المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4876 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



وجوب النظر(1)  
  
2655   08:44 صباحاً   التاريخ: 23-10-2014
المؤلف : محمّد آصف المحسني
الكتاب أو المصدر : صراط الحق في المعارف الإسلامية والأُصول الاعتقادية
الجزء والصفحة : ج1- ص32-39
القسم : العقائد الاسلامية / التوحيد / النظر و المعرفة /

الكلام تارةً في أصل وجوب النظر ، وأُخرى في أنّ الوجوب المذكور ـ على تقدير ثبوته ـ عقلي أو شرعي ، لكن البحث في الأَوّل يغني عن الثاني فنقول :

والصحيح أنّه لا دليل على وجوب النظر في وجود واجب الوجود بما هو واجب ، أو خالق أو غير ذلك من الحيثيات ؛ إذ لا حكم للعقل بذلك ، ولا سبيل للشرع وتعبّده إليه بلا شك.

وإنّما يجب ذلك من جهة وجوب دفع الضرر ، فإنّ العاقل حينما يقرع سمعه قول أُناس ـ قليلين أو كثيرين ـ بعقاب أُخروي وعذاب دائمي لمَن أنكر المبدأ أو لم يعرفه ولم يعتقد به ـ وهذا النداء كان مسموعاً منذ صبيحة حياة البشر ، وسيبقى قارعاً إلى غروب وجوده ـ يحتمل صدقه وكذبه قهراً ، ولا سبيل له إلى تصديق أحد الطريفين قبل النظر .

فإذن ، يتولّد احتمال الضرر المذكور في ذهنه ، ويحصل له الخوف من احتمال صدق هذا القول ، ولا طريق لدفعه غير النظر ، فيجب لوجوب دفع الضرر فطرةً ولو كان محتملاً ؛ وذلك لأنّ الإنسان ـ بل وكذا الحيوان وكل حسّاس ـ مجبول على حبّ ذاته ، وينشأ من هذا الحب لزوم جلب المنافع ودفع المضار ، وهذا الإلزام ليس من قِبل العقل ، بل هو أمر فطري كما تدلّك عليه مشاهدة حال المجانين والصبيان والحيوانات ، فإنّها تدفع الضرر عن نفسها ، وتميل إلى منافعها وما هو يلائم أنفسها .

وإذا أعمل نظره وتفحّص عن الواقع ، فقد أَمن من الضرر المذكور قطعاً ، وتستريح نفسه من الخوف جزماً ، فإنّه إن أدّى إلى الحقّ فقد فاز فوزاً عظيماً ، وإن انجرّ إلى خلافه فهو مأمون

معذور : أمّا في الدنيا ؛ فلاعتقاده ببطلان احتمال العقاب والحساب ، وأمّا في الآخرة ؛ فلأنّ عقابه بلا بيان {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] .

وبالجملة : إذا كانت جهالته مستندةً إلى قصوره ـ كما هو المفروض ـ لا معنى لاستحقاقه العقاب المختصّ بالعامّة والمقصّر ، كما إذا لم يتفحّص مع قدرته عليه ، وإنكار القاصر في المقام ـ كما عن جمهور المتكلّمين ـ ضعيف ...

وهذا الذي ذكرنا ممّا لا ريب فيه ، قلنا بالتحسين والقبيح العقليين أم لم نقل ؛ إذ الوجوب المذكور ليس بحكم عقلي بل هو فطري (2) .

لا يقال : كيف والعقلاء كثيراً ما يقدمون على ارتكاب الضرر لبعض الأغراض .

فإنّه يقال : نعم ، لكن إذا كان الضرر قليلاً ، وأمّا إذا كان كثيراً فلا ولو كان محتملاً ، وهل يمكن لعاقل أن يختار عذاباً دائمياً وعقاباً أبدياً ؟ كلا .

وأمّا الوجوب الشرعي فلا مسرح له ؛ إذ لا شرع في حق الجاهل إثباتاً حتى ينفذ الحكم في حقّه.

