المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين
11-9-2016
مجموعة الأسئلة الاستهلالية الافتتاحية
25-4-2022
العرض في السياحة
12-1-2016
k-Cyclic Graph
1-3-2022
اليقين‏
19-7-2016
العناصر داخل الإعلان- 2- الصورة الإعلانية
6-7-2022


مفهوم الشعر في النقد العربي الحديث  
  
20078   11:11 صباحاً   التاريخ: 23-7-2016
المؤلف : عثمان موافي
الكتاب أو المصدر : من قضايا الشعر والنثر في النقد العربي الحديث
الجزء والصفحة : ج2 :ص14-32
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد الحديث /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-7-2016 20079
التاريخ: 27-7-2017 11379
التاريخ: 27-7-2017 3891
التاريخ: 29-09-2015 16549

إن تصور نقادنا المحدثين لمفهوم الشعر، وبخاصة الرواد الأوائل منهم، قد تأثر إلى حد بعيد بمناحيهم الثقافية، واتجاهاتهم النقدية المتباينة.

بين محافظ على القديم مستمسك بعرى الثقافة العربية، وبين ثائر على القديم مفتون بالثقافة الغربية، وبين مجدد يحاول المواءمة بين هذا القديم، بما يمثله من ثقافة عربية أصيلة، وبين بعض الثقافات الأجنبية المعاصرة وبخاصة الوافدة من الغرب، سواء أكانت فرنسية، أم انجليزية أم المانية(1).

وما تحمله هذه الثقافات في طياتها من تيارات ومذاهب فكرية وأدبية مختلفة (2).

ويكاد يتفق المجددون والمحافظون من هؤلاء النقاد على الصياغة العامة لمفهوم هذا الفن الأدبي، التي تشبه إلى حد بعيد هذه الصياغة ، التي أقرها ذوو الفطنة من نقادنا القدماء لمفهوم هذا الفن، والتي أشرنا إليها آنفاً.

ويتضح هذا من قول طه حسين، وهو أحد هؤلاء المجددين، محدداً ماهية هذا الفن الأدبي هو "الكلام المقيد بالوزن والقافية، والذي يقصد به إلى الجمال الفني" (3).

وعلى هذا فمفهوم الشعر عند طه حسين، يدور حول كون هذا الف، كلاما موزوناً مثيراً للانفعال او العاطفة، بما يتضمنه من تفنن في الصياغة والتعبير.

وهذا بعينه هو مفهوم الشعر عند ذوي الفطنة من نقادنا القدامى.

وقد يفهم من هذا النص، أن طه حسين، لم يضف جديداً إلى تعريف القدماء لهذا الفن الأدبي، وقبله دون تعديل أو تطوير.

والواقع أن هذا القول صحيح بالقياس إلى هذا النص، ولكنه ليس صحيحاً بالقيام إلى غيره من النصوص الأخرى، التي ضمنها هذا الناقد وجهة نظره في هذه القضية، والتي يصدر فيها عن إدراكه الواعي، لطبيعة هذا الفن الأدبي، وصلته بذوق العصر الذي يقال فيه.

ويتضح هذا من قوله محدداً طبيعة هذا الفن الأدبي، وارتباط ، وارتباط صياغته بذوق أهل عصره ومشاعرهم وأحاسيسهم.

(المثل الأعلى للشعر، هو هذا الكلام الموسيقى، الذي يحقق الجمال الخالد، في شكل يلائم ذوق العصر، الذي قيل فيه، ويتصل بنفوس الناس، الذين ينشد بينهم، ويمكنهم من أن يذوقوا هذا الجمال حقاً، فيأخذوا بنصيبهم النفسي من الخلود )(4).

وبهذا يعط طه حسين أقرب إلى روح المجددين من القدماء، منه إلى روح المحافظين المتشبثين بحرفية الصياغة التعبيرية الموروثة عن العرب (5) وإن لم تمثل ذوق عصرهم.

ثم إنه يضع أيدينا على أهم الخصائص والسمات الفنية، التي تمنح التعبير الأدبي الصفة الشعرية، وتحمله إلى قلوب أولئك الذين يسمعونه، وإلى نفوسهم . وهي كونه لغة انفعالية منغمة، تنبع من وجدان الشاعر وأحاسيسه مرتدية ثوباً من الصياغة الفتية يتلاءم تماماً وذوق عصرها، ومثيرة عواطف أولئك الذين يسمعونها. فتنجذب أفئدتهم نحوها انجذاباً لا شعورياً، ملتذة بما تثيره فيمها من متعة جمالية.

