أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-8-2017
4419
التاريخ: 12-3-2018
6171
التاريخ: 19-5-2016
4630
التاريخ: 14-3-2017
5286
|
عندما يكون الشخص مريضاً عقلياً، فانه يعجز عن التعبير عن إرادة مستنيرة واعية بأي تدخل علاجياً كان أم جراحياً عندئذ يثار السؤال عن الشخص الذي يجب أن يحل محله في قبول التدخل أو رفضه؟! وقبل الإجابة عن هذا السؤال لابد أن نحدد المرض العقلي وأعراضه، ومن ثم نأتي لتحديد موقف التشريعات المقارنة والفقه والقضاء من مدى الاعتداد بارادة المصاب عقلياً ورضاه في ابرام وتنفيذ العقد الطبي. فالمرض العقلي أو الذهني كما يسمى: هو اضطراب أو انحراف شديد يصيب الشخصية بأكملها فيشمل العمليات العقلية كالتفكير والإدراك والذاكرة والجهاز المعرفي فضلاً عن النواحي النفسية والوجدانية فيسبب ذلك خللاً في نواحٍ كثيرة مثل فقدان الوعي الشامل وعدم القدرة على مواجهة متطلبات الحياة الاعتيادية وعدم القدرة على تمييز الواقع فتظهر على المريض أعراض خطيرة كالهلوسة والهذيان وفقدان الذاكرة(1). والمريض عقلياً يفقد مقدرته على استمرار الاتصال بالواقع فهو يعيش في عالم الخيال والشرود الذهني الخاص به، وتعد علاقته بالمحيطين به شبه مقطوعة وأسباب الإصابة بالأمراض العقلية هذه قد تكون عضوية كأن تنشأ عن خلل عضوي فيزيولوجي أو عصبي دماغي أو قد تكون غير عضوية، والمريض عقلياً هذا يشكل خطراً على نفسه، بل على المجتمع بأكمله، إذ قد يلجأ إلى ايذاء نفسه أو ايذاء من حوله. لذلك يستحسن عزله وذلك بايداعه في المصحات العقلية لأنه في أغلب الأحوال غير واعٍ لحالته ولا يدرك أنه مريض ومن ثم قد يرفض التدخل الطبي أياً كان نوعه لأن إرادته معطلة أو معدومة بشكل كلي(2).وبهذا لابد أن نبين أولاً كيف ينشأ العقد الطبي مع المريض عقلياً ومن ثم نبحث عن رضاه في تنفيذ العقد الطبي. فبالنسبة إلى رضاء المريض عقلياً في ابرام العقد الطبي لابد أن نميز بين حالتين:
الحالة الأولى:
إذا لم يصدر قرار طبي بعزل المريض العقلي وايداعه في المصحات العقلية واستشف الطبيب مقدرته على التعبير عن إرادته ورضاه في قبول العلاج من عدمه، ففي هذه الحالة لابد من الاعتداد برضاه في ابرام العقد الطبي لأن لديه المقدرة على التعبير عن رضاه في تلقي العلاج من الطبيب المختص، بمعنى أن العقد في هذه الحالة يبرم بين الطبيب والمريض عقلياً.
الحالة الثانية:
إذا كان قد صدر قرار طبي يقضي بعزل المريض عقلياً وايداعه في المصحات الخاصة بهذا الشأن كونه يشكل خطراً على حياته وحياة المحيطين به، فمن المؤكد يتعذر عليه في هذه الحالة التعبير عن إرادته في ابرام العقد الطبي لذلك فان العقد سيبرم في هذا الفرض بين الطبيب وذوي المريض، أي من يمثله.