وبالجملة حجية الخطاب موقوفة على اعتراف المخاطب بآمرية المتكلم ، وهي غير حاصلة في المورد ، وأمّا ما ورد في القرآن العزيز في ذلك ، فهو إرشادي لا مولوي ...

نقل ونقد:

الذائع في كلام المتكلّمين وجوب معرفة الله سبحانه ، بل ادّعى الجرجاني إجماع الأُمّة عليه في شرح المواقف (3) ، ولكنّهم اختلفوا في طريقه ، فالإمامية والمعتزلة على أنّه العقل ، والأشاعرة على أنّه الشرع . استدلّ الأَوّلون على قولهم بوجهين :

الأَوّل : إنّ المعرفة دافعة للخوف كما تقدّم ، ودفع الخوف واجب ، فتجب المعرفة أيضاً من باب المقدمة .

ويردُّه ما بيّناه من أنّ دفع الخوف يحصل بالنظر ، سواء أدى إلى المعرفة أم إلى الجهالة.

الثاني : إنّ شكر المنعم واجب عقلاً ؛ لاستحقاق تاركه الذم عند العقلاء ، بل قيل (4) ، إنّ العقلاء بأسرهم يجزمون بوجوب شكر المنعم ، وقيل (5) : إنّه متفق عليه بين الإمامية والمعتزلة ، بل ادّعى بعضهم (6) الوجدان والفطرة الذاتية وضرورة جميع أهل الأديان والملل على وجوبه .

هذا من ناحية ، ومن ناحية أُخرى أنّ كل عاقل يدرك أنّ ما به من النعم ليس منه ولا من مثله ، بل هو من منعم غيره ، فيجب معرفته حتى يتمكّن من شكره ، وحيث إنّ المعرفة نظرية لا تحصل إلاّ بالنظر فوجب النظر والفحص ، فإنّ مقدمة الواجب واجبة .

أقول : إنْ كان وجوب الشكر لاحتمال زوال النعم بتركه ، ففيه منع هذا الاحتمال إلاّ شذوذاً ، فإنّ الناظر يرى الكفّار والملحدين متنعّمين بالعافية والسعة ، فكيف ينقدح الاحتمال المذكور في ذهنه ؟ وعلى تقدير احتماله فلا نسلّم استحقاقه العقاب الأُخروي بتركه النظر والفحص ؛ لعدم إتمام حجّة عليه في ذلك ، ضرورة أنّ ما نبّهه عقله بترك الشكر هو زوال النعم الظاهرية فقط ، فافهم جيداً .

وإن كان وجوبه لنفسه ولذاته ، بحيث كان تركه قبيحاً في نفسه ، ففيه :

أَوّلاً : ... عدم استلزام استحقاق الذم استحقاق العقاب ، فإنّ الأَوّل لا ينهض حجّةً على الثاني مع أنّه العمدة في المقام ، فتأمّل .

وثانياً : إنّ وجوب شكر المنعم لا يستلزم وجوب المعرفة ؛ لكفاية التخضّع قلباً للمنعم وإن كان مجهولاً بأوصافه ، فيسقط الدليل .

وثالثاً : ما أفاده بعض الأعيان من أهل التدقيق (7) بقوله : ثمّ إنّ أصل وجوب الشكر عقلاً بحيث يستحق العقاب على تركه ، لا يثبت إلاّ بإدخاله تحت قاعدة التحسين والتقبيح العقليين ، ومن البيّن عند التأمل أنّ شكر المنعم علماً وحالاً وعملاً (8) ـ وإن كان تعظيماً للمنعم وإحساناً إليه ـ إلاّ أنّه لا يثبت به إلاّ مجرّد الحسن واستحقاق المدح على فعله بمراتبه ، وليس ترك كل إحسان ولا ترك الإحسان إلى المحسن ظلماً عليه ، نعم الإساءة خصوصاً إلى المحسن ظلم ، فيشتدّ قبحه بالإضافة إلى المحسن إليه ، فالجهل بالمنعم ، أو عدم التخضّع له قلباً ، أو عدم القيام خارجاً بوظائف المجازاة بالإحسان ، ليس إلاّ ترك ما حسن بذاته ؛ إذ ليس من هذه الحيثية عقلاً فرق بين منعم ومنعم ، والأمر في غيره تعالى كذلك ، ففيه أيضاً من هذه الحيثية ... مضافاً إلى أنّ الاستناد في تحصيل المعرفة إلى وجوب شكر المنعم عقلاً ، إنّما يجدي بعد الفراغ عن انتهاء النعمة إلى مبدأ موجود ؛ ليتحقّق موضوع شكر المنعم ، ليجب عقلاً ، فهو إنّما في معرفته من حيث كيفية وجوده وصفاته لا في التصديق بوجوده . انتهى كلامه .

