بما لو نوى بعد الزوال. فقال المستدلّ : إنّه ليس بصوم. فقال المعترض : ما دللت به على وجود الصوم في محلّ التعليل ـ وهو ثبوت الإمساك مع النيّة في جزء من النهار ـ موجود في مادّة النقض. والخلاف إنّما إذا ادّعى انتقاض دليل العلّة بعينه. أمّا لو قال : يلزم إمّا انتقاض العلّة أو دليلها ، وعلى التقديرين لا يثبت العلّيّة ، لسمع وفاقا ؛ لعدم الانتقال حينئذ.
تذنيب:
قد يمكن للمستدلّ أن يذكر في استدلاله قيدا يخرج به محلّ النقض ، وهو قد يكون ظاهرا ، كما إذا قال : الوضوء طهارة عن حدث ، فيفتقر إلى النيّة كالتيمّم ، فلا يرد النقض بإزالة النجاسة.
وقد يكون خفيّا ، كما إذا قال : السلم عقد معاوضة ، فلا يشترط فيه التأجيل كالبيع ، فلا ينتقض بالكتابة ؛ لأنّها ليست معاوضة ، بل عقد إرفاق.
وقد يكون مقولا على معان بالتواطؤ ، أو الاشتراك ، لا يرد النقض ببعضها ويرد ببعضها الآخر. فيمكن للمستدلّ أن يقول : أردت ما لا يرد به النقض.
مثال الأوّل : كما إذا قال : الوضوء عبادة متكرّرة فيفتقر إلى النيّة كالصلاة. فلو قال المعترض: ينتقض بالحجّ ؛ فإنّه متكرّر على زيد وعمر (19). فللمستدلّ أن يقول : أردت بالمتكرّر المتكرّر في الأزمان ، لا في الأشخاص.
ومثال الثاني (20) : كما إذا قال : طلّقها ثلاثا في قرء واحد ، فلا يكون مبتدعا ، كما لو طلّقها ثلاثا برجعتين في قرء واحد. فلو قال المعترض : ينتقض بما لو طلّقها في الحيض. فللمستدلّ أن يقول : أردت بالقرء الطهر.
ثمّ القيد الذي يندفع به النقض إنّما هو الذي كان وصفا مناسبا. وحينئذ يكون علّة مستقلّة للحكم. ولو كان وصفا طرديّا فالحقّ أنّه لا يندفع به النقض ؛ لأنّ غاية ما في الباب أن يكون جزء العلّة، فإذا انتقض أحد أجزائها وبيّن عدم تأثيره ، فلا يكون المجموع مؤثّرا. هذا.
والحقّ أنّ ذكر القيد المذكور لا يلزم على المستدلّ في متن استدلاله ، خلافا لجماعة (21).
لنا : أنّه وفى بما سئل عنه وهو دليل العلّيّة ، والنقض معارضة في الحقيقة ، ونفي المعارض ليس جزءا للدليل.
وأيضا يمكن إيراده ـ وإن ذكره ـ بأن يقول المعترض : هذا وصف طردي والباقي منتقض.
وثانيهما (22) : منع عدم الحكم في صورة النقض ، كما إذا قال في الثيّب الصغيرة : ثيّب فلا يجوز إجبارها ، كالثيّب البالغة ، فقال المعترض : ينتقض بالثيّب المجنونة ؛ فإنّه يجوز إجبارها، فيمنع المستدلّ جواز إجبارها ، وهو وارد وفاقا. وهل يجوز للمعترض أن يدلّ على عدم الحكم؟ البحث فيه كما تقدّم في القسم الأوّل (23) خلافا ودليلا واختيارا.
وأمّا النوع الثاني ، فعلى ثلاثة أقسام :
الأوّل : إظهار المانع (24) ـ أي بيان وجود معارض يقتضي خلاف الحكم ـ كما إذا قيل : الربا يثبت في الحديد لكونه موزونا ، فينتقض بالرصاص ، فقيل : المانع البياض.
الثاني : بيان انتفاء الشرط ، كما قيل في المثال : الشرط السواد ، وهو منتف في محلّ النقض ، وهما في المستنبطة.
الثالث : بيان الاستثناء ـ أي تخصيصه بغير محلّ النقض ـ وهو في المنصوصة ، كما في مسألة العرايا وباقي الأمثلة المتقدّمة (25).
