أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-7-2016
1634
التاريخ: 11-7-2016
1540
التاريخ: 11-7-2016
9286
التاريخ: 11-7-2016
1199
|
استعمل مصطلح فقه اللغة في الدرس اللغوي الحديث مع بدايات القرن العشرين في الجامعة المصرية ، حينما جاء جماعة من المستشرقين للتدريس في مصر ، يقول الدكتور زكي المبارك : (ذكر السنيورُ جويدي في محاضرته الأولى بالجامعة المصرية (7 أكتوبر سنة 1926) أن كلمة Philology تصعبُ ترجمتُها الى العربية ، وأن لها في اللغات الغربية معنى خاصاً لا يتفقُ عليه أصحاب العلم والأدب . فمنهم من يرى أن هذا العلم مجردُ درس قواعد الصرف والنحو ونقد نصوص الآثار الأدبية ، ومنهم من يرى أنه ليس درساً للغة فقط ولكنه بحثٌ عن الحياة العقلية من جميع وجودها ، وإذا صحَّ ذلك فمن الممكن أن يدخل في دائرة (الفليلوجي) علم اللغة وفنونها المختلفة ، كتأريخ اللغة ومقابلات اللغات والنحو والصرف والعروض وعلوم البلاغة وعلم الأدب في معناه الأوسع ، فيدخلُ تاريخ الآداب وتاريخ العلوم من حيث تصنيف الكتب العلمية ، وتاريخ الفقه من حيث تدوينه في المجاميع والمجلات ، وتاريخ الأديان من حيثُ درس الكتب المقدسة وتأليف الكتب الدينية واللاهوتية ، وتاريخ الفلسفة من حيث تأليف كتب الحكمة وكتب الكلام . ولا سبيل الى معرفة هذه الحياة العقلية إلا بدرس أحوال المركز الذي نشأت فيه تلك الآثارُ الأدبيةُ )(1) .
ويرى الدكتور زكي المبارك أن العمل وفق هذا التحديد يجعلُ من مهمة الباحث في هذا المجال من الدرس شاقةً عسيرة إن لم تكن مستحيلة ، كونه يردُّ ما تميز من العلوم وكان مستقلاً منها الى علم واحد ، فلا يمكنُ للباحث إلا أن يجيد في جزءٍ
ص23
واحدا منها (2) . ويرى بعض المستشرقين ان استعمال مصطلح فقه اللغة في البحث عن اولية اللغة ليس الا كناية مؤقتة عما يسمى بتاريخ اللغة العربية ، لان ما يقصد اليه البحث ابتداءً انما هو الكشف عن نشأة اللغة العربية وتطورها (3) .
وقد ذهب بعض باحثينا العرب الى المقاربة بين مصطلح فقه اللغة ومصطلح philology) ) نظرا للتماثل في الدلالة اللغوية ، فقد جاءت في احد معاجم الاصطلاحات اللغوية كما ينقله الدكتور زكي المبارك ، بعد الترجمة " العلم الذي يدرس اللغة وكلماتها وقوانينها ، وقد يدخل في فهم الاصطلاح " الادب " خاصة النصوص القديمة منه " (4) .
وترى بعض المدارس اللغوية الغربية ان فقه اللغة philology)) ، هو علم اللغة linguistics)) ، اذ جاء في دائرة المعارف البريطانية في مادما philology)) هو مقابل لهذا التعريف ، اذ يغلب على هذا المصطلح في انجلترا الاشارة الى علم اللغة بما في ذلك الاصلاح في امريكا (5) ؛ لان فقه اللغة عندهم مهتم بالجانب اللغوي للأدب وصيغ الفنون المماثلة كما انه يهتم الى حد ما بالوثائق الثقافية والاجتماعية بأنواعها (6) .