أقول : ويمكن أن يناقش في الوجه الأوّل بأنّ شكر المنعم بالأنعام الجزيلة الكثيرة واجب ، وتركه قبيح عند العقلاء كما هو واضح ، لكن الوجه الثاني متين ، وبالجملة : وجوب الشكر إنّما يتمّ إذا كان المنعم قابلاً للشكر ، أي كان شاعراً حسّاساً وإلاّ فلا معنى له ، فلابدّ أَوّلاً من تشخيص أنّ المنعم مَن هو ، فيكون مفاد الدليل هو لزوم النظر دون المعرفة ، فتفطّن .

واستدلّ الأشاعرة (9) على وجوب المعرفة بإجماع الأُمّة ، وحيث إنّها لا تتيسّر من دون النظر والاستدلال فهو أيضاً واجب شرعاً ، فإنّ الخطاب الشرعي وإن كان متعلّقاً بالمسبّب إلاّ أنّه لابدّ من توجيهه إلى السبب .

وربّما استدل بعضهم على وجوب النظر والمعرفة ببعض الآيات كقوله تعالى : {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101] ، وقوله : {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ } [محمد: 19]، وأورد عليه بعضهم بأنّها تفيد الظن ولا اعتداد به ، فالعمدة هو الإجماع .

أقول : لو سلّم حجّية الإجماع فهي أيضاً ظنّية ، فإنّها استنبطت من ظواهر الآيات والروايات ، وأمّا ما تفوّه به بعضهم (10) من دعوى الضرورة الدينية على اعتباره ، فهو إفراط واختلاق .

ويرد على الاستدلال أيضاً أنّ المسبّب وإن كان غير مقدور بلا إيجاد سببه ، إلاّ أنّه لا وجه لصرف التكليف المتعلّق به إلى سببه ؛ ضرورة أنّ المقدور بالواسطة مقدور والسبب يجب من باب المقدمة عقلاً ، ثمّ إنّ في هذا البيان تناقضاً واضحاً ، حيث يدعون أَوّلاً وجوب المعرفة ثمّ يقولون بصرف الأمر إلى النظر ؛ لأنّه المقدور فتكون المعرفة غير واجبة .

وعلى الجملة : الوجوب الشرعي ـ سواء تعلّق بالنظر أو المعرفة ـ غير معقول فإنّه متأخّر عن التصديق بنبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، المتأخرة عن التصديق بصفاته تعالى ، المتأخّرة عن معرفة أصل وجوده ، فما لم تثبت آمرية المتكلّم لا حجّية لأمره ، فكيف يعقل الوجوب الشرعي في حق الجاهل بالله تعالى ؟ .

وملخّص الكلام : أنّه لا اعتبار بقول المجهول ، ولا موضوع لوجوب معرفة المعلوم ؛ لأنّها من تحصيل الحاصل الممتنع (11) ، ومنه ينقدح أنّ ما توهّمه جمع من الأشعريين (12) من عدم بطلان تكليف الجاهل ، بدعوى أنّ شرط التكليف فهمه لا التصديق به ، فإنّ الغافل مَن لا يفهم الخطاب ، أو لم يقل له : إنّك مكلّف ، لا مَن لا يعلم أنّه مكلّف . فهو غفلة عن الواضحات ...