وهو يقس خلود أي عمل شعري بمدى إقبال الناس عليه وتأثيره في نفوسهم، فإن حقق ذلك، أصبح فنا خالداً، وإن عجز عن تحقيقه، لم يحظ بأي نصيب من الخلود الفني.

ويتفق "الرافعي" الناقد المحافظ مع طه حسين في هذا الفهم الحقيقي لطبيعة هذا الفن الأدبي، برغم تباينهما في الاتجاه النقدي.

فهو يرى أن الشعر فن منظوم، يتميز بمقدرته الفائقة على التأثير في نفوس سامعيه، وذلك لما يتمتع به من صياغة فنية محكمة.

ويبدو هذا واضحاً من قوله (فأما الكلام في فن الشعر، فالمراد بالشعر ـ أي نظم الكلام ــ وهو في رأينا التأثير في النفس لا غير، والفن كله إنما هو هذا التأثير، والاحتيال على رجة النفس له، واهتزازنا بألفاظ الشعر ووزنه، وادارة معانيه، وطريقة تأديتها إلى النفس، وتأليف مادة الشعور من كل ذلك تأليفاً متلائماً مستوياً في نسجه، لا يقع فيه تفاوت ولا اختلال، ولا يحمل عليه تعسف ، ولا استكراه فيأتي الشعر من دقته، وتركيبه الحي ونسقه الطبيعي، كأنما يقرع به على القلب الإنساني ليفتح لمعانيه إلى الروح.

والشعر العربي إذا تمت في صياغته وسائل التأثير وأحكم من جهاته كان اسمى شعر إنساني (6).

فقيمة الفن الشعري في رأي الرافعي وطه حسين، لا تقاس بجودته أو رادءته بقدر ما تقاس، بمدى قدرته على التأثير في نفوس سامعيه.

وقديماً فطن الناقد الروماني "هوراتيوس" إلى هذه الحقيقة فقال :

"ليس بكاف في الشعر أن تكون قصائده جميلة، بل ينبغي أن يكون لها سحر، فتجتذب شعور السامع أينما شاءت" (7).

ولهذا يعرف الرافعي الشعر تعريفاً يتفق وهذا الفهم الحقيقي لطبيعته الفنية، فهو علاوة على كونه كلاماً منظوماً، "فن النفس الكبيرة الحساسة الملهمة، حين تتناول الوجود، من فوق وجوده في لطف روحاني ظاهر، في المعنى واللغة والأداء" (8).

وقريب من هذا المعنى قول شكيب أرسلان. وهو من ذوي الاتجاه المحافظ كالرافعي (والشعر هو رؤية الإنسان الطبيعية بمرآة طبعه، فهو شعور عام، وحس مستغرق ، يأخذه المرء بكليته ، ويتناوله بجميع خصائصه، حتى يروح نشوان خمرته ، وأسير رايته ، ويريه الأشياء أضعافاً مضاعفة، ويصورها بألوان ساطعة، وحلى مؤثرة، تفوق الحقائق وربما أزرت بها، وصرفت النفس عن النظر إليها، فهو أحياناً. احسن من الحسن، وأجمل من الجمال، وأشجع من الشجاعة، وأعف من العفاف) (9).

وهذا الناقد يوضح لنا ، حقيقة دور الشاعر في تصوير الطبيعة، ذلك الدور الذي لا يقف عند النقل الحرفي لها، ولكنه يتعدى ذلك إلى تجميلها وتحسينها فالشاعر يعد من هذه الناحية خالقاً مبدعاً (10).

وعلى هذا فقد يبدو جمال الطبيعة في شعر الشاعر، أجمل مما هو عليه في الواقع الحي الملموس.

وربما يرجع هذا أيضاً، إلى أن الشاعر الصادق لا يقف في تصويره للطبيعة عند مظاهرها الخارجية، ولكنه يتعدى ذلك إلى أسرارها الدفينة.

فالشعر كما يقول الرافعي "في أسرار الأشياء ، لا في الأشياء ذاتها، ولهذا تمتاز قريحة الشاعر، بقدرته على خلق الألوان النفسية، التي تصبغ كل شيء وتلونه لإظهار حقائقه ودقائقه، حتى يجري مجراه في النفس، ويجوز مجازه فيها.

فكل شيء تعاوره الناس من أشياء هذه الدنيا، فهو إنما يعطيهم مادته في هيأته الصامتة، حتى إذا انتهى إلى الشاعر أعطاه هذه المادة في صورتها المتكلمة فأبانت عن نفسها في شعره الجميل، بخصائصه ودقائق لم يكن يراها الناس، كأنها ليست فيها (11).