أما عن رضاء المريض عقلياً في تنفيذ العقد الطبي لابد من الرجوع إلى موقف التشريعات(3). بهذا الخصوص فقد جاء في البند (تاسعاً) من تعليمات السلوك المهني للأطباء وتحت عنوان المسؤولية ورضا المريض ما يأتي: (.…. لا حاجة للطبيب لاستحصال الرضا في وقائع العوارض التي يفقد فيها المريض وعيه وإرادته وتتطلب إسعافاً مستعجلاً وبوسع الطبيب أن يقوم بمعالجة المجانين حتى مع استعمال القوة). يتضح لنا من هذا النص أن المشرع العراقي قد منح الطبيب صلاحية فرض العلاج حتى مع استعمال القوة بهذا جاء في صيغة منتهكة لحرمة الجسد ومعصوميته، فضلاً عن أنه لم يأخذ بنظر الاعتبار حالة المريض العقلية الذي بامكانه التعبير عن رضاه في تنفيذ العقد الطبي في الفروض التي يستطيع فيها التعبير عن إرادته، وحتى المجنون وان كان عديم الأهلية والتمييز فان هذا لايعني تجاهل إرادته بشكل مطلق، لأنه قد يمر بفترات إفاقة ومن ثم لابد من الاعتداد برضاه في تنفيذ العقد الطبي لأن تصرفاته في حالة إفاقته كتصرفات العاقل، هذا ما نصت عليه المادة (108) من القانون المدني العراقي بقولها: (المجنون المطبق هو في حكم الصغير غير المميز، أما المجنون غير المطبق تصرفاته في حالة إفاقته كتصرفات العاقل). أما في الفروض التي لا يمر فيها بفترة إفاقة فان الطبيب يبقى ملتزماً باحترام إرادة المريض وليس بامكانه أن يفرض عليه علاجاً معيناً بالقوة، إنما عليه أن يحصل على رضاء من يمثله لينفذ العقد الطبي. كذلك الحال بالنسبة إلى المريض العقلي، فصحيح أن لا إرادة له إلا أن هذا ليس مطلقاً، فاذا أبرم العقد مع الطبيب ومن ثم فقد إرادته فان الرضاء اللازم لتنفيذ العقد الطبي سوف يصدر ممن يمثله، أما لو كان المريض عقلياً فاقداً لإرادته عند ابرام العقد وأبرم العقد الطبي مع من يمثله إلا أن الطبيب وجد بعد ابرام العقد أن المريض العقلي لديه القدرة الكاملة على قبول التدخل الطبي من عدمه فانه يمكن الاعتداد برضاه هذا في تنفيذ العقد الطبي لذلك يجب الاعتداد بارادة المريض عقلياً في الفروض التي يستطيع فيها التعبير عن رضاه أو رفضه للتداخلات الطبية التي تقتضيها حالته الصحية. لكن ما العمل لو كان المريض عقلياً مودعاً في المصحة العقلية والخاصة بهذا الشأن وتعذر عليه التعبير عن رضاه في علاج معين حدده الطبيب المعالج لحالته كالعلاج بالصدمات الكهربائية على سبيل المثال وبالوقت نفسه رفض من يمثله قبول هذا النوع من العلاج؟! هل تستطيع المصحة العقلية أن تفرض هذا العلاج على المريض دون رضائه ورضاء من يمثله؟! في هذا الفرض أن المصحة العقلية استندت إلى رضاء من يمثل المريض في ابرام العقد الطبي إلا أن هذا لا يغطي الرضاء المطلوب في تنفيذ العقد الطبي بالعلاج في الصدمات الكهربائية، فلابد من الحصول على رضاء خاص بتنفيذ هذا العقد وبما أن المريض لا يستطيع التعبير عن إرادته؛ ومن يمثله يرفض هذا النوع من العلاج لابد من البحث عن حل يوفق بين هذه المسائل ومصلحة المريض. ونحن أمام غياب نص تشريعي في هذا الجانب نرى من الضروري التوفيق بين أمرين، الأول: مصلحة المريض، والثاني: حماية الطبيب، إذ أن قيامه بأي عمل طبي دون الحصول على رضاء المريض أو رضاء من يمثله يوجب مسؤوليته.
لذلك فان بامكان المصحة العقلية أن تفرض هذا النوع من العلاجات على المريض وفقاً للشروط الآتية:
1. لابد من الحصول على شهادة طبية من الطبيب المتابع لحالة المريض العقلي يؤكد فيها ضرورة إخضاعه لهذا النوع من العلاج ومبررات ذلك.
2. تدوين محضر يتضمن رفض من يمثل المريض للعلاج.
3. تقديم تقرير طبي صادر من لجنة مكونة من ثلاثة أطباء يؤكدون فيه ضرورة إخضاع المريض العقلي لهذا النوع من العلاج.
لذلك نأمل من مشرعنا ايراد نص بهذا الخصوص يقضي بما يأتي:
(أ. يجب على الطبيب أن يحترم إرادة مريضه بأي تدخل طبي مراعاة ما يأتي:
1. إذا كان الشخص مريضاً عقلياً فعلى الطبيب الاعتداد بارادته خلال فترات الإفاقة بقبوله للتدخل الطبي أو رفضه اياه، إلا إذا شكل ذلك خطراً على حياته.