ثمّ إنّه يلزمهم إفحام الأنبياء ( عليهم السلام ) ؛ إذ لا وجوب قبل المعرفة كما عرفت ، ولا معرفة إلاّ بعد النظر ، فلو قال المكلّف : لا أنظر حتى أعرف ، لَما كان للنبي عليه سلطان ، فبهذه الطريقة الأشعرية يمكن فرار الناس من الديانة الإسلامية .

وبالجملة : مفاسد هذا القول كثيرة .

وأمّا الاستشهاد بقوله تعالى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] على الوجوب الشرعي ، بدعوى أنّ نفي العذاب قبل البعثة يكشف عن نفي الوجوب ، فهو ضعيف ، فإنّ الكاشف عنه نفى استحقاق العذاب دون نفي فعليته ووقوعه كما في الآية الكريمة ، نعم مَن أنكر العفو والشفاعة ، وجعل العذاب من لوازم المعصية ، كان الاستدلال عليه متّجهاً من باب الجدل . هذا مع أنّه ـ على تقدير صحّته ـ لا ينفي الوجوب الفطري المتقدم؛ لأنّ الشاك لا يرى حجّيةً لهذه الشهادة ، فافهم .

والصحيح أنّ ظاهر الآية هو الإخبار بوقوع التعذيب سابقاً بعد البعث ، فيختصّ بالعذاب الدنيوي الواقع على الأُمم السالفة ، دون العقاب الأُخروي كما يدل عليه ما بعد الآية : قال الله تعالى : {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا * وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا... فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ... الآيات } [الإسراء: 15 - 17] فالآية الكريمة أجنبية عن محلّ الكلام بالكلية .

تعقيب وتكميل:

قضية الأدلة المتقدمة هي وجوب المعرفة ، لأجل دفع الضرر ، أو وقوع الشكر على ما يناسب حال المشكور المنعم ، فهو وجوب غيري ليس بنفسي ، وأمّا الوجوب الشرعي فقد دريت تعلّقه بالنظر دون المعرفة ، كما صرّح به قائله ، نعم هنا وجهان آخران يدلاّن على أنّ المعرفة واجبة وجوباً نفسياً :

الأَوّل : ما أفاده الأُصولي الشهير المحقّق الهروي في كفاية الأُصول قال : ( نعم يجب تحصيل العلم في بعض الاعتقادات لو أمكن ، من باب وجوب المعرفة لنفسها ، كمعرفة الواجب وصفاته أداءً لشكر بعض نعمائه ) (13) . فقد جعل المعرفة نفسها شكراً له .

وأورد عليه بعض الأعيان من تلاميذه : ( من أنّ هذه المعرفة ليست مصداقاً للشكر ، بل ما هو مصداقه معرفة المنعم بما هو منعم لا بذاته ؛ لأنّ الحيثية التعليلية ـ وهي النعمة لوجوب الشكر ـ حيثية تقييدية له ، كما في جميع الأحكام العقلية ، فلا تجب معرفة الذات لإنعامه نفساً ، بل مرجعه إلى معرفة ( هكذا ) وجوب معرفة الذات مقدمة لمعرفته بالمنعمية ، مع أنّ المقصود إثبات وجوب المعرفة نفسها ) (14) .

أقول : أمّا ما ذكره في الكفاية فقد عرفت ما فيه ، وأمّا ما ذكره هذا المحقّق ، من إرجاع الحيثيات التعليلية إلى الجهات التقييدية في هذا المقام وغيره ففيه كلام ؛ لإمكان رجوع الأُولى إلى الواسطة في الثبوت ، والثانية إلى الواسطة في العروض .

الثاني : ما أفاده هذا المحقّق المذكور . قال : ( لنا طريق برهاني إلى وجوب تحصيل معرفته تعالى ، وهو أنّ كلّ عاقل بالفطرة السليمة يعلم أنّه ممكن حادث معلول ، لم يكن مثله في الإمكان والحدوث ... ) (15) .

