أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-6-2016
1753
التاريخ: 7-3-2017
2070
التاريخ: 10-3-2018
1974
التاريخ: 20-6-2016
7580
|
أشار ميثاق الأمم المتحدة إلى محكمة العدل الدولية في الفقرة الأولى من المادة السابعة، بوصفها أحد الأجهزة الأساسية للمنظمة، ثم خصص لها الفصل الرابع عشر منه. وتنص المادة (92) من الميثاق على أن "محكمة العدل الدولية هي الأداة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، وتقوم بعملها وفق نظامها الأساسي الملحق بهذا الميثاق…" ويبدو واضحا من هذا النص أن المحكمة جهاز من الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة، ذو اختصاص قضائي وليست منظمة قائمة بذاتها، كما كانت المحكمة الدائمة للعدل الدولي التي لم تكن جهازاً من أجهزة عصبة الأمم، بل منظمة دولية مستقلة. لكن تعد محكمة العدل الدولية في تكوينها وفي وظائفها بمثابة الامتداد الطبيعي للمحكمة الدائمة للعدل الدولي. لهذه المحكمة مهمتان أساسيتان: مهمة قضائية، وأخرى استشارية، يمكن من خلال هاتين المهمتين أن تلعب المحكمة دورا اكثر فاعلية في تحقيق الحل السلمي للمنازعات الدولية، وخاصة القانونية منها، بوصفها الجهاز الوحيد في منظومة الأمم المتحدة، الذي يملك إصدار قرارات ملزمة للدول دون تأثر بالصراعات السياسية أو التكتلات داخل المنظمة الدولية لكونها وسيلة تسوية سليمة عن طريق القانون وليس القوة(1). وقد اظهر الميثاق هذه العلاقة بين المحكمة الدولية وبين هدف تحقيق السلم والأمن الدولي، بما أن محكمة العدل الدولية، محكمة قانون، تفصل فيما يعرض عليها من منازعات وفق أحكام القانون الدولي بموجب المادة (38) من نظامها الأساسي، في هذا تعزيز لمكانة القانون الدولي ودوره في تسوية المنازعات الدولية. أفاد أحد تقارير المحكمة الصادر في عام 1996 إلى تعاظم دورها في وقتنا الحاضر عندما ذكرت المحكمة فيه "بأن من دواعي سرورها أن الدول باتت في السنوات الأخيرة ترفع إليها بصورة متزايدة المنازعات الدولية لتسويتها(2). لا شك إن هذا التطور قد سعت إليه الأمم المتحدة من خلال الجمعية العامة على الرغم من الصعوبات التي تعرضت لها المحكمة من تخفيضات حادة في عدد موظفي قلمها، مواردها المالية في الوقت الذي تدرك فيه المحكمة أن القائمة الطويلة من القضايا قيد النظر التي تفوق طاقتها بكثير بفضل كثرة اللجوء إليها من قبل الدول والمنظمات الدولية، وحتما إن هذه الصعوبات سوف تؤدي إلى عرقلة مسيرة المحكمة ومهمة البت السريع في القضايا المعروضة عليها(3). لا شك أن الدور المرتقب للمحكمة دور مهم يمكن أن تلعبه بوصفها وسيلة سلمية بديلة لاستخدام القوة في العلاقات الدولية، من خلال الفصل في المنازعات الدولية، وإبداء الرأي في المسائل القانونية، التي تعرض عليها، وذلك بتطبيق وتفسير قواعد القانون الدولي من خلال ما يعرض على المحكمة من مسائل، مما يؤدي بالتدرج إلى توحيد مفهوم هذا القانون ودعم دوره في العلاقات الدولية(4). فضلا عن أنها تمكن الدول من تجريد منازعاتها من الطابع السياسي، عندما تعالجها بطريقة بعيدة عن الإثارة، بوصفها هيأة قضائية تتمتع بالحيدة والاستقلالية والنزاهة، وتسعى للحل القانوني لكل المسائل الخلافية بين أعضاء المجتمع الدولي التي عادة ما تمتثل وتستجيب لحكم القانون باعتبار أن الخضوع إلى القضاء لا يشين أحداً، بعكس أية تسوية سياسية تعرض من قبل أحد الأجهزة السياسية في الأمم المتحدة(5). وذلك لان وظيفة القانون الأساسية هي حفظ السلم ومنع الالتجاء إلى القوة، الأمر الذي يؤدي إلى الازدياد التدريجي المضطرد لسلطان القانون الدولي في العلاقات الدولية، بعكس وجهة نظر الفقه التقليدي، الذي يرى أن القانون الدولي لا يصلح لحل المسائل الهامة الكبرى، وان الدول في علاقاتها ببعضها البعض ترفض أن تلزم نفسها بقواعد هذا القانون بقدر ما يؤثر هذا على سياستها، بالتالي ترغب هذه الدول أن تظل قاضي منازعاتها بوصف، المنازعات السياسية، إنها لا تصلح أن تكون محلاً لحل قضائي!!!، وعلى الرغم من أن هناك منازعات ذات أهمية سياسية عالية عرضت على القضاء وسويت بحكم قضائي خالص، وهناك أيضا منازعات قانونية كان ينبغي أن تعرض على القضاء الدولي، كما هو الحال في قضية لوكربي حين رفضت الدول الغربية عرضها على المحكمة(6). ولهذا يرى بعض الشراح، أن الفرق بين المنازعات السياسية والقانونية لا يكمن في طبيعة المنازعة ذاتها، بل في رغبة الدول، فان صدقت نياتها كانت المنازعة قانونية، وان خبثت هذه النيات أصبحت المنازعة سياسية، لأن هذه التفرقة ليست من حيث طبيعة المنازعة لكن من حيث الدرجة فحسب(7). الخلاصة أن التسوية القضائية أداة ملائمة لضمان السلام الدولي حتى في المنازعات السياسية التي تمس المصالح الحيوية المهمة، فاحترام القانون هو خير حماية لهذه المصالح، وانه افضل ضمانة من أية وسيلة شكلية عن طريق التحفظات التي جرت العادة عليها بل هو حتما افضل من الالتجاء إلى القوة(8).