2. يلتزم الطبيب باحترام إرادة ورضا من يمثل المريض عقلياً في الأحوال التي لا يمر فيها بفترة إفاقة.
3. في الفروض التي لا يوجد من يمثل المريض عقلياً يبقى على عاتق الطبيب التزام باحترام إرادة مريضه وذلك من خلال الحصول على رضاء ورأي طبيبين أخصائيين مع رضاء أحد علماء الإسلام.
ب. إذا رفض من يمثل المريض عقلياً والمودع في المصحات الخاصة إخضاعه لنوع معين من العلاج فان من حق المصحة فرض العلاج على هذا المريض بعد مراعاة الاعتبارات الآتية:
1. صدور شهادة طبية من الطبيب المعالج تبين ضرورة إخضاع المريض للعلاج المقترح.
2. تدوين محضر يتضمن رفض من يمثل المريض للعلاج المقترح.
3. تقديم تقرير طبي من ثلاثة أطباء بين فيه ضرورة إخضاع المريض للعلاج المقترح).
ان ايراد مثل هذا النص أمر ضروري وذلك للاعتبارات الآتية:
1. لأنه وضع مبدأً عاماً يقضي بضرورة احترام إرادة المريض بأي تدخل طبي علاجياً كان أم جراحياً.
2. كما أنه ألزم الطبيب باحترام إرادة المريض عقلياً في فترة الإفاقة لأنه يستطيع أن يعبر عن إرادته عند الإفاقة بقبوله أو رفضه لنوع التدخل الطبي.
3. في الأحوال التي لا يمر فيها المريض عقلياً بفترة إفاقة، فان التزام الطبيب باحترام إرادة المريض بالحصول على رضائه في تنفيذ العقد الطبي ينتقل إلى من يمثل المريض.
4. ان العبارة المطلقة التي جاء بها النص المقترح في فقرته الثالثة (رضا من يمثل المريض) جديرة بالثناء، إذ إنها لم تضع قيداً على الطبيب بضرورة الحصول على رضا من يمثله من أقاربه أو أهله حصراً، بل أنها شملت حتى الأصدقاء أو المعارف المقربين والمرافقين له.
5. كما عالج النص المقترح الفرضية التي لا يوجد مع المريض عقلياً من يمثله وهذه حالة كثيرة الوقوع، فهناك الكثير من المتخلفين عقلياً الذين لم يجدوا من يأويهم ويراعي مصالحهم، فاذا ما نُقِلَّ هؤلاء إلى المستشفيات لتعرضهم لحادث على سبيل المثال أو لإصابتهم بمرضٍ ما لابد من أن يحترم الطبيب إرادتهم وهذا يكون من خلال الحصول على رأي ورضا طبيبين اختصاصيين، أو على الأقل الحصول على رضاء أحد العلماء بذلك، إلا أنه في الواقع العملي لمهنة الطب يتبين لنا أن الأطباء في مثل هذه الفروض يلجؤون إلى أخذ رضاء ذوي المريض عقلياً وعند عدم وجود ذوي له لابد من أخذ رضاء مدير المصحة العقلية(4).