ومن ثم، فمجال التجربة الشعرية عند هذين الناقدين المحافظين هو الشعور، الذي يتخذه الشاعر، وسيلة ينفذ من خلالها إلى جانب خفي من جوانب الطبيعة أو الحياة، فيكشف عن سره أو لبابه، ويصبغه بصبغته مضفيا عليه من ذاته شيئاً كثيراً.

وهما يتفقان في هذا، ومفهوم أرسطو للمحاكاة الذي أشرنا إليه آنفاً ..

ومن الغريب أن يتفق معهما في هذا الفهم لطبيعة التجربة الشعرية ومجالها وطريقة الشاعر في تناوله لها "العقاد"، وهو أحد رواد حركة التجديد في الشعر العربي الحديث المعارضين للاتجاه الشعري المحافظ (12).

ويبدو هذا بوضوح من قوله مهاجما زعيم الشعر المحافظ في عصره، وهو شوقي (فاعلم أيها الشاعر العظيم، ان الشاعر من يشعر بجوهر الأشياء، لا من يعددها ويحصي أشكالها وألوانها.

وأن ليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشيء ماذا يشبه، وإنما مزيته أن يقول ما هو، ويكشف لك عن لبابه وصلة  الحياة به.

وليس هم الناس من القصيد، ان يتسابقوا في أشواط البصر والسمع، وإنما همهم ان يتعاطفوا ويودع، أحسسهم وأطبعهم في نفس اخواته، زبدة ما رآه وسمعه، وخلاصة ما استطابه أو كرهه (13).

والواقع أن العقاد يصدر في هذا عن مبدأين لخص فيهما وجهة نظره في طبيعة الشعر الجديد.

أحدهما : أنه شعر إنساني ، ثانيهما ، ثانيهما : أن بلاغته ، بلاغة نفسية، وليست بلاغة لغوية (14).

وهذا يقودنا للبحث عن تصوره لمفهوم هذا الفن الأدبي، ومن ثم، يلقانا هذا السؤال : ما مفهوم الشعر عند العقاد؟

يبدو أن الأمر الذي ، كان يهم هذا الناقد في تحديده لماهية هذا الفن، في بداية حياته النقدية (15) ، كان مختلفاً عن ذلك الأمر، الذي كان يهمه بعد هذه الفترة من حياته النقدية.

وذلك نظراً لما تعرض له هذا الفن التعبيري من تطور أدبي، ولاتساع أفق الحركة النقدية وتشبعها، وتباين الموقف النقدي لهذا الناقد تبعاً لذلك.

فقد كان في بداية حياته النقدية يمثل الاتجاه المجدد، أما في أخريات حياته فقط كان من اهم المدافعين عن الاتجاه المحافظ.

ولذا فإن اهم ما كان يشغله ، في تحديده لماهية هذا الفن، في مقتبل حياته النقدية، هو مضمونه وصلته بنفس قائله، والتأكيد على أنه ليس فنا لغويا وحسب، وإنما هو كذلك تصوير للنفس والوجدان ، وتعبير عما يدور بداخلهما، فهو تجربة ذاتية ، تنبع من أعماق الشاعر، ويصدر فيها عما يحس ويشعر، وليس شيئاً مفروضاً عليه من خارج ذاته، كما هو الشأن في شعر أصحاب المدرسة المحافظة ، وعلى رأسهم شوقي، الذي كان يعد فنه أقرب إلى النظم منه إلى الشعر، وإلى الزيف الفني و الصنعة منه إلى الصدق الفني والطبع.

ولذا نجده يرفض بعض التصورات الفنية الخاطئة، التي تتعلق بمفهوم الشعر، كالقول مثلاً ،بأن الشعر هو الخيال " ويفهم الخيال على أنه القول غير المصدق، أي الكذب، أو القول بأن الشعر هو العاطفة الرقيقة الحانية، ويفهم من الرقة الشكوى والانوثة والحنان.

أو القول بأنه العبارة الملتوية، أو الغريبة في لفظها ومعاناها، او كثرة التشبيهات وغموضها (16).

وذلك لأن الشعر في رأيه ، ليس على هذا النحو من التصور الخاطئ "وإنما هو في حقيقة الأمر، شيء غير ذلك التصور، فقد يكون الكلام في الدرجة العليا من البلاغة الشعرية، وليس فيه خيال شارد، ولا دمعة ، ولا آهة، ولا كلمة ملفوفة، ولا معنى مستكره.

بل هو قد يكون أبلغ في الشاعرية، كلما خلا من هذا التصنيع ، واستوى على طريقه الواضح المستقيم (17).

والطريق الواضح المستقيم، الذي ينبغي أن يسلكه الشعر في رأيه، هو تصوير حالات النفس، وعلى هذا، فالشعر الصادق، هو شعر الحالات النفسية.

