أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-06-2015
5967
التاريخ: 24-11-2015
5697
التاريخ: 9-05-2015
5860
التاريخ: 14-11-2014
6544
|
نبهت الروايات على ضرورة أن يكون الداعي – إضافة الى كونه مؤمناً – متوجها بكليته ، بعقله وقلبه الى الله أثناء دعائه ، وبنية صادقة ، ونفس مطمئنة بقدرته سبحانه وحده على استجابة دعائه ، متيقناً الاستجابة ، بحيث يكون توجهه الى ربه خالصا من أية شائبة شرك ، فلا يدعو الله وقلبه متعلق لإنجاح مطلبه بجهة أخرى يأمل أو يحتمل أنها قادرة في عرض الله على أن تحقق غرضه ، أو يدعو ربه وقلبه منشغل ومشغوف بالدنيا وعلائقها وأسبابها ، بل عليه أن يكون حال دعائه منقطعاً الى الله عن كل ما عداه .
وفي هذا المعنى يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) :
(إن الله عز وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساهٍ فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن بالإجابة) (1)
كما ينبغي للداعي أن يسمي حاجته عند الدعاء .
يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) :
(إن الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه ، ولكنه يحب أن تبث إليه الحوائج ، فإذا دعوت فسم حاجتك) (2) .
كما أن الأفضل إخفاء الدعاء ، فعن الإمام علي الرضا (عليه السلام) : (دعوة العبد سراً دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية) (3) .
كما يطلب في الداء الخشوع والاستكانة والتضرع ، فقد ورد عن الامام محمد الباقر (عليه السلام) ، وقد سأله أحد أصحابه عن قول الله عز وجل : { فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } [المؤمنون: 76] :
(الاستكانة هي الخضوع ، والتضرع هو رفع اليدين (أثناء الدعاء) (4) .
كما يستحب الثناء على الله قبل الدعاء (5) ، والاجتماع مع اخوانه المؤمنين أثناء (6) ، والعموم (7) بالدعاء لنفسه ولإخوانه ، والصلاة على محمد وأهل بيته (عليهم السلام) (8) .
وقد ذكرت أوقات وحالات ترجى فيها الاجابة للدعاء ، نذكرها حسب ورودها في السنة الشريفة عن أئمة اهل البيت (عليهم السلام) (9) : عند هبوب الرياح ، وزوال الأفياء(10) ، ونزول المطر ، وأول قطرة من دماء القتيل المؤمن ظلماً ، وفي صلاة الوتر ، وبعد الفجر ، وبعد الظهر ، وعند قراءة القرآن ، وعند الأذان ، وعند التقاء الصفين في الجهاد ، وفي الأسحار ، وإذا اقشعر المؤمن عند ذكر الله ودمعت عيناه . . الخ .
ولا فرق بين أن يكون الدعاء خوفاً من الله ، أو طمعاً في رحمته ، ورغبة في نعمته ، وفي حالة الاضطرار .
قال تعالى : {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } [الأعراف: 56].
ويقول سبحانه عن الأنبياء :
{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] .
وقال تعالى :
{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62].
كما يحرم الدعاء بما لا يحل ، فقد ورد عن علي (عليه السلام) قوله : (لا تسأل ما لا يكون وما لا يحل) (4) .
ومعنى ما لا يكون ، ما يستحيل وجوده .
وما لا يحل ، الدعاء بمحرم ، كأن يدعو بوزال نعمة أو نزول نقمة على أو عن مؤمن بغير حق ، أو يدعو الانسان على نفسه بالشر .
وقد ذم الله سبحانه الذي يدعو بمثل ذلك . قال تعالى :
{وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11].
وروي عن الامام علي بن الحسين (عليه السلام) أنه قال : (إن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه ، قالوا له : بئس الأخ أنت لأخيك ، كف أيها المستتر على ذنوبه وعورته ، وأربع على نفسك ، واحمد الله الذي ستر عليك ، واعلم أن الله عز وجل أعلم بعبده منك) (5) .
ولا بأس أن نشير هنا ، الى بعض اشكاليات حول الدعاء وأحوال الداعي فيه . أهمها :
1- إن الله بحسب عقيدتنا لا يخلو منه مكان ولا زمان ، فلم يرفع الداعي يديه نحو السماء حالة دعائه ؟
والجواب : إن الداعي المؤمن ، يعلم ويعتقد بأنه الفقير الى الله ، وأن الله هو الغني ، وبأنه عبد الله ، وأن الله هو المعبود ، وأن عبوديته تقتضي أن يكون موقفه موقف الذليل بين يدي سيده ، فرفع اليدين في الدعاء لا يحدد جهة الله ، وإنما يعكس تواضع الداعي وفقره تجاه علو مدعوه وغناه ، فهو مجرد تعبير عن حالة الداعي ولا ربط لها بتشخيص مكان المدعو .
وبهذا المعنى وردت رواية عن الامام علي الرضا (عليه السلام) ، وقد سأله رجل : ما بالكم إذا دعوتم رفعتم أيديكم الى السماء ؟ فقال (عليه السلام) : (إن الله استعبد خلقه بضروب من العبادة . . . واستبعد خلقه عند الدعاء والطلب والتضرع ، ببسط الأيدي ورفعها الى السماء لحال الاستكانة علامة العبودية والتذلل له) (6) .