6. كما عالج النص المقترح مسألة في غاية الأهمية وهي حالة المريض العقلي المودع في المصحات الخاصة بهذا الشأن الذي تتطلب حالته نوعاً معيناً من العلاج ومن اجل تنفيذ العقد الطبي لابد من الحصول على رضاء من يمثله لكن في حالة رفضهم أخذ هذا النص بعين الاعتبار مصلحة المريض وحماية الأطباء من المسؤولية وذلك بتحديده لشروط معينة متى توافرت جاز فرض العلاج على المريض دون اعتداد برضاء من يمثله ودون تعريض الطبيب للمساءلة القانونية. أما عن موقف التشريعات المقارنة بهذا الخصوص فان المشرعين المصري والأردني، لم ينظما هذه المسألة، إلا أن المشرع اللبناني نظمها بصيغة أفضل بكثير مما هي عليه لدى مشرعنا العراقي، إذ نصت المادة (27/ ف9) من قانون الآداب الطبية اللبناني على أنه: (إذا رفض المصاب أو المتخلف عقلياً تناول العلاجات المقترحة يسمح لأقاربه وللطبيب الاستغناء عن موافقته المسبقة) فهذا النص جاء موافقاً لآداب ممارسة مهنة الطب بالزام الطبيب باحترام إرادة مريضه، أما في الأحوال التي يرفض المريض عقلياً العلاج، فبامكان الطبيب الحصول على رضا من يمثله من أقاربه والاستغناء عن رضائه لانعدام قدرته على التعبير عن إرادته، إذ أن المريض عقلياً قد يبرم العقد مع الطبيب لكن عند تنفيذه يفقد إرادته ولا يستطيع أن يعبر عن رضاه في تنفيذ العقد لذلك على الطبيب أن يعتد برضاء من يمثله في تنفيذ العقد. كما أن المشرع الجزائري هو الآخر اهتم بتنظيم حالة المريض عقلياً والذي أطلق عليه لفظ البالغ العاجز في نص المادة (52) والتي جاء فيها: (يتعين على الطبيب أو جراح الأسنان المطلوب منه تقديم العلاج ... أو لعاجز بالغ أن يسعى جاهداً لإخطار الأولياء أو الممثل الشرعي ويحصل على موافقتهم ويجب على الطبيب أو جراح الأسنان في حالة الاستعجال أو تعذر الاتصال بهم أن يقدم العلاج الضروري للمريض …….. وأن يأخذ في حدود الإمكان رأي العاجز البالغ بعين الاعتبار إذا كان قادراً على إبداء رأيه). فهذا النص ألزم الطبيب بالسعي جاهداً لإخطار من ينوب عن المريض من اجل الحصول على الرضاء باعطائه العلاج واستثنى من ذلك حالة الضرورة أو تعذر الاتصال بمن ينوب عنه مع الأخذ بنظر الاعتبار رأي المريض العاجز إذا كان قادراً على ابداء رأيه. كما أن المشرع اليمني هو الآخر اهتم بتنظيم هذه المسألة، إذ جاء في المادة (22) من قانون مزاولة المهن الصحية ما يأتي: (…… أما إذا كان المريض فاقد الوعي …… أو كان مصاباً بعاهة تمنعه من التعبير عن إرادته فتؤخذ موافقة ولي أمره). ونحن نرى أن المريض عقلياً يدخل ضمن المصاب بعاهة تمنعه من التعبير عن إرادته، ففي هذا الفرض يقع على الطبيب التزام بالحصول على رضا من يمثله (ولي أمره) كما جاء في النص، إلا أننا نرى أنه كان من الأولى أن لا يحصر المشرع ذلك بولي الأمر فقد لا يوجد الأخير، فما الحل؟ هل يفرض الطبيب إرادته على مريضه؟! أما عن موقف المشرع الفرنسي، فقد قضت المادة (42) من قانون أخلاقيات المهنة بضرورة إلزام الطبيب بالحصول على رضاء من يمثل الشخص الفاقد لأهليته مع الأخذ بنظر الاعتبار رضا فاقد الأهلية نفسه في الحدود الممكنة، أي الأخذ برضاه في فترة الإفاقة، وهذا ما أكده الفقه الفرنسي(5). إذ بذل جهداً كبيراً في هذا الخصوص، وذهب إلى أن المريض عقلياً قد يمر بفترات إفاقة وهذا يسمح للطبيب أن يكتفي برضاه الصادر في هذه الفترة لإجراء التدخل الطبي المطلوب