ويرى " العقاد" ان هذا النوع من الشعر، يفتقر إليه ادبنا العربي قديماً وحديثاً (18).

مع أنه الشعر في رأيه، هو هذه الناحية، أي التعبير عن الوجدان.

ولذا فقد حاول أن ينهج هذا النهج الوجداني، في شعره وسار معه في هذا الاتجاه صاحباه ، المازني وشكري.

وتبنى الدعوة إلى شعر الوجدان من بعدهم شعراء المهجر، وجماعة أبولو (19).

والواقع أن الدعوى إلى مثل هذا الاتجاه الشعري في أدبنا العربي الحديث، قد أدت إلى تأكيد هذا المضمون الوجداني، في تحديد ماهية الشعر وبيان خصائصه الفنية على النحو الذي رأينا.

ويبدو ان أًصحاب هذه الدعوة قد تأثروا في ذلك ببعض الاتجاهات الشعرية، والنقدية في الآداب الأوربية الحديثة، ومن النقاد الأوربيين الذين تأثروا بهم في ذلك، هازلت الانجليزي ولسنج الالماني (20).

وعلى أية حال، فبرغم تأكيد العقاد وصاحبيه حقيقة وجدانية الشعر،  فإنهم يرون، أن التجربة الشعرية ،: قد تأتي أحياناً مزيجاً من العقل والوجدان (21).

ولذا نجد المازني، يؤكد هذه الناحية في تحديده لمفهوم الشعر.

إذ يرى أنه " فن ذهني غرضه العاطفة، واداته الخيال، أو الخواطر المتصلة التي توجهها العاطفة وجهتها " (22).

ويؤيد العقاد المازني في ذلك، ويتضح هذا من إشارته في مقدمة ديوانه بعد الأعاصير، إلى أن الشعر، ليس وجداناً خالصاً، وإنما هو مزيج من الفكر والوجدان.

ولذا قد يبدو الشاعر في نظرته إلى الكون أو الحياة، فيلسوفاً وجدانياً، وتأتي تجربته الشعرية، تبعاً لهذا مزيجاً من الفكر والوجدان ، وارتباطهما بالكون أو الحياة.

وهو يؤكد هذه الناحية، في تحديده لمفهوم هذا الفن الأدبي، حيث يقول :

(إنما الشعر استيعاب للمحسوسات ، وقدرة على التعبير عنها في القالب الجميل، وقد تكون هذه المحسوسات عامة وشاملة ، وقد تكون خاصة محدودة، وقد تكون ادراكا واعياً لكل ما في الطبيعة والكون والوجدان، وكل ما تتسع له الأرض والسموات) (23).

من هذا يتضح لنا ، أن العقاد، يجمع بين الاتجاهين الرومانسي والكلاسيكي في فهم طبيعة التجربة الشعرية ومبعثها.

وذلك لأنه يرى ان الباعث على الشعر، قد يكون امراً خارجاً عن ذات الشاعر كما يرى الكلاسيكيون ، أو شيئاً نابعاً عن ذاته، كما يرى الرومانسيون (24).

والمهم في هذا كله، أن تتخذ التجربة الشعرية من الوجدان مسارا لها، وأداة لتشكيلها ، ومن ثم، فقد تكون مجرد رؤية وجدانية للحياة أو الطبيعة، او جانب من جوانبهما، أو تعبيراً عن دخائل النفس أو الوجدان.

وعلى أية حال ، فإن تعريف " العقاد" للشعر على النحو الذي رأينا، لا يعني اغفاله لبعض العناصر الفنية الأخرى، التي يتصف بها هذا الفن. الأدبي، كاللفظ والوزن والمعنى، والتي أجملها في قوله "القالب الجميل" أي الصياغة الفنية الجميلة التي تختص بالشعر.

ويستدل على هذا، من إصراره على وجوب توافر هذه العناصر الفنية في الفن الشعري، في مواضع أخرى من مؤلفاته النقدية، إذ يقول وهو بصدد دفاعه عن وجود الشعر في حياتنا المعاصرة.

(وإنما الشعر تفاعل كامل بين اللفظ والمعنى، وقاعدة القواعد الفنية في وزن أو نظام مقدر).

وكل بيت في الشعر المطبوع، آية على صدق هذا التفاعل التام بين الألفاظ والمعاني والأوزان، وآية على لزوم الوزن، كلزوم لفظ الشعر ومعناه (25) ).

ويبدو أن تأكيد "العقاد" على وجوب توافر مثل هذه العناصر الفنية في الشعر، وبخاصة العنصر الموسيقي، قد ازداد في الفترة، التي ظهرت فيها الدعوة التي تحرر الشعر من بعض قيوده الفنية كالوزن والقافية (26).