اما الباحثون العرب فقد نقل الدكتور صبحي الصالح عن معجم روبير الفرنسي ان مصطلح philology)) يتألف من كلمتين من اصل اغريقي وهما philos)) وتعني الصديق او المحب و logos ) ) الخطبة او كلام ، وان واضع هذه التسمية لاحظ ان هذا المصطلح يقوم على حب الكلام للتعمق في دراسته من حيث قواعده واصوله
ص24
وتاريخه (7) ولهذا المصطلح معنى اصطلاحي : هو علم تاريخي يهدف الى دراسة الحضارات العابرة من خلال الوثائق المكتوبة التي تركها السلف للخلف ، مما يسمح لنا بفهم المجتمعات القديمة ، وهو يعمد الى دراسة النصوص الادبية المكتوبة، فهو اذاً علم مساعد للتاريخ ، كما يعمد الى نقد النصوص داخليا وخارجيا ، وذلك بمقابلة النصوص ودراسة رواياتها , دراسة تاريخ المخطوطات ، وبكلمة موجزة هو دراسة النصوص واعدادها للنشر , وهذا ما مهد الى ظهور علم اللغة التاريخي (8) ويشدد دوسوسير على ان الفيولوجيا يدرس اللغات المكتوبة ويستثنى اللغات المنطوقة او يهملها(9) . ويرى الدكتور صبحي الصالح ان مصطلح فقه اللغة عند الغربيين لا ينصرف الا الى دراسة اللغتين الاغريقية واللاتينية ، ومصطلح فقه اللغة مصطلح عربي قديم ويجب على الباحث العربي الا يستبدل بهذه التسيمة القديمة شيئاً (10) ، وفي ذلك اشارة الى من جعل فقه اللغة علما مرتبطا بعلوم اخرى كالفلسفة وعلم الكلام او علم المنطق فضلا عن ما اشرنا اليه انفا .
ومن بعد عرضه لأسلوب كتابه " دراسات في فقه اللغة " ، وحكمه في الباب الاول منه بان فقه اللغة وعلم اللغة دراستان متداخلتان ومن العسير الفصل بينهما وتحديد الفروق الدقيقة بينهما (11) ، ذهب الى تحديد مصطلح فقه اللغة ، قال هو : " منهج للبحث استقرائي وصفي تعرف به اصل اللغة التي يراد درسها ، وموطنها ، وفصيلتها ، وعلاقتها باللغات المجاورة او البعيدة ، الشقيقة او الاجنبيه ، وخصائصها وعيوبها ،
ص25
ولهاجتها ، واصواتها , وتطور دلالتها ، ومدى نمائها قراءة وكتابة " (12) .
اما الدكتور عبد الصبور شاهين فقد جعل مصطلح " فقه اللغة " في العربية ، يضارع مصطلح philology) ) في هذا العصر ، كونه يدل على ما كان يدل عليه مصطلح فقه اللغة عند القدماء (13) .
اما الدكتور احمد محمد قدورة وبعد عرضه جملة من الاراء التي صدرت عن باحثي اللغة العربية المحدثين في تحديد ماهية وحدود مصطلح فقه اللغة وعلاقته بعلم الفيلولوجية وعلم اللغة ، فقد خلص الى ان الباحث مدعو الى انعام النظر في تلك المصطلحات تجنبا لاي لبس ووهم (14) ؛ لان مصطلح فقه اللغة الذي وصف عنده بالعربي القديم الذي " بعث في هذا العصر واشرب معاني جديدة لا تخرج عن دراسة بعض الاصول السامية القديمة وثمرات المنهج المقارن " (15) ، وفي هذه الحال لم نجده يختلف كثيرا عن سابقيه في عرض و مناقشة هذا المصطلح غير انه تبناه بوضوح للدلالة على الدرس الخاص بالعربية وخصائصها كونه الاصلح لدرسنا اللغوي(16).
اما الدكتور تمام حسان في كتابه الاصول دراسة ابستمولوجية " معرفية " فقد وقف عند حدود هذا المصطلح وعرض لدلالته القديمة التي ترشحت عن المصنفات التي حملته عنوانا لها ، والحديثة المتمثلة بالدراسة المقارنة للغات العروبية ، ودراسة اللهجات ، واصوات العربية(17).
وكانت دراسةُ الدكتور تمام حسان تنظرُ الى فقه اللغة ومن وجهة أبستمولوجية ، من باب العلم غير المضبوط أو المعرفة ، يحصلُ بالاستيعاب ، وهو قائمُ على الاستقراء
ص26
التامَّ أي الإحصاء ، لذلك خالف علم اللغة كون الأخير يقومُ على الاستقراء الناقص بغية ضبط النتائج والتحقق منها ، فضلاً عن ذلك قيامهُ على (أعني علم اللغة) الشمول والقياس لسدِّ النقصِ الحاصل في الاستقراء ، والتماسك والاقتصاد (18) .