في تنفيذ العقد الطبي. وهذا الاتجاه تبنته المحاكم الفرنسية والأمريكية، فقد قضت محكمة (Poitiers) الفرنسية في قضية ملخصها: أن سيدة تمت إقامتها وصية على ابنتها الحامل والمصابة بانفصام في الشخصية وقد دخلت المستشفى بسبب ذلك المرض فطلبت الأم إخضاع ابنتها لعملية إجهاض علاجي في حين أن الابنة رفضت ذلك في فترة الإفاقة، وأصرت على رغبتها في الاحتفاظ بجنينها، وقرر الخبراء في تقريرهم أن الإجهاض المرفوض إذا بوشر جبراً فان نتائجه سوف تكون بالغة الخطورة على المريضة وأن نسبة احتمال انتقال المرض النفسي إلى الجنين لا تتجاوز 10%، وهكذا رفضت المحكمة منح الإذن بالإجهاض احتراماً منها لإرادة المريضة، لأنها رفضت ذلك في فترة إفاقتها(6). فقرار المحكمة هذا جديرٌ بالثناء لأنه اعتد بارادة المريضة المصابة بانفصام الشخصية في فترة الإفاقة، فألزم الطبيب باحترام هذه الإرادة لأن رفضها لعملية الإجهاض قد صدر في حالة وعي وإدراك على الرغم من أن الأم هي التي أبرمت العقد الطبي مع الطبيب باعتبارها وصية على ابنتها، إذ أن المريضة لم تكن لديها القدرة على التعبير عن إرادتها برضاها في ابرام العقد، فان الطبيب وجد عند تنفيذ العقد الطبي أن المريضة كانت قد مرت في فترة إفاقة تمكنها من التعبير عن إرادتها ورضاها في قبول التدخل الطبي من عدمه وفعلاً اعتد الطبيب برفضها الخضوع لعملية الإجهاض على اعتبار أن رفضها قد صدر في حالة وعي وإدراك لا يمكن تجاهلهما. وقضت محكمة ولاية بنسلفانيا الأمريكية بقرارٍ لها في قضية تتلخص وقائعها بأن سيدة كانت تعالج بأحد المصحات العقلية فرفضت إجراء جراحة لها لاستئصال ورم سرطاني بالثدي على اعتبار أنها تخشى من نتائج الجراحة، لوفاة إحدى صديقاتها عقب جراحة مماثلة، كما أن هذه الجراحة سوف تؤثر على قدرتها على الإنجاب، علماً أن عمرها (60) عاماً فجاء بمسوغات الحكم: (أنه على الرغم من الأسباب الواهية التي ذكرتها المريضة التي تتصف بالهوس (Delusional) إلا أنها مع ذلك كانت متمتعة بقدر مقبول من الإدراك على نحو يسمح لها باتخاذ قرار قبول أو رفض العلاج، وأضافت المحكمة أنه لاتوجد ثمة مصلحة اجتماعية تحتم إجبارها على الخضوع للعلاج وأن خضوعها للعلاج النفسي لا يعني سلب إرادتها في رفض المساس بجسمها)(7). فقرار المحكمة هذا جدير بالتأييد؛ فعلى الرغم من أن السيدة كانت تعالج بالمصحات العقلية، اعتدت المحكمة بارادتها على اعتبار أن وجودها في هذه المصحات لا يسلب إرادتها في قبول العلاج أو رفضه لتنفيذ العقد الطبي وحتى الأسباب الواهية التي استندت اليها المريضة والمتعلقة بتأثير الجراحة في قدرتها على الإنجاب في حين أن عمرها تجاوز الستين عاماً لم تؤثر في المبدأ الأساسي لعلاقة المريض بطبيبه ألا وهو احترام إرادته، فالمحكمة احترمت إرادة هذه السيدة على اعتبار أنها ما زالت تتمتع بقدر مقبول من الوعي والإدراك. من كل ما تقدم نخلص إلى أنه يجب على الطبيب كمبدأ عام احترام إرادة مريضه، أما في الأحوال التي يصعب على المريض التعبير عن إرادته كأن يكون مصاباً بمرض عقلي فهنا نميز بين حالتين:
الحالة الأولى: إذا تخلل المرض فترات إفاقة؛ فيجب الاعتداد بارادته ورضاه بقبول العلاج أو رفضه.
والحالة الثانية: إذا لم يتخلل المرض فترة إفاقة، فيجب احترام إرادة المريض ورضاه من خلال من يمثله هذا في الفروض التي لم يودع المريض عقلياً في المصحات الخاصة بهذا الشأن.