وتحوله بسبب ذلك من ناقد مجدد، إلى ناقد محافظ ، حام لحمى القديم.

ومن ثم، فقد أصبحت هذه السمة الموسيقية، أي الوزن والقافية ، من اهم خصائص الفن الشعري عند العقاد، وضرورة من ضروراته، علاوة على كونه رؤية وجدانية للكون أو الحياة، او تعبيراً عن دخائل النفس أو الوجدان.

ويكاد يتفق الناقد المهجري ميخائيل نعيمة مع العقاد حول كثير من الخصائص الفنية، التي يجب توافرها في الفن الشعري، والتي يتحدد على هدى منها ماهيته وطبيعته الفنية.

فهو يرى ان الشعر لغة النفس، التي تصاغ في عبارة جميلة التركيب، موسيقية الرنة ويتضح  هذا من قوله . (إن عواطفنا وأفكارنا مشتركة ؛ لأن مصدرها واحد هو النفس، وإن الواحد  منا، ما في الآخر من العواطف والأفكار، لكنها قد تكون مستيقظة في بعضنا ، غافلة في الآخر، وأن هذه العواطف  والأفكار وإن استيقظت في بعضنا فقد تكون خرساء في الآخر.

وأن العواطف والأفكار ، إذا ما استيقظت بنفسها بعبارة جميلة التركيب موسيقية الرنة، كان ما تنطق به شعراً.

وأن من استيقظت عواطفه وأفكاره، وتمكن من ان يلفظها بعبارة جميلة موسيقية الرنة كان شاعراً.

وإذ إن العواطف والأفكار هي كل ما نعرفه من مظاهر النفس، فالشعر إذن هو لغة النفس، والشاعر هو ترجمان النفس (27).

ومن ثم، فالشعر لغة وجدانية منغمة، وواضح أن هذا المعنى يتفق ومفهوم العقاد للشعر، كما يتفق ومفهوم بعض الرومانسيين الأوربيين (28).

وبرغم اتفاق وجهتي نظر هذين الناقدين من حيث المبدأ على هذا ، فأنهما يبدوان مختلفين بالنسبة لأهمية العناصر الفنية للصياغة الشعرية كالوزن مثلاً، فبينما يرى العقاد أنه ضرورة الشعر ولازمة من لوازمه(29) ، يرى ميخائيل نعيمة على العكس من ذلك أنه ليس بضرورة.

فلا الأوزان، ولا القوافي من ضرورة الشعر، كما أن المعابد والطقوس ليست من ضرورة الصلاة والعبادة.

قرب عبارة نثرية، جميلة التنسيق، موسيقية الرنة، كان فيها من الشعر أكثر مما في قصيدة من مائة بيت (30).

ولا يعنى هذا انكاره لأهمية الوزن في الشعر، لأنه يشير في موضع آخر إلى أن الوزن خصيصة من خصائص الشعر، ولكن اهميته تلي أهمية العاطفة والوجدان (31).

وذلك لأنهما روح الشعر وجوهره، أما الوزن فهو عرضه وإطاره الخارجي.

وهو بذلك يعلي من شأن المضمون على الشكل في تحديده لماهية الشعر برغم تأكيده على ان الشعر، ليس شكلاً وحسب، ولا مضموناً وحسب كذلك، وإنما هو شكل ومضمون (32).

ويبدو أن الذي دفعه إلى هذا، هو خلط بعض النظامين في عصره، بين مفهوم الشعر والنظم، واعتقادهم ان الوزن، هو أهم صفات الشعر، وعلى هذا، يعد الوزن عندهم أسبق من الشعر .

مع أن الواقع التاريخي يثبت عكس ذلك، وهو أن الشعر أسبق في الوجود من الوزن لأنه الجوهر، أما الوزن فهو العرض.

فهو لغة النفس التي عبر بها الإنسان مما يجيش بصدره، قبل أن يعرف. أي ضرب من ضروب النغم أو الوزن، الذي اتخذه بعد ذلك، عاملاً مساعداً من عوامل إبراز جمال هذه اللغة النفسية.

وذلك لأن الوزن يهدف أصلاً، كما يرى هذا الناقد، إلى التناسق في التعبير عن العواطف والأفكار، ويبدو هذا واضحاً من مغزى نشأته.

يقول : ولا شك أن الأوزان نشأت نشوءاً طبيعياً، وكان سبب ظهورها ميل الشاعر إلى تلحين عواطفه وأفكاره.

والكلام المتوازن المقاطع، أسهل في التلحين من الكلام، الذي لا توازن بين مقاطعه من حيث الطول والقصر.