2- إذا كان الدعاء بهذه المكانة في الاسلام ، والمدعو هو الله الغني ، وهو الذي فتح هذا الباب لعباده ، ووعدهم بأنه قريب سميع مجيب ، فما بالنا نرى كثيراً ممن يدعون فلا يستجاب لهم ؟
والجواب : إن العلة في الداعي نفسه ، فقط يكون دعاؤه الله مشوبا بسوء ظنه به سبحانه ، أو مع شكه في قدرته تعالى ، والله سبحانه يقول : {وَلْيُؤْمِنُوا بِي } [البقرة: 186] يعني : يثقوا بي وبإجابتي دعاءهم ، ويقول تعالى : {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: 14]. كما أنه قد يدعو بشيء هو شر له ، ويعلم الله بأن ما يدعو به لا مصلحة له فيه فيحجبه عنه . وقد يكون دعاؤه بأمر محرّم ، سواء التفت الى ذلك أو لا . وقد يكون مقتضى الحكمة والمصلحة في أن الدعاء عبادة قائمة بذاتها ، وقد تعلقت إرادة الله سبحانه بها ، فيكون للعبد ثواب وقرب من ربه بسببها ، وهذا فيه خير للعبد أعظم من الخير في اجابة حاجته .
وقد يكون الوجه في عدم الاجابة لحاجة العبد في الدنيا ، أن يدخر له ما هو أعظم منها لآخرته ، أو يدفع عنه من الشرور ما ينوء به ، فهو خير مما لو أعطاه ما طلب .
وغالباً ما تكون عدم استجابة الله سبحانه لدعوة عبده ، لعدم توفر شروط الداعي أو بعضها فيه ، وأهمها المعرفة والايمان والتسليم واليقين ، وقد قيل لأحد العارفين : ما بالنا ندعوا لله فلا يستجيب لنا ؟ فقال : (لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه ، وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته ، وعرفتم القرآن فلم تعملوا بما فيه ، وأكلتم نعمة الله فلم تؤدوا شكرها ، وعرفتم الجنة فلم تطلبوها ، وعرفتم النار فلم تهربوا منها ، وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه ، وعرفتم الموت فلم تستعدوا له ، ودفنتم الأموات فلم تعتبروا بهم ، وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس) (7) .
وقد عالجت بعض الروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) (8) هذه الإشكالية . فقد ورد عنه (صلى الله عليه واله) قوله :
(إن العبد ليدعو الله وهو يحبه ، فيقول : يا جبرئيل لا تقض لعبدي هذا حاجته ، وأخرها فإني أحب أن أسمع صوته . وأن العبد ليدعو الله وهو يبغضه ، فيقول : يا جبرئيل ، إقض لعبدي هذا حاجته بإخلاصه وعجلها ، فإني أكره أن أسمع صوته) .
وعن علي (عليه السلام) : (ربما أخرت عن العبد اجابة الدعاء ليكون أعظم لأجر السائل ، وأجزل لإعطاء الآمل) .
ونختم هذا الموضوع بما يلامسه من وصية إمام المتقين علي (عليه السلام) لولده الحسن المجتبى (عليه السلام) . قال :
(وعلم ان الذي بيده خزائن السماوات والأرض ، قد أذن لك في الدعاء ، وتكفل لك بالإجابة ، وأمرك أن تسأله ليعطيك ، وتسترحمه ليرحمك ، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه ، ولم يلجئك الى من يشفع لك اليه . . فإذا ناديته سمع نداك ، وإذا ناجيته علم نجواك ، فأفضيت (9) إليه بحاجتك ، وأبثثته (10) ذات نفسك (11) ، وشكوت اليه همومك ، واستكشفته كروبك (12) ، واستعنته على أمورك ، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على اعطائه غيره ، من زيادة الأعمار ، وصحة الأبدان ، وسعة الأرزاق ، ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه ، بما أذن لك فيه من مسألته ، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته ، واستمطرت شآبيب (13) رحمته ، فلا يقنطنك إبطاء اجابته ، فإن العطية على قدر النية ، وربما أخرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السائل وأجزل لعطاء الآمل ، وربما سألت الشيء فلا تؤتاه ، وأوتيت خيراً منه عاجلاً أو جلاً ، أو صرف عنك لما هو خير لك ، فلربما أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته . . . ) (14) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أصول الكافي ، م . س ، 2/ الباب 404 ، الإقبال على الدعاء .
(2) م . ن ، 2 ، الباب 406 ، تسمية الحاجة في الدعاء .
(3) م . ن ، 2 ، الباب 407 ، إخفاء الدعاء .
(2) أصول الكافي ، 3 ، الباب 409 ، الرغبة والرهبة .
(3) م . ن ، 2 ، الأبواب 411 و 412 و413 و415 .
(4) المصدر السابق .
(5) المصدر السابق .
(6) المصدر السابق .
(7) راجع م . ن ، 2 ، الباب 408 .
(8) أي الظلال .
(4) بحار الأنوار ، 93/324 .
(5) أصول الكافي ، 2 ، الباب 425 .
(6) وسائل الشيعة ، 4 ، الباب 12 من أبواب الدعاء ، ح6 .
(7) راجع تفسير مجمع البيان ، للطبرسي ، 1/279 .
(8) راجع أصول الكافي ، 2/ الباب 414 ، من ابطأت عليه الإجابة .
(9) أفضيت : ألقيت .
(10) ابثثته : كاشفته .
(11) ذات نفسك : حالتها .
(12) استكشفته كروبك : طلبت منه كشف غمومك .
(13) شآبيب : جمع شؤبوب وهو الدفعة من المطر .
(14) نهج البلاغة ، الكتاب رقم/ 31 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|