الآراء القضائية في العلاقة بين المحكمة ومجلس الأمن:
في إطار التطبيقات القضائية في بعض القضايا الدولية التي أشارت فيها المحكمة بطريقة غير مباشرة لهذه العلاقة، نورد الأمثلة التالية:
القضية الانجلو-إيرانية عام 1951:
ذهب بعض الشراح لرأي القاضي ALVAREZ الانفرادي في ((انه يجوز لمجلس الأمن أن يختص بمفرده بالنظر في نزاع ما، ويقيد بحث المحكمة للنزاع إذا كان من النوع الذي يهدد السلم)) بينما يرى آخرون "ضرورة احترام اختصاص كل من المجلس والمحكمة، ولا مانع من أن ينظر المجلس هذا النوع من النزاعات التي تلتبس فيها الجوانب السياسية والقانونية وتهدد السلم الدولي إلى جانب محكمة العدل الدولية(9).
قضية بعض نفقات الأمم المتحدة عام 1962:
أشارت المحكمة من خلال رأيها الاستشاري بشأن تفسير اختصاص مجلس الأمن الدولي، إذ ذكرت أن ((المادة (24) من الميثاق إن كانت تنيط بالمجلس بالتبعات الرئيسية في حفظ السلم والأمن الدوليين، إلا أنها لا تنيط ذلك على نحو استئثاري “Exclusive” كما إن المجلس ليس هو الجهاز الوحيد في الأمم المتحدة، الذي يمكنه أن يتخذ كافة التدابير المتعلقة بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين))(10).
قضية موظفي الولايات المتحدة القنصليين والدبلوماسيين عام 1979:
استجابت المحكمة بصورة أساسية لقرار مجلس الأمن رقم 457 الصادر في كانون الأول/ديسمبر 1979، عندما أمرت بالتدابير المؤقتة في 15 كانون/ديسمبر 1979، أكدت المحكمة ضرورة التعاون بين الجهازين.
قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها عام 1984:
في هذه القضية رأت المحكمة ((أن كون مسألة ما معروضة على مجلس الأمن لا ينبغي أن يمنع المحكمة من تناولها، وان الإجراءين كليهما يمكن أن يسيرا جنبا إلى جنب، فللمجلس مهام ذات طابع سياسي منوطة به، في حين أن المحكمة تمارس وظائف قانونية محضة، ولذلك فيمكن للهيئتين كلتيهما أن تمارسا وظائفهما المستقلة والمتكاملة في آن معا بالنسبة للوقائع نفسها))(11).ثم أضافت المحكمة قائلة ((إن شكوى نيكاراغوا ليست حربا مستمرة تتعلق بنزاع مسلح بينها وبين الولايات المتحدة، وانما هي حالة تتطلب تسوية المنازعات بالطرق السلمية))، وهذه الحالة تقع في إطار الفصل السادس من الميثاق، ومن ثم كان من الصحيح عرضها أمام الهيئة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة لتسويتها سلميا. فهذه ليست قضية لا يمكن معالجتها إلا من قبل مجلس الأمن وفقا لأحكام الفصل السابع من الميثاق(12). أما بشأن تعليق المحكمة في القضية نفسها حول المادة (51) من الميثاق، قد لاحظت أن كون الميثاق قد أشار إلى الحق الطبيعي "حق الدفاع الشرعي" بوصفه "حقا" إنما هو دلالة على البعد القانوني لهذا الحق، وترى المحكمة انه إذا تعين عليها في هذه الدعوى أن تحكم في هذا الصدد بين الطرفين، فلا يمكن أن يمنعها من ذلك إجراء يتطلب إبلاغ مجلس الأمن بالأمر(13).