لذلك لحق الوزن بالشعر، ونما معه نموا طبيعياً ،: فكان يتكيف بالشعر، ولا يتكيف الشعر به (33) ، ولكن الذي حدث بعد هذا، هو ان بعض النظامين، قد أساءوا فهم هذه الحقيقة التاريخية ، فظنوا ان حسبهم من قول الشعر صحة الوزن والقافية، مقدمين بذلك العرض على الجوهر، أي الوزن على الشعر.

وقد ظهر هذا بشكل واضح في شعر بعض شعراء المدرسة المحافظة، التي عاصرها هؤلاء النقاد، وتصدوا لنقد شعر شعرائها.

ومن أبرز هؤلاء النقاد الذين حملوا بعنف على شعر هذه المدرسة، العقاد والمازني ، وميخائيل نعيمة (34) ، ومن سار على دربهم من النقاد والشعراء، الذين دعوا إلى وجدانية الشعر، وأبدوا تعاطفاً قوياً، مع هذا اللون من الشعر الجديد آنذاك.

على أن هذا اللون من الشعر الجديد، لم يسلم كذلك من انتقادات بعض المحافظين من النقاد (35).

ومهما يكن من أمر هذا الاختلاف ، بين موقفي كل من المحافظين والمجددين، حول شعر كل طائفة منهما، فإن نقادهم يكادون يتفقون على كلمة سواء حول الخصائص العامة للفن الشعري، التي يتحدد على هدى منها ماهيته.

والتي يمكن تلخيصها في هذه العبارة "الشعر هو الكلام المنغم المثير للعاطفة والانفعال" سواء أصدر الشاعر في ذلك عن ذاته ووجدانه، ام اتخذهما وسيلة لتصوير الطبيعة او الحياة ، أو جانب خفى من جوانبهما.

هذا عند معظم النقاد المحدثين ، باستثناء قلة من المجددين، الذين حاولوا وهم بصدد تحديد ماهية هذا الفن، الاعلام من شأن المضمون على الشكل، وقد أدى هذا ببعضهم إلى إغفال الشكل الموسيقي إغفالاً تاماً.

ويتضح هذا من قول احد رواد الحركة الأدبية في مصر، محدداً ماهية هذا الفن، (وليس القصد من الشعر في رأينا، هو هذه الأبيات الفذة، وليس هو محاكاة الأقدمين، وإنما القصد من الشعر، إبراز فكرة، أو صورة، أو إحساس ، أو عاطفة يفيض بها القلب في صيغة متسقة من اللفظ، تخاطب النفس وتصل إلى أعماقها من غير حاجة إلى كلفة او مشقة، ثم يرتفع بها، وترتفع أو تهبط ، وأنت مندفع معها، منساق وراءها متلذذ باندفاعك ، تلذذك بصور المغنى أو بنغمة الموسيقى)(36).

وواضح ان هذا الناقد قد نظر إلى الشعر على أنه مضمون وحسب، مغفلاً بذلك الشكل الموسيقي له.

وقد يكون الدافع الذي دفعه إلى أن ينحو في تحديده لماهية الشعر، هذا المنحى ، هو احساسه بأن موسيقى الشعر العربي، التي تتمثل في الوزن والقافية، قيد من القيود الفنية، يقف عائقاً في سبيل الإبداع الفني، ويحد من حركة الشعر، نحو التطور والتجديد (37).

ولا شك أنه قد بنى تصوره لقيام فن شعري خال من العنصر الموسيقي على ما لاحظه من خلال قراءته في بعض الآداب الأوربية، من وجود بعض انواع من الشعر الأوربي لا تلتزم هذا العنصر الموسيقي (38).

ويبدو ان المنفلوطي وهو احد كتاب النثر الوجداني في العصر الحديث كان يسلك هذا المسلك في تحديده لمفهوم هذا الفن الأدبي.

ويرجع بعض مؤرخي الأدب العربي الحديث ذلك إلى سببين :

اولهما : نفسي، وهو فشل المنفلوطي في كتابة الشعر التقليدي وتحوله بعد ذلك إلى الكتابة النثرية.

ثانيهما : فني وهو ثورته على شعراء عصره، الذين أغفلوا المضمون الشعري واهتموا بالشكل على حسابه، فاستحال شعرهم نظماً أجوف لا ماء فيه ولا رواء (39).

والواقع أن "المنفلوطي" لم يكن الأديب الوحيد، الذي ثار على شعر عصره، واتهمه بالأفراط في الشكل الموسيقي على حساب المضمون، ولكن معظم أدباء هذه الفترة من جيله والجيل اللاحق به، كانوا يأخذون على هذا الشعر، ذلك المأخذ نفسه، يسترى في هذا ، المحافظون منهم والمجددون (40).