ومن البيّن بعد التصديق بوجود المبدأ ، أنّ النفس في حدّ ذاتها قوّة محضة على إدراك المعقولات التي هي كمالها ، وأشرف الكمالات النفسانية معرفة المبدأ بذاته وصفاته وأفعاله بالمقدار الممكن ، فإنّ شرف كل علم وعقل بشرف معلومه ومعقوله ، وأفضل موجود وأكمله وجود المبدأ ، فمعرفة المبدأ أشرف كمال وفضيلة للنفس ، وبها نورانيتها ، وبها حياتها ، كما أنّه بعدم المعرفة أو بما يضادها ظلمانيتها وموتها ... إلخ ، ولعلّ ما أفاده بعض الأفاضل (16) راجع إلى هذا المعنى ، بل يمكن نسبة ذلك إلى جميع الفلاسفة أيضاً، كما يظهر من القوانين (17) أيضاً ، لكنّه مع اختصاصه ببعض آحاد الناس وعدم جريانه في حقّ أغلب أفراد النوع ، لا يثبت الوجوب المستتبع مخالفته استحقاق العقاب كما لا يخفى ، مع أنّه المقصود لا غيره ، إلاّ أن يتشبّث بحديث تجسّم الأعمال المزيّف عندنا، على نحو سيمرّ بك في المقصد الخامس إن شاء الله .

فالمتحصّل : أنّ المعرفة لم يثبت وجوبها النفسي بشيء من هذه الوجوه ، والصحيح أن يقال : إنّ المعرفة واجبة شرعاً بالضرورة الدينية ، وهل الغرض الأهم من إرسال الرسل وإنزال الكتب

إلاّ ذلك ؟ كيف ولولا وجوب المعرفة شرعاً لَما وجب النظر فطرةً ، فإنّه  نشأ من احتمال ترتّب العقاب على تركها ، فلو كانت غير واجبة لم يطلبها النبي من الناس ، فلم يتحقّق موضوع لزوم وجوب النظر وهو دفع الضرر ، فإنّ ترك المعرفة إذن لا يستتبع عقاباً وعذاباً ، فلم تحكم الفطرة بشيء .

ولعلّك تقول : إنّك قلت سابقاً بامتناع وجوب المعرفة شرعاً ، فكيف تختاره هنا ؟

لكنّنا نقول : الممتنع هو الوجوب الذي له داعوية نحو متعلقة وباعثية إلى المطلوب ، بلا توسّط حكم الفطرة بوجوب دفع الضرر ، كما يزعمه الأشاعرة ، وأمّا الوجوب الذي يتوسّطه الحكم المذكور فلا بأس به .

بيان ذلك : أنّ الله تعالى أوجب المعرفة على المكلّفين ثبوتاً ، فأمر نبيه بإبلاغها إلى الناس ، والنبي يحذّر الناس بتركها ويهدّدهم عليه ، والإبلاغ المذكور وإن لم يكن بحجّة على الناس أصلاً كما دريت ، إلاّ أنّه يولّد احتمال الضرر في ذهنهم لإمكان صدقه ، فتحكم الفطرة بدفع الضرر المذكور ، ولا مدفع له إلاّ النظر فيكون واجباً .

ويتلخّص هذا البحث إلى أنّ المعرفة إن لم تكن واجبةً لا يبقى موضوع للحكم الفطري المذكور ، فالوجوب الشرعي ليس بلغوٍ ، وإنّ هذا الحكم الفطري إن لم يتوسّط ولم ينجِّز وجوب النظر ، لم يثبت الوجوب الشرعي كما دريت ، فلابدّ من اجتماعهما حتى يتمّ المقصود .

ثمّ إنّ الناظر إن أصاب فهو وإلاّ فهو معذور ، لكن الحكم الشرعي بحاله لبطلان التصويب ... هذا ما عندنا في هذا المقام ، والله ولي الاعتصام .

تطبيق:

قال الباقر ( عليه السلام ) ـ على ما في رواية زرارة ـ: ( ليس على الناس أن يعلموا حتى يكون الله هو المعلّم لهم ، فإذا أعلمهم ( علّمهم ) فعليهم أن يعلموا ) (18) .