قضية لوكربي لعام 1992:
هذه القضية تعد أول قضية معروضة أمام المحكمة يلجأ فيها مجلس الأمن إلى إصدار قرار ملزم بموجب الفصل السابع من الميثاق، على نزاع يغلب عليه الطابع القانوني، يرى الشراح أن هذه القضية مثل سابقتها قضية نيكاراغوا، نموذجا للتشابك والتعارض والتداخل بين القواعد القانونية الأساسية المقضيات الحيوية السياسية المعنية بالأمن الدولي(14). وحول قرار مجلس الأمن رقم 748/92 الصادر بموجب الفصل السابع في هذه القضية، الذي عارضه القاضي. بجاوي بقوله ((إن مشكلة هذا القرار لا تنحصر في كونه قد تتضمن توقيع جزاءات سياسية ضد ليبيا وانما في كونه قد تعرض لمسألة قانونية محضة، وهي تسليم المتهمين التي تخرج بحكم الميثاق، عن اختصاص مجلس الأمن)) ثم أردف قائلا ((إن القرار سيخلق نوعا من التداخل والتناقض بين جوهر النزاع القانوني الخاضع أصلا لاتفاقية مونتريال وبين قرار المجلس القاضي بضرورة تسليم المتهمين إلى الدول الغربية)) ثم انتهى في رأيه إلى أن ((مسألة التسليم أصبحت محلا لحلين متناقضين أحدهما قانوني والآخر سياسي، الأمر الذي سيخلق حتما تصادماً بين المحكمة والمجلس، خاصة إذا أخذنا في الحسبان أن المحكمة ليست جهة استئناف لقرارات المجلس بحيث تملك تعديلها أو إلغاءها، كما أن المجلس لا يملك أن يحل مكانته المحكمة في ممارسة اختصاصاتها القضائية التي عهد بها الميثاق إليها))(15). في الخلاصة، لا بد أن نشير إلى حقيقة مثل هذه القرارات الصادرة من المجلس في ظل سيطرة الولايات المتحدة على آليات صنع القرار في الأمم المتحدة، على الرغم من الصياغة الذكية لهذه القرارات كما وصفها أستاذي قائلا ((من حيث تأكيدها بمظاهر المشروعية الخادعة بالتزاماتها لحرفية أحكام القانون، ومحاولة مجانبتها للشبهات بينهما تكون بواعثها الباطنية غير منزهة من الغرض أن تسربلت برداء الدعوة للقضاء على الإرهاب وكيفية درء الأخطار المحتمل حدوثها والتي يمكن أن تؤدي إلى تهديد السلام الدولي))(16).
_______________________
- مفيد شهاب: المنظمات الدولية، النهضة العربية، القاهرة، 1985، ص360.
2- تقارير محكمة العدل الدولية، 1 آب/ أغسطس 2000-31/تموز/يوليو 2001.A/56/4 الصفحات 67-68 و70-72، الجمعية العامة، الوثائق الرسمية، الدورة 56 نيويورك 2001.
3- المرجع السابق ذاته.
4- إبراهيم شحاته: المرجع السابق، ص1327.
5- إبراهيم شحاته: المرجع السابق، ص1327.
6- V.G. Debbas: p.649 “The traditional doctrine holds that there are certain categories of international disputes that by their very nature are not appropriate for judicial settlement, As sir, H.Lauterpacht has pointed out.
7- J.HOSTE:, Differends justiciable et non-justiciable, R.D.I.L.C., 1928,p.578.580.
8- A.Beirlaen: p.408-409.
9- عبد الله الاشعل: السياسة الدولية: المرجع السابق، ص60.
J.chappez, p.471 “il exist des precednts saisine devant la cour en indication de mesures conservatoires. Anglo-Irannian oil, C.I.J. Recueil, 1951,p.89-98.
0- محمد السعيد الدقاق: أصول القانون الدولي- دار المطبوعات الجامعية –الإسكندرية-1986-ص320.
11- Jean.M.sorel: p.716 “La cour est d’avis que le fait qu’une question est soumise au conseil de securite’, ne peut pas empecher cette cour d’en connaitre, et que les deux procedures peuvent etre menees parallelement” “le conseil a des attributions politique, La cour exerce des fonctions purement judiciaires.”
2- موجز الأحكام والفتاوى: المرجع السابق "قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في نيكاراغوا وضدها عام 1984 (الولاية والمقبولية) الفقرات (89-90-91-98)، ص191.
3- نفس المرجع السابق: الفقرات (109-110)، ص191.
14- G.Debbas: p.644 “Lockerbie created a potential for conflict between two organs of the UN. Like the previous Nicaragua case, illustrates the complex interrelationship between fundamental norms and vital ongoing political, and security concerns.
15- J.chappez: p.472 “opinions dissident de M.Bedjaoui, ord.p.34-35.
6- نزار جاسم العنبكي: التعسف في استعمال السلطة والانحراف لها في قرارات مجلس الأمن (القانون الدولي وأزمة الخليج) جامعة بغداد-دار الحكمة للطباعة والنشر، بغداد 1992، ص78.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|