وقد أشرنا إلى أنّ التخصيص أيضا معلّل في الواقع بوجود مانع من مصلحة ، كما في العرايا وضرب الدية على العاقلة. أو دفع مفسدة ، كما في حلّ الميتة للمضطرّ. أو بانتفاء شرط ، كما إذا قيل : يحصل الملك في زمان الخيار لحصول سببه وهو البيع ، فينتقض ببيع الموقوف (26)، فيقال : هو مستثنى ؛ لانتفاء الشرط. ولمّا لم يكن المانع أو الشرط معلوما لنا بعينه ، فيلزم أن يقدّر بأن يقال : المصلحة في العرايا ـ مثلا ـ عموم الحاجة إلى الرطب والتمر وقد لا يكون عندهم ثمن آخر ، وفي ضرب الدية على العاقلة كون أوليائه يغنمون بكونه مقتولا ؛ لأنّ شرع الدية لمصلحتهم ، فليغرموا بكونه قاتلا ، ودفع المفسدة في أكل الميتة للمضطرّ هو رفع هلاك النفس ، والشرط المنفيّ في عدم جواز بيع الموقوف كون البائع مالكا للمبيع.
فائدة : كلّ إثبات ونفي عامّين ينتقضان بدعوى النفي عن صورة معيّنة أو مبهمة ، والإثبات فيهما ، وبالعكس.
والجواب : بيان ثبوت التخصيص (27).
______________
(1) راجع : تهذيب الوصول : 259 ، والمحصول 5 : 237 ، والإحكام في أصول الأحكام 4: 92.
(2) قاله العلاّمة في تهذيب الوصول : 259.
(3) حكاه الفخر الرازي في المحصول 5 : 237 ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : 259 ، والأسنوي في نهاية السؤل 4 : 145 و 146.
(4) نسبه الفخر الرازي إلى الأكثر في المحصول 5 : 237 ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 4 : 92 و 93 ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : 259 ، والأسنوي في نهاية السؤل 4 : 152 و 153 ونسبه أيضا إلى البيضاوي.
(5) أي في المقيس والمقيس عليه.
(6) العريّة ـ والجمع العرايا ـ : النخلة التي يعريها صاحبها غيره ليأكل ثمرها. انظر لسان العرب 15 : 49 ـ 50 ، « ع. ر. ا ».
(7) المصرّاة من الشاء أو النوق : المحفّلة ، أي التي ترك حلبها أيّاما ليجتمع اللبن في ضرعها. انظر لسان العرب 14 : 458 ، « ص ر ى ».
(8) وهو عدم كون العلّة المنصوصة قاطعة.
(9) أي وجه واضح. وفي « ب » : « الفرق ».
(10) أي لو كان التخلّف بسبب مانع أو انتفاء شرط.
(11) راجع : المحصول 5 : 237 ـ 259 ، وتهذيب الوصول : 259 ، والإحكام في أصول الأحكام 4 : 92 ـ 96.
(12) راجع بداية المجتهد 1 : 8.
(13) قاله الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 4 : 93 و 94.
(14) قاله الفخر الرازي في المحصول 5 : 252.
(15) حكاه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 4 : 93.
(16) حكاه الفخر الرازي في المحصول 5 : 237 ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 4 : 93 و 94.
(17) جواب لـ « لو كان قد دلّ ... ».
(18) راجع المستصفى : 334.
(19) وجه النقض أنّ الحجّ عبادة ولا يحتاج إلى النيّة.
(20) أي الاشتراك اللفظي.
(21) منهم : الفخر الرازي في المحصول 5 : 252 و 253 ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 4 : 95 ، والأسنوي في نهاية السؤل 4 : 172 و 173.
(22) أي ثاني القسمين وقد تقدّم في ص 508.
(23) في ص 506.
(24) أي إظهار المانع وانتفاء الشرط يجريان في الحكمة المستنبطة.
(25) في ص 507.
(26) أي الوقف.
(27) لمزيد الاطّلاع راجع : المحصول 5 : 237 ـ 259 ، والإحكام في أصول الأحكام 4 : 92 ـ 96 ، ونهاية السؤل 4 : 145 ـ 183.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|