ولم يقتصر بعضهم على هذا بل تعدوه، إلى اتهام هذا الشعر وبنوع خاصة ذي النزعة المحافظة بالجمود، وعدم القدرة على التفاعل السريع مع قضايا العصر والمجتمع، على العكس من النثر ، الذي سبقه إلى ذلك، تفوق عليه في هذه الناحية (41).

ويبدو أن هذا الإحساس ، الذي كان ينتاب أدباءنا ونقادنا ، مطلع نهضتنا الأدبية الحديثة، إزاء أزمة الفن الشعري في عصرهم، كان له دخل كبير في تحديدهم لماهية هذا الفن الأدبي.

وهذا يفسر لنا اعلام بعض هؤلاء النقاد، من شأن المضمون في تحديدهم لماهية هذا الفن، حتى ادى ذلك ببعضهم إلى إغفال الشكل الموسيقي . اغفالاً تاما، والدعوة إلى نمط جديد من الشعر لا يلتزم الشكل الموسيقي للشعر العربي، معضداً في ذلك اتجاه أصحاب الشعر الحر.

ولذا فقد كان ذوو الفطنة من هؤلاء النقاد على صواب، حينما أكدوا في تحديدهم لماهية هذا الفن الأدبي ارتباط الشكل بالمضمون.

ومن ثم فقد جاء تعريفهم له متفقاً في مضمونه وتعريف ذوي الفطنة من القدماء له. وليس معنى هذا الفن الادبي، وإنما هم على العكس من ذلك، قد عمقوا هذا التصور القدماء لمفهوم هذا الفن الأدبي، وإنما هم على العكس من ذلك، قد عمقوا هذا التصور وأضافوا إليه بعض الحقائق الفنية، التي لم تلق عناية كبيرة من القدماء، كارتباط هذا الفن بذوق العصر الذي يقال فيه، وصدور التجربة الشعرية عن وجدان الشاعر، ودخائل نفسه، وتوسيع مجالها، بحيث تصبح قادرة على استيعاب مشاكل الكون أو الحياة، وتعبير الشاعر عن احساسه بها تعبيراً وجدانياً صادقاً . ثم تأكيد الغاية الإنسانية للأدب ولغته النفسية.

ولا شك أنهم  قد أفادوا في هذا من بعض مذاهب واتجاهات النقد الأوربي الحديث كما أشرنا.

ويبدو أن هذا الحكم، لا ينطبق على المجددين وحدهم، ولكنه ينطبق كذلك على المحافظين والمستمسكين بعرى الثقافة العربية بنوع خاص.

فقد اتضح لنا اتفاق وجهة نظر بعض هؤلاء المحافظين، المتشبثين بروح الثقافة العربية، مع وجهة نظر بعض المجددين المطلعين على الثقافة الغربية، في فهم طبيعة التجربة الشعرية، ومجالها.

وأبعد من هذا، فقد عرفنا أن مفهوم الشعر عند المحافظين والمجددين يكاد يكون من ناحية الصياغة مفهوماً واحداً، وهو يلتقي مع مفهوم ذوي الفطنة من القدماء وبعض الأوربيين.

والتقاء وجهات نظر كل أولئك النقاد حول مفهوم الشعر، على اختلاف أجيالهم، وتباين اتجاهاتهم ، وتنوع ثقافاتهم ليس مجرد صدفة.

ولكن هناك بعض العوامل والأسباب، التي أدت بهم إلى ذلك.

لعل من أوضحها، أن معظم نقادنا المجددين، لم يقطعوا صلتهم بتراثهم العربي القديم، ولكنهم كانوا على صلة دائمة به كالمحافظين، وإن اختلفوا عنهم في طريقة فهم هذا التراث، وتقريبه من أذهاب معاصريهم ونفوسهم.

ثم إن المحافظين لم يكونوا يجهلون الثقافة الأدبية، ولكنهم كانوا على علم بها سواء في أصولها الأجنبية، أم عن طريق الترجمة، وكانوا يأخذون عندها بقدر وبما لا يتعارض مع معتقداتهم وأفكارهم (42) .

يضاف إلى ذلك حقيقة هامة، وهي أن النقد العربي القديم، قد أفاد من نظرية أرسطو في الفن الشعري فائدة عظيمة، وبخاصة في تحديده لمفهوم هذا الفن الادبي كما أشرنا.

كما ان النقد الأوربي قد أفاد منها كذلك، برغم تباين اتجاهاته وتعارض مواقف نقاده حيال هذه النظرية (43).