أقول : انطباقه على مسلكنا واضح ، فإنّ وجوب النظر وإن كان فطرياً لكن تحقّق موضوعه موقوف على إعلام الله سبحانه ؛ ضرورة أنّ العقل لا يحتمل الضرر بترك المعرفة ابتداءً .

وفي رواية عبد الأعلى قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : أصلحك الله هل جعل في الناس أداةً ينالون بها المعرفة ؟ قال : فقال : ( لا . قلت : فهل كُلّفوا المعرفة ؟ قال : لا ، على الله البيان {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا...} [البقرة: 286] (19) .

أقول : أمّا صدر الرواية ففي معناه أخبار أُخر ،  وأمّا قوله ( عليه السلام ) بنفي التكليف بالمعرفة فلعلّ المراد به ، هو التكليف الابتدائي العقلي على نحو ما تقول به العدلية ، فالرواية منطبقة على ما قرّرنا .

وقال الصادق ( عليه السلام ) ـ كما في رواية بريد بن معاوية ـ : ( ليس له على خَلقه أن يعرفوا ، وللخَلق على الله أن يعرّفهم ، ولله على الخلق ـ إذا عرّفهم ـ أن يقبلوا ) (20).

أقول : موافقته لِما ذهبنا إليه واضحة ، فافهم واغتنم ، ولله الحمد .

___________________

(1) قال الشيخ المفيد قدّس سره في أوائل المقالات : اتّفقت الإمامية على أنّ العقل يحتاج في علمه ونتائجه إلى السمع ، وأنّه غير منفك عن سمع ينبّه الغافل عن كيفية الاستدلال ، وأنّه لابدّ في أَوّل التكليف وابتدائه في العالم من رسول ، ووافقهم في ذلك أصحاب الحديث ، وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية على خلاف ذلك ، وزعموا أنّ العقول تعمل بمجرّدها من السمع والتوقيف ، إلاّ أنّ البغداديين من المعتزلة خاصّةً يوجبون الرسالة في أَوّل التكليف .

أقول : هذا الذي نقل اتّفاق الإمامية عليه ، هو عين ما اخترناه في هذه الفائدة ، وإنّما ذكرناه ؛ لئلا يظن تفرّدنا بالموضوع .

(2) وربّما جعله بعضهم دليلاً على إثبات الصانع وقال ما محصّله: إنّ المؤمن بالله مأمون سواء وافق اعتقاده الواقع أم لا ، وهذا بخلاف المنكر فإنّه على خطر عظيم . أقول : وهذا منه شيء عجيب ، نعم هذا المضمون مذكور في بعض رواياتنا ، لكن المراد به ما ذكرنا ، لاحظ أُصول الكافي 1 / 78.

(3) شرح المواقف 1 / 156.

(4) شرح التجريد للعلاّمة / 258.

(5) منهاج البراعة للخوئي 2 / 274.

(6) كفاية الموحّدين 1 / 7.

(7) نهاية الدراية في شرح الكفاية 2 / 155.

(8) يريد بالأَوّل معرفة المنعم ، وبالثاني تخضّع القلب له ، وبالثالث صرف النعمة لِما خلقت لأجله ، كما صرّح به نفسه .

(9) المواقف وشرحها 1 / 157 وهكذا في غيرهما.

(10) وهو الأيجي في شرح المواقف 1 / 159.

(11) وأمّا ما ذكره في القوانين 2 / 170 من لوم الدور من قولهم ففيه نظر فلاحظ .

(12) لاحظ شرح المواقف 1 / 158، وكلام ابن روزبهان في إحقاق الحق 1 / 161، وغيرهما .

(13) كفاية الأُصول 2 / 154.

(14) نهاية الدراية 2 / 155.

(15) نهاية الدراية 2 / 158.

(16) الدين والإسلام 1 / 28.

(17) القوانين 2 / 168.

(18) بحار الأنوار 5 / 222.

(19) أُصول الكافي 1 / 163.

(20) أُصول الكافي 1 / 164.

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.