لكن إذا وضع المريض في المستشفيات المتخصصة بهذا الشأن من سيكون صاحب الحق في إصدار الرضاء اللازم لتطبيق العلاج الطبي عليه؟! ذهب جانب من الفقه(8). إلى حسم هذه المسألة وذلك بالتمييز بين العلاج البسيط وصور العلاج الخطرة: فبالنسبة إلى النوع الأول كحالة الكشف عن المريض وإعطائه العلاجات المهدئة مثلاً، فبامكان المستشفى أن يقوم بذلك دون حاجة إلى طلب رضاء خاص بهذا الشأن لا من المريض ولا ممَنْ يمثله لأن القول بعكس ذلك سوف يفرض على الطبيب التزاماً بالحصول على الرضاء بالنسبة إلى كل عمل من الأعمال الطبية التي يقوم بها مما يؤدي إلى شل حركة الطبيب وتعطيل العلاج ذاته. أما الأعمال الطبية المهمة أو الخطرة، كما هو الحال في الصدمات الكهربائية أو العمليات الجراحية مثلاً، فان المستشفى بمثل هذا الفرض لا يستطيع من تلقاء نفسه أن يخضع المريض لهذه الأنواع من العلاج، استناداً إلى رضاء المريض عند دخوله المستشفى أو استناداً إلى رضاء الأهل عند قيامهم بايداع المريض في المصحة إذ أن الرضاء الخاص في ابرام العقد الطبي لا يقوم مقام الرضاء الخاص بتنفيذه خاصةً وأن هذه الأعمال على درجة عالية من الخطورة، فلابد من الحصول على رضا مَنْ يمثل المريض، ويستثنى من ذلك الحالات التي تتطلب علاجاً ضرورياً أو عاجلاً لانقاذ حياة المريض، أي حالة الضرورة، إذ بامكان المستشفى القيام بذلك بعد الاستغناء عن رضا المريض ورضا من يمثله وبامكانها أيضاً أن تستغني عن رضاء من يمثل المريض العقلي وتفرض عليه العلاج المقترح بعد مراعاة الشروط المنصوص عليها.إذاً، يتضح لنا من كل ما تقدم أن الرضاء اللازم لابرام العقد الطبي من قبل المريض أو ممن يمثله لا يغطي ولا يقوم مقام الرضاء اللازم لتنفيذه، لأن الرضاء الأول هو ركن في العقد لابد منه كي ينهض العقد مع بقية الأركان الأخرى (المحل، السبب) ومتى زال ركن الرضا انهار العقد، أما الرضاء الثاني فهو التزام يقع على عاتق الطبيب تجاه المرضى عند تنفيذ العقد الطبي ومتى أخل الطبيب بالتزامه هذا نهضت مسؤوليته العقدية تجاه المرضى. وعليه لو ابرم المريض عقلياً وهو على قدر من الوعي والإدراك العقد الطبي مع الطبيب وبعدها فقد وعيه وإدراكه فلكي ينفذ الطبيب التدخل الطبي اللازم لحالة المريض لابد من أن يحصل على الرضاء، ولتعذر إمكانية المريض في التعبير عن رضاه في الخضوع للتدخل الطبي بهذه الفترة لابد من قيام الطبيب بالحصول على رضاء من يمثله، ولو حصل العكس أي لو كان الشخص الذي أبرم العقد الطبي مع الطبيب هو من يمثل المريض، إلا أن الطبيب وجد عند تنفيذ العقد الطبي أن المريض لديه القدرة الكافية على التعبير عن رضاه في قبول التدخل الطبي أو رفضه فله الاعتداد بذلك مع إقرارنا بصعوبة تقدير إمكانية وقابلية هذا المريض في التعبير عن إرادته من قبل الأطباء في فترات الإفاقة.
______________________________
- ينظر: ندى سالم ملا علو، المصدر السابق، ص13.
2- ينظر تفصيلاً في تمييز المريض العقلي من المرض النفسي: ندى سالم ملا علو، المصدر السابق، ص14-16.
3- كما أشار مشروع دستور السلوك المهني الطبي العراقي في البند (ثامناً/ الفقرة 5) إلى ذلك بقوله:
(بوسع الطبيب المختص أن يقوم بمعالجة المصابين بأمراض عقلية حتى مع استعمال القوة المناسبة وفي الحد الأدنى في الحالات التي تحتاج إلى مثل هذا الإجراء وبحضور الطبيب شخصياً).
4- ينظر: نتائج الاستبيان في الملحق رقم (2)، وتجدر الاشارة في هذا المجال إلى حالة المريض النفسي، إذ يعتد الطبيب بإرادته في إبرام العقد الطبي وتنفيذه ما لم يصدر قراراً طبياً بإيداعه لدى المصحات الخاصة بهذا الشأن.
5-Louis Melennec, Op.Cit., P.53.
6- أشار إليه: د. جابر محجوب علي، الرضا عن الغير في مجال الأعمال الطبية- دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001، ص51.
7- نقلاً عن: د. مصطفى عبد الحميد عدوي، المصدر السابق، ص95.
8- د. جابر محجوب علي، الرضا عن الغير في مجال الأعمال الطبية، المصدر السابق، ص54 ومابعدها.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|