وعلى أية حال، فسواء جاء تصور نقادنا المحدثين لمفهوم الشعر متفقا مع تصور ذوي الفطنة من القدماء، أم مع بعض الأوربيين المحدثين، فإنه يدفعنا إلى استنتاج حقيقة هامة من وراء ذلك كله، وهي وحدة الشعور والذوق بل الفهم بين معظم رواد حركتنا النقدية الحديثة، على اختلاف مناحيهم واتجاهاتهم النقدية والفكرية(44).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع في الأدب الجاهلي ص315-317 ، مقدمة ديوان الزهاوي ص5-6 . ط: دار العودة، بيروت .

(2) كالرومانسية ، والرمزية والواقعية والوجودية.

(3) في الأدب الجاهلي ص312-313.

(4) حافظ وشوقي ص31 ط، الخانجي بمصر ــ وحمدان ببيروت.

(5) أي عمود الشعر العربي، راجع الموازنة للآمدي ص400-01 جـ 1ط ، دار المعارف بمصر.

(6) وحى القلم جـ 3 ص282 ط ، دار الكتاب العربي ــ بيروت.

(7) فن الشعر لهورانيوس ، ترجمة لويس عرض ص116 طـ الأولى، الناشر، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر 1970م.

(8) وحي القلم جـ 3 ص277.

(9) في الأدب الحديث، لعمر الدسوقي ص221-224.

(10) وهذا يتفق والمعنى الأصلي لكمة شاعر في اليونانية ، راجع :

Encyclopeadia Britabica poetry .                                   

(11) وحي القلم جـ 3 من 274.

(12) كما انه يمثل الاتجاه العلمي والفلسفي في الدراسات النقدية : راجع، تطور النقد والتفكير الادبي الحديث في مصر ص439-491.

(13) الديوان للعقاد والمازني ص175-176.

(14) ساعات بين الكتب 175 – 176.

(15) شعراء مصر وبيئاتهم ص353 – 344 (ضمن مجموعة أعلام الشعر) طـ : دار الكتاب العربي ــ بيروت.

(16) ساعات بين الكتب ص188.

(17) المرجع السابق ص189.

(18) المرجع السابق ص189.

(19) الشعر المصري بعد شوقي جــ 3 ص6-7.

(20) شعراء مصر وبيائهم ص 242.

(21) وهذا ما يذهب إليه بعض الشعراء الأوربيين مثل كولردج راجع الشعر والتأمل ص49.

(22) الشعر المصري بعد شوقي طـ1 ص56، وراجع كذلك النقد العربي الحديث للدكتور زغلول سلام ص 183 ، وراجع كذلك كتاب المازني الشعر : غاياته ووسائطه ص72-3 الناشر : دار الصحوة بالقاهرة طـ : الثانية .

(23) شعراء مصر وبيئاتهم ص242.

(24) فن الشعر لإحسان عباس ص29.

(25) حياة قلم ص310 ط : الثانية.

(26) المرجع السابق ص315 -  320.

(27) الغربال 425 (ضمن المجموعة الكاملة لميخائيل نعيمة) ، المجلد الثالث دار العلم ــ بيروت .

(28) فن الشعر لإحسان عباس ص28-29.

(29) حياة قلم ص310.

(30) الغربال ص422.

(31) المرجع السابق ص402.

(32) المرجع السابق ص426-427.

(33) المرجع السابق ص426-427.

(34) راجع شعراء مصر وبيئاتهم ص353-359 ، الديوان ص 12-53 الغربال ص 448-452.

(35) وحي القلم جــ3 ص380.

(36) ثورة الادب ص52.

(37) المرجع السابق ص51.

(38) وبعضها يلتزم نوعاً من الموسيقى يختلف عن موسيقى الشعر العربي، راجع مثلاً ما كتبه ابراهيم عن موسيقى الشعر الأوربي في كتابه موسيقى الشعر 299-314.

(39) الأدب الحديث لعمر الدسوقي ص218.

(40) وحي القلم جـ3 ص375 – 377 ، شعراء مصر وبيئتهم من 10 طـ ، الثانية، نهضة مصر.

(41) ثورة الأدب ص5 ، حافظ وشوقي ص125- 138 ، ساعات بين الكتب ص279.

(42) تحت راية القرآن ص15-16 ، الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر من 205 – 210 طـ الثالثة ، ثورة الأدب ص11.

(43) النقد الأدبي ومدارسه الحديثة ستاتلى هايمن ص22 224، فن الشعر لإحسان عباس ص16-19.

(44) راجع اتجاهات هؤلاء النقاد في كتاب : تطور النقد والتفكير الأدبي في مصر في الربع الاول من القرن العشرين ص338 – 541.

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.