ويتضحُ من خلال ما تقدم أن علماء القرن الرابع الهجري قصدُوا الى دراسة جديدة للغة العربية ، إذ تمثل ذلك الأمرُ بطرائق تأليف الكتب المتخصصة في اللغة العربية وخصائصها وما يتعلقُ بها من مسائل وقضايا لغوية ، وصارت المادةُ اللغوية محتاجة الى نظر كليٍّ يتجاوزُ (أصول النحو) ليصير علماً لأصول اللغة عامة ، ولم يكن ثمة ما يلبّي هذه الحاجة إلا محاكاةُ علم أصول الفقه وعلم الكلام لما عرفا به من تأصيل للظواهر واستخلاص القواعد وضبط للمسائل.
وبهذه الحال وفي أدنى مقارنة لا يمكن أن ندرج تلك الموضوعات في باب الفيلولوجيا الغربية؛ لأن فقه اللغة عند ابن فارس يعنى بدراسة اللغة على المستويات الصوتية والصرفية والنظمية أو التركيبية والدلالية والأسلوبية والبلاغية ، فضلاً عن ذلك نجدُ أن معظم موضوعات الكتاب متداخلةٌ تداخلاً شديداً بحيث يصعبُ فصلُ كل موضوع عن الآخر لأن كلاً من هذه المستويات لابدَّ من أن يرتكن في عملية التحليل الى المستوى الآخر ، وتلك كانت سمة العصر التي تميزُ منهج القدماء في التأليف أو فقدان المنهج كما يقول بعضُ المحدثين .
فمصطلحُ فقه اللغة العربية كما أوردهُ اللغويون العربُ القدماءُ والمحدثون علمٌ يعنى بدراسة لغة العرب كونها لغةً حية منطوية متمثلة بالقرآن الكريم وقراءاته وفي الحديث النبوي الشريف وفي دراسة كلام الصحابة ، وفي دراسة أشعار العرب وخطبهم وأقوالهم وأمثالهم .
وقد درسوا اللغة العربية بكونها وسيلة لغاية ، وهي فهمُ النص القرآني ، ومعنى ذلك أنهم ينتهون بها الى درس لغة القرآن الكريم، والحقُّ أن العرب وإن كانوا قد
ص27
اتخذوا الدرس اللغوي وسيلة ، فإن هذا الدرس قد انتهى بهم الى أن يكون غاية في حد ذاته لأنهم درسُوا اللغة العربية في مستوياتها الصوتي والصرفي والتركيبي والدلالي وكانت دراساتُهم تلحظُ هذه المستويات دون أن تفرق بينها فهي عندهم كلٌّ متكاملٌ وقد تكونُ منهجيتُهم في الدرس أقرب الى روح اللغة العربية وسننها في بقية المناهج .
ص28
___________________
(1) النثر الفني في القرن الرابع الهجري ، د. زكي المبارك : 2 : 37-38 .
(2) ينظر : المصدر نفسه: 2 :38.
(3) ينظر : قول كراوس في مقدمة كتاب فقه اللغة وسر العربية للثعالبي .
(4) مقدمة لدراسة فقه اللغة: 13.
(5) ينظر : المصدر نفسه: 14.
(6) المصدر نفسه: 14.
(7) ينظر : دراسات في فقه اللغة العربية ، د . صبحي الصالح : 4 .
(8) محاضرات في فقه اللغة د . عصام نور الدين : 27 .
(9) Saussure f de cours de liguistique generale paris edition payotheque 1980 p : 13- 14.
نقلا عن محاضرات في فقه اللغة : 27 .
(10) ينظر : دراسات في فقه اللغة : 19 .
(11) لقد ذهب الاستاذ محمد الانطاكي في كتابه ( الوجيز في فقه اللغة ، والدكتور محمد احمد ابو الفرج في كتابه ( مقدمة لدراسة فقه اللغة ) . الى التسوية بين مفهومي فقه اللغة وعلم اللغة .
(12) المصدر نفسه : 6 .
(13) ينظر : في علم اللغة العام : د. عبد الصبور شاهين : 5-8 .
(14) ينظر : مدخل الى فقه اللغة : 36 .
(15) المصدر نفسه : 36 .
(16) المصدر نفسه : 38 .
(17) ينظر : الأصول دراسة أبستمولوجية ، د. تمام حسان : 270 .
(18) ينظر : المصدر السابق : 11-17 ، 272-275 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|